كتاب الجهاد من سبل السلام (11)

نعم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعد،

قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في باب السبق والرمي:

"السَّبْقُ: بِفَتْحِ (السِّينِ) الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُقَالُ بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ."

سَبَق.

"وَهُوَ الرَّهْنُ الَّذِي يُوضَعُ لِذَلِكَ. وَالرَّمْيُ: مَصْدَرُ رَمَى، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُنَاضَلَةُ بِالسِّهَامِ، وهي المرماة بالسهام لِلسَّبْقِ.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالْخَيْلِ الَّتِي قَدْ ضُمِّرَتْ، مِنْ التَّضْمِيرِ، وَهُوَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنْ تُظَاهَرَ عَلَيْهَا بِالْعَلَفِ حَتَّى تَسْمَنَ ثُمَّ لَا تُعْلَفَ إلَّا قُوتَهَا لِتَخِفَّ، زَادَ فِي الصِّحَاحِ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ تُسَمَّى الْمِضْمَارَ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُضَمَّرُ فِيهِ الْخَيْلُ مِضْمَارٌ، وَقِيلَ: تُشَدُّ عَلَيْهَا سُرُوجُهَا وَتُجَلَّلُ بِالْأَجِلَّةِ حَتَّى تَعْرَقَ فَيَذْهَبَ رَهَلُهَا، وَيَشْتَدَّ لَحْمُهَا.

مِنْ الْحَفْيَاءِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ (الْفَاءِ).."

معلوم أنَّ السمين من الدواب ومن بني آدم أيضًا إذا خفَّ سِمَنه، خفَّ وزنه ونقص ما فيه من زيادة في اللحم والشحم أنَّه يترهل جسمه، ويرتخي، لكنه مع التضمير ومع الرياضة ينشد، وهذا شيء مجرب.

أحسن الله إليك.

"مِنْ الْحَفْيَاءِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ (الْفَاءِ) بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مَمْدُودَةٌ وَقَدْ تُقْصَرُ، مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ أَمَدُهَا (بِالدَّالِ) الْمُهْمَلَةِ أَيْ غَايَتُهَا، ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ مَحَلٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْمَدِينَةِ يَمْشِي مَعَهُ الْمُوَدِّعُونَ إلَيْهَا. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.."

يعني رفقًا بها، المضمرة أصبر وأشد تحملًا بخلاف غير المضمرة.

أحسن الله إليك.

ولذلك إذا أُريد إحياء هذه السُّنَّة السَبْق والمسابقة يعني يُنظر إلى الناس وأحوالهم، يعني لو وجد واحد كبير وواحد صغير مثلًا، واحد سمين وواحد نحيف يُنظر إلى هذا، ويُنظر إلى حال هذا، فما يُكلَّف هذا مثل هذا، لا بد من التفريق بينهما؛ ولذلك فاضلوا وميزوا بين المُضمَّرة وغير المُضمَّرة.

"وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَمِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ.

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ المسابقة، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ، بَلْ مِنْ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْجِهَادِ."

نعم، المقصود من الرياضة ما يُعين على جهاد العدو، وما يعين على بقاء النفس من حفاظ على الصحة مثلًا؛ ليعبد الله- جلَّ وعلا-، بهذا الهدف؛ لتحقيق ما خُلِق من أجله. أمَّا ما يفعله بعض الناس يشترك في نادٍ رياضي، ثم بعد ذلك ينام عن الصلوات، هل هذا يُحقق الهدف الشرعي؟ ما قصد برياضته تحقيق الهدف الشرعي أبدًا.

أحسن الله إليك.

"وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:"

لأننا أمرنا أن نُعِد ما نستطيع من قوة، وهذا من أنواع القوة، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [سورة الأنفال:60]، في الحديث: «إنَّ القوة الرمي» يعني ينبغي الاهتمام بالرمي، والتعوّد عليه، والتعلم عليه؛ من أجل صدّ العدو إذا أراد المسلمين، أو إذا أراد المسلمون غزوهم في دورهم. على كل حال الجهاد معروف أنَّه سبق الكلام فيه، والإعداد له أمر مطلوب مأمور به شرعًا.

"قال القرطبي: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَعَلَى الْأَقْدَامِ، وَكَذَلك المرامة بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالُ الْأَسْلِحَةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّدَرُّبِ عَلَى الْحَرْبِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيرِ الْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْجِهَادِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ.

وَعَنْهُ أَيْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ، جَمْعُ قَارِحٍ، وَالْقَارِحُ مَا كَمَلَتْ سَنَةً كَالْبَازِلِ فِي الْإِبِلِ. فِي الْغَايَةِ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان.

 فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى شرعية السِّبَاقِ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُ غَايَةَ الْقُرَّحِ أَبْعَدَ مِنْ غَايَةِ مَا دُونَهَا؛ لِقُوَّتِهَا وَجَلَادَتِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا سَبَقَ» بِفَتْحِ (السِّينِ) الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ (الْبَاءِ) الْمُوَحَّدَةِ، وهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلسَّابِقِ مِنْ جُعْلٍ، «إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، ورواه الشافعي والْحَاكِمُ."

وزاد بعض الوضَّاعين (أو جناح)؛ لأنَّه رأى الخليفة يلعب بالحمام، طير الحمام فزاد في هذا الحديث (أو جناح)، لكن الخليفة عرف أنَّه كذب على النبي- عليه الصلاة والسلام-، وضع هذه اللفظة وأمر بذبح الحمام، كما حصل من سليمان {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [سورة ص:33]، لمَّا شغلته عن الصلاة.

أحسن الله إليك.

"ورواه الشافعي والحاكم مِنْ طُرُقٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَأَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْضَهَا بِالْوَقْفِ. ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس.

 وقَوْلُهُ: «إلَّا فِي خُفٍّ» الْمُرَادُ بِهِ الْإِبِلُ، وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ، وَالنَّصْلُ السَّهْمُ أَيْ ذِي خُفٍّ أَوْ ذِي حَافِرٍ أَوْ ذِي نَصْلٍ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السِّبَاقِ عَلَى جُعْلٍ، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ كَالْإِمَامِ يَجْعَلُهُ لِلسَّابِقِ حَلَّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقِمَارِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ السَّبَقُ إلَى فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ قَصَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ.."

وألحق به بعض العلماء كل ما يتعلق بالجهاد، ما يُعين على الجهاد، وتوسَّع بعضهم في مفهوم الجهاد، فجعل العلم من الجهاد، فأجاز السَّبَق في مسائل العلم، والله المستعان.

أحسن الله إليك.

"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ قَصَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ فِي جَوَازِهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ لَا، وَمَنْ أَجَازَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ شَرَائِطُ مُسْتَوْفَاةٌ، وقد ذكرها فِي الشرح.

وعنه.."

عندنا مستوفاة في المطولات.

طالب: .........

نعم.

طالب: .........

نعم، لا يجوز، هذا القمار يعني من الطرفين، لابد أن يوجد طرف ثالث.

طالب: .........

ماذا؟

طالب: ........

يدل على أنَّ المسابقات كلها ممنوعة إلا في هذه الثلاث، حتى العلم ما فيه سَبَق.

"وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ» مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ.."

يعني من المعلوم للمجهول.

"مُغير الصيغة أَيْ يَسْبِقُهُ غَيْرُهُ «فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ أَمِنَ فَهُوَ قِمَارٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، لِأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَتَّى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدٍ مِنْ قَوْلِهِ. انْتَهَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَأَلْت ابْنَ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، وَضَرْبٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ غَلَّطَ الشَّافِعِيُّ سفيان بن حسين في روايته عن الزهري عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

 وَفِي قَوْلِهِ: «وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُحَلَّلَ وَهُوَ الْفَرَسُ الثَّالِثُ فِي الرِّهَانِ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَقِّقَ السَّبَقِ وَإِلَّا كَانَ قِمَارًا. وَإِلَى هَذَا الشَّرْطِ ذَهَبَ الْبَعْضُ، وَبِهَذَا الشَّرْطِ يَخْرُجُ عَنْ الْقِمَارِ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ الِاخْتِبَارُ لِلْخَيْلِ، فَإِذَا كَانَ مَعْلُومَ السَّبْقِ فَاتَ الْغَرَضُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ، وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَمُبَاحَةٌ إجْمَاعًا.

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْرَأُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [سورة الأنفال:60] الْآيَةَ، «أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 أَفَادَ الْحَدِيثُ تَفْسِيرَ الْقُوَّةِ فِي الْآيَةِ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ، وَيَشْتملُ الرَّمْيَ بِالْبَنَادِقِ لَلْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ شَرْعِيَّةُ التدرب فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَادَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاعْتِيَادِ؛ لأنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الرَّمْيَ لَا يُسَمَّى مُعِدًّا للقوة، والله أعلم."

والآلات التي يُستعد بها للعدو تختلف باختلاف الأزمان والأوقات، فعلى الأُمَّة أن تستعد بما هو مناسب لعصرها، والله المستعان.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.