كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 29

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. رواه مسلم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض)) ((بدل لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)).

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه.

وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله: بعد ذكره، وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم.

وعن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج غير محتج به، ولم يسمعه من عمرو.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر)) رواه البيهقي بإسناد صحيح.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) متفق عليه.

وعن أبي سلمة -رضي الله عنه- قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح" رواه مسلم.

وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر" رواه البخاري.

وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن".

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم.

وعنها قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم.

وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو إذا ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)).

حسبك، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" لأرمقن يعني لأتتبعن وأرصدن؛ لماذا؟ لماذا يتتبع صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرصدها ويتابعه في جميعها؟ ليعمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة وهو الأسوة، فعلى المسلم أن يقتدي به ويأتسي، وقد انتهت الاقتداء بأفعاله مباشرة بموته -عليه الصلاة والسلام-، ولم يبق إلا العمل بما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل.

"لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" يعني في هذه الليلة؛ لأنه سمع أحاديث رأى أن في بعضها ما يخالف بعضاً، والأمر كذلك على ما سيأتي في صلاة الليل.

"فصلى ركعتين خفيفتين" كان يفتتح صلاته -عليه الصلاة والسلام- صلاة الليل بهاتين الركعتين الخفيفتين، فمن اعتبرهما قال: أوتر بثلاث عشرة، ومن لم يعتبرهما كما في حديث عائشة قال: أوتر بإحدى عشرة، لا يزيد على إحدى عشرة، وكأن هاتين الركعتين المتميزتين بالخفة لا تلحقان بقيام الليل؛ لأن صفة قيام الليل الطول، كما قالت عائشة: "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" وهنا يقول: "ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" يعني صلى الركعتين الأوليين خفيفتين، ثم صلى الركعتين الأوليين اللتين بعد الخفيفتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين، يعني هما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين طويلتين وهما دون اللتين قبلهما... إلى آخره.

فصلاته -عليه الصلاة والسلام- متدرجة أولها أطولها، وهكذا في صلاة الفريضة تكون الركعة الأولى أطول من الثانية، وجاء في صلاته للكسوف أنه كبر فقام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع، ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع فقرأ، وقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً دون الركوع الأول ثم رفع، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم على هذه الصفة، وكل ركن من أركانها دون الذي قبله، هذه القاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، ونجد بعض الأئمة يخالف هذه السنة، تجده يقرأ في الأولى سورة، ثم يقرأ في التي تليها سورة أطول منها، يعني لا يرد على هذا الشيء اليسير، يعني الفرق إذا كانت الثانية أحياناً مماثلة للركعة الأولى، أو أزيد منها بشيء يسير، فمثلاً سبح والغاشية، الغاشية أطول من سبح بشيء يسير، والمعوذتان متساويتان، لكن هذه الجادة عنده -عليه الصلاة والسلام-، أن الأولى سواءً كانت في الفريضة أو في النافلة أطول من التي بعدها، ولذا قال...، فإذا اعتبرنا صلى ركعتين خفيفتين من التهجد صارت ثلاث عشرة كما قال الصحابي، وإذا لم نعتبر صارت إحدى عشر كما قالت عائشة.

"ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" هذا تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان طويلتان بالفعل، لكنهما دون اللتين قبلهما "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان لكنهما دون الثالثة والرابعة "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" الخامسة والسادسة "ثم صلى ركعتين..." إلى آخره "ثم أوتر" أوتر بكم؟ إذا قلنا: ثلاث عشرة أوتر بواحدة وإلا بثلاث؟ في حديث عائشة أوتر بثلاث، وهنا الحصر ثلاث عشرة، يحدد لنا العدد، لكن على اعتبار الركعتين أو عدم اعتبار الركعتين، إذا اعتبرنا الركعتين الخفيفتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يكون حينئذٍ أوتر بواحدة، وإذا قلنا: إنه لم يعتبر هاتين الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بثلاث، فيكون الحديث مطابقاً لحديث عائشة -رضي الله عنه- لأنه قال: "ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة".

والوتر كما يطلق على الواحدة يطلق على الثلاث ويطلق على الخمس ويطلق على السبع ويطلق على التسع، كلها وتر، وهو ما يقابل الشفع.

الفردي من الأعداد وتر، والزوجي من الأعداد شفع، وقوله: "ثم أوتر" هذا الحصر يدل على ثلاث عشرة بدون زيادة، فإن كان اعتبر الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بواحدة، وإن لم يعتبر الركعتين الخفيفتين وأنها كالاستفتاح للصلاة يكون أوتر بثلاث ليطابق حديث عائشة.

"رواه مسلم".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد" يتهجد، والتهجد جاء الحث عليه في نصوص الكتاب والسنة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [(16) سورة السجدة] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] يعني ويش ارتباط التعقيب هذا بالتهجد بالقيام؟ يدل على أن الذي لا نصيب له من قيام الليل يكون نصيبه من العلم الحقيقي النافع المثمر بقدر نصيبه من هذه الصفة التي هي دأب الصالحين، يكون نصيبه من العلم المثمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] ومع الأسف أن هذه الصلاة من أثقل الأشياء على النفس؛ لأنها إما أن يكون الإنسان نائماً فيصعب عليه القيام، أو يكون قائماً مستيقظاً فلا يعان إن لم يكن استيقاظه في طاعة، إذا كان سهره في طاعة فإنه يعان؛ لأنه إذا نظر في أمره لماذا سهر ليله؟ سهر لدراسة العلم وتحفظ العلم وفهم العلم، وهذا أشق من الصلاة، فيعان على الصلاة، سهر لقراءة القرآن، سهر في أمر من أمور المسلمين العامة يعان على قيام الليل، أما إذا سهر في القيل والقال، وفيما لا ينفع بل قد يضر فإن هذا التجربة أثبتت أن مثله لا يعان.

"إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن))" هذا الذكر هل هو ذكر استفتاح أو قبل الدخول في الصلاة؟ إذا قام من الليل يتهجد، اللفظ يحتمل أنه بعد دخوله في الصلاة، ويحتمل أنه إذا أراد الصلاة قام من الليل قبل أن يشرع في الصلاة ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض)) فمن ذكره قبل شروعه في صلاته فقد أحسن، ومن جعله استفتاحاً لصلاته فقد أحسن.

((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)) يعني أنت القائم بهن، ولولاك سبحانك وتعاليت لما قام شيء من ذلك.

((ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن)) حجابه النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النــور].

((أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق)) وما يعبد من دونك فهو الباطل ((ووعدك الحق)) الذي لا يخلف ((ولقاؤك حق)) الذي لا شك فيه ولا مرية، ((وقولك حق)) وهو الصدق الذي لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يعتريه كذب ولا شك، ((والجنة حق، والنار حق)) وكل هذا اعتقاد أهل الحق ((والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق)) لا بد من الإيمان بهذه الأمور ((ومحمد حق)) لا بد من الإيمان به على جهة التفصيل، وإن كان الإيمان بالنبيين قبله تفصيلاً فيما فصل وإجمالاً فيما أجمل ((والساعة حق)) لا ريب فيها، ولا يعلم متى تكون إلا الله -جل وعلا-، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طـه] يعني مبالغ في إخفائها حتى عن نفسه -جل وعلا-.

((لك أسلمت وبك آمنت)) لك أسلمت واستسلمت بجوارحي وأقوالي وأفعالي وإراداتي ((وبك آمنت)) صدقت وأيقنت ((وعليك توكلت)) وفوضت جميع أموري إليك لا على غيرك ((وإليك أنبت)) لك رجعت ((وبك خاصمت)) يعني جعلت عدتي في خصومتي ما توجهني به من نصوصك من الكتاب أو السنة ((بك خاصمت)) وخاصمت أيضاً من يشككني فيك.

((وإليك حاكمت)) {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [(57) سورة الأنعام] {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء].

((فاغفر لي)) هذا تحميد وتمجيد كله بين يدي هذا الدعاء ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) وحري بدعاء يقدم له بهذا التحميد والتمجيد على ما تقدم ((إذا دعا أحدكم ربه فليحمده وليمجده)).

((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري" عبد الكريم أبو أمية هذا؟ التقريب موجود؟

طالب:.......

هاته.

وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) لأن عبد الكريم بن أبي المخارق كنيته أبو أمية وهو ضعيف، وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) ومقتضى ترتيب المؤلف أن هذه اللفظة موجودة في لفظ البخاري.

"متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض))" يقول: عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة، أبو أمية المعلم البصري، نزيل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة -التي عندنا-، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس في الذكر عند القيام، قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول وعلم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً، وله ذكر في مقدمة مسلم، وما روى له النسائي إلا قليلاً، من السادسة أيضاً، مات سنة ست وعشرين، وقد شارك الجزري في بعض المشايخ، فربما التبس على من لا فهم له.

يعني تعقيب المؤلف بقوله: "متفق عليه، ولفظه للبخاري" أن هذه اللفظة في البخاري، والذي نعرف أن عبد الكريم بن أبي المخارق أبا أمية هذا معروف ضعفه، ولذلك نص عليه الحافظ هنا، كلامه جيد، يعني التنصيص على هذه الزيادة يرفع هذا اللبس من قرب وإلا الرجوع إلى المصادر يبين، لكن في مثل الدرس ينفعنا كثيراً هذا.

قال: عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان؛ لأنه قال: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول، وعلّم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً؛ لأنه ماذا قال؟ وزاد؛ لأنه قال: قال سفيان، هل هو بالسند المتقدم فيكون موصولاً أو استئناف كلام قال سفيان لا علاقة له بالسند المتقدم فيكون معلقاً.

الحافظ يرى أنه موصول؛ لماذا؟ هاه؟ هو موصول بالسند المتقدم على رأي ابن حجر، لكنه معلق على رأي المزي، علّم عليه علامة التعليق؛ لماذا؟ لأن القاعدة عند ابن حجر: أنه إذا أردف القول أردف الخبر المتصل بالقول بدون الواو، فيكون حينئذٍ بالسند المتقدم، وحيث يريد التعليق يأتي بالواو؛ لأنه لو أراد التعليق لقال: وقال سفيان، هذه القاعدة عند ابن حجر، والحافظ المزي -رحمه الله- قال: إنه معلق، يعني ليس بالسند المتقدم.

ما الحكم في مثل هذا؟ يعني هل نرجح كلام ابن حجر أو كلام المزي؟ في هذا الموضع على وجه الخصوص يعني ابن حجر ظهر له بالاستقراء قال: وحيث يريد التعليق يأتي بالواو، والعيني قال: لا دليل على ذلك، يأتي بواو أو ما يأتي بواو هو معلق على كل حال، ولا فرق، والقاعدة وإن كانت يعني ظهرت لابن حجر بالاستقراء والتتبع، وهو من أعرف الناس بالصحيح، لكن لها ما يخرمها حتى عند ابن حجر.

هنا ما المرجح قول ابن حجر وإلا قول المزي؟ ما الذي نرجحه في هذا الموضع دعونا من المواضع الأخرى؟ نعم؟

طالب:.......

قول من؟

طالب:.......

المزي؛ لماذا؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

إيه؛ لأن البخاري يتساهل في التعاليق، ولا يتساهل في الأصول، فكون الزيادة تذكر عن هذا الراوي الضعيف يدل على أن البخاري أوردها على جهة التعليق، فالبخاري يتساهل في المعلقات، ولا يتساهل في الأصول، فالمرجح هنا قول المزي -رحم الله الجميع-.

"وفي لفظ لهما" يعني للبخاري ومسلم: ((أنت رب السماوات والأرض)) بدل: ((لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام)) بدل قيم، وجاء في آية الكرسي: (القيوم) فهو قيوم وهو قيام وهو قيم.

((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)).

هذا الذكر بهذه الألفاظ المختلفة التي بعضها في البخاري فقط، وبعضها في الصحيحين، وبعضها في مسلم، وبعضها عند النسائي، وبعضها عند ابن ماجه، إذا أردنا أن نقول هذا الذكر نلفق بين هذه الروايات وإلا نرجح بين هذه الألفاظ؟ نرجح وإلا نلفق؟ يعني في وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر حينما سأله دعاء يدعو به في صلاته، قال: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نقول: كثيراً كبيراً؟ نعم؟

طالب:.......

لا لا، افترض أنه ما يختلف.

طالب:.......

نأتي باللفظين معاً؟ يعني هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال اللفظين أو قال أحدهما؟

طالب:.......

يعني مثل ما عندنا الألفاظ كثيرة، والاختلاف موجود، منها ما في الصحيحين، ومنها ما تفرد به البخاري، ومنها ما تفرد به مسلم، ومنها ما عند النسائي، وفيها ما هو عند ابن ماجه.

الأصل أن نرجح ولا نلفق، الأصل الترجيح في مثل هذا إلا إذا كان المحفوظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في مناسبات متعددة، وبعض الرواة حفظ ما لم يحفظه غيره، فنجمع بين رواياتهم، أما إذا قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)) نرجح ما في الصحيح على ما في ابن ماجه، أيضاً ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) عند النسائي وعند ابن ماجه: ((إلا بك)) ((أنت قيام)) هذه عند مسلم، وفي الصحيحين: ((قيم)) أو نقول: ما في القرآن أصح ونقول: أنت قيوم؟ يعني هل في هذا مجال للنظر وإلا ما في مجال؟ نعم؟ يعني هل لنا أن نغير هذه اللفظة ونقول: اللهم لك الحمد أنت قيوم كما جاء في آية الكرسي؟ أو نقول: في الصحيحين: ((أنت قيم)) وإن كان في مسلم: ((قيام)) وإن كان في آية الكرسي (قيوم) لأن كل موضع له ما يخصه، كل موضع له ذكر يقتصر فيه على أصح ما ورد فيه، وما يمكن أن يضاف إليه مما لا يعارضه، يعني لو فرضنا أن هناك جملة ما حفظها الرواة عند هؤلاء، وحفظت عند غيرهم مما لا تعارض مما لا يوجد بديل لها في هذه الروايات نضيفها، نقول: من حفظ حجة من لم يحفظ، وقد يعلل بعض أهل العلم مثل هذه اللفظة بأنه ما تركها البخاري ومسلم أو أعرضوا عنها إلا لما فيها، لكن مثل هذه الأمور يعني التي توجد يعني نكرر أنت قيام أنت قيوم؟ لا ما يمكن.

قال -رحمه الله-:

"وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله))" تنزيه لله -جل وعلا- ((ماذا أنزل؟)) الضمير يعود إلى الله -جل وعلا- ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى مواقع الفتن بين البيوت كمواقع النبل ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟)) نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ((ماذا أنزل من الخزائن؟)) من الخزائن من الأجور، من الأرزاق، شيء عظيم لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، فعلينا أن نتقي الفتن، ونتعرض لهذه الخزائن.

((من يوقظ صواحب الحجرات؟)) يعني زوجاته -عليه الصلاة والسلام- ((من يوقظ صواحب الحجرات؟)) {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] والرجل يقوم من الليل يوقظ زوجته إن أبت نضح في وجهها الماء والعكس، كل واحد يحرص على صاحبه، ويتمنى له ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه ((من يوقظ صواحب الحجرات؟)) للتعرض لهذه الخزائن.

((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) نسأل الله العافية، تجدها كاسية عليها فاخر الثياب، وهي عارية في الحقيقة؛ لأن هذه الثياب وإن كانت من أغلى الثياب قيمة، ومن أجملها لكنها لا تستر، والواقع يشهد بذلك، وإذا كانت عارية في الدنيا، وإن كانت في عرف الناس كاسية فكيف تكون يوم القيامة؟ عارية يوم القيامة.

من العلماء من يقول: رب كاسية في الدنيا من نعم الله عارية عن شكرها، لكن لما رأينا ورأى غيرنا ما حصل في عصرنا هذا لا يمكن أن يوجد الذي في عصرنا من التبرج والتبذل والتفسخ لا يمكن أن يوجد في العصور المتقدمة، وتأباه الفطر السليمة، وما وجد في بلدان المسلمين حتى اختلطوا بغيرهم بواسطة الاستعمار، ثم بعد ذلك الغزو بكافة آلاته، يعني تعجب من امرأة جاءت لتصلي في أقدس بقعة، وتجدها كاسية عارية، يرى ما تحت الثياب -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا من الفتن، فعلى المسلمة أن تبدأ بنفسها، وعلى ولي أمرها إن لم تنصع لأوامر الله أن يأطرها على الحق، ولا يقال: هذا تدخل في شؤونها، لا، هذا شأنه هو، هذا عرضه، هذه مسئوليته، راع عنها، راع عليها، ومسئول عنها.

((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) يعني تبرج الجاهلية الأولى نراه في مواطن العبادة، نرى تبرج الجاهلية الأولى، القرطبي في تفسيره يقول: "ومن مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" يعني هذا يوجد عند نساء المسلمين وإلا لا؟ هذا الكثير الغالب، هذا هو الكثير الغالب، قد لا تجد قميص غير مشقوق من الجانبين، ثم يتدرجون الناس، بعضهم يكتفي بالشبر، وبعضهم يزيد -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا الشبر إذا تعرضت لطلوع أو نزول ارتفع، وكانت النساء تركب الإبل ولا يرى منها شيء، والآن إذا طلعت أو نزلت نزلة خفيفة ظهر ما يحرم ظهوره، وما تحرم رؤيته على غير المحارم، فكيف إذا ركبت السيارة مثلاً؟! والله المستعان.

"رواه البخاري".

"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه" هذه وصية من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو بن العاص ولغيره، يعني إذا كانت المواجهة لعبد الله فغيره في حكمه.

((يا عبد الله لا تكن مثل فلان)) فلان ما الذي يغلب على الظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماه أو لم يسمه؟ وهل الأفضل في مثل هذا أن يسمى أو لا يسمى؟ الرواة كلهم تواطئوا على عدم ذكر اسمه، لكن هل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يا عبد الله لا تكن مثل زيد كان يقوم الليل فترك قيام الليل؟ الرواة لم يذكروه ستراً له، فهل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يسمه؟

يعني لو أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يمثل بمجهول لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، يأتي بصيغة إبهام الموصول، أما فلان فهو محدد شخص بعينه، والتكنية عنه لا شك أنها للستر عليه من جهة، لكن هل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ستر عليه؟ لأن بعضهم يأخذ من مثل هذا النص الستر على أهل المخالفات ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) هذا مفروغ منه، لكن هل المصلحة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- أن يستر عليه لا سيما أنه فعل فعلاً أو ترك مندوباً، يعني ما يذم به في الجملة ولا يقدح به، إنما ترك الأفضل وترك المندوب وتسميته من قبله -عليه الصلاة والسلام- تجعل فلان هذا يراجع نفسه، ولن يترك قيام الليل بعد هذا، بينما لو أخفي وستر عليه يعني الستر عليه فيما بعد هذا ما فيه إشكال، لكن الكلام في لفظه -عليه الصلاة والسلام-، نحن ما عندنا إلا هذا اللفظ مثل فلان، لكن ما الذي يتجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: لا تكن مثل فلان، لو أراد الإبهام لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، والتسمية لا شك أن فيها حث لعبد الله من جهة، وحث لهذا الشخص الذي كان يقوم الليل ثم تركه، لا سيما والمسألة في فضيلة من الفضائل.

يعني ما يقال: لا تكن مثل زيد كان عفيفاً فصار فاجراً، هذا ما يمكن أن يقال، لكن ما يمنع أن تقول: والله فلان كان يتقدم إلى المسجد فصار يتأخر ما يأتي إلا قبيل الإقامة مثلاً، فإذا سمع فلان بادر، هذه نصيحة له ولغيره، لكن الذم الذي يأثم به هو القدح فيه بما يقدح فيه.

قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام يسوؤه، يعني لو مثلاً قلنا: تنصح لك طالب علم أو شيخ يوجه له واحد من طلابه النابهين يقول: لا تكن مثل عبد الله أو عبد العزيز مثلاً لا يعتني بعلم العربية، هو طالب علم ويعتني بالكتاب والسنة، لكنه أهمل هذا الجانب من العلم من العلوم المهمة، لا تكن مثل زيد لا يهتم بالعربية، أو كان يهتم بالعربية ثم تركها، هذا فيه قدح؟! يعني في تسميته شيء؟ هل في تسميته شيء؟ هذا يجعل الموجه إليه الكلام يهتم أكثر، ويجعل الثاني أيضاً يرجع إلى ما ترك، فالاستدلال بالستر عليه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاً: لم يسم في رواية من الروايات، وقلنا: عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد الإبهام لجاء بلفظ الإبهام كمن كان يقوم كذا، وهذا الذي يظهر، وإن كان الشراح قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سماه، لكن السياق والواقع يظهر -والله أعلم- أنه بدلاً من أن يقول: لا تكن كمن كان يقوم مثل فلان أنه سماه، لكن الرواة تركوه ستراً عليه.

ووجد أناس سماهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعيانهم فتركهم الرواة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- سمى بعض المنافقين لحذيفة فترك تسميتهم، وكان عمر يقول: هل سماني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لأن التسمية من قبله -عليه الصلاة والسلام- فيها فائدة، وأما من جهة غيره ولا يظن به أنه يتشفى بعرضه، أو يتنقص أو يفعل كذا، لا أبداً، لا سيما إذا كان الترك أو الفعل الذي ذكر هو من باب التشجيع لا من باب القدح، هو من باب التشجيع، هو يشجع عبد الله بن عمرو ((لا تكن مثل فلان)).

قال في حق عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-، ويخلط بعضهم بين هذا الحديث وبين حديث عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، فكان بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، يعني هل قالها بحضرته أو بغيبته؟ يحتمل أنه حاضر أو غائب ونقل إليه، ثم امتثل ابن عمر، ابن عمر سريع الامتثال -رضي الله عنه وأرضاه-، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذا مقتضى كونك غريب أو عابر سبيل.

((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) وفي هذا حث لعبد الله بن عمرو، وفي طيه حث لمن ترك قيام الليل إلى أن يعود إلى قيام الليل، في شيء؟ نعم؟

طالب:.......

يتصرفون، إيه، إذا رأوا الستر على فلان ما المانع؟ لا سيما وأنه لا يترتب على ذكره فائدة، انتهت الفائدة من الحديث، فلان خلاص سمع هذا الحديث وامتثل، الرواة ما لهم علاقة كثير من الرواة يبهمون، ثم إذا فتشت في الطرق الأخرى وجدت التسمية، وكتب المبهمات مملوءة، المستفاد ثلاث مجلدات لابن الحافظ العراقي، المبهمات موجودة، في القرآن موجود مبهمات، ثم بعد ذلك تفسر في السنة أو في الآثار، وهنا يأتي بطريق مبهم وفي طريق آخر مسمى، لا سيما إذا لم يترتب على ذكره فائدة.

قال -رحمه الله-: "وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب" وتقدم نظير هذا الإسناد في رقم (315).

"عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات" وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة" وعرفنا من تكلم فيه كابن المبارك والجوزجاني وابن حبان.

وهنا قال: "عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه" هناك قال: وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا قال: وعاصم مختلف فيه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلف كلامه على عاصم وإلا ما اختلف؟ نعم فيه نوع اختلاف، قال هناك: عاصم..، لما قدم التوثيق وذكر الأئمة الذين وثقوه كأنه يستروح إلى قوته، وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا: "عاصم مختلف فيه ولقد أبعد" يعني كأنه يستدل لضعفه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلفت لهجة المؤلف في كلامه على عاصم في الموضع الأول وفي الموضع الثاني.

أولاً: الحديثان لهما شواهد لا الأول ولا الثاني، وأقل الأحوال أن يكون الأول والثاني كلاهما من قبيل الحسن، وكثرة الطرق تدل على أن للحديث أصلاً، ما الذي جعل المؤلف -رحمه الله تعالى- يجعل الكلام في هذا الموضع في عاصم أقوى منه في الموضع الأول؟ لأن العلماء إذا نظروا في أحوال الرواة ينظرون إلى المرويات مع رواتها، وهناك يروي حديث: "يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم"... إلى آخره، هذا الحديث حسن، وما فيه إشكال؛ لأنه جاء الحث، له ما يشهد له: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)) وهنا فيه الأمر: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) والنصوص تدل على أن الوتر ليس بواجب، ومقتضى الأمر الوجوب.

((يا أهل القرآن)) المراد بهم المسلمون، الذين يتدينون بتعظيم القرآن، والعناية بالقرآن ((أوتروا)) يعني صلوا صلاة الوتر، وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب، وقال بوجوبه الحنفية، قال بوجوب الوتر الحنفية، وعامة أهل العلم على أنه مستحب ليس بواجب، وسيأتي ما يدل على الاستحباب، ومن أظهر الأدلة على أنه ليس بواجب كون النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاه على راحلته، وكان -في نفس الحديث- لا يفعل ذلك في الفريضة، فدل على أن الوتر ليس بواجب، ليس من الفريضة.

((أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)) منهم من يقول: إن الأمر مصروف للاستحباب بالعلة، العلة يعني من نفس الحديث مصروف، الله وتر يحب الوتر، هذه العلة تدل على استحباب الوتر، يعني لو أكلت مثلاً تمر تقطع على وتر، واحدة، ثلاث، خمس، سبع؛ لأن الله وتر يحب الوتر، وهكذا في جميع الأفعال، لكن إذا تعارضت هذه العلة مع نصوص أخرى، احتجت منديل تنظف ما يحتاج إلى تنظيف فما كفى، احتجت ثاني انتهى، تأخذ ثالث وإلا ما تأخذ؟ أو نقول: إن هذا من باب إضاعة المال؟ في الاستجمار قال: ((أبغني ثالثاً)) ائت بثالث، ولا يجزئ إلا ثلاثة؛ لأن هذا إزالة نجاسة، بقاؤها مؤثر في الصلاة، لكن إزالة مخاط مثلاً، أو ما أشبهه، أو عصرت حبة وإلا بثرة وما انتهت بمنديل واحد طلبت ثاني، تطلب ثالث بعد أن انتهت؟ تقول: إن الله وتر يحب الوتر؟ أو نقول: هذا معارض بنهى عن إضاعة المال؟ يعني ولو كان شيئاً يسير لكنه مال، يعني العلة تدل على الاستحباب: ((فإن الله وتر يحب الوتر)) هذا في عموم الأشياء، الله وتر يحب الوتر، لكن إذا عورضت هذه المحبة بكراهية من الله -جل وعلا-: ((ويكره قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) أما إذا كان المال له شأن وله وقع فهذا لا شك في منعه، ولا يلزم في ذلك الوتر إذا كان له أثر، أما إذا لم يكن له أثر مثل المنديل وما أشبهه فالمتجه عندي أنه لا يستحب الوتر في مثل هذا، بل يبقى كما هو ليستفاد منه في أمر آخر؛ لأنه مال مهما قل، لكن من قال: إن الله وتر يحب الوتر والاستجمار ثلاث، وما أشبه ذلك يمكن أن يوجه، فالعلة بمحبة الوتر من قبله -جل وعلا- تدل على أن الوتر مستحب، وليس بواجب وإن جاء بصيغة الأمر.

"رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب" يستروح بعض طلاب العلم، بل بعضهم وضع دراسة على جامع الترمذي فيما قال فيه: حديث حسن غريب، وأنه بمثابة ضعيف، وأن كل ما يقول فيه: حديث حسن غريب أنه ضعيف، ولكن كل حديث يقوى بشواهده يعني بطريقه هذا يمكن أن يقال: ضعيف، لكن مع ذلك بشواهده يصل إلى درجة الحسن.

"وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث" يعني إذا كنا نقوي الراوي ومن ورائه ما يرويه بتخريج البخاري لهذا الراوي، وفلان خرج له البخاري، يعني جاز القنطرة، فلان خرج له مسلم، فهل نقوي راوٍ أو مرويه بكونه يخرج له الحاكم في المستدرك؟ لا؛ لماذا؟ لأنه يخرج للضعفاء، بل يخرج لشديدي الضعف، بل قد خرج لمن رمي بالوضع، يعني كما نقول: خرج له ابن ماجه، أو خرج له الترمذي يتقوى بتخريج الترمذي أو ابن ماجه؟ لا، خرج ابن ماجه لمن وصف بوضع الحديث، وكذلك الترمذي، المصلوب خرج له الترمذي وضاع.

"ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك" بعض الناس بعض أهل العلم إذا خرج الحديث قال: خرجه الحاكم في صحيحه؛ لأنه مستدرك على الصحيحين، فمن باب التجوز أن يقال: صحيح الحاكم، لكن الواقع يشهد بأن فيه أحاديث كثيرة جداً جداً ضعيفة، بل فيه أحاديث موضوعة، وفيه أحاديث أمثل منها حسنة، وفيه الصحيح.

قال: "فإنه يخرج للضعيف والثقة" الضعيف يعني ليس بشديد الضعف، ويخرج للثقة، وهذا هو الأصل في كتابه، وهو شرطه الذي اشترطه في مقدمة صحيحه، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، لكن هذا من وجهة نظره، وفيه من الضعيف الشيء الكثير.

"فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك" شديد الضعف الذي لا يستفاد من وجوده ولا من روايته، لا يتقوى ولا يقوى به، والمتهم كذلك شديد الضعف، والمتهم حديثه يقال له: متروك، فالحديث متروك، والراوي متهم، ومتى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا كان يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، ما يقال له: متهم، يقال له: كذاب أو يكذب أو وضاع أو دجال على حسب مرتبته، ويتهم بالكذب إذا كان يزاول الكذب، يكذب في أحاديثه مع الناس، ولم يعرف عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه مظنة لأن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتهم به، وإذا تفرد بحديث يخالف فيه القواعد العامة، والنصوص المعروفة من نصوص الشرع يتهم راويه الذي يدور عليه بالكذب.

قال -رحمه الله-:

"وعن الحجاج بن أرطأة" وهو ضعيف أيضاً "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج بن أرطأه ضعيف، لا يحتج به، ولم يسمعه من عمرو" والخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده معروف عند أهل العلم، والذي يراه كثير من أهل التحقيق أنه إذا صح السند إليه أن حديثه حسن، لكن السند لم يصح إليه فهو ضعيف، ولكن له شواهد، ذكرها المحقق، وأطال في تقوية الحديث، وحكم عليه بأنه صحيح، وهو في الحقيقة لا يصل إلى درجة الصحيح، بل هو حسن لغيره.

قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) والصلوات المفروضة كما هو معلوم خمس، وهن خمسون من حيث الأجر، ((لا يبدل القول لدي)) كما في حديث الإسراء، لا يبدل، كيف يزاد والقول لا يبدل؟ نعم؟ لا يزاد في الفرض على خمس، من صلاة الجمعة وصلاة الكسوف والصلوات الواجبة والعيد، الجمعة من الخمس؛ لأن في يوم الجمعة خمس لا تزيد، لكن بالنسبة لصلاة العيد وصلاة الكسوف على ما سيأتي الكلام فيهما، هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) يعني غير الخمس، فالنصوص تدل على ألا فرض غير الخمس، وهنا ((زادكم صلاة وهي الوتر)) والزيادة هذه قد تكون واجبة كما يقول الحنفية، وقد تكون مستحبة كما هو قول جماهير أهل العلم.

قال: "وحجاج غير محتج به ولم يسمعه عن عمرو".

ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير))" من إيش؟

طالب:.......

اضبطوها؛ لأن المعنى يختلف، حمْر والحُمُر؟ هاه؟

طالب:.......

حمْر جمع أحمر، وحُمُر جمع حمار.

طالب:.......

بالسكون حمْر، والمحقق ضبطها بالضم من حُمْر، طيب النَعم وإلا النِعم؟

طالب:.......

والمحقق ضبطها بإيش؟

طالب:.......

يعني انقلب المعنى رأساً على عقب، النِعم جمع نعمة، أي نعمة حمراء؟ أو المقصود النَعم وهي الأنعام وحمرها أفضلها عند العرب؟ هي خير من أفضل المقتنيات عند العرب ((ألا وهي الركعتان قبل الفجر)) وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هي خير من الدنيا وما فيها)) فإذا كانت أفضل المقتنيات فلتكن خير من الدنيا وما فيها، وبهذا يلتئم الحديثان.

"رواه البيهقي بإسناد صحيح" والمحقق قال: حسن؛ لأن فيه عمر بن محمد بن بَجير أو بُجير، حافظ، يقول: كبير صدوق، وفيه أيضاً العباس بن الوليد شيخه الخلال صدوق، ولا يرقى بمثل هذا الإسناد إلى الصحة، رواه البيهقي بإسناد صحيح، فهو حسن ليس بصحيح.

قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))" هذا الأمر متفق عليه، جاء في الخبر أن من كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فليجعل صلاته في آخر الليل؛ لأن صلاة آخر الليل مشهودة، ومع ذلك يجعل آخر صلاته في آخر الليل هو الوتر، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) هذا الذي يغلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل، لكن الذي لا يضمن ولا يغلب على ظنه ولا يؤنس من نفسه أنه يقوم آخر الليل يوتر قبل أن ينام، وقد جاء في حديث أبي هريرة: أوصاني خليلي -عليه الصلاة والسلام- بثلاث، وأن أوتر قبل أن أنام؛ لماذا؟ لأنه قد لا يضمن القيام في آخر الليل، فإذا أوتر أو إذا صلى في أول الليل وأوتر، ثم تيسر له القيام في آخر الليل الحديث يدل على أنه يصلي وإلا ما يصلي أصلاً؟ لأنه ختم صلاته بالوتر ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))؟ هاه؟

طالب:.......

يعني مقتضى هذا الحديث أنه ما دام أوتر أنه لا صلاة بعد الوتر، فعلى هذا لا يصلي، لكن ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بعد الوتر، فعلى هذا من أوتر قبل أن ينام ثم استيقظ من الليل بين أمرين أو ثلاثة أمور: إما ألا يصلي امتثالاً لهذا الحديث، أو يصلي اغتناماً للوقت؛ لأن آخر الليل مشهود، وجاء الحث عليه ووقت النزول الإلهي فيقع في مخالفة هذا الحديث، لكن الإشكال يرتفع إذا عرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر على ما سيأتي.

يبقى النظر في هل يبقى على وتره الأول ولا يوتر ثانية؛ لأنه سيأتي حديث: ((لا وتران في ليلة)) أو ينقض الوتر الأول بصلاة ركعة في بداية صلاته ثم يصلي ما كتب له ثم يوتر؟ وهذا كان يفعله ابن عمر، ينقض الوتر الأول وقال به بعض العلماء، لكن حديث: ((لا وتران في ليلة)) يرد هذا التصرف، يرد هذا الفعل؛ لأنه يكون حينئذٍ أوتر ثلاث مرات.

((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) ويأتي توضيح الحديث في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى- لها ارتباط به.

"وعن أبي سلمة -رضي الله عنه-" أبو سلمة من؟ ابن عبد الرحمن، أبو سلمة بن عبد الرحمن، التابعي -رحمه الله- "قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة" وفي حديثها الصحيح: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" فيتجه النفي نفي الزيادة على الغالب الكثير أنه يصلي إحدى عشرة، وقد ثبت عنه أنه صلى ثلاث عشرة، وثبت عنه أنه صلى أكثر، وهنا من حديث عائشة، ما يقال: إن عائشة ما حفظت إلا إحدى عشر، حفظت أيضاً كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.

"يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس" وهذا فيه ما يوضح الأمر في قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) وأنه للاستحباب، وأنه لا يمنع من الصلاة بعد الوتر "ثم يصلي ركعتين وهو جالس" ويوضح أيضاً المراد بقولها: "ما زاد" أو ما كان يزيد في رمضان ولا غيره... إلى آخره أن هذا هو الكثير الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-.

"كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يعني جاء تفصيلها ثمان ركعات يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، يعني بسلامين، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، فكونها تقول: أربع لأنه يصلي ركعتين طويلتين ثم يسلم، ثم يصلي طويلتين ثم يسلم، ثم يرتاح، يفصل؛ لأنها قالت: "ثم يصلي أربعاً" ولذا يستحب أهل العلم هذه الاستراحة، وهذه الراحة بعد أربع ركعات، ثم بعد أربع ركعات؛ لأنها صلاة طويلة، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، وهناك قال: طويلتين، طويلتين طويلتين، فهو يحتاج إلى راحة، وسميت التراويح بهذا الاسم لأنهم يرتاحون بعد كل تسليمتين.

"يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يحتمل أنها ثمان ركعات بسلام واحد، لكن حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يرد هذا الفهم كما أنه يرد فهم من قال: إنه يصلي أربع بسلام واحد؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، نعم إذا أراد أن يوتر بثلاث بسلام واحد يوتر بخمس بسلام واحد، يوتر بتسع بسلام واحد، على ما سيأتي هذا وتر، ويخفى على كثير حتى من طلاب العلم التفريق بين التهجد والوتر.

يقول أهل العلم: أكثره إحدى عشرة، يعني حتى في كتب الفقهاء الذين يرون صلاة التراويح عشرين يقولون: أكثره إحدى عشرة، ويسن التراويح وهي عشرون ركعة، كيف أكثره إحدى عشرة، والتراويح عشرون؟ يعني توجد في كتاب واحد هذا الكلام، يعني أقله ركعة وأدنى الكمال ثلاث وأكثره إحدى عشرة، ثم يأتون إلى الصلوات والتهجد وصلاة التراويح، منهم من يقول: عشرون، ومنهم من يقول: ست وثلاثون، ومنهم من يقول: أربعون، كيف وأكثره إحدى عشرة؟ لأن هذه صلاة نفل مطلق تهجد، وهذا وتر.

"كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين الليل والإقامة" المقصود بين الأذان والإقامة بعد انتهاء الليل بالأذان وبين الإقامة من صلاة الصبح، وهذه ركعتا الفجر.

طالب:.......

بين النداء؟ ويش عندكم؟

طالب:.......

كلكم؟

طالب:.......

ويش عندك؟

طالب: الليل.

إيه، لا غلط هذا، حتى معناها ما فيه إشكال، لكن الكلام في الثابت.

الليل ينتهي بالنداء، يعني من حيث المعنى ما في إشكال، لكن العبرة بالثابت.

"رواه مسلم".

"وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: "سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر" عائشة قالت: إن صلاته بالليل سبع، وقالت: صلاته بالليل تسع، وصلاته بالليل إحدى عشرة، صلاته بالليل ثلاث عشرة، وكل هذا جائز، وينبغي النظر والتوازن بين الكمية والكيفية، فإذا أطال القيام والركوع والسجود يقلل الركعات، وإذا خفف القراءة وخفف القيام والركوع والسجود يكثر من الركعات، والقيام يحسب بالوقت لا بالعدد، بدليل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(2) سورة المزمل] المقصود أن قيام الليل حسابه بالوقت، فإذا قمت ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات حسب ما يتيسر لك، هذا الظرف من الزمان إن صليت فيه ثلاث ركعات طويلة، أو خمس ركعات طويلة دون الثلاث أو سبع طويلة دون الخمس أو تسع طويلة دون السبع، لكنها تستوعب الوقت، يعني هل يتصور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إحدى عشرة ركعة حينما قرأ الفاتحة بعد الفاتحة البقرة والنساء وآل عمران في الركعة الأولى، وركع نحواً من قيامه، وسجد نحواً من قيامه، هل يتصور؟ هذه الركعة لا يكفيها ساعة ولا ساعتين، هذه الركعة لا يكفيها ساعتان، يعني خمسة أجزاء وزيادة مع الركوع الطويل مع السجود الطويل بالترتيل لا يكفيها ساعتين، فهل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إحدى عشرة على هذه الصفة؟ لا، لا يمكن، مستحيل، الوقت لا يستوعب، وقد ثبت عنه أنه في صحيح البخاري صلى سبع، وصلى تسع، وصلى إحدى عشرة، وأوتر بثلاث على ما سيأتي، صلى ثلاث، وصلى ثلاث عشرة، في المسند ما يدل على أنه صلى خمس عشرة، فالمسألة مسألة وقت، فهل نقول: إن من لزم الإحدى عشرة أفضل مطلقاً من غيره؟ نعم إذا لزم الإحدى عشرة وهي أكثر أحواله -عليه الصلاة والسلام- بهذه الكمية مع الكيفية التي جاءت صفتها من صلاته -عليه الصلاة والسلام- نقول: نعم أكمل وأفضل هذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه إذا نوع صلى في ليلة ثلاث طويلة طويلة، أو صلى خمس طويلة، أو سبع طويلة، أو تسع أو صلى إحدى عشرة، أو خفف وصلى ثلاث عشرة، أو زاد على ذلك ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) إذا قال: أنا لا أحفظ إلا المعوذتين ولا أقرأ في المصحف، ماذا نقول له؟ كرر، صلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ولو إلى مائة ركعة بالمعوذتين ويش المانع؟ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وجاء: ((فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) وفيه أيضاً ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) كثرة، إيش معنى كثرة؟ الكثرة في العدد، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- الأعداد المتفاوتة، فدل على أنه لا حد في صلاة الليل، لا للأعلى، وأما بالنسبة للأدنى فواحدة، وهذا أدنى ما يطلق عليه الوتر، والثلاث أدنى الكمال، على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-.

قال -رحمه الله-: "وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة))" يعني ليس للمسلم وهذا نفي يراد به النهي في ليلة واحدة، قد يقول قائل: إن المغرب وتر، وفي آخر الليل في آخر الصلاة وتر هذان وتران، نقول: المغرب وتر النهار، وليس وتر الليل، وإن وقعت في الليل؛ لأنه جاء في حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" فلا يقال: إن المغرب ترد أنها وتر، وآخر الصلاة بالليل وتر فنقع في المنفي هنا، وهو في الحقيقة منهي عنه ((لا وتران)) يعني لا يوتر أحدكم وترين في ليلة واحدة، و(لا) هذه نافية، نافية للجنس وإلا نافية للوحدة؟ نعم؟

طالب:.......

النافية للجنس يبنى ما بعدها على الفتح، وهنا: وتران، يعني لو فتحنا لقلنا: لا وترين، نعم؟ هنا إيش فيه؟ نعم؟

طالب:.......

(لا إله) مبني على الفتح (إلا الله) نعم؟

طالب:.......

على لغة من يلزم المثنى الألف، أو يقال: مرفوع بمقدر لا يكون وتران في ليلة، أو لا يوجد وتران في ليلة، وهذا النفي يراد به النهي، النفي وهذا يراد به النهي، فلا يجوز أن يوتر المرء مرتين، وبهذا يرد على من قال بنقض الوتر، بأن يصلي إذا قام من الليل يصلي ركعة تنقض وتره الأول كما أثر عن ابن عمر، فعلى هذا إذا أوتر في أول الليل فإنه إذا تيسر له القيام في آخره فإنه يصلي ما تيسر له ولا يوتر بعده ثانية، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"