كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 36

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عمرو بن سلمة الجرْمي قال: كنا بماء" بماء يعني في مكان فيه ماء مورد "ممر الناس" يعني مكان مطروق، يمرون معه ذهاباً وإياباً من وإلى المدينة "ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان" والماء في الغالب يجذب الناس، يجعل المارة المسافرين يرتادونه ذهاباً وإياباً.

"وكان يمر بنا الركبان" جمع راكب، كما يجمع الراكب على ركب، مثل صحب وصاحب "فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟" يعني ما خبر الناس؟ وما بال الناس؟ "ما هذا الرجل؟" يسألون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله" يزعم هذا يحتمل أن يكون ممن لم يصدقه، وهذه عبارة تستعمل غالباً في الخبر المشكوك فيه، وقد تستعمل في القول المحقق وقد يقوله من يصدق النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها تأتي بمعنى "يقول" وكثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، يعني قال الكسائي، وليست محققة في الكلام المظنون أو المشكوك فيه، بل تأتي لهذا وهذا.

"يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى الله إليه بكذا" بكذا ثم يقرأ هذا المخبر ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الصبي عمرو بن سلمة يحفظ من أول ما يسمع، من أول مرة؛ لأن حافظته قوية، وهو بممر الناس، فإذا سئل هذا الوارد وهذا الوافد عما أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يزعم أن الله أوحى إليه كذا فيذكر سورة أو آيات من سورة فيسمعها هذا الصبي فيحفظها.

"فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقر في صدري" في بعض ألفاظ الصحيح "يغري في صدري" وإذا أغري الإنسان بالشيء حفظه واهتم به "فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلَوم بإسلامهم الفتح" يتأخرون بإسلامهم ينتظرون الفتح، فإن غلب على قومه وتبعوه تبعهم الناس، وإن لم يغلب عليهم وغلبوه أراحوا الناس منه على حد زعمهم "وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق" لأنه قليل العدة قليل العدد من الأتباع بالنسبة لقومه، فإذا انتصر عليهم دل ذلك على أنه مؤيد من الله -جل وعلا-، وهذا علامة صدقه.

"فلما كانت وقعة الفتح وقد ظهر على قومه، ودخلوا في دين الله أفواجاً، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم" يعني تقدم عليهم "فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً" لكن هذا بعد الفتح ولو كان قبل الفتح لكان أفضل؛ لأن الآن ما بقي لأحد حجة "جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا))" يعني في مواقيت الصلاة، صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ((وصلوا صلاة كذا في حين كذا)) صلاة الظهر مثلاً من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله ((فإذا حضرت الصلاة)) ودخل وقتها ((فليؤذن أحدكم)) بدون شرط إلا أنه ينبغي أن يكون الأرفع صوتاً والأندى؛ لأن المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت، وكلما كان الصوت أرفع كان أبلغ وأكثر تبليغاً لمن بعد.

((فليؤذن أحدكم)) فالأذان لا يشترط له شرط، لا أن يكون قارئاً، ولا أن يكون عالماً، ولا أن يكون كبيراً، ولا صغيراً، ولذا قال: ((أحدكم)).

((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) الإمامة لها شروط، الأذان ليس له شروط، أهل العلم يشترطون أن يكون ثقة؛ لأن غير الثقة لا يهتم بالأوقات، ومع كونه ثقة يعني متدين وعارف بالأوقات أن يكون صيتاً؛ لأن هذا هو المقصود من الأذان، وكونه لا ينص عليه في قوله: ((أحدكم)) لا يعني أنه لا اعتبار له.

((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) وسيأتي في حديث ابن مسعود: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) وسيأتي ما فيه من كلام لأهل العلم.

"((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني" لماذا؟ لأن حافظته قوية، وينتبه لما يلقى فيسمع من الوافدين ويحفظ.

يقول: "فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لِما كنت أتلقى من الركبان" يعني على ما مضى شرحه "فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين" التمييز شرط للإمامة بالإجماع؛ لأن غير المميز لا يعقل ما يفعل، والتمييز يحصل بفهم الخطاب، ورد الجواب عند أهل العلم، هذا بالنسبة لأفراد الناس، وأما بالنسبة للعموم فبسبع سنين؛ لأننا أمرنا أن نأمر الصبي بالصلاة لسبع سنين فدل على أن السبع وقت تمييز للعموم، أما بالنسبة للأفراد فقد يميز الصبي لخمس، وقد يميز لأربع، وقد لا يميز لعشر، فالأمور الخاصة ينظر فيها إلى الأحوال الخاصة، والأمور العامة ينظر فيها إلى العموم، يعني ما يحصل بها التمييز للعموم، ما يقال: والله ولدك مميز وهو ابن خمس سنين خليه يصلي معك اطلع به معك لأنه مميز، أو ابن ست سنين اذهب به إلى المسجد، وأمره بالصلاة، لا تأمره إلا إذا أكمل سبع سنين، ولا يقال: والله ولدك أبو عشر سنين ما ميز لا يصلي مع الناس، لا، ما يلزم العموم ينظر فيه ما يحصل به التمييز العمومي وهو سبع سنين، في الغالب سبع سنين الصبيان كلهم ميزوا، يندر من يتقدم، ويندر من يتأخر، لكن للخصوص؟ ما نقول: والله هذا الصبي ابن سبع سنين تصح إمامته مثل عمرو بن سلمة؛ لأن عمرو بن سلمة ميز لست سنين، وهذا ابن سبع لكن ما ميز، لكن يؤمر بالصلاة؛ لماذا يؤمر بالصلاة؟ ولو ادعى أبوه أنه لم يميز، ولو كانت حقيقته أنه لم يميز؛ لئلا يتذرع بعدم التمييز بعض الآباء، تجد صبيان يلعبون عند باب المسجد عمر الواحد منهم عشر سنين هذا لازم يدخل، يُضرب إذا لم يصلِ، قد يقول أبوه: إنه لم يميز، نقول: لا، هو يضرب عليها لعشر، ويؤمر لسبع على سبيل العموم؛ لئلا يتذرع بهذه الذريعة من يهمل أولاده عن الصلاة، يعني أولادك الآن يدرسون ليش ما يصلون؟ قال: والله ما ميزوا، يعني تعجب في هذا الأمر يقول لك: والله ما ميز، لكن ليش يميز في المدرسة؟ ليش ما تأخر عن الدراسة حتى يميز؟ يعني تجد في شباب المسلمين ثلاثين سنة مثلاً لا يصلي، ولا يُعرف في المسجد، ومتزوج وموظف ومعه سيارة، تقول لأبيه..، والله مسكين هذا، وهذا الحاصل، يقول لك: مسكين، احمد ربك على العافية، طيب خذ السيارة إذا صار مسكين، لا يدهس الناس في طريقه، كيف يغش به بيت من بيوت المسلمين ويزوج من بناتهم وهو مجنون على حد زعمك؟! أو إذا جاء الدين قلت: مجنون، وإذا جاءت أمور الدنيا صار من أعقل الناس؟! يعني هذه مسائل واقعية، فكون الناس يؤمرون، كون الصبيان يؤمرون كلهم لسبع لئلا يتذرع بالتمييز من يريد أن يتساهل بتربية أولاده على الفضل والدين، ويمرنهم على ذلك؛ لأن بعض الناس لا يهتم بأمر الصلاة، ولا يريد أن يشق عليه إذا كان يلهو أو يلعب ليش يقطع عنه اللعب، وإذا كان يتابع مسلسل وإلا شيء وعمره ثمان سنوات مسكين والله ما ميز، لكن خليه يتأخر عن الدراسة تشوفون مميز وإلا غير مميز؟

على كل حال الأمر العمومي ينظر فيه التمييز العمومي وهو سبع، والأمور الخاصة ينظر فيها إلى ما يميز به كل شخص بنفسه، ولذا الإمامة هنا لابن ست سنين أو سبع سنين، يصح سماع الحديث من المميز، وحدد جمهور أهل العلم التمييز بالنسبة للسماع بخمس سنين؛ لماذا؟ لأن محمود بن الربيع كما في صحيح البخاري عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، وفي راية: ابن أربع سنين، هذا ميز، لكن هل كل الصبيان يميزون لخمس أو لست أو لسبع؟ ولذا الصواب أن صحة السماع تبدأ من التمييز، وتمييز كل إنسان بحسبه، فقد يميز لخمس، وقد يميز لست، وقد يميز لسبع، وقد لا يميز أبداً.

يقول ابن الصلاح: "ومن لا يبلغ حد التمييز فإنه لا يسمع لحديثه ولو بلغ الخمسين" فالأمور الخاصة يعني التعليم يعلم كل إنسان إذا ميز، واستطاع أن يتحمل العلم، وبالنسبة للصلاة المطلوبة من الجميع يؤمر بها لسبع، ولو ميز قبل ذلك لا يؤمر، ولو تأخر تمييزه عن السبع لا بد أن يؤمر ما لم يكن مجنوناً، قد يقول قائل: إن الأمور لا تنضبط بالنسبة للتعليم إذا رددناه إلى التمييز الخاص، أما بالنسبة للتعليم في المساجد على طريقة أهل العلم في صدر هذه الأمة فهذا ممكن ضبطه، يكتبون لابن خمس سنين: سمع، العلماء إذا أرادوا أن يكتبوا في الطباق أسماء من حضر الدرس وسمع الكتاب: سمع فلان وفلان وفلان بما فيهم ابن خمس سنين لأنه مميز، وأما من لم يبلغ الخمس فيقال: حضر، ولا يقال: سمع؛ لأن الخمس هي الحد عند الأكثر.

الآن التعليم باعتباره إلزامي وباعتباره لجميع الناس أخذ منحى الأمر العام كالصلاة، الناس يجدون في الصفوف الأولى طلاب متفاوتين منهم من يستوعب لمرة، ومنهم من لا يستوعب أصلاً، لكن بالنسبة للتعليم الحالي والمقصود به رفع الأمية في القراءة والكتابة بغض النظر عن العلم لا سيما التعليم العام ما فيه إشكال يدخل ولو كان فهمه ضعيفاً، ويخرج مع غيره، وإن كان بعضهم يصلح أن يكون أستاذاً لبعض وهم في صف واحد، ولذا نقول: من الظلم للأذكياء أن يحشروا مع الأغبياء، ويخرجون في سن واحدة، يعني الشيخ حافظ الحكمي -رحمة الله عليه- التحق بمدرسة الشيخ عبد الله القرعاوي سنة ستين، وألف سلم الوصول ومعارج القبول سنة اثنين وستين، فمثل هؤلاء العباقرة الذين يمكن أن يخرج الواحد جامعي بخمس سنين، بل فوق مستوى الجامعي، يحشر مع طالب غبي فدم، يمكن لو درس خمسين سنة ما فهم شيء! ثم في النهاية يخرجون كلهم لاثنين وعشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة! هذا لا شك أن فيه ظلم للأذكياء، ولذا تجدون النبوغ قليل ونادر؛ لماذا؟ لأن هذا كبت، ما دام بينتظر مثل زميله ليش يكلف نفسه؟ لماذا يكلف نفسه؟ ولذا لو صنف الطلاب يعني يجعل سنة مثلاً يدرسون فيها، ومن خلالها يصنفون، تعليم ينتهي بخمس سنوات، تعليم ينتهي بعشر سنوات، تعليم ينتهي بخمس عشرة سنة، تعليم بعشرين سنة، ويش المانع؟ يصنف الطالب إلى أربعة أقسام، وما في شك أن هذا متعب بالنسبة للجهات المسئولة عن التعليم، لكن مردوده طيب، يعني يخرج في الأمة نابغين ونبهاء، لكن هذا النابغة إذا حشر مع الأغبياء تحطم، تجده يتضايق من الدرس بمضي خمس دقائق؛ لماذا؟ لأن المدرس يكرر من أجل أن يفهم هذا الغبي، طيب الثاني؟

والإشكال أنه لو قيل: من فهم يطلع من الفصل على شان ما يتضايق كلهم يقولون: فهمنا ويطلعون، صحيح يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، الآن مضى على التعليم عندنا أكثر من سبعين سنة التعليم النظامي، وعلى وتيرة واحدة، ويلاحظ فيه الضعف المستمر، يعني كان الخريجون في السابق أقوى من الخريجين الآن، كله من أجل ملاحظة هؤلاء الأغبياء، وتدنى التعليم إلى مستواهم، والمفترض أن يرفع مستواهم إلى الأعلى، لا يدنى الأعلى إلى الأدنى.

هذا ابن ست سنين يحفظ، هذا لو جاء عندنا يخلى في مؤخرة الفصل مثل غيره، واسمه عمرو بعد يمكن بيصير في أواخر الفصل.

أقول: هذه المسألة لا بد من إعادة النظر فيها، فلا يحشر أذكى الناس مع أغباهم، الآن عنده كبار من قومه أبوه موجود؛ ليش ما يصلي؟ لأنه ما حفظ مثل الابن، يقول: لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، التمييز محل إجماع لصحة الإمامة فغير المميز لا يصلح أن يكون إماماً مهما كان سنه، وبعضهم يشترط البلوغ للإمامة، وهذا جارٍ على قول من يقول بعدم صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن صلاة الصبي غير المكلف نفل وليست بواجبة، والصواب صحة إمامة المميز، والحديث نص صحيح صريح في ذلك.

"وكانت علي بردة" يعني لا يملك غيرها، بردة قصيرة "وكنت إذا سجدت تقلصت عني" يعني ارتفعت، أنتم ترون بعض الإخوان الذين يقصرون الثياب إذا ركع خرج باطن الركبة، وإذا سجد خرج أكثر من ذلك، فعلى الإنسان أن يهتم بذلك، وأسوأ من ذلك اللباس المفصول من النصف، أما بالنسبة للرجال فالبنطلون وما فوقه اللي يسمونه البلوزة ما أدري ويش يسمونه؟ وكذلك بالنسبة للمرأة كذلك التنورة والبلوزة تنكشف إذا لم يكن عليها غيرها، يرتفع القميص الأعلى، وينكشف بعض العورة، وقد ينزل الأسفل في السجود، لا سيما إذا كان ضيقاً، فعلى الإنسان أن يهتم لأن هذا موضع عورة تبطل به الصلاة، ومع الأسف جاءنا سؤال من بلد من البلدان في جامعة من الجامعات يصلي الطلاب والطالبات جميعاً، تقول بعض الطالبات: إنها إذا سجدت انكشف ظهرها، يعني مقدمات غير شرعية يريدون لها نتائج شرعية، مثل هذا له حل؟ ليس له حل، هذا لا يجوز مع النساء فضلاً عن الرجال، هذا تبطل به الصلاة مع النساء فكيف مع الرجال؟ يعني أمور مضطربة، يعني غربة مستحكمة، المقدمات من أصلها ممنوعة فيكف بالنتائج؟ يعني هذا ما يخفى على عوام المسلمين مثل هذا الأمر، ثم بعد ذلك تزعم أنها طالبة علم، وتسأل هذا السؤال، والله المستعان.

"وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت" يعني ارتفعت "تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي" لأن النساء يصلين خلف الرجال "ألا تغطون عنا است قارئكم!؟" يعني دبره، ولعلها تجوزت في الإطلاق، والمراد ما يقرب من ذلك وإلا لو خرج دبره بطلت صلاته.

"فاشتروا" يعني قطعة قماش "فقطعوا لي قميصاً" يعني يغطي العورة المطلوب سترها في الصلاة "فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" صبي يفرح بمثل هذا، بل الكبير يفرح في أوقات الشدة والضيق، والناس إلى أن فتحت الدنيا عليهم يفرحون بمثل هذا، وما كان عند أحدهم إلا قميص واحد، ثوب واحد يغسله ويجلس ينتظر، يعني قبل أن تفتح الدنيا قبل خمسين أو ستين سنة موجود هذا، وهو موجود في بعض بلدان المسلمين الآن.

"فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين" لكن الذي في البخاري: ابن ست أو سبع سنين، ولعل مرد ذلك إلى التقدير، يعني قُدر، قَدر سنه بكذا، مرة يقول: ست، ومرة يقول: سبع، ومرة يقول: ثمان؛ لأنهم ليست لهم عناية بالتواريخ تحديداً كما هو شأن اليوم في المواليد في المستشفيات بالساعة، وكانوا يحددون بالوقائع، متى ولد؟ ولد يوم حج فلان، متى حج فلان؟ الله أعلم، ما يدرى متى حج فلان، واحد ولد في منتصف رمضان، لكن من أي سنة ما يدري، أو ولد سنة -يعني بالوقائع- سنة الوقائع المعروفة مثلاً: سنة التربة مثلاً، أو سنة المليداء، أو سنة الجراب، هذا وقائع حصلت في الجزيرة، أو سنة الغرقة مثلاً، فهم يحددون بالوقائع من غير تحديد للسنة بعينها، الوقائع هذه معروفة مؤرخة، ضبطت بالتواريخ، لكن كون هذا المولود سنة كذا، ما يدرى في أولها، أو في آخرها، مما يتأثر به العمر، لا سيما وأن بعض الفقهاء يقول -وهذا موجود عند الحنابلة-: فإن بلغ في أثنائها، كيف يعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة؟ "فإن بلغ في أثنائها، أو في وقتها المتسع أعاد" المسألة تحتاج إلى ضبط بالساعة على شان تعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة أو في وقتها، وذلك في تمام خمس عشرة سنة إذا لم يسبق البلوغ بالإنزال أو الإنبات، فكانوا ماشيين على التقدير، فلان ولد..، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، ما عندهم تواريخ، ثم بعد ذلك استمر الناس على طريقة العرب، يعني من عنده شيء من العلم تجد يضبط مواليد أولاده على كتبه، ورأينا كثيراً كتب مستعملة من أهل العلم تركات في يوم كذا ولد -على الكتاب- لي ولد أسميته فلان وهكذا، أهل العلم يضبطونه، أما عامة الناس فلا ضبط.

هذا يقول: ست سنين، سبع سنين، ثمان سنين، كله على سبيل التقدير، المقصود أنه مميز؛ لأن التمييز شرط لصحة الإمامة بالإجماع.

طيب مصافة ابن ست سنين كونه يكون صف معك في الصف هو لم يؤمر بالصلاة أصلاً، إنما يؤمر بالصلاة إذا أكمل سبع سنين، بعض الناس يأتي بطفل عمره سنتان أو ثلاث ويجعله في الصف يؤذي الناس ولا يصلي، لا شك أن هذه إساءة، ومكانه فرجة ولو شغله؛ لأن وجوده مثل عدمه، لكن ابن سبع سنين مصافاته صحيحة على ما سيأتي؛ لأنه مأمور بالصلاة، فماذا عن ابن ست سنين؟ هل نقول: إن هذا صلح أن يكون إمام فمن باب أولى أن يصاف؟ أو نقول: إن كان مميزاً ورأينا منه علامات ضبط الصلاة تصح مصافاته، وإن كان دون سبع؟ أو نقول كما قال بعضهم: إنها لا تصح المصافاة إلا لابن سبع؛ لأنه لم يؤمر بالصلاة قبل ذلك؟ وعلى كل حال بعض الناس يسيء، يأتي بصبي طفل ويؤذي المصلين، وقد يتعدى ويعبث بالمصاحف وهذا موجود، وقد يمزق وأبوه ينظر إليه ولا ينكر عليه، أمام الصف الأول مصاحف يتقدم الطفل يأخذ هذا ويرمي هذا، وأبوه خاشع على حد زعمه، لما تقدم الابن قليلاً إلى المروحة هي جنب المصاحف قطع صلاته فوراً وذهب إليه لئلا تؤذيه، سبحان الله المصحف يُعبث به وأبوه ينظر لا يحرك ساكناً، وخشي عليه من المروحة تصيبه بأذى فيقطع صلاته! الأصل ألا يحضر مثل هذا إلى المسجد، هذا إذا حضر مع أمه لا بأس، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع بكاء الصبي، لكن يحضر مع الأب ويشغل المصلين، لا؛ لأن الأم لو جلست له ولا صلت مع الناس ما فيه إشكال، الجماعة لا تلزمها، تسمع الذكر ودعوة المسلمين وقراءة القارئ، وتنشغل بولدها ما في..، لكن الأب الذي تلزمه الجماعة، ومن أغرب ما رأيت هنا في المسجد الحرام شخص جاء بطفل لصلاة الجمعة ويبكي منذ أن دخل إلى أن انتهت الخطبة، فأقيمت الصلاة وجلس الأب يسكت الولد، ما صلى مع الناس، الجمعة ما صلاها مع الناس على شان يسكته، ليش تجيبه يا أخي من الأصل؟ ويحصل من هذا الشيء الكثير، يعني أمور مقلقة، وكون الطفل يحضر مع أمه هذا لا إشكال فيه، لكن مع الأب ويؤذي المصلين الذين صلاة الجماعة عليهم واجبة، أما الأم يعني لو انشغلت به أثناء الصلاة ما في إشكال لأنها تصلي بعد ذلك، فيحصل تصرفات من بعض الآباء، ويظن أن هذا من خدمة أهله، وفي حاجة أهله، هذا ما هو بصحيح، يعني شخص يصلي مع الناس فيسمع صبيه مع أمه يبكي، ثم يطل عليها من خلال الحاجز ويأخذ الولد، يعني أمور والله ما تحصل من عاقل، يأخذ الولد ويسكته ويغير له ويرجعه لأمه، تحصل هذه من شخص جاء ليمثل بين يدي الله -جل وعلا-! يعني الأصل أن الأم في بيتها بيتها خير لها، يعني تنقلب الأمور كله من كثرة الدك على حقوق المرأة، وأن الرجل ظالم، وأنه كذا، يبي يظهر للناس مظهر أنه ما ظلم، وأنه قائم بحقوقه على أفضل وجه، والذي أجزم به أن هذا إذا خلا بزوجته من أشد الناس أذية لها؛ لأن هذه ردود فعل، ما تحصل من فراغ مثل هذه الأمور، وإلا لو كان سوياً مستقيماً معها في الخلوة لكان مستقيماً معها في الجلوة، لكن هذه ردت فعل حصلت من تقصير معه، يعني بين الناس يأخذ الطفل من أمه ويغير له أمام الرجال ويرجعه لأمه، يسكته وبعدين..، هذه ما هي بوظيفته، هذا قلب للفطر، والله المستعان.

فالأم لها مهمة لا يستطيع الرجل القيام بها، والأب له مهمة لا تستطيع الأم القيام بها، والمسئولية مشتركة، لكن كل عليه أن يقوم بدوره، فإذا قام الرجل بدور الأم لا شك أنه سوف يقصر بدوره، والله المستعان.

"وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين".

ثم بعد هذا قال:

"وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" هذا الخبر رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم" موقوف على ابن عباس لكنه ضعيف، بل ضعيف جداً؛ لأن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى شيخ الإمام الشافعي وهو متفق على ضعفه، بل قال الحافظ في التقريب: متروك، فلا يلتفت إليه.

ثم قال بعد ذلك:

"وعن أبي مسعود -رضي الله عنه-" أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري نسبة إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهد غزوة بدر في قول الجمهور، ولو قال البخاري: إنه شهدها، لكن عامة أهل العلم على أنه لم يشهدها، وإنما نسب إليها لأنه سكنها "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله))" القومَ مفعول به مقدم، وأقرؤهم فاعل مؤخر، تأخير الفاعل حكمه؟ تأخير الفاعل وتقديم المفعول هنا حكمه جائز وإلا واجب؟ نعم؟

طالب:.......

واجب؛ لماذا؟ لأنه يشتمل على ضمير يعود على متأخر لفظاً ورتبة.

وشاع نحو: خاف ربه عمر

 

 

 

وشذ نحو: زان نوره الشجر

 

 

مثل هنا.

((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) الأقرأ هل هو الأحفظ كما تقدم في حديث عمرو بن سلمة، يعني الأكثر حفظ، أو الأجود قراءة؛ لأن الناس حيال القرآن يتفاوتون، قد يكون بعضهم يحفظ القرآن كاملاً وهو كثير الخطأ فيه، كثير اللحن والتحريف والتصحيف، ومنهم من حفظه قليل لكنه مجود ومتقن، ومنهم من يجمع بين الأمرين، ومنهم من يحفظ القليل مع التصحيف والتحريف، ولا شك أن المطلوب الجمع بين تجويد القراءة مع كثرة الحفظ، هذا أولى الناس بالإمامة.

ثم إذا تعارض التجويد مع كثرة المحفوظ فالوجه المأمور به في القراءة هو التجويد والترتيل والتدبر هذا هو الوجه المأمور به، فإذا عورض هذا الوجه المأمور به بكثرة محفوظ مع الإخلال بما أمر به، فلا شك أن الوجه المأمور به هو المنظور إليه والملاحظ، فإذا كان يحفظ جزءاً متقناً مجوداً يتدبر فيه أفضل ممن يحفظ جزأين على غير هذه الصفة؛ لأننا أمرنا بالترتيل، أمرنا بالتدبر، لا شك أن القراءة من غير تدبر ولا ترتيل محصلة لأجر الحروف، يعني كل حرف عشر حسنات، لكن القراءة بالتدبر والترتيل هي التي تترتب عليها الثمرة من الأمر بالقراءة، قراءة القرآن على الوجه المأمور به كما يقول شيخ الإسلام يحصل بها من الإيمان واليقين والطمأنينة والمعرفة والعلم ما لا يحصل بغيرها.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى
 

 

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

 

 

فالتدبر شأنه عظيم، فإذا وجد من هذه حاله، من يتأثر في نفسه، ويؤثر في سامعه فهو أولى من غيره، وإن كان أكثر منه حفظاً.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "أهل القرآن هم أهل العناية به وقراءته وتدبره وترتيله وتعلمه وتعليمه ولو لم يحفظوه" وليس في هذا تقليل لشان الحفظ، لا، لكنه لفت واهتمام بشأن أهمله كثير من طلاب العلم بما فيهم الحفاظ.

((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) والمراد أحفظهم مع ضبطه وإتقانه وتجويده وتدبره، هذا أولى الناس بالإمامة، وقال به جمع من أهل العلم، وهو المؤيد بهذا الحديث وبالحديث السابق، ومنهم من يرى أن الأفقه أولى بالإمامة من الأقرأ؛ لماذا؟ يقولون: لأن ما يحتاج إليه في الصلاة من القراءة محدود، وما يحتاج إليه من الفقه في الصلاة غير محدود، فقد يعرض للإمام في صلاته شيء لا يستطيع معه التصرف إذا لم يكن فقيهاً ولو كان حافظاً للقرآن، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم أبا بكر في الصلاة مع قوله: ((أقرؤكم أبي)) والحديث: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) جاء على الغالب من حال الصحابة أن الأقرأ هو الأفقه، إذ لا يوجد قارئ غير فقيه؛ لماذا؟ لأن طريقتهم في تعلم القرآن أنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، فكان الأقرأ في عصر الصحابة هو الأفقه، لكن لو تخلف أحد الأمرين، إما أن يكون أقرأ غير أفقه أو أفقه غير أقرأ قالوا: يقدم الأفقه، وهذا قول أكثر أهل العلم، مع أن حديث الباب يرده؛ لماذا؟ لأنه قال: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) يعني أكثر فقه الصلاة يوجد في القرآن وإلا ما يوجد؟ لا يوجد في القرآن، فقه الصلاة أكثره لا يوجد في القرآن وإنما يوجد في السنة، فأعلمهم بالسنة هو الأفقه، وفي الحديث: ((أعلمهم بالسنة)) الذي يساوي الأفقه -فقه الصلاة- مؤخر عن الأقرأ، يعني يمكن يتجه قول الأكثر في تقديم الأفقه لو لم ترد هذه الجملة، فالأعلم بالسنة وأحكام الصلاة غالبها في السنة، فالأعلم بالسنة هو الأفقه، فكأنه في الحديث قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فالأفقه" وهنا الأعلم بالسنة مؤخر عن الأقرأ.

((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) قد يقول قائل: إن التقديم بالقرآن حينما يتفاضل القراء فأقرؤهم هو الأولى، طيب إذا تساووا القراء فيرجح صاحب السنة الأعلم بالسنة، وهذا هو المفهوم من الحديث، فالمنظور إليه في الحديث قراءة القرآن وإتقان القرآن هذا بالدرجة الأولى، ولم يتعرض في الحديث بين قارئ غير فقيه وفقيه غير قارئ، إنما في الحديث الأقرأ، هذا بالدرجة الأولى، لكن وجد أكثر من أقرأ، عندنا عشرة حفاظ كلهم مجودون ومتقنون، يفاضل بينهم بالسنة، وليست حينئذٍ السنة مرتبة ثانية، وإنما هي مرجح عند التفاضل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه في الحديث يقول: ((فإن كانوا في القراءة سواء)) المسجد يصلي فيه مائة، لكن منهم عشرة حفاظ على مستوى واحد يرجح بالسنة؛ لأنه يحتاج في صلاته إلى أحكامها، وهي موجودة في السنة، وعلى هذا فلو وجد شخص أميز منهم في القراءة فهو مقدم من غير نظر إلى وصف آخر.

((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) هذا أيضاً مرجح، هجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الصحابة اختلفوا في هجرتهم، فمنهم من هاجر قبله، ومنهم من هاجر معه، ومنهم من هاجر بعده، فالأقدم هو الأولى بالإمامة إذا تساووا في القرآن والسنة.

((فإن كانوا في الهجرة سواء)) يعني هاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- معاً فأقدمهم سلماً، وليس المراد الهجرة المقصورة على الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل إلى آخر الزمان، من هاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام قبل غيره فهو أولى بالإمامة ممن تأخرت هجرته عند التساوي.

((فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً)) يعني إسلاماً، أقدمهم إسلاماً، يعني هل الأولى التفضيل بقدم الإسلام أو بقدم الهجرة؟ في الحديث الأولى الهجرة؛ لأن إسلام الشخص مع إقامته في بلاد المشركين ينجيه هذا الإسلام إذا كان معذوراً، ويعفيه من وجوب الهجرة إذا كان من المستضعفين، لكنه مهما كان ومهما بلغ لن يكون بمنزلة من أقام بين المسلمين وفي بلاد المسلمين، ولذا لم تُجوّز الحيلة بنص قرآني إلا في الهجرة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فيجب عليه أن يهاجر ولو احتال على الهجرة، فجعل الهجرة أولى بالتقديم ممن تقدم إسلامه وأقام بين أظهر المشركين.

ثم قال: ((ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) هذا مستثنى مما تقدم، يعني رجل في بيته في مكانه في مقره لا يتقدم عليه إلا بإذنه ((ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) والإمام السلطان له الأولوية المطلقة، وفي حكمه من ينيبه، فإمام الحي المعين من قبل السلطان لا شك أنه نائب عن السلطان لا يجوز أن يفتات عليه، ومن ولي على عموم المساجد مثلاً له صلاحية السلطان وأحقية السلطان في هذا؛ لأن هذا الأمر وكل إليه فلا يفتات عليه، فهو نائب السلطان في هذا.

((ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) يعني ما يوضع له في مكان جلوسه من شيء يجلس عليه، لا يأتي الزائر والضيف يجلس عليه إلا أن يأذن له، ويؤثره به.

في بعض الروايات: بدلاً سلماً سناً، يعني الأكبر، ولا شك أن السن له مدخل في التقديم شرعاً في أمور العبادات وفي العادات، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) يبدأ الكبير لما جاء عبد الرحمن بن سهل انطلق يتكلم لما قتل أخوه بخيبر، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) لأن حويصة أكبر منه.

ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم".

((ليلني منكم)) ليكن الأقرب مني ومن الإمام في الصلاة ((أولو الأحلام)) أصحاب العقول والألباب ((والنهى)).

((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) هؤلاء هم الأولى بالقرب من الإمام ((ثم الذين يلونهم)) والصحابي فهم أن هذه الأحقية يستحقها الكبير مطلقاً، مع أنها معارضة بـ((من سبق إلى شيء فهو أحق به)) والذي في الحديث ليس المراد منه طرد الصغار عن أماكنهم القريبة من الإمام بقدر ما فيه من حث للكبار على التقدم إلى الصلاة، يعني لو وجدت شاب خلف الإمام، ثم جاء رجل كبير عاقل حازم هل من حقه أن يقيم هذا الشاب عن مكانه ويجلس مكانه لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى))؟ نعم الصحابي فهم ذلك، وأقام الصغير وأجلس الكبير، لكن عمومات النصوص الأخرى تدل على أن المفهوم من الحديث حث الكبار على التقدم، وإلا فالأصل أن من سبق إلى شيء مباح فهو أحق به.

وينص أهل العلم على أنه ليس للوالد أن يقيم ولده فيجلس مكانه ليس له ذلك؛ لأنه سبق إلى أمر مباح متاح شرعاً له أن يجلس فيه، وبعض كبار السن يتصرف مع بعض الشباب ما يحصل منه مردود عكسي، وكم من شاب نفر من المسجد ومن الصلاة مع الجماعة، بل قد يترك الصلاة بالكلية لبعض تصرفات كبار السن، يتكلم عليه، ويتهجم عليه، ويسبه ويقيمه في النهاية من مكانه فيجلس فيه، هذه لها مردود ولو كان صغير السن، الصغار يفهمون، كثير من الكبار أظنهم ما يفهمون، هم يفهمون، ولا ينسون، تمكث معه هذه الحادثة إلى آخر عمره إذا حصل مثل هذا التصرف، وإذا صار سبباً في ترك الصلاة في المسجد أثم بذلك، وإن كان المباشر لا يعذر، إذا حصل لك قضية في المسجد شخص تعدى عليك أو الإمام تكلم عليك أمام الناس هل معنى هذا أنك تترك ما أوجب الله عليك؟ تعذر في هذا لأن الإمام..، تقول: ما أصلي في هذا المسجد وهذا الإمام موجود؟! لا شك أنك إذا تركت فهو متسبب آثم، وأنت مع ذلك مباشر عليك الإثم، إثم تركك الجماعة، فيجتمع التسبب والمباشرة، وكل عليه نصيبه من هذا، وكم من قضية حصلت من أناس معروفين يتصرف تصرف مع صبي يظنه لا يفهم، ثم يترك الصلاة، أو مع شخص في عقله..، لا يقال: مجنون لا تلزمه الصلاة، ويقال: هذا أمره أهون ما هو مشكل، لا، لكنه أحمق، يتصرف معه بعض التصرفات التي تجعله يترك الصلاة، نقول: هذا المتسبب آثم، وعليه أن يدرس تصرفاته والآثار المترتبة عليها، والمباشر عليه الإثم كله، كامل إثمه، ما ينقص من إثم ذلك شيء؛ لأنهم ولوا، ويحصل من بعض الأئمة تصرفات، ويصف نفسه مصف عمر يقول: عمر يقيم الصفوف بالدرة، تجده يضرب الناس بالعصا، يجعل نفسه مثل عمر هذا شاهدناه موجود، شخص كبير السن له أكثر من ستين سنة في الإمامة، وحصل مشاكل مع المصلين، وما زال.

المقصود أن مثل هذه الأمور التي تنفر بعض الناس الإمام والمتصرف عليه كفل منها، والإنسان محاسب على ما يفعل سواءً كان متسبباً أو مباشراً، يقيم الناس بالعصا! هذا ليس لك، ونظيره شاب جلس على كرسي في محاضرة، شاب في العشرينات، وشخص كبير السن نعس أو شيء قال: قم، قم، يسأله ويجيب، ما زلت يا أخي إلى الآن ما بعد حصرمت على شان تزبزب، ويقول: إن الشيخ فلان يفعل هذا، يعني هل يقبل من هذا الشاب ما يقبل من الشيخ الكبير؟ وهل يقبل من هذا الإمام ما كان يصنعه عمر وهو خليفة المسلمين؟ بعض الناس يسمع بعض الناس فينزلها في غير منزلتها، وفي غير موضعها، قم شايب أكبر من جده يسأله ويخجله بين الناس، شاب ما زال في المرحلة الجامعية، يصف نفسه مع إمام من أئمة المسلمين، يقولون: إنه إذا لحظ على إنسان غفلة وإلا شيء قم، مثل هذا الإمام الذي قلنا: إن عمر يقيم الناس بالدرة، ويعدل الصفوف بالدرة، يعني تصرفات تقبل من شخص لكن ما تقبل من آخر، والناس منازل.

((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) يعني أولو الأحلام والنهى عليهم أن يعرفوا مكانهم ومنزلتهم في الإسلام ليتقدموا إلى الصلاة ليكونوا قدوات، وإذا حصل من الإمام خلل في الصلاة ذكروه أولى من الصبيان، فهذا حث لهم على التقدم.

((ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) المراد بها الهيشات والهوشات في الأصل الخصومات وارتفاع الأصوات، وهذا غير مقبول في الأسواق فكيف بالمساجد؟! ارتفاع الأصوات وكثرة اللغط والفتن التي تحصل في الأسواق لا تنقلوها إلى مساجدكم، وهذا يحتمله اللفظ، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بهيشات الأسواق من يحصل منهم هذا اللغط، ومن يحصل منه كثرة الأصوات واللغط هم ضد أولي الأحلام والنهى؛ لأن أولي الأحلام والنهى لا يحصل منهم لغط ولا أصوات، يتصفون بالحلم والرزانة والعقل، وأما هيشات الأسواق وما يحصل منهم فإن هؤلاء لا يمكنون من القرب من الإمام، لا بطردهم من هذا المكان كما قلنا في الأسواق، وإنما بقطع الطريق عليهم بتقدم أولي الأحلام والنهى، وكثيراً ما نجد من هذه صفته من أهل اللغط وارتفاع الأصوات تجده في مقدمة المسجد، يتقدم مع الأذان أو قبل الأذان، وتجد كلامه من صلى تحية المسجد أو الراتبة إلى الإقامة وهو في القيل والقال، يعني شيوخ كبار سن يتقدمون إلى الصلاة، ثم ينشغلون بفلان وعلان، وحصل بعض المواقف الطريفة يتكلمون ومكبر الصوت قد نسيه المؤذن ما أقفله، وكلامهم الذي يضحك منه الصبيان يصل إلى البيوت، هناك أمثلة ونماذج، لكن الله المستعان.

فالإنسان الذي تقدم إلى المسجد يرجو ما عند الله -جل وعلا- كيف يطلق لسانه بالغيبة والنميمة؟! يعني إذا كان لا يقرأ القرآن يستغل الوقت بالذكر، ينتظر الصلاة وهو الآن في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، فعليه أن يستغل الوقت بالذكر إذا كان لا يحسن قراءة القرآن، وإذا كان يقرأ القرآن يشغل وقته بقراءة القرآن، أما الانشغال بالقيل والقال وسفاسف الأمور والأمور التي لا تعنيه و((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).

اثنان في مقدمة المسجد يسمونها روضة المسجد تقدما إلى الصلاة مع الأذان، فجاء شاب وصف جنب واحد منهما، وعليه ثوب جديد من ألبسة الشتاء، فلمسه الشيخ الكبير اللي جنبه وقال لصاحبه: ترى ها الشاب ما يعرف القماش، تراه يمكن مضحوك عليه، قالوا له: صوف وهو ما هو بصوف، وانتهى الوقت على هذا الثوب ها المسكين ذا، يمكن مرفوع عليه سعره على أنه صوف وهو ما هو بصوف، يعني من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه في عموم الأحوال في بيتك وفي سوقك فكيف إذا تقدمت إلى المسجد؟! وهذا أسهل من مسألة الغيبة والنميمة والكلام في أعراض الناس، والاستطالة في أعراضهم، وإذا تقدموا كثير منهم يتكلم في الإمام، وقل من يسلم من الأئمة من أمثال هؤلاء، يعني لا يُجحد أن في عوام المسلمين خير كبير وفضل وفضلهم ظاهر، وتقدمهم إلى الصلوات وحرصهم على الخير هذا موجود، لكن مع هذا الحرص ينبغي أن يستغل الوقت بما ينفع، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.......

الطبعة الهندية.

طالب:.......

الهندية، طبع بالهند مصور أظن دار الكتاب العربي خمسة مجلدات.

طالب:.......

هذا إذا كنت تعرف قراءة الخط الفارسي، ما هو باللغة الفارسية لغة عربية، لكنها بالخط الفارسي.

طالب:.......

ومثلها عون المعبود، كلها مطبوعات في الهند، لكن إذا لم تستطع فالطبعات الموجودة الطبعة السلفية بالمدينة فيها أغلاط لكن زين، لا بأس...