التعليق على تفسير القرطبي - سورة الجاثية (04)

قال الإمام القرطبي –رحمه الله-{إن الذين قالوا استقاموا فلا خوف عليهم ولا يحزنون}.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى

  {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خَلْقًا وَمِلْكًا {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} يَوْمٌ" الْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِ" يخسر" و" يومئذ" تكرير للتأكيد (هامش) أَوْ بَدَلٌ."

منصوب اليوم الأول المقصود منصوب به يخسر على أنه مفعول فيه يعني ظرف نعم.

" وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ. وَالْعَامِلُ فِي" يَوْمئِذٍ"" يَخْسَرُ"، وَمَفْعُولُ" يَخْسَرُ" مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى يَخْسَرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي الجنة."

نعم كأنه قيل: ماذا يخسرون؟ ماذا يخسرون؟ يخسرون بطونهم، صحيح، لكن ماذا يخسرون؟

يخسرون منازلهم في الجنة، جاء في بعض الأخبار أن لكل إنسان منزلين منزلًا في النار ومنزلًا في الجنة، إن كان مؤمنًا أنزل منزله في الجنة، وإن كان كافرًا أنزل منزله في النار، ويرى منزله إن كان كافرًا يرى منزله من الجنة؛ ليزداد بذلك حسرة، فيخسر هذا المنزلة بكفره، نسأل الله السلامة العافية- نعم.
"
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} أَيْ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالْأُمَّةُ هُنَا: أَهْلُ كُلِّ مِلَّةٍ. وَفِي الْجَاثِيَةِ تَأْوِيلَاتٌ خَمْسٌ: الْأَوَّلُ: قالَ مُجَاهِدٌ: مُسْتَوْفِزَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْمُسْتَوْفِزُ الَّذِي لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْهُ إِلَّا رُكْبَتَاهُ وَأَطْرَافُ أَنَامِلِهِ. وقال الضَّحَّاكُ: ذَلِكَ عِنْدَ الْحِسَابِ.

الثَّانِي: مُجْتَمِعَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ".

يعني من معانى الجثي: الاجتماع، الأول الاستيفاز على قول مجاهد، والثاني بمعنى أنه يجتمع وينضم ويجتمع كل أهل دين إلى أمثالهم ونظرائهم.

"وقال الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَتَرَى أَهْلَ كُلِّ دِينٍ مُجْتَمِعِينَ. الثَّالِثُ: مُتَمَيِّزَةٌ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. الرَّابِعُ: خَاضِعَةٌ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، قَالَهُ مُؤَرِّجٌ. الْخَامِسُ: بَارِكَةٌ عَلَى الرُّكَبِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالْجَثْوُ: الْجُلُوسُ عَلَى الرَّكْبِ. جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيَجْثِي جُثُوًّا وَجُثِيًّا، على فعول فيهما، وَقَدْ مَضَى فِي" مَرْيَمَ": وَأَصْلُ الْجُثْوَةِ: الْجَمَاعَةُ من كل شي. قَالَ طَرَفَةُ يَصِفُ قَبْرَيْنِ:

تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ"

الجثو يذكر كثيرًا يعني في أحوال ليست عادية إما في حال إشفاق أو في حال خوف أو في حال تستدعي السرعة والعجلة بحيث لا يتمكن من الأرض فيجثوا على ركبتيه خائفًا وجلاً، فإن نزل على الركبتين بقوة فقد برك كما في الحديث الصحيح في البخاري: فبرك عمر رضي الله عنه- على ركبتيه يعني نزل عليهم بقوة، وإن كان مجرد الجلوس على الركبتين وأطراف الأصابع فهو جثي لا يتمكنون من القعود؛ لأنهم خائفون وجلون فزعون، الإمام أحمد إذا سمع حديث أبي ذر « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» يجثوا على ركبتيه، يقول: هذا أعظم حديث عند أهل الشام، فيستعمل مثل هذا الجلوس للأمر إذا خرج عن المألوف والعادة.

الفرق بين الجلوس والاستيفاز قال مجاهد: مستوفزة، وفسر الجثو بأنه الاستيفاز، كما قال ذلك مجاهد وسفيان أيضًا، والرسالة الكيلانية شيخ الإسلام ابن تيمية مطبوعة ضمن الرسائل كتبها شيخ الإسلام وصاحبها مستوفزٌ يريدها، يعني عندنا هيئة المستعجل غير هيئة الجاثي، المستعجل الذي يريد أمرًا نعم لا يتمكن من الأرض، ولا يكون على هيئة الجاثي بحيث يجلس على ركبتيه.

ماذا تقولون له؟

طالب: .....

هذه عامية، لكن غيره ماذا تقولون أنتم يا أهل الجنوب إذا جلس على رجليه ومقعدته مرتفعة عن الأرض وركبتاه منتصبتان.

طالب: مثل جلوس قضاء الحاجة.

نعم، مثل جلوس قضاء الحاجة ماذا تسمونه؟ ماذا تقولون له؟

طالب: .....

 ما تدري؟ ما له اسم؟

طالب: .....

ماذا تسمونه؟

طالب:.....

هو جالس، الجلوس أنواع.

طالب: .......

نعم

طالب: .....

طالب: .....

طالب: فيه اسم غريب يا شيخ ......

ما هو؟

طالب: .....

هذا مستعمل عندكم؟

طالب: نعم...

ما شاء الله.

طالب: ......الشمال..

ماذا؟ مقرفص كذا؟

طالب: ....

على كل حال المستوفز أقرب إلى هذه الصورة من الجاثي؛ لأن المستعجل يستعمله، أما الجثي فإنه يستعمل في حالة الفزع.

"ثم قيل: هو خاص بالكفار، قاله يحي بْنُ سَلَّامٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ انْتِظَارًا لِلْحِسَابِ".

ويدل له العموم في الآية: {وترى كل أمة جاثية} كل، معنى ذلك من أمم الكفر وأمم الإسلام.

" وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: «كَأَنِّي أَرَاكُمْ بِالْكَوْمِ جَاثِينَ دُونَ جَهَنَّمَ»، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ."

خرج ذلك الحديث؟

طالب: قال: أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير، وإسناده ضعيف؛ لأنه مرسل، وعبد الله بن باباه تابعي، وهو ثقة، ونسبه السيوطي في الدر لسعيد بن منصور..... عبد الله في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عبد الله بن باباه، انتهى كلام المحقق، قال الحافظ في الفتح: أخرجه البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه، سند رجاله ثقات.

يبقى فيه الإرسال، يعني تضعيفه من قبل الإرسال.

" وَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَسَاعَةٌ هِيَ عَشْرُ سِنِينَ يَخِرُّ النَّاسُ فِيهَا جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِيُنَادِيَ: " لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي."

ساعة عشر سنين؟ يعني الساعة في الدنيا يقال للوقت المحدد من الزمان، قد يوافق الساعة الفلكية، وقد يكون أكثر منها، وقد يكون أقل، لكن كونها عشر سنين.. إذا نسبناه إلى اليوم من أيام يوم القيامة ممكن أن تكون الساعة عشر سنين، ألف سنة وعشر سنين واحد على مائة، واحد من مائة من اليوم العشر سنين { وإنا يومًا عند ربك بألف سنة مما تعدون} فهذه عشر سنين أقل من ساعة، لكنها جزء من الزمان.

"{ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} قَالَ يَحْيَى بن سَلَّامٍ: إِلَى حِسَابِهَا. وَقِيلَ: إِلَى كِتَابِهَا الَّذِي كَانَ يَسْتَنْسِخُ لَهَا فِيهِ مَا عَمِلَتْ مِنْ خير وشر، قاله مُقَاتِلٌ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: " كِتابِهَا" مَا كَتَبَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: كِتَابُهَا الْمُنَزَّلُ عَلَيْهَا؛ لِيُنْظُرَ هَلْ عَمِلُوا بِمَا فِيهِ. وقيل: الكتاب ها هنا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ".

" وَقَرَأَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: " كُلَّ أُمَّةٍ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" كُلٍّ" الْأُولَى".

أمة نصب كل بدل من كل الأولى، الأولى مفعول منصوب على أنه مفعول، والثاني بدل من كل أمة، والرفع استئناف.

 "لِمَا فِي الثَّانِيَةِ مِنَ الْإِيضَاحِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْأُولَى، إِذْ لَيْسَ فِي جُثُوِّهَا شَيْءٌ مِنْ حَالِ شَرْحِ الْجَثْوِ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَهُوَ اسْتِدْعَاؤُهَا إِلَى كِتَابِهَا. وَقِيلَ: انْتَصَبَ بِإِعْمَالِ "تَرَى" مُضْمَرًا. وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ.

{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير أو شر."

يعني إذا دعيت إلى كتابها وأطلعت عليه بما فيه من حسنات وسيئات يحصل بعده الجزاء، الأول الحساب، «وما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان» ثم إذا قرر بأفعاله وأُطلع عليها يحصل الجزاء، تجزون بما كنتم تعملون، فالجزاء هو النتيجة نتيجة الحساب ونتيجة التقرير ونتيجة العرض عند من يعرض.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا كِتابُنا} قِيلَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لَهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ. {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أَيْ يَشْهَدُ. وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ."

هذا كتابنا المشار إليه الكتاب الذي مر ذكره، ومرة قال: { تدعى إلى كتابها }، ومرة قال: { هذا كتابنا} وهذا القول يصلح كما قال بعضهم: إنه من قول الله جل وعلا-، أو من قول الملائكة، فكونه ينسب إليه تارة، وينسب إلى الله أخرى، وينسب إلى الملائكة باعتبار تعدد الجهات لا بالنظر إلى جهة واحدة، هو كتابهم نعم هو كتابهم باعتبار أن أعمالهم مدونة فيه، وأن مصيرهم مرتب على هذا الكتاب، فهو كتابهم من هذه الحيثية، وهو كتاب الله، هذا كتابنا، يقول الله جل وعلا- باعتبار أنه هو الآمر به بأن يكتب وبأنه هو الذي يناقش ما فيه أو يعرض عليه ما فيه، والملائكة باعتبار أنهم هم الذين باشروا الكتابة، باشروا الكتابة.

" وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ يُقَالُ: نَطَقَ الْكِتَابُ بِكَذَا أَيْ بَيَّنَ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَهُ فَيُذَكِّرُهُمُ الْكِتَابُ مَا عَمِلُوا، فَكَأَنَّهُ يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها} [الكهف: 49]. وَفِي الْمُؤْمِنِينَ: {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَ" يَنْطِقُ" فِي، مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ ذَا، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ لِذَا، أَوْ يَكُونُ " كِتابُنا" بدلاً من" هذا" و" يَنْطِقُ" الْخَبَرُ، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}".

قوله: {ينطق عليكم بالحق} يقول المؤلف: أي يشهد، هي استعارة أي تسمى هذه الشهادة عليهم نطقًا كما ينطق الحي بشهادته، والكتاب معروف أنه في الأصل لا يتكلم فشهادته المودعة فيه في حكم النطق هذا على ما مشى عليه المؤلف، ولذا قال: استعارة، لكن ما المانع أن الكتاب ينطق كما نطقت السماوات والأرض كما تنطق الجوارح، الجوارح تنطق، تشهد الأيدي وغيرها من الجوارح والألسنة كلها تشهد، وتنطق السماوات والأرض: {قالتا أتينا طائعين} ما الذي يمنع من إرادة النطق الحقيقي ما يظهر أنه هناك؟ ما يمنع.

طالب: ......يوم القيامة الكل يقرأ فما الفائدة من نطقه؟

هو يشهد على كل حال ينطق عليهم، يشهد عليهم، لكن هل ينطق بلسان الحال أو بلسان المقال؟ الشاهد يشهد عليه.

طالب: ... ما مقصد النطق المراد به لسان المقال كل امرئ يقرأ كتابه؟

ومع ذلك يقرأون إذا أرادوا أن يتأكدوا يقرأون، اقرأ كتابك.

"{ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ نَأْمُرُ بِنَسْخِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ."

لأن السين والتاء للطلب، يعني نطلب نسخ ما كنتم تعملون. أولاً كتاب الحفظة يكتب فيه كل شيء، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ينسخ كل شيء، ثم عند الاستنساخ الثاني لا ينسخ إلا ما يترتب عليه ثواب أو عقاب، وأما اللغو الذي لا ثواب عليه ولا عقاب عليه فهذا ما يستنسخ المرة الثانية، ومن أهل العلم من يرى أن الملائكة لا يكتبون أصلاً ما لا حساب فيه ولا عقاب، لا ثواب ولا عقاب، ما الداعي أن يكتب؟ إنما يكتب ما يترتب عليه الثواب والعقاب، وكأن التعميم أنهم يكتبون كل شيء لا شك أنه هو الموافق لعموم آيات ق.

طالب:.... هل يقال يا شيخ: إن دخول الملك كتاب الملك الخير هذا كتابنا .......كتاب آخر.

على كل حال الملكان يكتبان ما يفعله وما ينطق به وما يعتقده من خير أو شر، كونها في كتاب أو كتابين الله أعلم.

" قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَنْزِلُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ مَلَائِكَةً مُطَهَّرِينَ فَيَنْسَخُونَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي رَمَضَانَ كُلَّ مَا يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ، فَيُعَارِضُونَ حَفَظَةَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ كُلَّ خَمِيسٍ، فَيَجِدُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْحَفَظَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابِهِمُ الَّذِي اسْتَنْسِخُوا مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهَلْ يَكُونُ النَّسْخُ إِلَّا مِنْ كِتَابٍ؟

وقال الْحَسَنُ: نَسْتَنْسِخُ ما كتبته الحفظة عَلَى بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّ الْحَفَظَةَ تَرْفَعُ إِلَى الْخَزَنَةِ صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ. وَقِيلَ: تَحْمِلُ الْحَفَظَةُ كُلَّ يَوْمٍ مَا كَتَبُوا عَلَى الْعَبْدِ، ثُمَّ إِذَا عَادُوا إِلَى مَكَانِهِمْ نُسِخَ مِنْهُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَلَا تُحَوَّلُ الْمُبَاحَاتُ إِلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا رَفَعَتْ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَمَرَ بِأَنْ يُثْبَتَ عِنْدَهُ مِنْهَا مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ، وَيَسْقُطُ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا لَا ثَوَابَ فِيهِ وَلَا عِقَابَ."

فالحفظة يكتبون كل شيء، فلا يتركون شيئًا قد يترتب عليه ثواب وعقاب؛ لأن الكلام قد يكون في ظاهره مباحًا، ويحتوي على شيء من الحذر والمنع، فيترتب عليه عقاب حينئذ؛ لأن الكلام المباح قد يقال في وقت، قد يقال في ظرف، قد يقال في مناسبة، قد يقترن به ما يقضى فيكتب كل شيء، ثم عند الاستنساخ لا يكتب إلا ما يترتب عليه الثواب والعقاب.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} أَيِ الْجَنَّةَ {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}."

يعني مع إثبات صفة الرحمة لله جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، يعني لا يقال: إن هذا قد يقوله من يفر من إثبات الصفة، إثبات صفة الرحمة لله جل وعلا-، صفة الرحمة ثابتة مقطوع بها، مجزوم بها بنصوص الكتاب والسنة، وعليها اتفق سلف الأمة وأئمتها على ما جاء ما فيها أو تأويلها، هي ثابتة لله- جل وعلا- ومستقر الرحمة أحيانًا يقال: مستقر الرحمة ما هو الجنة وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون، يعني يقال: إنهم في الصفة أو مستقر الرحمة الذي هو الجنة؛ لأن بعضهم ينازع بهذا، ولا شك أن إثبات الرحمة لله جل وعلا- لا ينكره إلا جهمي. يؤوله بعض الطوائف من الأشاعرة وغيرهم يقولون عن الرحمة إرادة الثواب، وعن الغضب إرادة الانتقام، يؤولون باللازم فرارًا من الإثبات، وأهل السنة مجمعون على أن صفة الرحمة والغضب والرضا وغيرها من الصفات ثابتة بالكتابة والسنة ثابتة لله جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، لكن أحيانًا يُحتاج إلى التأويل باللازم مع الاعتراف بالصفة، مع الاعتراف بالصفة.

 يعني لو قال قائل: والذي نفسي بيديه -كما يقول كثير من الشراح- روحي في تصرفه، والذي نفسي بيده روحي في تصرفه كلام صحيح أم خطأ؟ يعني باعتبار أنه لا يوجد روح خارجة عن تصرف الرب- جل وعلا- هذا كلام ما فيه إشكال، لكن إثبات اليد لله جل وعلا- هو الذي دلت عليه النصوص، نصوص الكتاب والسنة، فإن كان القائل روحي بتصرفه من عرف بمذهبه إثبات صفة اليد لله جل وعلا قُبل منه؛ لأنه لا يريد بذلك الفرار من الصفة، وإن كان الذي يقوله مما لا يثبت اليد لله جل وعلا- رُد عليه، فاليد ثابتة لله- جلو علا-، مجمع على ثبوتها بين سلف الأمة وأئمتها، وعليها دلائل من الكتاب والسنة التي لا تكاد تحصر.

 وأما الأرواح ومنها روح النبي- عليه الصلاة والسلام- في تصرف الله جل وعلا- فهذا مما لا إشكال فيه، فبعض الناس يذكره مع إثباته للصفة، وبعض الناس يذكره فرارًا من إثبات الصفة كما هنا إذا قيل: الرحمة، إذا قيل الرحمة جنة فإن كان ممن يثبت الصفة قبلت منه، ويدخلهم في رحمته ما يمكن أن تدخلهم في صفاته إلا باعتبار عموم وشمول هذه الصفة لجميع الخلق لجميع الخلق، ونصيب المؤمنين والمسلمين منها أوفر، هي الرحمة الحقيقية التي تؤول إلى النعيم الأبدي وإلا فالكل يتقلب في رحمة الله، يتقلب في نعم الله جل وعلا-.

طالب: حتى لو كان مما لا يثبت هذه الصفة في هذا الموضع لابد أن يقبل منه، احتمال.

لكن مع الإشارة إلى أن صفة الرحمة ثابتة لله -جل وعلا-.

طالب: أحسن الله إليك، إطلاق لفظ مستقر الرحمة، الجنة استقرار الصفة في مكان محدد.

في للظرفية، في قول {في رحمة الله} للظرفية.

طالب: أقصد مستقر رحمته قلت: مستقر رحمة الجنة مستقر.

هذا ثابت عند البخاري في الأدب المفرد، عند البخاري في الأدب المفرد، ذكر مستقر الرحمة الجنة.

طالب: مثواه الأخير القبر.

مثواه الأخير القبر.

طالب: نعم يا شيخ.

هذا ما هو بصحيح مثواه الأخير إما الجنة أو النار.

طالب: ......التقدير اليوم...

نعم.

طالب: هل الملائكة الذين يكتبون ما يعمله العبد علاقة بالتقدير يوم كتابه.... ام أن هناك ملائكة آخرين.

يعني الكتابة التي هي نوع من أنواع القدر تقصد أن هذا مكتوب مقضي مقدر قديم هذا قبل أن يخلق الإنسان بخمسين ألف سنة.

طالب: التقدير اليومي يكون في صباح كل يوم بالرزق......

هو كُتب عليه وانتهى، كُتب عليه أجله ورزقه وشقي أو سعيد، كل هذا مكتوب مقدر.

طالب: من قال: إنهم ينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال بني آدم الذي هو التقدير السنوي.

الذي هو التقدير السنوي نعم، لكنه لا بالنسبة لتقدير الله جل وعلا الذي في كتاب عنده هذا لا يتعرض له أحد، ولا يُقدم ولا يؤخر، نعم هذ الذي لا يحصل لا محو ولا إثبات، أما الذي فيه محو وإثبات {يمحوا الله ما يشاء ويثبت}، فهذا ما في أيدي الملائكة وما في علم الملائكة، وأما ما في علم الله جل وعلا- فلا يتغير حتى ما يقال: إن الإنسان البار يزاد في عمره، ويزاد له في رزقه ليس معناه أن ما كتبه الله جل وعلا- له في الأزل أنه يتغير إذا بر، لا، ما في علم الله لا يتغير، لكن ما في أيدي الملائكة هو الذي يتغير وفيه {يمحوا الله ما يشاء ويثبت}.

طالب: حديث لما رأى آدم داود سأل ربه: كم عمره؟ سأل ربه قال كذا قال: أعطني ما أُعطى هذا في علم الله..

علم الله جل وعلا- محيط بكل شيء علمه في أن الله جل وعلا- في أنه جل وعلا- إذا حصل استنطاق وأُخرج الذرية من أصلاب الأبناء، نعم هذا في القديم؛ لأن هذا يحصل، وأن آدم يقول كذا، آخره من الأسباب المرتبة في زيادة العمر مثل ما يقال: البر سبب لزيادة العمر، وتبرع آدم لابنه داود سبب من أسباب زيادة عمره، هذا عام، وهذا خاص، مثل هذا.

طالب:....

التأخير يؤجل.

طالب: لكن ما قال في اللوح المحفوظ هو أصلاً.

أما ما في علم الله فالله جل وعلا- لا يخفى عليه أن هذا بار وعمره مقرر على هذا الأساس، يعني عمره فيه طول؛ من أجل بره؛ بسبب بره، هذا ما في علم الله لا يتغير، لكن ما في علم الملائكة هو الذي يتغير، قد يكون باللوح المحفوظ، ويطلع عليه الملائكة بأنه كذا، وبعضهم يقول: عمره كذا، ستون سنة إن لم يبر بوالديه أو لم يصل رحمه، وعمره ثمانون إن وصل رحمه، بعضهم يقول: هذا المراد، وبعضهم يقول: لا، لا زيادة حسية في العمر، بمعنى إذا كان الإنسان قدر له ستون سنة فعمره ستون سنة سواء كان بارًّا أو عاقًّا، واصلاً أو عاقًّا، لكن الزيادة زيادة معنوية بمعنى أنه يبارك له في عمره، فلو عاش أربعين سنة يكون إنتاجه مما ينفعه في دنياه وأخراه أفضل مما لو عاش مائة سنة من غير بر.

طالب: هل يمكن القول: إن هناك علم غيب تعلمه الملائكة.

لا يعلمون إلا ما أطلعوا عليه، لكنه بالنسبة للخلق غيب هم أطلعوا على هذا؟

طالب:.... علم الغيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا-.

إلا الله جل وعلا- لكن من أطلعه من خلقه عليه، علِمه لإطلاع الله إياه لا لأنه يعلم الغيب والرسولعليه الصلاة والسلام- أخبرنا عن كثير من المغيبات وهو الذي يقول: «لا يعلم الغيب إلا الله»، «لا يعلم الغيب في السماوات والأرض إلا الله».

طالب: تنازع الملائكة......منهم من أراد هناك روح ملائكة العذاب هل يقال في الدلالة: إن الملائكة لا تدري أحيانًا في بعض الأعمال هل هي من الحسنات أم من السيئات كمن اختصوا فيه.

اختصموا بالنظر إلى المسافة هل هو أقرب إلى بلد الخير أم أقرب إلى بلد الشر

طالب: الاختصاص السابق أنه ما عمل خيرًا قط، وملائكة الرحمة تقول: خرج من هذه تائب.

يعني مثل ما يتنازع غيره من الخلوقين في الأسباب التي في أسباب المنجية يعني تنازع الخلق كلهم في مثل هذا باعتبار أن هذه المسألة قابلة للنظر، وأن هؤلاء لهم حجة وهؤلاء لهم حجة، وفي النهاية التقرير عند الله جل وعلا-.

طالب: يقال مثل أن الملائمة تعلم ما في دواخل النفوس والنوايا .... تكتبها.

على كل حال ما أُطلع عليه علم وما لا فلا؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا-.

"{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ} أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ. وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ { فَاسْتَكْبَرْتُمْ} عَنْ قَبُولِهَا { وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ}".

يعني وأما الذين كفروا فيقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى عليكم فيقال لهم: ألم تكن آياتي حذف القول كثير، {فأما الذين اسودت وجوهم أكفرتم} يعني يقال لهم: أكفرتم مثل ما عندنا هنا.

" {وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ} أيْ مُشْرِكِينَ تَكْسِبُونَ الْمَعَاصِي. يُقَالُ: فُلَانٌ جَرِيمَةُ أَهْلِهِ إِذَا كَانَ كَاسِبُهُمْ، فَالْمُجْرِمُ مَنْ أَكْسَبَ نَفْسَهُ الْمَعَاصِي. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}  [القلم: 35]، فَالْمُجْرِمُ ضِدُّ الْمُسْلِمِ فَهُوَ الْمُذْنِبُ بِالْكُفْرِ إِذًا."

يعني مقابلته للمسلم قد يقال للعاصي من المسلمين: مجرم، ويقال للكافر: مجرم، كما أنه يقال للعاصي من المسلمين: فاسق، ويقال للكافر: فاسق، وكل ٌبحسب ذنبه، لكن هنا قوبل الإجرام بالإسلام، فالمراد به الكفر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أَيِ الْبَعْثُ كَائِنٌ، { وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها}، وَقَرَأَ حَمْزَةُ "وَالسَّاعَةَ" بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " وَعْدَ". وقرأ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَوِ العطف عَلَى مَوْضِعِ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ}".

ولا إشكال في جواز الأمرين؛ لأن إن استوفت خبرها، فيجوز العطف على اسمها بالرفع؛ لأنها استوفت، ويجوز العطف عليه بالنصب باعتبار أنه منصوب، ويجوز عطفه على محله باعتبار أن محله قبل دخول إن الرفع وإذا استوفت إن اسمها وخبرها جاز العطف على اسمها بالرفع، وجائز رفعك معطوف على منصوب إن بعد أن تستكملا يعني إذا استكملت الاسم والخبر كما هنا.

" وَلَا يَحْسُنُ عَلَى الضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَكِّدٍ، وَالضَّمِيرُ المرفوع إِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَأْكِيدٍ فِي الشِّعْرِ."

نعم وعد الله هذا المصدر فيه ضمير رفع؛ لأن وعد مصدر مضاف إلى، وعد الله إلى الفاعل ، طيب أين الضمير المرفوع في المصدر؟ لأنه يقول: ولا يحسن على الضمير الذي في المصدر؛ لأنه غير مؤكد، والضمير المرفوع إنما يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر، يعني مثل ما قال ابن مالك رحمه الله-: وإن علا ضمير رفع متصل            عطفت فافصل بالضمير المنفصل

أو فاصل ما وبلا فاصل يرد                 في النظم..............

 كما قال هنا في الشعر

    .........................               في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد

الآن عين ضمير الرفع في وعد الله الذي يمكن أن يعطف عليه والساعة وإذا وجد فيه ضمير رفع متصل، ضمير رفع متصل فقد فصل بينه وبين ما عطف عليه بحق، يجوز العطف عليه بأي فاصل، أو فاصل ما، وهنا الفاصل موجود، فيجوز العطف عليه، لكن قبل ذلك أين ضمير الرفع المرفوع في {وعد الله }، {إن وعد الله حقٌ} لأنه قال: ولا يحسن العطف على موضع، الضمير في وعد الله أم في حق؟ ولا يحسن على الضمير الذي في المصدر حق أيضًا مصدر، حق مصدر، والمصدر يعمل عمل فعله، فإذا كان فعله متعديًا اقتضى فاعلًا، واقتضى مفعولًا، وإذا كان فعله لازمًا اقتضى فاعلًا فقط، ففيه بلا محالة ضمير رفع، وليس المراد العطف على وعد الله، إنما الضمير المستتر في حق؛ لأنه مصدر.

"{قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} هَلْ هِيَ حَقٌّ أَمْ بَاطِلٌ؟ {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} تَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ: إِنْ نحن إلا نظن ظنًّا. وقيل: لا التَّقْدِيرُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا أَنَّكُمْ تَظُنُّونَ ظَنًّا وَقِيلَ: أَيْ وَقُلْتُمْ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا {وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أن الساعة آتية."

هذا الظن الذي لا يوجد في هذا الباب؛ لأنه إنما يطلب له اليقين، لكن ماذا عن قوله جل و علا-: { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم }، فالظن هنا بمعنى اليقين، نعم الظن يتفاوت، الظن ليس على مرتبة واحدة.

 يعني عند الإطلاق عند أهل العمل يحملونه الاحتمال الراجح في مقابل الوهم، والمساوي الشك، والنقيضان إما اليقين الذي لا يحتمل الكذب، أو الكذب الذي لا يحتمل الصدق، فالظن إذا أطلق عند أهل العلم يحملونه على الاحتمال الراجح، لكنه في النصوص يتفاوت من كونه أكذب الحديث، من كونه لا يغني من الحق شيئًا حتى يصل إلى أن يتجاوز ذلك، فيأتي بما يراد في الشك، ويأتي بالاحتمال الراجح، ويأتي أيضًا بمعنى اليقين { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } يعني لا بد من اليقين في هذا الباب لو اعتراه أدنى احتمال للنقيض ما صار عقيدة.

طالب: ......

لا، هو إذا أطلق على الشيء وضده صار من الضديات، لكنه له أكثر من إطلاق.

طالب:...السياق يدل عليه..

السياق هو الذي يدل عليه على المعنى.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا} أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ جَزَاءُ سَيِّئَاتِ مَا عَمِلُوا، { وَحاقَ بِهِمْ} أَيْ نَزَلَ بِهِمْ وَأَحَاطَ. مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من عذاب الله.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ} أَيْ نَتْرُكُكُمْ فِي النَّارِ كَمَا تَرَكْتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَيْ تَرَكْتُمُ الْعَمَلَ لَهُ".

لأنهم نسوا الله فنسيهم، نسوا الله فنسيهم.

طالب: بالنسبة ننساكم هنا أولت بأن نترككم...

نسوا الله فنسيهم، إما أن يقال: إن إطلاق النسيان والله جل وعلا- لا ينسى {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} الله جل وعلا- متفق على أنه لا ينسى، فإذا جاء إطلاقه فإما أن يراد به المقابلة، مقابل نسيانهم نُسوا.

طالب: المشاكلة.

المشاكلة نعم، ونسيانهم تركهم العمل بالأوامر والنواهي، وحينئذ يتركون في العذاب.

طالب:...بالنسبة لآراء أهل السنة في تأويل اسمه هم أصل .... يرجعون على أصله بما يرد..

هذا الأصل، لكن إذا كانت الصفة منفية، إذا كان مما ثبت نفيه، هذا من جهة لا يمكن أن تثبت وهي منفية، الأمر الثاني أنه إذا وجد الاتفاق من سلف هذه الأمة على شيء فلابد من اتباعهم، يعني تأويلهم صفة المعية بالعلم، اتفقوا عليه، اتفق عليه سلف هذه الأمة، فلا مفر ولا مناص في اتباعهم على مثل هذا؛ لأنهم أعرف بمثل هذه الأمور، وأنهم لن يقدموا على شيء- لاسيما في هذا الباب- إلا عن توقيف.

 يعني مثل ما قالوا في صفة العزم وإثباتها لله جل وعلا- ما فيه حديث مرفوع يدل على أن العزم ثابت لله جل وعلا-، لكن أم سلمة قالت كما في كتائب الجنائز في صحيح مسلم: فعزم الله لي فقلتها، ما فيه دليل مرفوع يدل على إثبات صفة العزم، لكن قول أم سلمة قالوا: إن له حكمه الرفع؛ لأن مثل هذا لا يدرك، ولذا قال شيخ الإسلام: واختلف العلماء في إثبات صفة العزم، ثم قال: الثاني هو الأصح إثباته لله جل وعلا-؛ لقول أم سلمة، وأظن أن هناك أكثر من دليل.

 على كل حال مثل هذا إذا وُجد الخلاف بين الأئمة وسلف هذا الأئمة فهذا الأمر فيه سعة، أما إذا اتفقوا على شيء فليس لأحد أن يعيد النظر فيه، يتبعه من دون تردد.

"{ وَمَأْواكُمُ النَّارُ}" أَيْ مَسْكَنُكُمْ وَمُسْتَقَرُّكُمْ، { وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} مَنْ ينصركم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ، {هُزُواً} لَعِبًا، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} أَيْ خَدَعَتْكُمْ بِأَبَاطِيلِهَا وَزَخَارِفِهَا، فَظَنَنْتُمْ أَنْ لَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهَا، وَأَنْ لَا بَعْثَ {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها} أَيْ مِنَ النَّارِ، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يُسْتَرْضُونَ. وَقَدْ تَقَدَّم.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: {فَالْيَوْمَ لَا يَخْرُجُونَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ وضم الراء؛ لقوله تعالى: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها} [السجدة: 20] والْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنا أَخْرِجْنا} [فاطر: 37] ونحوه."

الفعل رباعي، وحينئذ يكون مضارعه بضم أوله.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ} قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: {رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ}".

طالب: .....

نعم.

طالب: ويخرجون الواو نائب فاعل؟

الواو نائب فاعل.

طالب: يعني هو الفعل ...

 نعم.

"قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: {رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ} بِالرَّفْعِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى مَعْنَى هُوَ رَبُّ. {وَلَهُ الْكِبْرِياءُ} أَيِ الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ وَالْبَقَاءُ وَالسُّلْطَانُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَمَالُ."

يعني قرأ الباقون بالخفض بدلاً من لله.

"{ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} والله أعلم."

في واحد من الإخوان في الدرس قبل الماضي وعد بأن يحضر كتابه لكن ما أحضر.

طالب: ...

نعم، ما حضر، يعني لما أوردنا كلام ابن هشام خلق الله السموات الكل يطبق على أن السماوات مفعول، السماواتِ والأرضَ قال: يعني في المسائل في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين، وقرأنا هذا من مغني اللبيب لابن هشام قوله: في نحو خلق الله السماوات إن السماوات: مفعول به، والصواب أنه مفعول مطلق؛ لأن المفعول المطلق ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد إلى آخره.. فقال واحد من الإخوان: فيه كتاب حول الموضوع، وأن ابن هشام رجح هذا القول؛ لأنه يؤيد مذهبه في مسألة الخلق عند الأشعرية.

 على كل حال  كلام ابن هشام واضح، الفعل لم يقع عليها، والمعروف في عرف النحاة أن المفعول ما يقع عليه فعل الفاعل، والفعل وقع بها لا عليها، كما تقول ضرب ضربًا لأنه قال: والمفعول ما لا يقع عليه ذلك إلا مقيدًا بقولك: به كضربت زيدًا أو أنت لو قلت: السموات مفعول كما تقول: الضرب مفعول كان صحيحًا، لو قلت: السموات مفعول به كما تقول: زيدًا مفعول به لم يصح، لماذا؟ لأن الفعل لم يقع عليها.

 وعلى كل حال السموات مخلوقة، والأرض مخلوقة فهي مفعولة، لكن الشأن فيما يقال هل يقال: مفعول به، أو يقال: مفعول بدون متعلق، بدون جار ومجرور؟ لأنه عندنا مفعول به، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول مطلق، من غير تعلق جار ومجرور مثلًا وهو المصدر: ضربت ضربًا، ضرب زيدٌ ضربًا، فهل السماوات مثل ضربًا أو مثل ضرب زيدٌ عمرًا؟ عمرًا وقع عليه الفعل، فهل وقع الفعل على السماوات والأرض أو وقع الفعل بها؟ فهي المفعولة، لكن ما وقع عليها فعل، هذه وجهة نظر ابن هشام.

 واحد من الإخوان قال: فيه كتاب واحد من المعاصرين حول هذه المسألة، وعدنا أن يحضره، لكن لم يحضر لا بالدرس الماضي ولا في هذا الدرس.

طالب: لماذا لا يقبل يا شيخ أن السماوات كانت دخانًا وخلقها الله من هذا الدخان؟

المقصود أنه ليست سماوات لما كانت دخانًا ولا أرضًا.

طالب:.... الآية يا شيخ نصت.

لكن، ليست سماوات ولا أرضًا، يقال لها: دخان.

طالب: ......

يعني حال كونها دخانًا ليست سماوات. على كل حال ما يمكن أن نتكلم في الموضوع حتى نطلع على القول الذي ذكره الأخ وإن كان كلام ابن هشام واضحًا، يعني الخلق حاصل عليها سواء كانت دخانًا أو كانت من الأجرام التي لا نحيط بها، فالخلق واقع بها.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

"