التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإنسان (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

سورة الإنسان، وهي إحدى وثلاثون آية مكية في قول ابن عباس ومقاتل والكلبي، وقال الجمهور: مدنية، وقيل: فيها مكي من قوله تعالى: الإنسان: ٢٣  إلى آخر السورة، وما تقدمه مدني، وذكر ابن وهب قال: وحدثنا ابن زيد قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقرأ الإنسان: ١ ، وقد أُنزلت عليه وعنده رجل أسود كان يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له عمر بن الخطاب: لا تثقل على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعه يا ابن الخطاب» قال: فنزلت عليه هذه السورة وهو عنده، فلما قرأها علي وبلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أخرج نفس صاحبكم أو أخيكم الشوق إلى الجنة»، ورُوي عن ابن عمر بخلاف هذا اللفظ وسيأتي، وقال القشيري: إن هذه السورة نزلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والمقصود من السورة عام، وهكذا القول في كل ما يقال إنه نزل بسبب كذا وكذا. "

نعم؛ لأن العبرة عند عامة أهل العلم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولذا المقصود من قصص الأمم السابقة التي نزلت فيها هذه الآيات والقصص ليسوا هم المقصودين بها، وإنما هم قوم مضوا ولا ينتفعون بمثل هذا بعد موتهم، وإنما المراد غيرهم كما جاء عن عمر -رضي الله عنه- من قوله: مضى القوم ولم يرد به سوانا، فالعبرة كما يقرر أهل العلم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وماذا قالوا عن تخريج الحديث؟

طالب: ..............

يعني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

طالب: ................

وهذا ظاهر؛ لأن مثل هذا مثل ما حصل مما ذُكر في هذه القصة لا يكاد يثبت عن أحد من الصحابة إلا نادرًا إن ثبتت القصة غير هذه، ووُجد في التابعين من إذا سمع القرآن حصل له شيء من الغشي وقد يموت فيصعق، على كل حال هذا نادر في الصحابة، وقد لا يوجد وإن وجد فيمن بعدهم، فهذه القصة لا تثبت.

طالب: ...............

لا، هو ضعيف، لا، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف.

طالب: أحسن الله إليك، قول القشيري..

نزلت في علي بن أبي طالب والمقصود هذه السورة نزلت في علي الإنسان: ١  طيب ماذا قال علي؟ عندك شيء؟

طالب: ...............

نعم، سيأتي إن شاء الله.

" بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى: الإنسان: ١ هل بمعنى قد، قاله الكسائي والفراء وأبو عبيدة. "

يعني ليست بمعنى الاستفهام، هل هنا ليست للاستفهام، وإنما هي للتحقيق والله -جل وعلا- لا يستفهم من أحد، وإنما يؤكد ويحقق أنه أتى على الإنسان حين من الدهر.

" وقد حُكي عن سيبويه: هل بمعنى قد، قال الفراء: هل تكون جحدًا، وتكون خبرًا، فهذا من الخبر؛ لأنك تقول: هل أعطيتك؟ تقرره بأنك أعطيته، والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا؟ وقيل: هي بمنزلة الاستفهام، والمعنى: أتى والإنسان هنا آدم -عليه السلام-، قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي. "

يعني الجحد النفي، كأن تقول: هل يقدر على مثل هذا أحد؟ بمعنى أنه لا يقدر عليه أحد، وقيل: هي بمنزلة الاستفهام يعني هي ليست للاستفهام، وإنما هي بمنزلة الاستفهام، ولا يُتصور من الله- جل وعلا- أنه يستفهم من أحد عن شيء خفي عليه اللهم إلا إذا كان المقصود تعليم الناس وتنبيه الناس بأن يقول بعضهم لبعض مثل هذا الاستفهام.

" قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي، وروي عن.. "

الإنسان من اللفظ العام الذي أُريد به الخاص، المراد به آدم -عليه السلام- أو المراد به الجنس جنس الإنسان أتى عليه دهر يعني قبل أن يخلق.

" ورُوي عن ابن عباس حين من الدهر قال ابن عباس في رواية أبي صالح: أربعون سنة مرت به قبل أن يُنفخ فيه الروح وهو ملقي بين مكة والطائف، وعن ابن عباس. "

مُلقى.

" وهو مُلقى بين مكة والطائف، وعن ابن عباس أيضًا في رواية الضحاك: أنه خُلق من طين فأقام أربعين سنة، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة، وزاد ابن مسعود فقال: أقام وهو من تراب أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وستين سنة، ثم نُفخ فيه الروح، وقيل: الحين المذكور هاهنا لا يعرف مقداره، وعن ابن عباس أيضًا حكاه الماوردي. "

حتى ما ذُكر عن ابن عباس من رواية أبي صالح لا شك في ضعفه إن لم يكن متلقَّى من أهل الكتاب، وهو في الحقيقة.. نعم فيه شيء؟

طالب: ..............

نعم مثل هذا لا يخرج؛ لأنه ليس بحديث، والغالب أنه مأخوذ من أهل الكتاب أو من موضوعات بعض الرواة، أو من وضع بعض الرواة، ولا شك أن أبا صالح شديد الضعف.

طالب: ..............

كل هذا ما يثبت فيه شيء.

طالب: ..............

يعني هل خُلق في الأرض؟ والجنة التي أُسكِنَها في الأرض أو في السماء؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، على كل حال مثل هذه التفصيلات لا يثبت منها شيء.

" الإنسان: ١  قال الضحاك عن ابن عباس: لا في السماء ولا في الأرض، وقيل: أي كان جسدًا مصورًا ترابًا وطينًا لا يُذكر ولا يُعرف ولا يُدرى ما اسمه، ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح، فصار مذكورًا، قاله الفراء وقطرب وثعلب، وقال يحيى بن سلّام: لم يكن شيئًا مذكورًا في الخَلق، وإن كان عند الله شيئًا مذكورًا. وقيل: ليس هذا الذكر بمعنى الإخبار، فإن إخبار الرب عن الكائنات قديم، بل هذا الذكر بمعنى الخطر والشرف والقدْر، تقول: فلانٌ مذكور أي له شرف وقدْر، وقد قال تعالى:   ﯙﯚ الزخرف: ٤٤  أي قد أتى على الإنسان حينٌ لم يكن له قدر عند الخليقة. "

نعم، مثل ما يقال عن المشاهير على مر التاريخ تجده مدة طويلة من عمره من أن ولد ونشأ وشبّ وترعرع وعاش في هذه الدنيا مدة لا يُعرف ولا يُذكر بشيء، ثم بعد ذلك يُكتب له من الذكر والشهرة بناءً على ما رُكِّب فيه من مقومات السيادة والشرف، سواء كانت في العلم أو في غيره، يُذكر بين الناس، وقبل ذلك لم يكن شيئًا مذكورًا.

" ثم لما عرّف اللهُ الملائكةَ أنه جعل آدم خليفة وحمّله الأمانة التي عجز عنها السموات والأرض والجبال ظهر فضله على الكل، فصار مذكورًا، قال القشيري: وعلى الجملة ما كان.. "

نعم يعيش الإنسان ولو كان من أهل العلم، ولو كان تقدمت به السن أحيانًا لا يُذكر بشيء، وليست له مواقف ثابتة في نصر الدين وأهله وإعزازه، ولم يُرفع بذلك شأنه، ثم بعد ذلك قد يكون له في آخر عمره أو في أواخره يكون له موقف ينتصر به الدين وأهله يُذكر بعد ذلك، وقبل ذلك لم يكن شيئًا مذكورًا مثل عامة الناس.

" قال القشيري: وعلى الجملة ما كان مذكورًا للخلق وإن كان مذكورًا لله، وحكى محمد بن الجهم عن الفراء: {لم يكن شيئًا} قال كان شيئًا ولم يكن مذكورًا. "

يعني لم يكن شيئًا بالوصف المقترن به، أما شيء فهو شيء مادام موجودًا وله ذات محسوسة، فهو شيء، لكنه ليس بشيء موصوف بهذا الوصف الذي هو الذكر.

" وقال قوم: النفي يرجع إلى الشيء، أي قد مضى مدد من الدهر وآدم لم يكن شيئًا يُذكر في الخليقة؛ لأنه آخر ما خلقه من أصناف الخليقة، والمعدوم ليس بشيء حتى يأتي عليه حين، والمعنى: قد مضت عليه أزمنة، وما كان آدم شيئًا ولا مخلوقًا ولا مذكورًا لأحد من الخليقة، وهذا معنى قول قتادة ومقاتل.. "

المعدوم ليس بشيء حتى يأتي إليه حين، كيف يُخبر عنه وهو معدوم؟! ما يمكن أن يُخبر عن شيء معدوم، وبعضهم -مثل شيخ الإسلام- يقرر أن المستحيل أيضًا ليس بشيء؛ لأنه لا يمكن وجوده، ليس بشيء، المستحيل ليس بشيء، وهذا نستفيد منه فائدة وهي في مثل قوله -جل وعلا-:                البقرة: ٢٠  قد يورد بعض الملاحدة إشكالًا، لكنه من باب المستحيل الذي يتضمن اجتماع النقيضين، واجتماع النقيضين مستحيل، كما قال بعضهم: هل يستطيع الرب -جل وعلا- أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ هذا اجتمع فيه النقيضان يستطيع أو لا يستطيع؟ إذًا هذا مستحيل، والمستحيل ليس بشيء، فلا يدخل في قوله -جل وعلا-:                البقرة: ٢٠  فلا نحتاج إلى تقديرات ذكرها أهل العلم في هذا المجال، إنما نقول: المستحيل ليس بشيء، وانتهى الإشكال.

" قال قتادة: إنما خلق الإنسان حديثًا ما نعلم من خليقة الله -جل ثناؤه- خليقة كانت بعد الإنسان. وقال مقاتل.. "

يعني في آخر شيء في آخر ساعة من يوم الجمعة.

" وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئًا مذكورًا؛ لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله، ولم يخلق بعده حيوانًا، وقد قيل: الإنسان في قوله تعالى: ﯟ ﯠ الإنسان: ١  عُني به الجنس من ذرية آدم، وأن الحين تسعة أشهر مدة حمل الإنسان في بطن أمه، الإنسان: ١ ؛ إذ كان علقة ومضغة؛ لأنه في هذه الحالة جماد لا خطر له، وقال أبو بكر -رضي الله عنه- لما قرأ هذه الآية: ليتها تمَّت فلا نبتلى.. "

يعني لم يكن ولن يكون، يعني في المستقبل، يعني ما كنا ولا نكون، يعني ما وجدنا على هذه الحياة، لم نكن شيئًا مذكورًا؛ من أجل ألا نُبتلى بالتكاليف ثم يترتب عليها الجزاء، كثير من الناس لا يستطيع أن يسعى لإبراء ولا يستطيع أن يُبرئ ذمته من هذه التكاليف، ولا شك أن هذا قول من نظر إلى نفسه نظرة تواضع وازدراء، وإلا فمثل أبي بكر معلوم أن وجوده لا شك أنه خير لنفسه ولأمته ولأهله وذويه، فوجوده خير على كل حال، وبعض الناس وجوده شر محض، نسأل الله العافية.

" أي ليت المدة التي أتت على آدم لم تكن شيئًا مذكورًا تمت على ذلك فلا يلد ولا يُبتلى أولاده، وسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلاً يقرأ الإنسان: ١  فقال: ليتها تمت. قوله تعالى:   الإنسان: ٢  أي ابن آدم من غير خلاف. "

ولا يدخل فيه آدم؛ لأنه خلق من تراب، وابنه خلق من نطفة.

" الإنسان: ٢  أي من ماء يقطر، وهو المني، وكل ماء قيل في وعاء فهو نطفة. "

ماء قليل كل ماء قليل.

قليل؟

نعم.

" وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة، كقول عبد الله بن رواحة يعاتب نفسه:

ما لي أراكِ تكرهين الجنة

 

هل أنتِ إلا نطفة في شنَّة

وجمعها نُطَف.

يعني فيما يشبه الشنة التي هي القربة البالية في الرحم.

وجمعها نَطِف ونِطَاف. الإنسان: ٢  أخلاط، واحدها مشج ومشيج مثل خدن وخدين، قال رؤبة:

يطرحن كُلَّ مُعَجَّلٍ نَشَّاجِ

 

لم يُكسَ جلدًا في دم أمشاج

ويقال: مشجت هذا بهذا أي خلطتَه. "

خلطتُه.

" أي خلطتُه فهو ممشوج ومشيج مثل مخلوط وخليط، وقال المبرد: واحد الأمشاج مشيج، يقال: مشج يمشِج إذا خلط، وهو هنا اختلاط النطفة بالدم، قال الشماخ:

طوت أحشاءُ مُرْتِجَةٍ لوقت

 

على مَشَج سلالتُه مَهين

وقال الفراء: أمشاج أخلاط ماء الرجل وماء المرأة والدم والعلقة، ويقال للشيء من هذا إذا خلط مشج، كقولك: خليط وممشوج كقولك مخلوط. "

مثل المشيج والخليط المزيج، يعني ممزوج من كذا وكذا.

" وروي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: الأمشاج الحمرة في البياض، والبياض في الحمرة، وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة، قال الهذلي:

كأن الريش والفُوقين منه

 

خلاف النصل سيط به مشيج

وعن ابن عباس أيضًا قال: يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق، فيُخلق منهما الولد، فما كان من عصب وعظم وقوة فهو من ماء الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فهو من ماء المرأة. وقد رُوي هذا مرفوعًا ذكره البزار، وروي عن ابن مسعود أمشاجها.. "

هذا المزيج من ماء الرجل وماء المرأة يتكون منه هذا المخلوق من غير تفصيل؛ لأنه امتزج ماء الرجل وماء المرأة، ماذا يقول عندك؟

طالب: .............

واضح.

طالب: .............

لا، واضح، ومادام مزج واختلط انتهى، لو بقي على أصله ماء الرجل على جهة، وماء المرأة على جهة ممكن، لكنه صار ماءً واحدًا.

" وروي عن ابن مسعود: أمشاجها عروق المضغة، وعنه: ماء الرجل وماء المرأة وهما لونان. وقال مجاهد: نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء. وقال ابن عباس: خلق من ألوان، خلق من تراب ثم من ماء الفرج والرحم، وهي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظم ثم لحم ونحوه. قال قتادة: هي أطوار الخلق طَور وطَور، علقة وطور مضغة عظام، ثم يكسو العظام لحمًا. "

ما فيه سقط هنا؟

نطفة.

أو زيادة.

طور نطفة.

الأول طور نطفة؟ ماذا عندكم؟ فيه شيء؟

طالب: ............

طور نطفة.

طالب: ............

من الذي ذكر المعلق وإلا فالأصل هو الأصل طور وطور كذا.

طالب: ............

لا لا، فيه سقط..

" كما قال تعالى في سورة المؤمنون: المؤمنون: ١٢  الآية، وقال ابن السكيت: الأمشاج الأخلاط؛ لأنها ممتزجة من أنواع، فخلق الإنسان من هذا طبائع مختلفة، وقال أهل المعاني: الأمشاج ما جُمع وهو في معنى الواحد؛ لأنه نعت للنطفة كما يقال: برمة أعشار وثوب أخلاط، ورُوي عن أبي أيوب الأنصاري قال: جاء حبر من اليهود.. "

نظرًا لما كان عليه نظرنا لما كان عليه لا في الحال، يعني كان من أشياء متعددة، ثم صار شيئًا واحدًا، فيوصف بالجمع باعتبار الأصل؛ لأنه ماء واحد اجتمع من ماءين، وثوب واحد اجتمع من قطع متعددة ثوب أخلاق.

" وروي عن أبي أويب الأنصاري قال: جاء حبر من اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبرني عن ماء الرجل وماء المرأة، فقال: «ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء المرأة أنّثت، وإذا علا ماء الرجل أذكرت» فقال الحبر: أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله، وقد مضى هذا القول مستوفىً في سورة البقرة. الإنسان: ٢  أي نختبره، وقيل: نقدر فيه الابتلاء، وهو الاختبار، وفيما يختبر به وجهان: أحدهما: نختبره بالخير والشر، قاله الكلبي. الثاني: نختبر شكره في السراء، وصبره في الضراء، قاله الحسن، وقيل: نبتليه نكلفه، وفيه أيضًا وجهان. "

نعم يبتلى ويمتحن بالتكاليف، إضافة إلى ما سبق، وهي نوع من التكاليف من الصبر والشكر وعرض الخير عليه والشر إلى آخره، المقصود أنه محل ابتلاء في هذه الدنيا واختبار وامتحان، هل يتجاوز هذا الاختبار فيكون من أهل اليمين أو لا فيكون من أهل الشمال؟ نسأل الله العافية.

" وقيل نبتليه نكلفه، وفيه أيضًا وجهان: أحدهما: بالعمل بعد الخلق، قاله مقاتل. الثاني: بالدين ليكون مأمورًا بالطاعة ومنهيًا عن المعاصي. وروي عن ابن عباس" الإنسان: ٢  نصرفه خلقًا بعد خلق؛ لنبتليه بالخير والشر، وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال: المعنى والله أعلم: فجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، وهي مقدَّمة معناها التأخير، قلت: لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخِلقة، وقيل: جعلناه سميعًا بصيرًا يعني جعلنا له سمعًا يسمع به الهدى، وبصرًا يبصر به الهدى. قوله تعالى: الإنسان: ٣  أي بيَّنا له.. "

لا يلزم من ذلك أن يكون الإنسان: ٢  مقدم على قوله: الإنسان: ٢ ؛ لأنه كالعلة للابتلاء خلق للابتلاء؛ لأنه خلق سميعًا بصيرًا ابتليناه؛ لأنا خلقناه سميعًا بصيرًا، وركبنا فيه العقل الذي هو مناط التكليف.

" قوله تعالى: الإنسان: ٣  أي بيَّنا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر لبعث الرسل فآمن أو كفر، كقوله تعالى:    البلد: ١٠  وقال مجاهد: أي بيَّنا له السبيل إلى الشقاء والسعادة، وقال الضحاك وأبو صالح والسدي: السبيل هنا خروجه من الرحم، وقيل: منافعه ومضارّه التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله.          الإنسان: ٣  أي.. "

الهداية هنا إنا هديناه السبيل، هذه هداية الدلالة والإرشاد؛ لأن المقصود جنس الإنسان، وقد تمت الهداية والدلالة والإرشاد لجميع الخلق وليس لأحد على الله حجة ببعث الرسل، النساء: ١٦٥  ما ترك حجة لخلقه، ما فيه أحد يحتج يقول: والله ما بلغني عنك ما كلفت به الخلق. فهُدي السبيل، ودُل عليه، وأرشد إليه، ووجه إليه، ومع ذلك اختار الطريق الذي يودي به إلى جهنم، نسأل الله العافية، رُكّب فيه من العقل والاختيار ما يتمكن بعقله ما يميز به بين الخير والشر، وأُعطي من الاختيار ما يستطيع بواسطته أن يختار الخير. نعم الأمر مكتوب، لكن ليس إجبارًا، ما فيه أحد يقال له: قم فصلّ ثم يقول: والله ما أقدر حاولت أقوم وعجزت، ما هو بصحيح، يستطيع أن يقوم على رجليه ويتوضأ ويصلي، ما أحد يمنعه من ذلك، هذا موطن دقيق جدًّا؛ لأنه كتب أن يخلق بخمسين ألف سنة أنه من أهل النار، وأنه ما يصلي، هل هو مجبور على ذلك؟ لا ليس مجبورًا، ولذلك لما قال الصحابة: ففيمَ العمل؟ كيف نعمل ونحن مقدر علينا مفروغ منا؟ قال: «اعملوا، فكل ميسر لما خُلق له»، هناك حرية واختيار ومشيئة للإنسان يستطيع بواسطتها أن يختار ما ينفعه، ولذلك لا تجده في أمور الدنيا يقعد في بيته ويقول إذا كان مقدرًا لي الغنى، فإنه يأتيني وأنا في بيتي، لا بد أن يتسبب، ولا يمكن أن يجلس في بيته ولا يتزوج، ويقول: إن كان مقدرًا لي الولد يأتيني، وإن كان ما قُدِّر حتى لو تزوجت. لا بد من بذل السبب، ومثله ما يمكن أن يحتج به بعض الناس يقول: مادام مقدرًا عليّ أني من أهل الجنة أو من أهل النار لماذا أتعب؟ نقول: إن كان مقدرًا لك الولد فلا تتزوج وإن كان مكتوبًا لك أن يأتيك فسيأتيك، ما يطيعك في مثل هذا، ما يرضى بمثل هذا الكلام، وفي أمر دنياك خلاص اجلس ببيتك إلى أن تجيئك الأموال، ما يرضى بمثل هذا يقول: ما فيه شيء بدون سبب، نقول: أيضًا ما تأتي الجنة إلا بسبب؛ بما كنتم تعملون، وإن كان هي برحمة أرحم الراحمين، لكن يبقى أن العمل سبب.

"          الإنسان: ٣  أي أيهما فعل فقد بيّنا له، قال الكوفيون: إن هاهنا تكون جزاءً، وما زائدة أي بيَّنا له الطريق. "

يعني إن المدغمة في ما إما أصلها إن ما.

أعني إن هذه شرطية وما زائدة.

" وما زائدة أي بيّنا له الطريق إن شكر أو كفر. "

" واختاره الفراء ولم يجزه البصريون؛ إذ لا تدخل إن للجزاء على الأسماء إلا أن يُضمر بعدها فعل، وقيل: أي هديناه الرشد. "

لأن الشرطية تدخل على جملة مركبة من فعلين الأول فعل الشرط، والثاني جوابه وجزاؤه.

" وقيل: أي هديناه الرشد أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه، ثم إن خلقنا له الهداية اهتدى وآمن، وإن خذلناه كفر، وهو كما تقول: قد نصحت لك إن شئت فاقبل، وإن شئت فاترك، أي فإن شئت فتحذف الفاء، وكذا إما شاكرًا، والله أعلم، ويقال: هديته السبيل وللسبيل وإلى السبيل، وقد تقدم في الفاتحة وغيرها. "

يعني يتعدى بنفسه، ويتعدى بحرف اللام أو إلى، تقدم في الفاتحة في قوله -جل وعلا-: الفاتحة: ٦  يطلب الهداية، والله -جل وعلا- يقول: إنا هديناه، ويطلب الهداية هداية الدلالة والإرشاد هذه التي أثبتها الله -جل وعلا- لكل أحد، لكن هداية التوفيق والقبول هذه يطلبها الإنسان من ربه ابتداءً، ويطلب الثبات عليها.

" وجمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة نفيًا للمبالغة في الشكر، وإثباتًا لها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يُؤدى. "

لأنه قليل من عبادي الشكور، نادر، نعم يوجد شاكر، لكن شكور بصيغة المبالغة قليل، أما الكفور فحدث ولا حرج، هؤلاء هم الغالب.

" لأن شكر الله تعالى لا يُؤدى فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتفِ عن الكفر المبالغة، فقلّ شكره لكثرة النعم عليه وكثرة كفره، وإن قلّ مع الإحسان إليه، حكاه الماوردي. قوله تعالى:     الإنسان: ٤... "

والشكور صيغة مبالغة لا تُطلق إلا على من اجتمعت فيه أفرادها، والكفر الكفور صيغة مبالغة يستوي فيها واحدها ومجموعها؛ لأن المكفر الواحد مثل المكفرات والنواقض العشرة، يعني واحد يتصف بواحد منها ينتفع بإقراره بالباقي؟ ما ينتفع كأنه اجتمعت فيه العشرة.

" قوله تعالى:     ﯿ الإنسان: ٤  بين حال الفريقين، وأنه تعبّد العقلاء وكلّفهم ومكّنهم مما أمرهم، فمن كفر فله العقاب، ومن وحَّد وشكر فله الثواب، والسلاسل القيود في جهنم طول كل سلسلة سبعون ذراعًا كما مضى في الحاقة، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم. "

يعني ابتدأ بذكر الكافرين؛ لأنهم هم الأكثر، وهم الغالب، وإلا فمقتضى الترتيب          الإنسان: ٣  أن يبتدئ بالثاني بالصنف الثاني وهم المؤمنون؛ ليكون اللف والنشر مرتبًا، لكن ابتدأ بالكافرين بناءً على أنهم الغالب، أخرج بعث النار، فيقول: يا رب، من كم؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، يعني واحد من ألف هم الناجون، والبقية هالكون.

" وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عامر: سلاسلاً منونًا، والباقون بغير تنوين، ووقف قنبل وابن كثير وحمزة بغير ألف، والباقون بالألف، فأما قوارير الأول فنوَّنه نافع وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم، ولم ينوِّن الباقون، ووقف فيه يعقوب وحمزة بغير ألف، والباقون بالألف، وأما قوارير الثانية فنوَّنه أيضًا نافع والكسائي وأبو بكر، ولم ينوِّن الباقون، فمن نوَّن قرأها بالألف، ومن لم ينوِّن أسقط منها الألف، واختار أبو عبيد التنوين في الثلاثة والوقف بالألف اتباعًا لخط المصحف، قال: رأيت في مصحف عثمان: سلاسلا بالألف وقواريرا الأول بالألف والثاني مكتوبًا بالألف فَحُكَّتْ فَرَأَيْتُ أَثَرَهَا هُنَاكَ بَيِّنًا. فمن صرف فله أربع حجج: أحدها: أن الجموع أشبهت الآحاد. "

صرف يعني نوَّن.

" أحدها: أن الجموع أشبهت الآحاد فجُمعت جمع الآحاد، فجُعِلت في حكم الآحاد، فصُرِفت. الثانية: أن الأخفش حكى عن العرب صرف جميع ما لا ينصرف إلا أفعل منك، وكذا قال الكسائي والفراء: هو على لغة من يجري الأسماء كلها إلا قولهم: هو أظرف منك. "

يُجري يعني يصرف.

" إلا قولهم: هو أظرف منك، فإنهم لا يُجْرونه، وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم:

كأن سيوفنا فينا وفيهم

 

مخاريقٌ بأيدي لاعبينا

مخاريق مفاعيل معروف أنها من صيغة منتهى الجموع، فهي ممنوعة من الصرف، لكنه صرفها هنا على لغة من يجري الأسماء كلها.

وقال لبيد:

وجزور أيسار دعوت لحتفها

 

بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِهٍ أجسامها

وقال لبيد أيضًا:

فضلاً وذو كرم يعين على الندى

 

سمح كسوبر غائب غنامها

فصرف مخاليق ومغالق ورغائب وسبيلها ألا تُصرف، والحجة الثالثة أن يقول: نوّنت قوارير الأول؛ لأنه. "

الأوّل.

" نوَّنت قوارير الأوّل؛ لأنه رأس آية، ورؤوس الآي جاءت بالنون كقوله -جل وعز-: الإنسان: ١   الإنسان: ٢  فنوًّنا الأول ليوقف بين رؤوس الآي، ونوَّنا الثاني على الجوار للأول، والحجة الرابعة اتباع المصاحف، وذلك أنها جميعًا في مصاحف مكة والمدينة والكوفة بالألف، وقد احتج من لم يصرفهن بأن قال.. "

لا شك أن اتباع رسم المصحف الإمام مصحف عثمان واجب، ولو خالف القواعد، من ذلك أمثلة في المصحف تخالف القواعد، لكن العبرة بالرسم.. فيه مثال؟

طالب: .............

مخففة أم مشددة؟

طالب: .............

حتى المخففة حكمها حكم المشددة إلا أن عدم العمل أقل.

 ذلك ما كنا...

ما الذي حذف الياء؟ الرسم، ويجب اتباعه، وإذا وقفت تحذف الياء؛ لأن الرسم كذلك، والأمثلة كثيرة.

" وقد احتج من لم يصرفهن بأن قال: إن كل جمع بعد الألف منه ثلاثة أحرف أو حرفان أو حرف مشدد لم يُصرف في معرفة ولا نكرة، فالذي بعد الألف منه ثلاثة أحرف قولك: قناديل ودنانير ومناديل، والذي بعد الألف منه حرفان قول الله -عز وجل-: الحج: ٤٠ ؛ لأن بعد الألف منه حرفين، وكذلك قوله:   ﭸﭹ الحج: ٤٠ ، والذي بعد الألف منه حرف مشدد شوابُّ ودوابّ. "

وصوافّ.

" وقال خلف: سمعت يحيى بن آدم يحدث عن ابن إدريس قال: في المصاحف الأُوَل الحرف الأوّل بالألف، والثاني بغير ألف، فهذا حجة لمذهب حمزة، وقال خلف: رأيت في مصحف يُنسب إلى قراءة ابن مسعود الأول بالألف، والثاني بغير ألف، وأما أفعل منك فلا يقول أحد من العرب في شعره ولا في غيره هو أفعل منك منونًا؛ لأن من تقوم مقام الإضافة، فلا يُجمع بين تنوين وإضافة في حرف؛ لأنهما دليلان من دلائل الأسماء، ولا يُجمع بين دليلين، قاله الفراء وغيره. قوله تعالى: ﯿ الإنسان: ٤  جمع غل تُغَل بها أيديهم إلى أعناقهم، وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء كان يقول: ارفعوا هذه الأيدي إلى الله -جل ثناؤه- قبل أن تغل بالأغلال. قال الحسن: إن الأغلال لم تُجعل في أعناق أهل النار؛ لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكن إذلالاً. و الإنسان: ٤  تقدم القول فيه. "

يعني لما تُغَل يُجمع بين الأيدي، وتُربط إلى العنق وتُغل، إنما يفعله البشر؛ خشية أن ينفلت منهم هذا الذي يستحق مثل هذا العقاب يُجمع بين يديه ورجليه وعنقه؛ خشية أن ينفلت، ولكن الله- جل وعلا- جعل هذه الأغلال زيادة في النكاية، وإلا فما يستطيع أحد أن يفلت، فلذلك قال: لم تجعل الأغلال في أعناق أهل النار؛ لأنهم أعجزوا الرب سبحانه وتعالى أبدًا، ولكن إذلالاً لهم يعني زيادة ونكاية في عذابهم.

" قوله تعالى:        الإنسان: ٥  الأبرار أهل الصدق، واحدهم بر، وهو من امتثل أمر الله تعالى، وقيل: البر الموحد، والأبرار جمع بارّ، مثل شاهد وأشهاد، وقيل: هو جمع برّ مثل نهر وأنهار، وفي الصحاح: وجمع البر الأبرار، وجمع البارّ البررة، وفلان يبرّ خالقه ويتبرره أي يطيعه، والأم برة بولدها، وروى ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما سماهم الله -جل ثناؤه- الأبرار؛ لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقًّا، كذلك لولدك عليك حقًّا».."

ماذا قال في تخريجه؟ تخريجه.

طالب: ..............

هذا الذي يظهر.

" وقال الحسن: البر الذي لا يؤذي الذر. وقال قتادة الأبرار.. "

لا يؤذي الذر، فكيف بما فوقها، يعني الذر قد تتأذى بمرور الناس ومشيهم وجميع تصرفاتهم وهم لا يشعرون، فكيف يعلَّق هذا الوصف الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح المتصفين به الأبرار بأنهم لا يؤذون الذر، لا يؤذونها عن قصد نعم، أما كونهم يؤذونها من غير قصد وهم لا يشعرون         النمل: ١٨  ومن أبر من سليمان -عليه السلام- وغيره من الأنبياء، نعم إذا كانوا يؤذونها بقصد فهذا شيء، ولا تستقل بهذا، وإنما الذي يظهر أن المراد لا يؤذونها ولا من غير قصد، لكن مثل هذا لا يعلق عليه حكم.

طالب: ................

نعم تحرٍّ إلى هذا الحد! ذُكر في كتب الأدب قصة أن امرأة لها نظر في الرجال من غير الطريق الشرعي، وكان لها ولد نجار يمتهن النجارة عند باب البيت تحت شجرة، فقالت له: لو قطعت هذه الشجرة فقال: أين أذهب؟ قالت: الشجر كثير، تريد أن يبعد عن الباب لا يراقبها، فقالت: أنا لا أستطيع أن أجلس في هذا البيت وفيه هذه الشجرة والعصافير تطلع علي، أنا ما أستطيع أن أتحجب في الوقت كله، المقصود أنه قطع الشجرة وبعد عنها، فبلغه من أخبار الثقات أن أمه تمارس مهنة الزنا، نسأل الله العافية، فترك البلد إلى بلد آخر، فمر برجل وبيده رجل أعمى بيده عصى في طرفها جرس، فسأله: لمَ يا عم؟ قال: هذا الجرس ينبه الذر ليبتعد عن طريقي، فلا أطؤه، صلى في مسجد، فلما خرج وجد شخصًا يضرب نعليه الواحدة بالأخرى قال: لماذا يا عم؟ قال: حتى ما أتعدى على تراب المسجد فأخرجه منه، هذا تراب موقوف للمسجد، ما نقدر، المقصود أنه مر بثالث بيده ما أدري والله قالوا: مثل الإسفنج يسوق الدواب؛ لئلا يؤذيها بيده فيضربها، فأُعلن عن سرقة، فقال: أنا أعرفهم فأتى بهؤلاء الثلاثة استدلالاً بأيش؟ بورع أمه الأول التي ما تريد العصافير يشوفونها، وهذا واضع جرسًا حتى ما يطأ الذر، هذه ذُكرت، والله أعلم. ففي كتب الأدب يذكرون كل شيء، الشاهد أن مثل هذا الذر الذي لا يُشعر به هذا لا يعلق به تكليف، لا يكون مناطًا لتكليف، أو يكلف به الإنسان، المقصود ألا يقصد إلى الأذية، وأما ما يحصل من غير قصد فمعفوٌّ عنه.

" وقال قتادة: الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، وفي الحديث: الأبرار الذي لا يؤذون أحدًا     الإنسان: ٥. "

حديث أيش؟ مرفوع أم..؟ مرفوع الحديث؟

طالب: ................

نعم.

" يشربون من كأس أي من إناء فيه الشراب قال ابن عباس: يريد الخمر، والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب، وإذا لم يكن فيه شراب لم يُسمَّ كأسًا، قال عمرو بن كلثوم:

صبنت الكأس عنا أم عمرو

 

وكان الكأس مجراها اليمين

وقال الأصمعي: يقال: صبنت عنا الهدية أو ما كان من معروف تصبن صبنا بمعنى كففت.

كفَفْت صبنْت كففْت.

يقال: صبنْت عنا الهدية أو ما كان من معروف تصبن صبنا بمعنى كففت، قاله الجوهري.         الإنسان: ٥  أي شوبها وخلطها، قال حسان:

كأن سبيئة من بيت رأس

 

يكون مزاجها عسل وماء

ومنه مزاج البدن، وهو ما يمازجه من الصفراء والسوداء والحرارة والبرودة. {كافورًا}."

والرطوبة واليبوسة يعني طبائع البدن، كل بدن له طبيعته من هذه الأوصاف.

" قال ابن عباس: كافورًا قال ابن عباس: هو اسم عين ماء في الجنة يقال له عين الكافور أي يمازجه ماء هذه العين التي تُسمى كافورًا، وقال سعيد عن قتادة: تُمزج لهم بالكافور، وتُختم بالمسك، وقاله مجاهد، وقال عكرمة: مزاجها طعمها، وقيل: إنما الكافور في ريحها لا في طعمها، وقيل: أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده؛ لأن الكافور لا يشرب، كقوله تعالى: الكهف: ٩٦  أي كنار، وقال ابن كيسان: طُيِّب بالمسك والكافور والزنجبيل، وقال مقاتل: ليس بكافور.. "

يعني مزج به نسبة من هذه الأمور؛ لتطيب رائحته وطعمه؛ لأن بعض الناس يمزج الماء بماء الورد؛ لتطيب رائحته أيضًا، ويحصل فيه من الطعم ما يحصل، أما العين هي الكافور فهذا كلام ما يدل عليه السياق، يمازجه ماء هذه العين التي تُسمى كافور الماء، يُمزج بالكافور         الإنسان: ٥  وإلا فالأصل هي ماء.

" قال مقاتل: ليس بكافور الدنيا، ولكن الله سمّى ما عنده بما عندكم؛ حتى تهتدي لها القلوب، وقوله.. "

يعني كما قال ابن عباس: ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء من أجل تقريب المعاني، وإلا فالمشابهة بعيدة جدًّا.

" وقوله:         الإنسان: ٥  كان زائدة أي من كأس مزاجها كافور الإنسان: ٦  قال الفراء: إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة، فعينًا بدل من كافور على هذا، وقيل: بدل من كأس على الموضع، وقيل: هي حال من المضمر في مزاجها، وقيل: نصب على المدح كما يذكر الرجل فتقول: العاقل اللبيب أي ذكرتم العاقل اللبيب، فهو نصب بإضمار أعني وقيل: يشربون عينا.. "

وقيل: تنصب بإضمار الفعل أمدح، وكما ينصبون على المدح ينصبون على الذم أيضًا.

" وقيل: هي حال من المضمر في مزاجها، وقال الزجاج: وقيل: يشربون عينًا، وقال الزجاج: المعنى من عين، ويقال.. "

يعني نصبها على نزع الخافض.

" ويقال: كافور وقافور، والكافور أيضًا وعاء طلع النخل، وكذلك الكفر. "

الكُفُرَّاء.

" وكذلك الكُفُرَّاء، قاله الأصمعي، وأما قول الراعي:

تكسو المفارق واللبات ذا أرج

 

من قصب معتلف الكافور درّاج

فإن الظبي الذي يكون له المسك. "

الراعي النميري شاعر مشهور معروف له ديوان.

" فإن الظبي الذي يكون منه المسك إنما يرعى سنبل الطيب فجعله كافورًا يشرب بها، قال الفراء: يشرب بها ويشربها سواء في المعنى، وكأن يشرب بها يُروى بها ويُنقع، وأنشد.. "

يعني يضمن الفعل يشرب معنى يروى، وإلا فالشرب يكون منها لا بها، يُشرب بالإناء منها تعدى بمن، لكن لما ضمن الفعل يشرب بمعنى يروى منها بها صح، وهو أولى من تضمين الحرف تكون بها بمعنى منها.

" وكأن يشرب بها يُروى بها وينقع، وأنشد:

شربن بماء البحر ثم ترفَّعت

 

متى لجج خضر لهن نئيج

قال.. "

شربن بماء البحر هم يقولون النحاة يقدرون من، والمراد الرياح تحمل البخار من ماء البحر، ثم ترفعت: ارتفعت به، متى لجج متى حرف جر، خضر لهن نئيج يعني لهن صوت، فالسحاب له صوت، قاله أبو ذؤيب يصف السحاب، والباء في بماء بمعنى من، ومتى معناها في، في لغة هذيل، ونئيج أي مر سريع مع صوت، وهذا يستدلون به على أن المطر من بخار البحر يتبخر، وكأن ابن القيم يميل إلى مثل هذا، وليس فيه ما يدل عليه من المنقول، المنقول كله يدل على أن المطر ينزل من السماء   الفرقان: ٤٨  وكونه يرد في أشعار المتقدمين ويُنقل عن علماء يسمون علماء الهيئة أو شيء من هذا، مما لا يدل عليه دليل، لا يلزمنا تصديقه، وإلا فالنظر يقتضي عكس ما يقولون: أليس تبخر ماء البحر من حرارة الشمس، فلماذا صارت الأمطار كلها أو جلها في الشتاء، لما لا تصير في الصيف؟ وعلى كل حال المسألة ما فيه شيء مقطوع به، لا هذا ولا ذاك، لكن أيضًا الجزم وتخطئة الناس وتسفيههم، يضحكون على من يقول: تنزل من السماء، ويكيلها ميكائيل، ويفعل ويترك، هذا كلام صار شبه مسلَّم عندهم أنها من بخار البحر، مع أنه ما فيه ما يدل عليه إلا أن أرباب الهيئة قالوا هذا الكلام كغيرها من المسائل الفلكية التي سلَّم بها الناس، وصاروا يتندرون بمن يخالفها وهم ما عندهم شيء لا مستمسك ولا شيء أبدًا إلا أنهم توارثوه، وبينهم من الخلاف مثل ما بين السماء والأرض، مثل ما قالوا بالنسبة لخراب العالم الذي هو قيام الساعة الذي لا يعلمه إلا الله وأكرم الخلق وأعظمهم وأعرفهم بالله لا يدري عن قيام الساعة: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ومع ذلك يحددونها، لكن بينهم من التفاوت ما يضحك منه المجانين، واحد منهم من مشاهيرهم يقرر أنه بقي على خراب العالم ألفان ومائة ترليون سنة، وواحد يقول: سنة ألفين واثني عشر، ما بينهم إلا عشرون صفرًا فقط، ألفين واثني عشر من وقت الكلام الذي حصل فيه ذاك سنتان ونصف باقي؛ لأن الكلام قبل سنة ونصف، فهل هذا يرجع إلى قواعد ثابتة ومضبوطة ومتقنة؟ هم يأوون إلى قواعد متقنة ومضبوطة؟

طالب: .............

هم قالوا: ألف وأربعمائة وسبعة ولهم مستند تقول: أخذوها من بغتة، وبغتة في حساب الجمّل ألف وأربعمائة وسبعة، يعني تقدر تقول: تلملم شيئًا، وإن كان الأصل طه: ١٥  يعني من أيش؟ حتى من نفسي، أما الخلق فما لهم علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، ما يدرون عن شيء.

طالب: ................

لو كان فيها فائدة للبشر بيّنوها، لو كان يترتب عليه فائدة عملية لما أُخفيت.

طالب: ................

أين؟

طالب: ................

هيّن، مثل هذا يعرفه الناس بطبائعهم وحرفهم وامتهانهم وعملهم، فيه أشياء يخترعها الناس لحاجتهم إليها، ويتعلمونها بعضهم من بعض، وينتهي الإشكال، ما يحتاجون إلى دليل، ما تجد العناية بتفاصيل أمور الدنيا مثل العناية بتفاصيل أمور الآخرة لماذا؟ لأن أمور الدنيا الناس عندهم شغف وحرص عليها ما يحتاجون توصية بخلاف أمور الآخرة، ولذلك تجدون توصية والتأكيد على حق الوالدين أعظم من تعقيد حق الأولاد لماذا؟ لأن الوالد احتمال يُهمَل ويُضيَّع، لكن الولد ما هم مضيعينه أمه وأبوه، والله المستعان.

" قال: ومثله فلان يتكلم بكلام حسن ويتكلم كلامًا حسنًا، وقيل: المعنى يشربها، والباء زائدة، وقيل: الباء بدل من تقديره: يشرب منها، قاله القتبي. {يفجرونها تفجيرا} فيقال.. "

مثل ما قدر النحاة بما قالوا مما، وشيخ الإسلام يقرر أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف.

" فيقال: إن الرجل منهم يمشي في بيوتاته، ويصعد إلى قصوره، وبيده قضيب يشير به إلى الماء فيجري معه حيثما دار في منازله على مستوى الأرض في غير أخدود، ويتبعه حيثما صعد إلى أعلى قصوره، وذلك قوله تعالى..

أنهارها في غير أخدود جرت

 

سبحان ممسكها عن الفيضان

ما تذهب يمينًا ولا شمالًا، وما فيها أخدود على الأرض، لا إله إلا الله.

وذلك قوله تعالى:   الإنسان: ٦  أي يشققونها شقًّا كما يفجر الرجل النهر هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد، وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد: يفجرونها تفجيرا يقودونها حيث شاؤوا، وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم. وروى أبو مقاتل عن أبي صالح عن سعد عن أبي سهل عن الحسن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكر الله   الإنسان: ٦ ، والأخرى الزنجبيل، والأخريان نضاختان من فوق العرش إحداهما التي ذكر الله الإنسان: ١٨ ، والأخرى التسنيم»، ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وقال.. "

مخرّج؟

طالب: ................

ومادام معزوًّا إلى الترمذي الحكيم في نوادر الأصول فهذا ما يحتاج إلى بحث عن إسناده الذي يتفرد به، ما تفرد به الحكيم فهو ضعيف، بل ضعفه شديد جدًّا.

" وقال: فالتسنيم للمقربين خاصة شربًا لهم، والكافور للأبرار شربًا لهم يُمزج للأبرار من التسنيم شرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مزاج، هكذا ذكره في التنزيل وسكت عن ذكر ذلك لمن هي شرب، فما كان للأبرار مزاج فهي للمقربين صرف، وما كان.. "

نعم؛ لأن منازل المقربين فوق منازل الأبرار.

" وما كان للأبرار صِرْف فهو لسائر أهل الجنة مزاج، والأبرار هم الصادقون، والمقربون هم الصديقون. "

ومن أراد أوصاف الفريقين فقد فُصِّلت في طريق الهجرتين.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه..

طالب: ...............

نعم لكنه موقوف..

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه..

طالب: ...............

إن شاء الله فيه درس الجمعة هو الأصل يعني إن ما نبهت أن ما فيه درس فالأصل فيه درس.

"