شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (276)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

في مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: كنا في الحلقة الماضية بدأنا الحديث عن المناسبة في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- الترجمة، وتكلمنا أيضًا في حلقة قبلها عن الرابط بين هذا الباب والذي قبله، لعلنا نبتدئ الآن الحديث بأول ألفاظ الحديث «أنَّه توضأ فغسل وجهه».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

في حديث ابن عباس في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة، يقول: « أنَّه توضأ»، عن ابن عباس أنَّه توضأ، قال ابن حجر: زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم: أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فكأنَّ هذا وضوء تعليم، ولا يمنع أن يكون تعليمًا مع أنَّه رفعٌ لحدث، ما يمنع، يعني التشريك في مثل هذا يضر أم ما يضر؟ مثل من يريهم كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي، فيصلي بهم الصلاة المفروضة، والتشريك في مثل هذا يضر أم ما يضر؟

المُقَدِّم: ما يضر.

لا يضر، نعم، يقول: فدعا بإناء فيه ماء، وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد- يعني ابن أسلم- في أول الحديث توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغرف غَرفة، فحديث الباب أنَّه توضأ أي ابن عباس، وأتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ في هذا التعليم بالقول أم بالفعل؟

المُقَدِّم: لا، بالفعل.

في حديث النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث توضأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغرف..

المُقَدِّم: هذا بالقول.

بالقول، ولا يمنع أن يبين لهم صفة الوضوء، وكيفية الوضوء بالقول وبالفعل.

«فغسل وجهه» يقول الكرماني: فإن قلت: الغسل المذكور هو نفس التوضؤ، فكيف دخلت الفاء بينهما؟

الآن عندنا «أنَّه توضأ فغسل» يعني عطف «فغسل» على «توضأ»، والغسل هو التفصيل لما أُجمل، يعني بداية التفصيل لما أُجمل في «توضأ» في قوله: «فغسل» الأصل أن يقول توضأ غسل؛ لأنَّ هذا تفصيل لما أجمل.

يقول: فإن قلت: الغسل المذكور هو نفس التوضؤ، فكيف دخلت الفاء بينهما؟ قلت (الكرماني): هي الفاء الداخلة بين المجمل والمفصل، وهما متغايران.

المُقَدِّم: المجمل والمفصل متغايران يعني؟

في اللفظ.

المُقَدِّم: نعم.

يعني لا في حقيقة الفعل، الشيء المجمل غير الشيء المفصل.

المُقَدِّم: نعم.

وإن كان المجمل إذا فُصِّل صار هو المفصل، لكن في حال إجماله يختلف، لو قلت: إنَّ الفاء هذه هي التفريعية، الفاء التفريعية، يعني أولًا أجمل، ثم أخذ يُفرِّع على هذا الإجمال.

المُقَدِّم: فيه فرق بينها وبين ما ذكره؟

يقول: هي الفاء الداخلة بين المجمل والمفصل، وهما متغايران. لكن كون الفاء لها اسم.

المُقَدِّم: نعم، يعني ما ذكر اسمها.

ما ذكر اسمها، ولو قيل: إنَّ هي الفصيحة الواقعة في جواب شرط مقدر، «إنَّه توضأ» يعني كيف توضأ؟

المُقَدِّم: فغسل.

فغسل، فإن قلت: لما ترك العطف من أخذ غرفة «أنَّه توضأ فغسل وجهه» هنا عطف بالفاء.

المُقَدِّم: ما قال فأخذ غرفة.

نعم، «أخذ غرفة من ماء» يقول الكرماني: لما ترك العطف من أخذ غرفة؟

يقول: قلت: لأنَّه بيان لغسل على وجه الاستئناف، هناك على وجه التفصيل «فغسل»، وهنا بيانٌ «أخذ» بيانٌ لغسل على وجه الاستئناف، «فغسل بهما وجهه»، «أنَّه توضأ فغسل وجهه» كيف غسل وجهه؟ «أخذ غرفة من ماء فمضمض»، ثم بعد ذلك يورد الكرماني سؤالًا يقول: فإن قلت: المضمضة والاستنشاق ليسا من غسل الوجه، قلت: أعطي لهما حكم الوجه؛ لكونهما في الوجه. يعني في حدوده، يعني من قال إنَّ حكمهما حكم الوجه..

المُقَدِّم: ما جعلهما وجهًا مثلًا.

نعم.

المُقَدِّم: أو يأخذان نفس الحكم.

هو من جعلهما في حكم الوجه قال: إنَّهما في محيط الوجه، في داخله.

المُقَدِّم: معناها وجوبهما بوجوب غسل الوجه.

على ما سيأتي.

المُقَدِّم: نعم.

بيانه في حكم المضمضة والاستنشاق، من قال إنَّهما ليسا من الوجه...

المُقَدِّم: لازم يسبقهما حرف.

لو قال إنَّهما ليسا من الوجه، ما دليله؟ يعني لو قيل لك: إنَّ الأرض الفلانية مساحتها ألف متر، وفي وسطها بئر.

المُقَدِّم: البئر من الأرض.

هل نقول: إنَّ البئر من الأرض، أو نقول: ليس من الأرض؟ يعني على حسب الاصطلاح، من يرى أنَّ الأرض اليابسة فقط..

المُقَدِّم: نعم.

يقول: البئر ليست من الأرض، ومن قال: إنَّ الأرض بجميع ما تحويه الحدود..

المُقَدِّم: يدخل فيها البئر

حتى لو فيها بناء، دخلت، وهذا نظير مسألتنا.

المُقَدِّم: نعم، وبيرد عليها أشياء.

على كل حال كل توجيه له حكمه.

المُقَدِّم: نعم.

يترتب عليه حكم شرعي، إذا قلنا: أُعطي لهما حكم الوجه؛ لكونهما في الوجه، يعني في وسطه، في أثنائه مثل البئر في وسط الأرض، ومن قال: لا، ليس لهما حكم الوجه، لماذا؟ لأنَّ الوجه ما تحصل به المواجهة.

المُقَدِّم: نعم، والعينان معناها من الوجه.

العينان من الوجه بلا شك، لكن هل تحصل المواجهة بالفم، يعني إذا أراد شخص أن يواجه شخصًا هل يفغر فاه ليستقبله؟

المُقَدِّم: لا.

لا، أو يفتح منخريه ليستقبله؟

المُقَدِّم: لا.

لا؛ إذًا ليسا من الوجه بمعنى المواجهة الذي أُخذت منه المواجهة، لكن الإنسان يفتح عينيه، يعني دخول العينين في الوجه أقرب من دخول الفم والأنف فيه إذا قلنا إنَّه مأخوذ من المواجهة، لكن ما الذي يمنع من غسل العينين؟

المُقَدِّم: عدم فعله- صلى الله عليه وسلم-.

عدم وروده أولًا، ثانيًا الضرر، الضرر عدم وروده عن النبي- عليه الصلاة والسلام- لوجود الضرر؛ ولذلك ابن عمر لمَّا داوم على غسل العينين عمي.

المُقَدِّم: عمي في آخر حياته.

عمي- رضي الله عنه وأرضاه-، فعلى كل حال هذه مقدمة لهذه المسألة التي هي المضمضة والاستنشاق، ويأتي بيان المسألة بإفاضة.

قوله: «أخذ غرفة» هو بيان الغسل، وظاهره أنَّ المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه؛ لأنَّه يقول: «أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق»، الإجمال «أنَّه توضأ فغسل وجهه» ثم فصَّل «أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق» دل على أنَّهما من الوجه، وظاهره أنَّ المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أولًا «فغسل وجهه» ما هو أعم من المفروض والمسنون، المراد بالوجه أولًا ما هو أعم من المفروض والمسنون، هذا كلام ابن حجر، بدليل أنَّه أعاد ذكره ثانيًا بعد ذكر المضمضة بغرفة مستقلة.

الآن يُشكل على كون المضمضة والاستنشاق من الوجه، كونهما من الوجه «فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق»، هذا يدل على أنَّهما من الوجه.

المُقَدِّم: نعم.

لكن قوله: «ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه»، ما قال باقي وجهه، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المُقَدِّم: بلى.

يعني غسل وجهه بهما جميع وجهه، فعلى هذا تكون المضمضة والاستنشاق غير داخلة في الوجه، وقوله: «فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء مضمض بها واستنشق». 

المُقَدِّم: داخلة في الوجه.

داخلة في الوجه، فكيف؟ كأنَّه يتحدث عن الوجه باعتبار الإطلاق العرفي، وباعتبار الإطلاق اللغوي والشرعي، «فمضمض واستنشق» داخلان في الوجه شرعًا؛ لأنَّ الأدلة كلها دلت على أنَّه كان- عليه الصلاة والسلام- يتمضمض ويستنشق، وأمر بهما على ما سيأتي.

«فغسل بهما وجهه» ما قال باقي وجهه بعد حذف المضمضة والاستنشاق، الفم والأنف، بناءً على أنَّ هذا هو الوجه عرفًا ولغة، وما تحصل به المواجهة، بدليل أنه يقول: لكن المراد بالوجه أولًا ما هو أعم من المفروض والمسنون بدليل أنَّه أعاد ذكره ثانيًا بعد ذكر المضمضة بغرفة مستقلة.

كأنَّه يريد أن يقرر ويلمح إلى أنَّ الوجه فيه ما هو مفروض، وفيه ما هو مسنون، الوجه الشامل للمفروض والمسنون في قوله: «فغسل وجهه»، والتفصيل بين المسنون والمفروض في قوله: «أخذ غرفة فمضمض واستنشق ثم أخذ غرفة» ثانية فغسل بها وجهه.

يقول: وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، وغسل الوجه باليدين جميعًا إذا كان بغرفة واحدة؛ لأنَّ اليد الواحدة قد لا تستوعبه.

 «من ماء» من هذه بيانية، «فمضمض بها» المضمضة هي تحريك الماء في الفم وكمالها، المضمضة هي تحريك الماء في الفم مجرد ما يُدخل الماء في الفم ويُحرك هذه مضمضة، لكن كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه، وأقله -أقل المضمضة- أن يجعل الماء في فيه ولا يشترط إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور، كذا في شرح الكرماني.

يعني هل مسمى المضمضة..

المُقَدِّم: مجرد إدخال الماء؟

حقيقة المضمضة هل هي مكونة من إدخال الماء وتحريكه ومجه؟ بمعنى لو تخلف شيء من هذه ما صارت مضمضة.

المُقَدِّم: ما صارت مضمضة.

أو المراد بها مجرد إدخال الماء في الفم.

المُقَدِّم: الذي يظهر أنَّه الأولى؛ لأنَّه أمر بالمبالغة يا شيخ، فيظهر أنَّ المبالغة هي مسألة التحريك والمج بقوة.

لا، يأتينا على مسألة المج مسألة، يعني الخلاف في المج قوي هل يدخل أو لا يدخل، لكن التحريك والإدارة؛ لأنَّ أصل صيغة مضمض مأخوذة من التحريك، مثل الخضخضة.

المُقَدِّم: نعم.

أصل الصيغة مبناها على التحريك، فهل نقول: إنَّ حقيقة المضمضة لا تتحقق إلا بثلاثة أشياء إدخال الماء، ثم تحريكه، ثم مجه؟ أو نقول: هي مجرد الإدخال فقط ولو شربه؟

المُقَدِّم: نعم.

أو نقول: هي مجرد الإدخال مع التحريك ولو شربه؟ يقول: وأقله أن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور، هذا كلام الكرماني.

نرجع إلى كتب اللغة فنجد الأزهري في تهذيبه يقول: المضمضة تحريك الماء في الفم وفي الإناء، يعني مثل الخضخضة، المضمضة تحريك الماء في الفم وفي الإناء، فجعل التحريك من حقيقة المضمضة، لكنه لم يذكر المج، وفي الصحاح المضمضة تحريك الماء في الفم، ويُقال يعني مثل ما قال صاحب التهذيب، ويُقال: ما مضمضت عيني بنوم، أي ما نمت، وتمضمض في وضوئه، وتمضمض النعاس في عينه، قال الراجز:

وصاحب نبهته لينهضا

 

 

إذا الكرى في عينه تمضمضا

الشوكاني في نيل الأوطار يقول: المضمضة هي أن يجعل الماء في فيه ثم يديره ثم يمجه، مشى على الكمال الذي ذكره الكرماني في أول الأمر، قال النووي: وأقلها أن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور، مجرد ما يضع الماء هذه تسمى مضمضة، لكن كلام اللغويين تحريك الماء في الفم جعلوه هو المضمضة، أمَّا مجرد إدخال الماء فلا ينطبق عليه الحد اللغوي، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور، وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم أنَّ الإدارة شرطٌ.

وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم أنَّ الإدارة- التحريك- شرط، والمعول عليه في مثل هذا الرجوع إلى مفهوم المضمضة لغة، وعلى ذلك تنبني معرفة الحق، والذي في القاموس وغيره أنَّ المضمضة تحريك الماء في الفم، هذا صاحب القاموس فيما نقله الشوكاني، ومثله فيما نقلناه عن الأزهري والجوهري، وهما أقدم من صاحب القاموس.

وفي المجمل لابن فارس: المضمضة إدارة الماء في الفم، وعلى هذا اقتصر الموفق ابن قدامة في المغني، لكنه قال: ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم، إذا قلنا إدارة الفم، معناها أننا نأخذ من الماء ما يكفي تعميمه لجميع الفم، لكن لو أخذ شيئًا يسيرًا وأداره في مقدمة الفم..

المُقَدِّم: ثم أخرجه.

ثم مجه، أو ابتلعه على الخلاف في حقيقة المضمضة، هل يدخل فيها المج أو لا؟ كلام ابن قدامة يدل على أنَّه لو أخذ شيئًا يسيرًا فأداره في مقدمة الفم كفى، لكنه قال: ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم، وهذا حال كثير من الناس يأخذ شيئًا يسيرًا يحركه بسرعة ثم يمجه، وإلا فالأصل الإدارة في جميع الفم.

وعلى هذا فحقيقة المضمضة التي لا تكون إلا بها إدخال الماء في الفم وتحريكه، وليس من حقيقتها المج كما في كلام الكرماني والشوكاني، أقول: إلا أنَّه مما ينبغي أن يمج؛ لأنَّه أثر تنظيف فلا يبتلع، إلا أنَّه مما ينبغي أن يمج؛ لأنَّه أثر تنظيف فلا يبتلع، يعني نظيره ما يبقى في الأسنان بعد الأكل، هل الأفضل أكله أو مجه؟ يعني جاء في خبر فيه كلام لأهل العلم «ما أكلت فكله، وما لا فلا، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج» يعني ما أكلت، يعني دخل في جوفك وابتلعته كله هذا، لكن ما لا، يعني ما لم يدخل أثناء الأكل وبقي في الأسنان فمثل هذا يُخرج، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. إذا قلنا: إنَّ هذا أثر تنظيف، فهل الأولى أن يُبتلع أو يُمج؟

المُقَدِّم: مثل مسألة الأكل.

نعم، الأولى إذا قلنا إنَّه أثر تنظيف..

المُقَدِّم: أن يمج.

لا يبتلع، بل يمج، وإذا قلنا إنَّه جزء من عبادة.

المُقَدِّم: حتى العبادة يعني هل ماء اليدين ما له مثل حرمة ماء الفم؟

بلى.

المُقَدِّم: إذًا.

لكن هذا يمكن أم غير ممكن، ماذا تفعل بما يبقى في اليدين؟

المُقَدِّم: ممكن أيضًا الأنف أنَّه إذا استنشقها يدخل إلى جوفه.

جاء في بعض الأحاديث التي قوَّاها بعضهم وهي ضعيفة حقيقة، وهي ضعيفة التبرك بماء الوضوء، وبمواضئ المسلمين، لكن هذا حديث ضعيف، وإن قوَّاه بعضهم، فمن يقول بمثل هذا يقول: إنَّ ابتلاعه وهو أثر عبادة أولى من مجه، وعلى كل حال هو أثر تنظيف مجه هو الأولى، حتى إنَّ بعض أهل العلم من يجعل المج من حقيقة المضمضة بخلاف الابتلاع فإنَّه شرب.

المُقَدِّم: صحيح.

يقول ابن قدامة: وإذا أدار الماء في فيه فهو مخير بين مجه، وبلعه؛ لأنَّ المقصود قد حصل به، لكن الذي يرجح المج أنَّه ما الفائدة أو ما حكمة مشروعية المضمضة أليست من أجل تنظيف الفم؟ نعم، من أجل تنظيف الفم، كما أنَّ الاستنشاق من أجل تنظيف الأنف، وإذا كان الأمر كذلك فهذا التنظيف يكون أثره فاضلًا أم مفضولًا؟ الماء الذي تم به التنظيف مفضول؛ إذًا مجه أولى، ولذلك ابن قدامة يقول: وإذا أدار الماء في فيه فهو مخير بين مجه، وبلعه؛ لأنَّ المقصود قد حصل به.

المُقَدِّم: لكن قبل يا شيخ، في الأصل تمضمض أم مضمض الذي عليه أغلب النسخ.

عندنا الأصل الصحيح مضمض، «أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق».

المُقَدِّم: نعم؛ لأنَّ أغلب أنا رجعت اليوم لبعض النسخ.

هي موجودة، حتى العيني على تمضمض.

المُقَدِّم: تمضمض.

نعم، هي موجودة، لكن.

المُقَدِّم: الأصل.

الأصل تمضمض، مضمض، فمضمض.

المُقَدِّم: وشرح ابن حجر على مضمض.

على مضمض.

المُقَدِّم: مضمض.

نعم، «واستنشق» يقول النووي: الاستنشاق إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه، هل نقول مثل ما قلنا سابقًا إخراجه مثلما قلنا هل من حقيقته الإخراج، أو ليست من حقيقته الإخراج؟

المُقَدِّم: بلى.

هو باعتبار أنَّه سيأتي، جاء في بعض الأحاديث الصحيحة استنثر، لا نسمي الإخراج من حقيقة الاستنشاق؛ لأنَّ له مسمى يختص به.

المُقَدِّم: الاستنثار.

وهو الاستنثار بخلاف المضمضة.

المُقَدِّم: لكنه يُفهم من جمع الألفاظ، أو الفعل، يعني الاستنشاق يتبعه استنثار.

كون الشيء لازمًا لشيء غير كون الشيء من حقيقة الشيء، ظاهر الفرق؟

المُقَدِّم: صحيح نعم، أتكلم أنا عن اللفظ اللغوي ذاته.

نعم.

المُقَدِّم: طيب.

في حديث عثمان- رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- «ثم مضمض واستنثر» بدل واستنشق، قال النووي في شرح مسلم: قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون: الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وقال ابن الأعرابي وابن قتيبة: الاستنثار الاستنشاق. لمَّا قال في حديث عثمان: «ثم مضمض واستنثر»..

المُقَدِّم: نعم.

قالوا: الاستنثار هو الاستنشاق، والذي عليه جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون أنَّ الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وأمَّا ابن الأعرابي وابن قتيبة أنَّ الاستنثار هو الاستنشاق، وقد يُستدل لهم بحديث عثمان «ثم مضمض واستنثر»، لكن كون الاستنشاق لم يذكر في حديث عثمان اعتمادًا على أنَّه..

المُقَدِّم: مفهوم.

ذُكر في أحاديث أخرى، في أحاديث أخرى ذُكر، الأمر الثاني: أنَّه مما يستلزمه..

المُقَدِّم: الاستنشاق.

الاستنشاق، نعم. يقول: والصواب الأول، ويدل عليه الرواية الأخرى: « استنشق واستنثر» فجمع بينهما، قال أهل اللغة: هو مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف، وقال الخطابي: هي الأنف، والمشهور الأول.

قال الأزهري: روى سلمة عن الفراء أنَّه قال: نثر الرجل، وانتثر، واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة، والله أعلم.

في المُغني لابن قدامة يقول: الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف، والاستنشاق إخراج الماء من أنفه، لكن يُعبر بالاستنثار عن الاستنشاق؛ لكونه من لوازمه، ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف... الآن إذا قلت: خرج زيد من المسجد، هل نقول: إنَّ خرج بمعنى دخل؛ لأنَّ من لازمه الدخول؟

 المُقَدِّم: لا.

نعم، وإذا اكتفينا بخرج هل يلزم أن نقول: دخل أيضًا، هو ما خرج إلا بعد أن دخل، فبعض الأمور لا يحتاج إلى ذكر، تطوى في الكلام من باب الاختصار من جهة؛ ولأنَّ التنصيص عليها...

المُقَدِّم: مفهوم

مفهوم مأخوذ من لوازم كلمات أخرى، ولا يجب أن يقول هنا: والاستنشاق إخراج الماء من أنفه، لكن يُعبر بالاستنثار عن الاستنشاق؛ لكونه من لوازمه، قال ابن قدامة: ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم هذا تقدم، ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف، يعني جاء في الحديث: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، وسيأتي، ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف، وإنَّما ذلك مبالغة مستحبة في حق غير الصائم.

 

 المُقَدِّم: جزاكم الله خيرًا يا شيخ، لعلنا إن شاء الله نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة، وأنتم على خير. أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.