تعليق على تفسير سورة الأنعام من أضواء البيان (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33] الآية، صرَّح تعالى في هذه الآية الكريمة بأنه يعلم أن رسوله- صلى الله عليه وسلم- يحزنه ما يقوله الكفار من تكذيبه -صلى الله عليه وسلم-، وقد نهاه تعالى عن هذا الحزن المفرط في مواضع أخر، كقوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] الآية، وقوله: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} [المائدة: 68]، وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]، وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، والباخع: هو المهلك نفسه، ومنه قول غيلان بن عقبة: ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه. لشيء نحته عن يديه المقادر.

وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} في الآيتين يراد به النهي عن ذلك، ونظيره: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} [هود: 12]، أي لا تهلك نفسك حزنًا عليهم في الأول، ولا تترك بعض ما يوحى إليك في الثاني".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، ففي قول الله -جَلَّ وعَلا-: {قَدْ نَعْلَمُ} [الأنعام: 33]، قد إذا وليها المضارع فإنها في الغالب تكون للتقليل، وإذا وليها الماضي كانت للتحقيق. هنا في هذا المقام وفي نظائره هي للتحقيق كما إذا وليها الماضي. {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 18] نقول للتقليل؟ لا، ما يضاف إلى الله -جَلَّ وعَلا- هو في حقيقته أمر محقق فيضاف إلى علم الله، هذا أمر محقق. {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33].

 لا شك أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يهمه أن يبلغ ما أوحي إليه، ويهمه أيضًا أن يستجيب الناس لدعوته، وكذلك من سار على نهجه من الدعاة على سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة يهمهم أن يبلغوا الدعوة، وأن يستجاب لهم، وبالعكس: يحزنهم إذا لم يستجب لهم أحد. أو ارتكب الناس ما ينهون عنه، وكل واحد من المسلمين لا سيما طلاب العلم يقع في أنفسهم الحرج الكبير حينما تقع المخالفات لأوامر الله ونواهيه، هذا لا يختلف فيه أحد. لكن هل يصل الأمر إلى أن يُزداد هذا الحزن بحيث يصل إلى درجة يُخشى على المسلم منها؟ {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99]، ومن باب أولى أتباع الرسل ما عليهم إلا البلاغ، النتائج بيد الله -جَلَّ وعَلا-.

كون المخالفة تقع من غيرك، بلا إذنك ولا رضاك، وليس بيدك حيلة إلا أن تقول: هذا حرام، أو تقول: هذا واجب فلا يترك، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99]. واحد من طلاب العلم سمع قرارًا من القرارات فحزن له حزنًا شديدًا فما نام تلك الليلة، وجلس بعد صلاة الصبح على عادته للذكر وقراءة القرآن فما استطاع، ثم تذكَّر قول الله -جَلَّ وعَلا- لنبيه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء: 3]، لعلك قاتل نفسك، مع قول الله -جَلَّ وعَلا-: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99]. عجز أن يقرأ القرآن، عجز أن يأتي بالأذكار، ثم بعد ذلك لما تلا هذه الآيات انشرح صدره وقرأ وفعل الذي عليه.

لا شك أن المعصية محزنة للمسلم، وإذا جاء أحد من طلاب العلم يشتكي وعنده غِيرة، فإن كانت الغِيرة مجرد حزن لما يحصل من مخالفات فكلٌّ مطالب بمثل هذا، لكن بالقدر الشرعي. أما أن تزيد هذه الغِيرة وتتجاوز الحزن إلى الفعل بحيث يرتب على ذلك أشياء توقع المجتمع والمجتمعات والأمة بكاملها في أمور لا تُحمد عقباها، فهذا لا يجوز، بل عليه أن يسعى في الإصلاح بقدر إمكانه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن استجيب له فبها ونعمت، وإلا فالنتائج بيد الله.

رسل من عند الله -جَلَّ وعَلا- مؤيدون بالمعجزات، مؤيدون بالوحي، يأتي النبي وليس معه أحد، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، وأناس من أقرب الناس إلى الأنبياء ما استجابوا، زوجات، امرأة نوح وامرأة لوط. ابن نوح، عم محمد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وأقرب الناس إليه ما استجاب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، في هذا نوع تسلية للمسلم. يأتيك طالب العلم وعنده من الغيرة، ولا يلام؛ لأنه مطالب بشيء من هذا أن يحزن لما يغضب الله- جَلَّ وعَلا- لكن بالقدر الذي تترتب عليه المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة. بالمقابل لا تكون وظيفة العالم أو شيء إذا جاءه من طلاب العلم لديهم غيرة وكذا أن يمتص الغيرة بكاملها، ما يجوز، الغيرة لا بد أن توجد، وأن تبقى، لكن لا يترتب عليها آثار سيئة، القدر الزائد والمبالغة في هذه الغيرة بحيث يرتب عليها أحكامًا تضره، وتضر مجتمعه، هذه لا تجوز.

 وينبغي أن تُسحب، ويخفف منها من قلوب طلاب العلم الذين لديهم غيرة أو من العامة أو من غيرهم.

فالمسألة مسألة وسط، لا يجوز أن تزال الغيرة من قلوب المسلمين، لا بد أن تبقى الغيرة على محارمهم، الغيرة على دينهم الغيرة على أمنهم، الغيرة على جميع ما ينفعهم، لا يجوز أن يذهب سدى من بين أيديهم، هذا لا بد أن نغار عليه، لكن تعمل بقدر ما أتيح لك وما أعطاك الله من إمكانات، ونحن نرى فيمن حولنا من البلدان والشعوب وقعوا في مآسٍ وأمور ما كانت تخطر على البال أن تحصل.  

فرح كثير من الناس، بل غالب الناس فرحوا بهذه الثورات على بعض الرؤساء، ومن أقرب الأمثلة البلد المجاور سوريا، قالوا: نتخلص إن شاء الله من هذا النظام الظالم الغاشم الكافر، لكن النتيجة لو استقبل الناس ما استدبروا فهل يفرحون والحاصل هذا؟ ما أحد يفرح والحاصل موجود، الدماء تُسفك، والأعراض تُنتهك، والأموال تُنهب، ولا يستطيع الإنسان أن يصرح بجملة بعد أن كان متاحًا له شيء من ذلك، وممنوعًا من أشياء، لكن بعض الشر أهون من بعض، يعني كثير من الناس وصل بهم الحال إلى أن يستفتوا: هل يجوز أن يقتل بنته وهو يجزم أنه ينتهك عرضها؟ يستفتون في هذا، العرض ليس بالشيء السهل عند المسلم، لكن القتل أعظم.

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33]، لا شك أن الذي يقولونه من تكذيبه ورميه بأبشع الأوصاف محزن له -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ومحزن لنا، لكن ينبغي أن يكون الحزن بقدر ما يحقق المصالح، ويدرأ المفاسد، وما يرتب عليه من أعمال لا بد أن تكون مدروسة، لا يترتب عليها ما هو أسوأ منها، كما حصل في البلدان المجاورة التي ثارت على رؤسائها، والنتيجة؟ النتيجة الدماء والأعراض وما أدري أيش، وما حصلنا شيئًا. في بعض البلدان المجاورة قبل ثورتهم التي كانت قبل ستين سنة، كانوا يقرضون البنك الدولي، والآن ما النتيجة عقب هذه الثورات؟ عشر دجاجات بريال عندهم، والآن البيضة بألف ريال عندهم، هذه النتيجة.

فلا بد أن تكون الأمور مدروسة، ولا بد أن توضع الأحكام في مواضعها الشرعية، متى يجوز الخروج على الإمام؟ متى يجوز؟ إذا كان هناك كفر بواح فيه من الله برهان، أو ترك للصلاة، «لا، ما صلوا»، «إلا أن تروا كفرًا بواحًا»، ومع ذلك لا بد من اشتراط القدرة على التغيير من غير مفاسد عظمى؛ لأنه قد يكون هناك قدرة على التغيير، لكن يترتب عليها مفاسد، فمثل هذا ينبغي أن يُتنبَّه له، والمسلم الذي يستطيع أن يبلِّغ الحق يجب عليه ذلك، والذي لا يستطيع أن يصل بنفسه يبلغ من يستطيع فإن قدر وإلا فليقتصر على الدعاء، وهذا باب من أعظم الأبواب، وهو متاح، ولا يُمنع منه أحد.

"وقد نهاه تعالى عن هذا الحزن المفرط في مواضع أخر"، وذكر الآيات، ثم بعد ذلك قال: "قوله تعالى".

 نعم.

طالب: "قوله تعالى: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 36] الآية. قال جمهور علماء التفسير: المراد بالموتى في هذه الآية: الكفار، وتدل لذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] الآية، وقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22]، وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، إلى غير ذلك من الآيات".

الآية أعم من أن تكون في الكفار، فجميع الموتى يبعثهم الله، وأل جنسية: الموتى يبعثهم الله.

طالب: .......

لعل الأصل فيها الترجي، لكن دلالة السياق ما هي بترجٍّ أن يبخع نفسه ألا يكونوا، ما هو مترجٍّ، هذا من الله -جَلَّ وعَلا-، الله ينهى ويأمر ما يترجىقال ابن عباس: ولعل من الله واجبة.

طالب: .......

هذا من البعث، من الموت ومن البعث.

طالب: .......

الموتى يبعثهم الله، أل جنسية، فموت القلوب موت الأبدان وجميع ما ينطبق عليه اللفظ.

طالب: "قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 37]، ذكر في هذه الآية الكريمة: أنه قادر على تنزيل الآية التي اقترحها الكفار على رسوله، وأشار لحكمة عدم إنزالها بقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، وبيَّن في موضع آخر أن حكمة عدم إنزالها: أنها لو أُنزلت ولم يؤمنوا بها لنزل بهم العذاب العاجل، كما وقع بقوم صالح لما اقترحوا عليه إخراج ناقة عشراء، وبراء، جوفاء، من صخرة صماء، فأخرجها الله لهم منها بقدرته ومشيئته، فعقروها {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [الأعراف: 77]، فأهلكهم الله دفعةً واحدةً بعذاب استئصال، وذلك في قوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. وبيَّن في مواضع أخر أنه لا داعي إلى ما اقترحوا من الآيات؛ لأنه أنزل عليهم آيةً أعظم من جميع الآيات التي اقترحوها وغيرها، وتلك الآية هي هذا القرآن العظيم".

في بعض النسخ: وتلك لأنه، والصواب: "وتلك الآية هي القرآن العظيم". كل نبي بُعث وأعطي من المعجزات ما يلزم البشر أن يؤمنوا به، ومعجزات الأنبياء السابقة، كل نبي تأتي معجزته بما يناسب أهل زمانه وما يشيع فيهم وينتشر عندهم، قالوا: الطب على عهد عيسى- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فجاءت معجزته فيما يناسب ذلك من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص إلى غير ذلك، والسحر منتشر في عهد موسى، فجاءت معجزته مناسبة لذلك كالعصى واليد وغيرها من المعجزات، ولكن هذه المعجزات تنقضي بانقضاء وقت النبي الذي جاءت على يديه. ومعجزة محمد -صلى الله عليه وسلم- باعتبار أن رسالته ودينه باقٍ إلى قيام الساعة، جاءت معجزته كذلك غضة طرية إلى قيام الساعة، إلى أن يأتي في آخر الزمان فينزع من صدور الرجال ومن المصاحف كما ثبت بذلك الخبر.

طالب: .......

"وتلك الآية هي القرآن العظيم".

طالب: .......

هم قالوا هذا، حتى نصّوا عليه، هم نصّوا على هذا أنه عُرف بالطب وقت عيسى -عليهِ السَّلامُ-، قالوا هذا ولو لم يكن في هذا إلا أن المعجز لنبيهم في الطب لكفى في إثباتها؛ لأن الله أحكم وأعدل أن تأتي معجزة نبي قومه سحرة فيأتي بناقة إلا أن يقال من جهة أخرى أنه سحرهم، وأخرج من هذه الصخرة ناقة أو كذا، وإلا فالأصل أن المعجزات على ما يؤمن به البشر.

طالب: .......

نعم.

طالب: "وتلك الآية هي هذا القرآن العظيم، وذلك في قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]، فإنكاره -جَلَّ وعَلا- عليهم عدم الاكتفاء بهذا الكتاب عن الآيات المقترحة يدل على أنه أعظمُ وأفخم من كل آية، وهو كذلك، ألا ترى أنه آية واضحة، ومعجزة باهرة، أعجزت جميع أهل الأرض، وهي باقية تتردد في آذان الخلق غضةً طريةً حتى يأتي أمر الله، بخلاف غيره من معجزات الرسل -صلوات الله عليهم وسلامه- فإنها كلها مضت وانقضت.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُون} [الأنعام: 40، 41]، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذا أتاهم عذاب من الله أو أتتهم الساعة، أخلصوا الدعاء الذي هو مخ العبادة لله وحده، ونسوا ما كانوا يشركون به؛ لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده -جَلَّ وعَلا-. ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص لله، ولم يبين هنا أيضًا".

لا لا، ماذا؟

طالب: .......

فيه سقط؟ "ولكنه بيَّن ذلك في مواضع أخر".

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

"فبيَّن أن العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص، هو نزول الكروب التي يخاف من نزلت به الهلاك".

 أعد أعد.

طالب: "ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذا أتاهم عذاب من الله أو أتتهم الساعة، أخلصوا الدعاء الذي هو مخ العبادة لله وحده، ونسوا ما كانوا يشركون به؛ لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده -جَلَّ وعَلا-. ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص لله، ولم يبين هنا أيضًا إذا كشف عنهم العذاب هل يستمرون على إخلاصهم".

"ولم يبين هنا"؟

طالب: "أيضًا".

لا، قبله؟

طالب: "نوع العذاب الدنيوي".

هذا الذي سقط، "نوع العذاب الدنيوي"؟

طالب: "الذي يحملهم على الإخلاص لله".

نعم.

طالب: "ولم يبيِّن هنا أيضًا إذا كشف عنهم العذاب هل يستمرون على إخلاصهم أو يرجعون إلى كفرهم وشركهم؟ ولكنه بيَّن كل ذلك في مواضع أخر".

ماذا؟

طالب: .......

كله ما كتب بنفسه، يكتب الطلاب وهو يفسر.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......  

لا، هذا من الأشرطة، من الدروس من الأشرطة، جمع الأشرطة وكتب الزائد على المكتوب بأيدي طلابه.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

بعضه يصير محررًا، وبعضه إملائيًّا يصير إملاءً.

طالب: "فبيَّن أن العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص، هو نزول الكروب التي يخاف من نزلت به الهلاك، كأن يهيج البحر عليهم وتلتطم أمواجه، ويغلب على ظنهم أنهم سيغرقون فيه إن لم يخلصوا الدعاء لله وحده، كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: 22، 23]، وقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، وقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65]، وقوله: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32]، إلى غير ذلك من الآيات".

لحظة لحظة. طبعة عالم الفوائد هل تعرفون أنهم اعتمدوا فيها على خطيات أو نسخ أو شيء؟

طالب: .......

اعتمدوا على المطبوع الأول؟

طالب: .......

لا هو طُبع مرتين في القديم، الآن عن طبعة ابن لادن وطبعة المدني، والطبعتان الأوليان حدثت أخطاء في بعض الآيات، ولذلك إحسانهم في هذه الطبعة التي هي عالم الفوائد أنهم نقلوا الآيات بخط المصحف، فيؤمَن من الخطأ، الأخطاء الثانية محتملة.

طالب: أحسن الله إليك، الآية: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} [الأنعام: 46]؟

أيهم؟ أي آية؟

طالب: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [الأنعام: 47]، هو كاتب: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} [الأنعام: 46].......؟

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [الأنعام: 47] بخط المصحف.

طالب: كاتبها {قُلْ أَرَأَيْتُمْ}؟

نعم، هذا الذي أقوله، أن الطبعات الأولى وما صُور عنها حصل فيها أخطاء حتى في الآيات، وهذه الطبعة أُمن فيها الخطأ في الآيات؛ لأنها بحرف المصحف.

طالب: .......

أين؟

طالب: .......

لا ....... مختصرين الكتاب، اختصار للكتاب.

طالب: "وبيَّن تعالى أن رجوعهم للشرك بعد أن نجَّاهم الله من الغرق من شدة جهلهم وعماهم؛ لأنه قادر على أن يهلكهم في البر، كقدرته على إهلاكهم في البحر، وقادر على أن يعيدهم في البحر مرةً أخرى".

كأنهم تصوروا أنهم إذا خرجوا من البحر خرجوا من قبضته، والبر والبحر كله بيد الله، كله في ملك الله.

طالب: "وقادر على أن يعيدهم في البحر مرةً أخرى، ويهلكهم فيه بالغرق، فجرأتهم عليه إذا وصلوا البر لا وجه لها؛ لأنها من جهلهم وضلالهم، وذلك في قوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 68، 69].

قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]".

بعض الناس إذا ركب المراكب الخطرة ما زاول ما كان يزاوله في السعة، وبعضهم يستوي عنده الأمر سواء كانت مركبته طائرة في رياح متلاطمة تعلو وتنزل وتصطفق يمينًا وشمالاً أو على فراشه، كما أخبر الله -جَلَّ وعَلا- عن المشركين، وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القواعد الأربع: القاعدة الرابعة أن مشركي زماننا أعظم شركًا من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، تجده في حريق ومتيقن الموت: يا علي، يا حسين! والجهة الثانية تقول: يا محمد يا فلان، والذي يقول: يا جيلاني يا عيدروس! في أحلك الظروف، في الحرائق في الغرق، شركهم دائم في الرخاء والشدة كما قال الشيخ. أما الأولون فكانوا يشركون في الرخاء، ويخلصون في الشدة، كما أخبر الله عنهم -جَلَّ وعَلا-، والشرك شرك سواء كان في رخاء أو في شدة: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72]، إن كان شركه في رخاء أو في شدة، لكن يدل على موت في القلب وعلى شدة في الانحراف أنه في الشدة لا ينقذه إلا الله -جَلَّ وعَلا- ويقول: يا حسين ويا عيدروس يا فلان يا فلان! نعوذ بالله من الضلال.

طالب: .......

طبعة المدني، اعتمدوا على طبعة المدني؛ لأنه ما فيه أصول يُعتمد عليها، أكثرها مما كتبه الطلاب أو سُجل في الأشرطة.

طالب: .......

على كل حال، إذا كانت الطبعات ما هي بأصول فاحتمال الخطأ أكثر، إذا كان الأصل واحدًا ثم طُبع عنه، ثم طبع عنه، ثم طبع عنه، إذا نُسخ الكتاب ولم يقابل ثم نسخ ثم نسخ خرج أعجميًّا. يُمسخ، العبرة بالأصول، ما هي بكثرة النسخ، العبرة بالأصول الصحيحة المصححة على المؤلف أو على من قرب منه ممن سمع منه، وقابل نسخته عليه، أو قرأها عليه، وإلا فزيادة النسخ الآن تصور ابن كثير يحقق على مائة نسخة، هل هذا من المصلحة؟ هل هو من المصلحة أن يُحقق على مائة نسخة؟ ما هو بمصلحة.

طالب: .......

طبعة المدني .......

طالب: .......

ما لها علاقة، مصورة عن طبعة المدني.

طالب: .......

لا، طبعوها، دفع الإيهام طُبع في مطابع الرياض قديمًا على وقت الشيخ، ثم طُبع لما كمله عطية محمد سالم طُبع في آخر الجزء التاسع في مطبعة المدني أيضًا.

طالب: "قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]، نهى الله -جَلَّ وعَلا- في هذه الآية الكريمة نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طرد ضعفاء المسلمين وفقرائهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأمره في آية أخرى أن يصبر نفسه معهم، وأن لا تعدو عيناه عنهم إلى أهل الجاه والمنزلة في الدنيا، ونهاه عن إطاعة الكفرة في ذلك، وهي قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، كما أمره هنا بالسلام عليهم، وبشارتهم برحمة ربهم -جَلَّ وعَلا- في قوله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] الآية، وبيَّن في آيات أخر أن طرد ضعفاء المسلمين الذي طلبه كفار العرب من نبينا -صلى الله عليه وسلم- فنهاه الله عنه، طلبه أيضًا قوم نوح من نوح، فأبى كقوله تعالى عنه: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} [هود: 29] الآية، وقوله: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ} [هود: 30] الآية، وقوله: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 114]، وهذا من تشابه قلوب الكفار المذكور في قوله تعالى: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُم} [البقرة: 118] الآية.

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]، أجرى الله تعالى الحكمة بأن أكثر أتباع الرسل ضعفاء الناس، ولذلك لما سأل هرقلُ ملك الروم أبا سفيان عن نبينا - صلى الله عليه وسلم: أأشرافُ الناس يتبعونه، أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، قال: هم أتباع الرسل. فإذا عرفت ذلك، فاعلم أنه تعالى".

 يعني في الغالب، وإلا فأبو بكر من أشراف الناس، وهو أول من آمن به، لكن الغالب أن الضعفاء هم الذين يتبعون الرسل، وهم في الغالب الذين يبادرون إلى فعل الخيرات؛ لأنه لا معوِّق لهم، صاحب المنصب أو صاحب الأموال أو صاحب أمور الدنيا المتسعة المزارع والمساكن، ولذلك يقول: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى آخره إلى أن قال: {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} [التوبة: 24]، الذي يسكن في عش وينادى للجهاد ولا وراءه مال ولا شيء ما الذي يمنعه؟ بخلاف الذي عنده الأموال الطائلة والقصور الفاخرة والمراكب الفارهة، هذا يُحسب لهذا ألف حساب، هذه من المعوقات، ولذلك أتباع الرسل أول من يبادر إذا دُعوا فقراء الناس وضعفاؤهم.

طالب: .......

استئناس، مجرد استئناس ومطابق للواقع، مطابقته للواقع.

طالب: .......

لا، هو إذا بادر بالإيمان لأمور وظروف محتفة به، وباشر الإيمان قلبه، وتمكَّن من قلبه صارت مزية.

طالب: .......

يستأنس به، لكن قد، ما يلزم من كون القائل كافرًا أن يكون القول باطلاً، ما يلزم، وإلا فكلهم السائل والمسئول كلهم كفار في وقت السؤال، لا يلزم، ولذلك قال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عن الشيطان: «صدقك وهو كذوب»، فليس كل ما يقوله الكافر باطلًا، قد يقول شيئًا صحيحًا مطابقًا للواقع، كما أن المسلم قد يقول شيئًا مخالفًا للواقع، وإن كان الأصل في الكافر كذا وفي المسلم كذا.

طالب: "فإذا عرفت ذلك، فاعلم أنه تعالى أشار إلى أن من حكمة ذلك فتنة بعض الناس ببعض، فإن أهل المكانة والشرف والجاه يقولون: لو كان في هذا الدين خير لما سبقنا إليه هؤلاء؛ لأنا أحق منهم بكل خير كما قال هنا: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53] الآية، إنكارًا منهم أن يمنّ الله على هؤلاء الضعفاء دونهم، زعمًا منهم أنهم أحق بالخير منهم، وقد ردَّ الله قولهم هنا بقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]. وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] الآية، وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73].

والمعنى: أنهم لما رأوا أنفسهم أحسن منازل ومتاعًا من ضعفاء المسلمين اعتقدوا أنهم أولى منهم بكل خير، وأن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو كان خيرًا ما سبقوهم إليه".

الله -جَلَّ وعَلا- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وفي الغالب أن الدنيا وزهرتها هي جنة للكافر سجن للمؤمن بخلاف الآخرة، فالدنيا تُعطى للمسلم والكافر، ولكن الدين ما يُعطى إلا من يحبه الله -جَلَّ وعَلا-.

طالب: "وردَّ الله افتراءهم هذا بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]، وقوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55، 56]، إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى: {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} [الأنعام: 57]".

{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} [الأنعام: 58]؛ لأنه أمر الله تعالى بقل.

طالب: .......

نعم.

طالب: "قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} [الأنعام: 58] الآية، أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية الكريمة أن يخبر الكفار أن تعجيل العذاب عليهم الذي يطلبونه منه -صلى الله عليه وسلم- ليس عنده، وإنما هو عند الله، إن شاء عجَّله وإن شاء أخَّره عنهم، ثم أمره أن يخبرهم بأنه لو كان عنده لعجَّله عليهم بقوله: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 58] الآية. وبيَّن في مواضع أخر أنهم ما حملهم على استعجال العذاب إلا الكفر والتكذيب، وأنهم إن عاينوا ذلك العذاب علموا أنه عظيم هائل، لا يستعجل به إلا جاهل مثلهم، كقوله: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [هود: 8]، وقوله: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: 18] الآية".

الكافر المكذِّب بهذه الأمور لا يعرف حقيقتها، ولو عرف حقيقتها ما طلبها، وما استعجل بها. لكن المؤمن الذي عرف حقائق الأمور وعظائم هذه الأمور، مشفق منها خائف وجل يخشى أن يصيبه شيء منها.

طالب: "وقوله: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54]، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 50]. وبيَّن في موضع آخر أنه لولا أن الله حدَّد لهم أجلاً لا يأتيهم العذاب قبله لعجَّله عليهم، وهو قوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] الآية.

تنبيه: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ} [الأنعام: 58] الآية، صريح في أنه -صلى الله عليه وسلم- لو كان بيده تعجيل العذاب عليهم لعجَّله عليهم، مع أنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل الله إليه ملَك الجبال، وقال له: إن شئت أطبقتُ عليهم الأخشبين، وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا».

والظاهر في الجواب: هو ما أجاب به ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية، وهو: أن هذه الآية دلَّت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبون تعجيله في وقت طلبهم تعجيله لعجَّله عليهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم طلبوا تعجيل العذاب في ذلك الوقت، بل عرض عليه الملَك إهلاكهم، فاختار عدم إهلاكهم، ولا يخفى الفرق بين المتعنت الطالب تعجيل العذاب وبين غيره.

قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] الآية، بيَّن تعالى المراد بمفاتح الغيب بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]".

مفاتح ومفاتيح جمع مفتاح ومفتح، كمراسل ومراسيل ومساند ومسانيد، ومثل هذا يسمى صيغة منتهى الجموع وهي ممنوعة من الصرف.

طالب: "فقد أخرج البخاري وأحمد وغيرهما، عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن المراد بمفاتح الغيب الخمس المذكورة في الآية المذكورة، والمفاتح الخزائن، جمع مَفتح بفتح الميم بمعنى مَخزن، وقيل: هي المفاتيح، جمع مِفتح بكسر الميم، وهو المفتاح، وتدل له قراءة ابن السميقع {مَفَاتِيحُ} بياء بعد التاء جمع مفتاح، وهذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وهو كذلك؛ لأن الخَلق لا يعلمون إلا ما علَّمهم خالقهم -جَلَّ وعَلا-".

قوله: بمعنى المخزن، المفتاح والمفتح واحد مفاتيح أو مفاتح، هو المخزن؟ المفتاح هو المخزن؟

طالب: .......

ما هو؟

لكن المفاتيح والمفاتح شيء واحد على صيغة منتهى الجموع مفاعل ومفاعيل، تطلق على شيء واحد.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لكن الأصل في صيغة منتهى الجموع أنها على مفاعل ومفاعيل، مراسل ومراسيل، نعم، مفاتح ومفاتيح، نفس الصيغة، فلا فرق بينهما. {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: 76]، الخزائن تنوء بالعصبة أم المفاتيح التي يُغلق بها على الخزائن تنوء بالعصبة؟ المفاتيح، المقصود واحد.

طالب: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «من زعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية»".

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59]، تفسير الرازي اسمه: مفاتيح الغيب، ولذلك لما قُدم الكتاب لدراسته في رسائل قالوا: ما فيه ولا نسخة فيها مفاتح توافق القرآن من النسخ الخطية؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

من هو؟

طالب: .......

لا، هي المسألة مسألة صيغة فقط.                        

طالب: .......

وما مراده؟ الخزائن؟

طالب: .......

والله ما أعرف.

طالب: .......

لا لا ما أدري والله، ما أعرف هذا؛ لأن هذه الصيغة معروفة ومألوفة، ولها أمثلة عند أهل العلم.

طالب: .......

رجعنا أن الحقيقة تبقى هي المفاتح، أما كون المفاتح تطلق على الخزائن فهذا مجاز.

طالب: "وعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنها- قالت: «من زعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]»، أخرجه مسلم. والله تعالى في هذه السورة الكريمة أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب، وذلك في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى} [الأنعام: 50]. ولذا لما رُميت عائشة -رضي الله عنها- بالإفك، لم يعلم أهي بريئة أم لا حتى أخبره الله تعالى بقوله: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26]. وقد ذبح إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- عجَّله للملائكة، ولا علم له بأنهم ملائكة حتى أخبروه، وقالوا له: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70]، ولما جاءوا لوطًا لم يعلم أيضًا أنهم ملائكة، ولذا {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77]، يخاف عليهم من أن يفعل بهم قومه فاحشتهم المعروفة، حتى قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]".

عندكم في الطبعة الجديدة: قالوا، حتى قال: {لَوْ أَنَّ}؟

طالب: "حتى قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]، ولم يعلم خبرهم حتى قالوا له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] الآيات".

بالعكس صارت: "قالوا له".

طالب: "{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] الآيات. ويعقوب -عليه السلام- ابيضت عيناه من الحزن على يوسف وهو في مصر لا يدري خبره حتى أظهر الله خبر يوسف. وسليمان -عليه السلام- مع أن الله سخر له الشياطين والريح، ما كان يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس حتى جاءه الهدهد، وقال له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] الآيات. ونوح -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- ما كان يدري أن ابنه الذي غرق ليس من أهله الموعود بنجاتهم، حتى قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: 45] الآية، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أخبره الله بقوله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]".

طالب: .......

نعم.

هو الشيخ في أول الأمر مختصر، ولذلك الجزء الأول والثاني على صغرهما إلى التوبة ثلث القرآن، وتجد الخامس الذي في الحج أكبر من الاثنين، في الحج والمؤمنون أكبر من المجلدين؛ لأنه أطال جدًّا فيما بعد، ولذلك ما أكمل.

طالب: .......

نعم. على كل حال كتاب نافع، والشيخ -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- من فلتات الدهر في حفظه وعلمه وفهمه، والله المستعان.

طالب: "وقد قال تعالى عن نوح في سورة هود: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [هود: 31] الآية، والملائكة -عليهم الصلاة والسلام- لما قال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 31، 32]".

في حديث سؤال جبريل للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما سأله عن الساعة قال: «ما المسئول أعلم بها من السائل»، فاستويا في عدم العلم بها، وهما أشرف أجناسهم، محمد أفضل الخلق وأشرفهم، وجبريل أفضل الملائكة، وهما لا يعلمون متى تقوم الساعة. ومع ذلك جرؤ بعضهم على تحديدها. النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يتوقف ويثبت عدم علمه بها، وجبريل كذلك، ويأتي من يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة، ويستندون في ذلك إلى أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة. يعني هذا دليل يصل إلى أن يكون ظنًّا فضلاً أن يكون علمًا محققًا، والذي قال: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة أخذًا من قوله: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187]، بغتة في حساب الجُمَّل ألف وأربعمائة سنة. هل هذه أمور يُعتمد عليها في إثبات حق بفِلس فضلاً عن أن تكون القيامة؟ الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، بعض المفسرين يقول: إن مثل هذا السياق يدل على أنه قارب أن يخفيها ولم يخفها، يعني كأنه أخبر أناسًا، يعني ما يمنع الحصر في إخفائها في بعض المواضع، ولكن قال بعضهم: أكاد أخفيها حتى عن نفسي؛ لأن المقطوع به في جميع النصوص أنه لا يعلمها أحد.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

حديث جبريل؟

طالب: .......

نعم، لكن ما يحدد، ما يحدد، الرسول يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، ما يمنع. جمهور المؤرخين على أن عمر الدنيا سبعة آلاف، وعمر هذه الأمة من صلاة العصر إلى...

طالب: .......

«مثلكم ومثل من قبلكم كمن استأجر أجيرًا»، هذا حتى استدل به الحنفية على أن وقت العصر..

طالب: .......

ما هو؟

طالب: أقصر؟

أطول.

طالب: .......

لا لا غلط.

طالب: .......

تاريخ فقط، لكن النصوص ترد هذا.

طالب: "فقد ظهر أن أعلم المخلوقات، وهم الرسل والملائكة، لا يعلمون من الغيب إلا ما علَّمهم الله تعالى، وهو تعالى يُعلم رسله من غيبه ما شاء، كما أشار له بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179]، وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] الآية".

قف على هذا.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين.

"