التعليق على تفسير القرطبي - سورة مريم (01)

 ما ذكر قبل ولما كانت واقعة بدر هو ما ذكر.

 ذكرناها في الحاشية فوق، سورة مريم مكية إلا الآية اثنين وخمسين وواحد وسبعين.

هذا من المصحف مأخوذ.

فمدنيتان.

مأخوذة من المصحف، عندكم أنتم؟

طالب: .............................

ماذا؟

طالب:.....................

يعني اكتفوا بهذا، اكتفوا بهذا، حذفوا كلام القرطبي

طالب: نعم.

هذا تصرف ليس بمرضي.

كلام القرطبي وهي مكية؟

نعم وهي مكية بإجماع وهي تسعون وثمان آيات، نعم

موجود؟

طالب: نعم.

نعم.

"وَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَقَتَلَ اللَّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ؛ فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَعْثِهِمَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ جَعْفَرًا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ سُورَةَ مَرْيَمَ {كهيعص}  وَقَامُوا تُفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}[المائدة:82].  وَقَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّاهِدِينَ}. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي السِّيرَةِ؛ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: اقْرَأْهُ عَلَيَّ. قَالَ: فَقَرَأَ {كهيعص}، فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُمْ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمَا أَبَدًا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ".
المناسبة ظاهرة من قراءة السورة قصة عيسى ومريم وهم نصارى.

"قوله تعالى: {كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} الآيات.

قَوْلُهُ تَعَالَى:  {كهيعص} تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ".

يعني الحروف المقطعة، الكلام على {الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ}[البقرة:1-2] ذكر الخلاف فيها، وأن أولى ما يقال: الله -جل وعلا- أعلم بمراده بذلك، وإلا فالمفسرون ذكروا أقوالًا لا دليل عليها، فتكن هذه مما يوكل إلى علم الله -جل وعلا-، نزعوا من كل حرف إلى أنه يرمز إلى اسم من أسماء الله تعالى، لكن ما فيه ما يدل على هذا.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي {كهيعص}: إِنَّ الْكَافَ مِنْ كَافٍ، وَالْهَاءَ مِنْ هَادٍ، وَالْيَاءَ مِنْ حَكِيمٍ، وَالْعَيْنَ مِنْ عَلِيمٍ، وَالصَّادَ مِنْ صَادِقٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَزِيزٍ الْقُشَيْرِيُّ".

عُزيز، عُزيز.

أحسن الله إليك.

"ذَكَرَهُ ابْنُ عُزِيزٍ الْقُشَيْرِيُّ".

لا لا، ذكره ابن عُزيز هذا صاحب غريب القرآن، السجستاني، القشيري عن ابن عباس إلى آخره.

"ذَكَرَهُ ابْنُ عُزِيزٍ".

القشيري عن ابن عباس؛ لأنه يحذف الصيغة

"الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ كَافٍ لِخَلْقِهِ، هَادٍ لِعِبَادِهِ، يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، عَالِمٌ بِهِمْ، صَادِقٌ فِي وَعْدِهِ؛ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ أَيْضًا: الْكَافُ مِنْ كَرِيمٍ وَكَبِيرٍ وَكَافٍ، وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ، وَالْيَاءُ مِنْ رَحِيمٍ، وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَعَظِيمٍ، وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى".

الجميع، يعني مجموع، مجموع الحروف اسم من أسماء الله تعالى.

"وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- هُوَ اسْمُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَكَانَ يَقُولُ: يَا كهيعص اغْفِرْ لِي، ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ. قال السُّدِّيُّ: هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ. وَقال قَتَادَةُ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ؛ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلسُّورَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُشَيْرِيِّ فِي أَوَائِلِ الْحُرُوفِ. وَعَلَى هَذَا قِيلَ: تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: كهيعص".

يعني هذا عنوان السورة، هذا عنوان السورة.

"كَأَنَّهُ إِعْلَامٌ بِاسْمِ السُّورَةِ، كَمَا تَقُولُ: كِتَابُ كَذَا أَوْ بَابُ كَذَا، ثُمَّ تَشْرَعُ فِي الْمَقْصُودِ. وَقَرَأَ ابْنُ جَعْفَرٍ هَذِهِ الْحُرُوفَ مُتَقَطِّعَةً".

يعني وقف على كل واحد منها.

 "وَوَصَلَهَا الْبَاقُونَ، وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو الْهَاءَ وَفَتَحَ الْيَاءَ، وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ بِالْعَكْسِ، وَأَمَالَهُمَا جَمِيعًا الْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَخَلَفٌ. وَقَرَأَها بين اللفظين".

وقرأهما

قرأهما؟

نعم، الهاء والياء، الهاء والياء.

"وقَرَأَهُمَا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَافِعٌ وَغَيْرُهُ. وَفَتَحَهُمَا الْبَاقُونَ. وَعَنْ خَارِجَةَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَضُمُّ "كَافْ"، وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَضُمُّ "هَا".

كيف تضم الكاف؟

الإشمام.

سيشير إلى أنه ليس بضم خالص، لكن فيه صعوبة، نطقها فيه، وكذلك الهاء.

يمكن أقرب للإشمام؟

نعم، هو أقرب، لكن حتى مع الإشمام فيه تكلف.

"وَحَكَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ يَضُمُّ "يَا". قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَلَا يَجُوزُ ضَمُّ الْكَافِ وَالْهَاءِ وَالْيَاءِ؛ قَالَ النَّحَّاسُ: قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَحْسَنِ مَا فِي هَذَا، وَالْإِمَالَةُ جَائِزَةٌ فِي "هَا" وَ"يَا". وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْحَسَنِ فَأَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ حَتَّى قَالُوا: لَا تَجُوزُ؛ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ. وَالْقَوْلُ فِيهَا مَا بَيَّنَهُ هَارُونُ الْقَارِئُ؛ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يُشِمُّ الرَّفْعَ، فَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُومِئُ، كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ يُومِئُ إِلَى الْوَاوِ، وَلِهَذَا كَتَبَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ. وَأَظْهَرَ الدَّالَّ مِنْ هِجَاءِ (ص) نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَدْغَمَهَا الْبَاقُونَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}".

كيف تضغم الدال في التي يليها؟ الدال بالذال تضغم؟

صاد ذكر، ما تبين القلقلة.

يعني ما تقلقل، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

 الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} فِي رَفْعِ ذِكْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَرْفُوعٌ بِ كهيعص".

يعني خبر، كهيعص مبتدأ، وذكر خبر، لكن هل الذكر إخبار متم للفائدة من قوله: كهيعص؟ له به ارتباط؟

طالب: ..........

نعم؟

طالب: ..........

لا، خبر عن كهيعص، يعني هل ذكر متم للفائدة من قوله: كهيعص؟

"قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّ كهيعص لَيْسَ هُوَ مِمَّا أَنْبَأَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ عَنْ زَكَرِيَّا".

يعني ما لها ارتباط بالقصة.

"وَقَدْ خَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ مَا بُشِّرَ بِه، وَلَيْسَ كهيعص مِنْ قِصَّتِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: التَّقْدِيرُ، فِيمَا يُقَصُّ عَلَيْكُمْ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعْنَى هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ. وَقِيلَ: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} رُفِعَ بِإِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ (ذَكَّرَ

رَحْمَةِ رَبِّكَ)".

رحمةَ.

"(ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) أَيْ هَذَا الْمَتْلُوُّ مِنَ الْقُرْآنِ ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ".

أي هذا المتلو من القرآن المركب من الحروف، المرموز لها بما ذكر "كهيعص" ذكّر رحمة ربك، نعم.

"أَيْ هَذَا الْمَتْلُوُّ مِنَ الْقُرْآنِ ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ. وَقُرِئَ (ذَكِّرْ) عَلَى الْأَمْرِ. وَرَحْمَةُ تُكْتَبُ وَيُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهَا، لَا اخْتِلَافَ فِيهَا بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ".

تاء تأنيث، تاء تأنيث.

"لَا اخْتِلَافَ فِيهَا بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ، وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ لِتَأْنِيثِ الْأَسْمَاءِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَفْعَالِ".

لكنها في الرسم تكتب تاءً، في الرسم تكتب تاءً، ونطقها على أنها مربوطة إذا وقفت عليها فهي هاء.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: عَبْدَهُ قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِ {رَحْمَةِ}. وزَكَرِيَّا بَدَلٌ مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا ذِكْرُ ضَرْبِ زَيْدٍ عَمْرًا؛ فَعَمْرًا مَنْصُوبٌ بِالضَّرْبِ".

المصدر يفعل يعمل عمل فعله، فإذا أضيف إلى فاعله نصب المفعول، وإذا أضيف إلى المفعول رفع الفاعل، فهو يعمل عمل الفعل.

" كَمَا أَنَّ عَبْدُهُ مَنْصُوبٌ بِالرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، مَعْنَاهُ: ذِكْرُ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا بِرَحْمَةٍ، فَ {عَبْدَهُ} مَنْصُوبٌ بِالذِّكْرِ، ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: {عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} بِالرَّفْعِ؛ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ (ذَكَرَ) بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: هَذَا الْقُرْآنُ ذَكَرَ رَحْمَةَ عَبْدِهِ زَكَرِيَّا. وَتَقَدَّمَتِ اللُّغَاتُ وَالْقِرَاءَةُ فِي زَكَرِيَّا فِي (آلِ عِمْرَانَ)".

المد والقصر، والقصة مبسوطة في سورة آل عمران هناك.

"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} مِثْلَ قَوْلِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالنِّدَاءُ الدُّعَاءُ وَالرَّغْبَةُ؛ أَيْ نَاجَى رَبَّهُ بِذَلِكَ فِي مِحْرَابِهِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39]، فَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، كَمَا نَادَى فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِخْفَائِهِ هَذَا النِّدَاءَ، فَقِيلَ: أَخْفَاهُ مِنْ قَوْمِهِ؛ لِئَلَّا يُلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ، فَإِنْ أُجِيبَ فِيهِ نَالَ بُغْيَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُجَبْ لَمْ يَعْرِفْ بِذَلِكَ أَحَدٌ".

الخفية أقرب إلى الإخلاص، يعني الاختفاء بالدعاء أقرب إلى الإخلاص، ومع ذلك إذا أراد الإنسان أن يطلب شيئًا يستبعده الناس ويخشى من لومهم وتسفيههم إياه يتعين الإخفاء.

"وَقِيلَ: مُخْلِصًا فِيهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتِ الْأَعْمَالُ الْخَفِيَّةُ أَفْضَلَ وَأَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ أَخْفَاهُ. وَقِيلَ: خَفِيًّا سِرًّا مِنْ قَوْمِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْإِخْفَاءُ فِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَثْنَى بِذَلِكَ عَلَى زَكَرِيَّا. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَخَيْرَ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي»، وَهَذَا عَامٌّ".

مخرج؟

ذكره السيوطي في الجامع الصغير برواية أحمد وابن حبان والبيهقي في الشعب، وابن سعد  ورمز له بالصحة.

سنده ظاهر، مخرج عندك يا شيخ؟

طالب:..................

كلهم ضعاف.

طالب: نعم.

الإشكال أن الرموز، رموز السيوطي باعتبارها من الحروف مع تداول النساخ وكثرة النسخ تلتبس الصاد بالضاد، فرق نقطة، قد يرمز للحديث بالضعف أو بالصحة ويظن العكس.

"وَهَذَا عَامٌّ. قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: كَانَ الْحَسَنُ يَرَى أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ وَيُؤَمِّنَ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ، وَتَلَا يُونُسُ {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ أَسَرَّ مَالِكٌ الْقُنُوتَ، وَجَهَرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْجَهْرُ بِهِ أَفْضَلُ".

كيف يؤمن من خلفه وهو سر؟

على النية.

يكررون آمين آمين...؟

طالب:...............

لا لا، الإمام.

يؤمن من خلفه من غير رفع صوت.

أسر مالكٌ القنوت، هذا رأي الإمام مالك، وذكره ابن العربي، ورده ابن العربي أيضًا وهو مالكي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر بالقنوت.

 "وَالْجَهْرُ بِهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو بِهِ جَهْرًا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

 الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ} قُرِئَ وَهَنَ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ أَيْ ضَعُفَ. يُقَالُ: وَهَنَ يَهِنُ وَهْنًا إِذَا ضَعُفَ فَهُوَ وَاهِنٌ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ: وَهَنَ يَهِنُ، وَوَهِنَ يَوْهَنُ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَظْمَ؛ لِأَنَّهُ عَمُودُ الْبَدَنِ، وَبِهِ قِوَامُهُ، وَهُوَ أَصْلُ بِنَائِهِ، فَإِذَا وَهَنَ تَدَاعَى وَتَسَاقَطَ سَائِرُ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ أَشَدُّ مَا فِيهِ وَأَصْلَبُهُ، فَإِذَا وَهَنَ كَانَ مَا وَرَاءَهُ أَوْهَنَ مِنْهُ".

يعني إذا وهن العظم فاللحم من باب أولى.

 "وَوَحَّدَهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ".

المراد جنس العظم.

"وَقَصْدُهُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ الْعَمُودُ وَالْقِوَامُ، وَأَشَدُّ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ الْجَسَدُ قَدْ أَصَابَهُ الْوَهْنُ، وَلَوْ جُمِعَ لَكَانَ قَصَدَ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَهِنْ مِنْهُ بَعْضُ عِظَامِهِ، وَلَكِنْ كُلُّهَا".

يعني لو قال: إني وهن العظام مني، العظام جمع قد ما يطلق على اثنين أو ثلاثة، فيتناول الثلاثة وما عدا ذلك احتمال أنها ما وهنت، لكن لما قيل العظم، فالجنس جنس العظم، فيشمل الجميع.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} أَدْغَمَ السِّينَ فِي الشِّينِ أَبُو عَمْرٍو. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الِاسْتِعَارَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَالِاشْتِعَالُ انْتِشَارُ شُعَاعِ النَّارِ".

شبَّه الشيب بالنار، وشبَّه شعر الرأس بالهشيم والحطب وغيرها.

"وَالِاشْتِعَالُ انْتِشَارُ شُعَاعِ النَّارِ، شَبَّهَ بِهِ انْتِشَارَ الشَّيْبِ فِي الرَّأْسِ، يَقُولُ: شِخْتُ وَضَعُفْتُ؛ وَأَضَافَ الِاشْتِعَالَ إِلَى مَكَانِ الشَّعْرِ وَمَنْبَتِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ. وَلَمْ يُضِفِ الرَّأْسَ؛ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ رَأْسُ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

ما قال: اشتعل الرأس مني، أو رأسي،  كما قال: إني وهن العظم مني؛ لأنه ظاهر.

"وَشَيْبًا فِي نَصْبِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى اشْتَعَلَ شَابَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَخْفَشِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. قال النَّحَّاسُ: قَوْلُ الْأَخْفَشِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ فَعَلَ فَالْمَصْدَرُ أَوْلَى بِهِ. وَالشَّيْبُ مُخَالَطَةُ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ الْأَسْوَدَ.

الثالثة: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَذْكُرَ فِي دُعَائِهِ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا يَلِيقُ بِالْخُضُوعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} إِظْهَارٌ لِلْخُضُوعِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} إِظْهَارٌ لِعَادَاتِ تَفَضُّلِهِ فِي إِجَابَتِهِ أَدْعِيَتَهُ؛ أَيْ لَمْ أَكُنْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ شَقِيًّا".

قدَّم بين يدي دعائه ما يدل على حاجته، وعلى كرم المدعو، وهذه من وسائل الإجابة، يعني كما يقول الفقير المحتاج للغني: أنت عوَّدتنا كل سنة تعطينا، يستجدي بمثل هذا، ويستدره به.

طالب: ................

يعني في قول موسى -عليه السلام- ما المانع من إرادة المنهي؟ بيَّن فقره وحاجته إلى جميع ما نزل إليه من خير، وأنه محتاج في الماضي والمستقبل.

"أَيْ لَمْ تَكُنْ تُخَيِّبُ دُعَائِي إِذَا دَعَوْتُكَ، أَيْ إِنَّكَ عَوَّدْتِنِي الْإِجَابَةَ فِيمَا مَضَى. يُقَالُ: شَقِيَ بِكَذَا أَيْ تَعِبَ فِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مُحْتَاجًا سَأَلَهُ، وَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِمَنْ تَوَسَّلَ بِنَا إِلَيْنَا، وَقَضَى حَاجَتَهُ".

حاتم، الجود، حاتم الطائي سأله شخص، فقال: أنا الذي أحسنت إليه في وقت كذا.

"قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} قَرَأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا-".

محمد بن علي الباقر، وعلى بن الحسين زين العابدين.

"وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ".

طالب:.............

أنت ماذا عندك؟ ماذا قال؟

"عنهما".

لأنهم ثلاثة، أربعة.

نعم محمد بن علي وعلى بن الحسين، خمسة.

أربعة، أربعة، إلا إذا أراد الحسين، المقصود أنهم جمع، عنهم.

"وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ.

(خَفَّتِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مِنَ الْمَوَالِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ (بِخَفَّتِ)".

بخفَّت.

"لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ (بِخَفَّتِ)".

فاعل، نعم.

"وَمَعْنَاهُ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ".

انقطعت، الموالي انقطعت يعني أقاربه كلهم اندثروا، انقطاع لهؤلاء الأقارب بالموت.

"وَمَعْنَاهُ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خِفْتُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَنَصْبِ الْيَاءِ مِنَ الْمَوَالِيَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ (خِفْتُ)، وَالْمَوَالِيَ هُنَا الْأَقَارِبُ وَبَنُو الْعَمِّ وَالْعَصَبَةُ الَّذِينَ يَلُونَهُ فِي النَّسَبِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي بَنِي الْعَمِّ الْمَوَالِيَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

مَهْلًا بَنِي عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِينَا

لَا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا مَا كَانَ مَدْفُونَا

 

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: خَافَ أَنْ يَرِثُوا مَالَهُ".

لأنه من أحفاد أبي لهب وهو عرضة لأن يُعيَّر بجده، قال: لا تنبشوا ما كان مدفونًا، اتركوا الماضي، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:164].

طالب:..............

الشاعر الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: خَافَ أَنْ يَرِثُوا مَالَهُ، وَأَنْ تَرِثَهُ الْكَلَالَةُ، فَأَشْفَقَ أَنْ يَرِثَهُ غَيْرُ الْوَلَدِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ".

لكن يرد على هذا الكلام أن الأنبياء لا يورثون على خلاف من معنى قوله: «ما تركنا صدقة»، هل هم بالفعل لا يورثوا مطلقًا وإن ورَّثوا مالًا، أو أن النبي –عليه الصلاة والسلام- ما ترك شيئًا من أجل أن يورث؟

"وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا كَانَ مَوَالِيهِ مُهْمِلِينَ لِلدِّينِ، فَخَافَ بِمَوْتِهِ أَنْ يَضِيعَ الدِّينُ، فَطَلَبَ وَلِيًّا يَقُومُ بِالدِّينِ بَعْدَهُ، حَكَى هَذَا الْقَوْلَ الزَّجَّاجُ، وَعَلَيْهِ فَلَمْ يَسَلْ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تُورَثُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَرَادَ وِرَاثَةَ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ لَا وِرَاثَةَ الْمَالِ؛ لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ». وَسَيَأْتِي فِي هَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَرِثُنِي.

الثَّانِيَةُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ".

خالف في هذا من لا يُعبأ به ممن طالب أبا بكر وعمر بميراث فاطمة بنت النبي –عليه الصلاة والسلام-، أما الصحابة فما خالف أحدهم في هذا.

"لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل:16] وَعِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِ زَكَرِيَّا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}، وَتَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يَرِثْ مِنْ دَاوُدَ مَالًا خَلَّفَهُ دَاوُدُ بَعْدَهُ؛ وَإِنَّمَا وَرِثَ مِنْهُ الْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ، وَكَذَلِكَ وَرِثَ يَحْيَى مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مَا عَدَا الرَّوَافِضِ، وَإِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يَرِثُنِي مَالًا، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ، وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ مَدْفُوعٌ مَهْجُورٌ".

لا يقال هذا في شرعهم، شرعنا يخالفه؛ لأنه قال –عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ» وهو منهم.

 "قَالهَ أَبُو عُمَرَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَكْثَرُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ زَكَرِيَّا إِنَّمَا أَرَادَ وِرَاثَةَ الْمَالِ".

ولعله قبل علمه، قبل علمه أن الأنبياء لا يورثون، أو قبل أن يُوحى إليه بذلك.

طالب: .................

أبو عمر بن عبد البر.

"وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» أَلَّا يُرِيدَ بِهِ الْعُمُومَ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ غَالِبُ أَمْرِهِمْ؛ فَتَأَمَّلْهُ. وَالْأَظْهَرُ الْأَلْيَقُ بِزَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُرِيدَ وِرَاثَةَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَتَكُونُ الْوِرَاثَةُ مُسْتَعَارَةً".

كيف يعني نبي وصف بأوصاف تميزه، فيشح بما يتركه من مال على أقاربه؟ هذا لا يظن به أبدًا.

"فَتَكُونُ الْوِرَاثَةُ مُسْتَعَارَةً. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ وَلِيًّا وَلَمْ يَخْصُصْ وَلَدًا بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ وَغَيْرُهُ: قَوْلُهُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يُرِيدُ الْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ.

 الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ وَرَائِي} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَفَتْحِ الْيَاءِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضًا مَقْصُورًا مَفْتُوحَ الْيَاءِ".

وراي مثل عصاي.

"مِثْلَ عَصَايَ. والْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ وَسُكُونِ الْيَاءِ. وَالْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ (خِفْتُ) مِثْلَ نِمْتُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُثْمَانَ".

خَفَّت، القراء السابقة خَفَّت، نعم.

"وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ بَعِيدَةٌ جِدًّا، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ. قَالَ كَيْفَ يَقُولُ: خَفَّتِ الْمَوَالِي مِنْ بَعْدِي أَيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي وَهُوَ حَيٌّ؟ قال النَّحَّاسُ: وَالتَّأْوِيلُ لَهَا أَلَّا يَعْنِيَ بِقَوْلِهِ: {مِنْ وَرَائِي} أَيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي، وَلَكِنْ مِنْ وَرَائِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ أَنَّهُمْ خَفُّوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَلُّوا، ولَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ حِينَ قَالُوا: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران:44]. قال ابْنُ عَطِيَّةَ: مِنْ وَرَائِي مِنْ بَعْدِي فِي الزَّمَنِ، فَهُوَ الْوَرَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي (الْكَهْفِ).

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا امْرَأَتُهُ}".

الذي تقدم في الكهف، يقول من ورائي أي من بعدي في الزمن، يعني في السفينة.

طالب: { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}[الكهف:79]

يعني أمامهم، يكونون من بعده في الزمن وهو أيضًا بعدهم في الزمن، نعم أمامهم يصلون إليه فيما بعد من الزمن فيلتقي المعنى هذا مع ذاك.

"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا امْرَأَتُهُ} امْرَأَتُهُ هِيَ إِيشَاعُ بِنْتُ فَاقُوذَا بْنِ قَبِيلَ، وَهِيَ أُخْتُ حَنَّةَ بِنْتِ فَاقُوذَا، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَحَنَّةُ هِيَ أُمُّ مَرْيَمَ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) بَيَانُهُ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ".

لكن على هذا يكون يحيى ومريم ابنا خالة، نعم يحيى ومريم، لكن معروف أن يحيى وعيسى، فتكون امرأته أخت مريم.

"وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: امْرَأَةُ زَكَرِيَّا هِيَ إِيشَاعُ بِنْتُ عِمْرَانَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ يَحْيَى ابْنَ خَالَةِ عِيسَى- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَكُونُ ابْنَ خَالَةِ أُمِّهِ. وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «فَلَقِيتُ ابْنَيِ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى» شَاهِدًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْعَاقِرُ الَّتِي لَا تَلِدُ لِكِبَرِ سِنِّهَا؛ وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي (آلِ عِمْرَانَ). وَالْعَاقِرُ مِنَ النِّسَاءِ أَيْضًا الَّتِي لَا تَلِدُ مِنْ غَيْرِ كِبَرٍ".

يعني ولو كانت صغيرة، يعني العقيم.

"وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}[الشورى:50]. وَكَذَلِكَ الْعَاقِرُ مِنَ الرِّجَالِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ:

لَبِئْسَ الْفَتَى إِنْ كُنْتُ أَعْوَرَ عَاقِرًا
 

جَبَانًا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ
  

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} سُؤَالٌ وَدُعَاءٌ. وَلَمْ يُصَرِّحْ بِوَلَدٍ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ وَبُعْدِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: جَرَى لَهُ".

لئلا يكون من باب الاعتداء في الدعاء أن يسأل شبه المستحيل، وليس بمستحيل، لكنه شبه المستحيل.

"قَالَ قَتَادَةُ: جَرَى لَهُ هَذَا الْأَمْرُ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. وقال مُقَاتِلٌ: خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَهُوَ أَشْبَهُ، فَقَدْ كَانَ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ لِكِبَرِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ طَلَبَ الْوَلَدَ، ثُمَّ طَلَبَ أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ فِي أَنْ يَعِيشَ حَتَّى يَرِثَهُ، تَحَفُّظًا مِنْ أَنْ تَقَعَ الْإِجَابَةُ فِي الْوَلَدِ وَلَكِنْ يُخْتَرَمُ، وَلَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ هذا الْغَرَضُ.

 السَّادِسَةُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: دُعَاءُ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْوَلَدِ إِنَّمَا كَانَ لِإِظْهَارِ دِينِهِ، وَإِحْيَاءِ نُبُوَّتِهِ، وَمُضَاعَفَةٍ لِأَجْرِهِ لَا لِلدُّنْيَا، وَكَانَ رَبُّهُ قَدْ عَوَّدَهُ الْإِجَابَةَ".

يعني لما يسأل الإنسان ربه –جل وعلا- الولد من أجل أن يسعى في تربيته؛ ليكون صالحًا يذكره ويدعو له، تكون هذه المسألة خيرًا إن شاء الله، لكن حينما يسأل الله –جل  وعلا- الولد لمجرد الذكر أو لمجرد الغريزة في محبة الولد أو ليعينه على أمور دنياه، فهذه مرتبةٌ أقل.

"وَكَانَ رَبُّهُ قَدْ عَوَّدَهُ الْإِجَابَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}، أَيْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ. وَهَذِهِ وَسِيلَةٌ حَسَنَةٌ، أَنْ يَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ بِنِعَمِهِ، يَسْتَدِرَّ فَضْلَهُ بِفَضْلِهِ؛ يُرْوَى أَنَّ حَاتِمَ الْجُودِ لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ؛ فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الَّذِي أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ عَامَ أَوَّلٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِمَنْ تَشَفَّعَ إِلَيْنَا بِنَا.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَقْدَمَ زَكَرِيَّا عَلَى مَسْأَلَةِ مَا يَخْرِقُ الْعَادَةَ دُونَ إِذْنٍ؟

فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي زَمَانِ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَكْشِفُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:37]، فَلَمَّا رَأَى خَارِقَ الْعَادَةِ اسْتَحْكَمَ طَمَعُهُ فِي إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}[آل عمران:38] الْآيَةَ.

 السَّابِعَةُ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ بِالْوَلَدِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ حَذَّرَنَا مِنْ آفَاتِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْمَفَاسِدِ النَّاشِئَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:15]. وَقَالَ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن:14].

فَالْجَوَابُ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْوَلَدِ مَعْلُومٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) بَيَانُهُ. ثُمَّ إِنَّ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

أما كونه فتنة، فهو كغيره من متاع الدنيا، فتنة يعني مشغلة، وكونهم عدوًّا، ليس كلهم عدوًّا، قال: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُم}، من هذه تبعيضية.

"ثُمَّ إِنَّ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَحَرَّزَ فَقَالَ: {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} وَقَالَ: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}. وَالْوَلَدُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَفَعَ أَبَوَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَخَرَجَ مِنْ حَدِّ الْعَدَاوَةِ وَالْفِتْنَةِ إِلَى حَدِّ الْمَسَرَّةِ وَالنِّعْمَةِ. وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنَسٍ خَادِمِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ تَحَرُّزًا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْإِكْثَارُ مِنَ الْهَلَكَةِ. وَهَكَذَا فَلْيَتَضَرَّعِ الْعَبْدُ إِلَى مَوْلَاهُ فِي هِدَايَةِ وَلَدِهِ، وَنَجَاتِهِ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ؛ اقْتِدَاءً بِالْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَالْفُضَلَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) بَيَانُهُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: {يَرِثُنِي} قَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَالْحَسَنُ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ} بِالرَّفْعِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا، وَلَيْسَ هُمَا جَوَاب {هَبْ} عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، إِنَّمَا تَقْدِيرُهُ إِنْ تَهَبْهُ يَرِثُنِي وَيَرِثُ؛ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ".

على الجزم، إما أن يكون جواب الطلب هب، أو يكون جواب شرط مقدر، إن تهبه يرث، يرثني ويرث، والصواب أنه ليس بمجزوم، وليس بجواب للطلب ولا بجواب شرط مقدر، وإنما هو وصف.

"وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ طَلَبَ وَارِثًا مَوْصُوفًا".

بكونه يرث، موصوفًا بكونه يرث.

"أَيْ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ الْوَلِيَّ الَّذِي هَذِهِ حَالُهُ وَصِفَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرِثُ، فَقَالَ: هَبْ لِي الَّذِي يَكُونُ وَارِثِي، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَرَدَّ قِرَاءَةَ الْجَزْمِ؛ قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ وَهَبْتَ وَرِثَ، وَكَيْفَ يُخْبِرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَذَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ؟

قال النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ حُجَّةٌ مُتَقَصَّاةٌ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْمُجَازَاةِ، تَقُولُ: أَطِعِ اللَّهَ يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، أَيْ إِنْ تُطِعْهُ يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ النَّحَّاسُ: فَأَمَّا مَعْنَى يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ؛ قِيلَ: هِيَ وِرَاثَةُ نُبُوَّةٍ. وَقِيلَ: هي وِرَاثَةُ حِكْمَةٍ. وَقِيلَ: هِيَ وِرَاثَةُ مَالٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ وِرَاثَةُ نُبُوَّةٍ فَمُحَالٌ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تُورَثُ، وَلَوْ كَانَتْ تُورَثُ لَقَالَ قَائِلٌ: النَّاسُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ".

طالب: الله يرضى عليك {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت:27]

النبوة والكتاب، لكن ليس لكل نبي.

"لَقَالَ قَائِلٌ: النَّاسُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. وَوِرَاثَةُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مَذْهَبٌ حَسَنٌ؛ وَفِي الْحَدِيثِ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ». وَأَمَّا وِرَاثَةُ الْمَالِ فَلَا يَمْتَنِعُ، وَإِنْ كَانَ قَوْمٌ قَدْ أَنْكَرُوهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»".

هو نفسه أنكره، نعم أنكره فيما مضى.

"فَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِخْبَارِ الْجَمْعِ. وَقَدْ يُؤَوَّلُ هَذَا بِمَعْنَى: لَا نُورَثُ، الَّذِي تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:41]؛ لِأَنَّ مَعْنَى لِلَّهِ: لِسَبِيلِ اللَّهِ، وَمِنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَا يَكُونُ فِي مَصْلَحَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا دَامَ حَيًّا.

 فَإِنْ قِيلَ: فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ جَمِيعًا؛ أَنْ يَكُونَ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي".

الذي تركناه صدقة، نعم والآخر..

"وَالْآخَرُ لَا يُورَثُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ".

الذي لم يترك صدقة كيف يورث؟ الذي لم يترك صدقة كيف يورث؟ لكنه بعيد.

"وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُورَثُ وَمَا تَرَكَ صَدَقَةٌ. وَالْآخَرُ: أَنَّ نَبِيَّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمْ يُورَثْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِأَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً زِيَادَةً فِي فَضِيلَتِهِ، كَمَا خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِأَشْيَاءَ أَبَاحَهَا لَهُ، وَحَرَّمَهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قِيلَ: هُوَ يَعْقُوبُ إِسْرَائِيل، وَكَانَ زَكَرِيَّا مُتَزَوِّجًا بِأُخْتِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَيَرْجِعُ نَسَبُهَا إِلَى يَعْقُوبَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ، وَزَكَرِيَّا مِنْ وَلَدِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَهَارُونُ وَمُوسَى مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَتِ النُّبُوَّةُ فِي سِبْطِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ.

وَقِيلَ: الْمَعْنِيُّ بِيَعْقُوبَ هَاهُنَا يَعْقُوبُ بْنُ مَاثَانَ أَخُو عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ أَبِي مَرْيَمَ أَخَوَانِ مِنْ نَسْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ لِأَنَّ يَعْقُوبَ وَعِمْرَانَ ابْنَا مَاثَانَ، وَبَنُو مَاثَانَ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ آلُ يَعْقُوبَ أَخْوَالَهُ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مَاثَانَ، وَكَانَ فِيهِمُ الْمُلْكُ، وَكَانَ زَكَرِيَّا مِنْ وَلَدِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أَخِي مُوسَى. وَرَوَى قَتَادَةُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ -تَعَالَى- زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ». وَلَمْ يَنْصَرِفْ يَعْقُوبُ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ".

مخرج هذا؟

طالب:..................

واهٍ واهٍ.

"وَلَمْ يَنْصَرِفْ يَعْقُوبُ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} أَيْ مَرْضِيًّا فِي أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَقِيلَ: رَاضِيًا بِقَضَائِكَ وَقَدَرِكَ. وَقِيلَ: رَجُلًا صَالِحًا تَرْضَى عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: نَبِيًّا كَمَا جَعَلْتَ أَبَاهُ نَبِيًّا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا زَكَرِيَّا} فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ؛ أَيْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فَقَالَ: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْبُشْرَى ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: إِجَابَةُ دُعَائِهِ وَهِيَ كَرَامَةٌ. الثَّانِي: إِعْطَاؤُهُ الْوَلَدَ وَهُوَ قُوَّةٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يُفْرَدَ بِتَسْمِيَتِهِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ فِي (آلِ عِمْرَانَ).

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: سَمَّاهُ يَحْيَى؛ لِأَنَّهُ حَيِيَ بَيْنَ أَبٍ شَيْخٍ وَأُمٍّ عَجُوزٍ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ عَقِيمًا لَا تَلِدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أَيْ لَمْ نُسَمِّ أَحَدًا قَبْلَ يَحْيَى بِهَذَا الِاسْمِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ أَسْلَمَ وَالسُّدِّيُّ. وَمَنَّ عَلَيْهِ تَعَالَى بِأَنْ لَمْ يَكِلْ تَسْمِيَتَهُ إِلَى الْأَبَوَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: سَمِيًّا مَعْنَاهُ مِثْلًا وَنَظِيرًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} مَعْنَاهُ مِثْلًا وَنَظِيرًا، كَأَنَّهُ مِنَ الْمُسَامَاةِ وَالسُّمُوِّ؛ وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَضَّلُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى إِلَّا أَنْ يُفَضَّلَ فِي خَاصٍّ كَالسُّؤْدَدِ وَالْحَصَرِ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (فِي آلِ عِمْرَانَ)".

يعني من أبناء جيله، ووقته، لم نجعل له سميًّا شبيهًا ومثيلًا ونظيرًا، من أبناء جيله، ما يلزم أن يكون من جميع البشر، والذي يظهر المراد التسمية، اسمه يحيى ليس له نظير، وأخبر  عنه -جل وعلا- أنه سيد وحصور.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مَعْنَاهُ لَمْ تَلِدِ الْعَوَاقِرُ مِثْلَهُ وَلَدًا. قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْقَبْلَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ بَعْدَهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

لا قبل ولا بعد، يعني في جيله، لا قبله فلا يفضل على إبراهيم، ولا بعده فلا يفضل على محمد- عليه الصلاة والسلام-.

 "وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ وَشَاهِدٌ عَلَى أَنَّ الْأَسَامِيَ السُّنُعَ جَدِيرَةٌ بِالْأَثَرَةِ، وَإِيَّاهَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَنحي".

تنتحي، يعني تقصد.

"وَإِيَّاهَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْتَحِي فِي التَّسْمِيَةِ؛ لِكَوْنِهَا أَنْبَهَ وَأَنْزَهَ عَنِ النَّبْزِ، حَتَّى قَالَ قَائِلٌ:

 

سُنُعُ الْأَسَامِي مُسْبِلِي أُزُرٍ

حُمْرٍ تَمَسُّ الْأَرْضَ بِالْهُدُبِ

وَقَالَ رُؤْبَةُ لِلنَّسَّابَةِ الْبَكْرِيِّ".

كان المعروف من حال العرب أنهم يسموا بأسماء قبيحة، وما زالوا يسمون بأسماء ظاهرها سيئ، نعم.

"وَقَالَ رُؤْبَةُ لِلنَّسَّابَةِ الْبَكْرِيِّ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ نَسَبِهِ: أَنَا ابْنُ الْعَجَّاجِ، فَقَالَ: قَصَّرْتَ وَعَرَّفْتَ".

يعني عرفت لما انتسبت، لكن قصرت في انتسابك إلى هذا الاسم القبيح.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُخْرِجَ وَلَدًا مِنَ امْرَأَةٍ عَاقِرٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) بَيَانُهُ.

{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} يَعْنِي النِّهَايَةَ فِي الْكِبَرِ وَالْيُبْسِ وَالْجَفَافِ؛ وَمِثْلُهُ الْعُسِيُّ؛ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَسَا الشَّيْءُ يَعْسُو عُسُوًّا وَعَسَاءً مَمْدُودٌ أَيْ يَبِسَ وَصَلُبَ، وَقَدْ عَسَا الشَّيْخُ يَعْسُو عُسِيًّا وَلَّى وَكَبِرَ مِثْلَ عَتَا، يُقَالُ: عَتَا الشَّيْخُ يَعْتُو عُتِيًّا وَعِتِيًّا كَبِرَ وَوَلَّى، وَعَتَوْتَ يَا فُلَانُ تَعْتُو عُتُوًّا وَعِتِيًّا. وَالْأَصْلُ عُتُوٌّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَأَبْدَلُوا مِنَ الْوَاوِ يَاءً؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا وَهِيَ أَخَفُّ مِنْهَا، وَالْآيَاتُ عَلَى الْيَاءَاتِ".

رؤوس الآي كلها على الياء.

 "وَمَنْ قَالَ: عِتِيًّا كَرِهَ الضَّمَّةَ مَعَ الْكَسْرَةِ وَالْيَاءِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّمَا يُعْذَرُ الْوَلِيدُ وَلَا يُعْ

ذَرُ مَنْ كَانَ فِي الزَّمَانِ عِتِيًّا

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عُسِيًّا}".

يعني يعذر الشاب الصغير في بعض التصرفات ما لا يعذر فيه الشيخ الكبير.

"وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {عُسِيًّا} وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عِتِيًّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ جِثِيًّا وَ صِلِيًّا حَيْثُ كُنَّ. وَضَمَّ "بُكِيًّا" خَاصَّةً".

وضم حفص.

" وَضَمَّ حَفْصٌ "بُكِيًّا" خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ فِي الْجَمِيعِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقِيلَ: عِتِيًّا قَسِيًّا، يُقَالُ: مَلِكٌ عَاتٍ إِذَا كَانَ قَاسِيَ الْقَلْبِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أَيْ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ}، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، أَيْ كَمَا قِيلَ لَكَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: خَلْقُهُ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ يَحْيَى. وَهَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَاصِمٍ. وَقَرَأَ سَائِرُ الْكُوفِيِّينَ (وَقَدْ خَلَقْنَاكَ) بِنُونٍ وَأَلِفٍ بِالْجَمْعِ عَلَى التَّعْظِيمِ. وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَشْبَهُ بِالسَّوَادِ. {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} أَيْ كَمَا خَلَقَكَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ الْعَدَمِ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا مَوْجُودًا، فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى خَلْقِ يَحْيَى وَإِيجَادِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} طَلَبَ آيَةً عَلَى حَمْلِهَا بَعْدَ بِشَارَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ".

علامة يعني تدل على إجابة دعوته، يعني مزيد من الحرص والشفقة، نعم، لا من باب التكذيب.

طالب:...............

الأكثر، الأكثر، أكثر القراء، نعم، كان الرسم واحدًا، خلقتك وخلقناك الرسم واحد.

"طَلَبَ آيَةً عَلَى حَمْلِهَا بَعْدَ بِشَارَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ، وَبَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةٍ، أَيْ تَمِّمِ النِّعْمَةَ بِأَنْ تَجْعَلَ لِي آيَةً، وَتَكُونُ تِلْكَ الْآيَةُ زِيَادَةَ نِعْمَةٍ وَكَرَامَةٍ. وَقِيلَ: طَلَبَ آيَةً تَدُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْبُشْرَى مِنْهُ بِيَحْيَى لَا مِنَ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ إِبْلِيسَ أَوْهَمَهُ ذَلِكَ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ السُّدِّيِّ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ نَادَتْهُ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ).

{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) بَيَانُهُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُصَلَّى. وَالْمِحْرَابُ أَرْفَعُ الْمَوَاضِعِ، وَأَشْرَفُ الْمَجَالِسِ، وَكَانُوا يَتَّخِذُونَ الْمَحَارِيبَ فِيمَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ؛ دَلِيلُهُ مِحْرَابُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى مَا يَأْتِي. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اشْتِقَاقِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحرْبِ".

ما يمنع أن يكون المحراب له باب يدخل معه ويخرج منه، فخرج عليهم منه، معنى الخروج معناه ظاهر أنه شيءٌ يدخل فيه ويخرج منه.

"فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحرْبِ كَأَنَّ مُلَازِمَهُ يُحَارِبُ الشَّيْطَانَ وَالشَّهَوَاتِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَرَبِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) كَأَنَّ مُلَازِمَهُ يَلْقَى مِنْهُ حَرَبًا وَتَعَبًا وَنَصَبًا.

الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ارْتِفَاعَ إِمَامِهِمْ عَلَى الْمَأْمُومِينَ كَانَ مَشْرُوعًا عِنْدَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُتَمَسِّكًا بِقِصَّةِ الْمِنْبَرِ".

النبي –صلى الله عليه وسلم- صلى لهم على المنبر، وأخذوا الصلاة عنه.

"وَمَنَعَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الِارْتِفَاعِ الْكَثِيرِ دُونَ الْيَسِيرِ، وَعَلَّلَ أَصْحَابُهُ الْمَنْعَ بِخَوْفِ الْكِبْرِ عَلَى الْإِمَامِ.

قُلْتُ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَأَحْسَنُ مَا فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ هَذَا أَوْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَمَّارٌ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدِي".

تخريجه عند أبي داود؟

طالب: أخرجه أبو داود

إسناده؟

طالب: في كتاب الصلاة.

طالب: ..............................

يبقى أن الصلاة على المنبر والمكان المرتفع من أجل التعليم ويقتدى به، لا بأس، إذا كان لقصد صحيح، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- فعله كما في الصحيح.

طالب:..............

... إذا خلا عن المصلحة فالأصل استواء الإمام مع المأموم.

طالب:.............

عقبة بن عمرو البدري.

"قُلْتُ: فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ أَخْبَرُوا بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ بِحَدِيثِ الْمِنْبَرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ أَنَّ فِيهِ عَمَلًا زَائِدًا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ النُّزُولُ وَالصُّعُودُ، فَنُسِخَ كَمَا نُسِخَ الْكَلَامُ وَالسَّلَامُ. وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اعْتَذَرَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ مَعْصُومًا مِنَ الْكِبْرِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَئِمَّةِ يُوجَدُ لَا كِبْرَ عِنْدَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْمِنْبَرِ كَانَ يَسِيرًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قَالَ الْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَابْنُ مُنَبِّهٍ: أَوْحَى إِلَيْهِمْ أَشَارَ. وقال الْقُتَبِيُّ: أَوْمَأَ. وقال مُجَاهِدٌ: كَتَبَ عَلَى الْأَرْضِ. وقال عِكْرِمَةُ: كَتَبَ فِي كِتَابٍ. وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ".

قيل لأنه منع من الكلام ثلاثة أيام وهذه علامته، علامة إجابة دعوته.

"وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

سِوَى الْأَرْبَعِ الدُّهْمِ اللَّوَاتِي كَأَنَّهَا

بَقِيَّةُ وَحْيٍ فِي بُطُونِ الصَّحَائِفِ

وَقَالَ عَنْتَرَةُ:

كَوَحْيِ صَحَائِفٍ مِنْ عَهْدِ كِسْرَى

فَأَهْدَاهَا لِأَعْجَمَ طِمْطِمِيِّ

وَ{بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ظَرْفَانِ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعَشِيَّ يُؤَنَّثُ، وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ إِذَا أَبْهَمْتَ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْعَشِيُّ جَمْعَ عَشِيَّةٍ.

الرَّابِعَةُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِي الْإِشَارَةِ فِي (آلِ عِمْرَانَ)، وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ إِنْسَانًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا، أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا؛ فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُشَافَهَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَنْوِي".

إذا كانت الإشارة المفهمة تأخذ حكم الكلام فالكتابة من باب أولى.

"ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ وَيَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يَرْتَجِعَ الْكِتَابَ قَبْلَ وُصُولِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا قَرَأَ كِتَابَهُ حَنَثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَأَ الْحَالِفُ كِتَابَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَحْنَثُ إِذَا قَرَأَهُ الْحَالِفُ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَلَا ابْتَدَأَهُ بِكَلَامٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَلَّا يَعْلَمَ مَعْنَى كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. فَإِنْ حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ لَمْ يَبَرَّ إِلَّا بِمُشَافَهَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ حَلَفَ لَئِنْ عَلِمَ كَذَا لَيُعْلِمَنَّهُ أَوْ لَيُخْبِرَنَّهُ فكتب إِلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا بَرَّ، وَلَوْ عَلِمَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَبَرَّ".

لكن لو قال، لو حلف لأن علم كذا ليحدثن ما يبر إلا أن يشافه، أما الإخبار فهو أوسع، يحصل بالمشافهة وبالكتابة وبالإشارة وبالعلامة وما إلى ذلك.

طالب:..................

هازل، أو يجرب القلم ملأه حبرًا وجربه.

طالب:...........

على كل حال في المقاضاة يدين، يحكم عليه، إذا رفعته زوجته وقالت: إنه طلقني وهذه كتابته يدين كما لو لفظ.

طالب:...........

هذا في المقاضاة وأما ما عدا ذلك فالمدار على القصد والنية.

طالب:.................

صريح، صريح، اللفظ صريح.

طالب:............

يعني مثل اللفظ والكتابة، إذا كان اللفظ صريحًا يؤاخذ به عند المقاضاة، لكن بينه وبين ربه هذا شيء ثانٍ، إذا لم تحصل مقاضاة.

طالب:.................

ما قصد؟ ما نوى؟

طالب: ..........

ما عليه شيء.

طالب:..............

ما عليه شيء إلا إذا اشتكت فهو يطالب به؛ لأن هذا هو لفظه الصريح.

"وَلَوْ عَلِمَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَبَرَّ، حَتَّى يُعْلِمَهُ لِأَنَّ عِلْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ.

الْخَامِسَةُ: وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ أَنَّ الْأَخْرَسَ إِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ، قَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ أُصْمِتَ أَيَّامًا فَكَتَبَ لَمْ يَجُزْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْخَرَسُ مُخَالِفٌ لِلصَّمْتِ الْعَارِضِ، كَمَا أَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الْجِمَاعِ الْعَارِضِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ مُخَالِفٌ لِلْعَجْزِ الْمَيْئُوسِ مِنْهُ الْجِمَاعُ، نَحْوَ الْجُنُونِ فِي بَابِ خِيَارِ الْمَرْأَةِ فِي الْفُرْقَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، الْمَعْنَى فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَوْلُودِ: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ. وَهَذَا اخْتِصَارٌ يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَالْكِتَابُ التَّوْرَاةُ بِلَا خِلَافٍ. {بِقُوَّةٍ} أَيْ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْعِلْمُ بِهِ، وَالْحِفْظُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ الِالْتِزَامُ لِأَوَامِرِهِ، وَالْكَفُّ عَنْ نَوَاهِيهِ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ).

{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} قِيلَ: الْأَحْكَامُ وَالْمَعْرِفَةُ بِهَا. وَرَوَى مَعْمَرٌ أَنَّ الصِّبْيَانَ قَالُوا لِيَحْيَى: اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبْ، فَقَالَ: مَا لِلَعِبٍ خُلِقْتُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ ابْنَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ ابْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَصَبِيًّا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَهُوَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وَرُوِيَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَعْصِ اللَّهَ قَطُّ بِصَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ".

وكيف يهم وهو محصور؟ محصور لا نظر له بالنساء، حصور.

 "وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانَ طَعَامُ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْعُشْبَ، كَانَ لِلدَّمْعِ فِي خَدَّيْهِ مَجَارٍ ثَابِتَةٌ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}[آل عمران:39] فِي (آلِ عِمْرَانَ).

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} حَنَانًا عَطْفٌ عَلَى الْحُكْمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا (الْحَنَانُ)؟ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: الْحَنَانُ الشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ. قال النَّحَّاسُ: وَفِي مَعْنَى الْحَنَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ: تَعَطَّفَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مَا أُعْطِيهِ مِنْ رَحْمَةِ النَّاسِ حَتَّى يُخَلِّصَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ. وَأَصْلُهُ مِنْ حَنِينِ النَّاقَةِ عَلَى وَلَدِهَا. وَيُقَالُ: حَنَانَكَ وَحَنَانَيْكَ، قِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيلَ: حَنَانَيْكَ تَثْنِيَةُ الْحَنَانِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَنَانَكَ يَا رَبِّ وَحَنَانَيْكَ يَا رَبِّ".

حنانًا بعد حنانيك، مثل لبيك وسعديك.

"وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَنَانَكَ يَا رَبِّ وَحَنَانَيْكَ يَا رَبِّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ تُرِيدُ رَحْمَتَكَ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَيَمْنَحُهَا بَنُو شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ

مَعِيزَهُمْ حَنَانَكَ ذَا الْحَنَانِ 

وَقَالَ طَرَفَةُ:

أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا

حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حَنَانًا رَحْمَةً لِأَبَوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا وَتَعَطُّفًا وَشَفَقَةً، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

فَقَالَتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَاهُنَا

أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالْحَيِّ عَارِفُ

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْحَنَّانُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُشَدَّدًا: الرَّحِيمُ. وَالْحَنَانُ مُخَفَّفٌ: الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ. وَالْحَنَانُ: الرِّزْقُ وَالْبَرَكَةُ. قال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْحَنَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَيْضًا مَا عَظُمَ مِنَ الْأُمُورِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى".

طالب: الحنان أحسن الله إليك وردت في أسماء الله –عز وجل-؟

ما ثبتت بطريقٍ واحدٍ صحيح، ومن نفاها له وجه. في حديث يا حنان يا منان هذا من طريق فيه انقطاع، خبر فيه انقطاع.

"وَالْحَنَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَيْضًا مَا عَظُمَ مِنَ الْأُمُورِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْعَبْدَ لَأَتَّخِذَنَّ قَبْرَهُ حَنَانًا، وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الْهَرَوِيُّ، فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَمَرَّ عَلَيْهِ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا، أَيْ لَأَتَمَسَّحَنَّ بِهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ لَأَتَعَطَّفَنَّ عَلَيْهِ وَلَأَتَرَحَّمَنَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".

هذا هو المتعين قول الأزهري.

"قُلْتُ: فَالْحَنَانُ الْعَطْفُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَ حَنَانًا أَيْ تَعَطُّفًا مِنَّا عَلَيْهِ أَوْ مِنْهُ عَلَى الْحقِ".

على الخلق، أو منه على الخلق.

"أَوْ مِنْهُ عَلَى الْخَلْقِ، قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

تَحَنَّنْ عَلَيَّ هَدَاكَ الْمَلِيكُ

فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا

قال عِكْرِمَةُ: مَحَبَّةٌ. وَحَنَّةُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ؛ لِتَوَادِّهِمَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقَالَتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَاهُنَا

أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالْحَيِّ عَارِفُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَزَكَاةً} الزَّكَاةُ التَّطْهِيرُ وَالْبَرَكَةُ وَالتَّنْمِيَةُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ، أَيْ جَعَلْنَاهُ مُبَارَكًا لِلنَّاسِ يَهْدِيهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى زَكَّيْنَاهُ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا تُزَكِّي الشُّهُودُ إِنْسَانًا. وَقِيلَ: زَكَاةً صَدَقَةً بِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ؛ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.

{وَكَانَ تَقِيًّا} أَيْ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً، وَلَمْ يُلِمَّ بِهَا.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} الْبَرُّ بِمَعْنَى الْبَارُّ وَهُوَ الْكَثِيرُ الْبِرِّ. وَجَبَّارًا: مُتَكَبِّرًا. وَهَذَا وَصْفٌ لِيَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِلِينِ الْجَانِبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ}، قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ أَمَانٌ. وقال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا التَّحِيَّةُ الْمُتَعَارَفَةُ، فَهِيَ أَشْرَفُ وَأَنْبَهُ مِنَ الْأَمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ مُتَحَصَّلٌ لَهُ بِنَفْيِ الْعِصْيَانِ عَنْهُ، وَهِيَ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ، وَإِنَّمَا الشَّرَفُ فِي أَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَحَيَّاهُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي الْإِنْسَانُ فِيهَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ وَقِلَّةِ الْحِيلَةِ وَالْفَقْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمِ الْحَوْلِ".

يأتي قول عيسى -عليه السلام- {وَالسَّلامُ عَلَيَّ}، يعني سلَّم على نفسه، ويحيى سلَّم عليه الله –جل وعلا-، وبعضهم يأخذ تفضيل يحيى على عيسى من هذا، وهناك منزع من يأخذ تفضيل عيسى على يحيى بهذا، لذلك يشير إليها المؤلف.

"قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي سُورَةِ (سُبْحَانَ) عِنْدَ قَتْلِ يَحْيَى.

وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عِيسَى وَيَحْيَى الْتَقَيَا وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ فَقَالَ يَحْيَى لِعِيسَى: ادْعُ اللَّهَ لِي فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: بَلْ أَنْتَ ادْعُ اللَّهَ لِي فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَنَا سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي؛ فَانْتَزَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي التسلم".

في التسليم.

" فَانْتَزَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ في التَّسْلِيمِ فَضْلَ عِيسَى؛ بِأَنْ قَالَ: إِدْلَالُهُ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَكَانَتُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِينَ قَرَّرَ، وَحَكَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ أَعْظَمُ فِي الْمَنْزِلَةِ مِنْ أَنْ يسَلّمَ عَلَيْهِ".

من أن يسلَم.

"مِنْ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ.

 قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلِكُلٍّ وَجْهٌ".

ما وجه الثاني؟

 وجه الثاني لما سلَّم عيسى على نفسه، وسُجل في التنزيل وهو من كلامه، يعني كون كلام الله– جل وعلا- يسجل في التنزيل هذا ما فيه الإشكال، هذا هو الأصل، لكن كون المخلوق يسجل كلامه في التنزيل يسلم على نفسه ويسجل فهذا أفضل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.