شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (17)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم
حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت بابن لي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرشه عليه.
قال: وفي الباب عن علي وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس.
قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق قالوا: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما فإذا طعِما غُسلا جميعاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم" النضح: يقال: نضحت الثوب أنضحه من باب ضرب ونفع، نضح ضرب ونفع، ويبين الفرق في المضارع ينضح كـ(يضرب) وينضح كـ(ينفع) وهو البل والرش وهو دون الغسل.
بول الغلام: وهو الابن الصغير، وجمع القلة غِلمة، والكثرة غلمان، وقد يطلق على الرجل، يقول أنس: كنت أحمل أنا وغلام نحوي، يعني نحوه في الخدمة وإلا فابن مسعود أكبر منه بسنين، وابن مسعود في وقتها رجل كبير مسن، فقد يطلق الغلام ويراد به الكبير وإلا فالأصل فيه أنه الصغير.
قبل أن يطعم: وفي حديث أم قيس: لم يأكل الطعام، يعني ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يُحنك به، والدواء الذي يداوى به من عسل أو نحوه، هذا لا يسمى طعام؛ لأنه لا يستقل به، فمثل هذا لا يرد على قولهم قبل أن يطعم، وعلى قولها: لم يأكل الطعام.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع" بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي، ثقة، حافظ، توفي سنة أربع وأربعين ومائتين "قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود" الهذلي أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة الذين يجمعهم:
"فخذهم عبيد الله" هذا أول واحد.
فخذهم عبيد الله عروة قاسم |
| سعيد أبو بكر سليمان خارجة |
سبعة.
"عن أم قيس بنت محصن" الأسدية أخت عكاشة بن محصن، الذي قال: أدعو الله أن يجعلني منهم في حديث السبعين الألف فقال: «أنت منهم» اسمها: آمنة، صحابية مشهورة من المهاجرات الأُول، طال عمرها بسبب دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني عُمرت "عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت بابن لي" الابن خاص بالذكر بخلاف الولد الشامل للذكر والأنثى {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] فالولد شامل للذكر والأنثى، وأما الابن فهو خاص بالذكر، كما أن البنت خاصة بالأنثى.
"دخلت بابن لي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأكل الطعام" لم يأكل الطعام الجملة هذه صفة وإلا حال؟
طالب:........
لماذا؟
طالب:.......
نعم الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال، والابن نكرة "بابن لي" قد يتجوز بعضهم ويجعل هذا حالاً؛ لأن الابن موصوف يعني نكرة موصوفة، فهي أخص من النكرة المطلقة قريبة من المعرفة موصوف بكونه لها؛ لأن الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره كائن، وهو صفة، على كل حال المتجه كون الجملة صفة.
"لم يأكل الطعام" ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء الذي يداوى به، قد يقال: إن في قولها: "لم يأكل الطعام" ما يكفي، بحيث لا نحتاج أن نستثني لا لبن ولا غير لبن، لماذا؟ لأن اللبن يشرب ما يؤكل، والأكل مقابل الشرب، فإذا قيل: لم يأكل معناه أنه لم يأكل ما يمكن أن يؤكل من الأطعمة غير اللبن؛ لأنه يشرب، نعم؟
طالب:.........
لكن لم يأكل الطعام، كونه لم يأكل الطعام لا يعني أنه لا يشرب اللبن، لا يشرب الماء، لا يشرب العصير، لا يشرب...، يعني هل نحن بحاجة إلى أن نقول: ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به، التمر إذا حنك به هل يسمى أكل؟ لأنه يؤخذ منه الشيء اليسير ويخلط بالماء ويدلك به الحنك، يعني هل "لم يأكل" كافي في إخراج ما عدا اللبن؟ نعم يدخل فيه جميع السوائل، يدخل فيه السوائل، فعلى هذا لو كان الطعام ليناً جداً بحيث يشرب شرب، ويوجد من الأطعمة التي يقوم بها البدن، وتحفظ الصحة -بإذن الله- ما هو من هذا النوع، فالاستثناء لا بد منه، ما عدا اللبن، لا بد أن يكون معوله على اللبن، لا يستقل بغيره.
"فبال عليه" يعني على ثوبه كما في رواية البخاري، ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فدعا -عليه الصلاة والسلام- بماء فرشّه عليه" وفي رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" وفي رواية لمسلم: "فلم يزد على أن نضحه بالماء".
"قال: وفي الباب عن علي" مخرج عند أحمد في المسند وأبي داود والترمذي وابن ماجه "وعن عائشة" متفق عليه "وزينب" عند الطبراني "ولبابة بنت الحارث" عند أبي داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وهي أم عبد الله بن عباس "وأبي السمح" عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، وهو صحابي خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال: اسمه إياد، ليس له إلا حديث واحد في السنن قُطِّع، بعضهم قطعه إلى جمل منها هذه الجملة "وأبي ليلى" والد عبد الرحمن بن أبي ليلى صحابي اسمه: بلال، شهد أحداً وما بعدها، وحديثه عند الطحاوي "وابن عباس" وحديثه عند الدارقطني.
"قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم" يعني العمل بمقتضى هذا الحديث وهو أن الذكر من الأولاد إذا لم يطعم الطعام فإن بوله نجس، نجس ليس بطاهر، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح والرش، و قال بعضهم بطهارته؛ لأنه لو كان نجساً لغسل كما تغسل النجاسات، وهذا ليس بصحيح، لو كان نجساً لترك، وعلى كل حال هو نجس كالمذي يكفي فيه النضح والرش، وهذا هو ما يفيده الحديث بالقيد المعروف المذكور المنصوص عليه لم يأكل الطعام، أولاً: لا بد أن يكون ذكراً، وأن يكون صغيراً لم يأكل الطعام.
"قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم، مثل أحمد وإسحاق قالوا" بمقتضى الحديث "قالوا: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما" يعني عملاً بالحديث، تطبيقاً للحديث تطبيقاً حرفياً "وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غُسلا جميعاً" وهذا قول قتادة -رحمه الله- رواه أحمد والترمذي.
قال ابن حجر: اختلف العلماء في المسألة على ثلاثة مذاهب: أصحها: الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو ما ذكره الترمذي عن أحمد وإسحاق، وهو مقتضى النص، ويشهد له الأحاديث التي أشار إليها الترمذي.
والقول الثاني: يكفي النضح فيهما، وهذا محكي عن مالك والشافعي والأوزاعي، النضح فيهما فالبنت كالولد، ما الفرق؟ ما الفرق بين الولد والبنت إذا كان كل منهما لم يأكل الطعام؟ ووجود الولد في النصوص دون الأنثى لا يعني أن هناك فرقاً بينهما، وهذا محكي عن مالك والشافعي والأوزاعي.
والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية والمالكية.
فالمذاهب ثلاثة، بل أكثر من ذلك، لكن هذه أهمهما وأشهرها.
القول الأول: التفريق بين الذكر والأنثى من الغلمان الصغار الذين لم يأكلوا الطعام، فيكتفى برش ونضح بول الغلام، ويغسل بول الأنثى كالكبير من الذكور والإناث، والنص خاص بالذكور، والقصص الواردة في هذا كلها التنصيص على الذكر، وجاء التنصيص على أن بول الغلام في بعض الأحاديث: يغسل بول الجارية وينضح من بول الغلام.
والقول الثاني: النضح فيهما، وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى ما دام لم يأكلا الطعام والبول إنما هو من أثر ذلك المشروب، وأثر الشيء إذا استوى فيه الذكر والأنثى، إذا استويا في المؤثر يستويان في الأثر، ما دام الأكل هو المعوّل على اللبن بالنسبة للذكر والأنثى، وأثر هذا اللبن بول، سواءً كان عند ذكر أو أنثى فإذا اتحد المؤثر اتحد الأثر، هذا وجه القياس عند مالك فيما يحكى عنه والشافعي، قياس الأنثى على الذكر، وأنه لا فرق بينهما، والأحاديث كلها في الذكر، بل فيها التنصيص، في بعضها التنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى، إضافة إلى العلة التي ذكرها ابن القيم وغيره: أن الذكر يكثر حمله من قبل الآباء فتكون المشقة أعظم ببوله دون الأنثى، والأمر الثاني: أن الذكر ينتشر بوله في أكثر من موقع على هذا يصعب تتبع هذا البول المنتشر بالغسل دون بول الأنثى الذي يصب في مكان واحد، الذي يصب في مكان واحد، فلا يصعب غسله، ويقول ابن القيم أيضاً: أن في بول الذكر من الحرارة ما لا يوجد في بول الأنثى، فيه حرارة تقضي على جزء مما يشتمل عليه هذا البول من النجاسة فتخفف نجاسته، وعلى كل حال هذه العلل وغيرها من العلل لا شك أنه يستأنس بها، لكن المعول على النص، المعول أولاً وأخراً على النص.
والقول الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية والمالكية وحملوا ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث من الرش والنضح أن المراد به الغسل.
فالغسل أصله نضح، وأصله رش، فإذا كوثر وكرر هذا النضح وهذا الرش صار غسلاً ولا فرق، لكن رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" رد على هذا القول، لا يبقى لأهل هذا القول مستمسك، وفي رواية لمسلم..، رواية البخاري: "فنضحه ولم يغسله" وفي رواية مسلم: "فلم يزد على أن نضحه بالماء" لم يزد على ذلك بحيث يصل إلى حد الغسل.
فالراجح من هذه الأقوال القول الأول، قول أحمد وإسحاق، وعليه تدل هذه الأحاديث.
ومنهم من يلحق الكبير بالصغير، يعني وجد من يلحق الكبير بالصغير فيقول: يكتفى بالنصح في بول الصغير والكبير من الذكور دون الإناث.
يعني منهم من قاس الأنثى على الذكر الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف نظر هنا إلى أن الوصف المؤثر الصغر، والمؤثر لهذا البول وهو اللبن، فقاس الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف المؤثر الذكورة فقاس الكبير على الصغير دون الإناث، وهذا أيضاً لا حظ له من النظر من الأدلة الكثيرة المتظاهرة المتظافرة على أن بول الكبار نجس نجاسة مغلظة ليست مخففة، ومنها حديث الذي يعذب في قبره.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه:
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إبل الصدقة، وقال: «اشربوا من ألبانها وأبوالها» فقتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، وألقاهم بالحرّة.
قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه.
حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي قال: حدثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة].
وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه".
بول ما يؤكل لحمه: يعني من بهيمة الأنعام وغيرها، ما حكمه؟ ثم أورد الحديث الدال على أنه طاهر، فقال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني" أبو علي البغدادي صاحب الشافعي، ثقة من الثقات، مات سنة ستين ومائتين "قال: حدثنا عفان بن مسلم" بن عبد الله الباهلي، ثقة ثبت، مات سنة عشرين ومائتين "قال: حدثنا حماد بن سلمة" بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، توفي سنة سبع وستين ومائة "حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد" بن أبي حميد الطويل، ثقة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة "وقتادة" وهو ابن دعامة السدوسي الأكمه الحافظ المعروف "وثابت" وهو ابن أسلم البناني، البصري، ثقة عابد، معروف "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-" الصحابي الجليل، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن ناساً من عُرينة" عرينة حي من بجيلة، وحي أيضاً من قضاعة، والمراد هنا الحي الأول من بجيلة، كما قال ذلك موسى بن عقبة وغيره، وبجيلة بفتح الباء عند عامة أهل العلم، والنسبة إليها بجلي، وضبطه العيني في بعض المواضع من عمدة القاري بالضم بُجيلة، وضبطه هو بالفتح في مواضع أخرى، وقوله مخالف لقول عامة أهل العلم، بل المعروف في هذه القبيلة الفتح بَجيلة، والنسبة إليها بجلي، جرير بن عبد الله البجلي "أن ناساً من عرينة قدموا" يعني جاءوا إلى "المدينة فاجتووها" أي كرهوا هواءها وماءها لتضررهم به، وأصابهم الجوى بسبب الهواء والماء الذي تضرروا به، وهو داء في الجوف، يصيب جوف الإنسان، "فاجتووها، فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في رواية: "استوخموا" استوخموها، في رواية: "فعظمت بطونهم"، "فبعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إبل الصدقة فقال: «اشربوا من ألبانها وأبوالها»" وفي ذلك من العلاج والطب النبوي الذي يدركه من عاناه، فأهل الإبل يستعملونه، وكثير من الناس يستعمله لعلاج أمراض البطن، وفيه شفاء -بإذن الله-، فيه شفاء، وثبت في الصحيح أنهم صحوا، لما صحوا قتلوا راعي النبي -عليه الصلاة والسلام-، برئوا من مرضهم فهذا علاج نبوي، علاج وطب نبوي، من أصابه مثل هذا فليتداوى بمثل هذا.
"وقال: «اشربوا من ألبانها وأبوالها» فقتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الإبل" أي ساروا بها سيراً حثيثاً "وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" يعني أمر بذلك، أمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، يعني قطعت اليد اليمنى مع الرجل اليسرى.
ومنهم من يقول: إنه قطع أيديهم وأرجلهم، قطع اليدين والرجلين، وتركهم في الحر يستسقون فلا يسقون، ولكن النص صريح في أنه قطع يداً واحدة ورجلاً واحدة من خلاف، وهو الذي يدل عليه لفظ: من خلاف؛ لأنه لو كان القطع لليدين والرجلين ما صار لقوله من خلاف فائدة، إنما يقال: من خلاف يعني مع المخالفة بين اليد والرجل، فتقطع اليمنى من الأيدي، واليسرى من الأرجل "فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم" سمر أعينهم: وقع التصريح بالمعنى في رواية البخاري بلفظ: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها" سمر أعينهم، في نسخة: "سمل" بعض الروايات: "سمل" والسمل: فقأ العين بأي شيء كان قاله الخطابي، فإحماء المسامير وكحلهم بها فقءٌ لأعينهم فيصح أن يقال عنه: سمر وسمل؛ لأن السمل يقع بأي شيء، إذا كان فقأ العين بأي شيء يقال له: سمل فهل يخالف ما جاء من أنه أحمى مسامير فكحلهم بها؟ لا يخالف؛ لأن من لازم كحلهم بهذه المسامير المحماة فقأ أعينهم.
"وألقاهم بالحرة" الحرة أرض معروفة بالمدينة في شرقها وغربها حرتان، وهما اللابتان، وهما عبارة عن أرض تكسوهما الحجارة السود "وألقاهم بالحرة" فكانوا يستسقون فلا يسقون، "قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه" يعني يحكها "فكنت أكد الأرض بفيه" يعني يحكها "حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض" أي يعضها، "بفيه حتى ماتوا".
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم.
اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو قول أكثر أهل العلم" وهو الضمير يعود على ما يدل عليه الحديث من طهارة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه "وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" وبه قال مالك وأحمد، وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، قاله الحافظ.
الآن لا بأس ببول ما يؤكل لحمه وبه قال مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور عندنا مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، ثم قال الحافظ: وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، كيف يقول والجمهور مع أنه قال بطهارتها مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية الذين ينتسبون للمذهب الشافعي؟ يمكن أن يقال الجمهور في مقابل هؤلاء؟ لا، يعني إذا نظرنا إلى الأئمة المتبوعين فإمامان في مقابل إمامين، فلا يمكن أن يقال الجمهور، ولذا وجد في بعض من نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال: وذهب الشافعي والجمهور من أصحابه، يعني الجمهور من الشافعية، يعني كثير من الشافعية قالوا بطهارتها، لكن جمهور أصحابه جمهور الشافعية وافقوه على قوله، وهذا قيد لا بد منه، أي لا يمكن أن يقال: الجمهور مع أنه في الطرف الآخر أحمد ومالك وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، فالجمهور من أصحاب الشافعي لا من جمهور أهل العلم.
القائلون بطهارتها عمدتهم حديث الباب، حديث الباب: «اشربوا من ألبانها وأبوالها» ومن أدلتهم الإذن بالصلاة في مرابض الغنم، أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» ولا تسلم من أبوالها وأرواثها، ومن أدلتهم أيضاً طوافه -صلى الله عليه وسلم- على الدابة وهي لا يؤمن أن تبول أو تروث في المسجد، فدل على أن بولها وروثها طاهر، وهذه الأدلة لا شك أنها صحيحة وصريحة في المطلوب.
يستدل من يقول بالنجاسة بأدلة مجملة تشمل الأبوال النجسة والطاهرة، بأدلة عامة «أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول» قالوا: هذا عام بوله وبول غيره، بول ما يؤكل لحمه وبول ما لا يؤكل، لكن الرواية المفسرة تقول: «فكان لا يستتر من بوله» فيراد به بول الإنسان لا مطلق البول، لا عموم البول إنما يراد به بول الإنسان.
قالوا في حديث الباب: أن الأمر بشرب ألبانها وأبوالها للضرورة للعلاج، وما كان في مثل هذا لا يؤخذ على أنه حكم مُطَّرِد عام، يقتصر على مورده، من أراده للعلاج لا بأس.
نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» وأيضاً العلاج ليس بواجب، ولذا يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: لا أعلم سالفاً أوجب العلاج، فكيف يرتكب المحرم من أجله؟ وأيضاً الخمرة إنها داء وليست بدواء، ولم يجعل الله -جل وعلا- شفاء الأمة فيما حرم عليها، هذه مما يجاب بها عن قولهم: إنه خاص بالدواء، والمضطر يباح له مثل ذلك.
يقال لهم: أن المحرم لا يمكن أن يرتكب إلا لدفع ما هو أعظم منه، يعني لضرورة، والضرورة تبيح المحظورات، لكن بما أجابوا عن هذا القول؟ كيف يجيبون عن هذا القول؟ يعني كيف نرتكب محرم من أجل أمر غير واجب وهو العلاج؟ فنرتكب من أجله محرم؟
طالب: مضطر.
ما هو مضطر، قد لا يكون مضطر، وهذا غير واجب، نعم المضطر يأكل الميتة، لكن هذا علاج، والعلاج ليس بواجب، فكيف يرتكب محرم من أجل أمر غير واجب أصلاً؟ قالوا: الفطر في رمضان محرم ويرتكب من أجل السفر وهو غير واجب، صح وإلا لا؟ كلامهم صحيح، لكن يبقى أن هذا نظر في مقابل نظر، لكن يبقى لنا الأثر، ومعولنا عليه: «اشربوا من ألبانها وأبوالها» أيضاً الإذن بالصلاة في مرابض الغنم دليل على طهارة أبوالها وأرواثها، وطوافه -عليه الصلاة والسلام- على الدابة وهي لا تؤمن أن تبول أو تروث في المطاف، وكل هذه أدلة ترجح القول بطهارتها.
قال -رحمه الله-: "حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" صدوق من الحادية عشرة، نعم؟
طالب:.......
ما في إشكال، يتبع، كل فضلاته طاهرة.
"حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" وهو صدوق من الحادية عشرة "قال: حدثنا يحيى بن غيلان" يحيى بن غيلان بن عبد الله بن أسماء الخزاعي أو الأسلمي ثقة من العاشرة "قال: حدثنا يزيد بن زريع" البصري، ثقة ثابت، ثقة ثبت من الثامنة "قال: حدثنا سليمان" وهو ابن طرخان التيمي ثقة عابد "عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة" يعني فعل ذلك على سبيل القصاص والمماثلة في القصاص، لا على سبيل المثلة "إنما سمل النبي -عليه الصلاة والسلام- أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة".
"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ" الشيخ الذي ذكره عن يزيد بن زريع إنما هو يحيى بن غيلان، وكونه تفرَّد به وهو ثقة ما فيه إشكال كونه يتفرد بمثل هذا لا يمنع من قبوله؛ لأنه ممن يحتمل تفرده، أما لو نقص عن درجة الثقة قليلاً بحيث لا يحتمل تفرده، يمكن يحكم بشذوذه، لكن مثل هذا ممن يحتمل تفرده فهو صحيح، ولو كان غريباً.
"لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] أي يقتص فيها، ما دام فعلوا بالراعي كذا يفعل بهم كذا، هذا قصاص، سملوا أعين الراعي تسمل أعينهم، أي يقتص فيها إذا أمكن، وهذا وإن كان مكتوباً في التوراة على بني إسرائيل إلا أنه مقرر في شرعنا، يعني ما جاء في شرعنا ما ينفيه إلا النهي عن المثلة، لا النهي عن المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] فهذه مماثلة لا وليست مثلة.
"وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود".
وهذا ثابت عن ابن سيرين، صحيح عن ابن سيرين، فقول الإمام -رحمه الله تعالى- روي لا شك أنه خلاف الاصطلاح؛ لأن ما ثبت لا يقال فيه روي.
"عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا قبل أن تنزل الحدود" وآية المحاربة والنهي عن المثلة فعلى هذا هو منسوخ، ذكر ذلك ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، فعلى هذا يكون منسوخاً فمن فعل مثل فعلهم لا يفعل به مثل ما فعل بهم، يكتفى بقتله؛ لأن الحدود كافية، وأيضاً النهي عن المثلة ثابت، وقيل: إنه من باب المماثلة لا من باب المثلة، من باب المماثلة في القصاص فليس بمنسوخ؛ لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة.... قاله ابن الجوزي وغيره، فعلى هذا الحكم محكم، وللإمام أن يجتهد في مثل هذا، إذا رأى أن مثل هذا الفعل قد يفتح باب على الناس، وأنه مجرد أن يقتلوا إذا ظُفر بهم لا ينكل بمن فعل مثل هذه الأفعال، ورأى أن يماثل ما فعلوه بهم، يفعل بهم مثل ما فعلوا، فالإمام له ذلك، لا سيما وأن القولين محتملان، يعني القولين القول بالنسخ محتمل، والقول أيضاً بالمماثلة محتمل، وعلى هذا يرجع إلى اجتهاد الإمام.
طالب:........
هم قالوا: رعاة، سملوا أعين الرعاة.
طالب:........
إيه قد يطلق الواحد ويراد به الجنس جنس الراعي، نعم؟
طالب:.......
إذا ثبت نفعه، يعني إذا ثبتت باطراد لأنها سبب، والسبب لا بد أن يكون شرعياً أو عادياً مطرداً، نعم لو قيل لك: إن هذه الورقة إذا غسلتها وشربت ماءها شفيت، نقول: هل جاء في الشرع ما يدل على ذلك؟ لا، هل ثبت بالعادة والاطراد أن مثل هذا النوع من الورق فيه مادة يشفي من كذا؟ لا، نقول: هذا شرك، لا يجوز استعماله، لكن إذا ثبت أن أبوال الغنم أو أبوال البقر تنفع في مرض من الأمراض المسألة طب يعني كغيرها من الأدوية، أما ما ثبت عن الشرع فلا إشكال فيه.
وجاء في العسل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] هذا نص قرآني، العسل فيه شفاء، قد يقول قائل: إنه يضر بعض الناس، نقول: كل الأدوية فيها ما ينفع وفيها ما يضر، والأطعمة التي يبنى عليها الجسم فيها ما ينفع وفيها ما يضر، فلا شك أن مثل هذا العلاج يناسب هذا البدن، وذاك العلاج يناسب ذاك البدن، وإن كان الأصل فيه شفاء، وكان عند المنصور شخص والمنصور من آل البيت كما هو معروف عباسي، قال: لما تليت هذه الآية: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، فقال أحد الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، التزلف والتقرب والنفاق يصل إلى هذا الحد، يعني يحرف القرآن من أجل شخص، لكن وجد من يرد عليه، ما أدري هل قال: جعل الله شفاءك أو جعل طعامك، المقصود أنه يصل إلى مثل هذا الحد، والله المستعان.
مثل هذا الحديث -حديث العرنيين- وفيه مثل هذه القوة والصرامة في تنفيذ الحد لا شك أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس لأحد كلام، إلا أنه عِيب من حدث به على الحجاج، يعني ذكر قصة العرنيين للحجاج، والحجاج هل هو بحاجة إلى مزيد من الظلم؟ نعم؟ فمثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج، عيب من حدث به على الحجاج، لا شك أن مثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج في ظلمه وطغيانه؛ لأن هذا يزيده، يجد في هذا مستمسك، ولذلك يقال: إن النصوص علاج لأمراض الأفراد وأمراض المجتمعات، يعني إذا وجدت شخص متساهل ومتراخي مثل هذا تورد عليه من نصوص الوعيد ما يجعله يلزم الطريق الجادة، وإذا وجدت شخص متشدد تورد عليه من أحاديث الوعد ما يجعله يسلك الجادة، فالخوارج يعالجون بنصوص الوعد، والمرجئة يعالجون بنصوص الوعيد، قل مثل هذا فيما يغلب على المجتمعات من تشدد أو تساهل، ولذلك عابوا على من حدث الحجاج بهذا الحديث، وقلنا مراراً: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر لعبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في شهر مع أنه حث على قراءة القرآن والإكثار منها، وأن بكل حرف عشر حسنات، هل يقال هذا لكل الناس؟ اقرأ القرآن في شهر، شخص لا يقرأ القرآن إلا في رمضان، يقال له: اقرأ القرآن في شهر؟ نقول: عثمان يختم في ركعة، ولعله يقرأ القرآن في شهر، لكن شخص يقرأ القرآن باستمرار وعاقه قراءة القرآن عن بعض الواجبات وشغله عن بعض ما أوجب الله عليه من بعض المهمات نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في شهر» لأنه يخشى أن يعطل ما هو أوجب من ذلك، فالمسألة مسألة معالجة، قال لعبد الله بن عمرو في آخر الحديث: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» ومع ذلك زاد عبد الله بن عمرو؛ لأنه نظر إلى هذا النص باعتبار أنه من باب الرفق به لا من باب الإلزام، ولذا لا يكره أهل العلم أن يقرأ القرآن في ثلاث، فمثل هذه النصوص نحتاج إليها في معالجة أوضاع الناس.
يعني شخص من أهل العلم يحذر من الربا، وفي مكان فيه من يملك منع الربا، ويشدد في أمر الربا، ودرهم من ربا أشد من ست وثلاثين زنية، والربا حرب لله ورسوله، وأكلة الربا يبعثون يوم القيامة مجانين، ثم ينبغ من ينبغ فيقول: «لا ربا إلا في النسيئة» نسأل الله العافية، يعني هل مثل هذا الخبر -هو صحيح- يقال في هذا المجلس؟ لا والله ما يقال مثل هذا المجلس، والذي يجزم به أن هذا ما قالها لله، نسأل الله السلامة والعافية، ويبقى كل شيء على ما هو عليه لوجود مثل هذا، ولا شك أن النصوص علاج وبعضها يأتي على سبب خاص ثم يلقى به في مثل هذه الأماكن العامة أبداً، هذا لا شك أن في تضييع للدين، وإن كانت نصوص صحيحة وثابتة، لكن النصوص تؤخذ بجملتها، لا يؤخذ بعضها عن بعض، وحديث: «لا ربا إلا في النسيئة» لا ربا أعظم منه مثل عظمه في النسيئة، يعني ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل، ومع ذلك ربا الفضل محرم إجماعاً، ما قال به أحد، ما قال بجوازه أحد، وحديث التمر صاع بصاعين ربا فضل يد بيد، ومع ذلك حرام بالإجماع، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- رده، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في الوضوء من الريح:
حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بنِ محمد عن سهيل...
ابنُ ابنُ.
عفا الله عنك:
قال: حدثنا عبد العزيز بنُ محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحًا».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء ألا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقاناً يقدر أن يحلف عليه، وقال: إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق.
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» قال: وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وابن مسعود وأبي سعيد.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من الريح" من الريح التي هي إما أن تكون بصوت وتسمى حينئذٍ الضراط كما قال أبو هريرة، أو بدون صوت برائحة فقط، وهو ما يسمى بالفساء.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة وهناد" قتيبة بن سعيد وهناد بن السري "قالا: حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح، "عن شعبة بن الحجاج عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا وضوء»" والمراد به الوضوء الواجب الذي هو شرط لصحة الصلاة لا الوضوء المستحب كالتجديد «إلا من -سماع- صوت أو -من شم- ريح» لا بد أن يتحقق ويتأكد؛ لأن الشيطان يتلاعب بمقاعد بني آدم، فيخيل إليهم أنه خرج منه شيء ولم يخرج.
والحصر بالصوت والريح لعله بحسب حال السائل، يعني السائل سأل عما يجده في صلاته مما يشبه خروج الريح فقيل له مثل هذا الكلام، والرجل يجد أو يسمع أو يخيل إليه في الصلاة ثم أجيب بهذا بحسب حال السائل، وإلا فالنواقض كثيرة، مقتضى الحصر لو كان حقيقياً أنه لا يتوضأ من البول ولا من الغائط، إنما يتوضأ من الصوت والريح، لكنه حصر إضافي بالنسبة لحال السائل.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وكلام الترمذي في هذا الباب فيه تقديم وتأخير في بعض النسخ، وأخرجه أحمد وابن ماجه.
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي "عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان أحدكم في المسجد»" في المسجد لأن الأصل أن يصلى في المسجد حيث ينادى بها وهو مكان الصلاة «إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً بين أليتيه» تثنية ألية بفتح الهمزة وهي العجيزة، وما ركبها من لحم أو شحم، وفي رواية مسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا ينصرف حتى يسمع الصوت أو يجد الريح» «فلا يخرج» من المسجد من أجل أن يتوضأ «حتى يسمع صوتاً» مصاحباً للريح «أو يجد ريحاً» خرجت منه، والمراد أنه إذا كان على طهارة متيقنة لا يخرج ليتوضأ حتى يتيقن الحدث.
والمراد والمخاطب لهذا الحديث من يسمع ويشم، فماذا عن الأصم المتعطل حاسة الشم؟ إذا كان لا يسمع ولا يشم؟ هو يحس من تلاعب الشيطان بمقعده يحس، نعم يسأل من بجواره ويش يقول؟ شميت شيء؟ إحراج، نعم؟
طالب:........
نعم؟
طالب:........
هو لن يصل إلى يقين، لا يسمع صوت ولا...
طالب:.......
أو يقال له: إن كان هذا شيء قليل بالنسبة لك يعني ما يصل إلى حد الوسوسة فالاحتياط مطلوب؟ وإن كان يصل إلى حد الوسوسة فلا؟ على كل حال المسألة اجتهادية، يعني مثل هؤلاء ترى عددهم ليس بالكبير بحيث تأتي النصوص لعلاجهم، تأتي النصوص لعلاج العامة ثم بعد ذلك يخرج ما خرج عنها، فمثل هذا إذا كان باستمرار يتلاعب الشيطان بمقعده نقول: هذا لا تلتفت إليه؛ لأنه قريب من الوسواس، وإذا كان قليلاً وشيئاً يسيراً مرة في الشهر أو مرة في السنة هذا يقال له: تأكد، يعني جدد الوضوء، نعم؟
طالب:........
«حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً»
طالب:........
ما في إشكال، ما في.
في الحديث دليل وعمدة لقاعدة كلية أن الشك لا يزال باليقين، الشك لا يزول باليقين، وعندهم في مثل هذا أنه لو ترجح أحد الاحتمالين ترجح احتمال أنه خرج منه شيء لا يخرج عن اليقين حتى يتيقن، فترجح أحد الاحتمالين وهو الظن داخل في الشك، يعني ما يرفع اليقين إلا بيقين مثله.
قال: "وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وابن مسعود وأبي سعيد".
أما حديث عبد الله بن زيد المؤخَّر في كثير من النسخ حديث عبد الله بن زيد متفق عليه، وحديث علي بن طلق في الترمذي وأبي داود، حديث عائشة عند أحمد والبزار والطبراني، وحديث ابن عباس عند البزار والبيهقي، وحديث ابن مسعود عند الطبراني، وحديث أبي سعيد عند أبي يعلى.
وحديث الباب مخرج في صحيح مسلم.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في مسلم.
على كل حال القاعدة الثانية من القواعد الكلية عند أهل العلم: اليقين لا يزال بالشك، قال السيوطي: ودليلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وأصله في الصحيحين.
وهذه القاعدة قاعدة في غاية الأهمية، ولها فروع كثيرة جداً، فالمطلوب من الإخوان أن يراجعوا هذه القاعدة في الأشباه النظائر، نعم يراجعوها قبل الحضور غداً، ونكمل الكلام على الحديث، وعلى هذه القاعدة غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم ذكر له تفسير في ترجمته، وللإمام البخاري وغيرهما من الأئمة.
هذا صحيح، ولكل منهما كتاب يذم فيه الآخر، وترجمة السخاوي للسيوطي في الضوء اللامع مظلمة، كما أن ترجمة السيوطي للسخاوي في نظم العقيان أيضاً مظلمة، ولا شك أن هذا من تنافس الأقران، ولا ينبغي أن يكون هذا بين أهل العلم، لكنه قد يوجد ثم بعد ذلك التحريش من قبل الطلاب يزيده حتى يصل إلى هذا الحد، والله المستعان.
بعد صلاة العصر وقت النهي موسع، والشمس بيضاء نقية حية مرتفعة، هذا لا إشكال فيه، أما إذا ضاق الوقت واصفرت الشمس وتضيفت الشمس للغروب فلا، وهذا الذي يدل عليه حديث عقبة.
على كل حال مثل هذه المبتدئ لا بد أن يقرأ مثل هذه الكتب على شيخ، والشيخ يستنبط له من الأحكام ويستحضر ما قاله في الكتاب الذي درّسه أو دَرَسه هذا الطالب المبتدئ من كتب الفقه ويقارن بينهما.
هذا إن كان سبب هذا القول ما ذكره المبارك فوري في مقدمة التحفة وأنه تكلم عن المكتبة الجرمانية والكتب فيها، وذكر فيها الغرائب والعجائب فلا إخال مثل هذا الكلام كثير منه يثبت، مثل هذا الكلام الذي ذكر في مقدمة التحفة وأن في المكتبة الجرمانية
كتب الدنيا كلها، بخطوط الأئمة، هذا بعد أن فتحت ألمانيا، وصار الناس يذهبون إليها وتساهلوا فيها.. ما وجدوا شيء من ذلك، وجدوا القليل النادر، وإن كان الكاتب هذا عنده شيء من الخبر يوجد عليها في ألمانيا، ما أظن ألمانيا تميزت بشيء، نعم فيها مكتبة المكتبة الجرمانية معروفة لكن مع ذلك ليس فيها كل ما يقال.
هو غير مصروف.
هي التي جاءت في حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، هذه ثلاثة مضيقات، ووقتان موسعان.
هذا مودع في شريط اسمه: (المنهجية في قراءة الكتب) يعني لو رجع هذا الزائر إلى هذا الشريط وجد -إن شاء الله- ما ينفعه.
حقيقة هذه التفاسير قد تكون موجودة في المكتبات الخاصة عند أفراد من الناس مما لم يطلع عليه، قد تكون موجودة، ولكن البحث لا بد من أن يكون جاداً عن هذه الكتب، حتى يتم إخراجها للناس؛ لأن فيها فوائد عظيمة تشتمل على تفاسير السلف.
هذا مثل كتاب التمييز للإمام مسلم، هذا يعني علل خفية في أحاديث لا يدركها المبتدئون، أما الطالب المتأهل فيقرأ في هذا الكتاب فهو كتاب نافع.
لا لو ضبط على قارئ مجود لكان أفضل، لكان أفضل للخروج من الخلاف؛ لأن من أهل العلم من يؤثم الذي يقرأ بغير تجويد.
وكذلك بالنسبة للتفسير هل يبدأ بالتفسير أم بأصول التفسير؟ وهل يبدأ طالب العلم بدراسة كتب العقيدة كلها ومن ثم يبدأ بالفقه أم يبدأ بالتدريج لكتاب مقرر في كل مستوى تدريجياً وبعد ما ينتهي ينتقل إلى المستوى الذي يليه وهل يدرس الفنون كلها أم كل واحد على حدة؟
أما بالنسبة لدراسة الفقه مع الأصول معاً في آن واحد هذا هو الأصل؛ لأن كل واحد يفيد الآخر، فالأمثلة التطبيقية لعلم الأصول هي موجودة في كتب الفقه، فهذا يفيد هذا، هذا تأصيل، وهذا تفريع وتنظير، وقل مثل هذا في قواعد التفسير وأصول الحديث وغيرها، وأما كون الطالب يبدأ في أكثر من فن في آن واحد أو يقتصر على فن واحد فهذا يختلف باختلاف الطلاب، فالطالب الذي يتشتت إذا قرأ في أكثر من فن يقال له: إلزم فناً واحداً، والطالب الذي يمل من قراءة فن واحد يقال له: اقرأ في أكثر من فن.
قصده في غير يوم السبت ضحىً كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل لا مزية له أكثر من ذلك، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقصده يوم السبت ضحى، وأما ما عدا ذلك في أوقات النهي فلا.
ينتهي بالشروع في الركن الذي يليها وهو الفاتحة، فإذا شرع الإمام في الفاتحة انتهى وقت تكبيرة الإحرام.
وإذا شرعت في السنة فلم أنتهِ إلا مع شروعه في الفاتحة فهل أكون أدركت تكبيرة الإحرام؟
لا، فاتتك تكبيرة الإحرام، لكنك منشغل بعبادة يرجى أن يكون أجرك أعظم -إن شاء الله تعالى-.
نعم هي موجودة لكنها غالية الثمن، فهي موجودة وتباع على نطاق ضيق، وقد تجد بعض الكتب ولا تجد البعض، لكنها موجودة.
نعم يجوز للمرأة أن تذبح الدجاجة وتذبح البعير وتذبح الفرس وتذبح كل ما يؤكل لحمه، تذبحه، وكما أنها تذبح الحربي أيضاً، تذبح ما يوجد ما يمنع من ذبح المرأة -إن شاء الله تعالى-.
لا شك أن دعاء السوق كلام أهل العلم فيه كثير وواضح، لكن جمهور أهل العلم يرون أنه يقال لأنه من باب الفضائل، وأما من يمنع الاحتجاج بالضعيف مطلقاً فإنه لا يقوله.
الأصل في النهي التحريم، لكنه في أحاديث الآداب؛ لأن أصل الأدب أصل الباب فيه خفة، ما هو مثل الأحكام، فهم تبعاً لهذا الأصل يرون أن ما جاء من الأوامر أو من النواهي منطوياً تحت هذا الأصل أخف مما جاء في غيره من الأبواب كالأحكام والعقائد ونحوها، فيجعلون الأصل صارف، الأصل أن الأدب يعني أدب يختلف مع الحكم، يعني إذا قيل: هذا من باب الأدب، يعني من لفظه، تفهم أن هذه المسألة يختلف عن الحكم الذي، الملزم الذي يأثم تاركه.
على كل حال هذا الصارف موجود عند الجمهور، لكن إذا وجد أمر صريح أو نهي صريح ما المانع أن يكون مقتضى الأمر أو مقتضى النهي حكم من الأحكام؟ «كل بيمينك» إيش المانع أن يكون هذا حكم؟ فيكون الحكم واحد فالأمر للوجوب والنهي للتحريم.
النظر إلى المرأة داخل في الأمر بالغض، بغض البصر سواءً كانت ذات فتنة أو ليست ذات فتنة، ولكل ساقطة لاقطة، وقد لا تفتن من النظرة الأولى، قد يقذف الشيطان في القلب من أمرها ما يفتن المرء وإن كانت في الأصل غير فاتنة.
وخصوصاً بعض طلبة العلم الذي قد لا يدري وتلك مصيبة أو يدري والمصيبة أعظم عن ملابس قريبته من زوجة أو أخت أو بنت وهم بذلك يكونون قدوة لغيرهم في السفور، ودليل لكل عامي يريد الفساد، وعذرهم في هذا عند النصيحة أن بعض من سبقهم في طلب العلم يفعل ذلك؟
هذا ليس بعذر وليس بدليل، أما من كانت في السن فوق سبع سنين، فلا بد من الحشمة، وعورتها عورة لا يجوز الاطلاع عليها، وأما من دون السبع فيقرر أهل العلم أنه ليس له عورة لا من ذكر ولا من أنثى، ويقولون: إن ابن السبع يغسله النساء لا مانع السبع فما دون ومثله البنت، ولكن مثل هذا لا شك أنه في عصرنا الذي تغيرت فيه الفطر وانتكست فيه الموازين ينبغي أن يحتاط فيه أكثر؛ لأنه يرد أسئلة كثيرة من افتتان بعض الرجال بمن دون الخمس والأربع، والعكس من النساء تفتتن ببعض الأطفال، فمثل هذا ينبغي أن يُسد بابه لئلا تلج هذه الشهوة إلى قلوب الرجال والنساء حتى تستعصي، فعلى كل حال السفور محرم، ولبس العباءات الضيقة التي تصف بدن المرأة أو الشفافة أو ما أشبه ذلك كله محرم، أو فيها شيء من الزينة والتطريز لا شك أن هذا من إبداء الزينة المحرم، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ويحتاط لعرضه، ولا يكون قدوة سوء، ولا يفتح على المسلمين باب شر، أو يكون يسن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها.
إن كان المراد التسليم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد قال الصحابة: عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ وإن كان المراد به التسليم الذي به يكون تمام الصلاة، وهو تحليلها: السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المحفوظ الكثير الثابت، وزيادة: "وبركاته" جاءت من طرق تثبت بها إلا أن الأكثر دونها، فلو قيلت في بعض الأحوال لما وجد ما يمنع -إن شاء الله تعالى-.
على كل حال مثل هذا إذا كان من أهل نجد ومر بالمدينة وتجاوز الميقات؛ لأنه يريد أن يتنزه أيام في ينبع أو في جدة ثم بعد ذلك يذهب إلى أقرب ميقات له الجمهور يلزمونه بالدم إلا أن يرجع إلى ذي الحليفة، والإمام مالك يقول: إن أحرم من ميقات معتبر لا سيما إذا كان ميقاته، فالنجدي إذا تجاوز ذا الحليفة ثم سكن في جدة أيام أو في ينبع وانتهت نزهته سافر إلى السيل وأحرم منه، فالإمام مالك يرى أن لا شيء عليه؛ لأنه ميقاته الأصلي، وما فعل أكثر مما وجه إليه، نعم تجاوز ميقات و«هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» فإذا فرّط في جملة أدرك جملة أخرى عند الإمام مالك، أما الجمهور فيرون أنه آثم، ويلزمه الرجوع، أو يلزمه الدم، وقول الإمام مالك لا شك أن فيه سعة للناس، والجملة الأخرى تدل على رجحانه -إن شاء الله تعالى-.
النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه أم المؤمنين التي كانت تسبح بالحصى وجهها أن تسبح بأناملها؛ لأن الأنامل مستنطقات، وأقل ما يقال فيها الكراهة، وبعضهم يحكم بأنها بدعة.
النسائي له شروح مختصرة، ووجد له شرح مطول للشيخ محمد علي آدم الأثيوبي، مطوّل جداً، والحقيقة هذا الشرح يشتمل على مادة تسهل الشرح لمن أراده، فجمع المادة من جميع المصادر، ووفَّر على طالب العلم النظر في الكتاب وفوائده، إلا أنه لم يتعرض لعلل الكتاب، وعلل الكتاب أعظم ما يبحث فيه، وفي تقديري أن هذه العلل هي التي صدت كثيراً من العلماء لشرحه، وإذا تيسر الوقت ووجدنا فرصة لشرحه أو غيره من الكتب المسألة على البال.
نعم هذا قول عامة أهل العلم، هذا قول جمهور العلماء؛ لأن الطواف جاء تشبيهه بالصلاة، ومن شرطها الطهارة، والحديث وإن كان مختلفاً في إثباته وتضعيفه إلا أنه مع قوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» وقد طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على طهارة، وقال: «خذوا عني مناسككم» هذا هو معول الجمهور، فالصواب أنه شرط لصحة الطواف.
الآيات هي العلامات والدلالات التي تدل على الرب -جل وعلا- على وجوده وعلى عظمته وكبريائه، والمخلوقات هي الموجودات، هي الموجودات فهي أعم من الآيات، فالمخلوقات فيها آيات لكن الآيات فيها المخلوقات أيضاً، لكن المخلوقات فيها آيات وغير آيات، فيها ما يستدل على عظمته، وفيها ما لا دليل فيه؛ لأنها أشياء صغيرة أو حقيرة بالنسبة لعظمة الخالق، وفيها أيضاً ما يدل على عظمته، وأما الآيات فهي ما يدل على العظمة فقط، فالمخلوقات أعم.
ذكرنا في وقته أن من أهل العلم من صححه وأنه زيادة ثقة، وأن منهم من حكم عليه بالشذوذ، ومن صحح هذه الزيادة ذكرنا أن الشيخ ابن باز يصححها، والشيخ الألباني وغيرهم.
ومثلها قوله: «إنك لا تخلف الميعاد» بعد ذكر الأذان؟
مثلها سواءً بسواء.
لا يعني من أكثر من أنه أسند الحديث أو رفعه، لكن لا بد أن يكون في هذا الإسناد أو الرفعة جودة، لا بد؛ لأنهم لا يتكلمون من عبث أو فراغ، لا بد أن يكون هناك تجويد في إسناده، يعني في كيفية سياق الإسناد، أو في كيفية الرفع بحيث ينتقى طريقاً معيناً يثبت فيه الرفع دون غيره إذا كان غيره من الحفاظ يرويه مرسلاً أو موقوفاً بصرف النظر عن كونه أصاب فيما زاد أو لم يصب، لكن لا بد من أن ينظر من ملحظ دقيق أن فيه تجويداً، وإلا فأهل العلم لا يطلقون مثل هذا الكلام عبث، ونسب هذا المصطلح لابن عبد البر.
إشكالي يقول: هل هذا المصطلح خاص بابن عبد البر أم أنه عام فتكون كلمة جوده أو جيد لها عدة معاني منها ما اختاره ابن عبد البر -رحمه الله-، ومنها ما ذكرتموه في شرح الألفية في دورة سابقة، وفي هذه الدورة أن فيه تحسين للحديث وتقوية له فيكون صحيح؟
هذا الكلام هذا إذا قيل: حديث جيد فلا شك أنه تقوية، وأنه قد يكون فوق الحسن ودون الصحيح؛ لأن العدول عن صحيح لا يكون عند أهل العلم إلا لنكتة، فعدولهم من صحيح إلى جيد لا بد أن يكون لنكتة، والتجويد معروف أنه تقوية.
«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» «تابعوا بين الحج والعمرة» فالمتابعة بينهما لا شيء فيها، من أهل العلم من يرى أن ذلك غير مشروع لأنه لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل شيئاً لا يدل على عدم شرعيته إذا ثبت بقوله -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: «تابعوا بين الحج والعمرة» «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» ترغيب في كثرة العمرة، وإقراره -عليه الصلاة والسلام- لعائشة حينما طلبت أن تعتمر بين حجها، وقد اعتمرت مع حجها؛ لأنها قارنة يدل على ذلك، لكن المسألة ترجع إلى الموازنة بين الفضائل، لا يكون تكرار العمرة عائقاً له عما هو أفضل منه، عما هو أفضل منه، وسواءً كانت العمر برحلة واحدة أو بأكثر من رحلة الأدلة تدل على جواز ذلك، وأما المنع من ذلك باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان أيضاً وقد حث على ذلك نترك لأن النبي لم يفعل؟ هذا الكلام ليس بصحيح.
إذا لم يكن ذلك عادة وديدن فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-.
حكم نظر المرأة إلى الرجل كنظر الرجل إلى المرأة، لا سيما إذا كررت النظر، أما إذا نظرت إلى عموم الرجال الخارجين من مسجد أو في سوق أو ما أشبه ذلك، أو وهم يصلون أو نظر إلى مجموع نساء لا يحدد في امرأة واحدة، والمرأة لا تحدد في رجل واحد فهذا الأمر فيه سعة، لكن إن حدد الرجل في امرأة واحدة فهو حرام ومثله المرأة، وسواءً كان ذلك على الطبيعة أو في الصور.
هل يقدم الرجل الذي ينتسب لقبيلة أم لا ينظر إلى هذه الصفة البتة؟ فيكون الجواب كلاهما مناسب لهذه المرأة مع أني قرأت في المغني لابن قدامة وغيره أن الكفاءة بالنسب ليست شرطاً، ولكنه وصف معتبر، كأنه يقول: شرط تكميلي على حد فهمي القاصر؟
هذا ليس بشرط عند أهل العلم البتة، والأولوية في هذا للسابق منهما، إذا تساووا من كل وجه، اللهم إلا إذا كان تقديم من ينتسب إلى القبيلة من باب درء المفاسد المترتبة على هذا الأمر؛ لأنه وجد مشاكل ترتبت على تزويج غير القبيلي بقبيلية، والعكس أيضاً وجد مشاكل، وترتب عليه مفاسد على كل حال إذا كان النظر إلى مثل هذه المفاسد وهذه المشاكل من شخص لا يستطيع أن يتصدى لها، أو يكون قدوة لغيره في إلغاء هذه العصبية الجاهلية فالأمر لا يعدوه؛ لأن ما يترتب عليه مفاسد ينبغي أن يدرأ بقدر الإمكان، وأما الكفاءة فهي في الدين، والبخاري -رحمه الله تعالى- قال: "باب: الأكفاء في الدين" في كتاب النكاح قال: "الأكفاء في الدين" ثم ذكر حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وكانت تحت المقداد، وكان مولى -رضي الله عنه وأرضاه-، وفاطمة بنت قيس قال لها: «انكحي أسامة» وبلال أيضاً تزوج وسلمان وغيرهم تزوجوا من العرب.
الأصل أن تصلي مع الإمام هذا إذا صليت في رحلك، والنص يدل على هذا دلالة واضحة «إذا صليتما في رحالكما» هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا صلى في رحله يصلي مع الإمام إذا جاء فهي له نافلة، والمعنى يتناول من صلى في مسجد آخر ثم جاء إلى المسجد والصلاة قد أقيمت يصلي معهم؛ لأن العلة موجودة سواءً كان صلى في رحله أو صلى في مسجد آخر؛ لئلا يظن به ظن سوء، فالأولى أن يصلي مع الإمام.
بول ما يؤكل لحمه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في هذا الدرس طاهر، على المرجح طاهر، فالصلاة فيها صحيحة.
ارفع الكتب عنه، ولا تجعلها في متناوله، وبعض الناس يتسامح في هذا جداً، بعض الناس يتسامح في مثل هذا، وبعضهم يحضر الطفل إلى المسجد، ويؤذي المصلين ويعبث بالمصاحف والوالد لا يحرك ساكناً، فلا شك أنه لو عبث بشيء مما اشتراه من متاع دنياه، لا شك أنه لا يمكنه من ذلك، ولو أراد الذهاب إلى شيء يضره، المصاحف في قبلة المصلين يعبث بها، لكن دعه يذهب إلى المروحة هذه التي جنب المصاحف وهي تشتغل ما يتركه أبوه أبداً؛ لئلا تؤذيه.
هذا الكتاب على طريقة المتقدمين في التعليل لكنه لم يوجد كاملاً، طبع منه قطعة، طبع منه قطعة، لا يوجد كامل، والكتاب بالنسبة للطلبة المتقدمين لا بد منه، لا يستغني عنه طالب علم يريد هذا العلم، إلا من استغنى عن هذا العلم بالكلية، أما بالنسبة للطلاب المبتدئين، أو يشرح في دورة يحضرها الخليط من الطلاب المبتدئ والمتوسط والمنتهي، لا، هذا ما يصلح أبداً، إنما يشرح لمجموعة من الطلاب ممن تأهلوا لذلك.
القاعدة الأولية عند أهل العلم أنه إذا كان بين سفيان وبين أصحاب الكتب الستة واحد فقط فهو ابن عيينة، وإن كان أكثر من واحد فهو الثوري؛ لأن الثور أقدم، وهناك أمور وقرائن تدل على المراد، هذا إذا لم نستطع بواسطة الشيوخ والتلاميذ فالحافظ الذهبي ذكر بعض الضوابط والقواعد في آخر المجلد السابع من السير.
قيء الرضيع إذا كان كثيراً فلا شك أنه خرج من المعدة وهو كثير حكمه حكم بوله، حكمه حكم بوله، وأما إذا كان قليل ويسير دسعة من قلس أو شيء يسير فيكتفى بمسحه ولا يضر -إن شاء الله تعالى-.
مقتضى قول من يمنع الصلاة مطلقاً في أوقات النهي ولا سيما أن الصلاة الأولى على الجنازة تأدى بها الواجب والباقي سنة أن يمنع الصلاة فيها حتى قبل الدفن؛ لأن الصلاة الثانية سنة، وجاء النهي عن الصلاة، وصلاة الجنازة صلاة، ولكن عموم أهل العلم لا يرون بالصلاة على الجنازة لا سيما قبل الدفن شيئاً، أما بعد الدفن فينظر إلى ما بعد خروج وقت النهي فيصلى عليها؛ لأن الأمر فيها سعة، ولا يتحدد بحد.
المقصود أن معلقات مسلم كلها موصولة في الصحيح، في صحيح مسلم، هي أربعة عشر حديثاً، ثلاثة عشر موصولة في مسلم، والرابع عشر موصول في البخاري، فلا داعي لبحثها، أما كون مسلم لم يروِ عن البخاري، ولم يخرج في كتابه عنه شيئاً، وكذلك البخاري لم يروِ عن الشافعي، وروايته عن أحمد نادرة في حديثين أو ثلاثة مثل هذا سببه عند أهل العلم أن أحاديث هؤلاء الأئمة محفوظة في مؤلفاتهم ومن طلابهم فهم يحرصون على الأئمة الثقات الذين يقل عندهم الطلاب أو لا تكون عندهم مؤلفات.
هذا لا يصح؛ لأن الذي عليه عتق الرقبة عليه أن يعتق رقبة كاملة ولا تقبل التشريك.
عرفنا في شرح كتاب الرقاق من صحيح الإمام البخاري أو الفتن أو غيرهما من الكتب أن هذه الموضوعات لا بد منها لطالب العلم المبتدئ والمنتهي وللكبير والصغير والمتعلم والعامي وللعالم والجاهل وللناس كلهم؛ لأنها هي التي تسوق الناس إلى العمل، والغفلة عنها من قبل طلاب العلم لا يعني عدم أهميتها، والفقه في الدين الذي جاء مدحه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» تدخل فيه هذه الأبواب دخولاً أولياً، يعني بعد العقائد والأحكام لا بد من النظر في هذه؛ لأنه ما الذي يحث العالم أو المتعلم على العمل إذا لم يوجد مثل هذه الأبواب؟