شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (21)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فيما تُرجم عليه بـ "باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه"
قال: "حدثني أبو غسان المسمعي قال: حدثنا معاذ وهو ابن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة عن ثابت بن الضحاك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على رجل نذر فيما لا يملك»"، وهذا تقدم في الحديث السابق في الرواية السابقة، وأنه لو قال إنسان: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي فله عليَّ أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بمال فلان، أو بشيء من مال.. هذا هذا لا يملكه، "«ليس على رجل نذر فيما لا يملك»".
وذكرنا بالأمس أن من أهل العلم من يلزمه بكفارة يمين، والحديث ليس فيه شيء من ذلك، والأصل براءة الذمة، ليس على رجل نذر فيما لا يملك يعني لا نذر، ولا ما يترتب على النذر.
"«ولعن المؤمن كقتله، ولعن المؤمن كقتله»" يعني في أصل التحريم، يعني لعن المؤمن محرم كما أن قتله محرم، ولا يعني أنهما يستويان في الجرم، والتشبيه لا يلزم منه مطابقة المشبَّه بالمشبَّه به من كل وجه، يعني من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص:1] ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن؛ لأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، لكن هل يعني هذا أن من قرأ القرآن وختمه من أوله إلى آخره بما في ذلك الفاتحة التي هي أعظم سورة في القرآن وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله وبقية الآيات التي تزيد على ستة آلاف، من قرأه كل حرف بعشر حسنات، هل هو مطابق من كل وجه لمن قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص:1] ثلاث مرات، ومن حلف على أن يقرأ القرآن واقتصر على قراءة قل هو الله أحد ثلاث مرات يكفيه؟ لا، ما يكفي.
"«لعن المؤمن كقتله، لعن المؤمن كقتله»" هذا لا شك أنه يتضمن وعيدًا شديدًا على من لعن المؤمن، فلا يجوز لعنه وإن كان أهلاً للعن، وإلا رجعت على قائله،ا نسأل الله العافية، قالوا: ووجه الشبه بين اللعن والقتل أن اللعن قضاء عليه بإخراجه من رحمة الله تعالى، وقتله قضاء عليه بإخراجه من هذه الدنيا، وإذا قلنا بمقتضى هذا الكلام أنه يكون اللعن أشد من القتل؛ لأن الإخراج من رحمة الله أعظم من مجرد فوات هذه الدنيا الزائلة الفانية، لكن قتله إخراج حقيقي له من هذه الدنيا، يعني انتهت حياته، لكن إذا لعنه هل معناه أنه خرج من رحمة الله؟ أو أنه دعا عليه بأن يُخرج من رحمة الله؟ وفي الغالب أنه إذا لم يثبت فيه لعن عن الله وعن رسوله أنه يكون اعتداءً، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله السارق، لعن الله شارب الخمر، يعني على سبيل العموم، لا على سبيل الإفراد، ولذا لا يجوز لعن شارب بعينه، ولا يجوز لعن سارق بعينه ولا المتبرجات ولا النامصات بمفرداتهن، وإن كان اللعن الإجمالي ثبت به النص. "«ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة»" مثل ما تقدم «من تحسى سَمًّا فهو يتحساه في نار جهنم»، «من ترى من جبل»، «من قتل نفسه بحديدة» إلى غير ذلك مما تقدم من الأمثلة على هذا.
"«ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة»" قد استدل بهذا من يقول بوجوب المماثلة في القصاص، الله -جل وعلا- يعذبه بمثل ما قتل به نفسه، وهذه مماثلة، استدلوا على وجوب المماثلة بمثل هذا، لكن هناك نصوص أخص؛ لأن هذا قياس على فعل الله -جل وعلا-، لكن في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رض رأس اليهودي بين حجرين لماذا؟ لأنه فعل بالجارية كذلك، رض رأسها بين حجرين، وفعل بالعرنيين -عليه الصلاة والسلام- نظير ما فعلوا بالراعي، هذه من أدلة المماثلة في القتل ما لم تكن وسيلة القتل محرمة، إذا كانت وسيلة القتل محرمة فلا يجوز المماثلة فيها، أما إذا كانت مباحة في مثل هذه الأمثلة المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [سورة النحل:126].
"«ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثَّر بها لم يزده الله إلا قلة، ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة»" والدعوى كما تكون بالقول تكون أيضًا بالفعل، فكون الإنسان يدعي وصفًا لم يتصف به من علم أو عبادة أو غنى وثراء هذا لا يلبث أن يُطَّلع على حقيقة حاله فيذل بين الناس ويسقط من أعينهم «والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» فعلى الإنسان أن يبدو على حقيقته، وأن يعرف قدر نفسه، وإذا عرف الإنسان قدر نفسه ارتاح واطمأن، بخلاف ما إذا أظهر نفسه بخلاف ما هو عليه في الواقع فإنه يتعب، ويشاهد من الناس الذين يتملقون ويتزلفون ويظهرون لغيرهم أنهم على مستوى لم يبلغوه، يَتعَبون ويُتعِبون، «كلابس ثوبي زور» والزور محرم بلا شك.
فإذا كان في مناسبة كما يحصل في الأفراح مثلاً رجل ما عنده ثياب حسنة أو ما عنده بشت يريد أن يتزين به أمام الناس، وراح يستعير، أو امرأة ما عندها حلي، وذهبت تستعير حليًّا أو ثوبًا من الثياب الفاخرة التي منها ما يؤجر ومنها ما يعار ومنها.. يدخل في هذا أو ما يدخل؟ هذا جاء للناس وعليه أو استعار سيارة، وكثيرًا ما تستعار السيارات في أوقات الأعراس لاسيما العريس يستعير أو يستأجر سيارة فاخرة، لو يجمع عمره كله ما يفضل من دخله ما حصل على قيمتها ماذا نقول؟ يدخل في المتشبع؟ لماذا؟ لأن من أهل العلم من أدخل من تستعير الحلي وتتزين به قال: متشبعة بما لم تعطَ، وقل مثل هذا في الرجل، جرت عادة الناس وعرفهم بأنه لا يمكن أن يدخل العريس بثوبه الذي لبسه أمس، وإن لم يكن عنده غيره أو الذي قبله، أو بثوب مهنته، لا بد أن يغيِّر من حاله ما يناسب الظرف.
أقول: جرت العادة بذلك، والنساء يحضرن الأعراس والأفراح والأعياد بأوضاع مناسبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلبس أحسن ثيابه في العيد والجمعة وللقاء الوفود -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك قال جمع من أهل العلم: إن مثل هذا لا يدخل؛ لأن هذا جرت به العادة، ويعرف الناس واقع هذا الشخص مهما تجمَّل، ومهما ركب من السيارات الفارهة أو غيرها يعرفون مستواه، فلا يكون في هذا غش ولا تدليس ولا تزوير، ولا شك أن هناك مناسبات شرعية جاءت الأدلة بأنها تميَّز على غيرها كالأعياد ومناسبات الأفراح، تزوج عبد الرحمن بن عوف، وجاء وعلى ثوبه أثر صفرة وغير ذلك، المهم أن المقصود أن لكل حالة لبوسها، ولكن ينبغي أن يكون الإنسان مقارِبًا.
شخص فقير ذهب ليخطب من أسرة غنية فاستدان خمسة آلاف من فئة الخمسمائة عشر ورقات فذهب إليهم استعار سيارة فاخرة أو استأجر، ودخل في السيارة إلى أن وصل قرب المجلس، واستقبلوه على أنه من الأثرياء، فجلس وأخرج خمسمائة مسح بها جبينه ورماها في الزبالة، والخمسمائة الثانية ما أدري ما صنع بها، ولم يخرج منهم إلا وقد عقد له وهو مستدينهن دينًا، يعني مثل هذا -نسأل الله العافية- مثل هذا الذي يقع فيه الذم الشديد، أما إنسان استعار بشتًا أو استعار سيارة مقارِبة، ما هي من سيارات الملوك والأمراء والوزراء، لا، سيارة أفضل من سيارته يعني مناسبة لهذا الظرف، إما يوم عيد أو عرس أو شيء من هذا الناس تعارفوا على أن هذا متداوَل بينهم من غير نكير، ولذا لا يدخل.
«ومن ادعى دعوى كاذبة» يدعي أنه من أهل العلم وحملته، ويزعم أنه حفظ كذا وكذا، وقرأ كذا وكذا على الشيوخ، ورحل إلى بلد كذا وكذا من البلدان، فصار يدلس على الناس ويقول: حدثني فلان بقرطبة، ماذا يفهم الناس؟ أنه رحل إلى الأندلس وقرطبة حي من أحياء بلده، هذا يسمونه تدليس البلدان، هذا لا شك أنه داخل في المتشبع بما لم يعطَ، والذي يزعم أنه حفظ من الأحاديث ومن المتون، وحقيقة الأمر ليست كذلك هذا متشبع بما لم يعط، ومن يزعم أنه يقوم بعبادات على خلاف واقعه هذا مذموم، وسيفضحه الله ولا يرجع بعد ذلك إلى موقعه الطبيعي عند الناس أبدًا، يسقط من أعينهم، يعني لو خرج بمظهره الطبيعي صار شخصًا عاديًّا وفيه مزايا وفيه محاسن، لكن لو ادعى دعوى ليست فيه لم يصدِّقه الناس بما فيه، يعني ذهب الصحيح والباطل جزاءً وفاقًا.
"«ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثَّر بها لم يزده الله إلا قلة، ومن حلف على يمين صبر فاجرة، ومن حلف على يمين صبر فاجرة»" هي التي تؤدَّى بطلب من الحاكم، ومفادها أنه ليقتطع بها مال مسلم، وهي التي تسمى عند أهل العلم الغموس، أين الجواب؟ جواب الشرط "«ومن حلف على يمين صبر فاجرة»" إما أن يقال هو معطوف على ما تقدم فجوابه جوابه، إما أن يقال فهو مثله، يعني مثل الذي تقدم لم يزده الله إلا قلة، يعني حلف على مال سوف يكون هذا المال الذي أخذه بغير حق وحلف عليه يمين صبر وبالاً عليه، نسأل الله العافية، أو يكون جوابه كما جاء في الحديث الآخر «لقي الله وهو عليه غضبان» لقي الله وهو عليه غضبان.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور وعبد الوارث بن عبد الصمد" عبد الوارث بن عبد الصمد "كلهم عن عبد الصمد بن عبد الوارث" عن عبد الصمد بن عبد الوارث، "عن شعبة وهو ابن الحجاج أبو بسطام، "عن أيوب" بن أبي تميمة السختياني "عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجَرمي، "عن ثابت بن الضحاك الأنصاري ح وحدثنا محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن الثوري" عبد الرزاق بن همام الصنعاني "عن الثوري" سفيان بن سعيد الإمام المشهور، "عن خالد الحذاء" خالد الحذاء خالد بن مهران الحذاء قالوا: إنه ما حذا نعلاً قط، لكنه يجلس عند الحذائين فنسب إليهم، ومنهم من يقول: إنه من كثرة ما يقول: احذوا نحو هذا أو حذو هذا قيل له: حذاء، والناس يلقِّبون من يتكرر منه شيء به، إذا تكررت كلمة عند شخص صارت لقبه، هذا معروف عند الناس إلى يومنا هذا.
"عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف بملة سوى الإسلام كاذبًا متعمدًا»" يعني حلف باليهودية أو بالنصرانية أو قال: باللات أو بالعزى، فهو كما قال كاذبًا، طيب لو كان صادق الوصف وصفًا كاشفًا لا مفهوم له؛ لأن اللفظ يقتضي تعظيم المحلوف به حتى لو حلف وهو صادق باليهودية أو بالنصرانية استحق الوعيد، متعمدًا يعني قاصدًا ذلك، بخلاف ما لو جرى على لسانه، يعني مر على باله كلام لمشرك مثلاً وفيه شيء من شركه ثم رده من غير قصد يختلف عن هذا، لكن المقصود متعمدًا قاصدًا لما قال.
"«فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم» هذا حديث سفيان، وأما شعبة فحديثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف بملة سوى الإسلام كاذبًا فهو كما قال»"، هناك «من حلف بملة سوى الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال»، واللفظ واحد، "«ومن ذبح نفسه»" في حديث شعبة: "«ومن ذبح نفسه بشيء ذبح به يوم القيامة»"، في حديث سفيان: «ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم»، حديث شعبة: «ومن ذبح نفسه» هناك: «من قتل»، وهنا: «من ذبح»، وهناك: «في نار جهنم»، وهنا: «ذبح به يوم القيامة»، والمعنى واحد، والرواية بالمعنى جائزة عند أهل العلم بشرطها أن يكون الراوي عارفًا بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني، إذا كان كذلك جازت الرواية بالمعنى عند عامة أهل الحديث.
نفر يسير منهم قال: لا تجوز الرواية بالمعنى، لا بد من الأداء باللفظ منهم محمد بن سيرين ويرى عدم جواز الرواية بالمعنى، وأما عامة أهل العلم فيرون جواز رواية الحديث بالمعنى لاسيما وأن كتب السنة طافحة بها.
الآن الأحاديث التي مرت بنا في الباب حديث واحد يروى من طرق متعددة بألفاظ متعددة، وفي البخاري مثل ذلك، وفي غيرهما من كتب السنة الشيء الذي لا يمكن أن يحاط به ثم قال: "وحدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزاق قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق" حدثنا عبد الرزاق، الآن قال محمد بن رافع وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزاق قال: قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، يعني إذا روى الحديث عن أكثر من واحد، ثم أعاد واحدًا منهم أو منهما كما هنا فالغالب أنه هو صاحب اللفظ، لفظ الحديث، والإمام البخاري- رحمه الله تعالى- طريقته أنه إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما، يعني مسلم ينص على صاحب اللفظ حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، وهنا أعاد الأول، فبالاستقراء أن اللفظ له، والبخاري كما يقول ابن حجر ظهر بالاستقراء أنه إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما لا للأول.
"وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب" معمر بن راشد، "عن الزهري" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام المشهور، "عن ابن المسيب سعيد الإمام العلَم، "عن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حنينًا" يعني غزوة حنين، وقال القاضي عياض: صوابه خيبر، قال القاضي عياض: صواب اللفظ خيبر، يعني تصحفت خيبر إلى حنين وهما في الخط متقاربان يسمى تصحيفًا، حنين وخيبر في الكتابة متقاربان لاسيما في كتابة المتقدمين، لا تظن أنها من الدقة مثل ما عندنا من الكتابة وتثبيت الحروف ووضع النقط في مكانها، لا، حتى في أول الأمر ما فيه إعجام، ما فيه نقط، يعني ما فيه في الصورة فرق بين حنين وخيبر إلا شيئًا يسيرًا إذا رفعت النقط فما بقي شيء، صارت متقاربة، ولذلك قال هنا: حنينًا، وعياض يقول: صوابه خيبر.
"فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام «هذا من أهل النار»" قال لرجل يعني في شأنه وفي حقه، ما قال له خاطبه وقال له: أنت من أهل النار، لا، إنما قال في شأنه وفي حقه لصحابته- رضوان الله عليهم-: هو من أهل النار {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأنبياء:47] اللام هنا بمعنى في، في يوم القيامة، وهنا لرجل يعني في حقه، في حق هذا الرجل، لرجل ممن يدعى بالإسلام: هذا من أهل النار، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب، لكنه أطلع على حقيقة هذا الرجل.
"«هذا من أهل النار» فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديدًا" قاتل الرجل قتالاً شديدًا، يعني بعض الصحابة كاد أن يرتاب كيف يكون من أهل النار وهذا إقدامه وهذا إنكاؤه بالعدو؟! "قاتل قتالاً شديدًا فأصابته جراحة" فأصابته جراحة "فقيل: يا رسول الله، إن الرجل الذي قلت له آنفًا" يعني قريبًا من أهل النار "فإنه قاتل اليوم قتالاً شديدًا وقد مات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إلى النار»" إلى النار، يعني الظاهر الذي ما يعرف حقيقة الحال قاتل قتالًا شديدًا وقتل في المعركة يقول شهيد، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "«إلى النار»، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب" فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، "فبينما هم على ذلك إذ قيل له: إنه لم يمت ولكن به جراحًا شديدًا" يعني ما مات بنفس المعركة، أصيب، به جراح شديد، "فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح" لم يصبر على الجراح، "فقتل نفسه، فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، أشهد أني عبد الله ورسوله»" يعني ظهر ما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- إلى عالَم الشهود خلاص عرف الناس حقيقة الحال بعد أن كادوا أن يرتابوا: "«أشهد أني عبد الله ورسوله»، ثم أمر بلالاً فنادى في الناس" "«أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»"، وفي رواية: الفاسق، وفي رواية: الكافر.
يؤيد هذا الدين بهذا الرجل، أما أُيد الدين بأبي طالب وهو كافر؟ هذا الرجل الذي تبين من حاله أنه من المنافقين كما أشار بعضهم كالخطيب البغدادي قال: اسمه قزمان، وهو من المنافقين، وأيد هذا الدين بهذا الرجل، بمعنى أنه صارت له نكاية بالعدو، ومعلوم أن ما يضعف العدو نصر للدين.
"كاد بعض المسلمين أن يرتاب" يعني دخول أن من بعد كاد قليل، والأصل حذفها، ولكن دخولها صحيح ووارد في لغة العرب، لكنه أقل من حذفها، كاد أن يرتاب، عندنا كاد المُثْبَتة وكاد المنفية، كاد أن يفعل، ولم يكد أن يفعل، كاد أن يفعل معناه أنه لم يفعل، لكن قرب منه، ولم يكد يفعل معناه أنه فعل بعد الجَهد، قوله -جل وعلا- عن الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طـه:15] أخفاها أم ما أخفاها؟ وعندنا كاد هنا بعض المسلمين أن يرتابوا هل ارتابوا أم ما ارتابوا؟
طالب: .........
قاربوا {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طـه:15] يعني قارب أن يخفيها، ما معناها؟ أنه لم يخفها، والنصوص كلها تدل على أنه لا يعلم وقت الساعة إلا الله -جل وعلا-، فالحقيقة أنه أخفاها يعني قال بعض المفسرين في الآية: أكاد أخفيها حتى من نفسي، وإلا فمن غيره -جل وعلا- مخفاة لا يعلمها إلا الله، ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، فهي خفية على غيره -جل وعلا-.
ثم قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب، وهو ابن عبد الرحمن القاري حي من العرب" القارَة حي من العرب من القارَة، حي من العرب يعني القاري؛ نسبة إلى هذا الحي من العرب، "عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون" التقى هو والمشركون، هو: هذا ضمير فصل له محل من الإعراب أم ليس له محل؟ لا محل له من الإعراب، وجوده ضروري أم ما هو بضروري لو حذفنا التقى والمشركون..
طالب: .........
كلام سليم؟ يعني يجوز حذفها، التقى والمشركون، يعني هو هذه ضمير فصل يؤتى به للفصل بين ضمير الرفع المتصل يعني المستتر هو من قبل المتصل وما يعطف عليه.
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما .................. |
|
....................................... |
أي فاصل.. أنك ما تعطف مباشرة لا بد من الفاصل، والغالب أنه الضمير المنفصل كما هنا.
أو فاصل ما وبلا فصل يرد |
|
....................................... |
يقول ابن مالك:
....................................... |
|
في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد |
........................................ |
|
في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد |
"فاقتتلوا، فلما مال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل" هو الذي ذكر في الحديث السابق "لا يدع لهم شاذَّة إلا اتبعها" لا يدع شاذَّة ولا فاذَّة، يعني لا يترك شيئًا "لا يدع لهم شاذَّة إلا اتبعها ويضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان" يعني ما صنع أحد مثل ما صنع هذا الرجل من الإقدام والشجاعة والنكاية في العدو "كما أجزأ فلان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه من أهل النار»" نعوذ بالله «أما إنه من أهل النار» "فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا" يعني أنا ألزمه.
هذا من حرص الصحابة، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: يدخل رجل من أهل الجنة فقال عبد الله بن عمرو ليكشف خبره ذهب إليه في بيته وقال: بيني وبين والدي وحشة، وبات عنده ليرى السبب؛ ليطبق، ما هو يمر الكلام مثل ما دخل مع إذن يطلع مع الأخرى، لا، الصحابة أهل حرص على ما ينفعهم، هذاك من أهل الجنة فلزمه لينظر في عمله ليعمل بمثل ما عمل به؛ ليكون من أهل الجنة، وهذا من أهل النار "فقال: أنا صاحبه أبدًا" يمكن عنده وصف نحن متلبسون به، نشوف هذا الوصف الذي من أجله صار من أهل النار لنجتنبه، "فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه من أهل النار» فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا" يعني يلازمه ولا يتركه، "قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه" فوضع نصل سيفه المقبض "بالأرض، وذبابه طرفه الأعلى المحدَّد بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه" وضع ذباب السيف طرفه الرفيع المحدَّد بعد أن وضع نصله على الأرض وأعلاه بين ثدييه وتحامل عليه بثقله "ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول الله" فقال: أشهد أنك رسول الله "قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك" فأعظم الناس ذلك هو يظهر للناس أنه من أهل التقى والورع، ويوم جاء القتال أبلى بلاءً شديدًا فالناس استغربوا.
"فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه، فقتل نفسه" فقتل نفسه بين ثدييه، كثير من أهل اللغة يخص الثدي بالمرأة، وما يقابل ثديي المرأة من الرجل يقال له: ثندوة أو ثندؤة، على أن صاحب الصحاح قال: يقال أيضًا بالنسبة للرجل، لكن الأكثر على خلافه، "فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»".
في حديث ابن مسعود يقول: حدثني الصادق المصدوق قال في آخره: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها» ما فيه قيد «فيما يبدو للناس»، «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها» من غير قيد، وهنا قال: فيما يبدو للناس، فهل القيد معتبَر أم غير معتبَر؟
طالب: .........
معتبَر، يعني ما فيه شخص يعمل صادقًا مخلصًا مدة عمره ثم يُفتَن في آخر عمره؟
طالب: .........
ما فيه؟
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
أجل لماذا يخاف الصحابة والأئمة وسلف الأمة من سوء العاقبة؟ لماذا يخافون؟
طالب: .........
هذا هو رد عليك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» إذا كان الرسول وهو في منزلته -عليه الصلاة والسلام- التي لا يدانيه فيها أحد يكثر من قول: يا مقلب القلوب، فالخوف من سوء العاقبة هو ديدن الصالحين والمخلصين، ما يقال أنا مخلص ولا علي خطر إن شاء الله، «فيما يبدو للناس» أنا هذا حقيقة حالي، ما هو الذي يبدو للناس، هذه تزكية للنفس، ولذلك يبقى الإنسان خائفًا وجلاً من سوء العاقبة، ويجاهد نفسه على الإخلاص، والسلف قاطبة ما نظروا إلى هذا القيد قالوا: خلاص ارتحنا، أمنا من سوء العاقبة؛ لأننا مخلصون، لا، ما يقولون هذا.
ثم قال: "حدثني محمد بن رافع قال: حدثنا الزبيري، وهو محمد بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا شيبان قال: سمعت الحسن يقول: «إن رجلاً ممن كان قبلكم خرجت به قرحة، فلما آذاته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها».. إن رجلاً ممن كان قبلكم»" يعني من الأمم السابقة "«خرجت به قرحة»" بثرة أو دمل أو جرح أيًّا كان، فقلق منه واشتد عليه وجعه، "«فلما آذته انتزع سهما من كنانته»" يعني من جعبة السهام التي تُكِنّها وتخفيها "«من كنانته فنكأها»" يعني خرقها أو قشرها، المقصود أنه زادها بهذا المحدَّد بهذا السهم "«فلم يرقإ الدم»" لم ينقطع الدم "«حتى مات»" حتى مات "«قال ربكم -جل وعلا-: قد حرمت عليه الجنة»، ثم مد يده إلى المسجد" يشير إليه يعني "فقال: إي والله لقد حدثني بهذا الحديث" مَن الذي يقوله؟ الحسن البصري "مد يده إلى المسجد فقال: إي والله" أقسم على أنه سمع الحديث "حدثني بهذا الحديث جندُب أو جندَب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المسجد"، وهو لا يحتاج إلى أن يشير، ولا يحتاج أن يقسم؛ لأنه ثقة من ثقات المسلمين وإمام من أئمتهم وسيد من سادات التابعين- رحمه الله-.
"«قد حرمت عليه الجنة»" وهذا من ألفاظ الوعيد كما تقدم؛ لأنه لا يخرج بذلك من الملة إلا إذا استحله، ومن الشراح من يقول: إن هذا في شرع من قبلنا.
"وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت الحسن يقول: حدثنا جندب بن عبد الله البجلي في هذا المسجد فما نسينا" يعني ضبطنا وتأكدنا من تحمل الحديث على وجهه "فما نسينا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إذا كان الصحابي مجزومًا بثقته وصدقه وضبطه وإتقانه كما قال في الحديث يقول: ما نخشى أن يكون كذب على رسول الله، وبالنسبة لنا ما نسينا، ماذا يبقى؟ يبقى أنهم ضبطوا الحديث وأتقنوه ورووه على وجهه، "وما نخشى أن يكون جُندَب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خرج برجل فيمن كان قبلكم خُرَاج»" هو القرحة السابقة "«خراج»" قالوا: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء، وهو القرحة التي جاءت في الحديث السابق، فذكر نحوه، أحيانًا يقولون: ذكره نحوه، وأحيانًا يقولون: ذكره بمثله، فإذا كان بلفظه قالوا بمثله، وإذا كان بمعناه قالوا: نحوه، وإذا كان بالمعنى قالوا: نحوه.
كم بقي؟
طالب: .........
واحدة؟
طالب: .........
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...