التعليق على تفسير القرطبي - سورة الواقعة (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

سورة الواقعة مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ سَبْعٌ وَتِسْعُونَ آيَةً، مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عباس و قَتَادَةَ: إِلَّا آيَةً مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82]. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ، مِنْهَا آيَتَانِ {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:81-82]. نَزَلَتَا فِي سَفَرِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة40:39] نَزَلَتَا فِي سَفَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ نَبَأَ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ، وَنَبَأَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَنَبَأَ أَهْلِ النَّارِ، وَنَبَأَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَنَبَأَ أَهْلِ الْآخِرَةِ، فَلْيَقْرَأْ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ. وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (التَّمْهِيِدي) و(التَّعْلِيقِ) وَالثَّعْلَبِيُّ أيضًا: أَنَّ عُثْمَانَ دَخَلَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: مَا تشتكى؟ قَالَ: ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ: أَفَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ: أَفَلَا نَأْمُرُ لَكَ بِعَطَائك؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، حَبَسْتَهُ عَنِّي فِي حَيَاتِي، وَتَدْفَعُهُ لِي عِنْدَ مَمَاتِي؟ قَالَ: يَكُونُ لِبَنَاتِكَ مِنْ بَعْدِكَ. قَالَ: أَتَخْشَى عَلَى بَنَاتِي الْفَاقَةَ مِنْ بَعْدِي؟ إِنِّي أَمَرْتُهُنَّ أَنْ يَقْرَأْنَ سُورَةَ (الْوَاقِعَةِ) كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ (الْوَاقِعَةِ) كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا»."

هذا الحديث حديث ابن مسعود لأهل العلم فيه كلامٌ طويل، والخلاصة أنه ضعيف، ضعيف لا تقوم به حجة، والجمهور الذين يرون العمل بالضعيف في الفضائل يرون أنه صالح للعمل في مثل هذا الباب، أيش قال عنه؟

طالب:..............

الشيخ: إي.

طالب:............

الشيخ: سري.

طالب:...........

الشيخ: طيبة.

طالب:...........

الشيخ: الخلاصة أن الحديث ضعيف في غاية الضعف، ولا يصلح العمل به. نعم.

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الواقعة:1] أَيْ قَامَتِ الْقِيَامَةُ، وَالْمُرَادُ النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ. وَسُمِّيَتْ وَاقِعَةٌ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَنْ قُرْبٍ. وَقِيلَ: لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الشَّدَائِدِ."

يعني تحقق، لتحقق وقوعها، لتحقق وقوعها. سميت واقعة لتحقق وقوعها، فهي واقعة لا محالة. نعم.

"وَقِيلَ: لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الشَّدَائِدِ..."

فالمستقبل المجزوم به يُنزَّل منزلة الماضي، وهي واقعة في المستقبل، لكن لتحقق وقوعها، والجزم بها، والقطع به قيل واقعة كمن وقع بالفعل كما في قوله -جلَّ وعلا-: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1] الأصل أنه يأتي، لكن للقطع بمجيئه عُبِّر عنه بالماضي الذي وقع بالفعل. نعم.

"وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيِ: اذْكُرُوا إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: "إِذَا" صِلَةٌ، أَيْ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ."

"صلة"؛ يعني لا محل لها من الإعراب، ويستقيم الكلام بدونها، ويعبرون بالصلة عن الزائد تأدبًا مع القرآن الذي تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان. وبعضهم يقول: زائدة، فالمعنى وقعت الواقعة، ولا شك أن هذا في مثل هذا التعبير لا يناسب القرآن المحفوظ من الزيادة والنقصان. نعم.

"كَقَوْلِهِ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}[القمر:1] و{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل:1] وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: قَدْ جَاءَ الصَّوْمُ أَيْ دَنَا وَاقْتَرَبَ."

لكن من حيث المعنى "إِذا" ظرف لما يستقبل من الزمان، و"الواقعة" التي هي القيامة تقع في المستقبل من الزمان، فمعناها صحيح وموقعها صحيح، لكن حينما يقولون: أنها صلة؛ ليوفقوا بين "إِذَا" التي هي لما يستقبل من الزمان، وبين "الواقعة" الحاصلة لا محالة التي مقتضى ذلك أن تكون فيما مضى ولو على سبيل التقدير. المقصود أنهم يرون أن بين "إِذا" و"الواقعة" تنافر لا بد من دفعه، يرون أنها واقعة بالفعل مجزوم بوقعها ومقطوعٍ به لكنها مع الجزم بوقوعها هي لم تقع. هي تقع فيما يستقبل من الزمان فناسب أن يدخل عليها "إِذا". نعم.

"وَعَلَى الْأَوَّلِ "إِذَا" لِلْوَقْتِ، وَالْجَوَابُ قَوْلُهُ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}[الواقعة:8]. {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:2]. الْكَاذِبَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْكَذِبِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَضَعُ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً}[الغاشية:11] أَيْ لَغْوًا، وَالْمَعْنَى لَا يُسْمَعُ لَهَا كَذِبٌ؛ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَامَّةِ: عَائِذًا بِاللَّهِ أَيْ مَعَاذَ اللَّهِ، وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قُمْ قِيَامًا. وَلِبَعْضِ نِسَاءِ الْعَرَبِ تُرَقِّصُ ابْنَهَا:

قُمْ قَائِمًا قُمْ قَائِمَا

 

أَصَبْتَ عَبْدًا نَائِمَا

وَقِيلَ: الْكَاذِبَةُ صِفَةٌ وَالْمَوْصُوفُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا حَالٌ كَاذِبَةٌ، أَوْ نَفْسٌ كَاذِبَةٌ، أَيْ كُلُّ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ وَقْعَتِهَا صَادِقٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ..."

لأن وقوعها هو المطابق للواقع؛ لأنها جاءت في خبر الصادق، جاءت بخبر الله -جلَّ وعلا-، وخبر نبيه عن ربه -عليه الصلاة والسلام- القطعي، فمطابقتها للواقع مقطوعٍ بها {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة:2] مخالفة للواقع. لا، إنما مطابقتها للواقع مجزومٌ به.

"وَقَالَ الزَّجَّاجُ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة:2]. أَيْ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا أَحَدٌ يُكَذِّبُ بها. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ أيضًا: لَيْسَ لَهَا تَكْذِيبٌ، أَيْ يَنْبَغِي أَلَّا يُكَذِّبَ بِهَا أَحَدٌ. وَقِيلَ: إِنَّ قِيَامَهَا جَدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ."

قول الثوري: ليس لوقعتها أحدٌ يكذب بها ثم قبل مجيئها فوُجِد من يكذب بقيام الساعة من المشركين، أما إذا وقعت كما هو مقتضى السياق فإنك لن تجد أحدًا يكذب بها، {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة:2] إذا وقعت. أما قبل أن تقع فالمفترض أن لا يكذب بها أحد، هذا الأصل؛ لأنها جاءت بالخبر المقطوع بصدقه هذا هو المفترض. وأما كونه يوجد من يكذب بقيام الساعة، ومن يكذب بالبعث فهذا موجود، لكن يوجد أيضًا في طوائف الكفر من يصدق بقيام الساعة، وإن لم يسمها "الساعة" أو "الواقعة" أو "الحاقة"، إنما قد يسمونها "خراب العالم" يعبرون بهذا، يسمونها "خراب العالم" ويريدون بذلك قيام الساعة. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى..."

يعني في علومهم ما يدل على ذلك، يعني عندهم أدلة وبراهين على ذلك، وإن لم يأخذوه من شرع، لكن عندهم في علومهم التي قد يكون في بعض أطواره أطوار علمهم من تأثر بالمنزَّل في الديانات وتوارثوه عن ذلك، وإلا فهم معروف أن المشركين ينكرون ما جاء به القرآن، وما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه، منهم من ينكر جهلًا منه، ومنهم من ينكر جحدًا بلسانه وإن استيقن ذلك بقلبه لكن الإنكار موجود، والتكذيب موجود. نعم.

"{خَافِضَة} [الواقعة:3]."

لحظة!

طالب:.............

الشيخ: هذا تعبير غير شرعي. هذا التعبير غير شرعي، يعني "قيام الساعة" وهي "الواقعة"، وهي "الحاقة"، وهي "الطامة"، وهي "الصاخة" وهي لها أسماء كثيرة، هذه أسماء شرعية. أما ما يقال من "خراب العالم" أو "نهاية التاريخ" أو "فساد الكون" أو ما أشبه ذلك هذا كله تعبيرات من يفر من الإقرار بما جاء به الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:3] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ..."

يعني هي علوم، علوم مضطربة وكل علم غيبي متلقي عن غير الوحي فمآله إلى الزيغ والضلال. كل علمٍ غيبي لا يدركه عقل، وليس له نظير يقاس عليه، ثم لا يؤخذ من مصادره الذي يعلم الغيب هو الله -جلَّ وعلا-، فإذا جاء عن الله وعن رسوله المبلغ عنه الذي لا ينطق عن الهوى فعلى العين والرأس، يعني من الطرائف التي يمكن أن يتندر بها بل هي محل تندر بل محل اضطرابٍ كبير أن ممن يزعم المعرفة والخبرة بعلم الفلك من يقول: أن خراب العالم يكون بعد اثنين ونصف تريليون سنة. ومنهم من يقول وهو مشهود له بالخبرة: أن خراب العالم سنة ألفين واثنا عشر، كم بينهم؟ مدة يسيرة الخلاف يسير؟ الخطف سهل بينهم؟ لا، اثنين ونصف تريليون سنة بقي على خراب العالم، والثاني يقول: سنة ألفين واثني عشر، يعني بعد سنتين وقليل. كفاهم عيبًا تناقض قولهم، هل هذا علم؟ هل هذا يمكن أن يسند يستند عليه بشيء؟ ممكن أن يعول عليه بشيء؟ عندنا كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فلا نحتاج لأحد، لا نحتاج لأحد، ولا ظنون عندنا ولا تخرصات، علومنا مضبوطة ومتقنة الذي تبلغه عقولنا ونفهمه عن الله -جلَّ وعلا- نصدق به ونؤمن به، والذي لا نعلمه نكل علمه إلى عالمه إلى الله -جلَّ وعلا-. نعم.

"قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: خَفَضَتِ الصَّوْتَ فَأَسْمَعَتْ مَنْ دَنَا وَرَفَعَتْ مَنْ نَأَى، يَعْنِي أَسْمَعَتِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: خَفَضَتِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَرَفَعَتِ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ..."

نعم ترجع الموازين إلى حقيقتها، تنتهي كل الاعتبارات التي تخضع لها الموازين في الدنيا، يعني تجد شخصا لا شيء يرفع في الدنيا فوق منزلته بمراحل، وآخر يعدل ملء الأرض مثل الأول ولا يُؤبَه له ولا يلتفت إليه. هذه موازين الدنيا التي اختلت، يعني لما كانت الموازين شرعية هي مضبوطة، يبقى أنه يكون في تطبيق هذه الموازين شيء يمكن لا يكون دقيقا، لكن يبقى أن الأصل أن الشرع هو الميزان. تساهل الناس في الموازين الشرعية فحصل الخفض والرفع بحسب الأهواء، وبحسب القرب والبعد من أصحاب القرار المتنفذين، وبحسب إعجابهم وعدمه، لكن {إذا وقعت الواقعة} [الواقعة:1] انتهت كل هذه الاعتبارات، تبقى موازين شرعية. ميزانك بحسب عملك، وبحسب صدقك مع ربك، وبحسب علمك. أما الاعتبارات الأخرى كلها تزول. «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»  ينتهي كل شيء غير ما يقرره الشرع، ويعتبره الشرع {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:3] تجد هذا الشخص مرفوعا بين الناس إلى عنان السماء بلا شيء هذا {إذا وقعت الواقعة} [الواقعة:1] انخفض نزل إلى موقعه الطبيعي، وذلك الشخص المغمور الذي لا يُلتَفت إليه يرتفع، والميزان الشرعي «إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به أخريين»، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]، ينتهي وإن رفعوه، ينتهي، هذا كله ينتهي ارتفع بجاهه، ارتفع بماله، المعول على العمل الصالح. نعم.

"وَقَالَ قَتَادَةُ: خَفَضَتْ أَقْوَامًا فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَرَفَعَتْ أَقْوَامًا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: خَفَضَتْ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي النَّارِ، وَرَفَعَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: خَفَضَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَرْفُوعِينَ، وَرَفَعَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَخْفُوضِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: خَفَضَتْ أَقْوَامًا بِالْعَدْلِ، وَرَفَعَتْ آخَرِينَ بِالْفَضْلِ. وَالْخَفْضُ وَالرَّفْعُ يُسْتَعْمَلَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْمَكَانِ وَالْمَكَانَةِ، وَالْعِزِّ وَالْمَهَانَةِ."

يعني منه الحسي ومنه المعنوي. مر رجل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فسأل عنه فقالوا: هذا فلان، وأخذوا يثنون عليه ويمدحونه، وأنه حري إن شفع أن يشفع، وإن خطب أن يزوج، ثم مر آخر فسئل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فكأنهم قللوا من شأنه، وأنه إن شفع لن يشفع، وإن استأذن لن يُؤذَن له، وإن خطب لا يزوج، فقال: «هذا خيرًا من ملء الأرض من ذاك» فالعبرة بالميزان الشرعي، أما كون الناس أو كون من بيده القرار يرفع ويخفض هذا لا قيمة له. نعم يعيش في الدنيا وقد يضره ما وكل إليه مما لا يستحقه، قد يتضرر به، قد يُرفَع الإنسان فوق منزلته، وينال بسبب ذلك من الشرف والمال ما يكون قاتلًا له في الحقيقة، وقد يمنع الكفء من موقعه ومن مكانه ومكانته فيكون رفعةً له في الدنيا والآخرة. نعم.

طالب:...........

الشيخ: أقومًا لا. انتهت الطاعة في مقابل العذاب في ثواب الله.

"وَنَسَبَ سُبْحَانَهُ الْخَفْضَ وَالرَّفْعَ لِلْقِيَامَةِ تَوَسُّعًا وَمَجَازًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إِضَافَتِهَا الْفِعْلَ إِلَى الْمَحَلِّ وَالزَّمَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الْفِعْلُ، يَقُولُونَ: لَيْلٌ نَائِمٌ وَنَهَارٌ صَائِمٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[سبأ:33] وَالْخَافِضُ وَالرَّافِعُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، فَرَفَعَ أَوْلِيَاءَهُ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَخَفَضَ أَعْدَاءَهُ فِي أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ..."

قد ينسب الفعل على سبيل التوسع إلى السبب، فيقال: أنبت المطر، فالمطر سبب في الإنبات، والمنبت هو الله -جلَّ وعلا-. نعم.

"وَقَرَأَ الْحَسَنُ َوعِيسَى الثَّقَفِيُّ {خَافِضَة رَافِعَة} [الواقعة:3]. بِالنَّصْبِ. والْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأ، وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الْحَالِ. وَهُوَ عِنْدَ الْفَرَّاءِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَالْمَعْنَى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة 1-2]، وَقَعَتْ {خَافِضَةً رَافِعَةً} [الواقعة:3]. وَالْقِيَامَةُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهَا، وَأَنَّهَا تَرْفَعُ..."

يعني العامل في الحال مقدر، العامل في الحال مقدر يفسِّره الفعل السابق؛ لأن الفعل السابق اكتفى فلا يسلط على الحال، وقد اكتفى بمعموله يقول: لا مانع أن يكون الحال معمولاً لوقعة الأولى {إذا وقعت الواقعة} [الواقعة:1] حال كونها {خافضة رافعة} [الواقعة:3] فلا نحتاج إلى تقدير. نعم.

"وَالْقِيَامَةُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهَا، وَأَنَّهَا تَرْفَعُ أَقْوَامًا وَتَضَعُ آخَرِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة:4] أَيْ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ، يُقَالُ: رَجَّهُ يَرُجُّهُ رَجًّا أَيْ حَرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ. وَنَاقَةٌ رَجَّاءُ أَيْ عَظِيمَةُ السَّنَامِ. وَفِي الْحَدِيثِ..."

يعني السنام ما يتحرك ويرتج. نعم.

"وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ حِينَ يَرْتَجُّ فَلَا ذِمَّةَ لَهُ»، يَعْنِي إِذَا اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ."

نعم؛ لأنه يغلب على الظن فيه الهلاك، ومثله الذي يركب الطائرة في أجواءٍ سيئة يغلب على الظن أنها تتأثر بها، هذا يُلقي بيده إلى التهلكة، هذا مُخاطِر، هذا إذا غلب على الظن حديث «من ركب البحر...».

طالب:.............

الشيخ: نعم.

"قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَوْحَى إِلَيْهَا اضْطَرَبَتْ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى."

يعني جاء في سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:1-2]. وهو المشار إليه "بالرج" هنا هو الزلزلة.

"قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَرْتَجُّ كَمَا يَرْتَجُّ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ حَتَّى يَنْهَدِمَ كُلُّ مَا عَلَيْهَا، وَيَنْكَسِرَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا."

قد تحصل الزلزلة قبل القيامة، وقد حصلت في مواطن كثيرة وفي أزمان متباينة، كل هذا ليراجع الناس أنفسهم استعدادًا للزلزلة الكبرى؛ لأنه {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] هذا خبر، والزلزلة التي تحصل في الدنيا عيان، فلنعتبر بما يحصل في هذه الدنيا، وإن كان لا نسبة له بالنسبة للزلزلة الكبرى؛ لأنه شيءٌ يسير لا نسبة له، فلنعتبر ونتعظ ولنتذكر بهذا الزلزال، وهذا وهذه الرجات، وهذه الاهتزازات بما سيحصل من الزلزلة الكبرى. والإشكال في الران الذي غطى على القلوب حتى فُسِّرت هذه الزلازل بأنها ظواهر طبيعية، ظواهر طبيعية عادية تريد تزلزل في الثانية كذا، وتنتهي في الثانية كذا، كما قالوا في الكسوف وفي غيره، ظواهر طبيعية، ليس من ورائها عبرة ولا اتعاظ، ولا ادكار، وسوف تعود ولن يحصل شيء، ما يدروا أنها في ثوان تتلف الألوف المؤلفة من البشر، وتتلف الأموال والممتلكات، وتهلك الزروع والثمار فضلاً عن أن يقول الشاعر المفتون -نسأل الله السلامة والعافية- المرتزق الآكل بلسانه:

ما زلزلت مصر من كيدٍ يراد بها

 

لكنها رقصت من عدلكم طربًا

هذا يأكل بلسانه، والله المستعان، نعم.

طالب: سؤال يا شيخ.

الشيخ: نعم

طالب:..................

الشيخ: هو ما فيه شك أنه قد يكون له سبب ملموس وظاهر، قد يكون له سبب، ولكن ما فيه شك أن ما يحصل على البشر من نقصٍ في الأنفس والثمرات كل هذا بسبب الذنوب، كل هذا بسبب الذنوب، ولا يعني أن من حصل له هو أسوء ممن لم يحصل له؛ يعني مثل ما حصل قبل أربع أو خمس سنوات في شرق آسيا "تسونامي" اللى يسمونه، وأهلك مئات الألوف من البشر، هذا بسبب الذنوب والمعاصي والبعد عن دين الله، لكن لا يعني أنهم أسوء من غيرهم، وإلا لا شك أن الأوربيين والأمريكان والروس أسوء منهم بكثير، وغيرهم من طوائف الكفر، وفي المسلمين أيضًا ممن هو أشد منهم جرمًا، لا يعني أنه إذا عوقب بسبب ذنب أو معصية أو بعد عن دين الله أنه أسوء من غيره، لا، عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة. قد يدخر الله لبعض العباد من العقوبات في الآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له في الدنيا. نعم.

طالب:............

الشيخ: يقال: ابتلاء إذا كانت حال الناس ماثلة ملتزمين بشرع الله نعم وإلا فالأصل {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، أما إذا لم يلاحظ عليهم شيء سوى ما يحدث من البشر غير المعصوم وأمورهم ودينهم ظاهر وقيامهم بالدين واضح فهؤلاء يقال: رفع درجاتهم وابتلاء من الله -جلَّ وعلا-. وقد يوجد من بين من يُعاقَب على سبيل العموم، قد يوجد أخيار يوجد أناس صالحون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هم صالحون مصلحون، هذا رفعة درجة لهم، ويبعثون على نياتهم؛ لأن العقوبات إذا جاءت عمت، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: «نعم إذا كثر الخبث» فإذا جاءت العقوبة عمت الصالح والطالح، لكن النتائج هناك، والله المستعان. نعم.

طالب:..........

الشيخ: إي؟

طالب:..........

الشيخ: هذه هذه عقوبات نعم؛ لأن كونه معروف متى يحصل ومتى ينجلي، وكونه يطابق ما قالوه لا يعني أنه يطرد؛ لأنه قد تنكسف ولا تعود، قد يصاحب هذا الكسوف أمور أخرى، زلازل وفيضانات، وحصل هذا، خرجوا لرؤية الكسوف ماذا حصل لهم في تركيا، وفي بريطانيا وغيرها قبل خمس أو ست سنوات؟ حصل كوارث. نعم.

"وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّجَّةُ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ يُسْمَعُ لَهَا صَوْتٌ. وَمَوْضِعٌ "إِذَا" نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "إِذَا وَقعت". وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِ {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:3] أَيْ تَخْفِضُ وَتَرْفَعُ وَقْتَ رَجِّ الْأَرْضِ وَبَسِّ الْجِبَالِ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَنْخَفِضُ مَا هُوَ مُرْتَفِعٌ، وَيَرْتَفِعُ مَا هُوَ مُنْخَفِضٌ. وَقِيلَ: أَيْ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَالْجُرْجَانِيُّ. وَقِيلَ: أَيِ: اذْكُرْ إِذَا {رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة:4] مَصْدَرٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَكْرِيرِ الزَّلْزَلَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة:5]. أَيْ فُتِّتَتْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. مُجَاهِدٌ..."

يعني بدليل ما بعدها {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6]، وإلا جاء ما يدل على أن المراد "بالبس" هو السير، والجبال تُسَيَّر {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[النمل:88]، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، لكن "البس" هنا يعني: فُتحت اليمن فذهب الناس يبسون، وفُتح الشام ذهب الناس يبسون؛ يعني يسيرون إلى تلك الأماكن طلبًا للمعيشة والرزق في الحديث الصحيح، لكن البس هنا يفسره ما بعده {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6]؛ يعني لو كانت باقية تسير على ما كانت عليه، وفُسِّر "البس" بالسير، وله ما يؤيده، لكن ما معناه {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6]. لو قال: ثم كانت، لقولنا: إن كونها "هباء منبثًا" بعد البس، لكنه معه. نعم.

"وقال مُجَاهِدٌ: كَمَا يُبَسُّ الدَّقِيقُ أَيْ يُلَتُّ. وَالْبَسِيسَةُ السَّوِيقُ أَوِ الدَّقِيقُ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ وَلَا يُطْبَخُ وَقَدْ يُتَّخَذُ زَادًا. قَالَ الرَّاجِزُ:

لَا تَخْبِزَا خُبْزًا وَبُسَّا بَسًّا

 

وَلَا تُطِيلَا بِمُنَاخٍ حَبْسَا"

الشيخ: يعني البسيسة هذه، أيش يسمونها الآن؟ هي البسبوسة أو غيرها؟

طالب:...........

الشيخ: ماذا؟

طالب:...........

الشيخ: لكنها من الدقيق، من الدقيق المخلوط بالحلو وبالسكر وما أشبه ذلك، "البسيسة" السويق أو الدقيق يُلت بالسمن أو بالزيت ثم يؤكل، ولا يطبخ. أحمد أمين في كتاب صنفه عن حياته يقول: أنه يخرج من بيته قبل أذان الفجر ويحتاج إلى أن يمشي ساعتين أو ثلاث ليذهب إلى الأزهر وهو طالب، فهو في طريقه يأخذ قطعة من هذه البسبوسة إن كان معه مليم كامل، كان على هذه البسبوسة سنة ألف وثلاثمائة وشوي، يعني ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، واثنا عشر، أو ثلاثة عشر، يأخذ قطعة من البسبوسة فوقها شيء من المكسرات إن كان مليم كامل وإلا بدون، بدون مكسرات. هذا سنة كم؟ هذا قبل مائة وعشرين سنة، أو مائة وعشر سنوات.

فهذا يعني لا يستغرب أن هذا موجود قبل مائة سنة، هو موجود في كلام العرب من قبل من قبل. نعم.

طالب:............

الشيخ: كل شيء موجود، كل شيء موجود، فيه كتاب للطبخ مطبوع ببولاق سنة ألف وثلاثمائة سبع وثلاثين الظاهر، كتاب في الطبخ، وفيه كيفية تحضير الجمبري بالمايونيز.

طالب:..........

الشيخ: موجود. شو؟

طالب: عربي يا شيخ؟

الشيخ: ما ندري عن أصله لكنه موجود يعني قبل كم؟ قبل تسعين سنة. الإنسان الذي ما اعتاد هذه الأمور يقول: أيش لون الناس؟ لا هي موجودة، كل شيء له أصل، يعني عندهم ما يسمونه بالكوامخ والجوارش كلها مشهيات موجودة الآن، مركباتها موجودة هنا الآن. نعم.

"وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّهُ لِصٌّ مِنْ غَطَفَانَ أَرَادَ أَنْ يَخْبِزَ فَخَافَ أَنْ يُعْجَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ عَجِينًا. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا خُلِطَتْ فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَلْتُوتِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ. أَيْ تَصِيرُ الْجِبَالُ تُرَابًا فَيَخْتَلِطُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَ"بستْ" قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَذَهَبَتْ، نَظِيرُهُ: {يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:105]. وَقَالَ عَطِيَّةُ: بُسِطَتْ كَالرَّمْلِ وَالتُّرَابِ. وَقِيلَ: الْبَسُّ: السُّوقُ أَيْ سِيقَتِ الْجِبَالُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْبَسُّ: السُّوقُ، وَقَدْ بَسَسْتُ الْإِبِلَ أَبُسُّهَا بِالضَّمِّ بَسًّا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: بَسَسْتَ الْإِبِلَ وَأَبْسَسْتَ- لُغَتَانِ- إِذَا زَجَرْتَهَا وَقُلْتَ لَهَا: بِسْ بِسْ. وَفِي الْحَدِيثِ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «جَاءَكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ يَبُسُّونَ عِيَالَهُمْ»."

الشيخ: الثاني من خرجه؟

طالب: أحسن الله إليك.

الشيخ: الأول في الصحيح

طالب:.............

الشيخ: لا هذا عكسه، هذا عكسه، الأول يخرجون من المدينة، وهذا يقدمون. نعم.

ولا يمكن حمله على وجهٍ صحيح إن أهل اليمن يأتون، وأهل المدينة يخرجون، «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» نعم.

طالب:...........

الشيخ: باللفظ بالضبطين بالضبطين.

طالب: بس بالظبطين.

الشيخ: بس بالظبطين.

بَس وبِس، والقط يقال له كذلك، في بعض الجهات يفتحون الباء وبعضهم يكسرونها، نعم، لكن الفتح أوقع بحرجٍ عظيم، القط. أيش تسمونه أنتم؟

طالب:..........

الشيخ: لا أنتم تفتحون الباء؟

طالب:...........

الشيخ: هذه مشكلة، أنتم.

طالب:..........

الشيخ: إي نعم نجد يكسرونها، والجنوب بعضهم يفتحها، المقصود أنه واحد من أهل هذه البلاد ذهب إلى تلك الجهات فألفى على، نزل ضيفًا على صديقٍ له، وقال له: إنكم أنتم أُناسٌ تتكلفون، وتسرفون قال: نريد رز وبَس، يعني ما معه شيء.

طالب:...........

الشيخ: يعني ليس معه شيء، يعني ما له داعي ذبائح؛ لأنه ما.. لو تقوله: دجاج ولا شيء ما يقدمه للضيف. المقصود أنه قدم الرز وعليه ما ظنه الضيف أرنب فأكل، فأكل قال: والله هذا على شرطك؛ لأنني تعبت في تحصيله، ثم تبين له أنه الخطأ في ضبط الكلمة؛ يعني في فهم، لا بد أن يكون الإنسان على خبرة بأعراف الناس وعاداتهم وضبطهم للكلمات واختلاف المعاني. المعاني لبعض الكلمات يوقع في حرجٍ عظيم. نعم.

"وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جئ بِهِ مِنْ حَسِّكَ وَبَسِّكَ. وَرَوَاهُمَا أَبُو زَيْدٍ بِالْكَسْرِ، فَمَعْنَى مِنْ حَسِّكَ مِنْ حَيْثُ أَحْسَسْتَهُ، وَبَسِّكَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَهُ مَسِيرُكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَالَتْ سَيْلًا. وقال عِكْرِمَةُ: هُدَّتْ هَدًّا. وقال مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: سُيَّرَتْ سَيْرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَغْلَبِ الْعِجْلِيِّ: وَقَالَ الْحَسَنُ: قُطِعَتْ قَطْعًا."

يعني ما ذكر. ما ذكر قول الأغلب يمكن بالتتبع في كتب التفاسير الأخرى.

طالب:...........

الشيخ: وجده صاحبكم. أيش يقول؟

طالب:...........

الشيخ: يعني وجده صاحبكم طيب؛ أنه بياضٌ بالأصول موضع الشاهد "بياض"؛ يعني في جميع الأصول يقول: ولم نعثر عليه، وكم ترك الأول للآخر، كم ترك الأول للآخر. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6]. قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْهَبَاءُ المنبث الرَّهْجُ الَّذِي يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ ثُمَّ يَذْهَب، فَجَعَلَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ كَذَلِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْهَبَاءُ هُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْكُوَّةِ كَهَيْئَةِ الْغُبَارِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ مَا تَطَايَرَ مِنَ النَّارِ إِذَا اضْطَرَبَتْ يَطِيرُ مِنْهَا شَرَرٌ فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا. وَقَالَهُ عَطِيَّةُ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْفُرْقَانِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23]. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ مُنْبَثًّا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ مُتَفَرِّقًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [لقمان:10] أَيْ فَرَّقَ وَنَشَرَ. وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ" "مُنْبَتًّا" بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ مُنْقَطِعًا مِنْ قَوْلِهِمْ: بَتَّهُ اللَّهُ أَيْ قَطَعَهُ، وَمِنْهُ الْبَتَاتُ..."

الشيخ: "ومنه المنبت" الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. نعم.

طالب: أحسن الله إليك، المنبت أعمالهم وإلا فكانت في الجبال.

الشيخ: كيف؟

طالب: يقول: فكانت أعمالهم {هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6] والآية تعود {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة:5].

الشيخ: فكانت يعني الجبال {هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6].

طالب: المفسر حملها على الأعمال.

الشيخ: إي على أساس أن {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ} [الواقعة:5] "سيرت" على المعنى الأول، وأن هذه لا علاقة بها ببس الجبال. على كل حال المعنيان ظاهران لكن كونها فُتِّتت فهو أليق بهذا المقام، كونها سيرت {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] سيرت؛ يعني سارت (45:33) والبس هو السير كما جاء في الحديث لكن إردافه بقوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6] فالضمير يعود إلى الجبال "فالبس" هنا: التفتيت. نعم.

طالب: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:5].

الشيخ: نعم. على كل حال هي أحوال، أول الأمر هي راسية {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32]، ثم تُسَيَّر يحسبها الناس واقفة {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] تمشي تسير ثم بعد ذلك يحصل لها ما يحصل. سم.

طالب: ولكن الأعمال هل لها سابقة ذكر هنا؟

الشيخ: ما لها سابق ذكر لكن لها ذكر في موضعٍ آخر {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا} [الفرقان:23]، نعم، وعلى هذا القول الآية الثانية ليس لها ارتباط بالآية الأولى. نعم.

طالب: (46:33)

الشيخ: ها؟

طالب:............

الشيخ: (45:36) نعم.

طالب:............

الشيخ: والله نحن ما ضبطناها بالضبط لكن يمكن جمعها سهل، وهذا التفسير الموضوعي الذي أنا أشير على الإخوان به، أنك تجمع كل ما في القرآن من الجبال من ذكر للجبال، ويفسر بعضها بعضًا، ومثله في الأرض مثله في كذا في الأعيان، وفي الأعيان التي هي محسوسة، وفي المعاني أيضًا. فهذا النوع من التفسير يفيد طالب العلم فائدة كبيرة يحصرُ له جميع ما في القرآن من هذا، وبعضه يفسر بعضًا؛ لأن لا يقع في اضطراب كما هنا. إذا جمعنا كل ما جاء في الجبال رأينا أنها أحوال، حال تكون كذا وحال تكون ثم تنتقل إلى كذا، وطورٌ تنتقل إلى كذا؛ وهكذا لأن بعضها فُتِّتت، هل معنى "بُسَّت" سُيِّرت؟ وبعضها {فَكَانَتْ هَبَاءً} [الواقعة:6] الأولى أن يفسر بما قاله المؤلف أولًا أنها فُتِّتت. نعم.

طالب:..............

الشيخ: إي.

طالب:..............

الشيخ: لا هذا يستدلون به على دوران الأرض، يستدلون به ولا دليل فيه نعم؛ لأن السياق يدل على إنها بعد.

طالب:..............

الشيخ: ماذا؟

طالب:..............

الشيخ: إي أيش في؟

طالب:..............

الشيخ: لا لا لا السياق يدل على أنها في الآخر. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [الواقعة:7] أَيْ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً كُلُّ صِنْفٍ يُشَاكِلُ مَا هُوَ مِنْهُ: كَمَا يُشَاكِلُ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ فَقَالَ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8] وَ{أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}[الواقعة:9] وَالسَّابِقُونَ، {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8]هُمُ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، {وأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة:9] هُمُ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ؛ قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ وَكَذَلِكَ الشَّأْمَةُ. يُقَالُ..."

{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8] هم الذين يأخذون الكتاب بأيمانهم، {وأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة:9] هو الذين يأخذ الكتاب بشماله، ويبقى الذي يأخذ الكتاب من وراء ظهره، أيش قال له؟

طالب:...............

الشيخ: يعني مثل من يأخذه بشماله من وراء ظهره. رأيت كلام لابن حزم ولم أره لغيره أنه العصاة من هذه الأمة. هم الذين يأخذون الكتاب من وراء ظهرهم، والظهر واقع بين الشمال واليمين، ليس من أهل اليمين ولا من أهل الشمال. نعم.

"يُقَالُ: قَعَدَ فُلَانٌ شَأْمَةً. وَيُقَالُ: يَا فُلَانُ شَائِمْ بِأَصْحَابِكَ، أَيْ خُذْ بِهِمْ شَأْمَةً أَيْ ذَاتَ الشِّمَالِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْيَدِ الشِّمَالِ الشُّؤْمَى، وَلِلْجَانِبِ الشِّمَالِ الْأَشْأَمُ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَا جَاءَ عَنِ الْيَمِينِ: الْيُمْنُ ، وَلِمَا جَاءَ عَنِ الشِّمَالِ: الشُّؤْمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِينٍ حِينِ أُخْرِجَتِ الذُّرِّيَّةُ مِنْ صُلْبِهِ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقِّ آدَمَ الْأَيْمَنِ يَوْمَئِذٍ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقِّ آدَمَ الْأَيْسَرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كعبه، أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمْ أَهْلُ الْحَسَنَاتِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمْ أَهْلُ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ الْمَيَامِينُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ الْمَشَائِيمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ- قَالَ- فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى - قَالَ- فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ- قَالَ- قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّار» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: وَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ أَصْحَابُ التَّقَدُّمِ، وَأَصْحَابُ الشَّأْمَةِ أَصْحَابُ التَّأَخُّرِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: اجْعَلْنِي فِي يَمِينِكَ وَلَا تَجْعَلْنِي فِي شِمَالِكَ، أَيِ: اجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالتَّكْرِيرُ فِي {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}[الواقعة:8] {وَمَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة:9] [ص:181] لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْجِيبِ، كَقَوْلِهِ: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة2:1]، {وَالْقَارِعَةُ(1) مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة2:1] كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ، مَا زَيْدٌ!، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ!» وَالْمَقْصُودُ تَكْثِيرُ مَا لِأَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَلِأَصْحَابِ الْمَشْأَمَةِ مِنَ الْعِقَابِ. وَقِيلَ: "أَصْحَابٌ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8] كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا هُمْ؟، الْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ هُمْ؟. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " ما" تَأْكِيدًا، وَالْمَعْنَى فَالَّذِينَ يُعْطَوْنَ كِتَابَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ هُمْ أَصْحَابُ التَّقَدُّمِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: السَّابِقُونَ..."

يعني هذا على سبيل الإجمال {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ(9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:8-10] هذا إجمال ثم بدأ بالتفصيل في أحوالهم، بدأ بالسابقين لشرفهم وعلو منزلتهم ثم بأصحاب اليمين ثم الصنف الثالث. نعم.

"رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «السَّابِقُونَ الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ» ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ."

الشيخ: أيش قال عنه؟

طالب:...................

الشيخ: سم.

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ. وقال الْحَسَنُ..."

لا شك أن الأنبياء أسبق الناس إلى الدين واعتناق الدين، فهم الأوائل من كل أمة، فهم سابقون، وأول من يؤمن بهم ويصدِّق يصدق عليه أنه من السابقين. نعم.

"وقال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ. وَنَحْوُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وقال مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار}[التوبة:100] وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الْجِهَادِ، وَأَوَّلُ النَّاسِ رَوَاحًا إِلَى الصَّلَاةِ. وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وقال الضَّحَّاكُ: إِلَى الْجِهَادِ. وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِلَى التَّوْبَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [عمران:134] ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المائدة:41]. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ، مِنْهُمْ..."

السابق السابق يتصور في كل عمل خير وفي كل عبادة، فعلى الإنسان أن يبادر إذا دُعي لعمل خير. إذا دُعي يبادر يكون من السابقين إليه ولا يتراخى وإن امتثل في النهاية، لكن يحرص على أن يكون مبادرًا مسارعًا مسابقًا منافسًا في الخيرات ليدخل في هذه الزمرة، إن تأخر فاته هذا الوصف، فإن أتى بالواجب وترك المحرم، وإن لم يكن من السابقين فهو ناجي إن شاء الله تعالى. لذلك يحصل الامتثال من اثنين وبينهما بونٌ شاسع. هذا يسارع كل ما دُعي إلى عمل خير، وذاك يفعل الخير لكنه يتريث ولا يستعجل. فرقٌ بين من أُمِر بذبح ابنه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] ابنه ما عنده غيره، وبين أمةً تؤمر بذبح بقرة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] فرق بين امتثال وامتثال. من سلف هذه الأمة من مكث سنين لا يؤذن لصلاة إلا وهو في المسجد. ويذكر عن بعضهم أنه كان يقول: إن الذي لا يأتي للصلاة حتى يدعى لها إنه رجل سوء. فيطول العهد ويستمر الأمد إلى أن نفرح بمن يصلي، ولو لم يدرك من الصلاة شيئًا، والله المستعان. وقيل...

"وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ، مِنْهُمْ سَابِقُ أُمَّةِ مُوسَى وَهُوَ حِزْقِيلُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَسَابِقُ أُمَّةِ عِيسَى وَهُوَ حَبِيبُ النَّجَّارِ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، وَسَابِقَانِ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ..."

لكن أبو بكر نعم سابق، وهو أول من آمن بالنبي –عليه الصلاة والسلام- من الرجال لكن عمر تأخر إسلامه تأخر إسلامه، وبهذا الاعتبار نعم هو أفضل الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر، وهذا لا إشكال فيه، وهو من السابقين الأولين الذين صلوا إلى القبلتين، ولا إشكال في هذا، وبه أعز الله الدين وأظهر الدين على يديه، لكن السبق إذا كان المقصود به السبق المطلق فلم يذكر من السابقين بل السابق أبو بكر من الرجال، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال، ومن الصبيان علي إلى آخره. وتأخر إسلام عمر –رضي الله عنه وأرضاه- تأخر عن السبق المطلق، وله من الفضائل وله من المناقب ما يجعله بهذه المنزلة التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه ثاني صحابته، وثاني الخلفاء، وثاني المبشرين بالجنة فقوله: أبو بكر وعمر مخرج؟ ما علق عليه. نعم.

طالب:.............

الشيخ: إي، لكن هارون ما هو معتبر نبي هارون فهو يذكر من الأتباع.

طالب.............

الشيخ: ما يصير. يصير السبق نسبي، ما هو بسبق مطلق. إذا كان يقصد السبق المطلق فعمر مسبوق بجمع من الصحابة، وإن كان السبق نسبي بعد أن أسلم صار من أسرع الناس مبادرة فهذا صحيح. نعم.

طالب:.............

الشيخ: من هو؟

طالب:.............

الشيخ: السبق نسبي.

طالب:.............

الشيخ: إي، السبق النسبي معروف. نعم.

"قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ شُمَيْطُ بْنُ الْعَجْلَانِ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ، فَرَجُلٌ ابْتَكَرَ لِلْخَيْرِ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ دَاوَمَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا فَهَذَا هُوَ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ، وَرَجُلٌ ابْتَكَرَ عُمْرَهُ بِالذُّنُوبِ ثُمَّ طُولِ الْغَفْلَةِ ثُمَّ رَجَعَ بِتَوْبَتِهِ حَتَّى خُتِمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَرَجُلٌ ابْتَكَرَ عُمْرَهُ بِالذُّنُوبِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى خُتِمَ لَهُ بِهَا فَهَذَا مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ. وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَشْيَاءِ الصَّلَاحِ. ثُمَّ قِيلَ: السَّابِقُونَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي تَوْكِيدٌ لَهُ وَالْخَبَرُ {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:11] وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السَّابِقُونَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي خَبَرُهُ، وَالْمَعْنَى: السَّابِقُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:11] مِنْ صِفَتِهِمْ. وَقِيلَ: إِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ كَانَ لَهُ ضَوْءٌ يَعْرِفُهُ بِهِ مَنْ دُونَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} [الواقعة:13] أَيْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:14] أَيْ مِمَّنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ الْحَسَنُ: ثُلَّةٌ مِمَّنْ قَدْ مَضَى قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَلِيلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ بِكَرَمِكَ. وَسُمُّوا قَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَثُرُوا فَكَثُرَ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَزَادُوا عَلَى عَدَدِ مَنْ سَبَقَ إِلَى التَّصْدِيقِ مِنْ أُمَّتِنَا."

قوله: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ بِكَرَمِكَ؛ منهم أو معهم؛ لأن هذا الوصف يمكن أن يدركه أحد؟ نعم؟ لما يأتي ذكر الصحابة والثناء عليهم تقول: اللهم اجعلنا منهم أو اجعلنا معهم؟ ما يمكن تصير منهم. يمكن؟

طالب:................

لكن ما تصير منهم. المجزوم به أنك لست من الصحابة، وهل أنت من السابقين؟ لأن المؤلف -رحمه الله- يقول: اللهم اجعلنا منهم؛ يعني هذا الوصف يتعدى إلى غيرهم أو بالإلحاق تكون معهم في المنزلة، ولو لم تكن منهم. إذا كان المقصود بالسبق السبق النسبي فهذا يدركه، ويمكن أن يتصف به كل موفق، ولو كان في آخر الزمان، إذا دعُي إلى أي باب من أبواب الخير بادر وسارع صار من السابقين، لكنه ليس المراد به السبق المطلق الذي ناله من استجاب في أول الأمر واستمر على ذلك. نعم.

طالب:.............

الشيخ: يعني بالإلحاق.

طالب:.............

الشيخ: نعم، بالإلحاق ليس في وصفهم.

"وَسُمُّوا قَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَثُرُوا فَكَثُرَ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَزَادُوا عَلَى عَدَدِ مَنْ سَبَقَ إِلَى التَّصْدِيقِ مِنْ أُمَّتِنَا، وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَ هَذَا شَقَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ(13) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة14:13] فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُمْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ..."

الشيخ: مخرج؟

طالب:............

الشيخ: نعم.

"وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّهَا خَبَرٌ..."

والنسخ لا يدخل الأخبار. نعم.

"وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. قَالَ الْحَسَنُ: سَابِقُو مَنْ مَضَى أَكْثَرُ مِنْ سَابِقِينَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:14] وَقَالَ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَهُمْ سِوَى السَّابِقِينَ: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ(39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}[الواقعة39-40] وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة39-40] قَالَ مُجَاهِدٌ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الثُّلَّتَانِ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي» يَعْنِي {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ(13) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كِلَا الثُّلَّتَيْنِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي أَوَّلِ أُمَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي آخِرِهَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32] وَقِيلَ {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} [الواقعة:13] أَيْ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:14]  يُسَارِعُ فِي الطَّاعَاتِ حَتَّى يَلْحَقَ دَرَجَةَ الْأَوَّلِينَ، وَلِهَذَا قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي» ثُمَّ سَوَّى فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ بَيْنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَالثُّلَّةُ مِنْ ثَلَلْتُ الشَّيْءَ أَيْ قَطَعْتُهُ، فَمَعْنَى ثُلَّةٍ كَمَعْنَى فِرْقَةٍ؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:15] أَيِ: السَّابِقُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سُرُرٍ، أَيْ مَجَالِسُهُمْ عَلَى سُرُرٍ جَمْعُ سَرِيرٍ، {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:15] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضًا: {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:15] مَصْفُوفَةٍ ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور:20]. وَعَنْهُ أيضًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ. وَفِي التَّفَاسِيرِ: {مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:15] أَيْ مَنْسُوجَةٌ بِقُضْبَانِ الذَّهَبِ مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ- وَالْوَضْنُ النَّسْجُ الْمُضَاعَفُ وَالنَّضْدُ، يُقَالُ: وَضَنَ فُلَانٌ الْحَجَرَ وَالْآجُرَّ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ فَهُوَ مَوْضُونٌ، وَدِرْعٌ مَوْضُونَةٌ أَيْ مُحْكَمَةٌ فِي النَّسْجِ مِثْلُ مَصْفُوفَةٍ، قَالَ الْأَعْشَى:

وَمِنْ نَسْجِ داود..."

إذا كانت بعضها فوق بعض فهي مصفوفة كما جاء في الآية المفسرة {عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور:20] وأولى ما يفسر من القرآن القرآن. قد يأتي اللفظ مجملًا في موضعه فيبيَّن في موضعٍ آخر، ومثل ما قلنا أنه لا يتبين إلا إذا جمعنا المواضع كلها في موضعٍ واحد، ونظرنا السياق أيضًا لكن جمع الألفاظ في موضعٍ واحد التي تتعلق بموضوعٍ واحد هذا يحل إشكالات كبيرة جدًّا.

"قَالَ الْأَعْشَى:

وَمِنْ نَسْجِ دَاوُدَ مَوْضُونَةٌ

 

تُسَاقُ مَعَ الْحَيِّ عِيرًا فَعِيرَا

وَقَالَ أيضًا:

وَبَيْضَاءُ كَالنَّهْيِ مَوْضُونَةٌ

 

لَهَا قَوْنَسٌ فَوْقَ جَيْبِ الْبَدَنْ

وَالسَّرِيرُ الْمَوْضُونُ: الَّذِي سَطْحُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسُوجِ، وَمِنْهُ الْوَضِينُ: بِطَانٌ مِنْ سُيُورٍ يُنْسَجُ فَيَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا.

{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} [الواقعة:16] أَيْ عَلَى السُّرُرِ {مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:16] أَيْ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ قَفَا بَعْضٍ، بَلْ تَدُورُ بِهِمُ الْأَسِرَّةُ، وَهَذَا فِي الْمُؤْمِنِ وَزَوْجَتِهِ وَأَهْلِهِ، أَيْ يَتَّكِئُونَ مُتَقَابِلِينَ. قَالَه مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: طُولُ كُلِّ سَرِيرٍ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا ارْتَفَعَتْ."

يعني طولها في الارتفاع ارتفاعها ثلاثمائة ذراع ارتفاع السرير، وأهل الجنة طولهم ستون ذراعًا فكيف يكون السرير ثلاثمائة ذراع وطول من يجلس عليه ستون ذراعًا؟ يقول: فإذا أراد العبد أن يجلس عليه تواضعت؛ أي انخفضت فإذا جلس عليها ارتفعت.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:............

الشيخ: السبق هو الوصف يمكن أن يكون نسبي ويمكن أن يكون مطلق، فيحرص الإنسان على أن يتصف به في كل باب من أبواب الدين.

"