كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللحاضرين والمستمعين. قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

كتاب البيوع

 باب أحكام البيع:

 عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا هو حرام»، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه».

 وعنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه قال: فلحقني النبي- صلى الله عليه وسلم-  فدعا لي وضربه فسار سيرًا لم يسر مثله ثم قال: «بعنيه بوقية؟» قلت: لا، ثم قال: «بعنيه» فبعته بوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال: «أتراني ماكستك لآخذ جملك ودراهمك، خذ جملك ودراهمك فهو لك»، متفق عليهما، واللفظ لمسلم.

 وعنه قال: أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- به فباعه، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن، متفق عليه.

 وعن أبي الزبير قال: سألت جابرًا -رضي الله عنه- عن ثمن الكلب والسنور، فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، رواه مسلم.

 وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد، رواه النسائي وقال: ليس هو بصحيح.

 وعن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه»، رواه البخاري.

 وعند أبي داود الطيالسي وأحمد والنسائي: في سمن جامد، وفي هذه الزيادة نظر.

 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه»، رواه أحمد وأبو داود وقال البخاري: هو خطأ، وقال الترمذي: هو حديث غير محفوظ، وقال أبو حاتم: هو وهم."

حسبك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

..

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب البيوع" الكتاب مر تعريفه مرارًا، والبيوع جمع بيع، وهو مصدر باع يبيع بيعًا، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع، وجمع هنا؛ لتعدد أنواعه، كما قيل نظيره فيما تقدم: باب المياه، الماء يطلق على القليل والكثير، وإنما جُمِع؛ لتعدد أنواعه، والبيع مصدر يصلح على البيوع، لكنهم جمعوه؛ لتعدد أنواعه.

 وقال -رحمه الله تعالى-: "باب أحكام البيع" قال: باب أحكام البيع، والبيع والبيوع مؤداها واحد، والبيع مثل إذا كان المصدر باع يبيع بيعًا، وقال بعضهم: إنه مأخوذ من الباع، الباع هو مقياس يقدَّر باليدين إذا مُدَّتَا، إذا مدت اليد اليمنى، ومدت اليد اليسرى فما بين طرف الأصابع يسمى باعًا، وهو من وسائل القياس كالذراع، والمتر فيما يستعمل الآن، لكنه أطول منه الذراع ربع الباع تقريبًا عند أوساط الناس، يقارب ربع الباع.

 قالوا: إنه مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه، يمد باعه، البائع يمد يده لأخذ القيمة لأخذ الثمن، والمشتري يمد باعه لأخذ السلعة، فكل من المتبايعين يمد باعه، هذا أداه بعضهم، والذي يظهر أنه لا يستقيم، لا يستقيم أخذ البيع من الباع؛ لأن كلًّا منهما مصدر، والمصدر أصل يُؤخذ منه، ولا يؤخذ من غيره.

 الأمر الثاني: أن البيع يائي، والباع واوي، هذا من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى كل من البائع والمشتري لا يمد باعه، وإنما يمد يده أو يديه الباع إذا مدتا إلى جهة اليمين والشمال قيل: باع، أما إذا مدتا إلى الأمام فما يقال: باع، فإذا مد البائع يده لأخذ القيمة إنما يمدها جهة المشتري، ولا يتصور أن الشخص يمد باعه ليأخذ السلعة أو لأخذ الثمن، إن كان هو البائع فأخذه من الباع لا يستقيم.

 البيع مبادلة مال بمال، مبادلة مال بمال ولو في الذمة، إما أن يكون نقدًا، وإما أن يكون سلعة، إما يكون بثمن معجل أو بثمن مؤجل.

 "باب أحكام البيع" ما الفرق بين الترجمتين؟ كتاب البيوع، وباب أحكام البيع، الكتاب كله كتاب أحكام، في أحاديث الأحكام، وكتاب البيوع معناه أحاديث أحكام البيوع؛ لأن موضوع الكتاب كتاب أحكام، أحاديث الأحكام، فكونه في البداية في الترجمة الكبرى يقول: كتاب البيوع، وفي الترجمة الصغرى يقول: باب أحكام البيع، والكتاب في الأصل موضوعه أحاديث الأحكام، وكأن الترجمة الصغرى لا تعطي معنى جديدًا، اللهم إلا إذا قلنا: إن كتاب الأحكام كتاب أحكام مثل أحاديث الأحكام، هذا هو الأصل، وهو الغالب، ومن أجله أُلِّف الكتاب، لكن لا يمنع من أن يذكر فيه أحاديث ليس فيها أحكام على اصطلاح أهل العلم، وإنما يوضع فيها أحاديث ترغيب وترهيب.

فمثلاً في كتاب الربا إذا أورد حديث «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» هذا وإن كان يؤخذ منه حكم تحريم الربا إلا أن الحديث إنما سيق للترهيب منه، فالكتاب يشتمل على أحكام، ويشتمل على ترغيب، ويشتمل على ترهيب، وفيه أيضًا كتاب الجامع في آخره، ليس من باب الأحكام، وإنما هو من قبيل الآداب، فالكتاب في جملته في الأصل أُلِّف في الأحكام، وأدرج فيه من غير الأحكام، فينتفع به طالب العلم، ولذا خص الترجمة الأولى بالمعنى الأخص وهو أحكام البيع.

 قال -رحمه الله-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح" عام الفتح في السنة الثامنة من الهجرة "وهو بمكة" الجملة حالية يعني في وقت الفتح في وقته فتحه -عليه الصلاة والسلام- لمكة، والعام يشمل السنة كلها من أولها إلى آخرها، فقوله: عام الفتح يحتمل أن يكون بمكة، ويحتمل أن يكون بالمدينة، ويحتمل أن يكون قبله أو بعده، لكن قوله: وهو بمكة يدل على أنه في زمن الفتح.

 «إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر» إن الله ورسوله حرَّم، إن معروف حرف توكيد ونصب كسرت همزتها؛ لأنها في مقول القول، ولفظ الجلالة اسمها منصوب، ورسوله معطوف عليه معطوف على اسم إن، فهو منصوب مثله.

 حرَّم خبر إن، إن الله ورسوله حرم، وجاء في بعض الروايات التثنية: حرَّما، وتقدم إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، ومضى له نظائر، وجمع ضميره -عليه الصلاة والسلام- مع الضمير العائد إلى الله -جل وعلا- أنكره النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخطيب، أنكره النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخطيب، ومن يعصمها فقد غوى، قال: «بئس خطيب القوم أنت»؛ لأنه جمع بين ضميره -عليه الصلاة والسلام- إلى ضمير الله- جل وعلا-، والجمع قد يتوهم منه التشريك، ولا شك أن مقامه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان رفيعًا إلا أنه لا يمكن أن يقارَن بمقام الله -جل وعلا-، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا الجمع الذي أنكره على الخطيب فقال بعضهم: إن الإنكار والنهي عن ذلك نسخ، ومنهم من قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يجمع بين ضمير الله -جل وعلا- وضمير النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يجوز لغيره؛ لأنه لا يتصور منه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتوهم أنه -عليه الصلاة والسلام- يجمع الضمير مع اقتضاء التشريك أو المقاربة أو المساواة، بينما غيره من البشر الذي ليس مقامهم مثل مقامه -عليه الصلاة والسلام- في معرفة ربه- جل وعلا- يُنهَى عن ذلك.

 هنا قال: إن الله ورسوله حرم، المتقدم اثنان، يعني اسم إن الله -جل وعلا- وعطف عليه رسوله، حرَّم مقتضى المطابقة أن يقال: حرما مثل ما قيل: إن الله ورسوله ينهيانكم، حرم خبر إن، وهل تكون خبرًا للمعطوف أو المعطوف عليه؟ هل هي خبر من معطوف أو معطوف عليه، المعطوف عليه إن الله حرم، وتحريمه -عليه الصلاة والسلام- داخل في تحريم الله- جل وعلا-؛ لأنه مبلِّغ عنه، وقد يُحذَف الخبر خبر الثاني؛ لدلالة خبر الأول عليه؛

 نحن بما عندنا وأنت بما          عندك راضون

وإيش؟

طالب: .......

نحن بما عندنا وأنت بما

 

 

 

 

عندك راض والرأي مختلف

 

 

نحن بما عندنا وأنت بما

 

 

 

عندك راضٍ................

 

 

يعني نحن راضون وأنت بما عندك راضٍ، فيحذف خبر أحدهما؛ لدلالة خبر الثاني عليه.

 يعني إن الله حرَّم، ورسوله حرم.

 حرم بيع الخمر، الخمر محرمة بالإجماع، تحريم الخمر في نصوص الكتاب والسنة المتبادر إلى الذهن أنه تحريم شربها، تحريم شربها، والله -جل وعلا- إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، ولذلك حرم بيعها كما حرم شربها، «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة»، وهي من فارقت روحها جسدها حتف أنفها، يقولون هذا في حد الميتة، ما يقولون هذا؟

من فارقت روحه بدنه حتف أنفه، يعني من غير اختيار، يريدون أن يخرجوا الاختيار، لكن الذبيحة المذبوحة بطريقة شرعية هل تذبح باختيارها أو حتف أنفها؟ حتف أنفها، لكن مرادهم بذلك ما يقابل الاختيار من الذابح أو المذبوح، فإذا خرجت روحها بغير اختيار قيل: ميتة. «والخنزير» وهو معروف، وجاءت به نصوص الكتاب والسنة، وهو محرم على تحريمه تحريم أكله، وجاء أيضًا في هذا الحديث تحريم بيعه.

 «والأصنام» التي تعبد من دون الله، التي تعبد من دون الله، العلة في تحريم هذه الأشياء الخمر والميتة والخنزير والأصنام منهم من يقول: إنه بالنسبة للخمر؛ لنجاستها، وكذلك الميتة، وكذلك الخنزير، وجمهور أهل العلم على أن الخمر نجسة، ومنهم من يرى أنه لا دليل على نجاستها، والأدلة التي ذكرت {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [سورة المائدة:90] الميسر والأنصاب هل هي نجسة؟ فالرجس النجس، جاء تفسير الرجس بأنه النجس، والإخبار عن الشيء بأنه رجس، والرجس النجس كما جاء في الحديث هل يقتضي تنجيسه حتى ولو قيل: نجس، هل يقتضي نجاسة عينه؟

{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [سورة التوبة:28] فهل معنى هذا أن أعيانهم نجسة، أو المقصود بذلك نجاسة الشرك المعنوية؟ وهنا يقال فيما ذكر النجاسة معنوية، لكن الميتة مجمع على نجاستها، وإن نازع بعض المتأخرين من شراح الحديث في نجاستها وقال: إنه لم يقف على نص صحيح يدل على نجاستها، وسيأتي في حديث الفأرة ما يدل على نجاسة الميتة، والخنزير نجس نجاسة عينية بالاتفاق، والأصنام هل هي نجسة أم غير نجسة؟ ليست نجسة نجاسة عينية، وإنما نجاسة معنوية، فالعلة في هذه الأمور من تحريم بيع هذه الأمور الأربعة من أهل العلم من يقول: النجاسة في الثلاثة الأول عينية، والنجاسة المعنوية في الرابع.

 وعلى كل حال يكفينا أن النص صحيح صريح، وأن التحريم تحريم الشيء كافٍ في التعليل به لتحريم بيعه؛ لأن القاعدة العامة أن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه دل على أن مجرد التحريم يكفي ويستقل بتحريم البيع.

 قال: "«إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة" ما نازعوا في الميتة، إن الله حرم بيع الخمر والميتة، ما نازعوا في الميتة التي يدل عليها النص صراحة، لكن ما يقبل التأويل والتعليل مثل شحوم الميتة، أرأيت شحوم الميتة؟ يعني أخبرنا عن حكم بيعها أو حكم الإفادة منها.

 "أرأيت شحوم الميتة فإنما يطلى بها السفن" ألواح السفن تطلى بالشحوم؛ لئلا تشرب الماء، فالخشب إذا طلي بالدهن أو الزيت فإنه ينبو عنه الماء ولا يشرب.

 "فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود" الجلود تيبس ويصعب استعمالها وهي يابسة، فيدهن بها، بالشحوم فتلين.

 "ويستصبح بها الناس" تكون وقودًا للسرج، ومعروف أن السرج إنما توقد بالزيت، والشحم في السابق قبل وجود الكهرباء هذه لا شك أنها منافع تطلى بها السفن، تدهن بها الجلود.

 "ويستصبح بها الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا، هو حرام لا، هو حرام»" لا هنا وقف لازم أم جائز؟ «لا، هو حرام» وقف لازم أم جائز؟

 الوقف لازم، لماذا؟ لأنا لو قلنا: لا هو حرام، يعني ليس هو حرام، وإن كان التركيب ركيكًا، لكن هذا الذي يفهم منه، وجاء الوقف اللازم في القرآن مثل قوله- جل وعلا- إيش؟

طالب: .......

لا.. لا..

طالب: .......

{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [سورة يونس:65] هل قولهم: إن العزة لله جميعًا؟ هذا وقف لازم، وغيره واقع كثيرًا في القرآن من الوقف اللازم الذي لو درج فيه الكلام لأوهم خلاف المقصود من المعنى، ويكتفى في مثل هذا بالوقف، وفي القرآن وضع العلامة التي تدل على لزوم الوقف العلماء في البلاغة في مثل هذا يلزمون بالإتيان بالواو، تقول: لا، وهداك الله، ما تقول: لا هداك الله، لا، وهداك الله، لكن من خلال نصوص الكتاب والسنة هل هذه الواو لازمة أو أنه يكفي الوقف ثم تستأنف بعد ذلك؟ وهل لهذه الواو وجود في أفصح الكلام؟

 التي يلزِمون بها لا شك أنك إذا قلت: لا هداك الله انقلب المعنى، هم يقولون: إذا قلت: لا، وهداك الله انتفى المعنى، لكن إذا وقفت كما هو أسلوب الكتاب والسنة، لا، هداك الله.

 فقال عمر: أخزاه الله، يعني شارب الخمر، قال عمر: أخزاه الله، لذلك يقولون: في الكتاب لا يجوز أن تكتب فقال في آخر السطر ثم تكتب في أول السطر الذي يليه عمر، ثم تأتي بمقول القول؛ لئلا يتصور أن قوله: أخزاه الله خبر عنه، إنما تقول: فقال عمر وتقف أخزاه الله، يريد شارب الخمر.

 المقصود أن هذه الواو التي يلزم بها العلماء في البلاغة لا توجد في نصوص الكتاب والسنة، يوجد فيها الوقف اللازم، فإذا قلت: لا، هو حرام، انتفى المحظور، وعلى حد اصطلاحهم يلزمك أن تقول: لا، وهو حرام، كما تقول: لا، وهداك الله.

 وهو ضمير مبتدأ خبره حرام، ويعود إلى أحد أمرين اللذين تقدم ذكرهما، وهما البيع أو الانتفاع، البيع أو الانتفاع؛ لأنه تقدم حرم البيع ثم قالوا: أرأيت شحوم الميتة فإنه ينتفع بها فتعقب قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا، هو حرام»، والوصف المعقَّب أو المتعقِّب لأكثر من جملة الوصف أو القيد أو الاستثناء أو غير ذلك مما يرتبط مما له رابط بالكلام السابق إذا تعقب جملً متعددة فهل يعود إليها كلها أو إلى الأول منها أو إلى الأخير منها؟

 في حد القذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} [سورة النــور:4-5] فهذا الاستثناء متعقب للثلاث الجمل؟ هل يعود إليها كلها أو يعود إلى الأولى أو يعود إلى الأخيرة فقط؟ كونه يعود إلى الأخيرة محل اتفاق، الذين تابوا يرتفع عنهم وصف الفسق إذا تابوا، ولا يعود إلى الأولى بالاتفاق؛ لأنه يجلد ثمانين جلدة ولو تاب، والخلاف في الجملة الثانية وهي قبول شهادته إذا تاب هذا محل خلاف، وهذا مثال نأتي لنطبقه على ما عندنا.

 «لا، هو حرام» جميع ما تقدم حرام، أو الأخير فقط حرام، أو الأول فقط حرام؟ هل يعود إلى الجميع بمعنى أنه يحرم البيع، ويحرم الانتفاع، أو يعود إلى الأخير فقط يحرم الانتفاع، ويجوز البيع، أو يعود إلى الأول فيحرم البيع، ويجوز الانتفاع؟

أما كونه يحرم الانتفاع، ويجوز البيع فهذا لا يمكن أن يقال به؛ لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، لكن يبقى هل يعود إلى الأمرين في الكلام اللاحق من قوله -عليه الصلاة والسلام- ثم قال -عليه الصلاة والسلام- عند ذلك: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» يدل على أن المراد بالبيع وإن كان من أهل العلم يرى تحريم الانتفاع به مطلقًا؛ لأنها نجسة، الانتفاع بشحوم الميتة؛ لأنه نجس، والنجس تجب مزاولته ومباعدته، لكن إطعام هذا النجس لما لا يؤكل من البهائم والدواب وما أشبه ذلك، أما إطعامه ما يؤكل فلا يجوز؛ لأنه يتربى عليه لحمه، ويكون حكمه حكم الجلالة، أما ما لا يؤكل «دخلت النار امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» وخشاش الأرض فيه الطاهر وفيه النجس، فهو قسيم للإطعام في الحديث، فدل على أن مثل هذا لا بأس، ولا مانع أن يُطعَم ما لا يؤكل من البهائم ظاهر أم ما هو بظاهر؟

 إذًا الانتفاع بشحوم الميتة وبالأمور النجسة أو المتنجسة لا يمنع مطلقًا، فدل على أن قوله: «لا، هو حرام» يرجع إلى البيع لا للانتفاق الذي ذكر طيب يستصبح بها الناس وضعت شحم ميتة في مصباح في مسجد، وتصاعد منه الدخان، هذا الدخان المتصاعد من الشحم النجس طاهر أم نجس؟

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

طاهر أم نجس؟ ما هو جزء من هذا السمن؟

طالب: .......

نعم، لكن ما هو على الإطلاق مثل ما قالوا: إنه إذا استحالت النجاسة إلى شيء آخر تطهر عند جميع أهل العلم أم بعضهم؟

عند بعضهم، بعضهم، مر عليكم في الزاد وغيره أنه إذا سُخِّن الماء بحطب أو شيء نجس فلا يخلو إما أن يكون الغطاء محكم أو غير محكم.

 وعلى كل حال أقل أحواله في مثل هذه الحالة الكراهة، فينبغي أن ينزه المسجد عن مثل هذا، "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: «قاتل الله اليهود قاتل الله اليهود»" قاتلهم يعني لعنهم؛ لأنه جاء في بعض النصوص بلفظ قاتل، وجاء في بعض الروايات لفظ لعن مكان قاتل، فدل على أن قاتل معناها لعن «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي رواية «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» دليل على أن قاتل معناها «لعن قاتل الله اليهود» اليهود جنس يشملهم كلهم، يشمل اليهود كلهم، وهل كلهم صنعوا هذا الصنيع؟ هل كلهم جملوا الشحم وباعوه؟

فدل على جواز اللعن والدعاء على الكفار بالعموم، دل على جواز اللعن والدعاء على الكفار بالعموم، وفي الموطأ بسند صحيح لابن الأعرج قال: أدركنا الناس هو يعني الصحابة الناس الذين أدركهم الصحابة وهم يلعنون اليهود والنصارى في رمضان، ونقل القرطبي الإجماع على جواز لعنهم والدعاء عليهم بعامة على الكفار، ثم بعد ذلك من نفذت فيه مشيئة الله أنه يسلم لا يصيبه مثل هذا اللعن.

 على كل حال هذه المسألة معروفة عند أهل العلم، والقرطبي نقل الإجماع عليها، وإن كان بعضهم يرى أنه لا يدعى إلا على المعتدي منهم، لكن القرطبي -رحمه الله- في الجزء الثاني من تفسيره نقل الاتفاق على أنه يجوز لعنهم، وإذا جاز لعن أهل الكتاب فمن باب أولى لعن غيرهم.

 «قاتل الله اليهود» هذا الدليل الذي معنا هل كل اليهود صنعوا هذا الصنيع؟ «قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها» شحوم الميتة «جملوه» يعني أذابوه، يعني أذابوه جعلوه بعد أن كان جامدًا جعلوه سائلاً، «ثم باعوه فأكلوا ثمنه» قالوا: ما بعنا الشحم، أرأيت شحوم الميتة؟ قال: «لا، هو حرام»، قالوا: نحن ما بعنا شحمه، بعنا سمنًا، وهذه من حيلهم التي جاء النهي عن تقليدهم فيها، «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل» فالحيلة التي يتوصل بها إلى ترك مأمور أو فعل محظور هذه حيل اليهود، فهي محرمة، لكن الحيل التي يتوصل بها إلى فعل المأمور وترك المحظور فهذه شرعية {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [سورة النساء:98]، «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه أو جملوه» يعني أذابوه وادعوا أنهم ما باعوا الشحم، إنما باعوا السمن، «فأكلوا ثمنه»، كثير من المسلمين في أسواقهم يتداولون مثل هذه الحيل، حتى بعض طلاب العلم قد يتحايل على ارتكاب المحظور، ووجد من بعض طلاب العلم يكون عنده كتاب وقف لا يجوز بيعه، ثم يذهب به إلى المجلِّد يجلده ثم يبيعه، ويزعم أنه باع التجليد، ما باع الكتاب، باع التجليد، ما باع الكتاب، لكن ماذا عما لو باع الكتاب بقيمة التجليد ولم يأخذ للكتاب قيمة، هل يصح أنه باع التجليد ما باع الكتاب؟ أو نقول: إن التجليد لا يمكن أن يستقل بنفسه، فهو تابع للكتاب، والبيع للكتاب مهما قلنا بأنه باع التجليد؟

طالب: ...........

باع الكتاب؟

 يعني افترض أن الكتاب قيمته ألف ريال، وقف، حصل عليه مجانًا من الواقف، ثم بعد ذلك جلد هذا الكتاب بخمسين ريالًا وباع الخمسين، هل نقول: إن هذا باع الكتاب، هل يمكن يتصور أن هذا باع الكتاب؟ لكن لو باع الكتاب بقيمة قريبة من قيمته، ثم يقول: أنا بعت التجليد، نقول: لا، ما هو بصحيح، بعت الكتاب، تحايلت على بيع الكتاب بتجليده، فارتكبت المحظور بواسطة هذه الحيلة، فهي شبيهة بحيل اليهود الذي جلد الكتاب وباعه بقيمة التجليد.

طالب: ...........

كيف؟

طالب: ...........

أنت عندك كتاب يساوي ألف ريال جلدته بخمسين ريالًا وبعته بخمسين.

طالب: ...........

هل نقول: هذا تحايل على بيع الوقف؟

ما تحايل، هذا ظاهر، كما لو تعب على نقله، تعب على نقله مثل ما يقال فيما يشترك فيه الناس الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والعشب، لا يجوز أن يبيعه في مكانها، لكن لو تعب عليها ونقلها وحازها إلى رحله جاز له بيعها.

 قال -رحمه الله-: وعنه يعني عن جابر بن عبد الله راوي الحديث السابق -رضي الله عنه-، ما قال: رضي الله عنهما في الحديث الأول قال: رضي الله عنهما للتصريح بذكره وذكر أبيه، للتصريح بذكره وذكر أبيه، فيثنى الضمير تبعًا للظاهر، وأما لما أفرد ضمير جابر قال: "عنه" قال: رضي الله عنه.

 "أنه كان يسير على جمل، جابر يسير على جمل له قد أعيا" تعب وكلّ، أعياه المسير، متابعة السير والحمل عليه فضعف، "فأراد أن يسيبه" أراد أن يسيبه يعني يرسله ويطلقه يذهب حيث شاء؛ لأن قيمته لا تساوي التعب عليه، صار كأنه لا قيمة له، فأراد أن يسيبه لتعبه، "قال: فلحقني" أحياًنا قد يكون للشيء قيمة ويُترَك، ولا يُعَدّ هذا من إضاعة المال، يعني أنت في مسير وأثقلك بعض متاعك بحيث لا تستطيع حمله، تجلس عنده في البر أم تتركه وتمشي؟

 فأراد أن يسيبه يتعب مثل هذا "فأراد أن يسيبه قال: فلحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي، فدعا لي وضربه" ضرب الجمل، "فسار سيرًا لم يسر مثله، فسار سيرًا لم يسر مثله ثم قال: «بعنيه بأوقيَّة، بعنيه بأوقيَّة»" الناس اليوم يصنعون مثل هذا؟! هل يقول: بعنيه بربع أوقيَّة قبل أن يضربه يمكن يبيعه عليه بدلاً من أن يسيبه يبيعه عليه بربع، الآن إذا جئت بسيارة للمهندس وقلت: اشترها مني، وأنت تعرف أنها متعبة، وفيها عيوب، والمهندس يعرف أن العيب هذا لا شيء، يربط سلكًا وتمشي..

طالب: .......

قبل ما تبيع عليه أم بعد؟ .. قبل وإلا إذا اشترى منك بثمن بخس أصلحها.

طالب: ...........

نعم، من أجل أن تبيعها عليه بثمن بخس، تبيعها على أنها غير صالحة، لكن لو ربط هذا السلك، أمر يسير، يعني إذا كانت السيارة تحتاج إلى ماكينة سواء بعتها قبل أو بعد ما يفرق، لكن لما تأتي بها وقد أتعبتك وأنت لا تعرف ما فيها إلى شخص يعرف، وأن هذا الشيء فيها شيء يسير، يعني من النصيحة أن يقول لك: المسألة سهلة، سلك يربط وتمشي بدلاً من أن تبيعها بثمن بخس تبيعها بقيمتها، وهذه النصيحة، لكن الحاصل الآن عند كثير من المسلمين تجده يهوِّن الأمر يقول: أنا أشتريها منك كومة حديد، ما أدري ما فيها، ثم تبيعها عليه بثمن بخس، وفي النهاية يربط سلكًا وتمشي من أحسن ما يكون، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ضربه فسار سيرًا لم يسر مثلها، لو كان الهدف البيع والشراء والتحايل على إنزال القيمة، وهذا ليس من خلقه -عليه الصلاة والسلام-، ولا من خلق أتباعه، جرير بن عبد الله البجلي لما بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- على النصيحة لكل مسلم، وأراد أن يشتري الفرس بثلاثمائة قال: كم تبيع فرسك؟ قال: بثلاثمائة، بإمكانه أن يدفع الثلاثمائة ويمشي، قال: لا، فرسك يستحق أكثر من ذلك، قال: أربعمائة، قال: فرسك يستحق إلى ثمانمائة، هذا مقتضى النصيحة، لكن الواحد منا لو قيل له: بثلاثمائة، وهو يستحق ثمانمائة قال: بمئتين؛ لئلا يشتري بسرعة فيتنبه البائع، هذا أسلوب، ثم بعد ذلك يأخذ بالقيمة المعروفة، واحتمال أنه من شدة فرحه ببخس قيمة سلعة أخيه يمكن ما يجيئه النوم، يمكن ما ينام، هل هذا مقتضى النصيحة للمسلم؟

 قال: فرسك يستحق أكثر من ذلك.

 الرسول -عليه الصلاة والسلام- ضربه فسار سيرًا لم يسر مثله ثم قال: «بعنيه»، لو كان مراده البيع على اصطلاح الناس لقال: بعنيه ثم ضربه ثم قال: «بعنيه بأوقية»، الأوقية أربعون درهمًا، الأوقية أربعون درهمًا؛ لأن النصاب خمس أواقٍ، وهو مائتا درهم، فالأوقية أربعون درهمًا، "قلت: لا"، وهل في مثل هذا الأسلوب سوء أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لاسيما وقد أحسن إليه، أم أن المسألة بيع وشراء، ولا يضيق مثل هذا، والناس أحرار في أملاكهم، إنما البيع عن تراضٍ هذا في مقام البيع والشراء لا يبيع الإنسان إلا بما يناسبه.

 "فقلت لا، ثم قال: بعنيه" لما شاف النبي -عليه الصلاة والسلام- أصرّ جاء الآن التوقير للنبي- عليه الصلاة والسلام-، "فبعته بوقية، واستثنيت عليه حملانه" يعني اشتراط أن يركبه إلى المدينة، "استثنيت حملانه إلى أهلي يعني بالمدينة، "فلما بلغت أتيته بالجمل" هذا الاستثناء بيع وشرط، بيع وشرط، وقد جاء النهي عن بيع وشرط، وجاء النهي عن الثنيى، أما مسألة النهي عن الثنيى فجاء التصريح بأن المنهي عن الثنيى إذا لم تعلم نهى عن الثنيى إلا أن تعلم، يكون المستثنى معلومًا، يعني لو قال: استثنيت الانتفاع به فقط يصح أم ما يصح؟ نعم، هذه ثنيى لا تعلم، لكن استثنيت حملانه إلى أهلي هذه ثنية تعلم، يبقى النهي عن بيع وشرط، يختلف أهل العلم في المراد بالشرط الذي جاء عنه، ومنهم من قال: الشرط الذي ينافي مقتضى العقد، الشرط الذي ينافي مقتضى العقد، أو الشرط الذي يخالف ما في كتاب الله كما في حديث بريرة، أما الشرط الذي لو أفرد صح، يعني الحملان فقط من غير بيع صحيح أم ما هو بصحيح؟ صحيح يشتري الحطب ويشترط تكسيره، يشتري الثوب ويشترط خياطته، الخياطة بمفرده، وتكسير الحطب بمفرده، والحملان بمفرده، صحيح أم غير صحيح؟ صحيح، إذًا مثل هذا لا يؤثر في العقد.

 قد يقول قائل: إننا إذا قلنا: الشرط المنهي عنه إذا قرن بالبيع، إذا حملناه على هذا المحمل قلنا: إنه يجرد الحديث من مفاده، ويكون الحديث مؤكِّدا لا مؤسِّسا صح أم لا؟ إذا قلنا: نهى عن بيع وشرط إذا حملنا الشرط المنهي عنه في هذا الحديث الشرط الذي لا يصح استقلالاً قلنا: ما له قيمة وجوده في هذا الحديث ظاهر أم ما هو بظاهر يا إخوان؟ إذا قلنا: إن الشرط إذا كان مستقلًّا صحيح، ووجهنا الحديث على مقتضاه قلنا: هذا الحديث مؤكِّد لأحاديث سابقة، وإذا قلنا: إن المراد به الشرط المقرون بالبيع..