شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (102)

 

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

 

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في نهاية الحلقة الماضية، أثرتم سؤالاً، وطلبنا من المستمعين الكرام أن يبحثوا خلال الأسبوع الماضي لمتابعتنا في هذه الحلقة حول لفظ "المُزَفَّت"، هل الزِّفْت في السابق هو الزِّفْت الحالي، أو القار في السابق هو الحالي أم لا؟ هذا هو السؤال الذي أثير وطلبنا من المستمعين أن يبحثون عنه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جاء في الحديث مما نهى عنه النبي –عليه الصلاة والسلام- وفد عبد القيس من الأوعية "المُزَفَّت"، وفي رواية "النقيَّر" وربما قال "المقيَّر"، المزفَّت ما طلي بالزفت، مثله المقير ما طلي بالقار، ويقال له: القير، وعرفنا أن المزفَّت هو المقيَّر في السابق، وهو كذلك في اللاحق، فهل الحقيقة متحدة أم مختلفة؟ الزفت المعروف والقار المعروف الآن أحد مشتقات ماذا؟ البترول، الزفت والقار عند المتقدمين يقول: هو نَبْت يُحرَق إذا يبس، تطلى به السفن وغيرها، كما تطلى بالزفت، يقال: القار نَبْت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت، قاله صاحب المحكَم، مَن صاحب المحكَم؟ ابن سِيْدَة نعم، فحقيقة الزفت والقار المعروفة الآن من مشتقات البترول، وهو عندهم وإن اتحد الاسم والمرادف في السابق واللاحق إلا أنه عند المتقدمين نَبْت يُحرَق إذا يبس تطلى به السفن، ولعل الحقيقة متقاربة، حقيقة السابق مع اللاحق إذا أحرق هذا النبت يخرج منه شيء، يشبه الزفت الموجود الآن، ما يمنع.

يقول: وربما قال: المُقَيَّر، قال الكرماني: القائل هو ابن عباس المُقَيَّر بدل المزفت، قال النووي: القار هو الزفت، وقيل: الزفت نوع من القار، والصحيح الأول، فقد صح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: المزفت هو المُقَيَّر، إذا قلنا: الزفت نوع من القار، أو قلنا: الزفت هو القار، يكون القار أعم من الزفت على الحد الأول، ومرادف له على الثاني، الاستدلال بقول ابن عمر المزفت المقير، وبقول ابن عباس في حديث الباب وربما قال: المقير يعني بدلاً من المزفت، هل يعني تحتم اتحاد الحقيقتين أو أنه إذا طُلِيَ بالنوع شمله اسم الجنس؟ ألا يقال: إذا طُلِيَ بالزفت والزفت نوع من أنواع القار أن يقال له: مقير؟

المقدم: ممكن.

ممكن، الآن إذا قلنا: فلان الأوسي ألا يصح أن نقول: الأنصاري؟

المقدم: بلى.

لكن إذا قلنا: مقير لا يصح أن نقول: مزفت إذا كان بغير الزفت من أنواع القار، فعلى هذا الاستدلال على ترادفهما بقول ابن عمر أو بقول ابن عباس في حديث الباب لا يتم.

قال الخطابي: ليس المعنى في النهي تحريم أعيان هذه الأوعية، يعني ليس المراد تحريم اتخاذ هذه الأوعية، ليس المعنى في النهي تحريم أعيان هذه الأوعية، فإن الأوعية لا تحرم شيئًا ولا تحلله، يعني أوعية طاهرة، من أين يأتي الإشكال؟ لذاتها؟ لا.

المقدم: لما تحويه.

نعم، للمعنى.

فإن الأوعية لا تحرم شيئًا ولا تحلله، ولكن هذه الأوعية ظروف متينة، إذا انتبذ صاحبها فيها كان على غرر منها؛ لأن الشراب قد يَنِشّ، ما معنى يَنِشّ؟ يأخذ في الغليان، فيصير مسكرًا، وهو لا يشعر به، وكذلك في المزفت لأن الرُّب الذي فيه يمنعه من التنفس، فأما السقاء غير المربوب فإنما جاءت الرخصة فيه لأنه إذا اشتد الشراب لم يلبث السقاء أن ينشق، فيعلم به صاحبه فيجتنبه.

على كل حال هذه الأوعية المذكورة في الحديث أوعية صلبة، بخلاف الأوعية من الأدم، الأسقية، تختلف، هذه الأوعية الصلبة قد يتغير ما فيها من غير أن يشعر به صاحبه، بينما الأوعية من الأدم يقوم مقامها الآن البلاستيك مثلاً، إذا تغير ما فيها، إذا كانت من النوع الرخو فإنها في بداية التغير يشعر به فكيف في نهايته؟! في بداية التغير تنتفخ، أنتم تلاحظون الأوعية الرخوة هذه إذا وضع فيها اللبن ومضت مدته تجدون الوعاء ينتفخ، إذا وصل إلى حد الإسكار وقذف بالزبد واشتد، ينشق الوعاء.

في شرح النووي على أوائل البخاري يقول: وفي معنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه عن الانتباذ فيها، وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويُشرَب، بالمناسبة النبي -عليه الصلاة والسلام- يُنتبَذ له فيشربه لليلة، بحيث لا يصل إلى حد...

المقدم: الإسكار.

حتى يرى التغير، في ليلة ما يتغير، يتغير في الغالب في ثلاث.

ليحلو ويُشرَب، وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه فيها الإسكار، فيصير حرامًا نجسًا، وتبطل ماليته فنهي عنه لما فيه من إتلاف المال؛ ولأنه ربما شربه بعد أن صار مسكرًا ولا يدري، ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم، بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر، بل إذا صار مسكرًا شقتها غالبًا، أو شقها غالبًا، الآن العلة هل هو السبب الإتلاف أو السبب الإسكار؟ السبب الرئيس الإسكار، نعم نهينا عن إضاعة المال، لكن إضاعة المال دون الاهتمام بالإسكار، وما يُذهِب العقول مما جاء الشرع بالاهتمام به، والعقل أحد الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها، على كل حال العلة الإسكار، وإن نهينا عن إضاعة المال، لكن هذه مغمورة بالنسبة للعلة الأخرى.

ثم إن النهي كان في أول الإسلام ثم نسخ، ففي صحيح مسلم عن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «كنتم نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكرًا» بما في ذلك هذه الأربعة، لكن إياكم أن تشربوا مسكرًا، هذا مذهب الشافعي والجمهور.

وقال الخطابي: وذهبت طائفة إلى أن النهي باقٍ، يعني إلى قيام الساعة ما نسخ محكم، منهم مالك وأحمد وإسحاق، قال: وهو مروي عن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما-؛ لماذا قالوا: النهي باقٍ؟ أولاً: لأن النسخ لم يبلغهم، الأمر الثاني: لأن العلة قائمة، هل تغير شيء من وضع هذه الأوعية الصلبة؟ لا، لكن الذي تغير من حيث المعنى، الصحابة لما فطموا أنفسهم عن هذا الخبيث واعتادوا تركه قيل لهم: انتبذوا في أي سقاء؛ لأنهم ما هم مثل أول الأمر في أول ما حرمت الخمرة، يعني النفس تتشوف إليها، لكن لما فطموا أنفسهم ما يحتاج إلى أن يقال لهم: انتبهوا.

وذهبت طائفة إلى أن النهي باقٍ منهم مالك وأحمد وإسحاق، قال: وهو مروي عن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما-، قال النووي: قلت: وذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا الحديث لما استفتي، وذكر هذا الحديث بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لما استفتي ذكر هذا الحديث، فهذا دليل على أنه يعتقد أن النهي، ولم يبلغه الناسخ، والصواب الجزم بالإباحة لصريح النسخ.

قال النووي: واعلم أن في هذا الحديث أنواعًا من العلم: ففيه: وفادة الفضلاء والرؤساء إلى الأئمة عند الأمور المهمة؛ لأن هذا الوفد من عبد القيس كانوا من علية القوم، فإذا كان هناك أمر مهم يخص جهة، أو يخص إقليم، أو يخص بلد، أو يخص فئة معينة من الناس عليهم أن يبعثوا أعيانهم ورؤسائهم لا يبعثوا من يزيد الإشكال، ولا يحل المشكلات، من لا يستطيع التفاهم مع الكبار، ففيه وفادة الفضلاء والرؤساء إلى الأئمة عند الأمور المهمة.

وفيه: تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، أين الاعتذار؟ فيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة.

المقدم: "إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر".

نعم.

وفيه بيان مهمات الإسلام وأركانه، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، وعرفنا أنه لم يذكر الحج؛ لماذا؟ لأنه لم يكن قد فُرض.

وفيه: أن الأعمال تسمى إيمانًا، وهو واضح في الحديث؟

المقدم: صحيح.

وهذا هو مراد البخاري -رحمه الله تعالى- هنا.

وفيه: ندب العالم إلى إكرام ضيفه، استقبلهم وقال: «مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى» إلى آخره.

وفيه: استعانة العالم في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم، كما فعله ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، يعني مع أبي جمرة اجلس؛ لماذا؟ ليترجم بينه وبين الناس، ويَفرِض له من دَخْله، يَفرِض له شيئًا من المال؛ ولذا قال جمع من أهل العلم: فيه جواز أخذ الأجرة على التعليم، ابن عباس يريد أن يترجم أبو جمرة بينه وبين الناس ليقتطع له شيئًا من ماله.

ففيه: جواز أخذ الأجرة على التعليم، وفيه أيضًا وهو أصرح من هذا: «أن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع.

وفيه: استحباب قول الرجل لزوَّاره وشبههم: "مرحبًا" تقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله لابنته فاطمة، وقاله لأم هانئ، وهذا كله في الصحيح.

وفي قوله: «احفظوهن» في آخر الحديث قال: «احفظوهن، وأخبروا بهن من ورائكم» «احفظوهن» فيه حث على الحفظ، إذ الحفظ لطالب العلم الشرعي من أهم المهمات، فلا علم بدون حفظ، لا علم بدون حفظ، يغالط نفسه من يريد أن يتعلم العلم الشرعي دون حفظ، فلا بد من الحفظ؛ لأن العلم الشرعي مبناه على النصوص، فلا بد من حفظها، النصوص هي الزاد هي ما يُعتمَد عليه في هذا الباب، فالذي لا يحفظها يبني على ماذا؟ يبني على لا شيء، فلا بد من حفظها، فإذا انضم إلى ذلك الحفظ الفهم الصحيح مع الإخلاص والحرص والتنظيم لوقت القراءة وما يُقرَأ، ومزاحمة أهل العلم، ومدارسة الأقران فقد تمت الآلة، في قوله: «أخبروا بهن مَن روائكم» (مَن) بفتح الميم (مَن) وهي موصولة، و(ورائكم) يشمل من جاؤوا من عندهم، فالذي أمامك الذي أمامك الذي تخاطبه أهله وراءه، كل من كان خلفه فهو وراءه، وهذا باعتبار المكان، ويشمل من يَحدُث لهم من الأولاد وغيرهم، وهذا باعتبار الزمان، فيحتمل إعمالها في المعنيين الحقيقي والمجازي، قاله الحافظ، استعمال اللفظ الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي يمنعه الجمهور في آن واحد، ومرت بنا مرارًا، لكن الشافعية على جوازه، وابن حجر منهم.

استنبط منه المصنف الاعتماد على أخبار الآحاد على ما سيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى-.

وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وأخبروا بهن من ورائكم» أنه ينبغي للعالم أن يحث الناس على تبليغ العلم، وإشاعة أحكام الإسلام، يعني يوصي طلابه، ومن يعرفهم من أهل العلم على أن يشيعوه ولا يكتموه؛ لينتشر الخير، ويعم الصلاح، وقد تضافرت النصوص الشرعية على أهمية التبليغ والعناية به، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا عني ولو آية» وقال -عليه الصلاة والسلام-: «فليبلغ الشاهد الغائب» وقال -عليه الصلاة والسلام-: «نظَّر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها» الحديث، وغير ذلك من الأحاديث، الأحاديث كثيرة جدًّا.

وقال النووي -رحمه الله-: وفيه: أنه لا عتبى على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم: أوضح لي الجواب، من أين؟ ونحو هذه العبارات، لا عتبى على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم: أوضح لي الجواب.

المقدم: "أمر فصل".

نعم، "أمر فصل"، يعني بيِّن واضح، لا يحتاج إلى مزيد بيان بعد ذلك، ونحو هذه.

وفيه: جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يُخَف عليه الفتنة بإعجاب ونحوه، وإلا فقد جاء النهي عن المدح في الوجه، وجاء الأمر بحث التراب في وجوه المدَّاحين، وهنا حصل الثناء، في قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض طرق الحديث أو في الحديث نفسه الذي عندنا؟

المقدم: «مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى».

لكن هذا مدح؟

المقدم: إن كان من باب الخبر.

الأخ الحاضر:......

مدح، يعني في بعض طرق الحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأشج: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» إلى آخر الحديث، هذا مدح، وجاء أيضًا مدح عبد القيس -أيضًا- القبيلة كلها، استدل به على أن الترجمة في الفتوى والخبر تُقبَل من واحد، لكن لا بد أن يكون...

المقدم: عدل.

ثقة، لا بد أن يكون ثقة، يعني يشترط مع علمه بهذه اللغة أو هذه اللهجة التي يريد أن ينقل الكلام منها إلى غيرها أن يكون عالمًا بها؛ لئلا يترجم خطأ، ووجد من المترجمين من... وهو ثقة، لكن إذا قلنا: ثقة شمل عدالته في دينه وإتقانه لمهنته، فلا نحتاج أن ننص على غير كونه ثقة، لكن إذا قلنا: عدل لا بد أن نقول: متقن؛ لأن الثقة في كل باب فيما يخصه، الآن الثقة في هذا الباب أن يكون عدلا في دينه فيؤمَن منه أن يزيد أو ينقص أو يحرِّف أو يصحِّف كما حصل في بعض المسائل والقضايا، أو يكون جاهل بلغته، باللغة التي انتدب نفسه للترجمة إليها، يفرق بين الحقائق عرفية وشرعية ولغوية، لا بد من التفريق؛ لئلا يترجم حقيقة لغوية بحقيقة بمعناها في اللغة الأخرى بما يرادف الحقيقة اللغوية، وهكذا يكون نبيهًا، وإلا يحصل من ذلك أمر خطير؛ لأن من يبلِّغ بنفس اللغة، يعني المستملي، المستملي إذا بلَّغ الطلاب لكثرتهم كلام الشيخ إذا أخطأ رد عليه الشيخ، لكن إذا كان بلغة أخرى لا يتقنها ولا يعرفها الشيخ.

المقدم: لا يرد عليه.

لا يستطيع الرد عليه.

على كل حال الترجمة من باب الخبر، فيكتفى بها بواحد، وليست من باب الشهادة فيطلب لها أكثر من واحد، والحديث أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في أحد عشر موضعًا:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال: "كنت أقعد مع ابن عباس يجلسني على سريره" فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهمًا من مالي" وهذا مأخذ مَن قال بجواز أخذ الأجرة على التعليم "حتى أجعل لك سهمًا من مالي، فأقمت معه شهرين ثم قال: إن وفد عبد القيس" فذكره، والمناسبة ظاهرة، وتقدمت، باب أداء الخمس من الإيمان، وأن تعطوا من الغنيمة الخمس.

والثاني: في كتاب العلم، باب تحريض النبي -عليه الصلاة والسلام- وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويخبروا من وراءهم، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غُندر، قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة، قال: "كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد عبد القيس" وفي آخره قال: «احفظوه وأخبروا من وراءكم» والترجمة: باب تحريض النبي -عليه الصلاة والسلام- وفد عبد القيس على أن يحفظوا ويخبروا، ظاهرة.

والموضع الثالث: في كتاب المواقيت مواقيت الصلاة، باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الروم 31] قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عباد وابن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس قال: "قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفيه: «وإقام الصلاة» والترجمة: باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [سورة الروم 31] فالمناسبة ظاهرة.

والرابع: في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، وقول الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [سورة البقرة 43] قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "قدم وفد عبد القيس على النبي -صلى الله عليه وسلم-" فذكر الحديث، ومناسبة قوله في الحديث: «وإيتاء الزكاة» للباب باب وجوب الزكاة ظاهرة.

الموضع الخامس: كتاب فرض الخمس، باب أداء الخمس من الدين، حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد عن أبي جمرة الضبعي، قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "قدم وفد عبد القيس"، فذكره، وفيه: «وأن تؤدوا خمس ما غنمتم» والمناسبة ظاهرة أيضًا.

والسادس: في كتاب المناقب، بابٌ دون ترجمة، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عباس يقول: "قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فذكره، والباب دون ترجمة كما مر بنا مرارًا كالفصل من الباب الذي قبله، والباب الذي قبله بابُ نسبة اليمن إلى إسماعيل، ووجه تعلق الحديث بأصل الباب هو أن عبد القيس ليس من مُضَر.

والسابع: كتاب المغازي، باب وفد عبد القيس، حدثني إسحاق، قال: أخبرنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا قرة عن أبي جمرة قلت لابن عباس: "إن لي جرة أنتبذ فيها نبيذًا، فأشربه حلوًا"، إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح، فقال: قدم وفد عبد القيس" الحديث، والمناسبة ظاهرة، كتاب المغازي الوفود لها علاقة بالمغازي، وأيضًا الحديث واضح في قصة وفد عبد القيس.

المقدم: والمغنم؟

أين؟

المقدم: «وأن تعطوا من المغنم الخمس».

نعم، والمغنم علاقته بالمغازي ظاهرة، لكن الباب وفد عبد القيس أخص.

والثامن: في الباب المذكور من الكتاب السابق، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول: "قدم وفد عبد القيس على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالوا..." والمناسبة ظاهرة، يعني هي ما تقدم.

والتاسع: في كتاب الأدب، باب قول الرجل: مرحبًا، حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا أبو التياح عن أبي جمرة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما قدم وفد عبد القيس على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «مرحبًا بالوفد»" وهذه أيضًا ظاهرة.

العاشر: في كتاب أخبار الآحاد، باب وصاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة ح وحدثني إسحاق أخبرنا النضر، قال: أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال: "كان ابن عباس يقعدني على سريره فقال: إن وفد عبد القيس لما أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من الوفد؟»" فذكره، وفيه: «احفظوهن، وبلغوهن من وراءكم» فإن الأمر بذلك يتناول كل فرد، «احفظوهن وبلغوهن من وراءكم» فإن الأمر بذلك يتناول كل فرد، فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حظهم عليه إلا أن قال: مجتمعين، بلغوا من رواءكم مجتمعين، حال كونكم مجتمعين، لكن لما أطلق اتجه الخطاب إلى كل واحد منهم بعينه، وبهذا تظهر المناسبة.

الحادي عشر: في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات 96] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر 49] حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، حدثنا: قُرَّة بن خالد، حدثنا: أبو جمرة الضبعي، قال: قلت لابن عباس: فقال: «قدم»..، قلت لابن عباس، ما تقدم أنه ينتبذ وكذا لكن طويت في هذه الرواية.

"قلت لابن عباس فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا بيننا وبينك..." فذكره.

في ترجمة الباب يقول: باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات 96] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر 49] وقال وفد عبد القيس للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "مرنا بجُمل من الأمر إن عملنا بها دخلنا الجنة، فأمرهم بالإيمان والشهادة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة" فجعل ذلك كله عملاً {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات 96] وهذا من العمل.

والحديث خرَّجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، فهو متفق عليه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، وختام هذا الحديث أيضًا. الحلقة القادمة سنأخذ الحديث الذي يليه -بإذن الله تعالى- حتى ذلكم الحين نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.