شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (326)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير فأهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في الحلقة الماضية توقفنا عند كلام الشيخ سليمان في مسألة.. أو في القول أو الأقوال حول إذا استيقظ أحدكم من نومه هل يغسل يده قبل أن يدخلها في الوَضوء، وهذه المسائل، وكنتم وعدتم باستكمال هذا الموضوع سواء كان في مسألة الأكل أو غيره، نستكمل بقية الأحكام، يا شيخ، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

من الفوائد التي استنبطت من هذا الحديث ما ذكره ابن دقيق العيد في شرح العمدة، وهذا الشرح من أمتن الشروح على اختصاره، يمكن أن يُمرن عليه طالب علم، بحيث إذا تجاوزه وفهم ما فيه يمكن أن يقرأ في أي كتاب من الشروح، فلا يشكل عليه شيء بإذن الله، في شرح العمدة لابن دقيق العيد من المسائل التي استنبطت يقول: التاسعة، ذكر ثماني مسائل مضى مقصودها ومضامينها فيما يتقدم مما ذكرناه.

 يقول: التاسعة استنبط من هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورد النجاسة على الماء، ورود الماء على النجاسة يطهرها بلا إشكال، يعني كما صب على بول الأعرابي الماء وطهرها، ولم يتأثر الماء بالنجاسة، لكن ورود النجاسة على الماء تؤثر فيه، وكل على مذهبه في مسألة القليل والكثير والتغير وغيره وعدمه، استنبط من هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورود النجاسة على الماء، ووجه ذلك أنه قد نهي عن إدخالها في الإناء قبل غسلها لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه،    يعني ما نهي عن غمس اليد في الإناء إلا لأنه.. إلا لأن الغمس يؤثر، فدل على أن الورود مؤثر في الجملة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، وأُمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام الماء يتأثر بغمس اليد فيه، لماذا لا يتأثر الماء الذي يصب على اليد؟ نقول: فرق بين ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة، وأمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير، وذلك يقتضي أن ملاقاتها للماء على هذا الوجه غير مفسد له بمجرد الملاقاة وإلا لما حصل المقصود من التطهير، يعني إذا تأثر الماء إذا صب على اليد ما نفاه.

المسألة العاشرة: استنبط منه أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه فإنه منع من إدخال اليد فيه لاحتمال النجاسة، وذلك دليل على أن تيقنها.. يكون إذا كان هذا مع الاحتمال، فكيف إذا تيقنت النجاسة؟ يعني من باب أولى، استنبط منه أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، فإنه منع من إدخال اليد فيه لاحتمال النجاسة، وذلك دليل على أن تيقنها مؤثر فيه، وإلا لما اقتضى احتمال النجاسة المنع، يقول ابن دقيق العيد: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، ومطلق التأثير أعم من التأثير بالتنجيس، الآن غمس اليد حتى عند من يمنعه ويوجب غسل اليد من الاستيقاظ، ويحرم الغمس تقدم أنه ينقله عندهم من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا، لا نجسًا.

 يعني عند الحنفية أن الاغتسال في الماء الدائم ينجسه على ما سيأتي، وإن كان عندهم قول آخر يختلف عن هذا، لكن عندهم أنه ينجسه؛ لأنه نهي عن البول في الماء الدائم، ونهي عن الاغتسال في الماء الدائم، فدل على أنه هذا وهذا ينجس، وهذا سيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.

قال: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، ومطلق التأثير أعم من التأثير بالتنجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص المعين، فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة فيه يكون مكروهًا فقد ثبت مطلق التأثير، فلا يلزم من ثبوت خصوص التأثير بالتنجيس، يعني الخصم يقول: الماء يتأثر، لكن هذا التأثير هل يلزم منه أن يكون نجاسة أو يكون انتقالًا من كونه طهورًا إلى كونه طاهرًا، أو أن الحكم تعبد فلا يتأثر الماء؟

يقول: إذا سلّم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة فيه يكون مكروهًا فقد ثبت مطلق التأثير فلا يلزم منه ثبوت.. منه ثبوت خصوص التأثير بالتنجيس، يعني هذا الماء وقعت فيه نجاسة، هو قليل دون القلتين، هذه النجاسة لم تغير لا لونه ولا طعمه ولا رائحته، باعتبار أنه قليل أقل من القلتين عند الجمهور يتأثر، وكلٌّ على أصله في تحديد القليل من الكثير، وعند مالك لا يتأثر حتى يتغير، يعني هل يلزم من هذا التأثير بوقوع النجاسة اليسيرة في الماء القليل الذي دون القلتين، ولم تؤثر فيه ولم تغير، هل يلزم من ذلك أن يكون نجسًا أو متأثرًا بهذه النجاسة؟ والتأثير أعم من أن يكون نجسًا، لا شك أن من يقول: إن هذه النجاسة ولو كانت يسيرة جدًّا وقعت في ماء دون القلتين- وهو يحد القليل والكثير من القلتين- يكون نجسًا يجب اجتنابه، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة على ما سيأتي تفصيله، إن شاء الله تعالى.

 قال: وقد يورد عليه أن الكراهة ثابتة عند التوهم، فلا يكون أثر اليقين هو الكراهة، عند التوهم الآن عندنا توهم نجاسة، ما الذي أورث هذا التوهم؟ قوله: فإنه لا يدري، يعني قوله: فإنه لا يدري، هل أورثنا هذا النص القطع بأن اليد نجسة؟ لا، إنما أورثنا شكًّا، لكن: قوله عند التوهم فلا يكون أثر اليقين هو الكراهة، عندنا مراتب الآن التوهم لا يلتفت إليه فوقه الشك، فوقه الظن، ثم اليقين، وقد يورد عليه أن الكراهة ثابتة عند التوهم، يعني إذا توهم الإنسان الاحتمال المرجوح أن هذا الماء وقعت فيه نجاسة، توهم هذا هل نقول: نلتفت إليه، أو نقول: نلتفت إلى الشك دون التوهم، أو نلتفت إلى الظن فنجتنب، أو نلتفت إلى اليقين فقط، ولا نلتفت إلى الظن؟

المقدم: على أساس قواعد الشريعة؟

نعم.

المقدم: الأصل اليقين.

الأصل اليقين، لكن غالب الأحكام مبنية على غلبة الظن، الآن لو أخبرك ثقة أن هذا الماء وقعت فيه فأرة فماتت فأخرجها، أنت جئت فوجدت الماء ما تغير، قال: وقعت فيه هذه النجاسة.

المقدم: هذا يقين.

لا ليس بيقين.

المقدم: إذا كان ثقة؟

 هذا عندهم خبر واحد.

المقدم: عند من؟

عند الجمهور.

المقدم: لكن خبر واحد لا يعني اليقين.

افترض أن هذه مسألة يمكن أن يقال: إنه أدركها وفعل وتحرك وكذا، لكن أخبرك أنه وقع فيها نجاسة، وهو يحتمل أن يكون أخطأ، ألا يحتمل أن يخطئ الثقة؟ في بعض الصور يحتمل أن يكون أخطأ، لكن هناك قرائن أحيانًا تدل على أن خبره يقين، لكن في كثير من أخبار الثقات احتمال الخطأ وارد فلا يكون يقينًا، هذا إذا أخبرك ثقة يجب العمل بقوله.

المقدم: هذا يطرد يا شيخ أحاديث الآحاد ما تكون يقينًا.

المسألة مسألة الخلاف فيها معروفة، يعني مبنية على أن خبر الواحد الثقة مالك مثلًا نجم السنن أما أخطأ مالك؟

المقدم: بلى.  

وإذا تطرق الخطأ هل نقول: إن جميع أخبار مالك مائة بالمائة، إذًا نزلت النسبة عن مائة بالمائة انتهى اليقين، هذا ما يقرره أكثر العلماء من أهل الحديث والمحققين، ومن الفقهاء والأصوليين وغيرهم، المقصود أن التوهم لا يلتفت إليه، والتوهم هل هو الذي يوقع في الوسواس، الشك يعني إذا كان كثيرًا عند الإنسان نقول: لا يلتفت إليه؛ لأنه يوقع فيه وسواسًا أيضًا، لكن الورع تركه، الورع تركه، الأحكام مبنية على غلبة الظن، إذا غلب على ظنه أنه متأثر يترك، أما اليقين فلا كلام فيه، وقد يورد عليه أن الكراهة ثابتة عند التوهم فلا يكون أثر اليقين هو الكراهة، هو مراده بالتوهم ليس التوهم الاصطلاحي الذي هو الاحتمال المرجوح، ويجاب عنه بأنه ثبت عند اليقين زيادة في رتبة الكراهة، والله أعلم.

 يقول ابن حجر: اتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء، وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس، كيف اتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء؟ أما تقدم عندنا رواية عند الحنابلة أنه ينتقل من كونه طهورًا إلى طاهر، وهذا يقول: لم يضر الماء.

المقدم: ينقل الاتفاق.

من؟

المقدم:...

هو نعم يقول: اتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء، وقال إسحاق: اتفقوا.

المقدم: ثم..

ونعرف أن فيه قولًا عند الحنابلة، وهي المشهورة عندهم أنه يكون بدلاً من أن يكون طهورًا يكون طاهرًا، وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس، ما معنى هذا الاتفاق ؟ يعني هل يعني الاتفاق قول الأكثر، أو أنه لم يعتد بقول هؤلاء، أو أن هذه الأقوال ما ثبتت عندهم، إسحاق وداود والطبري يعني إذا كان داود ينقل النووي أنهم لا يعتدون بخلافه؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، فإسحاق قرين لأحمد والشافعي والأئمة.

المقدم: والطبري.

والطبري كذلك إمام مقتدى به، واتفقوا – يقول ابن حجر – على أنه لو غمس يده لم يضر الماء، وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس، واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته، استدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته، لكنه حديث ضعيف، أخرجه ابن عدي، والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك؛ لأن الشك لا يقتضي وجوبًا في هذا الحكم استصحابًا لأصل الطهارة، واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه – صلى الله عليه وسلم – من الشن المعلق بعد قيامه من النوم، كما سيأتي في حديث ابن عباس، يرد على هذا ما تقدم بين ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة، كونه توضأ من شن معلق هذا من ورود الماء على اليد كأنه غسلها.

وتعقب بأن قوله: «أحدكم»، «فإن أحدكم لا يدري» يقتضي اختصاصه بغيره – صلى الله عليه وسلم –، تعقب بأن قوله: «أحدكم» يقتضي اختصاصه بغيره – صلى الله عليه وسلم –، وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز، يكون الترك صارفًا من الوجوب إلى الجواز، وأيضًا فقد قال في هذا الحديث في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما: (فليغسلهما ثلاثًا)، وفي رواية: (ثلاث مرات) والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على الندبية، يعني على ما تقدم بيانه.

 «قبل أن يدخلها» ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق: «فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها»، قال ابن حجر: وهي أبين في المراد، قبل أن يدخلها ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق: فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، يدخلها في الإناء حتى يغسلها، ما الفرق بينهن؟ قال ابن حجر: وهي أبين في المراد من الإدخال؛ لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة، كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلامس يده الماء، ونقله العيني ولم يتعقبه، يعني لا يدخلها في الإناء عموم هذا أنه لا يجوز أن يدخل يده في الإناء، ولو كان الماء في أسفل الإناء، وأدخل يده قبل أن تصل إلى الماء، النهي يشمل هذه الصورة؛ لأنه يصح أنه يكون أدخلها، لكن قوله: «حتى يغسلها» فلا يغمس الغمس يقتضي أن تكون في الماء، لا بمجرد إدخالها في الإناء ولو لم يصل إلى الماء.

 «في وضوئه» قال ابن حجر: بفتح الواو، أي: الإناء، تقدم لنا مرارًا أن الوضوء بفتح الواو هو الماء المستعمل في الوضوء، في وضوئه بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء، وفي رواية: في وضوئه يقول ابن حجر: بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء، في رواية الكشميهني: في الإناء، وهي رواية لمسلم من طرق أخرى، ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك، والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء، ويلحق به إناء الغسل؛ لأنه وضوء وزيادة، وكذا باقي الآنية قياسًا، لكن في الاستحباب من غير كراهة؛ لعدم ورود النهي فيها عن ذلك، والله أعلم.

المنهي عنه أن يدخل يده في ماء الوضوء، وماء الغسل كذلك؛ لأن فيه وضوءًا وزيادة، لكن ماء غير ماء الوضوء وغير الغسل يدخل أم ما يدخل؟ وخرج.. وكذا في باقي الآنية قياسًا، لكن في الاستحباب من غير كراهة، لماذا ؟ لأنه في إناء الوضوء.

المقدم: سيستخدمها.

جاء الأمر وجاء النهي.

المقدم: فليغسلها، ولا يغمسها.

نعم، جاء الأمر وجاء النهي، ليس أمرًا فقط، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: بلى.

فالأمر يقتضي الندب، والنهي يقتضي الكراهة، لكن لو جاء أمر فقط، أو جاء فعل فقط، هي المسألة التي قلنا: إنها ستأتي، وهي من دقائق العلم، وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها، فلا يتناولها النهي.

 طيب البرك والحياض هذه إذا كانت أكثر من القلتين فهذا لا إشكال فيه، لكن إذا كانت أقل من القلتين، وعلى تقدير نجاسة اليد، ولا عندك إلا بركة أو حوض، ولا عندك شيء تتناول به من الماء.

المقدم: لا ينطبق عليه.

لأنه قال: إناء، نعم، وقيد القسطلاني ذلك بما دون القلتين، وقال: يعني ولو كان إناءً، فلا يدخل يده في الإناء إذا كان دون القلتين، أما إذا كان فوق القلتين فلا يتناوله النهي في الحديث، وقيد القسطلاني ذلك بما دون القلتين، وقال: وضوئه بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به.

 «فإن أحدكم» يقول العيني وابن حجر كلاهما ينقل عن البيضاوي قال: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة؛ لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في المحرم الذي سقط فمات: «فإنه يبعث ملبيًا» ، بعد نهيهم عن تطييبه، فدل على أن علة النهي وهو كونه محرمًا، يعني ما زال أثر الإحرام ساريًا حتى يبعث ملبيًا، فالمنع من تطييبه والمنع من تغطية رأسه كونه يبعث يوم القيامة ملبيًا، فهذه علة لا شك أنها هي المؤثر في الباب.

«لا يدري» قال ابن حجر: فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظًا، شك يعني وقعت على يده رطوبة ولا يدري، يعني ويبول مثلًا والماء بجواره ينزل من الصنبور مثلًا، فصارت يده رطبة لا يدري، شك هل هو من الماء أو من البول، هذا في حكم الأمر في الحديث «لا يدري» قال ابن حجر: فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك، ولو كان مستيقظًا.

 نحن قلنا: إنه على حاجته يبول، وبجواره الماء، تنزل منه قطرات، فأصابت يده بلل لا يدري هل هو الماء أو لا فهذا حكمه حكم الحديث، ولو كان مستيقظًا، ومفهومه: أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلًا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة، وإن كان غسلها مستحبًّا على المختار، كما في المستيقظ، يعني هذه المسألة مضت أكثر من مرة.

 ومن قال بأن الأمر للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن على ما تقدم.

 «أين باتت يده» أي من جسده، وقال النووي: قال الشافعي: معناه لا يدري أين باتت يده أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة، وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو على قملة أو قذر أو غير ذلك، هذا تعليل الشافعي -رحمه الله-، يقول: معنى «لا يدري أين باتت يده» لأن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة، وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو على قملة أو قذر وغير ذلك.

قال الباجي: ما قاله يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه، يقول: إذا جاءت رطوبة وعرق وهم يستنجون سراويلهم تتأثر من هذه الرطوبة.

المقدم: تكون نجاسة من باب أولى.

من باب أولى، من اليد، يقول الباجي: ما قاله يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه، وأجيب عنه بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل، إذا كانت اليد عرقت وليس المحل؛ لأن المحل إذا لم يعرق صار يابسًا، والسراويل والثياب يابسة، واليابس لا ينجس اليابس، لكن اليابس ينجس الرطب، وهو محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل، لكن هل يتصور أن تعرق اليد والمحل غير ما فيه عرق، هي أولى بالعرق ولذلك قلت.. يقول العيني قلت: فيه نظر؛ لأن اليد إذا عرقت فالمحل بطريق الأولى، على ما لا يخفى، فلا وجه حينئذٍ لاختصاص اليد به.

 يبقى أن بعض الناس عنده تعرق في اليد دون بقية الجسد، وبعضهم عنده تعرق في الرجل، وبعضهم تعرق في بعض مناطق البدن دون بعض،

المقدم: لكن الحكم للغالب.

نعم الغالب أن الداخلي أكثر عرقًا من البارز، وقول من قال: أنه مختص بالمحل ينافيه ما رواه ابن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره: «أين باتت يده منه»، مختص بالمحل ينافيه قوله في آخر الحديث: «أين باتت يده منه»، يعني من جسده، وأصله في مسلم دون قوله: منه، قاله ابن حجر والعيني.

 أجيب، كما في فتح الباري عن قول الباجي، الباجي قال: يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه، أجيب عنه أجاب عنه العيني بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل، أجاب ابن حجر بقول ثانٍ يرى أنه أقوى من الجواب الأول، أجاب ابن حجر في الفتح عن قول الباجي: أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه، ولذلك ما أمر بغسله، إنما يريد غمس يده، أجاب ابن حجر عن قول الباجي: أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر بغسله، بخلاف اليد فإنه محتاج إلى غمسها، وهذا أقوى الجوابين، لكن هل هذا يكفي؟

المقدم: ما يكفي.

ما يكفي.

المقدم: لأنه قد تكون النجاسة لا يؤمر بإزالتها أو غسلها.

نعم، يعني كما أمر بغسل اليد.

المقدم: يؤمر بغيره.

يعني اليد مباشرتها للنجاسة احتمال إذا قلنا: إن ما في محل الاستنجاء نجاسة باقية، نعم مع أنها معفو عنها، إذا قلنا: إنه من أجل هذه النجاسة فلأن تؤثر في الملاصق لها مثل الثياب من باب أولى.

المقدم: فيه مسائل متبقية، فوائد يا شيخ؟

بقي فوائد، نعم.

المقدم: نبدأ الحلقة القادمة إن شاء الله بماذا نعد الأخوة؟

إن شاء الله.

المقدم: ما المسألة التي عندنا يا شيخ؟ مسألة أيش..؟

مسألة غسل النجاسة والعدد فيها.

المقدم: طيب، إذًا أيها الإخوة والأخوات، حلقتنا القادمة بإذن الله ستكون بدايتها هذه المسألة التي تفضل بذكرها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير.

 شكرًا له، وشكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة، نلقاكم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.