شرح اختصار علوم الحديث (16)

سم.

أفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في النوع التاسع والثلاثين: وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أبو بكر عبد الله بن عثمان التيمي خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمي بالصديق لمبادرته إلى تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الناس كلهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوتُ أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوةٌ إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم)) وقد ذكرتُ سيرته وفضائله ومسنده والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة، ولله الحمد.

ثم من بعده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-، هذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها، حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب فلم يروهم.."

يرهم، يرهم، فلم يرهم يعني عبد الرحمن بن عوف.

فلم يرهم يعدلون بعثمان أحداً، فقدمه على علي وولاه الأمر قبله، ولهذا قال الدارقطني -رحمه الله تعالى-: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وصدق -رضي الله عنه وأكرم مثواه-، وجعل جنة الفردوس مأواه، والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان، ويحكى عن سفيان الثوري، لكن يقال: إنه رجع عنه، ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو ضعيفٌ، مردود بما تقدم.

ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، وأما السابقون الأولون فقيل: هم من صلى القبلتين...

إلى، إلى، من صلى إلى القبلتين، صلى القبلتين؟ صلى الصلاتين ما نقول: صلى القبلتين، الذي تُصلى الصلاة وليست القبلة، القبلة هي جهة يُصلى إليها، نعم.

وأما السابقون الأولون فقيل: هم من صلى إلى القبلتين، وقيل: أهل بدر، وقيل: أهل بيعة الرضوان، وقيل: غير ذلك، والله أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا النوع المهم الذي ينبغي لطالب العلم أن يعتني به تعريف الصحابي، وما للصحابة من حقوق، ذكر -رحمه الله تعالى- بعد ذلك أفضل الصحابة، بادئاً بالعشرة، ثم من يليهم على الترتيب، فقال: أفضل الصحابة يعني على الإطلاق، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصديق، سُمي بذلك لمبادرته إلى تصديق الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل الناس كلهم، صدقه -رضي الله عنه- صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- في أمورٍ لم تحتملها عقول كثيرٍ من الناس، وبادر إلى التصديق فاستحق هذا اللقب وأُنزل من الإسلام بهذه المنزلة.

بعض الناس إذا رأى الأعمال الظاهرة، وما ينقل عن الصحابة وعن الخلفاء استروح ومال من خلال هذه النقول مما يتعلق بالأعمال الظاهرة إلى تفضيل عمر، ولا شك أن عمر له مواقف كثيرة، وذكره قد يفوق ذكر أبي بكر في كثيرٍ من الأمور الظاهرة، وأبو بكر -رضي الله عنه- ما فاق الناس بكثرة صيامٍ ولا صلاة، إنما فاقهم بما وقر في قلبه، وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس، ومثله ما ذهب إليه بعضهم من تفضيل علي -رضي الله عنه- لنباهة ذكره بين الصحابة، ولقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- على عثمان، ولم يلتفتوا إلى أن الميزان هو القلب، وهذا أمرٌ خفي لا يُطّلع عليه، لكن إذا وجد النص قضى على كل قال، فالنص المستفيض عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل الذي قد يصل إلى حد التواتر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أفضل الأمة وأنه أبو بكر -رضي الله عنه-، ثم عمر، ثم عثمان، ثم ربع بعلي -رضي الله عنه-، في حديث ابن عمر وغيره في الصحيحين.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوتُ أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم)) بادر، دُعي إلى الإسلام فأجاب، ولذا هو أول من أسلم من الرجال كما هو معروف، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقد ذكرتُ سيرته وفضائله ومسنده، والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة" والأمر يحتمل أكثر من ذلك، إذا دُرس أبو بكر -رضي الله عنه- من جميع الجهات، فكلُّ نوعٍ وفرعٍ من أنواع المعرفة يحتاج إلى مجلد.

يقول: "ذكرتُ سيرته وفضائله" ورد في ذكره والتواريخ مملوءة بذكر أخباره وسيرته العطرة، فضائله أيضاً النصوص دلت على ذلك، وفيها كثرة أيضاً، وإذا خُرجت هذه النصوص جاءت في مجلد، مسنده أيضاً، وما رواه من الأحاديث على أنه لم يكن من المكثرين، لكنه روى جملة صالحة من السنة وحفظها، والفتاوى عنه نقل عنه في هذا الباب، بل هو من سادات الموقعين عن الله -سبحانه وتعالى-، وقد ذكره ابن القيم وغيره في صدر من يفتي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة، ولله الحمد" مع أن الأمر يحتمل مجلدات.

"ثم بعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم عثمان، ثم علي بن أبي طالب" هذا قولُ جماهير أهل السنة، كلهم على هذا الترتيب، ولا شك أن الذي يقدم على أبي بكر أحداً كائناً من كان أنه ليس من أهل السنة، وليس بقول ولا ضعيف عند أهل السنة، فأهل السنة كلهم مجمعون على تقديم أبي بكر، ثم عمر، والخلاف في الثالث مع أن القول المخالف قولٌ ضعيف مرجوح، فالثالث عند جماهير أهل السنة هو عثمان -رضي الله عنه-، ثم علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع-.

يقول: "هذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل الأمر من بعده شورى بين ستة" الذين توفي عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راض، الآن مضى منهم أبو بكر وعمر، بقي من العشرة كم؟

طالب:.......

يعني ليش جعل الأمر بين ستة؟ أخرج من؟

طالب:.......

طيب، أبو عبيدة حي؟ هاه؟

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

نعم، أبو عبيدة توفي قبل وفاة عمر، نعم.

طالب:.......

نعم، عمر -رضي الله عنه- جعل الأمر من بعده شورى بين ستة.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

سعيد وسعدٌ وابن عوف وطلحة

 

وعامرُ فهرٍ والزبير الممدحُ

طالب:.......

سعد، سعد بن أبي وقاص لا تأخر طويل، تأخر، أدرك الفتن، لكنه اعتزل بالعقيق -رضي الله عنه وأرضاه-.

طالب:.......

المقصود أن الأمر انحصر بين هؤلاء الستة في عثمان وعلي -رضي الله عنهم-، اجتهد "عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب، ولم يرهم يعدلون بعثمان أحداً" لكن الشخص الذي ينظر إلى المظاهر والمواقف مثل ما تقدم في المفاضلة بين أبي بكر وعمر، عمر -رضي الله عنه- صاحب شدة وبأس وقوة وحزم، وفي هذا الباب ما في شك أنه يلفت، وعلي كذلك بالنسبة لعثمان، لكن من يعدل بعثمان غيره مع وجوده؟! تستحي منه الملائكة، وسابقته معروفة، وما قدمه للإسلام أمرٌ لا يخفى على أحد، وبذله في نصر الدين، وتجهيز الجيوش، لا يخفى على صبيان المكاتب "فقدمه على علي وولاه الأمر قبله" على أنه جاء في النصوص ما يدلُّ على الترتيب لهؤلاء الأربعة.

يقول: "ولهذا يقول الدارقطني -الإمام المعروف أبو الحسن-: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار"، لا شك أنه متنقصٌ لهم؛ لأنهم قدموا عثمان على علي، فمن قدم غير ما قدموه فقد تنقصهم، ورأى أن قولهم غير صواب، ورأى أن قولهم ليس بصائب، بل قولٌ مرجوح، وهذا تنقص، "وصدق -رضي الله عنه وأرضاه-، وأكرم مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه"، والله المستعان.

والعجب -يقول الحافظ ابن كثير-: "أنه -قد- ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان" ولا شك أن هذا من تأثير البيئة، تقديم علي على عثمان من قبل بعض أهل الكوفة لأن علي -رضي الله عنه- استوطن الكوفة، وكثر أنصاره وأتباعه فيها، وحفظت مناقبه فيها أكثر من غيره، فاستروحه بعضهم ومال إلى تقديمه على عثمان، وهذا محكي "عن سفيان الثوري، لكن يقال: إنه رجع عنه، ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو قولٌ ضعيف، مردود بما تقدم" لما ثبت من النصوص الصحيحة الصريحة التي تدل على فضل عثمان، وأنه أفضل من علي -رضي الله عن الجميع-.

وليس معنى هذا أن المفضول متنقص، لا، وجود مثل هذا الخلاف يدل على أن الترجيح لأن هذه الفضائل وهذه المزايا، وهذه المناقب زادت على الطرف الآخر، مما يدل على أن للطرف الآخر من المناقب والمزايا الشيء الكثير، أن هذا لا يتضمن تنقص إذا فضلنا عثمان -رضي الله عنه-، ..... يتنقص علي، لا، علي معروف في علمه وحلمه وعقله، وفقه علي -رضي الله عنه- مضرب المثل، حزم علي -رضي الله عنه-، شجاعة علي، كرم علي، سابقة علي أول من أسلم من الصبيان، قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، مصاهرته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، كل هذه مزايا وفضائل، والله المستعان.

يقول: "ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، أما السابقون الأولون" اختلف فيهم، لكن أكثر أهل العلم على أنهم من صلى إلى القبلتين، من صلى إلى بيت المقدس قبل النسخ، ثم صلى إلى الكعبة، "وقيل: أهل بدر، وقيل: أهل بيعة الرضوان" وجاء من النصوص ما يدل على فضل أهل بدر، كما جاء في النصوص ما يدل على أهل بيعة الشجرة، وقيل: هم من أسلم قبل الفتح، هم السابقون الأولون، ولذا جاء تفضيلهم على من أسلم وأنفق بعد الفتح وقاتل بعد الفتح ليسوا كمن فعل ذلك قبل الفتح.

طالب:.......

لا، لا، النساء والصبيان وعامة الناس ودهماؤهم لا علاقة لهم بهذه الأمور.

طالب:.......

لا،...... عبد الرحمن بن عوف هو من أجل أن ينظر يستقرئ هذه المناقب؛ لأن بعضهم يحفظ ما لا يحفظه الآخر، يستقرئ هذه المناقب التي هي مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما عامة الناس ودهماؤهم وفساقهم وغيرهم هؤلاء لا قيمة لهم؛ لأن الخلافة ولاية شرعية، ولا يدرك ما ينبغي أو ما يشترط للوالي وللخليفة إلا أهل العلم، وإلا لو ترك الأمر فوضى ترشيح كانت القبائل لها دور كثرةً وقلة، كانت الآراء والأهواء أيضاً لها دور في ترشيح الناس، لكن الأمر متروك لأهل الحل والعقد من أهل العلم، ينظرون من تتوافر فيه الشروط المطلوبة لمن يلي أمر المسلمين، وهذا معروف أنه في حال الانتخاب والترشيح، أما في حال الغلبة والقهر فإذا غلب الناس بسيفه، واستتب له الأمر، وثبتت له الخلافة فإنه لا يجوز الخروج عليه كائناً من كان، ولو كان عبداً حبشياً، ولو لم تتوافر فيه الشروط على أن يحكم الناس بشرع الله.

طالب:.......

على كل حال الانتخابات ما هي بشرعية، ليست بشرعية، لكن إذا لم يكن إلا هي، أمر مفروض على الناس، ولم يكن هناك وسيلة إلا هي فتكثير سواد الصالحين والمصلحين مطلوب.

فرعٌ: قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً، وقال أبو زرعة الرازي: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً، وكان معه بتبوك سبعون ألفاً، وقبض -عليه الصلاة والسلام- عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة.

قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: وأكثرهم روايةً ستة: أنس وجابر وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وعائشة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.

قلتُ: وعبد الله بن عمرو وأبو سعيد وابن مسعود ولكنه توفي قديماً، ولهذا لم يعده أحمد بن حنبل في العبادلة، بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص.

يقول -رحمه الله تعالى-: "فرع قال الشافعي: روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً" وهذا على حد علمه، وما وصله، وما بلغه، وإلا فهم أكثر من ذلك، الصحابة أكثر من ستين ألف "قال أبو زرعة: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً" قيل: أكثر من ذلك، يزيدون على مائة ألف، ولذا يقول جابر -رضي الله عنه- أنه ينظر مد البصر؛ للحديث في صحيح مسلم في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- بين يديه مد البصر، وعن يمينه كذلك، وعن شماله كذلك، ومن خلفه وورائه كذلك، المقصود أنه جمع غفير جاؤوا ليقتدوا بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويأتسون به في هذه الحجة، والله المستعان.

"وقُبض -عليه الصلاة والسلام- عن مائة وأربعة عشر من الصحابة" وكل هذه أقوال تقريبية، وعرفنا الضابط بالأمس، وما تثبت به الصحبة، وستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-، فالمتقدمون لا يهتمون بالأعداد على التحرير، ولذا تجدون أقوالهم متباينة تبايناً كبيراً، فمن قائل: هم أربعون ألف، ومنهم من قائل مائة وأربعة عشر ألف؛ لأنهم ليس عندهم مصلحة إحصاء تعد الناس، فلان وفلان وفلان وفلان عنده سبعة أطفال، وفلان عنده خمسة، نعم، إنما هم يهتمون بما يبلغهم إلى الدار الآخرة، أما هذه الأمور التي تأخذ من الأوقات ما تأخذ مع أن أثرها يسير، والأرزاق بيد الله، والله المستعان.

فالمتقدمون لا يعتنون بذكر هذه الأعداد على التحرير، ولذا تجدونه في عدد الأحاديث تتباين أقوالهم، مسند أحمد قيل: أربعون ألف حديث، وقيل: ثلاثون ألف، فرق عشرة آلاف، ما هو بواحد، حديثين، ثلاثة، عشرة يقال: زاغ البصر وما عد هذا الحديث، لا، صحيح مسلم قيل: سبعة آلاف، وقيل: ثمانية آلاف، وقيل: اثنا عشر ألف، المسألة ما هي..، الفرق شيءٍ يسير، ويقولون عن صحيح البخاري: إنه بدون تكرار أربعة آلاف، وهذا شيء تواطؤوا عليه، استمروا على أنه أربعة آلاف، حتى جاء ابن حجر وعده على التحرير: ألفين وستمائة وحديثين، أكثر من الثلث الفرق، يعني في كتابٍ واحد، فهذه أمور لا يهتم بها المتقدمون، يعتنون بالترقيم وعدد واحد اثنين، ويأخذ عليهم وقت طويل، بدل هذا العدد يحفظون عشرات الأحاديث، هذه اهتمامات المتأخرين، أما المتقدمون فأمرهم أعلى وأسمى من هذا كله، بلغ الحد عند المتأخرين إلى أن عدت الحروف، وبلغ الترف في بعض المؤلفين ممن يؤلف بالحروف المهملة، يعني تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره ما تقف ولا على نقطة، أو بالحروف المعجمة، ألف تفاسير بالحروف المهملة، لكن هل هذا هدف ينبغي لطالب الآخرة أن يعتني به؟ نعم، لا، بعضهم أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين هل يقرأه على طهارة أو لا بأس أن يقرأ في تفسير الجلالين وهو محدث؟ قال: والحكم للغالب، إذا كان الغالب القرآن فتقرأ على طهارة وإلا فلا بأس، عد الحروف حروف القرآن وحروف التفسير، فيقول: إلى آخر سورة المزمل العدد واحد، متساوي، ومن سورة المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلاً على حروف القرآن، هذا يمكن أن يذكر عن أحدٍ من المتقدمين؟ ما يعتنون بهذا أبداً، لا من قريب ولا من بعيد، نعم؟

طالب:.......

لا ما هو بيتوضأ مرة، يتوضأ مرة لا بأس، لكن عناية المتقدمين غير هذا، طرائقهم في التأليف والتصنيف أمرٌ سهل سمح، يكتبون ما تيسر من غير مقدمات ولا عناية باصطلاحات ولا شيء، يحفظون العلم بهذه الأوراق وإلا فالأصل هي في الصدور، يحفظونها في الأوراق لمن جاء بعدهم، ولذا الترف عند المتأخرين في التأليف وصل إلى حد يجعل الأمور الشكلية والعناية بها أهم من المحتوى والمضمون، ولذا لا تجدون البركة في علم المتأخرين، يعني ترتيب منطقي، تعريف الحد لغةً واصطلاحاً، وتصوير المسألة، والاستدلال لها، وذكر من خالف، المتقدمون ما يقولون بهذا كله، أمور معروفة يحتاج إلى تعريف؟ الإجارة تخفى على أحد؟ نعم يذكرون لها كم تعريف؟ وهي أمر لا يخفى على أحد، ولذا لو تبحثون في الكتب المتقدمين من بيعرف الإجارة؟ أو من يعرف البيع؟ أو من يعرف..؟ تعريف الأمور المعروفة التي يزاولها الناس في حياتهم اليومية هذا ما يعتني به طالب الآخرة، إلا أنه فرض نفسه بعد ذلك، صار الذي لا يعرّف نقص، وقد يحتاج إليه التعريف في العصور المتأخرة لما دخل في العلم والتعلم من ليسوا بأهل، طرأ على الأفهام ما طرأ، والمناطقة يقولون: الحكم على الشيء فرع عن التصور، لا بد أن تتصور، فتعرف أولاً، ثم تحكم.

على كل حال هذا استطراد وسببه هذا العدد الذي ذكر من أربعين ألف إلى مائة وأربعة عشر ألف، وأكثرهم رواية هم متفاوتون في الملازمة، وفي الحفظ، وفي الرواية والضبط والاهتمام، كل له اهتمامه، منهم من يهتم بالجهاد، ومنهم من يهتم في الإنفاق بالصدقة، ومنهم من يتهم بالعبادات الخاصة، ومنهم من يهتم لحفظ العلم، ولذا أكثرهم رواية ستة: أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وابن عباس عبد الله، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعائشة، هؤلاء هم المكثرون من الصحابة، وأعداد ما رووه لا على طريق التحرير، وإنما من يحيط بالروايات كلها جعلوا مسند بقي بن مخلد اللي هو أوسع الأسانيد، جعلوه مقياس، فذكروا، عدوا ما فيه من روايات أبو هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين أو قريب من هذا، فهو أكثر الصحابة وحافظهم على الإطلاق.

"قلتُ: وعبد الله بن عمرو" هناك ابن عباس وابن عمر، زاد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- "قلتُ: وعبد الله بن عمروٍ وأبو سعيد وابن مسعود" هؤلاء أيضاً من المكثرين، يقول: "ولكنه توفي قديماً" يعني ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، بينما غيره ممن عاش بعده طويلاً، واحتاج الناس إلى علمه، نعم إذا عاش الإنسان وتفرد ومات أقرانه، واحتاج الناس إلى علمه لا شك أن الله ينفع به نفع عظيم، ويشتهر أمره، ويكثر أصحابه وطلابه، لهذا الإمام أحمد بن حنبل لم يعد ابن مسعود من العبادلة، فإذا أطلق العبادلة الأربعة المقصود بهم ابن الزبير وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء هم العبادلة، والسبب أنهم تأخروا في الوفاة، تأخرت وفياتهم حتى احتاج الناس إلى علمهم.

فرعٌ: وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ومن الولدان عليٌ، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ولا دليل عليه من وجهٍ يصح، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الأرقاء بلال، ومن النساء خديجة، وقيل: إنها أول من أسلم مطلقاً، وهو ظاهر السياقات في أول البعثة، وهو محكيٌ عن ابن عباس والزهري وقتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وجماعة، وادعى الثعلبي المفسر على ذلك الإجماع، قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها.

أول من أسلم من الصحابة كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، لكن حديث البعثة يدل على أنه يدل على أن أول من أسلم مطلقاً خديجة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أول ما نزل عليه الوحي وهو بالغار ذهب إليها، وقص عليها ما حصل، وصدقته، وآمنت به، ونُقل عليه الإجماع، الثعلبي -المفسر- نقل الإجماع على أن من أول أسلم مطلقاً خديجة -رضي الله عنها-، لكن الأورع خروجاً من هذه الخلافات المذكورة أن تختلف الجهة، فيكون بعدة اعتبارات، فيقال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر هذا لا خلاف فيه، فإذا اختلف أهل العلم في أول من أسلم خديجة أو علي أو أبو بكر هل يقال لمن قال: إن أول من أسلم من الرجال أبو بكر يقال له: أخطأت؟ لا، وإذا قال: أول من أسلم من الصبيان علي يقال له: أخطأت؟ لا يمكن أن يقال له: أخطأت، لا يمكن أن يرد عليه أبو بكر أو خديجة، وكذلك إذا قال: أول من أسلم مطلقاً خديجة، لا يمكن أن يرد عليه، إذا قيل: أول من أسلم من النساء خديجة لا يمكن أن يرد عليه علي ولا أبو بكر -رضي الله عن الجميع-، وهذا هو الأورع، الورع يقتضي هذا، "ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الأرقاء بلال.." إلى آخر ما ذكر -رحمه الله تعالى-، وهذا هو المناسب، نعم.

فرعٌ: وآخر الصحابة على الإطلاق موتاً أنس بن مالك، ثم أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، قال علي بن المديني: وكانت وفاته بمكة، فعلى هذا هو آخر من مات بها من الصحابة، ويقال: آخر من مات بمكة ابن عمر، وقيل: جابر، والصحيح أن جابراً مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها، وقيل: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد، وبالبصرة أنس، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام عبد الله بن بسر بحمص، وبدمشق واثلة بن الأسقع، وبمصر عبد الله بن الحارث الزبيدي، وباليمامة الهرماس بن زياد، وبالجزيرة العرس بن عميرة، وبإفريقيا رويفع بن ثابت، وبالبادية سلمة بن الأكوع -رضي الله عنهم أجمعين-.

يقول -رحمه الله تعالى-: "آخر الصحابة موتاً أنس بن مالك" أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، طالت به الحياة وتأخر، وتأخرت وفاته بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، توفي سنة ثلاث وتسعين عن مائة وثلاث سنين، دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأجيبت الدعوة، وكثر ماله وولده، وطال عمره، لكنه ليس بآخر الصحابة موتاً على الإطلاق، بل آخر الصحابة موتاً على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة؛ لأنه توفي سنة عشرٍ ومائة بعد مائة سنة، بعد قرن من مقالة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ما من نفسٍ منفوسة يأتي عليها مائة عام وهي على وجه الأرض ممن هو اليوم أحد)) وتحقق هذا في أبي الطفيل عامر بن واثلة، حيث توفي على القول المرجح عند الذهبي وغيره سنة عشرٍ ومائة، وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق، نعم من الصحابة من تأخر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسين سنة، ومنهم من تأخر ستين، سبعين، تأخر أنس أكثر من ثمانين سنة، أكثر من إيش؟ كم؟

طالب:.......

ثلاثة وتسعين؟

طالب:.......

ثلاثة وتسعين توفي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- توفي سنة إحدى عشر، اثنين وثمانين سنة، وإذا أضفنا العشر التي قبل الهجرة من عمره لما جيء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كان عمره عشر سنين، إذا أضفناها إلى الثلاثة والتسعين صار عمره مائة وثلاثة سنين، تجدون في بعض الكتب في سبل السلام في أكثر طبعاته قال: مائة وثلاثة وستين، وهو خطأ، صوابه: مائة وثلاث سنين، ما هي ستين.

يقول: "فعلى هذا هو آخر من مات بها" يعني أبا الطفيل، وقيل: آخر من مات بمكة ابن عمر، وقيل: جابر، والصحيح أن جابر مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها، وقيل: سهل بن سعد، كل هؤلاء تأخرت وفياتهم، لكن مثل ما ذكرنا لو يحدد البلد صار الأمر أيسر، آخر من مات من الصحابة بمكة، آخر من مات بالمدينة إلى آخره، يصير أضبط شوية، نعم.

فرع: وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، وتارة بأخبار مستفيضة، وتارة بشهادة غيره من الصحابة له، وتارة بروايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماعاً أو مشاهدةً مع المعاصرة، فأما إذا قال المعاصر العدل: أنا صحابي فقد قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف، يعني؛ لأنه يخبر عن حكمٍ شرعي، كما لو قال في الناسخ: هذا ناسخ لهذا لاحتمال خطأه في ذلك، أما لو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا، أو رأيته فعل كذا، أو كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحو هذا فهذا مقبول لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره -عليه الصلاة والسلام-.

ختم الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذا الفصل وهذا النوع بما تعرف به الصحبة، تعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، التواتر المفيد للعلم القطعي الضروري الذي يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى تصديقه، لا شك أن من الصحابة من لا يخفى أمره على أحد، إذا مرَّ عليك ذكر عمر أو عثمان أو أبو هريرة أو أنس هل تحتاج أن تراجع كتب الصحابة لتنظر هل هو موجود أو لا؟ لا يمكن، بل ثبتت صحبة مثل هؤلاء، ومثلهم كثيرٌ جداً بالتواتر، وثبتت صحبة بعضهم بالأخبار المستفيضة المشتهرة التي جاءت من طرق مما يدل على صحبتهم.

"تارة بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-"، "تارة بشهادة غيره من الصحابة" إذا شهد له صحابي، تقدم أن الصحابة كلهم عدول، أخبارهم مقبولة، فإذا أخبر صحابي عن شخص بأنه صحابي قبل قوله؛ لأن هذا خبر وليس بشهادة، ويقبل خبر الواحد عند جماهير أهل العلم؛ لأن هذا مما يختلف به..، تختلف به الرواية عن الشهادة، الرواية يكفي فيها الواحد، ولو كان عبداً أو امرأة، بخلاف الشهادة فلا بد فيها من اثنين، ولا تدخل شهادة المرأة، ولا تقبل شهادة العبد في كثيرٍ من الأبواب.

"وتارة بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماعاً أو مشاهدة، مع المعاصرة" إذا وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- دلَّ على أنه رآه، إذا صرح بأنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- دلَّ على أنه لقيه، فأما إذا قال المعاصر العدل: أنا صحابي أخبر عن نفسه، والمسألة مفترضة في رجل ثقة مع إمكان قبول الدعوى، إذا قال هذا الثقة في وقت الإمكان: إنه صحابي، هاه؟ فهذا يخبر عن حكم شرعي كأنه ينقل خبر، كأنه ينقل خبراً، إذا عاملناه معاملة الخبر يخبر عن نفسه، والمسألة مفترضة في ثقة قلنا: يقبل قوله، وهذا قول الأكثر، وإذا قلنا: إنه يشهد لنفسه بهذه المنزلة فالشهادة لا بد فيها من اثنين، نقول: هذه دعوى لا بد أن يشهد له غيره.

"قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف يعني؛ لأنه يخبر عن حكمٍ شرعي كما لو قال في الناسخ: هذا ناسخ لهذا لاحتمال خطأه في ذلك" إذا قال الصحابي: هذا ناسخ، هذه الآية ناسخة لتلك، أو هذا الخبر ناسخ لذلك الخبر، يمكن يدخله الاجتهاد، وإذا دخل الاجتهاد صار احتمال الخطأ وارداً، وحينئذٍ لا يقبل قوله لا سيما مع المعارضة.

"أما لو قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا، أو رأيته فعل كذا، أو كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحو هذا -فهو- مقبولٌ لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره -عليه الصلاة والسلام-".

وعرفنا أنه لا بد من أن يكون الوقت ممكن، أما إذا ادعى الصحبة وهو مولود بعد سنة مائة وعشر..، ممن وفاته بعد مائة وعشر، أو موجود بعد سنة مائة وعشر، يقال له: غير ممكن، فإذا قال: شخص سنة مائة وخمسين وهو صحابي ادعى الصحبة نقول: كذبت؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالحديث الصحيح أنه لا يبقى بعده بعد مائة سنة أحد ممن هو على وجه الأرض، فكيف يصدق من ادعى ذلك بعد الستمائة نعم، وهذا أشرنا إليه سابقاً رتن الهندي بعد الستمائة، قال: هو صحابي، صدقه جماهير جمع غفير من الناس، من أوباش الناس والمساكين صدقوه، يعني هذا لا شك أنها دعوى باطلة، إن لم تكن هلوسة، بعد ستمائة يقول: صحابي؟!

طالب:.......

فترجم له في الميزان وغيره من كتب الضعفاء، وبينوا كذبه وافتراءه.

طالب: يا شيخ بالنسبة لمن قال: أنا صحابي وكان عدل ثقة، ما يفرق بين أنه ينقل كلام يريد أن يؤخذ منه الكلام، وبين من يثبت لنفسه الصحبة؟

إيه، لكن إيش يستفيد من إثبات الصحبة إلى نفسه؟

طالب: إذا كان......

المسألة مفترضة في ثقة استصحب هذا.

طالب: أي نعم.

شخص ثقة وادعى أنه صحابي ويش اللي يمنع هذا خبر يقبل خبره، لماذا؟ لأنه لا يترتب عليه فائدة مادية.

طالب: لكن إن قال: أنا صحابي لأجل أن ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله أو قوله أو حدث..

ويش يستفيد هو؟

الطالب: يثبت، بدل ما يذكر أنه روى عن صحابي إذا كان تابعي بدل ما يذكر أنه روى عن صحابي يذكر أن رأى وعاصر وشاهد..

أنت إذا افترضت المسألة في ثقة انتهت كل الاحتمالات؛ لأن الثقة ما يمكن أن يدعي وهو كاذب انتفت الثقة ما صار ثقة، وكون الإنسان ينقل خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصرح بأنه قال: سمعت أو يصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يقول: هو صحابي لا فرق؛ لأنها كلها أخبار، وتقبل عنه.

لو ادعى شخص أنه من أهل البيت يقبل خبره وإلا ما يقبل؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا، هو يمكن أن يصدق من وجه ويكذب من وجه، يحرم من الزكاة ولا يعطى من الفيء، حتى يأتي ببينة.

طالب:.......

لأن هذا بإقراره أسقط حقه من الزكاة بإقراره هو، وأما الفيء لا بد فيه من بينة، يأتي ببينة أنه من أهل البيت.

طالب:.......

لكن لو استفاض عن شخص أنه من أهل البيت فنفى أنه من أهل البيت يقبل قوله أو لا يقبل؟ استفاض بين الناس أنه من أهل البيت عكس المثال السابق، لا يعطى من الزكاة إلا ببينة أنه ليس من أهل البيت، وبالنسبة للفيء هو أخرج نفسه، نعم؟

طالب:.......

إيه ناس يشهدوا، يشهدون أنه من أهل البيت وليس من أهل البيت بالاستفاضة، على العموم هذه الأشياء بالاستفاضة، إذا جاءك شخص يقول: اشهد لي أني ابن فلان، وأنت من طلع هذا فلان ابن فلان تشهد له، لكن أنت حضرت العملية التي بواسطتها وجد هذا الشخص، ما في أحد حضر، إذاً مثل هذه الأمور يكتفى فيها بالاستفاضة.

النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي:

النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي، قال الخطيب البغدادي: التابعي من صحب الصحابي، وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي، وروى عنه وإن لم يصحبه.

قلت: ولم يكتفوا بمجرد رؤيته الصحابي كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه -عليه الصلاة والسلام-، والفرق عظمة وشرف رؤيته -صلى الله عليه وسلم-، وقد قسم الحاكم طبقات التابعين إلى خمس عشرة طبقة، فذكر أن أعلاهم من روى عن العشرة، وذكر منهم سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وأبا عثمان النهدي وأبا وائل وأبا رجاء العطاردي وأبا ساسان حضين بن المنذر وغيرهم، وعليه في هذا الكلام دخلٌ كثير، وقد قيل: إنه لم يروِ عن العشرة من التابعين سوى قيس بن أبي حازم قاله ابن خراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف، والله أعلم.

وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق قولاً واحداً؛ لأنه ولد في خلافة عمر لسنتين مضتا أو بقيتا، ولهذا اختلف في سماعه من عمر، قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة، وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاة، والله أعلم.

قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف وأبي إدريس الخولاني، قلت: وأما عبد الله بن أبي طلحة، فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه وبرك عليه وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة لمجرد الرؤية، ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع، فلم يدرك من حياته -صلى الله عليه وسلم- إلا نحواً من مائة يوم، ولم يُذكر أنه أُحضر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر، والله أعلم.

وقد ذكر الحاكم النعمان وسويداً ابني مقرن في التابعين وهما صحابيان، وأما المخضرمون وهم الذين أسلموا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يروه والخضرمة القطع فكأنهم قطعوا عن نظرائهم من الصحابة، وقد عدَّ مسلم نحواً من عشرين نفساً منهم: أبو عمرو الشيباني وسويد بن غفلة وعمرو بن ميمون وأبو عثمان النهدي وأبو الحلال العتكي وعبد خير بن يزيد الخيواني وربيعة بن زرارة، وقال ابن الصلاح: وممن لم يذكره مسلم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوَب، قلتُ: وعبد الله بن عكيم والأحنف بن قيس.

وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور أنه سعيد بن المسيب قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن، وقال أهل الكوفة: علقمة والأسود، وقال بعضهم: أويس القرني، وقال بعض أهل مكة: عطاء بن أبي رباح.

وسيدات النساء من التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء الصغرى -رضي الله عنهم أجمعين-.

ومن سادات التابعين الفقهاء السبعة بالحجاز وهم: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وعروة بن الزبير وسيلمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والسابع: سالم بن عبد الله بن عمر وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

وقد أدخل بعضهم في التابعين من ليس منهم، كما أخرج آخرون منهم من هو معدود فيهم، وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابياً كما عدوا جماعة من الصحابة فيمن ظنوه تابعياً، وذلك بحسب مبلغهم من العلم، والله الموفق للصواب.

يقول -رحمه الله تعالى- في النوع الأربعين: معرفة التابعين، وتعريف التابعي قريب من تعريف الصحابي، الصحابي من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، وهنا من صحب الصحابي من المسلمين، وهنا لا يكفي مجرد الرؤية، من صحب الصحابي أو لقي الصحابي إنما مجرد رؤية لا يكفي كما نبه على ذلك المؤلف -رحمه الله تعالى-.

قلت: لم يكتفوا بمجرد رؤية الصحابي كما اكتفوا في إطلاق الصحابي على من رآه -عليه السلام-، يقول: الفرق في ذلك عظمة وشرف رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، يعني الذي تثبت به الصحبة، لأهمية هذا الوصف، ولميزة هذا النعت الذي هو الصحبة اكتفوا فيه بالرؤية، بخلاف رؤية الصحابي، فإنها إذا كانت مجرد رؤية للسيرة لمحة فإنها لا تكفي في إثبات كون الشخص تابعياً، على أن هذا لا أثر له في الواقع؛ لأنه ليس للتابعين من المنزلة مثل ما للصحابة ليحتاط في أمرهم، التابعون مثل غيرهم إلا أنهم في الجملة أفضل من غيرهم، لكن على سبيل الانفراد الواحد منهم..، افرض أنه صحب الصحابي وطالت صحبته، لكنه ساءت سيرته ما ينفعه كونه تابعي، ولا يقال مثل هذا في الصحابي.

وأما بالنسبة للرواية فمجرد كونه تابعي تثبت روايته عن الصحابة؟ ما يلزم، نعم إن لم يوصف بالتدليس وقال: عن فلان محمول على الاتصال، لكن قد يعرف بالتدليس، وقد رأى جمعاً غفيراً من الصحابة، ولا يحمل على الاتصال كمن عرف من المدلسين من التابعين كالحسن وغيره.

الحاكم قسم "التابعين إلى خمسة عشر طبقة" كما أنه قسم الصحابة إلى اثنتي عشر طبقة، وهذا تقسيم لم يسبق إليه، وعليه فيه مؤاخذات واستدراكات في معرفة علوم الحديث، "فذكر أن أعلاهم" الطبقة العليا من التابعين "من روى عن العشرة" مع أن فيه مناقشات ومؤاخذات على كلامه هذا وأوهام، "وذكر منهم سعيد بن المسيَّب" أو المسيِّب المشهور الفتح المسيَّب، وقد ذُكر عنه أنه دعا على من قال: المسيَّب، لكن هو المشهور، "وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وأبا عثمان النهدي" عبد الرحمن بن مُل أو مِل، "وأبا وائل -شقيق بن سلمة- وأبا رجاء العطاردي وأبا ساسان حضين بن المنذر"، يقول: "وعليه في هذا الكلام دخلٌ كثير" لا شك أنه عليه استداركات، "وقد قيل: إنه لم يروِ عن العشرة من التابعين سوى واحد قيس بن أبي حازم، قاله ابن خراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف" يعني حتى هذا الواحد لم يسلم،

"وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق" قطعاً بلا شك "لأنه -إنما- ولد في خلافة عمر -رضي الله عنه- في سنتين بقيتا أو مضتا من خلافة عمر، فهو لم يدركه، والخلاف في سماعه من عمر أيضاً "قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة" إذا كان الحاكم يقول: أدرك عمر فمن بعده، فكيف يذكره ممن روى عن العشرة؟

طالب:.......

إن كان من باب التغليب ممكن، لكن هذا توسع؛ لأن مثل هذا الكلام يترتب عليه حكم أنك إذا رأيت روايته عن أبي بكر وقد ذُكر فيمن روى عن العشرة ما تدقق في الاتصال والانقطاع، المقصود أن الحاكم هو الذي قال هذا، ونقض كلامه -رحمه الله-.

"وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاةً" -رضي الله عنه وأرضاه-.

"قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة" يعني جعله في التابعين مع أنه جيء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فحنكه، "وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف وأبي إدريس الخولاني" أبو إدريس الخولاني ما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه مخضرم، أدرك زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ما رآه.

"قلتُ: أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه، وبرك عليه" دعا له بالبركة "وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة" هو أولى بالذكر من محمد بن أبي بكر الذي ولد في المَحرم، في حجة الوداع في آخر سنة عشر، قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بثلاثة أشهر، مع أنه عده بعضهم في الصحابة، وينبغي أن لا يعد؛ لأنه لم يُذكر أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا رآه النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم قرب أبي بكر من النبي -عليه الصلاة والسلام- يجعل هناك غلبة ظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- رآه، لكن سيرته ليست حميدة، كما هو معروف، سيرة محمد بن أبي بكر ليست حميدة، هو شارك مع من شارك، إما بالمباشرة أو السبب في مقتل عثمان -رضي الله عنه-، على كل حال هو غير محمود السيرة، فلا ينبغي أن يعد في الصحابة، لكنه -نسأل الله العافية- قتل شر قتلة، من يذكر كيفية قتله؟

طالب:.......

أحرق في جوف حمار -نسأل الله السلامة- على كل حال أفضى إلى ما قدم، لكن عبد الله بن أبي طلحة أولى منه في الصحبة، يقول الحافظ -رحمه الله-: "ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر، والله أعلم".

"... ذكر الحاكم: النعمان وسويد ابني مقرن من التابعين، وهما صحابيان" ومعروف أولاد مقرن كم هم؟

طالب:.......

بيجي ذكرهم في الإخوة -إن شاء الله تعالى-.

"أما المخضرمون فهم الذين أسلموا في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يروه" ومنهم عدد، مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وهم في الطريق إليه، هؤلاء مخضرمون "والخضرمة: القطع كأنهم قطعوا عن نظرائهم من الصحابة" نظرائهم يعني من عاصرهم وشاركهم في الوجود في وقته -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء قطعوا عن هذا الوصف.

"قد عد منهم مسلم نحواً من عشرين نفساً: منهم أبو عمرو الشيباني وسويد بن غفلة وعمرو بن ميمون وأبو عثمان النهدي وأبو الحلال العتكي وعبدُ خير بن يزيد الخيواني...، قال ابن الصلاح: وممن لم يذكرهم مسلم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوَب" وهناك أبو إدريس، وين أبو إدريس الخولاني؟

طالب:.......

هنا أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوب معروف سيد من سادات التابعين، ومثله أبو مسلم -أيضاً- الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله، الله المستعان، الله المستعان.

"قلت: وعبد الله بن عكيم" من الذي وصل إليه كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- روي من طريقه: ((لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- "والأحنف بن قيس" هؤلاء من المخضرمين بلا شك.

"اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟" كل أهل بلد يفضلون من كان من أهل بلدهم من التابعين، أهل البصرة يفضلون الحسن، وأهل الكوفة يفضلون علقمة، وأهل مكة يفضلون عطاء، والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- حكم بأن أجلَّ التابعين سعيد بن المسيب، ولا شك أنه من ناحية العلم والحفظ والضبط والإتقان لا نظير له في التابعين، لكن أويس القرني صح الخبر عنه في صحيح مسلم، وهذه منقبة لا يشاركه فيها أحد من التابعين، وقد أمر عمر -رضي الله عنه- على جلالة قدره أن يطلب منه إيش؟ الاستغفار، فما دام صح الخبر فيه مرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالقول المرجح أنه أفضل التابعين على الإطلاق.

"سيدات النساء من التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء الصغرى" معروفة زوجة أبي الدرداء هجيمة، أما أم الدرداء الكبرى فهي صحابية -رضي الله عن الجميع-، والسيادة هنا بالنسب؟ هاه؟

طالب:......

حفصة بنت سيرين، سيرين مولى من سبي عين التمر، ابنه سيد -محمد- من سادات التابعين، وبنته حفصة سيدة من سادات التابعين، لكنه الدين، من عمل به ساد، ومن تركه وتنكب عنه ضاع، ولو كان من أشراف الناس، ولو كان من علية القوم لسفل بضياع الدين وتضييعه، والله المستعان.

"من سادات التابعين: الفقهاء السبعة بالحجاز: وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد.." إلى آخره، ومات جلهم في سنة الفقهاء سنة أربع وتسعين، من يضبط البيتين اللي فيهم ذكر الفقهاء السبعة؟

طالب:.......

"فخذهم" هذا الثاني، هذا البيت الثاني:

فخذهم عبيد الله عروةُ قاسمٌ

 

سعيد أبو بكرٍ سليمان خارجة

البيت الأول ما تحفظوه؟ أو هذا المقصود؟ هاه؟

يقول: "وقد عدَّ علي بن المديني في التابعي من ليس منهم" عدَّ بعضهم كما في بعض النسخ من ليس منهم "كما أخرج آخرون منهم من هو معدودٌ فيهم" وهذه لا شك أنها أمور اجتهادية "وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابياً" والقسم الرابع من الإصابة في كل حرف مَن ذكر في الصحابة وهو في الحقيقة ليس منهم.

"كما عدوا جماعة من الصحابة فمن ظنوه تابعياً" يعني لقربه من عصر الصحابة، كبر سنه، كونه مخضرم فغلب على الظن أنه صحابي، وهو في الحقيقة ليس بصحابي، وذلك بحسب ما بلغهم من العلم، والله المستعان.

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

"