كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 07

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وروي عن جابر...

روى، روى عن جابر، روى يعني مسلم، نعم.

طالب: سم يا شيخ.

روى عن جابر يعني مسلم، راوي الحديث السابق.

وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هل في جميع الطبعات روي بالياء؟ نعم؟

طالب: نعم يا شيخ بالألف المقصورة.

فيها نقطتين وإلا ما في؟

طالب:.......

ومضبوط بضم الراء وإلا؟

طالب: لا، ما هو مضبوط.

إيه الصواب روى، حتى أنا عندي روي بالياء لكن الصواب روى؛ لأنه في صحيح مسلم، وما خرجه بعد ذلك، ما قال: رواه مسلم، نعم، فهو من رواية مسلم من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال: روي عن جابر هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجري على قواعد أهل العلم أن يصدر الحديث المروي في صحيح مسلم بصيغة التمريض، والمؤلف من أهل الحديث، يعرف مثل هذه الأمور، نعم.

عفا الله عنك.

وروي.

روى، روى.

وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" رواه مسلم.

وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة، ولم ينادِ في الأولى، ولم يسبح على إثر واحدة منهما"، وفي رواية: "ولم ينادِ في واحدة منهما".

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" متفق عليه.

وعنه: "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ، وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر، وقال مالك: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر من ينادي بها إلا بعد أن يحل وقتها".

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) متفق عليه.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري، ورواه النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) رواه مسلم.

وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص

إيش؟ وروى.

وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).

وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وفي رواية: "أن آخر ما عهد إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" رواه ابن ماجه والترمذي حسنه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وروى عن جابر" يعني مسلماً راوي الحديث السابق، روى مسلم عن جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث الطويل، المخرج في مسلم وفي غيره، الذي ضبطه وأتقنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، فسبر الحجة ووصفها كما رأى من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه إليه، فهي حجة متكاملة، واعتنى بها أهل العلم، وشرحت في مصنفات مستقلة، وجمعت طرق الحديث أيضاً في أجزاء فالعناية بهذا الحديث عناية بحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذوا عني مناسككم)) وأهل العلم كما شرحوه ضمن صحيح مسلم شرحوه أيضاً على جهة الاستقلال، فالحديث في غاية الأهمية، وهو منسك متكامل لحجة صحيحة، لكن يبقى أن هناك مسائل من مسائل الحج تؤخذ من غيره، فالمحظورات توجد فيه وإلا ما توجد؟ توجد المحظورات في هذا الحديث؟ ما توجد، فتؤخذ هذه المحظورات من نصوص أخرى، لكن من أراد أن يبين الحج الصحيح واعتمد على هذا الحديث، وعول عليه، فجابر -رضي الله عنه- أتقن الحجة أيما إتقان، ولذا يرجح كثير من أهل العلم ما جاء في حديث جابر على ما جاء في غيره، وإن كان في البخاري أو متفق عليه؛ لأن جابراً تميز بهذا الوصف الدقيق والمتابعة الدقيقة لحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قال: "وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" دفع من عرفة لما غربت الشمس، لما غربت الشمس دفع من عرفة، واحتاج إلى النزول في الطريق ليقضي حاجته، فقال له أسامة: الصلاة، فقال: ((الصلاة أمامك)) يعني حتى نصل إلى المزدلفة، جمع، ولا تخفى المشقة الحاصلة للناس لو صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الطريق، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد التيسر على الناس، وجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء بمزدلفة التي هي اسمها: جمع.

"أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" وهذا أرجح ما ورد في الباب "بأذان واحد وإقامتين" ورد في البخاري ما يخالفه، ورد في الصحيحين ما يخالفه، لكن هذا أرجح ما في الباب عند أهل العلم، يؤذن للأولى، ثم يقام للأولى، ثم يقام للثانية بأذان واحد وإقامتين، فالمجموعات، الصلوات المجموعة يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة، وكذلك الفوائت، إذا فاتت صلوات أو نسيت صلوات من قبل جماعة في مكان لا يؤذن فيه، فإنه يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة.

"بأذن واحد وإقامتين".

"وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً" لأنها لا تقصر "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في السفر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار" وشذ من قال بأنها تقصر، هذا قول شاذ لا يلتفت إليه، والإجماع على خلافه، فهو مردود مرذول.

"صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين" العشاء تقصر، والسنة القصر في مثل هذه المواطن على خلاف بين أهل العلم على ما سيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى- هل الجمع والقصر من أجل السفر أو من أجل النسك؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مسافر، فيجمع ويقصر الصلاة، وأما من كان غير مسافر لا سيما من كان من أهل مكة وما قرب منها مما لا يبلغ مسافة القصر ما أثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أتموا كما قاله في المسجد الحرام: ((أتموا فإنا قوم سفر)) وسيأتي بحث المسألة في مكانها -إن شاء الله تعالى-.

"والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" هذا لا يتفق مع حديث جابر إلا إذا قلنا بإقامة واحدة لكل صلاة، لكن هذا خلاف الظاهر؛ لأنه لو أراد لكل صلاة لبين، ومثل هذا لا يحتاج إلى بيان، بإقامة واحدة لو أراد لكل صلاة لأن الذهن لا ينصرف إلى غيره، هل يمكن أن يقال بأكثر من إقامة لكل صلاة؟ من أجل أن يقال: بإقامة لكل صلاة؟ بإقامة واحدة كلمة واحدة هل يتصور أنها إقامتان لكل صلاة؟ لا شك أن الحمل على هذا خلاف الظاهر، وإن كان ممكناً للجمع بين الحديثين، وهو أولى من الترجيح؛ لأن الكل في الصحيح، بإقامة واحدة، ولا يمنع أن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمع إقامة ولم يسمع الأخرى، لكثرة الناس؛ ولبعده من مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي قربه من يقيم الصلاة، هذا ما سمع، وجابر سمع الإقامتين فذكرهما.

"وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة" هذا تفسير لرواية مسلم، وهذا يرجح القول بأن مراد ابن عمر بإقامة واحدة يعني عن كل صلاة، بدليل الرواية الأخرى علماً أنه لو لم تأتِ هذه الرواية لصح الحمل على أن ابن عمر لم يسمع الإقامة الثانية؛ لكثرة من حضر، والمثبت مقدم على النافي، وجابر -رضي الله عنه- حرص أتم الحرص على ضبط هذه الحجة، ثم نقلها بدقة.

"ولم ينادِ في الأولى" وهذه رواية شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون أصحاب ابن أبي ذئب، وهم عشرة من الحفاظ ما ذكروا هذه اللفظة، هذه الجملة "لم ينادِ في الأولى" فهي شاذة غير محفوظة.

"ولم يسبح" يعني لم يصلِ النافلة "على إثر واحدة منهما" لم يصل النافلة على إثر واحدة منهما، يعني لم يفصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بسبحة، يعني سنة، نافلة، كما أنه لم يعقب صلاة العشاء بنافلة، حتى بالغ بعض أهل العلم وقال: إن ليلة الجمع لا يشرع فيها قيام الليل حتى الوتر؛ لأن جابراً يقول: "نام حتى أصبح" يعني ولم يصل شيئاً من الصلوات، لكن النصوص الأخرى تدل على أنه لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكون الإنسان يلزم النبي -عليه الصلاة والسلام- أو العالم أو من يقتدى به ليبين أفعاله لا يعني أنه لا يغفل، فقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجه ورخص ولم ينقل، مما فات الصحابي -رضي الله عنه وأرضاه-، ونقله غيره.

وعلى كل حال الوتر لا يترك سفراً ولا حضراً، كما جاء في الروايات المفسرة، نعم ينبغي للإنسان أن ينام في هذه الليلة؛ لأن أمامه في يوم النحر أعمال كثيرة من أعمال الحج، وهي تحتاج إلى جهد فيترتب عليها مشقة إذا سهر، لكن بعض الناس إذا تغير عليه المكان ما نام، فيحتاج إلى سهر، يأرق في منامه، هل نقول: تأهب للنوم، واجلس في فراشك حتى يطلع الصبح ولا تصنع شيئاً؟ أو نقول: العلة معقولة، النوم والراحة من أجل الاستعداد ليوم النحر، يوم الحج الأكبر، فإذا لم يتيسر واستطعت أن تستفيد إما بعلم أو نوافل قيام ليل وما أشبه ذلك، أو دعوة وتوجيه، أو مدارسة علم، أو مؤانسة أصحاب في حدود المباح؟ هذا ما في ما يمنع منه -إن شاء الله تعالى-، أما إذا تيسر النوم بعض الناس -ما شاء الله- أول ما يضع رأسه في أي مكان، وعلى أي وضع ينام، وبعض الناس إذا تغير الفراش ما يمكن ينام، فمثل هذا له توجيهه، وهذا له توجيهه، وقد شاهدنا مجموعة من الأفارقة جاءوا إلى مكان في مزدلفة منحدر، فناموا فيه، وهل الرؤوس أعلى أو أسفل؟ أسفل، يعني شيء مستغرب جداً، يعني بعض الناس إذا تغيرت الوسادة المخدة هذه يعني زادت قليلاً أو نقصت ما ينام عن المعتاد، وهؤلاء ناموا في منحدر رؤوسهم أسفل، فالناس أجناس، والناس لا شك أنهم..، من الناس من يتكيف على أي وضع يكون، هذا إذا أمكن هذا طيب جيد، إذا كان على أي حال يكون يزاول أعماله العادية هذا طيب، وبعض الناس ما يمكن يجلس على مكان خشن وإلا فيه قساوة، لا بد أن يكون على مكان مريح، وبعض الناس إذا انخفضت درجة الحرارة أو زادت قليلاً ما ارتاح، وبعض الناس ينام في الشمس، وينام في الظل لا فرق، لا شك أن الذي يتكيف على مثل هذه الظروف أفضل له؛ ليأخذ راحته ويزاول أعماله العادية ولا يتأثر في سفر ولا حضر، فعلى الإنسان..، يعني النعمة لا تدوم، يتصور الإنسان أن الكهرباء مثلاً في يوم من الأيام فُقد، هل معناه أننا لا ننام؟ هذا واقعنا ما ننام، لكن هذا الذي ينبغي؟ لا.

جاء الأمر بتمعددوا، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، فلا شك أن الظروف لا تتيسر للإنسان في كل وقت، وفي كل ظرف.

عرفنا أن جملة "لم يناد في الأولى" شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون الرواة عن ابن أبي ذئب، وعدتهم عشرة من الحفاظ، كما بين ذلك أهل العلم "ولم يسبح" يعني لم يتنفل على إثر واحدة منهما، وفي رواية: "ولم يناد في واحدة منهما" وهذه..، "ولم يناد في الأولى" هذه شاذة "لم يناد في واحدة منهما" وفي حديث جابر "بأذان واحد وإقامتين" فهذه إذا عورضت برواية جابر، ورواية جابر أرجح فهي المحفوظة، ويحكم على هذه بأنها شاذة كسابقتها، أو يقال: إنه لم ينادِ يعني لم يسمع النداء، الراوي ابن عمر ما سمع النداء، كما أنه لم يسمع الإقامة للثانية، لكن يبعد أنه يسمع إقامة واحدة ولا يسمع النداء، هذا بعيد؛ لأن النداء في الأصل أو في الغالب أرفع صوتاً من الإقامة، اللهم إلا أن يكون في وقت النداء في مكان بعيد جداً يتطلب الماء للوضوء، ثم بعد ذلك قرب فسمع الإقامة الاحتمال قائم، وعلى كل حال حديث جابر لا يرجح عليه شيء، فالراجح أنه في مثل هذا الظرف في وقت الجمع ينادى للأولى، ينادى نداء واحد، ولكل صلاة إقامة.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))" صلاة الصبح لها أذان أول ولها أذان ثاني، فائدة الأذان الأول وهو قبل دخول الوقت ليرجع القائم ليتناول السحور، ويستيقظ النائم ((ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم)) هذه فائدة النداء الأول، ويكون قبل دخول الوقت، والثاني بعد دخول الوقت ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا)) ((لا يمنعنكم أذان بلال)) ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: وكان رجلاً أعمى، قال هذا مدرج، ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" يعني دخلت في الصباح، لا يعني أنك أوغلت فيه، بمعنى أن الناس يأكلون حتى يوغلوا في الصبح، وينتشر الصبح انتشاراً بيناً ظاهراً، لا؛ لأن طلوع الصبح هو الفاصل، وأذان ابن أم مكتوم الأذان الثاني هو الذي يحرم الطعام؛ لأنه مع الصبح، فإذا قيل له: أصبحت أصبحت، انتهى وقت الأكل، وحلت الصلاة، وعلى هذا ينبغي أن يتخذ مؤذنين، أن يتخذ الإمام مؤذنين للمسجد، لا سيما صلاة الصبح، لا سيما في رمضان، حتى نازع بعضهم في مشروعيته في غير رمضان، لكن ما المانع إذا كان الناس تعودوا على الأذان، وأن الأذان الأول يستيقظون به لصلاتهم، لصلاة الليل، وسحور من أراد أن يصوم؟ فالعلة قائمة وهي موجودة، وإلا فظاهر الحديث: ((كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) أن هذا في رمضان؛ ولذا ترك الأذان الأول في كثير من المساجد إلا في رمضان، والعلة قائمة في غير رمضان، فإذا أذن عند الحاجة أذان قبل دخول الوقت بساعة أو بنصف ساعة من أجل أن يستيقظ النائم، ويصلي ما كتب له قبل طلوع الفجر، أو يتناول السحور قبل طلوع الفجر إذا أراد الصيام فالمشروعية قائمة.

أهل العلم يقولون بقبول خبر الأعمى فيما يدرك بالبصر، والناس يعتمدون على ابن أم مكتوم، ويكفون عن الأكل وهو أعمى، والصبح يدرك بالبصر، لكن ابن أم مكتوم يدركه بواسطة غيره، فأذان الأعمى صحيح، وإن كان شرط الأذان معرفة الأوقات، والأوقات مدارها على الرؤية البصرية، إذا وجد عنده ثقة ينبهه على دخول الوقت فإن أذانه صحيح، وخبره مقبول.

"متفق عليه".

"وعنه" يعني ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال في الثاني: وعنه، وفي الأول مع أن الذي قبله عن ابن عمر، قال: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، ثم قال: وعن ابن عمر، ما قال: "وعنه" ثم في الثالث قال: "وعنه" لو قال في الثاني: "وعنه" لالتبس أن يكون عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، يعني عن راوي الحديث السابق، وعرفنا أن التابعي في مثل هذا لا يحتاج إليه، وعادة أهل المختصرات أنهم لا يذكرون التابعي إلا إذا كان له دور في الخبر، محاورة بينه وبين الصحابي لا يمكن إدراكها إلا بذكره.

ثم قال: "وعنه" يعني عن ابن عمر صحابي الحديث السابق "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" يعني نفسه، وكان عبداً لأبي بكر -رضي الله عنه-، هذا بيان السبب الذي من أجله كونه أذن قبل طلوع الفجر، وعلى كل حال الخبر شاذ؛ لأنه مخالف للحديث الذي قبله، وهو أقوى منه، متفق عليه، بلال يؤذن بليل، بقوله -عليه الصلاة والسلام-، وبإقراره -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) وهنا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، فرجع فنادى ألا إن العبد نام، لا داعي لهذا؛ لماذا؟ لأنه كان ينادي بليل بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما المعنى في كونه يقال له: ارجع فنادي ألا إن العبد نام.

ينادي بليل، ثم بعد ذلك إذا حان وقت الصلاة ينادى لها مرة ثانية، يعني ما المقصود من الصلاة هذه التي في هذا الخبر؟ المغرب أو العشاء أو الفجر؟ نعم؟ الفجر بلا شك، والفجر ينادى لها قبل وقتها كما في الحديث السابق المحفوظ المتفق عليه، فما الداعي إلى قول: ألا إن العبد نام ثم يرجع فيؤذن؟ يعني هذا التعليل لا مبرر له، يعني ينادي قبل طلوع الفجر على مقتضى الحديث السابق، ثم إذا طلع الفجر أصبح حينئذٍ ينادى لها ثانية، فلا داعي لمثل هذا، والحديث شاذ.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "رواه أبو داود، وذكر علته" والعلة أنه من رواية حماد بن سلمة، ولم يضبطه؛ لأنه حصل له تغير.

"رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ" إذا كان غير محفوظ فهو إيش؟ شاذ "وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)).

"وقال مالك" الإمام نجم السنن -رحمه الله-: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر" يقول مضعفاً لهذا الحديث: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر "فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" لا يجوز أن يؤذن لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا يجوز أن يؤذن لصلاة المغرب قبل غروب الشمس وهكذا، أو العشاء قبل مغيب الشفق، أو العصر كذلك قبل دخول وقتها لا يجوز بحال، أما الصبح فثبت أن بلالاً كان يؤذن بليل "فلم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" وينادى لصلاة الصبح قبل وقتها إذا كان هناك أكثر من مؤذن، واحد يؤذن قبل دخول الوقت والثاني يؤذن على الوقت؛ لأن معرفة الوقت بالنسبة للمعذورين في بيوتهم أمر لا بد منه؛ لأنه لا يتمكن الناس في بيوتهم من معرفة الوقت إلا بالأذان، فلا بد من وجود من يؤذن على الوقت، مع وجود من يؤذن قبل الوقت.

فالخلاصة أن هذا الحديث شاذ غير محفوظ، مخالف لما هو أرجح منه من حديث ابن عمر المتفق عليه.

يذكر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن عبداً له يقال له: مسرور أو مسعود، أذن بليل، فقال له: ارجع فقل: ألا إن العبد نام، أذن قبل الوقت فقال له: ارجع، فهذا الموقوف على عمر -رضي الله عنه-، وهم فيه حماد بن سلمة فرفعه، فرفعه خطأ، فالموقوف أقوى.

ثم قال بعد ذلك: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن))" ((إذا سمعتم)) فالأمر مرتب على السماع، فالذي لا يسمع المؤذن، أو يسمع تشويش مؤذن، يعني يسمع كلام من بعيد يعرف أنه أذان، ولا يتبين الجمل، يعرف أن المؤذن يؤذن، ويسمع الصوت، لكن لا يتبين الجمل، فمثل هذا لا يجيب، يعني يتوقع أنه قال: الله أكبر فيقول: الله أكبر، يعني ما سمع؛ لأن الجواب معلق بالسماع، ولو أن الأصم راقب المؤذن، ويعرف أنه قال: الله أكبر الله أكبر ثم سكت، يعرف ماذا قال، لكنه لا يسمع الإجابة مرتبة على السماع ((إذا سمعتم فقولوا)) مفهومه إذا لم تسمعوا إما لبعد عنه، أو لخلل في السمع فإنكم لا تقولون مثل ما يقول المؤذن.

((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) المماثلة هنا من أي وجه؟ يعني هل المماثلة تقتضي المطابقة؟ بمعنى أننا نماثله في كل ما قاله من جمل وحروف ومستوى رفع الصوت، ومقدار المدود؟ يعني هل المماثلة مطلوبة من كل وجه؟ أو نقول: إن المماثلة في الجمل، قال: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر؟ ولا يعني أن المؤذن يستغرق خمس دقائق في الأذان أننا نستغرق الخمس الدقائق في جمله، بمعنى أننا نمدها لتستوعب الخمس الدقائق، ولو كانت إجابتنا له بدقيقة واحدة كفى، يعني إذا مد المؤذن ست حركات، أو أكثر كما هو معمول به في الحرمين وغيرهما، الأذان أحياناً يستوعب خمس دقائق، والإنسان المجيب يمكن يجيبه في أقل من دقيقة، إذا قال: الله أكبر الله أكبر ومد صوته ورفع صوته بذلك ومد حروف المد، ثم أجبته بقولك: الله أكبر الله أكبر، كفى، هذه مماثلة، وإن لم تكن مطابقة.

((فقولوا)) فقولنا بعد قوله، لكنه عطف بالفاء، مما يقتضي التعقيب المباشر، يعني مباشرة بدون فاصل، ما قال: ثم قولوا، فعلى هذا إذا كان أذان المؤذن خمس دقائق وأنت تقرأ القرآن، وبإمكانك في خلال الخمس الدقائق تقرأ ربع جزء، وتجيب المؤذن في أثناء قراءتك، أو تؤجل الإجابة إلى آخر جملة، وتختم معه، إذا قال: الله أكبر الله أكبر وسكت تبدأ بالأذان، تبدأ بالإجابة أنت، ثم إذا قال: لا إله إلا الله تكون قد وصلتها، ثم تقولها وتدعو بالذكر المذكور، يكفي وإلا ما يكفي؟ لا ما يكفي؛ لأننا تأخرنا عنه، والعطف بالفاء ((إذا سمعتم فقولوا)) مجرد ما يسكت من قوله: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر قبل أن يشرع فيما يليه، على ما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه ((فقولوا)) العطف بالفاء، وبعض الناس وهذا نفعله أحياناً، وإن كان لا يتم به المقصود، يعني يبقى عليك في السورة شيء يسير تريد أن تكمل قبل الإقامة، وتستغل هذه الخمس الدقائق بالقراءة، فتقرأ والمؤذن يؤذن وأنت تجيبه إما تبعاً أو تؤجل الأذان إلى أن يقرب من النهاية فتنتهي معه، هذا لا يتم به الامتثال؛ لأن العطف بالفاء، وعلى هذا إذا كان الإنسان يقرأ فهل نقول: إن قراءة القرآن أفضل من إجابة المؤذن كل حرف عشر حسنات؟ وهنا ((حلت له شفاعتي)) أيهما أفضل؟ الشفاعة أفضل وإلا كل حرف عشر حسنات؟ المتابعة أفضل؛ لماذا؟

طالب:......

نعم؟

طالب:......

لأنه حلت له شفاعته أو لأنه ذكر خاص يفوت يقدم على الذكر العام؟ نعم ذكر خاص يفوت، وإلا فالقرآن أعظم الكلام، يعني من كان يقرأ القرآن كأنما يخاطب الله -جل وعلا-، فمن هذه الحيثية؛ لأنه ذكر خاص ومحدد بزمن يفوت يقدم على غيره من الأذكار العامة ولو كانت أفضل، ولذا التسبيح في الركوع والسجود أفضل من التلاوة، وأفضل من الذكر غير التسبيح، وإن كان التهليل أفضل منه، أفضل من التسبيح، لكن مع ذلك كل ذكر في مكانه أفضل من غيره.

قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة))" وينبغي أن يكون هذا الحديث بعد الحديث الذي يليه، "((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة))" الأصل أن هذا الحديث يأتي بعد الأحاديث المفسرة لإجابة المؤذن؛ لأنها تلي إجابة المؤذن.

((من قال حين يسمع النداء)) حين، يعني وقت يسمع النداء، يعني قبل الفراغ منه، هذا ما يفيده حين؛ لأن الحين الوقت، والوقت أن يكون في أثنائه لا بعده، لكن قوله في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((ثم)) ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة)) العطف بـ(ثم) يقتضي أنه بعد ما يفرغ من الإجابة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

((من قال حين يسمع النداء)) يعني حين يفرغ من السماع والإجابة، قال بعد ذلك: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) أصل (اللهم) يا الله، فحذفت، حذف حرف النداء؛ ليكون لفظ الجلالة صدر الكلام، فلا يتقدم بين يديه، اللهم وعوض عن ياء النداء الميم.

((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) (اللهم ربَ) بدل من (الله) أو منادى ثاني، اللهم يا رب هذه الدعوة التامة لا مانع، رب هذه الدعوة التامة هذه الدعوة التامة التي هي الأذان بجمله، لا شك من تمامه وكماله واشتماله على أعظم الأذكار.

((رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة)) القائمة باعتبار ما كان أو ما سيكون؟ ما سيكون، يعني ستقوم، ((والصلاة القائمة آت)) آت بالمد أعطِ، {رَبَّنَا آتِنَا} [(200) سورة البقرة] أعطتنا، وأما ائتِ بالقصر فهي من أتى بمعنى جاء، وآتِ من آتى بمعنى أعطى.

((آت محمداً الوسيلة والفضيلة)) آت محمداً يذكر باسمه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يكون هذا من جنس نداء الأعراب يا محمد {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [(4) سورة الحجرات] يقولون: يا محمد يا محمد، فلا ينبغي أن ينادى باسمه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا ليس بنداء، يعني فرق بين المواجهة وبين الخبر، والحديث عن الشيء، يعني لو سألك شخص ما اسم أبيك؟ وأخبرته باسمه مجرد محمد مثلاً يختلف عن مخاطبتك له بقولك: يا محمد، هذا لا شك ظاهر الفرق.

((الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الوسيلة مما يتوسل به -عليه الصلاة والسلام- من الدعوات التي يلهمها، يلهم إياها ليؤذن له بالشفاعة العظمى، والفضيلة والمنزلة العالية على غيره -عليه الصلاة والسلام-، ((وابعثه مقاماً محموداً)) المقام المحمود {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] فهي منزلة لا تحصل إلا لواحد.

((مقاماً محموداً)) بالتنكير، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عسى أن أكون هو)) ((أرجو أن أكون هو)) لهذا الواحد ((وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الرواية بالتنكير، وروى النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف، أيهما أولى؟ التنكير، أولاً: لوروده في البخاري، وقبل ذلك وروده في القرآن، إيش؟ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] بالتنكير، وأيضاً التنكير فيه ما ليس في التعريف من التعظيم، فالتنكير أولى بلا شك من وجوه.

((الذي وعدته)) نطلب هذه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود مع أن الله -جل وعلا- وعده إياه، وهو لا يخلف الميعاد، هل يحتاج إلى سؤالنا؟ الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وجاءت في بعض ألفاظ الخبر: ((إنك لا تخلف الميعاد)) وهذه يختلف فيها أهل العلم، منهم من يقول: إنها زيادة ثقة فتكون مقبولة، ومنهم من يقول: إنها غير محفوظة؛ لأن أكثر الرواة على خلافها.

الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وقد وعده ذلك، فلماذا نطلب له هذه الوسيلة والفضيلة؟ قد يكون تحقيق هذا الوعد من أسبابه دعاء أمته له بهذا الدعاء، يعني الله -جل وعلا- قدر له هذه المنزلة، ووعده إياها، وجعل من الأسباب التي تتحقق به هذا الوعد هذا الدعاء، علماً بأن فائدة هذا الدعاء للداعي أكثر منه للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال: ((حلت له شفاعتي)) فنحن نذكر هذا الذكر لا شك أنه من باب الوفاء لمن دلنا على هذا الهدى، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن باب المصلحة الخاصة لكل إنسان بعينه ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) فعلى كل حال لا يقول قائل: إنه ما دام الوعد لا يخلف فلماذا ندعو؟ من الأصل لماذا تدعو؟ لماذا تتعبد وأنت محكوم عليك وأنت في بطن أمك، منزلتك معروفة، وهل أنت شقي وإلا سعيد وإلا غني وإلا فقير؟ لماذا تسعى؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) والأمور مسببات مربوطة بأسباب، ولا بد أن تنفذ هذه الأسباب.

"رواه البخاري".

يقول: ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) النبي -عليه الصلاة والسلام- له شفاعات، منها ما هو خاص به، ومنها ما له ولغيره، فالشفاعة العظمى خاصة به -عليه الصلاة والسلام-، خاصة به، فالناس يأتون إلى آدم ليخلصهم من هول الموقف فيعتذر بأنه أكل من الشجرة، ثم يأتون إلى نوح فيعتذر بأنه استعجل دعوته، ثم يأتون إلى إبراهيم فيذكر الكذبات الثلاث كلها في ذات الله، ثم يأتون إلى موسى فيذكر ما اقترفه -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ثم يأتون إلى عيسى ولا يذكر ذنباً، ثم يقول: ائتوا محمداً، فيأتون إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول: ((أنا لها، أنا لها)) فيسجد ويلهم بمحامد، ثم يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطى، فيسأل الشفاعة، ويخلصوا من الموقف، وهذه عامة لجميع الخلائق مسلمهم وكافرهم، وله شفاعات أيضاً: شفاعته في عمه، وشفاعته في أهل الكبائر من أمته، وإن كان الوعيدية ينازعون في بعض الشفاعات التي تقتضي إخراج بعض مرتكبي الكبائر من النار؛ لأن الخوارج والمعتزلة يقضون عليهم بالخلود في النار، ولا شك أن هذه الشفاعة تقضي على مذهبهم.

"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر))" هذا استدل به من يقول: إن الأفضل قرن التكبيرتين، كل جملتين من التكبير تقرن مع أختها.

((فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)) ومثله إذا قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا مخصص لقوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) يعني إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تقولوا مثله، مثل ما يقول كبقية الجمل حي على الصلاة؛ لأن هذا ليس بذكر، إنما هو نداء إلى الصلاة، والمجيب لا يستفيد من ندائه لأنه لا يجهر، والمؤذن يستفاد من ندائه حي يعني هلموا إلى الصلاة، وأما من يجيبه فلا يستفاد من ندائه إلى الصلاة، وإنما هو منادى وليس بمنادي، فإذا نودي لهذا الأمر العظيم هذا الذي لا يستطيع بمفرده إلا بإعانة الله -جل وعلا- أظهر عجزه وفقره بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول لنا ولا قوة ولا قدرة إلا بإعانة الله -جل وعلا-، وهذا اعتراف بالعجز والضعف.

ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني هذا المتجه أن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أهل العلم من يستروح أنه يجمع بين الحديثين بمعنى أنه يقول ما يقوله المؤذن عملاً بالأحاديث العامة ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) منها حي على الصلاة، قولوا مثل ما يقول، ثم بعد ذلك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لتجمع بين العام والخاص، ونظير ذلك قول الشافعية: فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، مع قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني نقول مثل ما يقول الإمام ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، فنقول: سمع الله لمن حمده اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونقول: ربنا ولك الحمد؛ لقوله: فقولوا: ((ربنا ولك الحمد)) والجمهور على خلافه أن التسميع خاص بالإمام والمنفرد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه قال: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يعني مباشرة، فإذا كان المأموم يقول: ربنا ولك الحمد بعد ما ينقطع صوت الإمام من قوله: سمع الله لمن حمده، فمتى يقول: سمع الله لمن حمده؟ يقولها أثنا قول الإمام سمع الله لمن حمده؟ يعني إن قالها بعد انقطاع صوت الإمام ما تأتى العطف بالفاء، ولذلك في الجمل كلها قال: إذا كبر فكبروا، إذا ركع فاركوا، إذا فعل فافعلوا إلا إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد.

وهنا ((إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)).

إذا ثوب في صلاة الصبح وقال: الصلاة خير من النوم، مقتضى قوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) أن نقول: الصلاة خير من النوم، ومنهم من يقول: إن حكمها حكم الحيعلة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه إذا قال: الصلاة خير من النوم هل هو مجرد خبر أو خبر يتضمن النداء إلى الصلاة؟ يتضمن النداء إلى الصلاة، فكان بمثابة قوله: حي على الصلاة فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما نقول حينما يقول: حي على الصلاة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه وإن كان خبراً إلا أنه يتضمن الدعاء والنداء إلى الصلاة، فحكمه حكم الحيعلة، ويستروح بعض الفقهاء قول: "صدقت وبررت" لأنها ليست بذكر، بمعنى أنه يثاب عليه مثل حي على الصلاة، ليس بذكر، أما بقية الجمل فهي أذكار يثاب عليها.

فقول: الصلاة خير من النوم خبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، فهل هذا صدق وإلا كذب؟ صدق، إذاً نقول: صدقت وبررت، هذا استرواح وميل من بعض الفقهاء، لكن أرجح الأقوال أن يقال مثل ما يقول المؤذن؛ لأن هذا العموم ما خص منه إلا حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإذا قال: الصلاة خير من النوم نقول: الصلاة خير من النوم امتثالاً لقوله: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)).

((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) الجمل جمل التكبير كم؟ كأنها أربع، لكن هل جمل التكبير في آخر الأذان أربع وإلا اثنتين؟ اثنتين بالاتفاق، بالإجماع، وهذا الحديث في مسلم ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) أربع مرات، قال: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

مرتين؟

طالب:.......

مرتين فقط؟

لا عندنا قال: ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر)) والمحقق يقول: ليس في (ب) وهي زيادة موافقة لما في صحيح مسلم، في نسخة ثالثة؟ وين النسخة الصفراء فيها؟

طالب:.......

معك؟ لا هذه فيها كم؟

طالب:.......

اثنتان، هذه الجادة، ولعل الناسخ سبق نظره إلى التكبير في أول الأذان؛ لأنه في أول الأذان ما ذكر إلا اثنتين، كم ذكر عندكم؟

طالب:.......

يعني سبق نظر، نظر إلى الجمل فسبق نظره إلى ما كان في أول الأذان.

على كل حال هذا أمر متفق عليه، وأن الأذان في أوله على ما جاء في حديث أبي محذورة اثنتين، وعلى ما جاء في حديث عبد الله بن زيد أربع، وأما في آخره فالاتفاق على أنهما اثنتان.

((ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله)) يكتفي بهذا أو يقول: وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟ نعم يكتفى بمثل ما يقول المؤذن لا إله إلا الله ((قال ذلك من قلبه)) لا بد من الاستحضار، وكثير من المسلمين وبعض طلبة العلم يذكر هذه الأذكار بلسانه فقط، وهل تترتب الآثار على ذكر اللسان دون مواطأة القلب؟ نعم الجمهور لا، لا بد من التواطؤ بين اللسان والقلب، وابن حجر يقول: الأجور المرتبة والآثار المرتبة على مجرد القول تثبت بالقول، من قال كذا فله كذا، يثبت؛ لأنه قال، يصدق أنه قال، ويكون أجر حضور القلب قدر زائد على ذلك، قدر زائد على ذلك، وعلى كل حال المواطأة لا بد منها؛ لأن الذكر باللسان فقط مع الغفلة إذا كان ناقص، ذكر ناقص، رواه مسلم وروى، وإن كان في بعض النسخ: روي، حتى ضبطت بضم الراء وكسر الواو، رُوي، بهذا الضبط، والصواب روى يعني مسلماً فالحديث مخرج في مسلم، فلا يحق لأحد أن يقول: روي، والحديث مخرج في صحيح مسلم؛ لأن أهل العلم ينصون أن الحديث الصحيح لا يصدر بصيغة التمريض، كما أن الضعيف لا يصدر بصيغة الجزم، والمؤلف إمام في هذا الباب، يراعي مثل هذه الاصطلاحات، فلا شك أن مثل هذا من تصرف الطابع.

"وروى" يعني مسلماً "عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي))" يعني إذا قلنا: لا إله إلا الله صلينا على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً)) يصلي عليه عشر، وهذا من فضل الله -جل وعلا- وكرمه أن الشيء من العبادات يضاعف، والحسنة بعشر أمثالها، والصلاة بعشر صلوات، والمفروضات خمس بخمسين وهكذا، لكن يأبى بعض الأشقياء وبعض المحرومين إلا أن تكون آحاده غالبة لعشراته، بعض الناس تزيد آحاده على عشراته فيفرط في ما يؤجر عليه، ويستكثر مما يأثم به، لا شك أن هذا خذلان.

قال: ((ثم سلوا الله لي الوسيلة)) يعني بالذكر المفصل في السابق ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة...)) إلى آخره.

((فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)) بعضهم يقول: إن هذه المنزلة هي إجلاسه -عليه الصلاة والسلام- مع الرب -جل وعلا- في العرش، وهذا جاء ما يدل عليه، لكن فيه كلام كثير لأهل العلم هذه المنزلة، ونكتفي بما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، هي منزلة عالية مناسبة للبشر للمخلوقين، وهي أعلى منزلة في الجنة، لا تنبغي أن تكون إلا لواحد فقط، لا تقبل الشركة، ويرجو -عليه الصلاة والسلام- أن يكون هو، والله -جل وعلا- قد وعده هذا المقام المحمود، وهذه المنزلة العالية الرفيعة ((فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).

قال: "وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً))" عثمان بن أبي العاص ثقفي، وطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون إماماً لقومه، والأصل أنها إمامة صلاة بدليل قوله: ((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً)) لا أنها إمارة، وإن كان اللفظ محتملاً إلا أن الظاهر من اللفظ أنها إمامة صلاة.

وطلب الإمامة؛ لأنها عمل مما يقصد به وجه الله، ويتعبد به، فهو من أمور الآخرة، ولا مانع أن يطلب الإنسان الإمامة، لا سيما إذا استحضر في ذلك أنها تعينه على أمور دينه، تضبط له أوقاته، وترتب له حياته؛ لأن الذي..، مع الظروف التي نعيشها كثير من الشباب ممن ليس بإمام أحياناً تفوتهم الصلاة، لكن إذا كان إمام ما تفوته الصلاة، فإذا طلب الإمامة لهذا القصد، يقول: من أجل أن أحافظ على الصلاة، ومن أجل أن أحفظ القرآن، وأراجع حفظي، هذه مقاصد حسنة، لا لأجل الأجر المرتب عليها، ولا لأجل البيت والمسكن، مسكن الإمام، فلا يجوز للإمام أن يتقدم للإمامة من أجل الراتب، أو من أجل البيت، أو ما أشبه ذلك، إنما يتقدم للانتفاع والنفع، لينتفع بنفسه وينفع غيره، ثم ما جاءه بعد ذلك من رزق من بيت المال لا يؤاخذ عليه، لكن إذا كان هو الدافع له، الدافع له هذا الأجر فلا، ولذا قال: ((أنت إمامهم)) وليس هذا من باب سؤال الإمارة؛ لأن الإمارة من أمور الدنيا ليست من أمور الآخرة، فأمور الآخرة تطلب ليستعان بها على السير إلى الله -جل وعلا-، وأما أمور الدنيا فلا تسأل الإمارة، والمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل.

فقال: ((أنت إمامهم)) أجابه إلى طلبه ((واقتد بأضعفهم)) يعني عندك مجموعة من الشباب طلاب علم ثلاثة صفوف مثلاً، وعندك من كبار السن اثنين أو ثلاثة، الشباب لا مانع أن تصلي بهم، صلاة المغرب بالأعراف أو صلاة العشاء بسورة أخرى، وأحياناً تقرأ الطور وأحياناً..، لكن هؤلاء كبار السن الضعاف لا شك أنه يشق عليهم مثل هذا التطويل فهم المنظور إليهم.

((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فأمر المؤذن موكول إلى الإمام؛ لأنه قال له: ((اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فهو موكول إلى الإمام، كما في هذا الحديث، أو موكول إلى من وكله الإمام، هنا هل عثمان بن أبي العاص اكتسب هذا الحق في اتخاذ المؤذن لأن الإمام أحق من غيره في اتخاذ المؤذن، أو لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أتخذ مؤذناً)) وكل الأمر إليه؟ وعلى هذا إذا قلنا بالأول أن كل إمام يرشح مؤذناً، وإذا قلنا بالثاني أنه ليس للإمام أن يرشح مؤذناً إلا إذا فوض إليه الأمر من قبل ولي الأمر، قال: اتخذ مؤذناً، رشح أنت من شئت، عين من شئت لا مانع.

((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) لا يأخذ أجرة، لا يأخذ راتب، ما يقول: لا أذن إلا بكذا، وكان المؤذنون يحتسبون، يؤذن الواحد خمسين سنة، ستين سنة ما يأخذ أجر، اللهم إلا إذا فرض له من قبل بعض المحسنين من أوقاف وأشباهها كذا صاع من التمر أو صاع من البر، أو ما أشبه ذلك هذه طريقته؛ لأنه يتفرغ للمسجد، فلا يأخذ على ذلك أجراً، أما ما يعطاه جعلاً وتعاوناً معه على أمور دنياه هذا طيب، من باب التعاون على البر والتقوى، ولا يدخل هذا في النهي المذكور في الحديث.

"((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم" والحديث صحيح "وفي رواية: أن آخر ما عهد إليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" وهذه الرواية وإن كان معناها صحيح إلا أنها من حيث الصناعة ضعيف؛ لأن فيها عنعنة الحسن البصري، وفيها أشعث بن سوار مضعف، والمعنى صحيح؛ لأن الخبر السابق صحيح ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه ابن ماجه والترمذي حسنه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"