شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 06

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى- عن جابر -رضي الله عنه- أنه قيل له: أنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم.

وعن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمتِ أمس؟»، قالت: لا، قال: «أتريدين أن تصومي غدًا؟»، قالت: لا، قال: «فأفطري».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث الأول: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، صحابي بن صحابي، غزا تسعة عشرة غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين سنة.

هذا الحديث والذي بعده ترجم عليهما الإمام البخاري بقوله: باب صوم يوم الجمعة، باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر، وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر.

يقول ابن حجر: قوله: باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر، كذا في أكثر الروايات، كذا في أكثر الروايات، ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة، وهي: يعني إذا لم يصم قبله، ولا يريد أن يصوم بعده، زيادة في رواية أبي ذر وأبي الوقت: يعني بعد قوله: باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر، يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده، وهذه الزيادة -يقول ابن حجر- تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه، فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري، ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ: يعني، ولو كان ذلك من كلامه لقال: أعني، بل كان يستغني عنها أصلًا ورأسًا.

واضح؟

المقدم: نعم.

يقول: باب صوم الجمعة، وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر، هكذا في أكثر الروايات، في رواية أبي ذر وأبي الوقت زيادة: يعني إذا لم يصم قبله، ولا يريد أن يصوم بعده، وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه، فإنها لم تقع في رواية النسفي عند البخاري -يقول ابن حجر-، ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ: يعني، ولو كان ذلك من كلامه لقال: أعني، -ما يقول: يعني-، بل كان يستغني عنها أصلًا ورأسًا، ما يحتاج يقول يعني، ولا أعني؛ لأنه كلامه كله متتابع.

وتعقبه العيني، تعقبه العيني، فقال: قلت: عدم وقوع هذه الزيادة في رواية النسفي عن البخاري لا يستلزم عدم وقوعها من غيره سواء كان من الفربري أو من غيره، لا يستلزم عدم وقوعها -يعني كون هذه الزيادة لا توجد عند النسفي لا يلزم أن تكون معدومة في جميع الروايات الأخرى-، والظاهر أنها من البخاري.

ابن حجر يقول: الظاهر أنها من الفربري، يقول العيني، حجة ابن حجر يقول: لو كان من البخاري ما يحتاج أن يقول: يعني.

المقدم: كان يقول: أعني.

يقول: أعني، أو لا يقول شيء، يصل الكلام بعضه ببعض.

يقول العيني: والظاهر أنها من البخاري، وقوله: يعني، في محله، وليس ببعيد؛ لأنه يوضح المراد من قوله: وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر، فأوضح بقوله: يعني أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما عليه الإفطار إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده، فقوله: وإذا أصبح، إلى آخره، إذا كان من كلام غيره -إذا أصبح، يعني في الترجمة، وإذا أصبح صائمًا-، إن كان من كلام غيره -يعني نقله البخاري من كلام غيره-، فقوله: إذا أصبح، إلى آخره، إذا كان من كلام غيره، فلفظ: يعني، في محله -يفسر كلام غيره-، وإن كان من كلامه، فكأنه جعل هذا لغيره بطريق التجريد، ثم أوضحه بقوله: يعني، فافهم فإنه دقيق.

يعني التجريد، التجريد أن يجرد الشخص، أن يجرد الشخص من نفسه شخصًا آخر يتحدث عنه، يعني كما تقدم في كتاب الإيمان: أعطى رهطًا وسعد جالس، والمتكلم سعد، هذا يسمونه تجريدًا.

قال ابن حجر: وهذا التفسير لا بد من حمل إطلاق الترجمة عليه، قال ابن حجر: وهذا التفسير لا بد من إطلاق الترجمة عليه؛ لأنه مستفاد من حديث جويرية آخر أحاديث الباب، وهذا التفسير لا بد من حمل إطلاق الترجمة عليه؛ لأنه مستفاد من حديث جويرية آخر أحاديث الباب إذ في الباب ثلاثة أحاديث.

الباب فيه ثلاثة أحاديث في الأصل.

المقدم: في الأصل، نعم، جابر، وأبي هريرة، وجويرية.

نعم، عندك اختصر.

المقدم: لكنه في الزوائد وضعه.

لكن ما له داعٍ للزوائد وهو لا يفيد حكمًا جديدًا، والمختصر حذفه عمدًا.

أولها: حديث جابر وهو مطلق، والتقييد من أحد رواته؛ كما سنبينه.

أنت عندك تقييد؟

المقدم: لا.

لأنه قال في آخره -البخاري-: زاد غير أبي عاصم: يعني أن ينفرد بصومه، يعني أن ينفرد بصومه.

والمراد من التقييد قول البخاري بعد ذكره: زاد غير أبي عاصم: يعني أن ينفرد بصومه.

قال العيني: ومطابقته للترجمة من حيث إن صوم يوم الجمعة منفردًا مكروه؛ لأنه منهي عنه، والترجمة تتضمن معنى الحديث.

وثانيها: حديث أبي هريرة، وهو ظاهر في التقييد، وهو مما حذفه المختصر، ولفظه: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة، لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده»، ولا هنا نافية؛ لأنها لو كانت ناهية، لقال: لا يصم أحدكم، والنفي إذا أريد به النهي كان أبلغ.

وثالثها: حديث جويرية، وهو أظهرها في ذلك -في التقييد-، وهو قوله: عن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: «أصمتِ أمس؟»، قالت: لا، قال: «أتريدين أن تصومي غدًا؟»، قالت: لا، قال: «فأفطري»، «فأفطري».

رواية الحديث: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية، من بني المصطلق، أم المؤمنين، كان اسمها برة، فغيرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسباها في غزوة المريسيع، ثم تزوجها، وماتت سنة خمسين على الصحيح.

يقول العيني في شرح الترجمة: أي: هذا باب في بيان حكم صوم يوم الجمعة، وحكمه أنه إذا أصبح صائمًا يوم الجمعة، فإن كان صام قبله ولا يريد أن يصوم بعده، فليصمه، فإن كان صام قبله ولا يريد أن يصوم بعده، فليصمه، وإن كان لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده، فليفطر، لورود النهي عن صوم يوم الجمعة وحده، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة؛ كما قال العيني.

يقول ابن بطال: اختلف العلماء في صيام يوم الجمعة، فنهت طائفة عن صومه إلا أن يصام قبله أو بعده، فنهت طائفة عن صومه إلا أن يصام قبله أو بعده على ما جاء في هذه الآثار -يعني في هذه الأحاديث، والأثر أعم من أن يكون مرفوعًا أو موقوفًا، هي كلها مرفوعة هنا، فنهت طائفة عن صومه إلا أن يصام قبله أو بعده على ما جاء في هذه الآثار، رُوي هذا القول عن أبي هريرة وسلمان، ورُوي عن أبي ذر وعلي بن أبي طالب أنهما قالا: إنه يوم عيد، إنه يوم عيد وطعام وشراب، فلا ينبغي صيامه، وهذا قول ابن سيرين والزهري، وبه قال أحمد وإسحاق.

وفي هذا إشارة إلى علة النهي أنه يوم عيد، وسيأتي الخلاف فيها.

ومنهم من قال: يفطر ليقوى على الصلاة في ذلك اليوم -يعني هذه علة ثانية، هذه علة ثانية-، ومنهم من قال: يفطر ليقوى على الصلاة في ذلك اليوم، ورُوي ذلك عن النخعي؛ كما قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: لا يصام يوم عرفة بعرفة من أجل الدعاء -مع أنه عُرف عن ابن عمر أنه كان يصوم يوم عرفة بعرفة؛ لأنه إذا كان من أجل الدعاء، وابن عمر تحمل مثل هذه الأمور، يصوم ويدعو، لكن الذي يعوقه عن الدعاء لا يصوم، مع أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر، وجاء النهي عنه، وقال قوم بتحريمه، بتحريم صيام يوم عرفة.

وأجازت طائفة صيامه -صيام يوم الجمعة-، وأجازت طائفة صيامه، رُوي عن ابن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة.

المقدم: المقصود مفردًا؟

مفردًا نعم.

المقدم: الخلاف في المفرد؟

نعم، الخلاف في المفرد.

ويواظب عليه، وقال مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ممن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن.

المقدم: عجيب والله.

قال مثل هذا في صيام أيام الست، يقول: ما رأى أحدًا من أهل العلم والفضل يصومها، وتقدم هذا، لكن هذا رأيه، والصواب النهي عن صيام يوم الجمعة، واستحباب صيام أيام البيض تبعًا للأحاديث.

المقدم: الست.

نعم، الست، استحباب صيام الستة تبعًا للأحاديث، ولو قال مالك ما قال -رحمه الله-.

وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم -كلام مالك- يصومه، وأراه كان يتحراه، وقيل: إنه ابن المنكدر، وقال الشافعي: لا يبين لي أنه نهى عن صيام يوم الجمعة إلا على الاختيار، قال الشافعي: لا يبين لي أنه نهى عن صيام يوم الجمعة إلا على الاختيار، وقد رُوي عن ابن مسعود أنه قال: ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يفطر يوم الجمعة، رواه شيبان عن عاصم عن زر عن عبد الله، ورواه شعبة عن عاصم، فلم يرفعه، فهي علة فيه -علة في حديث: ما رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يفطر يوم الجمعة- وهو معارض بأحاديث الباب، وروى ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مفطرًا يوم جمعة قط، وليث ضعيف، وأحاديث النهي أصح.

وأكثر الفقهاء على الأخذ بأحاديث الإباحة؛ لأن الصوم عمل بر، فوجب ألا يُمنع عنه إلا بدليل لا معارض له.

سبحان الله! يقال مثل هذا الحديث، والأحاديث الثلاثة كلها في صحيح البخاري صريحة في النهي؟!

قال المهلب: ويحتمل أن يكون نهيه عن صيام يوم الجمعة، والله أعلم، خشية أن يستمر الناس على صومه فيفرض عليهم؛ كما خشي من صلاة الليل فقطعه لذلك، وخشي أن يلتزم الناس من تعظيم يوم الجمعة ما التزمه اليهود والنصارى في يوم السبت والأحد من ترك العمل والتعظيم، فأمر بإفطاره، ورأى أن قطع الذرائع أعظم أجرًا من إتمام ما نوى صومه لله.

يعني يقول لأم المؤمنين: «فأفطري»، ويقال مثل هذا الكلام؟

إذا جاء نهر الله -كما قال الإمام مالك -رحمه الله- بطل نهر معقل.

جاء الحديث المرفوع فلا كلام لأحد.

وذكر الطحاوي..

الآن تشبيه صيام الجمعة وأن الاستمرار عليه يخشى منه أن يفرض؛ كما أن الاستمرار على قيام الليل تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض، هل يستقيم مثل هذا القياس؟

المقدم: ما يستقيم.

ما يستقيم؛ لأن ذاك منصوص عليه.

المقدم: وذاك من فعله -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا؟

المقدم: هذا ليس من فعله، هذا من فعل غيره، يعني القيام إنما نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- لما رأى، أو وقف عن فعله؛ لأنه كان هو الإمام والناس وراءه.

طيب لو فعلوه هم؟

المقدم: نهاهم.

يعني لو استمر الناس على صيامه؟

المقدم: ولذلك نهاهم، أنا أقصد أنه فيه فرق بين هذا وذاك.

هو فيه فرق باعتبار أن الخشية منصوص عليها، ولذلك أعادها عمر -رضي الله عنه-، صلاة قيام الليل جماعة أعادها عمر لأمن الفرض، أُمِن، ولم توجد خشية أن يفرض بخلاف ما معنا.

وذكر الطحاوي قال: روى ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي بشر عن عامر بن لدين الأشعري أنه سأل أبا هريرة عن صيام يوم الجمعة، فقال: على الخبير وقعت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن يوم الجمعة عيدكم، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده»، فكره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقصد إليه بعينه بصوم؛ للتفرقة بينه وبين شهر رمضان وسائر الأيام؛ لأن فريضة الله في رمضان بعينه، وليس كذلك سائر الأيام.

يقول: فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقصد إليه بعينه، يعني ما يخصص يوم ما خصصه الشارع، للتفرقة بينه وبين شهر رمضان؛ لأن رمضان خصص هذا الشهر، وأيضًا الشرع، الشرع خصص رمضان من الأشهر، وخصص الاثنين بالقصد، وخصص ثلاثة أيام من كل شهر، وخصص يوم عرفة على ما جاء في النصوص الصحيحة.

ونقل ابن المنذر وابن حزم، ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر، قال ابن حزم: لا نعلم له مخالفًا من الصحابة.

ونسب العيني القول بتحريم إفراده إلى ابن حزم -ولا شك أن النهي صريح، لكن هل نقول: النهي للتحريم كما هو الأصل؟ النهي للتحريم هذا هو الأصل، ويكون هذا القول المنسوب لابن المنذر وابن حزم، وأيضًا علي وأبي هريرة وسلمان، إلى آخره، هو المتجه؛ لأن الأصل في النهي التحريم، أو نقول: إن النهي للتنزيه؛ كما ذهب إليه الجمهور، قال: وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه، وعن مالك وأبي حنيفة لا يكره، لا يكره.

تقدم كلام مالك، قال مالك: لم أسمع أحدًا ممن يقتدى به ينهى عنه، يعني عن إفراد الجمعة.

قال الداودي: لعل النهي ما بلغ مالكًا، وزعم عياض أن كلام مالك يؤخذ منه النهي عن إفراده، زعم عياض أن كلام مالك يؤخذ منه النهي عن إفراده؛ لأنه كره أن يخص يوم من الأيام بالعبادة، فيكون له في المسألة روايتان، وعاب ابن العربي، وعاب ابن العربي -وهو من المالكية- قول عبد الوهاب منهم -يعني من المالكية-، وعاب ابن العربي -المالكي- قول عبد الوهاب منهم -يعني من المالكية- يوم لا يكره صومه مع غيره، فلا يكره وحده، يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده. لكنه قياس مع وجود النص، واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة، وقلما كان يفطر يوم الجمعة، وحسنه الترمذي.

يقول ابن حجر: وليس فيه حجة؛ لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها، وليس فيه حجة؛ لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها.

وتعقبه العيني -وهو من الحنفية- تعقبه العيني بقوله: العجب من هذا القائل -يعني ابن حجر- بترك ما يدل عليه ظاهر الحديث، ويدفع حجيته بالاحتمال الناشئ عن غير دليل، يقول: وهذا عسف ومكابرة.

ابن حجر يريد أن يوجه الحديث على ضوء ما جاء في الأحاديث الصحيحة؛ لأنه يعارضها، ولا يضاد ذلك كراهة -أيضًا من كلام ابن حجر- ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعًا بين الحديثين، ومنهم من عده من الخصائص يقول: النهي في حق غيره، وهو يصوم -عليه الصلاة والسلام- الجمعة بناءً على ما جاء في هذا الحديث الذي استدل به الحنفية، ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد؛ لأنها لا تثبت بالاحتمال، والمشهور عند الشافعية وجهان: أحدهما، ونقله المزني عن الشافعي: أنه لا يكره إلا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر، والثاني، وهو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور.

ابن قدامة في المغني يقول: يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه، يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه مثل من يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيوافق صومه يوم الجمعة.

يعني هذا يشكل على الذين يصومون صيام داود، إذا أفطر الخميس، صام الجمعة، وأفطر السبت.

ومن عادته صوم أول يوم من الشهر أو آخره أو يوم نصفه ونحو ذلك، نص عليه أحمد في رواية الأثرم، قيل لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهي أنه يفرد -النهي عن إفراده- ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه، وأما أن يفرد فلا، قال: قلت: رجل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فوقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت، فصام الجمعة مفردًا؟ فقال: هذا الآن لم يتعمد صومه، إنما كره أن يتعمد الجمعة؛ لأن الذي يصوم صيام داود لا بد أن يصوم جمعة ويفطر جمعة، فإذا صام الجمعة يكون بالأمس قد أفطر الخميس، وغدًا السبت يفطر، فيكون قد أفرد الجمعة، فهذا له عادة يصومها، لا يتعمد صومه، إنما كره أن يتعمد الجمعة، هذا كلام الإمام أحمد.

يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: يؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها كمن يصوم أيام البيض.

كيف يصوم أيام البيض ويستثنى من الحديث؟ أيام البيض لا يكون فيها، لا يكون فيها إفراد، إلا على القول بأن صيام بعض أيام البيض.

المقدم: كصومها كاملة.

لا، ما هو كصومها كاملة، يعني له نصيبه من أجرها.

المقدم: يعني لو صام الخامس عشر إذا وافق الجمعة مثلًا.

لكونه من أيام البيض، يعني افترض امرأة عليها العادة استمرت معها إلى نهاية الرابع عشر، طهرت الخامس عشر، وهو من أيام البيض، تصوم أم ما تصوم؟

المقدم: تصوم.

تصوم؛ لأنه من أيام البيض التي جاء الحث عليها.

المقدم: ولو وافق الجمعة تكون أفردته؟

نعم، هذا مراده.

كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين؛ كيوم عرفة، فيوافق يوم الجمعة، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلًا أو يوم شفائه مثلًا، فإنه يصومه؛ لأن النذر واجب.

يقول ابن القيم في زاد المعاد: فصل: وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم فعلًا منه وقولًا، فصح النهي عن إفراده بالصوم من حديث جابر بن عبد الله وأبي هريرة وجويرية بن الحارث وعبد الله بن عمرو وجنادة الأزدي وغيرهم، وشرب يوم الجمعة وهو على المنبر يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة، ذكره أحمد، وعُلل المنع من صومه بأنه يوم عيد، فروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: «يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده»، فإن قيل: فيوم العيد -يعني الآن شبه يوم الجمعة بيوم العيد، هل التشبيه من كل وجه؟- قال: فإن قيل: فيوم العيد لا يصام مع ما قبله ولا ما بعده، قيل: لما كان يوم الجمعة مشبهًا بالعيد أخذ من شبهه النهي عن تحري صيامه، فإذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده لم يكن قد تحراه، وكان حكمه حكم صوم الشهر أو العَشْر، أو العُشْر منه، أو صوم يوم وفطر يوم، أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يوم جمعة، فإنه لا يكره صومه في شيء من ذلك، فإن قيل: فما تصنعون بحديث -الآن وجه الشبه ليس من كل وجه، يعني يشبه، يشبهه من وجه دون وجه-، فإن قيل: فما تصنعون بحديث عبد الله بن مسعود، قال: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر في يوم الجمعة، رواه أهل السنن، قيل: نقبله إن كان صحيحًا، ويتعين حمله على صومه مع ما قبله أو بعده، ونرده إن لم يصح، فإنه من الغرائب، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، يعني إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب يوم الجمعة، فهو معارِض لهذا الحديث.

في شرح الكرماني يقول: قال العلماء: والحكمة في النهي أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير واستماع الخطبة وأمثالها، فالإفطار أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط، والتذاذ بها من غير سآمة.

فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي بصوم يوم قبله أو بعده لبقاء المعنى، إذا صام يوم الخميس ترتفع هذه العلل؟ ما ترتفع، موجودة، إذا صام يوم الخميس هل ينشط لأعمال..، ينشط للوظائف المستحبة في يوم الجمعة، يتغير؟ ما يتغير، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى، فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي معه ما يجبر ما قد يحصل من فتور في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه. يعني الفضل الذي أدركه من صيام يوم الخميس يعوض به النقص الذي حصل يوم الجمعة، وقيل: سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن أهل السبت به. قال النووي: وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة.

حديث جابر رواه مسلم، فهو متفق عليه.

وحديث جويرية تفرد به البخاري، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، لتذكير الإخوة بإمكانهم أيضًا أن يتابعوا بث هذه الحلقات على الموقع الخاص لضيف البرنامج khudheir بإمكانهم أن يتابعوا بث هذه الحلقات على هذا الموقع، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.