بلوغ المرام - كتاب الطهارة (09)

بسم الله الرحمن الرحيم

بلوغ المرام - كتاب الطهارة (9)

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، متفق عليه.

"وعنه" أي عن أنس بن مالك صحابي الحديث السابق "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع" كان لفظ يدل على الاستمرار، يدل على الاستمرار، وقد يكون هذا الاستمرار هو الغالب، ويخرج عنه بعض الصور أو بعض الحالات.

"كان يتوضأ بالمد" وتقدم أنه توضأ -عليه الصلاة والسلام- بثلثي مد، غالب أحواله أنه يتوضأ بالمد، تقدم عنه أنه -عليه الصلاة والسلام- توضأ بثلثي مد، ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، أربعة أمداد، إلى خمسة أمداد، فدل على أنه لا تحديد، لا لماء الوضوء ولا لماء الغسل، بحيث لا يزاد عليه ولا ينقص منه، لكن الغالب أنه -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، وقد يزيد في الغسل إلى خمسة أمداد، وقد ينقص في الوضوء إلى ثلثي المد، وهذا يدلنا على ما تقدمت الإشارة إليه من مشروعية الاقتصاد في المال عموماً، وفي الماء على وجه الخصوص.

وقد نهي عن إضاعة المال، والإسراف في الماء منه، بل هو من أشرف الأموال التي الناس بأمس الحاجة إليها، فكون الإنسان إذا أراد أن يغسل فنجان مثلاً أضاع بسببه عدة آصع، والوسائل المستعملة في الماء تعين على الإسراف؛ لأن فتح الصنبور، صنبور الماء ما يكلف شيء، والماء بأقيام زهيدة الناس لا يحرصون عليه، ولذا قد يترك للطفل أن يفتح الماء ويتركه، وكم من الأموال، وكم من الطاقات تهدر بهذه الأسباب.

على كل حال سبق الإشارة إلى أن هذا مما تنبغي العناية به، وكونه نزل عن المد في الوضوء وزاد في الغسل عن الصاع يدلنا على أنه لا تحديد، قالوا: قدر المد خمسمائة وخمسين جرام، هل معنى هذا أن المتوضئ لا يزيد جرام ولا ينقص جرام؟ لا، ليس معنى هذا، إنما المطلوب من هذه النصوص الاقتصاد في الماء، وبعض الناس لا سيما في المواضئ العامة يجعلون الصنابير ذات أفواه ضيقة، لا شك أنها تساعد على الاقتصاد في الماء؛ لأنه إن فتحها بقوة تضرر بها، فهي تساعد، لكن لو جعل محبس عام شامل يمكن التحكم فيه، الذي يوزع على جميع هذه الصنابير فيجعل دفعه ضعيف، بحيث لو فتح الصنبور على أعلى ما يمكن فتحه عليه لا يتمكن بأكثر من القدر المطلوب كان أولى، لا يمكن التحكم في حنفية عامة مثلاً، أو قفل عام للجميع، لكن قد يقول قائل إن مثل هذا إذا فتحه الأول تأثر الأخير، يمكن ما يصل عند الأخير.

على كل حال ينبغي أن توجد الحلول المناسبة لهذا الإسراف الحاصل، وليس من الحل أن ترفع أسعار الماء، هذا ليس بحل؛ لأن بعض الناس قد يجتهد يقول: لماذا لا يرفع السعر لأجل الناس يهتمون بهذا الأمر ويحتاطون له؟ نقول: ليس بحل، هناك من يحتاط مع شدة فقره، فمثل هذا يتضرر، والله المستعان، لكن المسلم الذي يتدين باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحتاج إلى أن يجبر، وأن يلزم بمعالجة هذا الأمر، سم.

"وعن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) أخرجه مسلم والترمذي، وزاد: ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين))".

"عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم))" والخطاب وإن كان موجهاً إلى الصحابة -رضي الله عنهم- إلا أنه لهم ولغيرهم؛ لأن من يأتي بعدهم في حكمهم، فكل مسلم..، مع أن الاحتمال الآخر أن الخطاب للمسلمين، ما منكم أيها المسلمون فيدخل المتقدم والمتأخر.

((ما منكم من أحد)) و(ما) من صيغ العموم، نافية، و(أحد) نكرة في سياق النفي، وأدخل عليها (من) للتأكيد، فالنص عام للمتقدمين والمتأخرين، للذكور والنساء، للصغار والكبار.

((ما منكم من أحد يتوضأ)) الوضوء الشرعي كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله بياناً لما أوجب الله -سبحانه وتعالى- في آية الوضوء ((فيسبغ الوضوء)) يعني يتمه، يتمه يأتي به تاماً كاملاً، من غير نقص ولا خلل ((ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية)) يأتي بالشهادتين محققاً لهما، عاملاً بمقتضاهما، وإلا إذا كان يلفظ بهاتين الشهادتين ويأتي بما ينقضهما فإن اللفظ لا يكفيه ولا ينفعه، إذا كان يقول بعد الوضوء، بل في كل وقت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وهو يستعين بغير الله، ويستغيث بغير الله، ويطوف حول الأضرحة والقبور، هذا لا ينفع، ولو توضأ على أكمل وجه ثم تشهد هذه الشهادة التي هي بمجرد لسانه، يكذبها قوله وعمله، فإن هذا لا ينفعه ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) أنت تجعل مع الله إلهاً آخر بفعلك المناقض لهذه الشهادة، فكيف تقول: وحده لا شريك له؟ وأنت تشرك معه غيره؟

((وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) ومقتضى هذه الشهادة للنبي -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة طاعته في جميع ما أمر به، وترك جميع ما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأن يتبع، ولا يعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام-، أما من أخل بهذه الشهادة وهي شهادة أن محمداً عبد الله ورسوله فإنه لا ينفعه النطق، من يقول: أشهد أن محمداً عبده ورسوله ويغلو به، ويصرف له شيء من حقوق الله -عز وجل- لا تنفعه هذه الشهادة، بل هو مكذب لهذه الشهادة، كيف يقول: محمد عبد ويصرف له بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله -عز وجل-؟ بل وجد من يغلو به -عليه الصلاة والسلام-، ويجعله في مقام الربوبية، بل منهم من لم يترك لله -عز وجل- حق، بل صرف جميع الحقوق للنبي -عليه الصلاة والسلام-، يا رسول الله أغثني، يا رسول الله أدركني.

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

 

سواك عند حلول الحادث العممِ

 

يستغيث بغير الله، يطلب الفرج من غير الله، يقول:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

 

ومن علومك علم اللوح والقلمِ

 

ماذا ترك لله؟! مثل هذا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؟! هذا أتى بما يناقضها نسأل الله العافية، ولا شك أن النص من نصوص الوعد على لسان من لا ينطق عن الهوى.

فمن حقق هاتين الشهادتين وقالهما بعد الوضوء استحق الموعود به، وأنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية ((يدخل من أيها شاء)) في آخر سورة الزمر: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا} [(73) سورة الزمر] في واو وإلا ما فيه واو؟

طالب:.......

فيه واو.

بالنسبة لأبواب النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} [(71) سورة الزمر] بدون واو، لماذا جيء بأبواب الجنة بالواو وبأبواب النار بدون الواو؟ نعم؟

طالب:.......

يعني شُفع لهم وفتحت، طيب.

طالب:.......

إيه لكن حتى النار تحتاج إلى فتح {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [(73) سورة الزمر] لكن كأن الفتح معطوف على شيء قبله، كأن فتح الأبواب، أبواب الجنة معطوف على شيء قبله، وأبواب النار لم يعطف على شيء، عندك شيء؟

طالب:.......

مفاجأة العذاب {جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} [(71) سورة الزمر] يعني فجأة، أما أبواب الجنة فلا تحتاج ليس فيها مفاجأة؛ لأنهم بشروا بها سابقاً، نعم؟

طالب:.......

إيه قريب من قول الأخ، نعم؟

طالب:.......

نعم، يقول بعض أهل العلم: إن الواو هذه واو الثمانية، واو الثمانية، عند أهل العلم ما يسمى بواو الثمانية، عند بعضهم، وإن أنكرها الجمهور والأكثر، أنكروا أن يوجد واو تسمى واو الثمانية، من أثبتها يستدل بهذه الآية {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [(73) سورة الزمر] لأنها ثمانية {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} [(5) سورة التحريم] عد يا الله هات {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} [(5) سورة التحريم] إيش؟

طالب:.......

لا، ما جاءت الثمانية إلى الآن.

طالب:.......

{مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ... ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [(5) سورة التحريم] الثامنة بالواو، نعم {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(112) سورة التوبة] الأمر الثامن بالواو، فمثل هذه النصوص يستدل بها من يثبت واو الثمانية، تسمى عند أهل العلم واو الثمانية، ظاهر الاستدلال؟ نعم، لكن جمهور أهل العلم على نفي هذه الواو، على نفي هذه الواو، على كل حال هذا شيء من طرائف العلم، ومن ملحه، وإن لم يكن لها أثر حقيقي.

((إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) رواه مسلم"، أصل الحديث في مسلم، هذا اللفظ في مسلم، "والترمذي" يعني ورواه الترمذي روى هذا اللفظ "وزاد" الجملة اللاحقة ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) والتناسب بين التوبة والطهارة ظاهر، الله -سبحانه وتعالى- يحب من؟ يحب التوابين ويحب المتطهرين، والتوبة تطهير للبدن من أدناس الذنوب، كما أن التطهر تطهير له من أدران الأوساخ والأحداث، فالتناسب ظاهر، على كل حال أصل الحديث في مسلم، وهذه الزيادة زادها الترمذي، وحكم عليها بإيش؟ هاه؟

طالب:.......

بالاضطراب؟ المقصود أن هذه الزيادة زيادة على ما في صحيح، جاءت عند الترمذي وغيره، وهي لا توجد في شيء من الصحيحين، وكون صاحب الصحيح لم يذكرها بل تركها مع علمه بها، هل نقول: إن مسلم يجهل هذه الزيادة؟ لأنه روى طرف الحديث، وكونه تركها تعليل لها؛ لأن فيها علة، لو كانت محفوظة لذكرها مسلم في جملة الحديث، وعلى كل حال مثل هذا يدخل في زيادات الثقات، في زيادات الثقات، زيادات الثقات الذي استقر عليه الأمر في قواعد المتأخرين أنها تقبل مطلقاً؛ لأن مع من زاد زيادة علم خفي على من نقص، من زاد معه زيادة علم خفي على من نقص، ومثالها هنا، وفي آخر حديث إجابة المؤذن ((إنك لا تخلف الميعاد)) من يصححها يقول: هذه زيادة ثقة، لا تتضمن مخالفة، والذي يحكم عليها بأنها غير محفوظة بل شاذة؛ لأنها لو كانت محفوظة لذكرها صاحب الصحيح، كما ذكر أصلها، ولثبتت عند جميع الرواة الذين رووا أصل الصحيح، فدل على أنها غير محفوظة.

واقبل زيادات الثقات منهمُ

 

 

ومن سواهم فعليه المعظمُ

 

"وقيل: لا" إذا كان القاعدة المتقررة عند المتأخرين أن زيادات الثقات مقبولة؛ لأن مع من زاد زيادة علم خفيت على من نقص، وللطرف الآخر أن يقول: لا نقبل زيادة الثقة؛ لأنها مشكوك فيها، إذ لو لم تكن مشكوك فيها لذكرها الجميع، ولم يقتصر على زيادتها بعض الرواة دون بعض.

قد يقول قائل: ماذا يقول الأئمة الكبار، نحن لا نقلد الذهبي، ولا نقلد ابن حجر، ولا نقلد العراقي، ولا نقلد ابن الصلاح، لنقول: إن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، ماذا عن الأئمة الكبار؟ الإمام أحمد، ابن معين، أبو حاتم، الدارقطني، هؤلاء مذهبهم كما تقدمت الإشارة إليه في تعارض الوقف والرفع والوصل والإرسال أنهم لا يحكمون بقاعدة مطردة، بل يتركون الحكم للقرائن، فإذا دلت القرائن على أن هذه اللفظة محفوظة، حكموا بصحتها، وإذا دلت القرائن على خلاف ذلك حكموا بضعفها، وتقدم التمثيل بحديث: ((لا نكاح إلا بولي)) حكم الإمام البخاري بوصله، مع كون من أرسله كالجبل، كما يقول الحافظ العراقي، وحكم أبو حاتم وغيره بالإرسال، فعند الإمام البخاري دلت القرائن عنده على أن الوصل هو المحفوظ، وعند أبي حاتم دلت القرائن على أن الإرسال هو المحفوظ دون الوصل، وهكذا الأئمة يختلفون في مثل هذا اختلافاً كبيراً، ولا يحكمون بأحكام عامة مطردة.

حديث رفع اليدين بعد القيام من الركعتين، الإمام البخاري حكم بوصله، وخرجه في الصحيح، في الأصول معتمداً عليه، حديث ابن عمر، وأما الإمام أحمد فقد حكم بوقفه، هناك حكم برفعه وهنا حكم بوقفه، البخاري حكم برفعه، والإمام أحمد حكم بوقفه، ما موقف طالب العلم من مثل هذا الخلاف؟ ماذا يصنع طالب العلم في مثل هذه القضايا الكبار؟ هل نقول لطالب العلم: اترك قواعد المتأخرين فالعبرة بالمتقدمين، كما توجد هذه النداءات بقوة...

ماذا يصنع طالب العلم في مثل هذه القضايا الكبار؟ هل نقول لطالب العلم: اترك قواعد المتأخرين فالعبرة بالمتقدمين؟ كما توجد هذه النداءات بقوة، المتقدمون هم أهل الشأن وهم الأصل، ولولا المتقدمون لما أدرك المتأخرون شيئاً، أو نقول: اعتمد قواعد المتأخرين؛ لأنها منضبطة وتسير على نسق واحد؟ هل نقول هذا أو ذاك؟ لا يشك أحد ولا يجادل ولا يماري أن الأصل في الباب الأئمة الكبار المتقدمون الذين يحفظون السنة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، اللي يحفظ مائة ألف، واللي ثلاثمائة ألف، واللي سبعمائة ألف، واللي ستمائة ألف، من يدانيهم من المتأخرين؟ لكن قد يقول قائل: من يُقلد من المتقدمين؟ في حديث رفع اليدين بعد الركعتين نقلد البخاري وإلا أحمد؟ في حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) نقلد البخاري وإلا نقلد أبو حاتم ومن معه والدارقطني وجمع من أهل العلم؟ طالب العلم المبتدي عليه أن يتمرن على قواعد المتأخرين؛ لأنها هي التي تؤهله للعمل، يتمرن فيخرج ويدرس ويحكم على قواعد المتأخرين، وكل عمله هذا إنما يصنعه تمريناً، كي يتأهل، وإذا تأهل وعرف كيف يجمع الطرق؟ وكيف يؤلف بين المختلف من هذه الطرق؟ وعرف كيف يرجح؟ وتكونت لديه الأهلية، نقول له: لك أن تحاكي المتقدمين في الحكم بالقرائن، فتحكم بما يترجح عندك، أما قبل أن تتأهل فلا بد من فهم كلام المتأخرين، وتطبيق كلام المتأخرين، ثم بعد ذلك إذا تأهلت من يمنعك؟ ومن تضييع طلاب العلم أن ينادى بين أفراد المتعلمين وهم مبتدئون في أحكام العوام أن يقال: تنبذ قواعد المتأخرين؛ لأنها تخالف ما قرره المتقدمون، لكن هل للمتقدمين قواعد يمكن أن تسلك من البداية؟ ما يمكن؛ لأنه إذا كلف بتقليد المتقدمين يقلد مَنْ مِن المتقدمين؟ هو إذا تأهل صارت لديه الأهلية، وصار من أهل هذا الشأن، له أن يحاكي المتقدمين في أحكامهم بالقرائن، وإلا إذا قيل له قلد من يقلد؟ إذا اختلف المتقدمون على أقوال لا يستطيع أن يقلد، إن قلد الإمام أحمد باستمرار فاته جانب الإصابة عند غيره، وإن قلد غيره باستمرار فكذلك، فإذا تأهل طالب العلم بعد أن يتمرن طويلاً على التخريج والموازنة والمقارنة بين الروايات والطرق والأحكام على الرواة له أن يحاكي المتقدمين في حكمهم بالقرائن، أما في بداية الطلب فليس له مفر ولا مناص عن قواعد المتأخرين، هذه ذكرناها في أكثر من مناسبة، وقلنا: إنها تشبه إلى حد كبير مطالبة طلاب العلم بالاجتهاد في أول الأمر، ونبذ كلام الرجال وأقوال الفقهاء وكتب الفقه، هذه وجدت، الدعوى هذه وجدت وبقوة، طالب العلم المبتدي يمكن أن يستنبط من الكتاب والسنة وهو لا يعرف، ليس عنده من الآلة ما يؤهله لذلك؟ لا يستطيع، أما إذا تأهل وعرف ووازن وجمع الأدلة ونظر فيها، ونظر في أقوال أهل العلم من خلال أدلتها، ووازن بينها، ورجح الراجح، وتأهل لذلك، لا يجوز له أن يقلد الرجال، وما قيل هناك يقال هنا.

على مقتضى قواعد المتأخرين هذه الزيادة مقبولة؛ لأنها زيادة ثقة، ولذا يصححها من يعتني بقواعد أو يتعامل مع النصوص على ضوء قواعد المتأخرين.

وأقول: ممن يعتمد قواعد المتأخرين، وإن لم يكن عاد مقلد مائة بالمائة الألباني -رحمه الله تعالى-، ولذا تجدونه يصحح أحاديث هي عند المتقدمين فيها خلاف طويل؛ لأنه اعتمد قاعدة زيادة الثقة، ويعتمد ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) ويعتمد ((إنك لا تخلف الميعاد)) وهكذا، والشيخ عبد العزيز -رحمه الله- عند شيء من ذلك، والذي يدعي الاجتهاد في كل شيء هذه دعوى عريضة، الذي يريد أن ينبذ التقليد بجميع صوره وأشكاله نقول له: على رسلك، لا يمكن؛ لأنه إن لم يقلد في الأحكام على الأحاديث قلد في الأحكام على الرجال، إن لم يقلد في الاستنباط، في استنباط الأحكام، يعني مثل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا يقلد في استنباط الأحكام، لكنه يقلد في الأصل، في الحكم على الأحاديث، وإن لم يقلد في الحكم على الأحاديث وتوصل إلى الحكم بنفسه لا بد أن يقلد في الرواة، وإذا قال: لا، أنا لا أقلد في الرواة، أنا أنظر بين أقوال الأئمة كلهم، أجمع عشرين قول في الراوي ثلاثين قول وأوازن بينها، وأخرج بالقول الراجح متى تنتهي؟ إذا كان الرواة ألوف مؤلفة، وتحتاج في كل راوي إلى هذه العملية، والأحاديث كذلك، كل حديث يحتاج إلى مثل هذه العملية، ثم كل حديث يحتاج إلى مفهوم ومنطوق، ويا الله من القواعد المعروفة عند أهل العلم، متى تصل إلى حد الاجتهاد؟ لن تصل، فنقول: على رسلك، والعلم يؤخذ بالتدريج، نعم إذا تأهلت لشيء لا يسوغ لك أن تقلد أحد.

قد يقول قائل: أنا أسلك طريقة الاجتهاد المطلق، وأبدأ بالتدريج، أمسك الأحاديث حديث حديث، وأتكلم على كل راوي من رواتها، وأجمع أقوال أهل العلم، وأخرج بالقول الصائب من أقوالهم مرجحاً لما يوصلني إليه اجتهادي، ثم بعد أن أجمع أقوال أهل العلم في رواة هذا الحديث وأجمع طرقه، أحكم عليه بنفسي، ثم أستنبط منه، كم تحتاج إلى أن تنهي العلم كله، ولن تصل، مهما بلغت من العلم، ومهما طال بك العمر، وأنت تبحث أحاديث الطهارة، وتحتاج إلى وقت طويل يأتيك حديث في الحج، تقول: أنتظر في الطهارة وفي الحج؟ تأتيك نازلة في الصيام ماذا تصنع؟ فالتقليد لا مفر منه، ويغالط نفسه من يقول: إنه ينبذ التقليد بجميع صوره وأشكاله، أهل العلم الكبار الذين عرفوا بالاجتهاد في العصر الحديث تجدهم لا بد أن يقلدوا، إن ما قلدوا في الاستنباط قلدوا في الحكم على الحديث، إن ما قلدوا في الحكم على الحديث قلدوا في الحكم على الرجال، كثير من أهل العلم المتأهلين يعتمدون التقليد، هات التقليد، وماذا قال ابن حجر وإيش قال..؟ مع أن كثير من أحكام ابن حجر عليها ملاحظات، هذا اجتهاده، وهو أهل للاجتهاد، لكن المتأهل يقلد مجتهد؟ يجتهد هو، وغير المتأهل نرجع إلى مسألتنا يقلد في الرجال، يقلد في الأحكام، يقلد في الاستنباط.

فمن تأهل لشيء لا يسوغ له التقليد بحال، أما التقليد فهو فرض العامي وشبه العامي، والذي يخفى عليه حكم مسألة في حكم العامي إيش المانع؟ إلا يتكبر يقول: أنا من أعلم الناس؟ ما هو بصحيح، فالذي يريح الإنسان كثيراً أن يعرف قدر نفسه، إذا عرف الإنسان قدر نفسه ارتاح وأراح غيره، والله المستعان.

وعرفنا المناسبة بين التوبة والتطهر، تطهير الظاهر والباطن، ومناسب جداً أن يختم الحافظ ابن حجر باب الوضوء بهذا الحديث، في غاية المناسبة أن يُختم الباب بفتح أبواب الجنة، وبما يقال بعد تمام الوضوء، والله المستعان.

جاءت هناك صيغ ألحقت بهذا الدعاء، أو هذا الذكر، عند البزار والطبراني في الأوسط، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأيضاً النسائي في عمل اليوم والليلة دعاء كفارة المجلس بعد الشهادتين ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)) فجاء من حديث أبي سعيد وهو في المستدرك أيضاً: ((من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة)) وهذا مصحح عند الحاكم وعند ابن السني، وصححه أيضاً الألباني -رحمه الله تعالى-، وحكم النسائي بأنه موقوف، الراجح وقفه عند النسائي.

أما ما يذكر على الأعضاء من الأدعية والأذكار، إذا غسل وجهه قال: كذا، وإذا غسل يده اليمنى قال: كذا، إذا غسل اليسرى قال: كذا، إذا مسح رأسه قال: كذا، وهكذا، لا يثبت في ذلك حديث.

الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو اتفق العلماء على ضعفه، بل نص كثير منهم على أنه موضوع، وإن ذكره بعض من لا بضاعة له من الحديث كالغزالي في الإحياء وغيره، نعم.

باب: المسح على الخفين:

"باب: المسح على الخفين:

عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما"، متفق عليه".

المسح على الخفين، الخفين: مثنى الخف الواحد، وهو ما يستر القدم إلى فوق الكعب القدر المفروض غسله، فإن نزل عن الكعب فهو نعل، إذا كان أسفل من الكعبين فهو نعل، إذا زاد على الكعبين فهو خف.

"عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "كنت في سفر مع النبي" -عليه الصلاة والسلام-، كما جاء في صحيح البخاري، وجاء في تعيين السفر أنه في غزوة تبوك "فتوضأ النبي" -عليه الصلاة والسلام-، فتوضأ "فأهويت لأنزع خفيه" إيش معنى توضأ؟

طالب:.......

شرع في الوضوء، صح وإلا انتهى من الوضوء؟ نعم، أو أراد الوضوء؟ نعم؟

طالب:.......

الفعل الماضي يطلق ويراد به الأصل وهو الفراغ من الشيء، إذا قلت: قام زيد، نام زيد، هذا الأصل أنه فرغ، يطلق ويراد به الفراغ من الشيء؛ لأن الفعل الماضي عبارة عن حدث وقع في الزمن الماضي، الفعل الماضي عبارة عن حدث وقع في الزمن الماضي، ذهب زيد، يطلق أيضاً ويراد به الشروع في الشيء، يعني عندنا ((إذا كبر فكبروا)) ((إذا كبر فكبروا)) إيش معناه؟ فرغ من التكبير وانتهى، صح وإلا لا؟ يطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الشيء ((إذا ركع فاركعوا)) هل معنى هذا أنه إذا فرغ من الركوع اركعوا؟ نعم أو إذا شرع في الركوع اركعوا؟ يطلق ويراد به إرادة الشيء قبل وقوعه {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] يعني إذا انتهيت من القراءة فاستعذ وإلا قبل؟ قبل، قبل.

المقصود أنه هنا توضأ ليس معناه فرغ من وضوئه، وإنما شرع في وضوئه، شرع في وضوئه "فأهويت" قصدت الهوي من القيام إلى القعود، ومددت يدي "لأنزع خفيه" خدمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا كان حال الصحابة معه -عليه الصلاة والسلام-، يتبادرون إلى خدمته، -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((دعهما)) اتركهما ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) يعني دعهما فإني أريد المسح عليهما لأني أدخلتهما طاهرتين "فمسح عليهما" -عليه الصلاة والسلام-.

ومن شرط المسح أن تكون الخفان أو القدمان طاهرتين؟ ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) طاهرتين حال من إيش؟ من القدمين أو من الخفين؟ ظاهر اللفظ؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، ظاهر اللفظ أنهما الخفان، ولذا لا بد من طهارة الخف، لكن عامة أهل العلم فهموا من الحديث غير هذا، ((فإني أدخلتهما)) يعني القدمين في الخفين حال كونهما طاهرتين، وطاهرتين معاً كما يدل له اللفظ، طاهرتين معاً كما يدل له لفظ الحال هنا، حال كونهما طاهرتين، وعلى هذا لو كانت اليمنى طاهرة، فأدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف يكفي هذا وإلا ما يكفي؟ ظاهر اللفظ أنه لا يكفي، لا بد أن يكونا طاهرتين معاً حال إدخالهما الخف، ولذا يلزم جمع من أهل العلم من صنع مثل هذا العمل، من غسل اليمنى ثم أدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف أن ينزع اليمنى ثم يلبسها ثانية؛ ليكون لبس الخفين بعد طهارة القدمين معاً، كما يدل له ظاهر اللفظ، وبعض أهل العلم يقول: هذا عبث........ خلاص لبس انتهى، إيش معنى اخلع خفك وألبسه مرة ثانية؟ نقول: لا، إذا أردت أن تقول مثل هذا عبث قل: الركوع عبث بعد، إيش معنى أنك تنحني وتقوم؟ الأصل في المسلم أن يتدين بدين، أنه متدين بدين ملتزم لنصوص، الذي لا تبين لك حكمته ولا علته تتركه؟ ما هو بصحيح، ولا نقول في مثل هذا عبث، وإن قاله من قاله من كبار أهل العلم، الواضح من اللفظ أني أدخلتهما طاهرتين ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) يعني حال كونهما طاهرتين معاً، وعلى هذا لا يجوز إدخال اليمنى قبل غسل اليسرى، قبل غسل اليسرى.

"فمسح عليهما" يعني على الخفين؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، والخف يشترط ستره للقدم، بمعنى أنه يغطي الجزء المطلوب غسله، وهو الكعبان، وأن يكون ساتر للمحل المفروض غسله؛ لأن ما ظهر من القدم فرضه الغسل، ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل، فلو كان الخف مخرقاً يبين منه ما يجب غسله، فإنه حينئذٍ لا يجزئ المسح عليه، ولا شك أن مثل هذا القول هو الأحوط، وإن قال شيخ الإسلام أنه يمسح على كل ما يسمى خف، ولو كان مخرقاً، ولو كان لا يثبت بنفسه، ولو كان..، ما دام يطلق عليه اسم الخف يمسح عليه، ويفتي به بعض أهل العلم، وله حظ من النظر؛ لأنه لم يرد وصف للخف الممسوح، وإنما ما يسمى خف يُمسح عليه.

يبقى عندنا المعارض الأصلي، وهو أن الغسل للقدم هو الأصل، فما ظهر من هذا الأصل ولم يستر بخف فإنه يجب غسله، وعلى هذا نقول: الأحوط ألا يمسح على الخف المخرق، ولا على الجورب الشفاف الذي يظهر محل الفرض، ومن قال: أنا أقتدي بمن تبرأ الذمة بتقليده كشيخ الإسلام وأمسح على المخرق وغيره نقول: لك ذلك، لكن ما في أحد من أهل العلم يبطل صلاتك إذا مسحت على الخف الساتر، بينما لو مسحت على الخف المخرق لن تعدم من يبطل صلاتك من أهل العلم، والاحتياط لهذه العبادة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام مطلوب.

طالب:.......

نفسه، يكشف الفرض لا شك أن الأصل الغسل.

المسح على الخفين مشروع بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا نفر من الصحابة، ثم رجعوا عن قولهم وقالوا بالمسح فصار إجماع، وذكره في كتب العقائد يدل على أنه لم يخالف فيه إلا بعض المبتدعة، يُذكر المسح على الخفين في العقائد، وروي عن أكثر من ثمانين صحابي، المسح على الخف.

منهم من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة، وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي، وفيه المسح، وفيه قوله: "وهل أسلمت إلا بعد المائدة؟" دليل على أن القول بالنسخ ضعيف، حتى لو لم يوجد حديث جرير نقول: لا تعارض حتى يلجأ إلى النسخ، لا تعارض بين هذه النصوص، بين آية المائدة وبين المسح على الخفين، فآية المائدة إنما تتجه على من لا خف عليه، وأحاديث المسح ونصوص المسح إنما هي فيمن لبس الخفين.

يروى عن الإمام مالك أنه أنكر المسح على الخفين، لكن ثبت عنه بالأسانيد الصحيحة أنه أثبته.

صرح جمع من أهل العلم بأن أحاديث المسح على الخفين متواترة، فلا مجال لنقاشها، والتردد في مشروعية المسح.

يبقى هل الأفضل المسح أو الغسل؟ هل نقول: غسل القدم هو الأصل فهو أفضل من المسح؟ فالأفضل لك أن تخلع الخف وتغسل القدم؟ نقول: ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعله، فهو سنة مشروعة، فالأفضل في حق اللابس المسح، كما أنه لا يشرع من أجل المسح أن يلبس الخف، كما أنه لا يشرع من أجل الفطر أن يسافر وهكذا، المقصود أن الأفضل في حق كل أحد بحسبه، فإن كان لابساً للخف فالأفضل في حقه المسح، ولو تعمد المخالفة وخلع الخف، وغسل رجليه، إن كان راغباً عن هذه السنة مستنكفاً عنها فهو على خطر من الإثم، وإن كان يقول: إن الغسل أحوط، نقول: لا، ما في احتياط هنا، والسنة الصحيحة الصريحة دالة عليه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رغب عن سنتي فليس مني)) فليس الأحوط أن يخلع الخف ويغسل القدم، وإن قلنا في المخرق: إن الأحوط الغسل.

كيفية المسح على الخف: كيفية المسح على الخف، يبينه الحديث الذي يليه وللأربعة، نعم.

"وللأربعة عنه إلا النسائي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله، وفي إسناده ضعف".

اللي بعده:

"وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه, وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه" أخرجه أبو داود بإسناد حسن".

"وللأربعة" يعني من حديث المغيرة "عنه" يعني عن المغيرة "إلا النسائي" فيكون المراد أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو مخرج عندهم "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح أعلى الخف وأسفله، وفي إسناده ضعف".

أئمة الحديث ضعفوا الحديث بكاتب المغيرة، بكاتب المغيرة، لا شك أن الحديث ضعيف، فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه مسح أسفل الخف، وإن كان لو كانت المسألة عقلية ليست شرعية أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لكن المسألة شرعية، ولذا "يقول علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه" "أخرجه أبو داود بإسناد حسن" يعني حسن لذاته، وبمجموع طرقه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، كما نص على ذلك الحافظ في التلخيص، الحافظ في التلخيص يقول: هو حديث صحيح، فبهذا نعرف أن المشروع هو مسح أعلى الخف دون أسفله، وإن كان هو المباشر للأوساخ والقاذورات، نعم إذا وجد في أسفله نجاسة يدلك بالتراب ويطهر، وليس الدين بالرأي، ولو كان الدين بالرأي لقلنا: إن التيمم لا قيمة له، نعم، التيمم إيش قيمته؟ أنت محدث وتلطخ يدك بالتراب ووجهك هل معنى هذا أنك ارتفع حدثك؟ نقول: ليس الدين بالرأي، وليس كل أحكام الدين معقولة المعنى، نعم الله -سبحانه وتعالى- لا يصنع شيء ليس فيه مصلحة، لكن قد نطلع على هذه المصلحة وقد تخفى علينا هذه المصلحة ليختبر الإنسان ويعرف مدى امتثاله للأوامر الشرعية، أما إذا كان كل شيء ظاهر الحكمة وظاهر المصلحة معناه أنه يدور حول المصلحة، الباعث له على العمل هو المصلحة، لا، ليكن الباعث على العمل هو النص، هو الدليل، هو التكليف الشرعي، كوننا نعرف الحكمة والعلة أو لا نعرف هذه مسألة إن عرفنا بها ونعمت، وإن لم نعرف فلا يلزم من ذلك، فالدين ليس بالرأي.

ولذا يقول علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" لأن ما تحت القدم هو الذي يباشر المشي، ويقع على ما ينبغي إزالته من قاذورات ومن نجاسات وغيرها.

يقول: "رواه أبو داود بإسناد حسن" نعم عرفنا أن إسناده حسن لذاته، وله طرق أخرى يرتقي بها إلى الصحيح لغيره، ولذا قال المصنف في التلخيص: إنه صحيح.

يبقى كيفية المسح: باليد اليمنى تُمسح أو تَمسح القدم اليمني، واليسرى لليسرى، وإن شاء مسحهما بيد واحدة، على الترتيب، فيمسح اليمنى قبل اليسرى كالأصل؛ لأن هذا المسح بدل من غسل الرجلين والرجل اليسرى تغسل قبل اليمنى.

أما حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على خفيه ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح عليهما مسحة واحدة، يعني في آن واحد، هذا عند البيهقي منقطع، منقطع لا تثبت به حجة، الأصل أن البدل له حكم المبدل، البدل له حكم المبدل، ومسح الخفين بدل من غسل الرجلين، وغسل الرجلين إنما يقع غسل اليمنى قبل اليسرى فليقع البدل كذلك، تمسح اليمنى قبل اليسرى، وأما المسح فأي شيء يسمى مسح؛ لأن هذا أمر مطلق، والعادة أن تبلل اليد بالماء وتمر على ظهر القدم.

نقف على حديث صفوان.

 

اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.