كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 23

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من نفث عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -عز وجل- يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكَلة فيحمده»".

أكْلة أكْلة.

أحسن الله إليك، «أن يأكل الأكْلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها».

 وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته ذات يوم: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».

 وعن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مالٍ نحلته»".

نَحَلْتُه.

أحسن الله إليك، «كل مال نَحَلْتُه عبدًا حلالاً»".

حلالٌ.

"«حلال، كل مال نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزله به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا أهل الكتاب» وقال: «إني بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه قائمًا ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشًا، فقلت: ربي».

أحرِّق أحرِّق.

أحسن الله إليك، «وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشًا فقلت: ربي إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبز».

خبزة.

أحسن الله إليك، «فقلت: ربي إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك واغزهم».

استخرجهم.

"«استخرجهم كما أخرجوك واغزوهم»".

واغزهم نغزك.

"«واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك».

 قال: «وأهل الجنة ثلاث: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال».

 قال: «وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعًا لا يتبغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه، ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك»، وذكر البخل أو الكذب والشنظير".

والشِّنظِير.

"والشِّنظِير الفحاش، وفي لفظ: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر»".

يفخرُ.

"«حتى لا يفخرُ أحد لا أحد، ولا يبغي أحد على أحد».

 وعن همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تكتبوا عني، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج»، قال همام: أحسبه قال: «ومن كذب علي متعمدًا فليتبأ مقعده من النار»".

حسبك يكفي، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،

 فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من دعا إلى هدى»".

 الهدى ضد الضلال، والهدى هدى محمد -عليه الصلاة والسلام-، والهداية ضد الغواية، فمن هداه الله فقد رشد، ومن ضل فقد غوي، وخاب وخسر، فمن دعا إلى هدى، وهو ما دلت عليه النصوص نصوص الكتاب والسُّنَّة مما أمر الله تعالى به، أو أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن دعا إلى هذا الأمر الذي رُتِّب عليه الأجر والثواب من الله -جل وعلا- كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، مثل أجور من تبعه، وفي هذا فضلٌ عظيم وثواب جزيل، لمن دعا إلى الهدى وحث الناس عليه، وتصور أن الداعية أو معلم الخير يسمعه أعداد من الناس، ويتبعونه، ويعملون بما قال، هؤلاء لهم له من الأجور مثل أجورهم، ولا ينقص من أجورهم شيء، وهذه الأجور المضاعفة بمعنى أن من دعا إلى هدى فتبعه فئام من الناس فله مثل أجورهم، وتبع هؤلاء الناس أمثالهم أو أضعافهم كذلك له مثل أجورهم، وفضل الله لا يُحَد، وعطاؤه لا يعَد، هذه الأجور المضاعفة لو سمع بها أهل الدنيا في دنياهم بأقل من ذلك بكثير لو سمع أن هذه البضاعة مربحة بنسبة عشرة بالمائة، سارع إليها، فكيف إذا كانت مربحة أضعافًا مضاعفة؟ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف تضاعف، وجاء في حديث: «إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف ضعف»، فمن دعا إلى خير رُتِّب عليه أجور كان له من الأجور مثل أجور من تبعه، يعني بدل ما هو فرد واحد يكون له أعمال العدد الكبير من الناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس يسمع هذه الأمور أو هذا الترغيب وهذه الأجور الكثيرة، ويمكنه أن يدعو، ويمكنه أن يدعو، ويمكنه أن يعلم، ولكنه يبخل، وإنما يبخل عن نفسه، يبخل على نفسه.

«كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» مسألة عطاء مخلوق ينفذ بما يده، أرأيتم ما أنفق الله -جل وعلا- على خلقه منذ خلق السماوات والأرض؟ وذلك لم ينقص مما عنده شيء، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئًا، فالإنسان يحرص على أن يكسب الحسنات، هذه الحسنات المضاعفة؛ لأنه قد يضعف ببدنه عن مواصلة الأعمال وعن كثرة الأعمال، لكن يحرص على أن ينفع الناس، وأن يهديهم إلى الهدى، وإلى سبل الهدى، فمن دل على خير كان له مثل أجر فاعله، من دل على هدى كما هنا، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وبالعكس، «ومن دعا إلى ضلالة» ضد الهدى بدلاً من أن يهدي الناس إلى الطاعة دلهم على المعاصي، ودعاهم إليها، وفي الحديث الصحيح: «من سنَّ سنَّة حسنة أو من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، نسأل الله العافية.

 تصور أن الإنسان في قبره مات منذ ألف سنة، والناس يعملون بهذه الحسنة التي سنَّها لهم، وأحياها، وأعماله ماضية، بخلاف من دعا إلى ضلالة، أو سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة فمثله، لو مات من مئات السنين والناس يعملون بهذه السُّنَّة التي دلهم عليها إن كانت حسنة فله من الأجور مثلهم، وإن كانت سيئة فعليه من الأوزار مثلهم، «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه» {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [إبراهيم: 25] نسأل الله العافية.

 كون الإنسان يتحمل تبعة ما عمل هذا هو السبب في ذلك لكن المصيبة أن يحمل وزره ووزر غيره، نسأل الله السلامة والعافية، فليحذر الإنسان أن ينشر وتيسرت الأمور الآن في هذه الوسائل وسائل التواصل بإمكانك أن تنشر الخير، والهدى وتدعو إليه وأنت جالس، ثواني وأنت منتهي، وبالعكس، تدل الناس على شرور وعلى معاصي وتخطط لهم ما يضر بهم، عليك من الأوزار ما جاء في هذا الحديث وفي غيره مما في معناه.

ثم قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من نفث عن مؤمن كربة»". نفث يعني أزال، فرّج.

 عنه عن أبي هريرة، قلت؟

طالب:...

لا، غلط، وعنه الضمير يعود على صحابي الحديث السابق، وبها على هذا جرت عادة المصنفين في المختصرات أنهم لا يذكرون الصحابي إذا تقدَّم ذكره، بل يعيدون عليه الضمير، قال: وعنه يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق، -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من نفث عن مؤمن كربة»، من نفث يعني أزال، فرّج كما جاء في الحديث الآخر عن مؤمن، وفي رواية عن مسلم، وهو أعم من المؤمن، وإذا أُطلق أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا كما هنا، كربة أي شدة وضيق، ولا شك أن الحياة فيها كرب، نفث الله، من كرب الدنيا، نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، من كرب يوم القيامة، في الجملة الأخرى: «ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة» ما قال في الجملة الأولى: نفث الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة، ما ذكر كرب الدنيا، الدنيا فيها كرب، لكن هذه الكُرب التي في الدنيا، كأنها ليس بشيء بالنسبة لكرب الآخرة، فلم تذكر، كرب الدنيا وشدائدها كأنها لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة وشدائدها، فلذلك لم يقل: من كرب الدنيا والآخرة.

 «ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة»، من يسر على، من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، فبأن أنظره إلى أن يحصل له اليسر، شخص مدين بمبلغ حالّ، فيأتي الدائن فيضيق عليه، لا يجوز له ذلك، والله -جل وعلا- يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، وإن يسر عليه ومدّ في أجل الدين حتى يحصل له اليسر، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، وأعظم من ذلك ما لو عفا عنه، عفا عنه، لو عليه مبلغ من المال فقال: لوجه الله، لا يطالبه به، هذا أعظم، ولكن إذا استمر على دينه ولم يضيق على المدين يحصل له التيسير المشار إليه في الحديث، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.   

«ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، يعني إذا رأى أحد رجلاً أو مسلمًا على معيبة أو قبيحة فسترها عليه ستر الله أو ستره الله في الدنيا والآخرة فالستر مطلوب، ولكن أهل العلم يفصّلون، مالك وغيره، يقولون: هذا إذا حصلت من مسلم هفوة أو زلة، ولم يعرَف بسوابق، ولم يعرَف بشرٍ وأذىً متعدٍّ على المسلمين فإن مثل هذا يستَر عليه، بخلاف ما إذا كان من أهل السوابق وأهل الشرور والآثام والعظائم والجرائم، فإن هذا لا بد من فضحه حتى يرتدع ويرتدع غيره به، هذا كلام أهل العلم، ومنهم الإمام مالك وغيره. وإلا لو سُتِر على كل أحد فشت الجرائم وفشت المعاصي والفواحش، ولا وجد من يردعهم؛ لأنه لا يمكن أن يُردَع إلا إذا رُفِع أمره إلى السلطان، وأقام عليه الحد، بخلاف من حصلت له هفوة أو زلة ولا عُرِف بسوابق ولا بشر، وهو من المعروفين بالصلاح والخير، لكن غلبته نفسه في أمر من الأمور فتعدى حد الله -جل وعلا-، فمثل هذا جاء في الحديث المتكلم فيه: «أقيلوا ذوات الهيئات عثراتهم»، «أقيلوا ذوات الهيئات عثراتهم»، فهذا ليس على إطلاقه، فلا شك أن الأمور ينظَر إليها من حيث المصالح المترتبة عليها والمفاسد، فإذا كان يترتب على هذا الستر مفسدة فإنه لا يجوز، وما شُرِعت الحدود والتعازير إلا لردع أمثال هؤلاء، ولو كل من وُجِد على معصية أو على جريمة يستَر عليه ما كان للحدود شأن ولا مصلحة، وإقامة حدٍّ من حدود الله خيرٌ من أن تُمطروا أربعين صباحًا، فإقامة الحدود لا بد منها، تضييع الحدود خيانة لله ورسوله ولخلقه.

 «ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، العبد في عون أخيه يدل على المسلم؛ لأن المؤمن أخو المؤمن، فالمسلم ينظر في حاجة أخيه ويعينه على ما لا يستطيعه من أموره، والله في عونه حينئذٍ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فالإنسان يحرص على أن يتعدى نفعه إلى غيره، وأن يعين غيره بما يستطيع، بما يستطيع.

 «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، العلم الشرعي الوارد في النصوص المرغب فيه هو قال الله وقال رسوله، العلم الموروث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو العلم الشرعي المبني على الكتاب والسُّنَّة، هذا هو العلم الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح أهله والثناء عليهم.

 من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا؛ لأن سبل تحصيل العلم وهي طرقه متعددة، فتجد العلماء على مر العصور من الصدر الأول إلى يومنا هذا كلٌّ له سبيل، والجميع يلتقون في الأخذ من الكتاب والسنَّة والاعتماد عليهما، فتجد هذا مفسرًا وهذا محدِّثًا وهذا فقيهًا، وهذا يدافع عن العقيدة، وهذا يدافع عن الدين بجملة، وكلهم بناؤهم على الكتاب والسُّنَّة.

 من سلك طريقًا أي طريق يوصل إلى هذا العلم يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، ومن ذلكم أدوات التحصيل، تحصيل العلم، الطرق الموصلة إلى هذا العلم المرغب فيه المرتب عليه الأجور العظيمة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، درجات يعني من درجات الجنة، التي بين الواحدة والأخرى خمسمائة عام، هذه الدرجات العظيمة الموعود بها من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا هذا لمجرد سلوك الطريق، وبعض الناس إذا التحق بدرس من الدروس أو بدروس عند شيخ من المشايخ وجلس عنده سنة أو سنتين أو ثلاثًا أو خمسًا، ورأى أنه ما أدرك شيئًا يمكن أن يشارك به في نفع الناس أو في تعليمهم أو في دعوتهم، يمل وييأس ويترك، يقال: لو تجلس خمسين، ستين، سبعين سنة، مائة سنة، وما حصلت شيئًا يذكَر تدخل في الحديث؛ لأنك سلكت الطريق، والنتيجة بيد الله، من سلك الطريق وحصّل العلم، ونفع الناس، هذه أجور زائدة على ما ذُكِر في الحديث، هذا لمجرد سلوك الطريق، زاملنا عند الشيوخ رجالًا كبارًا في السن، ونحن صبيان أو شباب لحاهم بيض، واستمروا على هذا عشرات السنين، ومات من مات منهم عن سبعين أو ثمانين سنة، وهو من حلقة لحلقة، ومن شيخ إلى شيخ، ولا مل ولا كلّ ولا يأس.

 صحيح أنك إذا سألتهم ما وجدت عنده شيئًا يساوي هذا الجهد الذي بذله، لكن ما الذي يستحق الجهد الذي بُذِل من غير تحصيل الوعد، من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، فعلى الإنسان أن يبذل ما يستطيع، يزاحم الشيوخ بالركب، ولا ييأس، يبذل ما يستطيعه؛ لتحصيل العلم إن حصّل وإلا فيكفيه أنه سلك الطريق الذي وُعِد عليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، المقصود رضا الله -جل وعلا- الموصل إلى جناته، وهذا من السبل الموصلة إلى الجنة، وأما النتائج كلها فبيد الله -جل وعلا- أنت تدعو وتحرص على صلاح الناس وهدايتهم، لكن ما صلحوا، ماذا تفعل؟ تترك؟

لا، نوح- عليه السلام- ألف سنة، مكث ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو الناس، وأقرب الناس إليه زوجته وولده ما استجابوا له، وغيره من الأنبياء من يأتي وليس معه أحد، ومنهم من يأتي ومعه الرجل والرجلان والرهط، أجورهم ثابتة، وهل قصروا في دعوتهم؟ ما قصروا، لكن الله ما كتب لهؤلاء سعادة، ونسمع من يقول: إن نوحًا ما نجح في دعوته، نوح ما نجح في دعوته، ما استجاب له أحد، يعني ما نجح، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- ما نجح، ولا حقق الهدف الذي من أجله بُعِث في مكة والطائف، وإن كان في المدينة حصل له النجاح، هذا سوء أدب، وجهل مركب، ما مقياس النجاح عند هؤلاء؟ النجاح أن تؤمر بشيء فتنفذ هذا الشيء.

الآن لو تنظر إلى رجل يزاول معصية فتنكر عليه، هل عليك أكثر من هذا؟ هل يلزمك أن يستجيب لإنكارك، ويقلع عن الذنب؟ لا، النتائج بيد الله -جل وعلا-، والمسألة مقرونة بالاستطاعة، وما على الرسول إلا البلاغ، ما على الرسول إلا البلاغ، وكذلك أتابع الرسل ليس عليهم إلا البلاغ، استجيب لهم بها ونعمت، ما استجيب لهم حصل لهم من الأجور التي وُعدوا بها من خلال دعوتهم للناس والسعي في إصلاحهم، وأما النتائج فهي بيد الله -جل وعلا-. «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -عز وجل-» يعني المساجد بيوت الله، المساجد، «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -عز وجل- يتلون كتاب الله» الذي هو القرآن، يتلون كتاب الله.

 «ويتدارسونه بينهم»، يتدارسونه في النظر في معانيه وأحكامه ومواعظه ويتدبرونه، ومن ذلكم القراءة فيما يعين على فهم كتاب الله هذه من المدارسة، على فهم، على قراءة على ما يعين على فهم كتاب الله، هذه مدارسة، لو يقرؤون في تفسير مثلاً، ويشكل عليهم إعراب مسألة أو آية أو جملة إعراب آية أو جملة إعرابها، مما يعين على فهمها، ويرجعون في ذلك إلى ما يعينهم من كتب العربية، هذه مدارسة لكتاب الله؛ لأنها تعين على فهم كلام الله؛ لأن بعض الكلام مبني على فهم الكلمة، مبني على موقعها الإعرابي، «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -عز وجل- يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم»، يتلون بمعنى أنهم يتناوبون التلاوة أو واحد يتلو، والبقية يستمعون، فالمستمع حكمه حكم القارئ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، يتذاكرونه يقرؤونه، ويحللون ألفاظه، وينظرون في جمله وما تدل عليه، على طريقة السلف، وعلى فهم السلف، وعلى فهم السلف؛ لأنه حدثت خلوف من بعد السلف تلوا كتاب الله واعتنوا به، ولكن فهموه على ما أملته عليه عقولهم، ونكبوا عن فهم السلف جانبًا؛ لأن الفهم الصحيح للقرآن وللنصوص الأصل فيه بيان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعرف الناس بهذا البيان صحابته الذين عاصروه وسمعوا منه، أولى الناس من بعدهم من أخذ عنهم من التابعين ومن تبعهم بإحسان، ولم تجتلهم الشياطين، بخلاف من تلوَّثوا بالبدع، ونظروا فيما تُرجِم من غير المسلمين وبنوا عليه أصولهم وعقائدهم، فضلوا وأضلوا هؤلاء فهمهم بالنسبة للقرآن والسنة ضلال إذا كان يخالف ما جاء عن السلف.

 كم بقي؟

طالب:...

 ماذا؟

طالب: ...

فالمعول عليه فهم السلف الصالح؛ لأنك تنظر في الآية، يعني العلماء الذين نظروا في كتب التفسير الموثوقة وتداولوها، تجد عندهم من الأهلية والأرضية كما في تعبير المعاصرين ما يفهمون به كتاب الله، ويعلمون الناس من خلاله، لكن شخصًا خاليًا لا يعرف أحكام الوضوء، ولا يعرف أن يقول: هم رجال ونحن رجال، كلام عربي نفهم، وقد قيلت، قيلت، وحصل الضلال بسبب هذا، وصُنِّف مصنفات فيها من هذا النوع الذي بنوه على ما أملته عليه عقولهم، وفي كتب أهل الكلام وتفاسيرهم من المبتدعة الشيء الذي لا يخطر على البال في فهم الكلام العربي الذي أُنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام-، تعجب!

حينما يفهم الرازي من هذه الآية كذا، مما يخالف فيه كتاب الله وسنة رسوله والزمخشري وغيره وغيره، وهؤلاء مع أنهم مبتدعة عندهم من علوم العربية وعندهم من العلوم التي ينتفعون بها في هذا الباب، لكن أصولهم وقواعدهم لما خالفت ما جاء عن الله وعن رسوله وعن صحابته الكرام، حصل لهم زيغ وضلال، الرازي في تفسير قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] سلف الأمة وأئمتها على أن الآية تشتمل على النفي والإثبات، النفي نفي الشبيه والنظير، وإثبات الصفات التي أثبتها الله لنفسه، قال: وهو السميع البصير هذا عقيدة السلف.

 قال الرازي: وألف في أعضاء الله شخص يقال له: محمد بن إسحاق بن خزيمة، كتابًا سماه كتاب التوحيد، وهو في حقيقته كتاب الشرك، على النقيض مما جاء عن سلف الأمة من اعتقاد ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته، ودرج عليه سلف الأمة وأئمتها، الذي يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب! هذا عنده علوم كثيرة جدًّا، بحور من العلم عنده، لكن أين؟ ثم ماذا؟ ما الفائدة؟

فعلى طالب العلم أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويلزم القرآن ويتدارس القرآن مع غيره لينفع وينتفع، ولا ينظر في الكتب التي فيها الزيغ والضلال، يعني ألّف بعض المعاصرين كتابًا في التفسير في ستة وعشرين مجلدًا، لو فرغته من الصور ذوات الأرواح فيه من بني آدم ومن الحشرات ومن الحيوانات ومن كذا، ذهب أكثر من ثلثيه، إضافة إلى ما نقله عن الغرب والشرق، وما ابتكره بعقله واستنبطه بفهمه السقيم البعيد كل البعد عن كتاب الله وسنَّة نبيه، يقول: ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم يقول: متى تكون الصورة على غير حقيقتها؟

الآن رآهم النبي على غير حقيقتهم، ولا يكون ذلك إلا بالتصوير، أما لو رآهم على الحقيقة ما صاروا أكثر ولا أقل، هكذا يزعم، ما يقول ذلك إلا بالتصوير فاستنبطت منه جواز التصوير، انظر الفهم! أين ذهب الفهم؟

يقول: فعرضت هذا الاستنباط على شيخ من شيوخ الأزهر فقال: فتح الله عليك هذه دليل على وجوب التصوير!

هذا الفهم يمكن أن يقوله صبي من صبيان الموحدين؟ والله ما يقوله، لكنه الاستدراج، يتساهل الإنسان في شيء ثم يبتلى ويمتحن ويعاقب بما هو أشد منه، إلى أن يصل إلى هذا الحد، وإلا من يتصور أن مسلمًا له يد في العلم يقول: سبحان ربي الأسفل وهو ساجد؟ إنسان عليه أن يحتاط لنفسه، ويضع من الاحتياطات والسياج على ما يقال ما يحول بينه وبين الضلال؛ لأن الإنسان إذا تساهل في أول الأمر لزم عليه لوازم، وأئمة البدع كلهم على هذا، يلزم على المخالفة لوازم، ثم بعد ذلك يلزَم بها، فتأخذه العزة بالإثم، فيصر على ذلك، ويتخطاه إلى غيره، فعلينا أن ننظر في جادة السلف، ونحذو حذوهم، ونفهم كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ضوء فهمهم، ولذا نعتني بالتفسير المأثور، والتفسير مصادره القرآن الكريم، وقد يأتي الكلام مجملاً في موضع، ويفصَّل ويبيَّن في موضع آخر، وما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ووظيفته البيان؛ لتبين لهم ما نزل إليهم، ثم ما جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ثم ما جاء عن التابعين وهكذا، هذا هو التفسير المأثور، يستعان بلغة العرب؛ لأنه نزل بلغتهم، وأئمة اللغة لما صنفوا المصنفات في هذا الشأن أدرجوا غريب القرآن وغريب الحديث وغريب كذا؛ لأنها من لغة العرب، فيستفيد طالب العلم منها بقدر الحاجة، وتكون عمدته وتكون عمدته ومعوله على ما أُثر عن السلف الصالح؛ لأن من لم يطلب العلم الشرعي على وجهه ومن مصادره وعلى أهله فحكمه حكم العامة، ولو صار عالمًا في علوم أخرى.

 الطبيب أمهر الأطباء إذا ما كان له عناية بالقرآن والسنَّة ما صار من أهل العلم، ووجد من المتقدمين أطباء لهم يد في السُّنَّة وفي القرآن، وألّفوا في ذلك، وكذلك غيرهم من أهل الحرف الدنيوية، ودخل طالب من طلاب العلم على أبيه وهو يبكي، قال له: ما الذي يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله، قال: وما هي؟ قال: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]، وأنا أحس أني بدأت أنسى. أنا بدأت أنسى، هذا فهمه، هذا فهمه. العلم بالتعلم، العلم بالتعلم، وما الذي يدريه أن النسيء المذكور في الآية هو تأخير شهر من كل سنة؟ هو تأخير شهر من كل سنة، حتى قالوا: إن حجة أبي بكر التي قبل حجة الوداع كانت في القعدة، ولما حج النبي -عليه الصلاة والسلام- من قابل، ووقف في عرفة يخطب: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض»، يعني الآن الحجة في وقتها، واستمر الأمر على ذلك.

المقصود أن هذا مثال لفهم من لا علم عنده، وهذا لا يقتصر على العامة الذين ما قرؤوا ولا كتبوا. الذي ما له يد وخبرة بالكتاب والسنَّة يضل، ما الذي يدريه؟ وهكذا.

«ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة»، «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله» يعني لو اجتمعوا في مدرسة ليس في مسجد، أو اجتمعوا في بيت أحدهم، لا سيما في بعض البلدان الذين لا يتاح لهم البقاء في المسجد بعد الصلاة أو ما أشبه ذلك إذا منعوا من البقاء في المسجد، وقد يحصل المنع لمصالح راجحة، ما يقال: ظلم أحيانًا تحصل إساءة إلى المساجد، وقد حصلت، كُتب في داخل مسجد وعُبث بالمصاحف وسُرق ما سرق، فاقتضى النظر عند المسئولين أن يغلق المسجد، أنت قصدت المسجد لتطبيق هذا الحديث تجتمع بعد الصلاة مع غيرك، لمدارسة القرآن فقيل لك: اخرج، أجرك ثابت، أجرك ثابت؛ لأن هذا ليس بيدك، هذا المنع من غيرك، وإن كان من غير مبرر فهذا المانع آثم وداخل في قوله -جل وعلا-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 47].

 أما إذا كان المنع له مبرراته، وله أسبابه، فحينئذٍ المسئول معذور، بل مأجور على حماية بيوت الله من العابثين، ومع ذلك ينبغي أن تعالج الأمور بما يحقق المصالح كلها، تجد فرصة لمن أراد أن يقرأ القرآن ويتدارس القرآن ويجلس بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع درء المفسدة التي أشير إليها.  

«يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة» والطمأنينة والراحة، «وغشيتهم الرحمة» من الله -جل وعلا-، «وحفتهم الملائكة» وحفتهم الملائكة، الملائكة تتنزل لسماع الذكر، تتنزل، «وذكرهم الله فيمن عنده»، وذكرهم الله فيمن عنده، عند الملائكة، عنده الملائكة المقربون يذكرهم الله فيمن عنده، وكثير من الناس لو قيل له: كنا عند المسئول الفلاني أو الأمير الفلاني أو الملك الفلاني وأثنى عليك فماذا يتصور وضعه؟

يمكن ما ينام، فأين أنت من هذا؟ وذكرهم الله فيمن عنده، والله -جل وعلا- في الحديث القدسي يقول: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». فعلى الإنسان أن يحرص أن يُذكر في الملأ الأعلى، والذي يذكره هو الله -جل وعلا-، وليس فلان أو علان الذي عنده من العيوب والنقائص ما الله به عليم، وذكرهم الله فيمن عنده، «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، يعني أبطأ تأخر به عمله؛ لأن الأعمال التي يكون فيها المسارعة والمسابقة المأمور بهما في سارعوا وسابقوا، الذي لم يسارع ولم يسابق ولم يمتثل هذه الأوامر لا شك أن عمله سيؤخره، الذي لم يسارع على فرسه أو على سيارته أو على وسيلته يبقى في آخر القوم، وكذلك من لم يسارع بأعماله يبقى في الأخير.

 «ومن أبطأ به عمله» تصور دابة هزيلة ضعيفة تسابق بها الجياد المضمرات؟ ومثله عملك إذا كان ضعيفًا فهو مثله، «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» لم يسرع به نسبه النسب ما ينفع، ولو كان من ذرية محمد -عليه الصلاة والسلام-، نعم آله -عليه الصلاة والسلام- لهم حق على الأمة، لكن يبقى أن الإنسان محاسب بعمله، محاسب بعمله، لكنه العلم يسمو من يسود به على الجهول ولو من جدُّه مضر، العلم العلم، والعلم كما هو معلوم مثل ما قلنا: المبني على الكتاب والسُّنَّة، المقرون بالعمل، المبتدأ بالنية الصالحة الخالصة لله -جل وعلا-، «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» نسبك لا ينفعك، كن ابن من شئت واكتسب أدبًا يغنيك محموده عن النسب.

 والله أعلم.