تعليق على تفسير سورة البقرة (82)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.  

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "ثم قد قال طائفةٌ كثيرةٌ من السلف وأئمة الخلف: إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة، فيجوز للرجل حينئذ قبول الدية".

الفدية.

 قبول الفدية، واحتجوا بقوله: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:229] قالوا: فلم يُشرع الخلع إلا في هذه الحالة، فلا يجوز في غيرها إلا بدليل، والأصل عدمه، وممن ذهب إلى هذا ابن عباسٍ، وطاوس، وإبراهيم، وعطاء، والحسن، والجمهور، حتى قال مالك، والأوزاعي: لو أخذ منها شيًئا وهو مُضارٌّ لها وجب ردُّه إليها، وكان الطلاق رجعيًّا.

قال مالك: وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فالخلع كما هو معروف إنما هو شيءٌ تطلبه المرأة من زوجها لتضررها بالبقاء معه، فلا يجوز لها أن تطلبه إلا إذا كانت متضررة بالبقاء معه كما يجوز لها طلب الطلاق، وإلا بغير ذلك فإنه لا يجوز لها أن تطلب الطلاق من غير حاجة تقدم ذكر الوعيد الشديد في حقها، وكذلك الخلع.

فإذا تضررت المرأة فلها أن تفتدي منه بالمال، ولكن إذا لم تتضرر المرأة فهي كمن طلبت الطلاق من غير حاجة.

الرجل إذا لم تطلب المرأة وأدت ما عليها بالنسبة له، فإنه لا يجوز له أن يأخذ منها العوض؛ لأن من أدى ما عليه لا يُطالب بغيره، فإذا كان طلب الطلاق من قِبله هو من غير تسبُّبٍ من المرأة، فإنه لا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا كما في الآية {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:229].

بعض الرجال إذا كره المرأة وقد أدت جميع ما عليها آذاها حتى تفتدي، هذا لا يجوز له بحال، وبعضهم من غير أذى يعده ويُمنيها يقول: اختلعي ولو بمالٍ يسير وأعوضك عنه من أجل العدة على خلافٍ بين أهل العلم في عدة المختلعة، على القول بأنه استبراء بحيضة؛ لئلا تطول عليه العدة ما تطول عليها؛ لأن هو بحاجة من هؤلاء الذين يلعبون بالنكاح وينتقلون من بلدٍ إلى بلد، ويتزوجون بنية الطلاق تجده إذا جلس مدة يسيرة، قال: اختلعي ولو بشيءٍ يسير؛ من أجل أن تكون العدة استبراءً بحيضة لا بثلاث حيض.

شيخ الإسلام –رحمه الله- ومن يقول بهذا القول أن عدة المختلعة حيضة يقول –رحمة الله عليه-: إلا أن يكون حيلة، فإنها تعتد بثلاث حيَّض إذا كان حيلة لتقصير العدة، فبعضهم يُجري هذا العقد باسم الخلع وهو في الحقيقة ليس بخلع، ليست المرأة التي اختلعت من زوجها بالمقابل، إنما هي حيلةٌ من الزوج؛ ليصل إلى ما يُريد بهذه الوسيلة، وهذا لا يجوز له بحال، ولا تعتد حينئذٍ المرأة بحيضة، بل لا بُد أن تعتد بثلاث حيَّض حتى على القول بأن عدة المختلعة... لأنه لا يُسمى خلعًا هذا.

وهل تطلق أو تَبين منه بمجرد أن بذلت له هذا المال المُحتال به؟ وهو في حقيقته إذا صرَّح بالطلاق فهو طلاقٌ وإلا فباقية، ما هو بخلع هذا، الخلع أن تتضرر المرأة بالبقاء مع هذا الرجل، ثم تفدي نفسها وتشتري نفسها منه.

وبعض الرجال يؤذي المرأة يؤذيها أذىً بالغا وليس منها أدنى سبب حتى تختلع منه، ويُذكر عن شخص وقد أفضى إلى ما قدم عنده يقول: خمسمائة ألف بالبنك من جراء مخالعته لخمس من النسوة، كل واحدة ما يأخذ منها إلا مائة ألف، يؤذيها أذى حتى تشتري نفسها شراءً –نسأل الله العافية- هو لا يدفع إلا عشرين، خمسة عشر بهذه الحدود، وسيأتي الخلاف في أخذ أكثر مما دفع بين أهل العلم، ومن قصصه –نسأل الله العافية- أنه تزوج امرأةً على عشرين ألفًا، هذه المرأة جاءت تستشير واحدًا من طلاب العلم، قال: هذه عادته ما يصلح لا صرف ولا عدل، مشكلتها أنها بتأثير من أهلها قبلته، وأخبرته بالذي نصحها أنه قال كذا وكذا، ثم على العادة مدة يسيرة وطلب منها مائة ألف ليُطلقها، فذهبت إلى هذا الذي استشارته ليتوسط مع واحدٍ آخر أو مع اثنين صاروا ثلاثة، فلما كلموه قالوا: اتقي الله هذه امرأة تجمعها من الزكاة فقيرة، وأنت دفعت عشرين خُذ عشرين، قال: مائة ألف، هو عارف إن هذا الثالث مشير عليها أنها لا تقبل، قال: أنا من أجل فلان أنزِّل خمسة، ومن أجل فلان أنزِّل خمسة، ومن أجل فلان أزيد عشرة -الذي أشار- فبقيت المائة، نسأل الله السلامة والعافية.

مات، راح -نسأل الله العافية- وهي قصة واقعية، الله لا يبتلينا وبيوت المسلمين مملؤة من المشاكل من أمثال هؤلاء -نسأل الله العافية- والأخيار أكثر، ولله الحمد، لكن بأي وجه يُقابل الناس لاسيما الأصهار والمعارف الذين يعرفون هذه القصص؟! نسأل الله السلامة والعافية.

فهذا القول الأول: أنه لا يجوز الخلع إلا إذا كان بسبب المرأة أنها متضررة بالبقاء، يقول: فلم يُشرع الخُلع إلا في هذه الحالة "لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة" كما تقدم في قصة امرأة ثابت بن قيس، وسيأتي.

طالب:.........

أحيانًا يكون الضرر حسيًّا، وأحيانًا يكون الضرر معنويًّا تكرهه كره.

طالب:.........

من أجل ماذا؟

طالب:........

لا، قد تكون- على ما يقولون- واضعة عينها على غيره كريم أو وسيم أو وجيه أو شيء، مجرد ما تختلع من هذا تذهب إلى ذاك، هذه ما يجوز لها.

طالب:.......

سيأتي الخلاف في ذلك في سياق الآيات شيء ورأي كثير من أهل العلم آخر.

طالب:........

يُعزَّر، ينبغي أن يُعزَّر ويؤخذ منه المال، ويُرد إلى أصحابه.

طالب:........

حيلة تُستبرأ بحيضة.

طالب:........

هو لازم.

طلب:........

الخلاف في البائن إذا كانت ثلاثًا بحيث ليس له رجعة عليها، وفيها خلاف لأهل العلم، أما إذا كانت تحل له لو اصطلحا على ذلك؛ لأن الطلاق ليس بينونة كبرى بعقد جديد نعم.

المقصود أن الحيلة شيء وأنها تعتد بثلاث حيَّض، وكما قال شيخ الإسلام وسيأتي شيءٌ من هذا.

طالب:........

بينونة صغرى كما لو طلقها بواحدة وخرجت من العدة.

طالب:........

سيأتي الكلام على هذا، اصبر.

نعم.                   

"وذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنه يجوز الخلع في حالة الشقاق، وعند الاتفاق بطريق الأولى والأحرى، وهذا قول جميع أصحابه قاطبة.

وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر في كتاب (الاستذكار) له، عن بكر بن عبد الله المزني، أنه ذهب إلى أن الخلع منسوخٌ بقوله: {وآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء:20]. ورواه ابن جريرٍ عنه، وهذا قولٌ ضعيف ومأخذٌ مردودٌ على قائله.

وقد ذكر ابن جريرٍ-رحمه الله- أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شمَّاس وامرأته حبيبة بنت عبد الله بن أُبي ابن سلول، ولنذكر طُرق حديثها، واختلاف ألفاظه".

سيأتي أنها حبيبة ليست بنتًا لعبد الله ولا أختًا له، هي حبيبة بنت سهل، وسيأتي أنها حبيبة بنت أُبي أختٌ لعبد الله، وسيأتي أيضًا أن اسمها جميلة بنت أُبي. 

طالب:........

هم يقولون: حبيبة بنت أُبي ابن سلول أرجح، والذي في الشروح في أكثر الشروح جميلة.

طالب:........

ما أدري.

"قال الإمام مالكٌ في موطئه: عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهلٍ الأنصارية، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ هَذِهِ؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهل. فقال: «مَا شَأْنُكِ؟» فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس -لزوجها- فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «هذه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ» فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «خُذْ مِنْهَا» فأخذ منها وجلست في أهلها.

وهكذا رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهديٍّ، عن مالك بإسناده مثله.

ورواه أبو داود، عن القعنبي، عن مالكٍ والنسائي، عن محمد بن مسلمة، عن ابن القاسم، عن مالك".

عن مالكٍ به.

حبيبة هذه أو جميلة امرأة ثابت بن قيس بن شمَّاس، وثابت مشهودٌ له بالجنة كما هو معروف، فهي لا تكره منه ما يتعلق بدينه وخلقه وأمانته، وإنما تكره دمامته، أقبل في عدة رفعت الخباء فوجدته أسودهم لونًا وأقصرهم قامة، وخلقته فيها ما فيها من الدمامة، فكرهت ذلك، والنساء يطلبن الجمال في الرجال كما أن الرجال يطلبون الجمال في النساء.

"حديثٌ آخر: عن عائشة: قال أبو داود وابن جرير: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا أبو عمروٍ السدوسي".

أبو عامر هو: العقدي عبد الملك بن عمرو.

"عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فضربها فكسر نَغضها".

"نُغضها" أعلى الكتف.

"فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح فاشتكته إليه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثابتًا فقال: «خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا» قال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: «نَعَمْ» قال: إني أصدقتها حديقتين، فهما بيدها، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا» ففعل".

المعروف كما في الصحيح «خُذ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» حديقة واحدة.

طالب:........

رفض.

طالب:........

رفض ماذا؟

طالب:.........

وهي متضررة؟

طالب:........

تُفصل في القضاء.

"وهذا لفظ ابن جرير. وأبو عمروٍ السدوسي هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام.

حديثٌ آخر فيه: عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال البخاري: حدثنا أزهر بن جميل، قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس بن شمَّاس أتت النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ما أعيب عليه في خلقٍ ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»".

الكفر في الإسلام ليس المراد به الخروج من الدين والملة، وإنما هو من الكفر الأصغر الذي يُطلق على كفران العشير مثلًا فهي تخشى من هذا.

وذكر ابن القيم وغيره نقلًا عن كتاب (الحيَّل) أن امرأةً أعيتها الحيَّل لتُفارق زوجها ورفض أن يُفارقها، فأفتاها من أفتاها بأن ترتد عن دين الإسلام لتبين منه، قال ابن المبارك: من أفتى بهذه الفتوى فقد كفر، وقال بعضهم: إن الشيطان لا يعرف هذه الحيلة حتى لقنه إياها هذا المفتي- نسأل الله العافية-.   

"وكذا رواه النسائي، عن أزهر بن جميل بإسناده، مثله. ورواه البخاري أيضا، عن إسحاق الواسطي، عن خالدٍ هو ابن عبد الله الطحان، عن خالدٍ هو ابن مهران الحذاء، عن عكرمة به، نحوه".

عن ابن عباس، عن عكرمة عن ابن عباسٍ، به، نحوه.

"عن عكرمة عن ابن عباسٍ، به، نحوه.

وهكذا رواه البخاري أيضًا من طرقٍ، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، به. وفي بعضها أنها قالت: لا أطيقه، تعني: بغضًا، وهذا الحديث من إفراد البخاري".

أفراد، فرد يعني من أفراد البخاري.

"من أفراد البخاري من هذا الوجه.

ثم قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، أن جميلة- رضي الله عنها- كذا قال، والمشهور أن اسمها حبيبة كما تقدم".

جميلة هذا في الصحيح في البخاري.

"لكن قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف الطباخ، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد".

هذا موجود عندكم؟

طالب:........

أين سيأتي؟

طالب:.......

أعد.

"لكن قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف الطباخ، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: حدثني عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيدٌ عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن جميلة بنت سلول أتت النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: والله ما أعتب على ثابت بن قيس في دينٍ ولا خلق، ولكنني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضًا، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- «تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حديقته؟» قالت: نعم فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ ما ساق ولا يزداد.

وقد رواه ابن مردويه في تفسيره عن موسى بن هارون.

قال: حدثنا أزهر بن مروان، قال: حدثنا عبد الأعلى مثله، وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان بإسنادٍ مثله سواء".

الكلام "وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره" وساقه تامًّا كسياق ابن بطة، وهناك ذكره عن ابن بطة مُفصَّلاً ثم أحال على رواية ابن مردويه على رواية ابن بطة.

"وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان بإسنادٍ مثله سواء، وهو إسنادٌ جيدٌ مستقيم، ورواه أبو القاسم البغوي، عن عُبيد الله القواريري، عن عبد الأعلى مثله.

لكن قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقدٍ عن ثابت، عن عبد الله بن رباح".

محمد بن حُميد الرازي شيخ ابن جرير فيه كلام لأهل العلم، ويحيى بن واضح كُنيته أبو تُميلة.

طالب:.......

ماذا؟

طالب: ........

ضعيف.

"عن جميلة بنت عبد الله بن أُبي بن سلول، أنها كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يَا جَمِيلَةُ مَا كَرِهْتِ مِنْ ثَابِتٍ؟» قالت: والله ما كرهت منه دينًا ولا خلقًا، إلا أني كرهت دمامته، فقال لها: «أتردين عليه الْحَدِيقَةَ؟» قالت: نعم، فردت الحديقة، وفرَّق بينهما.

وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت على فُضيلٍ عن أبي جرير، أنه سأل عكرمة هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلعٍ كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أُبي، أنها أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجمع رأسي ورأسه شيءٌ أبدًا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهًا، فقال زوجها: يا رسول الله، إني قد أعطيتها أفضل مالي حديقة لي، فإن ردت علي حديقتي، قال «مَا تَقُولِينَ؟» قالت: نعم، وإن شاء زدته، قال: ففرَّق بينهما.

حديثٌ آخر: قال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو خالدٍ الأحمر عن حجاجٍ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، وكان رجلا دميمًا، فقالت يا رسول الله، والله لولا مخافةُ الله إذا دخل علي بصقت في وجهه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَرُدِّينَ إليه حَدِيقَتَهُ؟» قالت: نعم، فردت عليه حديقته، قال: ففرق بينهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

وقد اختلف الأئمة -رحمهم الله- في أنه هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها؟ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك؛ لعموم قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلية".

{فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أعم من أن يكون مساويًا لما بذل أو زائدًا أو ناقصًا المشهور .... مما يُسبب الذم..

طالب:........

لا، هي الأصل الدمامة، رجلٌ دميم يعني: قبيح، ولكن إذا نظرنا إلى أن الدمامة سببٌ للذم فتكون ذمامة أيضًا.  

"وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا أيوب عن كثير مولى ابن سمُرة".

مولى سمُرة.

طالب:.......

يعني سمُرة؟

طالب: ابن سمُرة.

ابن سمُرة، نعم.

"أن عمر أُوتي بامرأةٍ ناشز، فأمر بها إلى بيتٍ كثير الزَّبل".

الزِّبل.

"إلى بيتٍ كثير الزِّبل، ثم دعا بها فقال: كيف وجدت؟ فقالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي كنت حبستني، فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها، ورواه عبد الرزاق عن معمرٍ عن أيوب عن كثير مولى ابن سمرة فذكر مثله، وزاد: فحبسها فيه ثلاثة أيام.

قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن حُميد بن عبد الرحمن: أن امرأةً أتت عمر بن الخطاب، فشكت زوجها، فأباتها في بيت الزِّبل، فلما أصبحت قال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة. فقال: خُذ ولو عقاصها".

اختبارها اختبار من عمر –رضي الله عنه- هل كان كلامها مجرد دعوى أو أنها مُحقة ومتضررة بالبقاء؟ فقال: تُجعل في هذا البيت الذي يحتاج إلى كنس، ويحتاج إلى تنظيف، فارتاحت فيه، دل على أنها بمقامها عنده أشد من هذا البيت الذي فيه القمامة.

"وقال البخاري: وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها".

يعني أن يأخذ منها كل ما تملك، حتى يصل إلى العقاص عقاص الرأس، والقرط وما أشبه ذلك أو لا يترك لها إلا الشيء اليسير مثل هذه الأشياء.

"وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء حدثته، قالت: كان لي زوجٌ يُقل علي الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب عني، قالت: فكانت مني زلةٌ يومًا فقلت له: أختلع منك بكل شيءٍ أملكه، قال: نعم، قالت: ففعلت، قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان، فأجاز الخلع، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه، أو قالت: ما دون عقاص الرأس.

ومعنى هذا أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليلٍ وكثير، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها، وبه يقول ابن عمر، وابن عباسٍ، ومجاهد، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، وقبيصة بن ذؤيب، والحسن بن صالح، وعثمان البتي، وهذا مذهب مالكٍ، والليث، والشافعي، وأبي ثور، واختاره ابن جرير.

وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الإضرار من قِبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها، ولا يجوز الزيادة عليه، فإن ازداد جاز في القضاء، وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئًا، فإن أخذ جاز في القضاء".

يعني إذا حكم له القاضي أباحه له، وإلا فلا فمعروف مذهب أبي حنيفة في حكم القاضي أنه يُحل للمحكوم له أن يأخذ ما حُكِم له به، والحديث في الصحيحين وغيرهما يمنع من ذلك «إنما أنا بشر أحكم على نحو ما أسمع، ومن حكمت له بشيءٍ من حق أخيه فإنما اقتطع له قطعةً من نار، فليأخذها أو ليدعها». 

"وقال الإمام أحمد، وأبو عبيدٍ، وإسحاق بن راهويه: لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهذا قول سعيد بن المسيب، وعطاءٍ، وعمرو بن شعيب، والزهري، وطاوس، والحسن، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والرَّبيع بن أنس.

وقال معمرٌ والحكم: كان عليٌّ يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها.

وقال الأوزاعي: القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها".

وفي بعض البلدان العملة تضعف؛ حتى لا تكاد تعدل شيئًا، والمعروف أنه إذا عُطِّل العمل بها وألغاها السلطان أنه يُنتقل منها إلى غيرها، ومازالت قائمة ومادامت العملة قائمة فإنها تبقى، يبقى التعامل بها ولو ضعفت قيمتها، يعني لو افترضنا في بلاد الشام أو اليمن أو غيرها أصدقها ألفًا، ثم أرادت أن تختلع، والألف لا يُساوي فلسًا الآن، نقول: ما يجوز أن يأخذ أكثر؟

كثيرًا ما يسألون عن المؤخر، يتزوج على مقدم ومؤخر، ويكون المؤخر خمسة آلاف مثلاً قبل ثلاثين سنة الليرة اللبنانية بريال ونصف، لكن كم تساوي الآن؟ خمسة آلاف ما تساوي خمسة ريالات، وإذا قلنا: المؤخر خمسة آلاف التي تعادل خمسة اليوم يتضرر الزوج، كذا لو قلنا في الخلع مثل هذا، ومع ذلك العملة ما دامت قائمة يُتعامل بها ولو نزلت قيمتها.

طالب:........

على كل حال يقولون: مادامت قائمة فلها أحكامها، وإذا أُلغيت بالكلية انتُقل لغيرها.

الزيادة على ما دفعته المرأة وعدم جوازه؛ لرفع الضرر عنها، فإذا وصلت العملة إلى هذا الحد فليُنظر إلى رفع الضرر عن الزوج، فالمسألة تسديد ومقاربة ومراعاة لمصالح جميع الأطراف فيُجتهد في ذلك.    

"قلت: ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قصة ثابت بن قيس: فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد، وبما روى عبد بن حُميد حيث قال: أخبرنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها -يعني المختلعة- وحملوا معنى الآية على معنى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أي: من الذي أعطاها؛ لتقدم قوله: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أي: من ذلك.

وهكذا كان يقرأها الربيع بن أنس: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه) رواه ابن جرير؛ ولهذا قال بعده: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]".

نقف على هذا.