التعليق على تفسير القرطبي - سورة الكهف (08)

...ذلك الرجاء، لا يموت إلا وهو يحسن الظن بربه! لكن عليه بالتوازن، لا يرجح هذا ولا هذا، لكن لا يطمئن إلى أعماله وإلى ثقته بنفسه فيُمكَر به وهو لا يشعر، ولا يكون مثل الذي تعبد سبعين سنة، سبعين سنة يتعبد الله –جل وعلا-، ويكتفي بسؤال النجاة من النار، أما سؤال الجنة فما يسأل الجنة، أقول: ما يسأل الجنة، لماذا؟ يقول: أنا ما أستحق الجنة، يكفينا فقط أن ننجو من النار، عملنا هذا ما يؤهلنا للجنة، هذا شبه القنوط واليأس.

 وأيضًا بعض الناس يأمن من مكر الله، ويسترسل في المعاصي، وإذا جلس في مجلس يظن أنه يعبد الله فيه، والله أعلم بنيته، ادعى الكرامة، وادعى الولاية، وانتظر التسليم المباشر والتشميت من الملائكة. والناس بين طرفين، لا صاحب السبعين سنة ولا مثل هذا، يعني يعبد الله –جل وعلا- على بصيرة، على نور من هدي النبي – عليه الصلاة والسلام- ويكون خائفًا راجيًا، ويتوازن في أموره كلها، والدين وسط، ولله الحمد، وأيضًا مذهب أهل السنة والجماعة مذهبهم وسط، لا يبالغون في الرجاء بحيث يأمنون من مكر الله، ولا يبالغون في الخوف بحيث يقنطون من رحمة الله.

"ومن شرط الولي أن يستديم الخوف إلى أن تتنزل عليه الملائكة، كما قال -عز وجل-: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [سورة فصلت:30]، ولأن الولي من كان مختومًا له بالسعادة، والعواقب مستورة، ولا يدري أحد ما يُختم له به، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: «إنما الأعمال بالخواتيم»".

وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، من يأمن مع هذا؟ من يأمن مع هذا؟ وإبراهيم –عليه السلام- الذي كسر الأصنام، إمام الحنفاء، خليل الرحمن يقول: اجنبني وبني أن نعبد الأصنام، فإذا كان إبراهيم يخشى على نفسه من الشرك، فكيف بغيره!؟ ولذا يقول إبراهيم التيمي: من يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم؟

كثير من الناس الأمن عنده خلاص الفواتح عنوان الخواتم، فتح له بالخير وطلب العلم، ويصلي ويسلم، الحمد لله، إذًا الجنة مضمونة، ليس بصحيح، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، فعلى الإنسان أن يكون خائفًا وجلًا، والصحابة -رضوان الله عليهم- والذين يأتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، عندهم من الطاعات الشيء الكثير صيام وصلاة وزكاة وجميع أنواع العبادات، ومع ذلك يخافون أن تُرد عليهم أعمالهم.

" القول الثاني: أنه يجوز للولي أن يعلم أنه ولي".

كما يخاف من الردة والكفر لاسيما في آخر الزمان، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، أيضًا يخاف النفاق على نفسه، يخاف المُحبِطات، محبطات الأعمال، أدركت ثلاثين كلهم يخافون النفاق على نفسه. يعني من الصحابة.

" ألا ترى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يجوز أن يعلم أنه ولي، ولا خلاف أنه يجوز لغيره أن يعلم أنه ولي الله -تعالى-، فجاز له أن يعلم ذلك. وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- من حال العشرة من أصحابه أنهم من أهل الجنة، ثم لم يكن في ذلك زوال خوفهم، بل كانوا أكثر تعظيمًا لله -سبحانه وتعالى-، وأشد خوفًا وهيبة، فإذا جاز للعشرة ذلك ولم يخرجهم عن الخوف، فكذلك غيرهم.

وكان الشبلي يقول: أنا أمان هذا الجانب، فلما مات ودُفن عبر الديلم دجلة ذلك اليوم، واستولوا على بغداد، ويقول الناس".

لا شك أن الله –جل وعلا- يحمي الخلق ببعض الخلق، وجود النبي –عليه الصلاة والسلام- أمنة لأهل الأرض، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [سورة الأنفال:33]، ولأتباعه من هذه العناية نصيبهم، وكل ما كان الإنسان أكثر باتباعه فلا شك أن له نصيبًا من هذا، وكم من شخص يظن الناس أنهم ليسوا بحاجة إليه، عابد زاهد، لا يوجد عنده نفع متعدٍّ في الظاهر، يظنون أنهم ليسوا بحاجة ماسة إلى دعائه لله –جل وعلا-، وأن الله –جل وعلا- قد يدفع من الشرور بسببه ما يدفع، ولذا لما تتابع الموت في العلماء العاملين والعباد والصالحين، صار كل زمان، ما من زمان إلا والذي يليه شر منه، لكن قد يكثر الأولياء والأخيار في بلد، فينتشر الأمن، وينتشر الفضل، وينتشر العلم، ثم بعد ذلك ينقرضون، فتعود البلاد كغيرها إذا ذهب هؤلاء الصالحون، والله المستعان.

"وكان الشبلي يقول: أنا أمان هذا الجانب، فلما مات ودُفن عبر الديلم دجلة ذلك اليوم، واستولوا على بغداد، ويقول الناس: مصيبتان موت الشبلي وعبور الديلم" .

الشبلي من العبَّاد الزهَّاد المعروفين، وهو محسوب على أهل التصوف، ولا يسلم من مخالفات كثيرة، لكن على كل حال هو من العباد.

"ولا يقال: إنه يحتمل أن يكون ذلك استدراجًا؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز ألا يعرف النبي أنه نبي وولي الله؛ لجواز أن يكون ذلك استدراجًا، فلما لم يجز ذلك؛ لأن فيه إبطال المعجزات، لم يجز هذا؛ لأن فيه إبطال الكرامات" .

والذي يشكل على مثل هذا، الاختلاط، الاختلاط بين كرامات الأولياء، والخوارق التي تحصل لبعض المخالفين من المغرقين في البدع، يحصل لهم بعض الشيء، وهذا كله ابتلاء، يُبتلى الولي بهذه الكرامات؛ ليُنظر مدى ثباته وصبره وشكره لهذه النعم، ويُبتلى غيره ليسترسل في غيه وضلاله.

طالب: ......

نعم.

طالب: ......

 امتحانًا له وابتلاءً، سُمع من يجيب من داخل القبر من يدعو صاحب القبر، كل هذا ابتلاء وامتحان، هل هذه كرامة من صاحب القبر؟ يُدعى من دون الله، يشرك به من دون الله، ثم يستجيب من داخل القبر؟! ابتلاء وامتحان لمن يدعو، لكن الخير كله في الاتباع، الخير كله في الاتباع، وليحرص المسلم على أن يكون عمله خالصًا لوجه الله –تعالى- مقتديًا بنبيه –عليه الصلاة والسلام-، ولا ينتظر ولا يترقب كرامات.

طالب:......

الإنسان يعمل ويجتهد، يخلص ويحاول أن يقتدي بالنبي –عليه الصلاة والسلام-، يكون متبعًا لا مبتدعًا، ثم تترتب آثاره عليه، وقد لا يحصل له كرامات، ما يلزم.

طالب: ......

لا، لا، هذا استدراج يصير استدراجًا! مثل ما ذكرنا عن صاحب القبر أنه يجيب من يدعو، استدراج.

"وما روي من ظهور الكرامات على يدي بلعام، وانسلاخه عن الدين بعدها؛ لقوله: {فَانسَلَخَ مِنْهَا} [سورة الأعراف:175]، فليس في الآية أنه كان وليًّا، ثم انسلخت عنه الولاية. وما نقل أنه ظهر على يديه ما يجري مجرى الكرامات هو أخبار آحاد، لا توجب العلم، والله أعلم.

والفرق بين المعجزة والكرامة أن الكرامة من شرطها الاستتار، والمعجزة من شرطها الإظهار".

المعجزة تُظهر؛ لأنها وجدت من أجل الأتباع، والكرامة هي كرامة للشخص، مما يُمدح به الإنسان، فينبغي أن يخفيها إذا حصلت له، ولا يخبر بها أحدًا؛ لأنها نوع أو نتيجة للعمل الصالح، فإخفاؤها كإخفاء العمل الصالح، لا يتحدث عند الناس بعد أن حصل له شيء من الكرامة بالليل، وجد عنده طعامًا مثلًا كما حصل لبعض العباد، ثم يصبح يتحدث، أنا وجدت عنقود عنب في مصلاي، وأنا فعلت كذا، مثل إظهار العبادة، هذا يُخشى عليه، لكن الكرامة من شأنها الإخفاء، اللهم إلا إذا كانت ظاهرة بين الناس لا يستطيع إخفاءها، حصلت له في مجمع من الناس، هذه لا يستطيع إخفاءها، كالفرائض لا يجوز إخفاؤها، لكن شأنها الإخفاء؛ لئلا يغتر بها، وقد ينتكس بعدها، نسأل الله العافية.

طالب:......

لا، ما يرى رده، فرق بين كون خبر الواحد يوجب العمل، أو يوجب العلم، فرق، مسألة معروفة عند أهل العلم.

"وقيل: الكرامة ما تظهر من غير دعوى، والمعجزة ما تظهر عند دعوى الأنبياء، فيطالبون بالبرهان فيظهر أثر ذلك. وقد تقدم في مقدمة الكتاب شرائط المعجزة، والحمد لله -تعالى- وحده لا شريك له. وأما الأحاديث الواردة في الدلالة على ثبوت الكرامات، فمن ذلك ما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة قال: «بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة رهط سرية عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، وهي بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا إليهم قريبًا من مائتي راجل كلهم رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا فأعطونا أيديكم، ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما فوالله لا أنزل اليوم في ذمة الكافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموا بالنبل فقتلوا عاصمًا في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، وهم خبيب الأنصاري وابن الدِّثِنّة".

ابن الدَّثِنَة.

"وابن الدَّثِنَة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم; إن لي في هؤلاء لأسوة - يريد القتلى- فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحرث".

بنو الحارث.

"بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث".

خبيبٌ.

فلبث خبيبٌ عندهم أسيرًا، فأخبر عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابن لي وأنا غافلة حتى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطف عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله - تعالى  خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم؛ ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع من الموت لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبقِ منهم أحدًا، ثم قال:

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا

 

على أي شق كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

 

يبارك على أوصال شلو ممزع

فقتله بنو الحارث، وكان خبيب هو الذي سنَّ الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا.

 فاستجاب الله– تعالى- لعاصم يوم أصيب، فأُخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه خبرهم وما أصيبوا. وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدّثوا أنه قتل؛ ليؤتوا بشيء منه يعرفونه، وكان قد قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم".

من النحل، يعني كل من قرب منه لسعته.

فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئًا».  وقال ابن إسحاق في هذه القصة: كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت أرادوا رأسه؛ ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وقد كانت نذرت حين أصاب ابنيها بأحد لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر، فمنعهم الدبر، فلما حالت بينه وبينهم قالوا: دعوه حتى يمسي، فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله -تعالى- الوادي فاحتمل عاصمًا فذهب، وقد كان عاصم أعطى الله - تعالى- عهدًا ألا يمس مشركًا، ولا يمسه مشرك أبدًا في حياته، فمنعه الله -تعالى- بعد وفاته مما امتنع منه في حياته.

وعن عمرو بن أمية الضمري: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه عينًا وحده فقال: جئت إلى خشبة خبيب فرقَيت".

فرقِيتُ.

"فرقِيت فيها وأنا أتخوَّف العيون فأطلقته، فوقع في الأرض، ثم اقتحمت فانتبذت قليلاً، ثم التفت فكأنما ابتلعته الأرض.

 وفي رواية أخرى زيادة: فلم نذكر لخبيب رمة حتى الساعة. ذكره البيهقي .

الحادية عشرة: ولا ينكر أن يكون للولي مال وضيعة يصون بها ماله وعياله".

وجهه وعياله.

طالب: ......

وجهه.

"يصون بها وجهه وعياله، وحسبك بالصحابة وأموالهم مع ولايتهم وفضلهم، وهم الحجة على غيرهم .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة اسقِ حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال: يا عبد الله، ما اسمك قال: فلان، الاسم الذي سمعه في السحابة فقال له: يا عبد الله لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه».

 وفي رواية: «وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل».

 قلت: وهذا الحديث لا يناقضه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا»، خرجه الترمذي".

هذا في حق من يُخشى أن يسترسل في أمور الدنيا، ويغفل عما خُلِق له، أما من كان همّه ما خُلِق له، ويستعين ببعض أمور الدنيا لتحقيق هذا الهدف، فهذا محمود.

"من حديث ابن مسعود وقال فيه: حديث حسن; فإنه محمول على من اتخذها مستكثرًا أو متنعمًا ومتمتعًا بزهرتها، وأما من اتخذها معاشًا يصون بها دينه وعياله فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال، وهي من أفضل الأموال، قال -عليه الصلاة والسلام-: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، وقد أكثر الناس في كرامات الأولياء، وما ذكرناه فيه كفاية، والله الموفق للهداية".

شيخ الإسلام رحمه الله –تعالى- في الفرقان ذكر الفوارق بين الكرامات والخوارق التي للأولياء ولغيرهم، ذكر فوارق، وله أيضًا قاعدة في الكرامات والمعجزات، في كتبه كثير من هذه البحوث، النافعة.

"الثانية عشرة : قوله – تعالى-: {لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [سورة الكهف:77] فيه دليل على صحة جواز الإجارة، وهي سنة الأنبياء والأولياء على ما يأتي بيانه في سورة "القصص"، إن شاء الله -تعالى-.

وقرأ الجمهور: لاتخذت، وأبو عمرو: "لتخذت"، وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة، وهما لغتان بمعنى واحد من الأخذ، مثل قولك: تبع واتبع، واتقى".

تقى واتقى.

"وتقى واتقى، وأدغم بعض القراء الذال في التاء، ولم يدغمها بعضهم، وفي حديث أبي بن كعب: (لو شئت لأوتيت أجرًا)، وهذه صدرت من موسى سؤالاً على جهة العرض لا الاعتراض. فعند ذلك قال له الخضر: }هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [سورة الكهف:78] بحكم ما شرطت على نفسك. وتكريره بيني وبينك وعدوله عن بيننا؛ لمعنى التأكيد. قال سيبويه: كما يقال: أخزى الله الكاذب مني ومنك، أي منا.

وقال ابن عباس: وكان قول موسى في السفينة والغلام لله، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا، فكان سبب الفراق. وقال وهب بن منبه: كان ذلك الجدار جدارًا طوله في السماء مائة ذراع .

الثالثة عشرة: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [سورة الكهف:78]".

قد يتصور أن هذا الجدار الطويل العريض كيف ينوء به شخص؟! أو أن هذه كرامة، والأمر الثاني: أنه كان الناس إلى وقت قريب يطيقون مثل هذه الأعمال الكبيرة بمفردهم، تجد الإنسان يبني بيته بمفرده، ابن عمر بأسبوع واحد بنى بيته، كان اعتبر بالوصية النبوية: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، فكان يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح. بأسبوع واحد أو أقل بنى بيته له ولأسرته، وكان الناس إلى عهد قريب الجيل الذي قبلنا، يقف صاحب البيت بباب المسجد ويقول: من يعين؟ يتعاونون على بناء البيت بيومين، ثلاثة وهو منتهٍ، واحد يلبِّن، وواحد يخلط، وواحد يضع على اللبنة طينة ويعطيه الخشب، وهكذا ينتهي البيت.

طالب:......

نعم.

طالب: ......

هذا ما يحتاج شيئًا، ما يحتاج شيئًا؛ وذلك لأن الدنيا ليست دار مقر، وليست هدفًا، أما الآن فالبيت يحتاج إلى سنين للبناء، ويحتاج إلى عمر للوفاء والسداد، كثير من الناس يموت وهو مدين؛ بسبب البيت؛ وذلك لأنهم اتخذوا هذه الدنيا دار مقر، كأنهم غفلوا عما خُلقوا له، ولم يكن الإنسان يزدرى من بين الناس ويحتقر، نعم يساير الناس، ويكون مثل الناس، لكن لا يزيد على قدر الحاجة، لا يزيد على قدر الحاجة، ويتشاغل بأمور الدنيا عما خُلق له. ولا شك أن الإنسان عليه أن يساير نفسه، والله –جل وعلا- إذا أعطى عبده نعمة من نعمه أحب أن يرى أثر هذه النعمة، لكن الكلام في المبالغة، كون الإنسان يموت وهو مديون بسبب بيت! ليس بتصرف صحيح، أو يرهق نفسه، ويضيق على نفسه، ويضيق على ولده؛ بسبب بيت أو سيارة، أو ما أشبه ذلك، بعض الناس من أجل الأسفار والرحلات والنزهات يتحمل الديون، هل هذا من العقل! والله المستعان.

"الثالثة عشرة: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [سورة الكهف:78]. تأويل الشيء مآله أي قال له: إني أخبرك لم فعلت ما فعلت. وقيل في تفسير هذه الآيات التي وقعت لموسى مع الخضر: إنها حجة على موسى وعجبا له".

لا عجبًا له.

"إنها حجة على موسى لا عجبًا له، وذلك أنه لما أنكر أمر خرق السفينة نودي: يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحًا في اليم، فلما أنكر أمر الغلام قيل له: أين إنكارك هذا من وكزك القبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي: أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر ."

طالب: ......

نعم؟

طالب: ......

إي.

هذا سؤال من الأمس، يقول: وجد الخضْر وهو نائم على طُنفسة، طِنفَسة، وطُنفُسة، وضبطت على أكثر من وجه، ما الطُنفسة؟

يقول أهل العلم الطُنفسة: بساط صغير له خمل.

وعندنا سؤال يقول: عندنا مشكلة كبيرة وهي النصح للمعادين لمنهج السلف، وذكر بعض المؤلفين، فهل تنصح طلبة العلم باقتناء كتبهم؟

أولاً: الكتب التي تشتمل على شيء من البدعة، ينبغي أن لا ينظر فيها طلاب العلم، تشتمل على شيء من البدعة، وفي كتب أهل السنة -ولله الحمد- غنية عن كتب أمثال هؤلاء، نعم قد يُحتاج إلى النظر في كتب المُبتدِعة؛ من أجل الاطلاع على أقوالهم، وتوثيق أقوالهم من كتبهم، والرد عليهم، لا بأس، قد تكون هذه البدعة مسائل يسيرة في كتاب نافع، كالتفاسير الكبار، وشروح كتب السنة، هذه يطلع عليها من يثق بنفسه وبعلمه أنه لا يتأثر بهذه الأقوال ومن تأهل للنظر فيها، يعني من تأهل للنظر فيها له أن ينظر، وما عدا ذلك إذا خاف على نفسه أن يعلق في ذهنه شبهة لا يستطيع الجواب عليها، بل قد يقتنع بها، فمثل هذا لا يجوز له النظر في كتب المُبتدِعة.

 وعلى كل حال كتب أئمة الإسلام من الأئمة المحققين الموثوقين فيها ما يغني طالب العلم، وهم ليسوا بحاجة- ولله الحمد- إلى بعض الكتب التي أشير إلى بعضها، وكثير منها كتب ثقافية يسمونها فكرية، لا حاجة إليها، بل هي قدر زائد عن الحاجة، العلم قال الله وقال رسوله وقال الصحابة، يعني العلم ما جاء في الكتاب والسنة، وما جاء عن سلف هذه الأُمَّة، وأيضًا في كتب أهل العلم المحققين الوارثين من النبوة بقدر ما أعطوا، العاملين بعلمهم، في كتبهم ما يغني عن مثل هذه الكتب، والله المستعان.

طالب:......

نعم.

طالب: ......

عندكم سؤال؟

طالب: ......

عندكم؟

طالب: ......

الدعاء له أو عليه، إذا كان ظالمًا يجوز، إذا كان ظالمًا يجوز، يقول بعض التابعين كما في الموطأ وغيره: أدركنا الصحابة وهم يدعون على اليهود والنصارى والكفار، الدعاء عليهم لا بأس به، لا سيما الظلمة منهم.