كتاب الجهاد من سبل السلام (6)

نعم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في كتاب الجهاد:

"وَعَنْ أَنَسٍ بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، (بِالْغَيْنِ) الْمُعْجَمَةِ (فَفَاءٌ)، فِي الْقَامُوسِ: الْمِغْفَرُ كَمِنْبَرِ وَبِهَاءٍ وَكَكِتَابَةٍ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ.."

كتابة مغفارة، نعم.

"زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُسَلَّحُ، فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ بِفَتْحِ (الْخَاءِ) الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ (الطَّاءِ) الْمُهْمَلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «اُقْتُلُوهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ يَوْمَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُقَاتِلًا وَلَكِنْ.."

نعم، المُحرم لا يُغطي رأسه، والنبي- عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، فهل نقول بجواز الدخول من غير إحرام مطلقًا؟ وما يدل عليه حديث المواقيت «هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة»، فإذا لم يُرد حجًّا ولا عمرة لا يلزمه الإحرام، أو نقول: إنَّه يلزمه إحرام، وهو قول كثير من أهل العلم، لا يجوز له أن يدخل مكة إلا بإحرام، وكونه- عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر فهذا في الساعة التي أُبيح له فيها القتال؟

أحسن الله إليك.

"ولكنه يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يحرم الْقِتَالُ فِيهَا كَمَا قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا أَمْرُهُ- صلى الله عليه وسلم- بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ، وَهُوَ أَحَدُ جَمَاعَةٍ تِسْعَةٍ أَمَرَ- صلى الله عليه وسلم- بِقَتْلِهِمْ وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَقُتِلَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ، وَكَانَ ابْنُ خَطَلٍ قَدْ أَسْلَمَ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مُصَدِّقًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ مُسْلِمًا، فَنَزَلَ مَنْزِلًا وَأَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا، وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِهِ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ، فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا وَاسْتُؤْمِنَ لِلْأُخْرَى فَأَمَّنَهَا.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَتْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- بِحَقِّ مَا جَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إقَامَةِ وَاجِبٍ، وَلَا يؤخر عَنْ وَقْتِهِ. انْتَهَى."

يعني على خلاف بين أهل العلم في إقامة الحدود، والقصاص في الحرم، فمنهم من يقول: يُقام، تُقام الحدود، والنبي- عليه الصلاة والسلام- قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، فلا مانع من إقامة الحدود، ومنهم من يقول: يُضَيَّق عليه حتى يخرج من الحرم، ثم يُقام عليه الحد، لكن الحدود مستثناة.

أحسن الله إليك.

"وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ ومالك إلَى أَنَّهُ تُسْتَوْفَى الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ بِكُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِهَذِهِ الْقِصَّةِ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى فِي مكة حَدٌّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [سورة آل عمران:97]، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُسْفَكُ بِهَا دَمٌ».

 وأجيب عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْأَدِلَّةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، بَلْ هِيَ مُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ، فَإِنَّهُ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ بَعْدَ شَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ. وَأَمَّا قَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُحِلَّتْ فِيهَا مَكَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَاسْتَمَرَّتْ مِنْ صَبِيحَةِ يَوْمِ الْفَتْحِ إلَى الْعَصْرِ، وَقَدْ قُتِلَ ابْنِ خَطَلٍ وَقْتَ الضُّحَى بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَنْ ارْتَكَبَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ، وَأَمَّا.."

ارتكب حدًّا.

القارئ: نعم يا شيخ.

فيمن ارتكب حدًّا في غير الحرم ثم التجأ.

"وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَنْ ارْتَكَبَ حدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ.

وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ إنْسَانٌ فِي الْحَرَمِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُقَامُ فِيهِ حَدٌّ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْهَادَوِيَّةِ إلى أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ فِيهِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الحد فِي الْحَرَمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [سورة البقرة:191]، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ بِأَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ، وَالْمُلْتَجِئُ إليه مُعَظِّمٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى مَنْ جَنَى فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ فِي الْحَرَمِ، وَأَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْفَسَادَ قَصَدَ إلَى الْحَرَمِ؛ لِيَسْكُنَهُ، وَفَعَلَ فِيهِ مَا اقتضى شَهْوَتُهُ.

وَأَمَّا الْحَدُّ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا، فَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ سَفَكَ الدَّمَ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْقَتْلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فِي الْحَرَمِ تَحْرِيمُ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، وَالِانْتِهَاكُ بِالْقَتْلِ أَشَدُّ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَارٍ مَجْرَى تَأْدِيبِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ، فَلَا يُمْنَعْ مِنْهُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أخرى بِعَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ لِشَيْءٍ؛ عَمَلًا بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَخَصِّ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ سَفْكَ الدَّمِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْقَتْلِ.

 قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ قاضٍ بِالْقَتْلِ، وَالْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ فِي الْحُدُودِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْقَتْلِ.."

خاص، خاص. ولا يخفى أنَّ الدليل خاص.

"ولا يخفى أَنَّ الدَّلِيلَ خاص بِالْقَتْلِ، وَالْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ فِي الْحُدُودِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْقَتْلِ؛ إذْ حَدُّ الزِّنَى غَيْرُ الرَّجْمِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ يُقَامُ عَلَيْهِ."

أمَّا حد الزنى بالرجم فهو قتل وإن تنوعت الآلة.

طالب: ...........

ما يُعطَّل، يُضَيَّق عليه، لا يُبايع ولا يُشارى ولا يُطعم حتى يخرج.

طالب: ..........

لا، ليس برجم.

"وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سعيد بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ (الْجِيمِ) وَفَتْحِ (الْبَاءِ) الْمُوَحَّدَةِ فَمُثَنَّاةٌ (فِرَاءٌ)، الْأَسَدِيُّ مَوْلَى بَنِي وَالِبَةَ بَطْنٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ كُوفِيٌّ أَحَدُ أعلام التَّابِعِينَ. سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسًا، وَأَخَذَ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ. قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا، وَمَاتَ الْحَجَّاجُ فِي رَمَضَانَ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ.

أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً صَبْرًا. فِي الْقَامُوسِ صَبْرُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَتْلِ أَنْ يُحْبَسَ وَيُرْمَى حَتَّى يَمُوتَ، وَقَدْ قَتَلَهُ صَبْرًا وَصَبَرَهُ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ صَبُورٌ مَصْبُورٌ لِلْقَتْلِ انْتَهَى."

رجل صبورة.

أحسن الله إليك.

"ورجل صبورة مصبور للقتل انتهى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالثَّلَاثَةُ هُمْ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمَنْ قَالَ بَدَلُ طُعَيْمَةُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقَدْ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الصَّبْرِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَفِي بَعْضِهِمْ مَقَالٌ، «لَا يُقْتَلَن قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْرًا»، قَالَهُ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ، وفي بعضها يَوْمَ الْفَتْحِ.

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مُشْرِكٍ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

 فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ بِأَسِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ، وَيَتَعَيَّنُ إمَّا قَتْلُ الْأَسِيرِ أَوْ اسْتِرْقَاقُهُ، وَزَادَ مَالِكٌ: أَوْ مُفَادَاتُهُ بِأَسِيرٍ. وَقَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِمَالٍ أَوْ قَتْلِ الْأَسِيرِ أَوْ اسْتِرْقَاقِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ- صلى الله عليه وسلم- قَتْلُ الْأَسِيرِ كَمَا فِي قِصَّةِ عُقْبَةَ بْنِ مُعَيْطٍ، .."

ابن أبي.

أحسن الله إليك.

"كما في قصة عقبة بن أبي معيط، وَفِدَاؤُهُ بِالْمَالِ كَمَا فِي أَسَارَى بَدْرٍ."

الإمام مُخَيَّر، الإمام يُخيَّر في الأسرى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [سورة محمد:4]. إمَّا أن يُفاديهم، أو يُمن عليهم بغير مقابل، أو يقتلهم بحسب ما تقتضيه المصلحة، وكل من خُيِّر في حكم شرعي، فالنظر فيه إلى المصلحة الشرعية العامة، لا إلى مصلحته الخاصة.

"وَالْمَنُّ عَلَيْهِ كَمَا مَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَ، فَعَادَ إلَى الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَسَرَهُ وَقَتَلَهُ، وَقَالَ فِي حَقِّهِ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»، وَالِاسْتِرْقَاقُ وَقَعَ مِنْهُ- صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ مَكَّة ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ.

وَعَنْ صَخْرٍ (بِالصَّادِ) الْمُهْمَلَةِ (فَخَاءٌ) مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ (فَرَاءٌ). ابْنِ الْعَيْلَةِ (بِالْعَيْنِ) الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَة، وَحَدِيثُهُ عِنْدَهُمْ، رَوَى عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَهُوَ ابْنُ ابْنِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ، وَفِي مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ»، الْحَدِيثَ.

 وَفِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ حَرُمَ دَمُهُ وَمَالُهُ، وَلِلْعُلَمَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: مَنْ أَسْلَمَ.."

«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم».

طالب: .........

هو في البداية إذا لم يتمكن من العمل بدون عمل، إذا تمكن على المعروف من أقوال أهل العلم أنَّها شرط للصحة، لابد أن يُبرهن على صحة نطقه، وصحة عقده في العمل، {آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة يونس:9]، على الخلاف بين أهل العلم في كفر تارك الصلاة، عامتهم أنَّه يُقتل على خلاف بينهم، هل يُقتل حدًّا، أو يُقتل كفرًا، المسألة معروفة.

أحسن الله إليك.

"قالوا: من أسلم طَوْعًا مِنْ غير قِتَالٍ مَلَكَ مَالَهُ وَأَرْضَهُ، وَذَلِكَ كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقِتَالِ فَالْإِسْلَامُ قَدْ عَصَمَ دِمَاءَهُمْ، وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَالْمَنْقُولُ غَنِيمَةٌ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ فَيْءٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: لِمَالِكٍ، وَنَصَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَقْفًا يُقْسَمُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرات إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قِسْمَتِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ عَلَيْهِ سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِم الْأَرْضَ، الَّتِي فَتَحُوهَا فِي الشَّامِ. وَقَالُوا لَهُ: خُذْ خُمُسَهَا وَاقْسِمْهَا. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا غَيْرُ الْمَالِ، وَلَكِنْ أَحْبِسُهُ فَيْئًا يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَافَقَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرَ.

وَكَذَلِكَ جَرَى فِي فُتُوحِ مِصْرَ والْعِرَاقِ وَأَرْضِ فَارِسَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحُوهَا عَنْوَةً فَلَمْ يَقْسِمْ مِنْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ قَرْيَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ: وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ بَقَائِهَا بِلَا قِسْمَةٍ، فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ قِسْمَتُهَا قَسَمَهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْبَعْضِ.."

قسمة البعض.

أحسن الله إليك.

"وإن كان الأصلح قسمة البعض وَوَقْفَ الْبَعْضِ فَعَلَهُ. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَعَلَ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ، فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْضَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَتَرَكَ قِسْمَةَ مَكَّةَ، وَقَسَمَ بَعْضَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ بَعْضَهَا لِمَا يَنُوبُهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلَحِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ إمَّا الْقَسْمُة بَيْنَ الْغَانِمِينَ، أَوْ يَتْرُكُهَا لِأَهْلِهَا عَلَى خَرَاجٍ، أَوْ يَتْرُكُهَا عَلَى مُعَامَلَةٍ مَنْ غَلَّتِهَا، أَوْ يَمُنُّ بِهَا عَلَيْهِمْ."

جزء مما يخرج منها كما فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- في خيبر.

"أو يمن بها عليهم. قَالُوا: وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-."

اللهم صلِّ على محمد.

"وعند جبير"

خلاص قف على هذا.

اللهم صلِّ على محمد.