تعليق على البلبل في أصول الفقه (21)

بسم الله الرحمن الرحيم.

 اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد.

قال –رحمه الله-: "الثاني: الأداء: فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعًا. والإعادة: فعله فيه ثانيًّا، لخللٍ في الأول.

والقضاء: فعله خارج الوقت؛ لفواته فيه؛ لعذرٍ أو غيره.

وقيل: لا يُسمى قضاءً ما فات لعذرٍ: كالحائض والمريض والمسافر يستدركون الصوم؛ لعدم وجوبه عليهم حال العذر؛ بدليل عدم عصيانهم لو ماتوا فيه.

ورُدّ، بوجوب نية القضاء عليهم إجماعًا، وبقول عائشة -رضي الله عنها-: كُنا نحيض فنؤمر بقضاء الصوم، وبأن ثبوت العبادة في الذمة، كدين الآدمي غير ممتنع، فكلاهما يُقضى.

وفعل الزكاة والصلاة الفائتة بعد تأخيرهما عن وقت وجوبهما لا يُسمى قضاءً؛ لعدم تعين وقت الزكاة، وامتناع قضاء القضاء".

الأمور التي ذكرها بعد أن أنهى الكلام على الأحكام التكليفية والوضعية ذكر الأول: الصحة، والثاني: الأداء، الإعادة، والقضاء.

فالأداء فعل العبادة في وقتها المقدر لها، يعني عندنا وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومدته ساعة ونصف أداء صلاة ركعتين هي صلاة الفجر في خمس دقائق من هذه الساعة والنصف في أولها، في أثنائها، في آخرها كلها أداء، لكن لو صلاها بعد طلوع الشمس صارت قضاءً.

ففعل المأمور به في وقته المقدر له شرعًا أداء.

والإعادة فعله في الوقت، يعني صلى مع الناس الفجر أداءً، ثم لما سلَّم ذكر أنه على غير طهارة يُعيد في الوقت، تُسمى إعادة وهي في الوقت نفسه أداء؛ لأنها فعلٌ في الوقت، ولو قُدِّر أنه لم يعلم أنه صلى الفجر على غير طهارة إلا بعد خروج وقتها فهي إعادة وهي في الوقت نفسه قضاء؛ لأنه فعل العبادة خارج وقتها المُحدد لها فهي قضاء.

الشخص الذي لم يتجه إليه الأمر لعذر، شخص سافر في رمضان، صيامه في رمضان أداء، بعد خروج رمضان يُسمى قضاءً، وإن كان معذورًا ولا إثم عليه مثله صيام الحائض بعد خروج الوقت يُسمى قضاءً.

قد يقول قائل: هي غير مأمورة في الوقت الراهن بالصيام، غير مأمورة بالصيام، فكيف نُسميه قضاءً؟ الآن أيهما أكمل الأداء أو القضاء؟

الأداء أكمل من القضاء، فكيف نقول: إن الحائض تقضي صيامها بعد خروج رمضان نُسميه قضاءً، وهو بالنسبة لها الآن اتجه لها الأمر، ما اتجه لها الأمر قبل ذلك، فكيف نُسميه قضاءً، ولماذا لا نُسميه أداءً؟ هو قضاء؛ لأنه فعلٌ للصيام بعد خروج وقته، وكونه قضاءً لعذر يرفع الإثم، ودليله حديث عائشة: "كُنا نحيض فنؤمر بقضاء الصوم" فهو قضاء؛ لأنه فعلٌ للعبادة بعد خروج وقتها.

فعل العبادة قبل دخول وقتها ماذا نُسميه أداءً أم قضاءً؟

طالب:........

قبل دخول وقتها، عرفنا أنه في وقتها، وبعد خروج وقتها قضاء، قبل دخول وقتها ماذا يصير؟ إذا صار مأذونًا له شرعًا، مأذونًا له شرعًا أن يُصلي قبل الوقت يجمع جمع تقديم، يُقدم جمع تقديم.

طالب:........

يُصبح أداءً لماذا؟ لأن الوقت صار وقتًا للصلاتين، فهو وقتٌ للثانية كما أنه هو وقتٌ للأولى فهو أداء.

يقول –رحمه الله-: "الأداء: فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعًا، والإعادة: فعله فيه" يعني: في الوقت "ثانيًّا، لخللٍ في الأول" فهو إعادة، وهو في الوقت نفسه أداء.

"والقضاء: فعله خارج الوقت؛ لفواته فيه؛ لعذر" أو لغير عذر، لو أن شخصًا فرَّط، ما صام في رمضان يومًا من الأيام، وأُمِر بالقضاء، أو أخرج عن الصلاة عن وقتها يُؤمر بقضائها، لكنه يأثم، والأول لا يأثم هذا الفرق.

"وقيل: لا يُسمى قضاءً ما فات لعذرٍ: كالحائض والمريض والمسافر يستدركون الصوم؛ لعدم وجوبه عليهم حال العذر" هو في الحقيقة قضاء، وينطبق عليه الحد؛ لأنه فعل العبادة خارج وقتها، فهو قضاء، والإثم مرتفع.

يقول: "رُد، بوجوب نية القضاء عليهم إجماعًا".

 يعني من صلى الصلاة بعد خروج وقتها، هل يجب عليه أن يقول: أُصلي هذه الصلاة الفريضة قضاءً بعد خروج وقتها؟ ما يلزم، مجرد اتجاهه إلى محل الوضوء، وانتصابه للصلاة وتكبيره فهذه هي النية، لا يحتاج أن ينوي نوع الصلاة ولا عدد ركعاتها ولا اسم الصلاة ولا وقتها، وكما أنه لا ينوي أنها قضاء أو أداء، وإن قيل: بوجوبه عند بعضهم.

وهنا يقول: "ورُد، بوجوب نية القضاء عليهم إجماعًا" هذا الإجماع فيه نظر.  

"وبقول عائشة -رضي الله عنها-: كُنا نحيض فنؤمر بقضاء الصوم" نُؤمر بقضاء الصوم، فسمته قضاءً، والقضاء في النصوص هل يلزم منه العمل خارج الوقت أو أنه يُطلق بإزاء الأداء؟

طالب: قد يُطلق بإزاء الأداء مثل حديث عائشة.

لا، هم يستدلون به على أنه قضاء، يعني بعد وقتها، لا، هو نص في الموضوع حديث عائشة، لكن في النصوص {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [فصلت:12] هل نقول: إن هذا "قضاهن" يعني بعد خروج الوقت المحدد لهن شرعًا؟ لا.

طالب: لكن يا شيخ نقصد بحديث عائشة الآن علمنا أن القضاء في مرتبة ثانية بعد الأداء صحيح هذا؟

نعم صحيح.

طالب: لكن ما نقول: هذا عام ما عدا في المأذون فيه شرعًا؟

لكنه قضاء.

طالب: لكن ليس في مرتبة ثانية عن الأداء، يعني ما يكون ثوابه أقل ممن صام في وقت الصيام في وقت رمضان.

هو غير مطالب به، وهذا يجرُّنا إلى مسألةٍ أخرى وهي: أن الحائض هل يُكتب لها ما كانت تعمله قبل الحيض؟

طالب:........

يعني مثل المريض، حبسها العذر مثل المريض، ومثل المسافر.

طالب:........

أين؟

طالب:........

الآن المرأة إذا حاضت كان من عادتها أنها توتر مثلاً، وتقوم الليل، هل يُكتب لها قيام الليل مثل المريض الذي حبسه عن قيام الليل المرض، يُكتب أم ما يُكتب؟

طالب:........

المرض، هو أذى على كل حال، هو أذى، لكنه غير المرض، بدليل أن الرسول –عليه الصلاة والسلام- أثبت النقص بالحيض، نقص الدين بالحيض، وهذا منه نقص الدين بالحيض، نعم هي لا تُؤاخذ بالتأخير؛ لأنها معذورة، بل ممنوعة من الصلاة والصيام في وقت الحيض.      

يقول: "وبأن ثبوت العبادة في الذمة، كدين الآدمي غير ممتنع" تثبت العبادة في الذمة كدين الآدمي، وهذا لا يمتنع أن تبقى الكفارة في ذمة المقترف، مقترف الذنب، وتبقى الصلاة في ذمته حتى يقضيها، ويبقى الصيام في ذمته حتى يقضيه.

يعني لو أن امرأة عليها أيام من رمضان ما قضتها إلا بعد عشرة أشهر، تُلام في ذلك أو لا تُلام؟ لا تُلام، لكنه يبقى دينًا في ذمتها، ودين الله أحق أن يُقضى.  

يقول: "وفعل الزكاة والصلاة الفائتة بعد تأخيرهما" فعل الزكاة، شخص وجبت عليه الزكاة في رمضان، ما زكى إلا في ذي الحجة، نقول: قضاء أم أداء؟ لا يُسمى قضاءً؛ لأنه لم يُحدّد للزكاة وقت مُحدد يشمل الناس كلهم، نعم لكل شخص وقت مُحدد، لكن ليس لها وقت مُحدد في اليوم، يوم في السنة أو شهر في السنة؛ ولهذا لا يُسمى تأخير الزكاة قضاءً.

ومثله: لو وجبت عليه صلاة الصبح فأخّرها إلى طلوع الشمس، نقول: قضاء، لكن لو أخّرها إلى زوال الشمس مثلاً، نقول: قضاء القضاء؟ هو قضاء، ولا نقول: قضاء القضاء.

طالب: شيخ هنا سؤال: رجل فاتته صلاة الفجر، فقام لما ارتفعت الشمس، قال: خلاص مادامت فاتت الفجر أنا أنام لما أقوم طبيعيًّا الساعة العاشرة أو إحدى عشر أصلي، هل يستويان أم من الأفضل أنه...؟

ما هو بالأفضل، ويجب قضاء الفوائت فورًا ما هو مسألة أفضل.

طالب: وجوب؟

ويجب قضاء الفوائت فورًا، هذا كلام أهل العلم.

بقي وقت أم ...؟

طالب:........

ما بقي إلا العزيمة والرخصة.    

"الثالث: العزيمة لغةً: القصد المؤكد، وشرعًا: الحكم الثابت لدليلٍ شرعيٍّ خالٍ عن معارض".

الثالث: العزيمة القصد المؤكد يُقابلها الرخصة.

"وشرعًا: الحكم الثابت لدليلٍ شرعيٍّ خالٍ عن معارضٍ" معارضٍ راجح، خالٍ عن معارضٍ راجح؛ لأنه إذا وجد المعارض الراجح يعني ما ثبت على وفق دليلٍ شرعي خالٍ عن المعارض الذي هو العزيمة.

والرخصة تُقابل العزيمة "ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي، لمعارضٍ راجح" فأكل الميتة للمضطر رخصة؛ لأنها جاءت على خلاف الدليل الشرعي، وهي في الوقت نفسه عزيمة من جهة أنها واجبة بالنسبة له.

من حيث التعريف اللغوي، القصد المؤكد يلزمه، القصد المؤكد أن يقصد إلى هذه الميتة فيأكل منها، فهي عزيمة من هذه الحيثية، وهي جاءت على خلاف دليلٍ شرعي، الدليل الشرعي تحريم الميتة، لكن لما اضطُر إليها حلت له، بل وجبت عليه إذا كانت حياته تتوقف عليها.

الجمع بين الصلاتين في السفر والقصر جاء على خلاف الدليل الشرعي، فالدليل الشرعي دل على التوقيت، وأن كل صلاة تُصلى في وقتها، جاء أيضًا بإتمام الصلاة أربعًا أربعًا، هل نقول: إن الجمع رخصة أم عزيمة، كذلك القصر، أو كونه في وقته عزيمة، يعني هل نقول: إن الصلاة ركعتان في السفر رخصة أم عزيمة، صلاة الظهر جاءت على خلاف الدليل الشرعي، فصلاة الظهر أربع، أو نقول: جاءت على وفق دليلٍ شرعي في هذا الظرف في هذا المكان فهي عزيمة؟

طالب:.......

فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين، أُقرت صلاة السفر وزِيد في صلاة الحضر، على كلٍّ على رأي الجمهور كلاهما رخصة، وجاء في حديث عمر«صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا» فهي رخصة؛ لأنها جاءت على خلاف الدليل الشرعي، وعلى كل حال الخلاف ما يترتب عليه شيء.

لكن هل نقول: إن فعل العزيمة أرجح، أو فعل الرخصة في وقتها؟ هذه مسألة ثانية، قد تكون عزيمة، وتكون رخصة.

فالرخصة هنا أفضل من العزيمة «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ».

طالب:......

رخصة نعم بالإكراه، التلفظ بكلمة الكفر رخصة، والعزيمة ما فيه شك العزيمة الصبر، يعني ما يترتب من الآثار عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عن الدعوة أو ما أشبه ذلك، ما يترتب على ذلك من المكاره الصبر هو العزيمة، والرخصة وفيها مندوحة؛ لأن فيها أن يسكت إذا عجز أو خاف على نفسه أو ماله أو ولده، فيكون في حكم المُكرَه.             

"وقيل: استباحة المحظور مع قيام السبب الحاظر".

نعم "استباحة المحظور" الأكل من الميتة "مع قيام السبب الحاظر" مع قيام الدليل على تحريم الميتة، السبب الحاظر قائم، وإلا لو لم يكن السبب الحاظر قائمًا لقلنا بالنسخ، فصار الحكم منسوخًا، يعني لو جاءنا دليل يرفع الحكم السابق بخطابٍ جديد قلنا: الحكم السابق منسوخ، والثاني...

"فما لم يخالف دليلًا، كاستباحة المباحات، وسقوط صوم شوال، لا يُسمى رخصة"... يأمر به ولا ينهى عنه فهو باقٍ على الإباحة الأصلية.

يقول: "لا يُسمى رخصة، وما خفّف عنا من التغليظ على الأمم قبلنا، بالنسبة إلينا رخصة مجازًا" يعني هل الخطاب الموجه على الأمم السابقة الذي يحمل ..........

وعلى هذا تسميته رخصة مجازًا عند المكلِّف.

"وما خص به العام إن اختص بمعنى لا يوجد في بقية صوره، كالأب المخصوص بالرجوع في الهبة فليس برخصة".

 يعني الخاص، تخصيص العام يعني إذا جاء الحكم العام فيه شدة، ثم جاء التخفيف في بعض الصور لا يُسمى رخصة؛ لأن التخصيص لا معارضة للمُخصِّص فيه مع المُخصَّص، ما بينهما تعارض، والمفترض في الرخصة: أنها ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارض، وهنا في الخصوص والعموم كما في الإطلاق والتقييد لا يوجد معارض.

"وإلا كان رخصة، كالعرايا المخصوصة من بيع المزابنة" نعم، نُهي عن المزابنة، فالمزابنة حرام، رُخِّص في خمسة أوسق فما دون في العرايا، وحكمها معروف، فهي جاءت على خلاف الدليل الشرعي؛ لمعارضٍ راجح وهو: الحاجة التي من أجلها أُبيحت العرايا، فهي داخلة في حد الرخصة.

"وإباحة التيمم رخصة، إن كان مع القدرة على استعمال الماء لمرض، أو زيادة ثمن، وإلا فلا؛ لعدم قيام السبب" يعني الشخص الذي يتيمم إن كان عنده ماء ولا يستطيع استعماله رخصة؛ لأن الدليل دلَّ على وجوب استعمال الماء، وجواز التيمم إنما أُنيط بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء:43] وهذا واجد للماء، هذا استعمل التيمم مع قيام المعارض الراجح وهو وجود الماء، لكن الذي لا ماء عنده أصلاً، هل يُسمى رخصة؟ هذا فرضه التيمم فهو عزيمة بالنسبة له.

"والرخصة قد تجب: كأكل الميتة عند الضرورة" لا يجوز للإنسان أن يجد ما يُقيم به أوده، ثم يتركه تعففًا.

"وقد لا تجب ككلمة الكفر" لا تجب الرخصة هنا، يعني قد يصبر الإنسان ويتحمل على السجن، وعلى الضرب، بل على القتل في مقابل ألا يقول: كلمة الكفر، ويرتكب هذه العزيمة رجاء ثواب الله –سبحانه وتعالى-، ولا يجب عليه أن يتأول.

"ويجوز أن يقال: التيمم، وأكل الميتة، كل منهما رخصة عزيمة باعتبار الجهتين" رخصة باعتبار أن الأصل الوضوء، ورخصة باعتبار أن الأصل تحريم أكل الميتة، كما أنه عزيمة باعتبار الوجوب وجوب التيمم، ووجوب الأكل من الميتة.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.