بلوغ المرام - كتاب الجامع (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام باب الزهد والورع عن النعمان عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس  فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» أخرجه البخاري وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك» أخرجه البخاري وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم» أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال «يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي وقال حسن صحيح وعن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس رواه ابن ماجه وغيره وسنده حسن وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» أخرجه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه رواه الترمذي وقال حسن وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطن» أخرجه الترمذي وحسنه وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الصمت حكم وقليل».

حكمة الصمت حكمة.

أحسن الله إليكم.

«الصمت حكمة وقليل فاعله» أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف وصحح أنه موقوف من قول لقمان الحكيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب الزهد والورع باب الزهد والورع الزهد الرغبة عن الشيء بعد حصوله في اليد والورع اتقاء الشيء قبل حصوله في اليد الفرق بينهما أن الزاهد بيده هذا العَرَض ويزهد فيه ولا يحرص على بقائه في يده بل يرغب عنه والوَرِع الذي لا يملك شيئًا حتى يتأكد من حِلِّه ولذا لما قيل لسفيان الثوري قيل له الزاهد قال الزاهد عمر بن عبد العزيز الزاهد عمر بن عبد العزيز يعني سفيان كأن ما عنده شيء يزهد فيه لكنه إمام في كل باب من أبواب الدين رحمه الله وهذا من تواضعه وهضمه لنفسه لكن يبين لك الفرق بين الزهد والورع أن سفيان يرى أنه ليس عنده شيء يمكن أن يوصف بسبب الرغبة عنه بالزهد أما عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي ملك الدنيا ولم يدخل منها شيء لا قليل ولا كثير في قلبه الزهد كما قالوا إما قلة الرغبة في الشيء أو عدم الرغبة في الشيء أو الرغبة عن الشيء الآن الإنسان إذا ذهب إلى السوق بسلعة يريد بيعها هذه السلعة هو راغب عنها ولو كان راغبا فيها لما باعها وهو راغب في قيمتها لكن قد يدعو إلى البيع حاجة وهو محتاج إلى هذه السلعة غير راغب عنها ولا زاهد فيها لكن الحاجة دعته إلى ذلك كما حصل لكثير من طلاب العلم تضيق عليه الدنيا ثم يبيع كتبه وهي أحب إليه من كل محبوب فما كل مبيع مزهود فيه وإن كان الأصل أن الذي يخرج الشيء من يده بطوعه واختياره أنه راغب عنه وراغب في مقابله فالذي يخرج الأموال في سبيل الله هو راغب عنها وراغب في مقابلها من ثواب الله جل وعلا وجرت العادة والسنة الإلهية أن الإنسان لا يرخص الشيء بأقل منه لا تجد إنسان يرخص شيء بما هو أقل منه من وجهة نظره من وجة نظره هو ما تجد شخص يبيع النفيس بالرخيص وقديمًا أورد هذا السؤال أن الإنفاق في سبيل الله نقد ومقابله نسيئة فكيف يعاوض بالنقد بالنسيئة؟ أجاب ابن القيم رحمه الله تعالى من واقع الناس وأنكم تجدون من يبيع السلع بالنسيئة بالدين طمعًا في زيادة الثمن والناس يبيعون نسيئة بثمن فيه شيء من الزيادة ثم صاروا يتنافسون إلى أن قلت الزيادة إلى نسبة يسيرة جدًا طمعًا في هذه النسبة أرخص السلع وباعوها نسيئة فماذا عن الذي يبيع نفسه إلى الله جل وعلا ويبيع وقته ويبيع جهده لله جل وعلا؟ ويعمل لآخرته الحسنة بعشر أمثالها يعني لو قيل للناس أن قِيَم السلع سوف ترتفع عشرة أضعاف إذا كانت نسيئة أظن كثير من الناس يبيع ثوبه الذي يلبسه فكيف إذا كانت الأضعاف مضاعفة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إذا بعت جزءًا من وقتك أو دفعت شيئًا من مالك أو أتعبت بدنك في سبيل الله الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يحصيها ولا يعدها إلا الله جل وعلا وجاء في الحديث المخرج في المسند وغيره وفيه كلام لأهل العلم «إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة» إلى مليونين حسنة يعني قد يقول بعض الناس كيف؟ هذه أضعاف يمكن لا تحاط بها لكن فضل الله لا يحد ولا نستكثر مثل هذه الأعداد والأرقام إذا تصورنا أن آخر من يدخل الجنة آخر من يخرج من الناس ويدخل الجنة يقال له تمنَ فتنقطع به الأماني فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول إي وربي فيقال لك مثله ومثل ومثله ومثله عشرة أمثاله هذا آخر شخص يخرج من النار ويدخل الجنة فماذا عن السابقين وماذا عن المقربين فالمعاملة مع الله جل وعلا والمتاجرة مع الله جل وعلا هي المتاجرة الحقيقية هي التجارة التي لا تبور الإنسان يجلس ربع ساعة يقرأ جزء من القرآن بمائة ألف حسنة وقد يضاعَف له بسبب ما احتف بهذه القراءة من تدبر وزيادة في اليقين والإيمان وتفقه في كتاب الله إلى أضعاف لا يحاط بها لكن أقل تقدير بالوعد الصادق مائة ألف حسنة بربع ساعة جزء من القرآن هذه هي المتاجرة الحقيقية التجار يربحون أموال طائلة وأرقام خيالية يعتبرونها لكنها مع ذلك عرضة لأن تجتاح وتكتسح في أي لحظة فلا أمان وأيضًا هي مزلة قدم قد لا يتخلص الإنسان منها إما في كسبها أو في إنفاقها فالمتاجرة الحقيقية مع الله جل وعلا وسلف الأمة وأئمتها وعلى رأسهم سيد الخلق زهدوا في الدنيا وتورَّعوا عما ليس من ملكهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وجد تمرة ملقاة فقال «لولا أخشى أنها من الصدقة لأكلتها» لأنها حرمت عليه الصدقة تمرة الآن كثير من الناس يتسمح بعظائم الأمور ويقول إن الله غفور رحيم سلك هذا المسلك أئمة الإسلام بدءًا من صحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى أن جاء من يكتب عن الزهد وهو أنه هو الخمول والكسل وهو تعطيل الحياة تكتب في الصحف مقالات تكتب في الصحف الآن تعطيل الحياة كيف يمدح فلان بأنه زاهد وهو جالس في مسجده أو في بيته يذكر الله ويعطل الحياة التي استعمرنا الله فيها؟ كيف؟ هذا لا يحقق الهدف من عمارة الأرض لكنه يحقق الهدف الأعظم الذي من أجله خلق وهو تحقيق العبودية لله جل وعلا والدنيا بحذافيرها لا تزن عند الله جناح بعوضة ويؤتى بأنعم الناس في الدنيا فيغمس في النار فيقال له هل رأيت خيرًا قط؟ فيقول لا ورب ما مر بي خير وبالمقابل يؤتى بأبأس الناس وأتعس الناس في الدنيا الذي عاش حياة الشقاء فيغمس في الجنة ثم يسأل هل مرك بك بؤس فيقول لا وربي هذه الحياة الحقيقية    ﭝﭞ العنكبوت: ٦٤  يعني هي الحياة فعلينا بالمتاجرة مع الله جل وعلا          فاطر: ٢٩  هؤلاء الذي جمعوا الأموال وأنفقوا الأوقات في جمعها من حطام الدنيا كثير منهم صارت وبالاً عليه صارت وبالاً عليه كثير منها أنفقها في العلاج له ولأسرته كثير من هؤلاء الأثرياء هم في الحقيقة حراس لهذا المال وهو الذي يصرفهم ولا يصرفونه فعلينا بالتجارة الحقيقية مع الله جل وعلا   ﯳﯴ القصص: ٧٧  لأن هذه المتاجرة مع الله جل وعلا وتحقيق الهدف الذي من أجله خلق الإنسان لا بد له من بلغة تعين على تحقيقه أما أن يعيش الإنسان عالة يتكفف الناس باسم الزهد أو باسم هذا لا هذا مذموم شرعًا فالتوازن مطلوب يعني تكتسب من هذه الدنيا وتعمل في هذه الدنيا ما يبلغك إلى مرضات الله جل وعلا والله المستعان يقول رحمه الله تعالى في الحديث الأول في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه ليؤكد أنه سمع هذا الخبر من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة وبدون واسطة يقول -عليه الصلاة والسلام- «إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن» الحلال الذي دل الدليل على حِلّه بيّن وواضح والحرام الذي لا اشتباه فيه ودل الدليل الصحيح الصريح على حرمته هذا بيّن لا يلتبس عند أهل العلم ولا عند من يريد الحق، عند مريد الحق لا يلتبس لكن الذي لا يريد الحق يريد كسب المال على أي وجه كان تجد الحرام البيّن يتأوّل ويرتكب ما يعينه على حصوله ولو من غير حلّه وسمعنا كثيرًا ممن يزاول الأعمال ويتأول الوجوه المحرمة للحصول على هذا المال ويتتبع الرخص والفتاوى المتساهلة التي تُسهل عليه أمر ارتكاب المحرم هذا نسأل الله العافية على ما سيأتي في حديث تعس عبد الدينار والدرهم الحلال الذي دل الدليل الصحيح الصريح على حله هذا لا لا يختلف فيه أحد من مريدي الحق الذين هم الأصل في أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- والحرام البيّن الذي دل الدليل الصحيح الصريح على حرمته هذا لا يلتبس فيه أحد لا يختلف فيه أحد فهو بيّن بين هذا الحلال البيّن وذلك الحرام البيّن أمور بينهما برزخ قال «وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس» نعم يعني لو كانت كل المسائل العلمية من الحلال والحرام كلها بيّنة لكان كل الناس علماء ولما استحق العلماء هذه المنازل التي أعدها الله لهم ورفعهم بها درجات في الدنيا والآخرة لكن وجود هذه الملتبسات وجود هذه المشتبهات وجود المُجْمَلات وجود ما يشكل على كثير من أهل العلم وطلاب العلم هذا هو الذي يميز العلماء ويبين مراتبهم في العلم والرسوخ فيه وجود هذه المشتبِهات قد يقول قائل لماذا ما تكون واضحة لماذا ما جاء الشرع بها مثل الحلال والحرام البيّن يوقع الناس في هذا الحرج؟ لا، هذا هو التكليف بعينه هذا هو المحك وهو محل الاختبار يعني هناك صور من المعاملات وصور من المواقف تعرّض الإنسان للفتنة العظيمة فتكون محكّ لاختباره في تدينه وفي إيمانه يعرض عليه مبلغ كبير جدًا لا يحلم به عشرات بل مئات الملايين من أجل مسألة مشتبهة ثم يتجاوز هذه المسألة فيُعرض عليه المحرم البيّن ثم يتجاوزه لأن هذه المشتبهات توقع في الحرام ولا محالة من وقع في الشبهات أو هذه المشتبهات وقع في الحرام ولذا من فقه السلف ترك تسعة أعشار الحلال خشية الوقوع في الحرام لأن الإنسان إذا عوّد نفسه ومرن نفسه على تلبية جميع رغباتها من الحلال قد تطلب شيئًا لا يتمكن من الحصول عليه إلا بارتكاب شيء من الشبهات ثم إذا وقع في الشبهات طلبت شيئًا فوقه بدرجة فسعى لتحقيقه والحصول عليه ثم ابتلي بما هو فوقه بدرجة إلى أن يجد نفسه قد توَّرط في أكل الربا المجمع على تحريمه ثم يأتيه من يقول له إنما الربا في النسيئة يهوّن عليه من شأن ربا الفضل والزيادة ويأتي بالحصر وهي كلمة حق أريد بها باطل نعم جاء «إنما الربا في النسيئة» يعني المراد به أعظمه أعظم الربا في النسيئة وأغلب الربا في النسيئة لأن ربا النسيئة مستلزم لربا الفضل وربا الفضل متضمن لربا النسيئة لا يمكن أن يأتي شخص بعشرة وقل الآن يدًا بيد ما فيه نسيئة أعطني أحد عشر أو أعطيك تسعة وتعطينه عشرة يمكن أن يتصور هذا يدا بيد؟ لا، من لازم ربا الفضل ربا النسيئة ولا ينفك هذا عن هذا إلا في صور المقصود أن مثل هذا الخبر الذي فيه هذا الحصر يستدل به من يهوّن من شأن الربا والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أرسل بلالاً بالتمر بتمر الجمع وباعه بالجَنيب الجيّد الصاع بالصاعين قال «هذا عين الربا» طيب ما فيه نسيئة يدًا بيد «أوّه هذا عين الربا» هذا ربا الفضل وهو مجمع على تحريم بين أهل العلم لم يقل أحد بجوازه وإنما الحصر لأن الغالب في الربا النسيئة فيأتي من يستدل بمثل هذا الحديث ويقول سهل تأخذ ألف وتدفع ألف ومائة دراهم بدراهم هذا ربا في النسيئة لكن هل يمكن أن يحصل على هذا المبلغ بذاك المبلغ دون نسيئة؟ ما يمكن، «وبينهما مشتبهات» يعني أمور ومسائل ملتبسة لا تدري هل تلحقها بالقسم الأول الحلال البيّن أو الحرام البيّن فهي بينهما والإشكال يقع فيما بين الطرفين الإشكال يقع فيما بين الطرفين مع التردد في إلحاقه بالأول أو الثاني يعني من باب التنظير الكلام الطويل الشائك في مصطلح الحديث في تعريف الحسن وفي حد الحديث الحسن حتى قال جمع من أهل العلم إنه لا مطمع في تمييزه لماذا؟ لأنه متردد بين الصحيح والضعيف وكل ما كان بهذه المثابة وهذه المنزلة من التردد بين أمرين في غاية الوضوح يقع هنا الاشتباه هذه المشتبِهات قد يكون سبب الاشتباه عدم وضوح أو عدم.. أو الخلاف في ثبوت الدليل الخلاف في ثبوت الدليل أو الاشتباه في دلالة هذا الدليل على المراد هذا يوقع في اشتباه الدليل من وجوه الاشتباه التباس هذا الأمر بالمحرّم لا تدري هل هذا يلحَق به أو لا يلحق فأسباب الالتباس كثيرة جدًا ومن وجوه الاشتباه اختلاف العلماء في بعض القضايا من غير ترجيح واضح يقع لبس ويقع اشتباه وبعض الناس عنده من التحري ما يردعه عن ارتكاب مثل هذا وبعضهم عند من اتباع الهوى ما يجعله يرجح هذا الذي لا نجد دليل يدل على حِلِّه ولا يدل على حرمته إما أن نجد أدلة متعارضة بعضها يفهم منه الحل وبعضها يفهم منه الحرمة أو يكون متردد بين أصلين بين مباح ومحظور فيما يعرف بقياس الشبه هذا أيضًا يورث اشتباه لكن أهل العلم لا يتوقفون في مثل هذا باعتبار أن كل شخص له طريقته في الإلحاق فيلحقه بأقربهما شبهًا الأمر الذي لا نجد ما يدل عليه لا على حله ولا حرمته وفي هذا أهل العلم كل على أصله كل على أصله فمنهم من يقول الحلال ما دل الدليل على حله ومنهم من يقول الحرام ما دل الدليل على حرمته يعني الحنفية عندهم الحلال ما دل الدليل على حله وعند الشافعية الحرام ما دل الدليل على حرمته فيه فرق بين القولين والا ما فيه؟ فيه فرق فعلى القول الأول الحرام ما دل الدليل على حرمته أن الأصل في الأشياء الحل حتى يأتي دليل يمنع وعلى القول الثاني الحلال ما دل الدليل على حله يكون الأصل في الأشياء الحرمة حتى يدل الدليل على حلها لو خرجتَ إلى البر في نزهة فوجدت نباتًا أعجبك لونه ورائحته وطعمه لكن ما تدري ما عندك دليل هل هو حلال والا حرام تأكل والا ما تأكل أعجبك تأكل والا ما تأكل؟

طالب: ................

نعم، إن كنت شافعيًا تأكل حتى تجد دليلاً يمنع وإن كنت حنفيًا لا تأكل حتى تجد دليلاً يبيح وإن كنتم تذكرون لما شرحنا تذكرة ابن الملَقِّن في أصول الحديث التذكرة المختصرة هنا تعرضنا لهذه المسألة وقال مَثَّل المؤلف لهذه المسألة بالحشيشة والمحقق أطال في تقرير المسألة وقال الحشيشة حرام بالإجماع وهي مسكرة وذكر قول شيخ الإسلام وقول غيره وهو لا يريد الحشيشة المسكرة يريد الحشيش الذي ينبت في الصحراء تأكل منه أو لا تأكل؟ كل على مذهبه وذكرنا من الأمثلة إن كنتم تذكرون هذا ما يباع عند العطارين دويبّة تشبه الوزغ الصقنقور نعم يسمونه صقنقور بعض الناس يأكلها بدون تردد وبعض الناس لا يأكلها لأنه لا يوجد دليل يدل على حلها وهم وهي تباع على أساس أنها نوع من العلاج يعالج بها بعض الأمراض ولا يوجد دليل يمنع من من أكلها وإن استعمل فيها قياس الشبه فهي مشبهة للوزغ من وجه ومشبهة للضب من وجه آخر ونعود فنقرر أن كل على أصله ومذهب فالذي يقول الأصل في الأشياء الحل يأكل والذي يقول الأصل في الأشياء الحرمة يمتنع هذا يورث اشتباه يورث اشتباه أنه مع أنك جارٍ على هذا الأصل وهو أن الأصل الحل ينبغي أن تتقي مثل هذه الأمور فلا تقدم عليها إلا ببينة لأنك قد تجد شيئا تظنه من هذا النوع من الأعيان المنتفع بها ثم في النهاية تجدها ضارة فتمنع للضرر وعلى هذا تحتاط لدينك ولنفسك ولا ينبت شيء من جسدك على ما فيه شبهة ومعلوم أن حال أهل التحري والورع تختلف عن حال أهل التساهل تختلف عن حال أهل التساهل يعني لو أن إنسانًا في الصحراء وجد ثعلبًا ولم يجد ما يطبخه مع طعامه من اللحم إلا هذا الثعلب ما وجد من بهيمة الأنعام شيء يباع ولا من الطيور ولا مما يصاد ما وجد شيء ما وجد إلا ثعلب هل يقول إن الثعلب مكروه عند بعض أهل العلم والمكروه لا إثم فيه أو يقول والله حرام عند أكثر أهل العلم ولا يأكل منه هذا يرجع إلى ورع الشخص وينبغي لكل مسلم وبالأخص طلاب العلم أن يتصفوا ويتحلوا بالورع إذا وجدت طعامًا يباع في الأسواق مما يشترط فيه التذكية بشروطها إن كنت في أسواق المسلمين فما يباع في أسواق المسلمين حلال إلا إذا عرف محل بعينه أنه يتساهل في بعض الأمور هنا يتوقف وإلا فالأصل أن ما يتداوله المسلمون بينهم بغير نكير هذا حلال وإذا كان البلد مختلِطًا ممن تصح تذكيته ومن لا تصح تذكيته فالورع الاجتناب هناك ورع يذكره أهل العلم ويصفونه بالوسواس ورع الموسوسين يباع في الأسواق أطعمة فلا يأكل من هذا القمح لماذا؟ لاحتمال أن يكون داسه بعض الحيوانات ولا يسلم من بولها مثلاً أو أنه زُرع في مزرعة وقف غلته لأيتام مثلاً ويتصرف فيه الوصي أو الناظر على الوقف بشيء يختلف عن مقتضى ما وقف من أجله فيقول فيه شبهة هذا ورع الموسوسين هذا النوع من الورع يصفه أهل العلم بالوسوسة والناس منازل ومراتب في صحيح البخاري عن حسان بن أبي سنان يقول ما رأيت شيئًا أهون من الورع ما رأيت شيئًا أهون من الورع هل الورع سهل؟ يعني قد يكون الإنسان في سعة أو يكون هذه المادة الت يتورع عنها رغبته فيها أقل لكن إذا حصل النزاع والصراع في نفسه وجد شيئًا لا يمكن أن يملك نفسه ويصبر عنه هنا يأتي الورع يقول ما رأيت شيئًا أهون من الورع «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وحسان بن أبي سنان يتحدث من مقامه في هذا الباب مقامه رفيع حتى سفيان يقول سبحان الله ما رأيت شيئًا أهون من الورع هذا الذي قطع أعناقنا وحسان بن أبي سنان يقول ما رأيت شيئًا أهون من الورع نعم الناس منازل تجد الإنسان ربى نفسه على منهج معين لا يمكن أن يحيد عنه وتجد بعض الناس نفسه تنازعه في كثير من الأمور حتى توقعه في الحرام بعض الناس ما يملك نفسه وهذا فيما يرجع إلى الديانات وفيما يرجع إلى مصالح العباد الدنيوية وإن لم يكن فيه شيء محرم إلا من باب تحريم ما يضر تجد الإنسان يُمنع من هذا الطعام بعض الناس حازم لا يمكن أن يأكل منه ولا يسير قيل له التمر يضرك ما يمكن أن يتناول ولا رطبة واحدة وبعض الناس العكس إذا منع من هذا النوع تجده تشرئب نفسه إليه وبدلاً من من أن كان يأكل قبل قبل أن يُمنع  يأكل سبع.. فيبي يأكل سبعين صحيح هذا موجود وشاهدنا بعض المرضى بالسكري نسأل الله العافية يرسل الأطفال إلى المستودع يأتونه ببعض المربيات والأشياء الحلوة التي تضره خُفية عن أولاده الكبار وعن زوجته يرسل طفل سبحان الله كل ممنوع مرغوب لكن هنا يتحقق الورع إذا منعت من الشيء أو وجدت فيه أدنى شبهة كف يدك عنه والله المستعان «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» يعني حصلت له البراءة هو طلب البراءة السين والتاء للطلب استبرأ يعني طلب البراءة فحصلت له إذا اتقى وترك حصلت له البراءة في دينه سلم له دينه وعرضه لا يتكلم الناس في عرضه بخلاف من لا يتورع عن بعض الأمور فإنك تجد.. تجده فاكهة الناس في المجالس والله المستعان «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» يعني لا محالة لأن هذه الأمور يجر بعضها بعضًا ولذا جاء المنع من الوسائل المفضية إلى الحرام وجاء سد الذرائع لأنه لا يمكن أن ترتكب الوسائل إلى أن تقف على شفير المحرم تقول والله أنا أملك نفسي هذا لا يمكن أن يحصل لأن النفس التي هانت عليها المقدمات سوف تهون عليها لا محالة الغاية ولذا جاء الشرع بسد الذرائع الموصلة والمفضية إلى المحرم وجاء أيضًا حماية جناب التوحيد والاحتياط له وأيضًا سد الأبواب وقف الأبواب المفضية إلى الشرك وكذلك البدع والمحرمات «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» وقع من باب الاستدراج أنه يستدرج إلى أن يقع في الحرام يعني لا يكون مجرد وقوعه في الشبهات وقوع في الحرام وإلا لكان من النوع الثاني لكانت الشبهات من النوع الثاني الذي هو الحرام لكنها برزخ بين هذا وهذا فمن لزم طرفها الأول استبرأ لدينه وعرضه ومن استمر إلى طرفها الأخير لا بد أن يهوي في هوة المحرم «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى كالراعي يرعى حول الحمى» الآن هذا حمى أرض محمية لملك من ملوك الدنيا من الجبابرة هل تستطيع أن تجعل ماشيتك ترعى حوله وقد عُرف بأنه جبار يستولي على هذه الأموال ويضرب الرعاة وقد يستدعي صاحب الأموال ويسيء إليه هل تستطيع أن ترعى حول حماه؟ ما يمكن «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» لأن الإنسان إذا استدرج واستعمل الوسائل في النهاية إذا لم يبق بينه وبين المحرم إلا قشر رقيق أشبه هذه الماشية تغطى عقله تمامًا إلى أن يقع في الهوة لأنه ما بين أنت الآن لما لما تشوف الواسطة بين الحلال والحرام درجات واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة تسعة وتسعين مائة مائة وواحد هذا الحرام ما الفرق بين مائة ومائة واحد غشاء رقيق ما يمكن أن تقف دونه لا يمكن أن تقف دونه وكذلك هذه الماشية غطى عليها ما تراه من العشب الكثير الوفير في هذه الأرض المحمية فتجدها تنزج والذي يرعى حول الحمى من في المشتبهات هنا تجده تجاوز في أول الأمر بينه وبين الحرام مائة درجة ثم لا يزال يتساهل يتساهل إلى أن يصل إلى تسعة وتسعين مائة ما يبقى إلا أن يقع في الهوة بينهما غشاء رقيق لا يجد ما يردعه من الوقوع في الحرام لأن هذا الغشاء الرقيق لا يقوى على منعه وردعه وهذا هو وجه التنظير بين ارتكاب المشتبهات ووقع من ارتكبها لا محالة في الحرام نعم قد يرعوي قبل يمشي عشر درجات يرجع عشرين درجة يرجع ثلاثين خمسين لكن إذا استمر إذا استمر واستمرأ في هذه الشبهات ونعرف أن الوسائل كل ما قربت من الغايات قرب حكمها من حكمها وكل ما بعدت من الغايات اختلف الحكم يعني فرق بين من يخطو خطوة إلى المحرم وبين من يخطو ألف خطوة إن لم يتدارك بتوبة نصوح وبعناية إلهية يقع في الحرام «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى» يعني من ملوك الدنيا وهذا إخبار عن الواقع إخبار عن الواقع لا يعني أنه مباح لكل ملك أن يحمي حمى لإبله وغنمه وبقره ماشيته الخاصة إنما واحد من الناس هو في هذا الباب لكن إذا كانت الإبل أو البقر أو الغنم الماشية إذا كانت لبيت المال إبل الصدقة مثلاً النبي -عليه الصلاة والسلام- حمى إبل الصدقة أبو بكر حمى عمر حمى إبل الصدقة نظرًا في المصلحة العامة للأمة لا لمصلحته الخاصة فقوله «ألا وإن لكل ملك حمى» هذا ليس على سبيل الجواز والتقرير وإنما هو لبيان الواقع «ألا وإن حمى الله محارمه» ﮑﮒ البقرة: ١٨٧  هذه ما تقرب المحارم لا تقرب، والواجبات لا تُتعدى «ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة» يعني التنظير واستعمال الأقيسة والأشباه والنظائر المقربة للأمور المعنوية بالمحسوسات جاءت بها السنة فمن هذا النوع كثير والتنظير هنا مطابق ثم قال «ألا» وهذه أداة تنبيه «ألا وإن في الجسد مضغة» يعني بقدر ما يمضغه الإنسان من الطعام «ألا وإن في الجسد مضغة» بقدر ما يمضغ من الطعام «إذا صلحت صلح الجسد كله» إذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله «وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» القلب هو الملك الذي لا يعصى بالنسبة لجميع الجوارح فكونه ملك الجوارح وكون هذه الجوارح لا تستطيع أن تخالف توجيهه وأمره صارت تبعًا له في الصلاح والفساد يعني كما هو مشاهد وإن كان التنظير غير مطابق فيما يقال الناس على دين ملوكهم إذا صلح الوالي صلحت الرعية هذا تنظير لكن فيه نوع من اختلاف لأنه قد يصلح الوالي يعني عصر عمر بن عبد العزيز ما فيه ولا فاسق ما فيه ولا مبتدع فيه لكن الغالب الصلاح بينما هنا إذا أمر القلب العين أو الجفن أن يغمض على العين يمكن أن يتردد؟ يمكن؟ ما يمكن إذا أمر القلب اليد أن تنبسط ما يمكن أو تنقبض أو الرجل أن تمشي ما يمكن ولذلك هي تبع له في صلاحه وفساده فإن كان هذا القلب صالحًا فالجسد كله صالح وإن كان القلب فاسدًا كان الجسد كله تبعًا له فاسدًا «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» هذا القلب هذه المضغة التي في قفص صدر الإنسان عليها المعول في الصلاح والفساد وتتجه إليها النصوص جميع النصوص تخاطب القلب كل النصوص تخاطب القلب والتكليف مناطه العقل «رفع القلم عن ثلاثة» وفيهم «والمجنون حتى يفيق» المجنون الذي لا عقل له فالتكليف مناطه العقل وخطابات الشرع كلها تتجه إلى القلب مما يجعل جمعًا من أهل العلم يقولون إن العقل محله القلب العقل محله القلب لئلا يحصل ما يعبَّر عنه بالازدواجية بالانفكاك كيف يكون التكليف مربوط بالعقل والنصوص تخاطب القلب؟ الحج: ٤٦  فجعل القلوب هي التي تعقل فجمع من أهل العلم يرون أن العقل مقره القلب الأطباء قاطبة يقولون لا ارتباط بين القلب والعقل القلب العقل محله الدماغ والقلب الذي في قفص الصدر هذا ما له ارتباط لأنه قد يكون مجنون جنونًا مطبقًا وإذا فحص قلبه وجد مائة بالمائة سليم ما فيه ارتباط وقد يكون من أعقل الناس ويحتاج إلى عدد من العمليات من تغيير وتسيير وتسييخ يحتاج قلبه إلى عمليات كثيرة وتجده من أعقل الناس وأذكاهم هذا يستدل به الأطباء على أن القلب شيء والعقل شيء آخر لكن لا يمكن أن نُهدر ما جاء في النصوص تبعًا لما قاله الأطباء ولذا يُذكر عن الإمام أحمد أن القلب محله أن العقل محله القلب وله اتصال بالدماغ وله اتصال بالدماغ بمعنى أنه يكون مثل الكهرباء فيه سالب وفيه موجب لا يمكن أن يشتغل بهذا ولا يمكن أن يشتغل بهذا فقط لكن الأطباء يقولون الآن أننا نستطيع أن نأخذ هذه المضغة ونركب بدلها أخرى ولا يتغير من حال الإنسان شيء على كل حال لا يمكن أن نهدر ما جاء عن الله جل وعلا وصح في سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لقول أحد كائنًا من كان سواء عقلنا وفقهنا ما وراء هذه النصوص أو لا نستطيع ما علينا إلا أن نرضى ونُسلم والطب يكتشف باستمرار ما يؤيد الشرع وما يؤيد النصوص والأطباء الذين لهم عناية وتخصصاتهم في القلب يذكرون ما يبهر العقول مما يوافق النصوص والله المستعان وعلى كل حال هذه المسألة أعني مسألة ما بين العقل والقلب من ارتباط واتفاق واختلاف هذه ما يترتب عليها حكم شرعي لكن مع ذلك هذا لدفع ما يقوله الأطباء وللإجابة عنهم يتكلم في هذا وإلا فالشارح الصنعاني يقول وأما كونه محل محل العقل أو محله الدماغ فليس من مسائل علم الآثار حتى نشتغل بذكرها وذكر الخلاف فيها إنما يشتغل بذكرها وذكر الخلاف فيها لدفع ودرء ما يظن من التعارض والتناقض بين ما جاء في النصوص وبين ما يشهد به الواقع في الحديث الثاني يقول رحمه الله تعالى وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة» «تعس عبد الدينار» في أحد اسمه عبد الدينار أو عبد الدرهم أو عبد القطيفة أو عبد الخميلة؟ ما فيه، العبودية هنا كون الشخص يؤثرها على ما جاء عن الله وعن رسوله ويضيع أوامر الله وأوامر الرسول -عليه الصلاة والسلام- في سبيلها وإذا حصلت المشاحة في الوقت والشح فيه قدم هذه العروض على ما جاء عن الله وعن رسوله باطراد تجده إذا حصل شح في الوقت ولم يستطع التوفيق بين هذا وهذا تجده يقدم ما يتعلق بالدينار والدرهم والخميصة والقطيفة والخميلة على ما جاء عن الله وعن رسوله يعني في الحب الجبلي الإنسان لا يؤاخذ على الحب الجبلي لكن على الحب الاختياري الذي مقتضاه عند المعارضة تقديم مراد الله جل وعلا على مراد نفسه ومن يحب هنا المحك «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» أحب إليه مما سواهما قد يقول قائل إن الإنسان يحب ولده ويحب أمه ويحب بنته ويقدمها على كثير من العبادات التي جاء الأمر الشرعي بها، المحبة الجبلية أنه قد قد يموت ولده فيتقطع أسى وحسرة تفوته صلاة لا يحرك فيه ساكن لكن عند المعارضة وعند ضيق الوقت ماذا يقدم هل يقدم رضى الله جل وعلى أو يقدم ما يتعلق أو ما تمليه عليه هذه المحبة الجبلية من محبة المال والولد؟ الصلاة في أول وقتها أفضل لكن تعارضت الصلاة في أول وقتها مع مصلحة دنيوية الأمر فيه سعة تعارضت صلاة الجماعة مع مصلحته أو مصلحة ولده صلاة الجماعة واجبة فلا بد من تقديمها نأتي إلى آخر مرحلة الصلاة بقي على وقتها خمس دقائق ويخرج وتعارضت الصلاة في هذا الوقت مع مصلحة ولده ماذا يقدم؟ لا بد أن يقدم الصلاة انتبه واستيقظ من النوم والولد معه عنده امتحان في الثانوي أو في الجماعة وبقي من وقت صلاة الصبح خمس دقائق أو عشر دقائق إن صلوا فات الامتحان وإن أخروا الصلاة وقل هذا في الطالب نفسه الطالب نفسه بقي عليه خمس دقائق على الوقت وإذا صلى يفوته الامتحان وإذا ما صلى يدرك الامتحان ماذا يقدم؟ يقدم الصلاة بلا شك ما فيه مساومة ولا مفاوضة على هذا ما فيه مساومة على هذا لكن إن قدم أمور دنياه على مراد الله جل وعلا دخل في الحديث «تعس عبد الدينار والدرهم» تعس يعني هلك دعاء عليه بصيغة الخبر وهو أقوى من الدعاء بصيغته إخبار عنه بأن هذا الأمر لزمه ووقع عليه وحق به وحاق به أما إذا كان يدعو والداعي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- مجاب الدعوة لكن في الجملة كونه يخبَر عنه بأنه وقع في هذا الأمر غير كونه يدعى عليه به يعني لما يقال لك فلان زيد من الناس انكسرت رجله هل هو مثل قولك اللهم اكسر رجله؟ فرق هذا خبر عنه بأن هذا الأمر وقع عليه والدعاء يجاب أو لا يجاب لكن هنا دعوة نبوية «تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش» لا يستطيع إذا دخلت الشوكة في يده أو في أي جزء ما يستطيع إخراجها مع أن منها شيء بارز يمكن أن يخرجها أي إنسان لكن بسبب الدعوة النبوية وقد شاهدته بنفسي من هذا النوع الذي قلبه معلق بتجارته أنه يطلب من يخرج هذه الشوكة من يده مع أنه من حذاق الناس في أمور الدنيا لكن تصيبه الدعوة النبوية «تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش» نعم هذا الذي آثر الدينار والدرهم على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- وجعل تفكيره كله فيها يدخل في الصلاة ويخرج بلا شيء بلا أجر لم يعقل منها شيء هؤلاء تصيبهم الدعوة النبوية يعني يتصور أن مجموعة صالة يمكن كبر هذا المسجد تمتلئ بالمصلين ويؤمهم في صلاة الظهر ويجهر بالقراءة ويؤمنون هؤلاء عقلوا من صلاتهم شيء شخص ساجد ويرفع أصبعه ثم فجأة يقول آمين هذا يعقل من صلاته شيء؟ هذا قلبه في دنياه ذا نسأل الله العافية هذه عبادة الدينار وعبادة الدرهم أما كون الإنسان يحب هذه الأمور لا لذاتها وإنما لما تيسر له من السير إلى الله جل وعلا هذا مطلوب لأنه لا يحب الدنيا لذاتها ولا يحب الدينار لذاته يستعمل هذه الأمور ويحرص عليها مثل ما يحرص على دورات المياه تقضي حاجته فقط أما إذا دخلت حب إذا دخل حب الدنيا شغاف القلب وأغلق عليه فيها وأحكم غلقه هذه مشكلة والله المستعان تعس عبد الدينار الدينار من الذهب والدرهم كما هو معلوم من الفضة والقطيفة الثوب الذي له خمل يعني له شيء جهة ناعمة منه كما هو موجود «تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميلة تعس وانتكس» دعاء عليه بأن ينتكس وإذا دعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بانتكاس فما الذي يقوّمه بعد هذا الانتكاس إلا بعناية إلهية تنشأ عن توبة نصوح «إن أعطي رضي» يعني رضاه وغضبه وولاؤه ومعاداته كلها من أجل الدنيا            ﮜﮝ الحج: ١١  هذا النوع نسأل الله السلامة والعافية مثل الذي يبايع الخليفة للدنيا إن أعطاه رضي عنه وإن لم يعطه نقض البيعة نسأل الله العافية هذا الذي يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه فولاؤه وبراؤه ومحبته وبغضه كله من أجل الدنيا «إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط» لأن هذه هي الغاية وهذا هو الهدف الذي جعله نصب عينيه إن تحقق رضي إن لم يتحقق لم يرض سخط قد يقول قائل أن هذا شيء قديم وموروث في عهد الصحابة يقول ابن عباس ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا يعني هذه من الأساليب ومن العبارات التي تطلق بناء على شيوع هذا الأمر وكثرته وإلا فالخير موجود للتنفير من هذا الفعل ابن عباس في عصر الصحابة مات سنة ثمانية وستين وبقي جمع غفير من الصحابة يعني عامة الناس غالب الناس أكثر الناس على هذا مع أنه يوجد من يوالي ويعادي ويحب ويبغض في الله جل وعلا إلى يومنا هذا لكن يحذر الإنسان أن يكون مدار رضاه وبغضه ومحبته وولاؤه وبراؤه من أجل الدنيا الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان والله المستعان في الحديث الثالث يقول وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبِيْ أو بمنكبَيَّ بالإفراد والتثنية والمنكب هو مجمع الكتب مع العضد أخذ بمنكبِيْ يعني وضع -عليه الصلاة والسلام- يده الشريفة الطاهرة على منكب ابن عمر أو وضع اليدين على منكبيه لينتبه لما يقال له فقال «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» ابن عمر ويقال له مثل هذا الكلام وش النتيجة؟ ابن عمر ليس كآحاد الناس في سرعة الامتثال وقوة الاقتداء والائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- «كن في الدنيا كأنك غريب» يعني في بلد غير بلدك تجد هذا الغريب لا يتوسع في أمور دنياه لا يشتري ما يثقله حمله إذا أراد الانتقال ولا يتملك وقد لا يتزوج في هذا البلد لأنه غريب سوف ينتقل منه أو عابر سبيل كأنك مررت بشجرة فاستظللت بظلها طيب أين هذا ممن يخطط للعمل بعد التقاعد في السنة الأولى من الوظيفة هذا غريب والا عابر سبيل؟ يخطط وش العمل إذا تقاعد «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح يعني الغريب قد يخطط أنه يجلس يومين ثلاثة عشرة شهر لكن قوة الامتثال وقوة الاقتداء قوة الامتثال للتوجيه النبوي إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء هذا من كلام ابن عمر ابن عمر لما سمع قول النبي -عليه الصلاة والسلام- «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل» بعد هذه الكلمة مباشرة إلى أن مات كان لا ينام من الليل إلا قليلاً وبعض الناس يسمع وكأنه لا يسمع يسمع الكلام يدخل من أذن ويخرج من أخرى لكنه ابن عمر الصحابي المتحري المقتدي المؤتسي نعم قد لا يوافَق على بعض اجتهاداته التي حمله عليها قوة الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- حتى كان رضي الله عنه وأرضاه فيما ذكر ابن عبد البر وغيره أنه يكفكف دابته لتقع مواطؤها على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقصد أماكن جلس فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو أقام فيها أو بات فيها نعم كثير منها لا يوافق عليه لأنه لم يفعله من هو أفضل منه وكان يدخل الماء في عينيه حتى كف بصره يعني من شدة التحري يقول له النبي -عليه الصلاة والسلام- «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» نعم صاحب تحري وصاحب اقتداء وصاحب ائتساء لكن في مثل هذا المجال وفي مثل حال ابن عمر ونحن نقول ونكرر أن النصوص علاج لأدواء الأفراد والمجتمعات يعني لو رأيت شخصًا مشمر لا علقة له بالدنيا وبيته المسجد ويقتصر على الشيء اليسير الذي يبلغه وقته كله عبادة مثل هذا تقول له «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»؟ أو تأتي لشخص مفرّط مضيّع تقول له مثل هذا الكلام إذًا ابن عمر كيف قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني كان هذا في أول الأمر قبل يتبين اتجاه ابن عمر إلى.. وقد يكون اتجاهه بسبب هذه النصوص إلى هذا النوع التحري والتثبت في صحيح مسلم أن شخصًا جاء من العراق إلى المدينة ليسأل في الموسم في مكة ليسأل فدُل على ابن عباس فقال ذاك رجل مالت به الدنيا ومال بها ابن عباس فقيه إمام من أئمة.. حبر الأمة وترجمان القرآن لكن ابن عمر الزاهد وقلوب عامة الناس ميلها وعاطفتها تتجه إلى أصحاب العبادة والزهد أكثر من غيرهم ابن عباس يضع الأمور مواضعها فقيه مفسر يعني بسبب الدعوة النبوية «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» حصل له ما حصل لكن أنت لما تجد شخص وعندك مسألة وليس عندك ما تميز به بين من تستفتي ووجدت شخص على سيارة بنصف مليون قالوا هذا الإمام الجليل فلان ووجدت شخص عابد زاهد يصلي في المسجد وعنده علم ما هو من فراغ ما تقول أن هذا أولى بالتحري وهذا الذي يدلنا على الخير إن شاء الله هذا وضع عامة الناس يتعاطفون مع هذا النوع أكثر من النوع الأول ولذلك لما دُل على ابن عباس قال هذا رجل مالت به الدنيا ومال بها يعني يتوسع في الطيبات ويتوسع في المباحات ولكن مع ذلك ما يرتكب محرمات ولا شبهة وليس بمعصوم لكن ابن عمر لا سادٍّ الباب ما فيه شيء اسمه توسع فقلوب وعواطف العامة تتجه إليه أكثر من ذلك ولذلك اتجه كثير من الناس في عهد معاوية إلى أبي ذر لزهده وورعه واجتمعوا عليه لما جاء من الشام إلى المدينة لأن هذا النوع من الناس الذي صاحب تحري وزهد وورع وانجماع وعدم توسع يرون أن هذا هو الذي يشفي غليلهم لكن لو كان عنده من العلم ما يزن به ويفرق به بين من يستفتي لم ينظر إلى المظاهر نعم المظاهر تدل على المخابر لكن يبقى أن من أهل العلم من له منهج في الحياة يختلف عن غيره ابن عمر زاد على ذلك وقال إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ما هي مسألة غريب يبي يقعد أسبوع والا شهر وبيمشي لا، إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وهل معنى هذا أنك تجهز الكفن والحَنوط وتجعل عند رأسك قبل الصباح تجهز؟ لا، إنما مفاده أن أن أن تعمل عمل من لا ينتظر الصباح تبادر ما بقي من مدتك فيما يقربك إلى الله جل وعلا كأنك تقبض قبل الصباح وتبادر في النهار وتستغل الأوقات فيما يقربك إلى الله جل وعلا كأنك تقبض قبل المساء ليس معناه لا تنتظر خلاص انتهي تنتهي حياتك ما هو بصحيح ولذا جاء الحث على قصر الأمر قِصَر الأمل لأن طول الأمل يبعث على التراخي وعدم المبادرة بالاستعداد للموت وما بعده يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان حب الدنيا وطول الأمر لا شك أن طول الأمل يسبب في التراخي في الا ستعداد وعدم المبادرة إلى فعل ما يقرب إلى الله جل وعلا وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك خذ من صحتك لسقمك يعني اعمل في الصحة أكثر من الأعمال الصالحة استغل الصحة لأنه لا بد أن يأتي وقت يصيبك ما يعوقك عن العمل الذي كنت تعمله في الصحة وحينئذٍ يكتب لك ما كنت تعمله صحيحًا مقيمًا لكن إذا كنت لا تعمل صحيح ما عندك أعمال تستحق ما عندك عمل يعني إذا كانت نسبة عملك عشرة بالمائة ومرضت اضربها في اثنين صحة وسقم اضرب عشرة في المائة تنجح والا ما تنجح؟ عشرين بالمائة لكن إذا كانت نسبة العمل في الصحة تستغرق من الوقت ومن الجهد نسبة أكبر من ذلك فأبشر وأمِّل إذا مرضت يكتب لك مثله ومن الأمثلة المطابقة كانت الدرجات تقسم على قسمين درجات الامتحان تحريري وشفوي اختبر طالب تحريري وبقي الشفهي جاء للأستاذ وقال أنا أتلعثم في الشفوي اضرب لي التحريري في اثنين وخلاص لأن هذا نصف الدرجة ونصف الدرجة ويكفيني لأن بعضهم يعمل مثل هذا من الأساتذة قال ليس من مصلحتك  اختبر شفوي قال لا لا لا أنا راضي اضرب لي التحريري في اثنين قال وإذا صرت آخذ صفر في التحريري أضرب لك في اثنين وش يصير؟ ما عمل في صحته شيء ليكتب له مثله في مرضه وهذا مثله اللي ما أخذ في التحريري شيء وش يُحط له كم يوضع له في الشفوي؟ مثله فخذ من صحتك لسقمك استعد في وقت الصحة لا بد أن يأتي يوم لا تستطيع أن تقوم من الليل مثل ما تقوم مثل ما كنت صحيح فإذا إذا لم تستطع أن تقوم كتب لك مثله ومثله المسافر إذا كان يعمل مقيم يكتب له مثل ما كان يعمله إذا سافر ومن حياتك لموتك إذا مت خلاص انقطع العمل فتزود لما بعد الموت في حال الحياة والدنيا مزرعة للآخرة الدنيا مزرعة فالذي يزرع يحصد لكن الذي لا يزرع كيف يحصد يوم القيامة؟ لا يحصد إلا الندامة نسأل الله العافية وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك أيضًا على الإنسان أن يستغل أوقات الفراغ أوقات الأمن لأنه ما يدري ما يفجأه غدًا أوقات رغد العيش مثلاً الآن الناس ولله الحمد ليسوا بحاجة إلى أن ينفقوا الأوقات كلها طلبًا للقمة العيش كان الناس يعوقهم عن العلم والعمل الانشغال بلقمة العيش وهذا موجود في كثير من الأقطار لا يستطيع أن يطلب العلم لأن وقته مستغرَق لطلب المعيشة وكان هذا موجود في هذه البلاد وغيرها لكن الآن فراغ ينبغي للعاقل أن يستغل هذا الفراغ لأنه لا يدري ما في المستقبل «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» فالذي يقضي على الفراغ بالنوم وبالقيل والقال والخلطة التي لا تنفع هذا يقضي على نفسه لأن قيمة الإنسان ما يعمله في حياته والأيام ظروف قيمتها ما يودَع فيها يعني لو نظرنا إلى الإنسان ما الإنسان؟ الإنسان لحم ودم وعظم هذا له قيمة والا ما له قيمة؟ هذا يشاركك في جميع الحيوانات تشاركه في اللحم والدم بل فيها ما هو أفضل منه في هذا الباب إنما قيمته تحقيق الهدف الذي من أجله خلق هذه قيمته حينما يوفى الجزاء الوافر يوم القيامة عمر الإنسان أيام ساعات أيام أسابيع شهور سنين ما فائدة أن يأتي السبت ثم الاثنين ثم إلى آخر الأسبوع ثم إلى آخر الشهر الشعراء: ٢٠٥  وش الفائدة لا فائدة في هذه السنين التي ما يزرع فيها شيء أرض جرداء تضربها الشمس والأمطار والهواء وليس فيها زراعة لا قيمة لها هو مزرعة معطلة لا تسقى ولا.. ليس فيها من يواليها ويقوم على شؤونها لا قيمة لها لا تنتج ومن زرع حصد فعلى الإنسان أن يهتم بعمره وقيمته ما يبذله في عمره.

عمر الفتى ذكره لا طول مدته 

 

وموته خزيه لا يومه الداني   .

يعني كون المنية تأتي بعد مائة سنة لكن إذا فتشت ما وجدت أعمال تذكر وآخر يعيش ثلاثين أربعين سنة ثم تأتيه المنية وقد عمل فيها أضعاف أضعاف ما عمله صاحب المائة عمر بن عبد العزيز الذي لا يمكن أن يجري ذكره على لسان أحد إلا ويقول رحمه الله ما كمّل الأربعين ما كمّل الأربعين جاء شخص لهشام بن عبد الملك فقال له إن أباك منحني أرضًا عبد الملك بن مروان ثم جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله فأخذها قال عجبًا لك الذي أعطاك الأرض ما قلت رحمه الله والذي أخذها تقول رحمه الله قال الناس كلها تقول هذا ما كمّل أربعين سنة النووي خمس وأربعين حافظ الحكمي ثلاث وثلاثين وغيره ابن عبد الهادي إمام من أئمة السنة ومن فقهاء الحنابلة الكبار تسع وثلاثين سنة عمره صاحب المحرر وكثير كثير في صفوف أهل العلم من تأتيه المنية قبل الأربعين بل قبل الثلاثين وورّث وخلّف ما يدعى له بسببه إلى يوم القيامة وكثير من عامة الناس ومن مَن يعيش المائة ومع ذلك كأنه دخل من باب وخرج من باب فضلاً عمن يعيش العمر الطويل ويورّث من المؤلفات ما يضره ولا ينفعه رؤوس المبتدعة الذين ألفوا في تأييد بدعهم هؤلاء نسأل الله السلامة والعافية عليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فليتخر الإنسان لنفسه العاقل عليه أن يتدبر أمره ويحاسب نفسه محاسبة دقيقة ويعدل من منهجه في حياته قال رحمه الله وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من تشبه بقوم فهو منهم من تشبه بقوم فهو منهم» الحديث جاء من طرق كثيرة جدًا من طرق كثيرة جدًا جمعها النجم الغَزِّي في كتاب أسماه حُسن التنبُّه إلى أحاديث التشبه لكنه لم يقتصر على الأحاديث وإنما ذكر ما يتعلق به من أحكام وصور كثيرة جدًا فيها التشبه مما يظهر ومما يخفى والكتاب كبير على كل حال الحديث بمفرداته لا تسلم من ضعف لكن ورد من طرق كثيرة جدًا يصل بها إلى درجة الصحيح لغيره «من تشبه بقوم فهو منهم» هذا يتشبه بالصالحين وهذا يتشبه بالفساق وهذا يتشبه بالكفار نسأل الله السلامة والعافية والموافقة في الظاهر تقود إلى الموافقة في الباطن الموافقة في الظاهر تقود إلى الموافقة في الباطن ولا بد من وجود نوع تشابه في الباطن يعني لو أن شخصًا اشترى سيارة لونها غير مألوف كل من رآها استنكر هذه السيارة كل من رآها استنكر واستغرب كيف تشترى هذه السيارة بهذا اللون؟! فرآها شخص وذهب وقال أبي مثل هذي السيارة طيب ما يكفيك أن الناس كلها تتندر بفلان قال أنا والله يعجبني هذا اللون تجد بين هذين الاثنين ارتباط في الباطن بينهما تشابه وتقارب في الباطن لأن هذا الاختيار دل على وجود هذا التشابه وأنت إذا تشبهت بالأخيار لا شك أن للأخيار منزلة في قلبك والا وش معنى تشبه بناس ما لهم منزلة في قلبك تشبهت بالفساق دل على خفة وزن هذه المعصية التي يرتكبونها في قلبك تشبهت بالكفار باليهود بالنصارى بغيرهم من طوائف الكفر لا شك أنك معجب بشيء مما عندهم ولا يمكن أن يحصل هذا من فراغ ثم بعد ذلك يعاقب الإنسان بموافقتهم لأنه هو في الأول تشبه بهم في الظاهر في اللباس مثلاً ثم بعد ذلك تجده ينجرّ إلى موافقتهم في غيره في الأفكار في بعض ما يزاولونه من طقوس ثم يستحسن ما عندهم ثم شيئًا فشيئًا إلى أن يصير منهم وإلا فالأصل أن بينك وبين من لا توافقه وحشة هذا الأصل وحاجز يمنعك من أن تفعل فعله لكن إذا فعلت فعله في الظاهر دل على أن هناك قرب في الباطن وأنه لا بد أن يكون في هذه الموافقة سبب داخلي قادك إلى الموافقة في الظاهر الذي يتشبه بالفساق يأتي بالقوارير المصنعة للخمر مثلاً يأتي بعلب فارغة ويملؤها ماء ويحكم غلقها ويشرب بهذه القوارير هذا مشابه لعمل هؤلاء الفُساق ويقرر أهل العلم أنه أن صنيعه حرام طيب الإناء طاهر والمشروب ماء نقول نعم أنت شابهتهم وهذا يوقع لبس وخلط بين الحلال والحرام وكل ما كان من هذا النوع فيه إيقاع في لبس وخلط بين حق وباطل يجب منعه، الألفاظ المحتمِلة للمعاني الصحيحة والمعاني الباطنة يجب اجتنابها، التصرفات التي يلتبس فيها على الرائي هل هي من نوع الحلال أو من نوع الحرام يجب منعها، يُعلم عن المحترف فلان ويزاول أعمال يروِّج ويروَّج له أنها بسبب خفة يده أو بسرعة تصرف بحيث يخطف بها الأبصار فيشبه عمل السحرة نعم التمرين له دور المران له دور في الخفة لكن إذا اشتبه عمله بعمل الساحر يجب منعه وجيء إلى هارون الرشيد برجل قالوا إن هذا الرجل عجب قال كيف؟ قال يغرس الإبرة في الأرض يلقيها على الأرض واقفة ويغرس الأخرى جبّها في فتحتها الصغيرة يرميها من بعد فتقع في فتحتها والثالثة في الثانية والرابعة إلى المائة هذه خفة يد قال أعطوه مائة درهم واجلدوه مائة جلدة هذه الخفة وهذه المهارة لماذا لا تستعمل فيما ينفع؟ ولذا يتوسع الناس في مثل هذه الأمور ويعلنون عن سحرة باسم المحترف فلان أو السرك فلان أو ما أدري إيش يمشي على دباب على ما يقولون طبلون الدباب على خيط رفيع مما تخاط به الثياب بين جبلين ويرجع بنفس السرعة على هذا الخيط هذه خفة ذي هذا هو السحر يعني إن لم يكن هذا هو السحر فلا سحر، لو وصلت الخفة لبعض الناس إلى قريب من هذه الأعمال يجب منعه لماذا؟ لأنه في يوم من الأيام سيأتي إلى عوام المسلمين ساحر يستعين بالشياطين ثم يقول والله خفة مثل مثل فلان اللي راح كل ما أوقع في لبس بين الحق والباطل يجب منعه «ومن تشبه بقوم فهو منهم» هذا تشبه بالسحرة فهو منهم كثير من الألبسة وافدة من بلاد الكفر وما يسمى بالموضات كثير منها والموديلات كثير منها يأتي من بلاد الكفر هذا هو التشبه بعينه لكن ماذا عن هذه الألبسة وهذه الموديلات إذا مضى عليها زمن طويل يعني ماذا عن لبس البنطلون مثلاً وهو لباس غير المسلمين مفروغ منه ما كان المسلمون يمشون بمثل هذه الألبسة ماذا عن لبسه في بلاد المشرق والمغرب في مصر والشام والهند والسند هل يقال إنه تشبه الآن هل يقال تشبه؟ الذي يلبس هذا اللباس ما يقول لأنه والله اليهود والنصارى والإنجليز والأمريكان يلبسونه هو رأى أباه ورأى عمه ورأى خاله كلهم يلبسون هذا وتوارثوا هذا اللباس واللباس فيما يقرر أهل العلم عرفي لكن لو لبسه في لباس تلبس الثياب مثلاً قلنا يرجع إلى أصله هذا تشبه والعرف على خلافه المقصود أن التشبه نسبي أول ما يحصل هذا لا إشكال في أنه تشبه وأنه محرم لكن إذا استمر الناس عليه ونسوا قضية أنه وافد من الكفار وأنه لباس للمسلمين وتعارفوا عليه وتواطئوا عليه ما لم يكن فيه محرم من جهة أخرى بنص آخر والا مسألة التشبه تنتهي بانتهاء الجيل الذي تشبه فإذا جاء الجيل الذي بعده والذي يليه والذي يليه خلاص صار من لباس البلد «من تشبه بقوم فهو منهم» يعني من تشبه باليهود والنصارى هل يكون يهودي ونصراني والا نقول هذا من نصوص الوعيد التي تمر كما جاءت؟ يرجع إلى نوع التشبه إذا كان مشابهته لليهود والنصارى في أمر مؤثر في أصل الدين قلنا خلاص انتهى هذا منهم من اليهود ومن النصارى إذا كان تشبهه في أمور لا ترجع إلى أصل الدين نقول يخشى عليه أن ينجر إلى أن يكون منهم لكنه أيضًا يبقى النص يمر كما جاء أبلغ في الزجر.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"