شرح متن الورقات في أصول الفقه (15)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره، على القول الجديد، وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب، والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر، فالمتواتر: ما يوجب العلم: وهو أن يرويه جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم، وهكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، فيكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.

والآحاد: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم؛ لاحتمال الخطأ فيه، وينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند، فالمسند: ما اتصل إسناده، والمرسل: ما لم يتصل إسناده، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة، إلا مراسيل سعيد بن المسيّب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد.

والعنعنة: تدخل على الأسانيد، وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني أو أخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني ولا يقول حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول الراوي: أجازني أو أخبرني إجازة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما أنهى الكلام عن الإجماع، وهو من الأصول المتفق عليها، لا سيما الإجماع النطقي القولي المنضبط؛ لأن الأمة لا تجمع على ضلالة، ذكر بعد ذلك قول الصحابي، وهل يحتج به أو لا، فقال -رحمه الله تعالى-: وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره على القول الجديد: قول الصحابي لا يخلو إما أن يكون للاجتهاد والرأي فيه مجال أو لا، فإن لم يكن للاجتهاد والرأي والنظر فيه مجال فقد قرر أهل العلم أن له حكم الرفع، قرر أهل العلم أن له حكم الرفع، وحينئذ يكون حجة.

إذا كان للاجتهاد فيه مجال فلا يخلو إما أن يخالف هذا الصحابي من قبل غيره من الصحابة، وحينئذ يكون ليس بحجة لماذا؟؛ لأنه ليس قبول قول أحد الصحابة بأولى من قبول الصحابي الثاني، ليس قبول قول أحدهما بأولى من قول الآخر، هذا إذا عورض بمثله.

إذا قال الصحابي قولاً ولا يعرف له مخالف، إن انتشر ولم يخالَف فهو الإجماع السكوتي الذي سبق القول فيه، الشوكاني ذكر فيه أثني عشر قولاً على ما تقدم.

إذا قال الصحابي قولاً ولم ينتشر فيما يغلب على الظن لا يوجد في هذه المسألة سوى قول هذا الصحابي، ليس فيها نص مرفوع والمسألة مما للرأي فيه مجال ولم يعرف له مخالف من جنسه، فهذا محل الخلاف مما لم ينتشر، هذا محل الخلاف.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ليس حجة على غيره على القول الجديد: يعني من قولي الشافعي، والقول الجديد عند الشافعية: هو ما قرره واعتنى به وأفتى به في مصر، بينما القول القديم هي أقوال الإمام الشافعي في العراق، والمعتمد عند الشافعية المقرر عندهم أن الفتوى على الجديد؛ لأن آخر الاجتهادين هو المعمول به عندهم إلا في مسائل يسيرة يفتون فيها على القول القديم وهي مدونة، هذه المسائل مدونة في مقدمة المجموع للنووي وفي الأشباه والنظائر للسيوطي وغيرهما، ومنظومة أيضاً.

المقصود أن الشافعي في قوله الجديد يرى أن قول الصحابي ليس بحجة، لماذا؟؛ لأن الحجة الملزمة في النصوص الشرعية -في الكتاب والسنة- والصحابي ليس بمعصوم عن الخطأ؛ الصحابي لم تضمن عصمته ليكون قوله غير قابل للنقيض للخطأ، وما دام الاحتمال قائماً -احتمال النقيض وهو الخطأ- فإنه حينئذ يكون قوله ليس بحجة، وهذا هو القول الجديد عند الشافعية، وهو رواية عن أحمد، واختارها جمع من الحنابلة.

والقول الثاني: وهو القول القديم للإمام الشافعي ورواية عن أحمد أنه حجة، وبهذا قال جمع من أهل العلم؛ لأن الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعاشوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرفوا المقاصد من قرب، وأثنى عليهم الله -جل وعلا- في كتابه، وأثنى عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في سنته هم أولى بالإصابة من غيرهم، هم أولى بالإصابة من غيرهم، والمسألة مفترضة فيما لا نص فيه، أما ما فيه نص فالعمدة النص، فإذا تجردت المسألة عن النص، فعلى القول الثاني قبول قول الصحابي أولى من اجتهاد غيره من التابعين فمن دونهم.

من أهل العلم من يرى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ يستدل هؤلاء بحديث: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) إلى آخر الحديث.

وهناك قول رابع في المسألة: وهو أن الحجة في قول أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لحديث: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).

ويستدل أصحاب القول الثاني بما ذكرنا من أن اجتهاد الصحابي الذي عاصر التنزيل، وعرف المقاصد من قرب، وعايش النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله أولى بالإصابة من قول غيره؛ ويستدل بعضهم لهذا القول بحديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) [هذا ضعيف باتفاق الحفاظ، فلا حجة فيه].

عرفنا القول بعدم الاحتجاج بقول الصحابي بعد أن حررنا محل النزاع، عدم الاحتجاج به وهو قول الشافعي في الجديد ورواية عن الإمام أحمد.

القول الثاني: وهو الاحتجاج به فيما خلا من النصوص، في المسائل التي خلت من النصوص ولما ذكرنا، وأيضاً رواية عن الإمام أحمد، وهو القول القديم للإمام الشافعي، ونصره ابن القيم في إعلام الموقعين، وهناك من يقول: الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ للأمر بالأخذ بسنتهم.

ومن أهل العلم من يقصر الحجية في قول أبي بكر وعمر لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).

المقصود أن المسألة خلافية، والأصل أن الحجة والعمدة في الدين على الكتاب والسنة، لكن إذا افترضنا مسألة ما فيها شيء من النصوص لا من الكتاب ولا السنة، وجدنا فيها قول صحابي، هل نعمل بقول هذا الصحابي؟

من الأصول التي يعتمد عليها الإمام أحمد اعتماد قول الصحابي، ويستدل به ويفتي بمضمونه كثيراً، وهو أيضاً مقتضى عمل الأئمة غير الإمام أحمد فإن كتب الفقه طافحة بأقوال الصحابة يعتمدون عليها ويستدلون بها.

لا شك أن الصحابة خير القرون، وهم أدرى من غيرهم في الجملة، وإن كان من النصوص ما يدل على أنه قد يوجد، قد يوجد -وهذه للتقليل- ممن يأتي بعد الصحابة من هو أوعى من بعض الصحابة، لا نقول من الصحابة كلهم، من بعض الصحابة، و((رب مبلغ أوعى من سامع)).

لا شك أن من يعمل في مسألة فيها قول صحابي، ويقدمه على اجتهاده أنه لا يلام، المسألة مثل ما كررنا مفترضة في مسألة خالية من النصوص من الكتاب والسنة، من اقتدى بصحابي فهو على خير إن شاء الله تعالى، لكن من رد قول الصحابي وقال: الحجة بالكتاب والسنة لا يلام لا يلام؛ لأن الصحابة غير معصومين.

بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الأخبار: يقول: وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب: الأخبار: جمع خبر، وعرفه المؤلف بتعريفه عند أهل البلاغة: ما يدخله الصدق والكذب، هذا في الأصل، ما يدخله الصدق والكذب لذاته، وبغض النظر عن قائله، لذاته بغض النظر عن قائله؛ فقد يكون الخبر وهو في الأصل يحتمل الصدق والكذب، لكونه صادراً عن من لا يكذب لا يحتمل إلا الصدق، كأخبار الله -عز وجل- وأخبار نبيه -عليه الصلاة والسلام- لكنها في الجملة خبر؛ لأنها تحتمل بغض النظر عن القائل.

هناك من أخبارهم لا تحتمل الصدق كمسيلمة الكذاب، ومن عرف عنه الكذب، يعني وإن كان الاحتمال قائماً، لكنه إذا رمي بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يُطرح جميع ما يرويه، وكل خبر يأتي من قبله يكون مردوداً، وعلى هذا حُكماً خبره لا يحتمل الصدق، حُكماً وإن كان الاحتمال قائم لماذا؟؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال عن الشيطان: ((صدقك وهو كذوب))، لكن لو جاءك خبر عن شخص رمي بالكذب في الحديث، وأنت ما تدري هل صدق في هذا الحديث أو كذب، ترد الخبر، وتحكم عليه بأن الخبر موضوع؛ لأن فيه فلان وهو كذاب، أو وضاع فتعريفهم هذا بغض النظر عن القائل لذاته.

والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر: لأن الخبر لا يخلو إما أن يكون مروياً من طريق عدد –جماعة- لا يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم، وأسندوه إلى شيء محسوس، لا يحتمل تواطؤهم على الكذب، ولا بد أن يكون عن مثلهم في جميع طبقات الإسناد، أو يروى من طريق من لم يبلغ هذا العدد الذي رفع احتمال التواطؤ على الكذب، وإن شئت فقل: الآحاد ما لم تتوافر فيه شروط المتواتر.

فالمتواتر من التواتر وهو التتابع، من التواتر وهو التتابع، وعرفه المؤلف -رحمه الله تعالى-: هو أن يرويه جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم، وهكذا إلى أن ينتهي المخبر عنه: هكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه: لو اختل هذا الشرط في أي طبقة من طبقات الإسناد، احتمل أن يقع التواطؤ في هذه الطبقة، فلا بد أن يكون هذا الشرط، مستصحباً في جميع طبقات الإسناد؛ لنجزم بأنهم لم يتواطؤا على الكذب، ولا بد من إسناده إلى شيء محسوس، إما سماع، أو رؤيا أو مشاهدة، أو غيرهما، ولا يدخل في هذا العقليات والأمور المستنبطة ومثلها الإشاعات، فالإشاعات ولو كثر ناقلوها فإنها لا تفيد العلم، ولا يقع الجزم بصدقها ما لم تتوافر فيها الشروط.

الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يقول: الإشاعات أو ما يشاع من الأخبار ولو كثر ناقلوه فإنه لا يفيد القطع ولو كثر الناقلون.

الآن يصدر خبر من جهة ما، ثم تتناقله وسائل الإعلام في الشرق والغرب -ألوف مؤلفة يتناقلون هذا الخبر- لكن هل يفيد التواتر؟ لا؛ لأن أصله ما استند إلى شيء محسوس، لا عن رؤيا ومشاهدة، ولا عن سماع.

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما دخل المدينة ووجد الناس حول المنبر، أهل المدينة كلهم مجتمعون حول المنبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معتزل نسائه في المشربة، وهو في الحديث الصحيح، أهل المدينة كلهم تناقلوا الخبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، النبي -عليه الصلاة والسلام- حصل بينه وبين نسائه ما يحصل من البشر، طلبوا منه مطالب فآلى أن يعتزل النساء شهراً، وجلس في المشربة؛ اعتزلهن، فصدر إشاعة في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، فصدَّق الناس كلهم، ليش صدقوا؟ لأنه اعتزل، خلاص جلس وحده بدون نساء، ولمدة شهر، فوافقت هذه الإشاعة بعض التصرفات التي قد يظن منها صدق هذه الإشاعة، فصدق الناس بهذا الخبر، فدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن استأذن مراراً على..، دخل عمر -رضي الله عنه- بعد أن استأذن مراراً فسأله: أطلقت نساءك؟ قال: ((لا))، فثبت أن هذه مجرد إشاعة ولو كثر تناقلها.

فالإشاعات لا يعتمد عليها، ولو كثر ناقلوها، ومثلها ما ينقل في مثل هذه الظروف من أخبار، وسهلت الآن، سهل ترويج الإشاعات، والناس في مثل هذه الظروف -في أوقات الفتن- تشرأب أنفسهم إلى تلقي مثل هذه الأخبار، وسرعان ما ينتشر الخبر في أقطار الأرض.

المقصود أن الإشاعات، يعني على المسلم أن يتثبت، وأهل العلم وضعوا شروطاً شديدة لمن تقبل روايته ومن ترد، فلا بد من اعتبارها، فعلينا أن نعتني بهذا الباب؛ لأن الإشاعات ضررها عظيم، ضررها عظيم، فالتثبت أمر لا بد منه.

يقول: إلى المخبر عنه، فيكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد: يعني المسائل العقلية التي يتوصل فيها إلى النتائج بطريق العقل الفلاسفة كلهم ألوف مؤلفة مجمعون على قدم العالم، وتلقاه عنهم من تلقاه عنهم، لكن هذه مسائل عقلية، لم تنتج لا عن مشاهدة ولا سماع، فعلى هذا لا يفيد التواتر.

أمم الأرض كلها في كتبهم -أعني من غير المسلمين- قد يجمعون على مسائل، لكنها نتيجة دراسات غير مبنية على شيء محسوس نتائج عقلية، ولذا سرعان ما تنتقض؛ يأتي جيل آخر ويدرس هذه المسألة بطريقة أخرى، وينكشف له من الأسرار والأمور ما ينسف به النظرية السابقة، فهذه مجرد نظريات.

والآحاد: جمع أحد، الآحاد جمع أحد، وقد سئل ثعلب -وهو إمام من أئمة اللغة معروف-: هل الآحاد جمع أحد؟ فقال: حاشا أن يكون للأحد جمع، أما أن يكون جمع الواحد فنعم، جمع الواحد فنعم.

ثعلب -رحمه الله تعالى- نظر إلى أيش؟ أيش الذي انقدح في ذهنه؟

أن الأحد اسم من أسماء الله -عز وجل- فإذا قلنا آحاد، معناه أن فيه أحد، وأحد وأحد، والأحد من أسماء الله -عز وجل- هذا انقدح في ذهنه ولذلك نفى: حاشا أن يكون للأحد جمع، لكن هذا صحيح؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الآن الشهر، كم فيه من أحد؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

أربعة أيش؟

آحاد، فالأحد من الأسماء المشتركة، ليس من الأسماء الخاصة بالله -عز وجل- فالشهر فيه أربعة آحاد -جمع أحد- فعلى هذا نقول: الآحاد جمع أحد، والأحد والواحد معنىً واحد.

ويعرفون الآحاد -خبر الواحد- بأنه: ما اختل فيه شرط من شروط التواتر.

بعض طلاب العلم ممن عرف بالغيرة على علوم الكتاب والسنة ينفي تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وقال: إنه دخل على علوم الحديث من الأصوليين، والأصوليين تلقوه من المتكلمين، نعم، وهدف المتكلمين من تقسيم الأخبار إلى متواتر موجب للعلم القطعي الضروري، وإلى آحاد مفيد للظن لا يفيد العلم، وإن أوجب العمل، ولذا يقول: والآحاد هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم: هم خشوا من الآثار واللوازم على هذا الكلام، لماذا؟؛ لأن المتكلمين رتبوا أموراً، فقالوا: ما دام خبر الواحد لا يفيد العلم وإنما يفيد الظن، فالعقائد لا تثبت إلا بما يوجب العلم، فجميع ما ثبت من أخبار الآحاد في باب العقائد مردود، ونفوا على ذلك كثيراً من الصفات وأموراً مما يثبت لله -عز وجل- مما ثبت بأخبار الآحاد.

هؤلاء الغيورون -جزاهم الله خيراً عن الدين وأهله- نظروا إلى هذا اللازم، لكن هل يختلف أحد في أن الأخبار متفاوتة؛ منها ما يلزمك بتصديقه بمجرد سماعه، ومنها ما يغلب على ظنك صدقه، ومنها ما تتوقف فيه، ومنها ما يغلب على ظنك كذبه، ومنها ما تجزم بصدقه، ومنها ما تجزم بكذبه، الأخبار أيش؟

متفاوتة، متفاوتة وإلا لا؟ يعني ما يختلف الخبر من مجيئه من طريق واحد أو اثنين أو عشرة أو مائة؟ متفاوتة، لا يختلف في هذا أحد.

تبقى التسميات نعم، تبقى التسميات، متواتر وآحاد لم ينطق بها سلف هذه الأمة لا الصحابة ولا التابعون، لكن لو طردنا هذا الكلام نفينا كثير من الاصطلاحات العلمية في جميع العلوم الشرعية، حتى في التفسير والحديث والفقه والعقائد، نفينا جميع هذه الاصطلاحات، إذا قلنا: لا نثبت إلا ما ثبت عن الصحابة والتابعين، إذا عرفنا مأخذ هذه الكلمة، ومدلول هذه الكلمة، وما يلزم من إطلاق هذه الكلمة، واحترزنا عن هذا اللازم، واستعملت هذه الكلمة من الأئمة الموثوقين المعتبرين، لماذا لا نقول: اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؟

شيخ الإسلام ابن تيمية -ولا يشك أحد في رسوخ قدمه في علوم الكتاب والسنة، وفي نصر السنة، وقمع البدع، والرد على المبتدعة- يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ونخشى من اللوازم، نعم، نقسم ونعتني بهذا التقسيم، ونمثل له بالأمثلة التي مثل بها شيخ الإسلام وغيره ممن اعتنى بهذا التقسيم، ولا نلتزم باللازم، ولا نلتزم باللازم الذي لزم عليه المحظور الشرعي.

شيخ الإسلام قسم إلى متواتر وآحاد، وقسم المتواتر إلى متواتر لفظاً ومعنىً، ومتواتر معنوي -معنىً فقط- ومثل للمتواتر اللفظي بحديث: ((من كذب)) كما يمثل أهل العلم، ومثل للمتواتر المعنوي بفضائل أبي بكر وعمر، وفي كل مقام يمثل بمثال مناسب، يعني في منهاج السنة -والكتاب موضوع للدفاع عن الصحابة لا سيما أبا بكر وعمر- مثل بفضائل أبي بكر وعمر وقال: متواتر تواتراً معنوياً.

حديث المسح على الخفين تبلغ التواتر، حديث الشفاعة والحوض، هل يستطيع أحد أن يدفع تصديقها عن نفسه؟ متواترة، لكنه تواتر معنوي.

ابن الصلاح وغيره يشيرون إلى أن مثل هذا التقسيم لا يوجد عند أهل الحديث، لماذا؟

على سبيل الخصوص التواتر لا يوجد عند أهل الحديث، مع أنهم أثبتوا ومثلوا له، لماذا لا يوجد عند أهل الحديث، المتواتر؟؛ لأنهم ليس بحاجة إليه، الحديث يبحث في الخبر من حيث الثبوت وعدمه، علماء الحديث يبحثون عن الأخبار من حيث الثبوت وعدمه -وعدم الثبوت- خبر متواتر هل يحتمل الثبوت وعدمه؟ لا يحتمل إذن لا يبحثون.

فالمقصود أن إقرار مثل هذا التقسيم لا يلزم عليه أي محظور، والشيخ أحمد شاكر لما اعتمد هذا التقسيم -رحمه الله- وقال بعد ذلك: ولا تنظر إلى لوازم المبتدعة فإنهم يريدون بالآحاد ويقصدون من ورائه غير ما تقصده أنت؛ لأنهم حينما يقسمون إلى متواتر وآحاد، ويقولون: الآحاد ظني يوجب العلم، لا يوجب العلم، إنما هو موجب للظن، هو موجب للعمل عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم، موجب للعمل في جميع أبواب الدين، إذا وصل إلى درجة القبول موجب للعمل عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم.

إذا أوجب العمل في جميع أبواب الدين بما في ذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والقراءات وغيرها موجب للعمل.

ننظر في مسألة العلم، ماذا يراد بالعلم؟

العلم عندهم الذي لا يحتمل النقيض، يعني خبر صادق مائة بالمائة، ما يحتمل نقيض، خلاص بلغك هذا الخبر الزم، ولا يجوز لك بحال من الأحوال أن تشكك فيه؛ لأنه لا يحتمل النقيض، إذا قلنا: هذا العلم، هذا هو العلم، والظن: الاحتمال الراجح -يعني الذي يغلب على الظن ثبوته- الظن هو الاحتمال الراجح، نأتي براو من الرواة، وليكن إمام من أئمة المسلمين مالك بن أنس نجم السنن، مالك بن أنس نجم السنن، يعني إذا نقل الإمام مالك، وجاءنا حديث من طريق الإمام مالك نحلف عليه ونجزم بأن الإمام مالك ما أخطأ ولا سها ولا غفل، نجزم بهذا؟ نعم؟

حفظ لمالك -رحمه الله تعالى- بعض الأوهام، ومادام حفظ له بعض الأوهام، وهو ما يندرج تحت الأصل المقرر في الشرع أنه غير معصوم، ومن يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في لا مالك ولا غير مالك، حفظ عليه بعض الأوهام، إذن إذا جاءك خبر من طريق مالك كم تعطيه نسبة؟ تعطيه مائة بالمائة؟ ألا يحتمل أنه وهم في هذا الخبر؟

إذن نزلت النسبة ولو واحد بالمائة، وما دام نزل عن مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين ثمانية وتسعين، وقل في كثير من الثقات إلى تسعين إلى خمسة وثمانين، إلى ثمانين هذا ظن غالب، إذن مفيد لأيش؟ للظن.

إذا عرفنا الاصطلاحات وعرفنا ما يلزم على هذه الاصطلاحات وتنصلنا من هذه اللوازم وصار التقسيم، يحدد لنا الأنواع بدقة، ولا يلزم عليه شيء؛ لأنها اصطلاحات، ولا مشاحة في الاصطلاحات، أو في كل علم من علوم الشرع اصطلاحات يعتني به أهل ذلك العلم.

إذا قلنا: إن رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يحتمل الخطأ إذن الإمام مالك -كما هو مقرر- ليس بمعصوم، وقل مثل هذا في من دون الإمام مالك -رحمه الله- فعلى هذا خبر الإمام مالك يفيد الظن، يفيد الظن الغالب.

يعني جاءك شخص من أوثق الناس عندك، فقال: جاء زيد، جاء زيد، تستطيع أن تحلف أن زيداً جاء، كأنك رأيته أنت؟ نعم؟ هل تستطيع أن تقول: إن فلاناً أخبرك -أوثق الناس عندك- بأن فلاناً من الناس زنى بفلانة، وهو أوثق الناس عندك هل تستطيع أن تشهد عليه، أو تحلف على أنه زنى؟!

إذن يحتمل خبره النقيض، فما أفادنا العلم اللي هو نتيجته مائة بالمائة، إذن نزل عن هذه النسبة، وهو أوثق الناس عندك، ومثلنا بنجم السنن مالك، إمام مجمع على إمامته وتحريه وتثبته.

أقول: خبر الواحد بهذا التقرير، وهو بمعرفة..، بعد معرفة العلم والظن، ويقابل الظن الوهم، الذي هو الاحتمال المرجوح، والاحتمال المساوي يسمونه الشك.

أقول: إذا استوعبنا هذا التقرير، قلنا: إن خبر الواحد لا يوجب العلم، وإنما يفيد الظن -هذا في الأصل- مع أنه موجب للعمل اتفاقاً بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، دع عنك من يقول: إن خبر الواحد لا يقبل في العقائد من أشاعرة وغيرهم، ودع عنك من لا يحتج بخبر الواحد أصلاً كالمعتزلة، هؤلاء ما لنا بهم لازم، ما لنا بهم لازم، هؤلاء ما لنا بهم دعوة؛ لأننا لا نعتد بخلافهم، فإذا قلنا: إنه موجب للعمل في جميع أبواب الدين، وعرفنا وفرقنا بين العلم والظن، وقلنا: إنه يفيد الظن، يبقى أنه قد يفيد العلم بالقرائن، يفيد العلم بالقرائن ليش؟؛ لأن الاحتمال -احتمال الخطأ- في خبر الثقة ضعيف، ولولا هذا الاحتمال لقلنا: إنه موجب للعلم، هذا الاحتمال الضعيف إذا وجد قرينة تقابل هذا الاحتمال ارتفع هذا الاحتمال، فصار خبره موجباً للعلم، موجباً للعلم، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمه الله- في الصواعق، وابن حجر، وجمع غفير من أهل العلم، يقولون: الخبر الواحد..، وأيضاً ابن رجب في شرح البخاري في مواضع يقرر أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة يوجب العلم، أيش مفهومه؟ أنه إذا لم تحتف به قرينة فاحتمال الخطأ قائم.

من القرائن التي قررها أهل العلم -التي تحتف بخبر الواحد حتى يصل إلى درجة إفادة العلم –وعرفنا كيف ترقى خبر الواحد بالقرينة إلى أن يفيد العلم-؛ لأن الاحتمال الذي أنزله أصلاً من إفادة العلم ضعيف، فجاءت هذه القرينة فقاومت هذا الاحتمال فكأن هذا الاحتمال غير موجود، قالوا: كون الحديث في الصحيحين أو في أحدهما هذه قرينة؛ لشدة تحري الشيخين وانتقائهما للمتون والأسانيد.

كون الحديث مروياً بطرق متباينة سالمة من القوادح والعلل، كون الحديث متداولاً بين الأئمة يرويه إمام عن إمام عن إمام عن إمام مالك، أحمد عن الشافعي عن مالك؛ يعني لو وهم مالك يحتمل أن يوافقه الشافعي على الوهم ويرويه عنه؟ لا يحتمل، إذا وهم مالك والشافعي يوافقهم الإمام أحمد والحديث فيه خطأ؟ لا يمكن.

إذن هذه القرائن قابلت ذلك الاحتمال فارتقى خبر الواحد إلى إفادة العلم.

يقول: ولا يوجب العلم لاحتمال الخطأ فيه، وينقسم إلى قسمين:

طالب:.......

معنا سفر الآن، فنقف على هذا، ونكمل -إن شاء الله- الأسبوع القادم.

كم باقي على الأذان؟ جزاكم الله خيراً.

سبحانك اللهم وبحمدك..، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وينقسم الآحاد إلى قسمين: مرسل ومسند، فالمسند: ما اتصل إسناده، والمرسل: ما لم يتصل إسناده، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة، إلا مراسيل سعيد بن المسيب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد.

والعنعنة تدخل على الأسانيد، وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني أو أخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول الراوي: أجازني، أو أخبرني إجازة.

طالب:.......

طالب: من غير قراءة.

كل النسخ قراءة؟ هاه؟

طالب:.......

ما في غيره، نسخ ثانية ما فيه؟

طالب:.......

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تقدم الكلام في الحديث عن الأخبار، والمراد بها أعم من الأخبار المسندة المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وغيره؛ فالخبر يشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما أضيف إلى غيره -هذا الأصل في الخبر- فهو أعم من الحديث، لكن الذي يهمنا هنا ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، تقدم الكلام في تقسيمه إلى متواتر وآحاد، وذكرنا حكم المتواتر، وأنه موجب للعلم القطعي الضروري؛ لأن السامع ملزم بتصديقه من غير نظر ولا استدلال وإن نازع بعض أهل العلم في وجوده، لكن حقيقته موجودة، والنزاع في تسميته لا يضرُّ، لا سيما وقد اعتمده من يعتد بقوله من أهل العلم، وسموه بهذا الاسم وعرفوه بالتعريف المعروف، وقسموه إلى الأقسام المعروفة، ومثله قسيمه -الآحاد- وهو ما دون المتواتر.

قال المؤلف: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم: ومضى الحديث في ذلك بالتفصيل، والسبب في كونه يوجب العمل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرسل الرسل إلى القبائل وإلى البلدان وإلى الأقطار، فلولا أن أخبارهم مقبولة موجبة للعمل لما أرسل الواحد منهم حتى يرسل الجماعة المجموعة الذين يثبت القطع بخبرهم، لكن خبر الواحد موجب للعمل بهذا، ولا يوجب العلم لذاته؛ لأن العلم ما لا يحتمل النقيض، وخبر الواحد يحتمل النقيض؛ لأنه ليس بمعصوم، وسبق تقرير هذه المسألة، نعم، إن احتف بخبر الواحد قرينة أوجب العلم؛ لأن هذه القرينة تقوم في مقابل الاحتمال -احتمال النقيض وهو ضعيف، احتمال النقيض- يعني إذا..، ومثلنا بمالك نجم السنن، وقلنا: إنه ليس بمعصوم من الخطأ، ليس بمعصوم من الوهم، إذن يعتري حديثه ما يجعله يخالف الواقع، وقد وقعت له بعض الأوهام، فلا يحلف على خبره، نعم إذا احتفت به قرينة وقاومت هذا الاحتمال أوجب العلم عند أهل العلم.

ومنهم من يرى أن خبر الواحد يوجب العلم مطلقاً، وهو قول الحسين الكرابيسي وداود الظاهري، وبعض من أهل الحديث، لكن حقيقة القول المعتمد الذي يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم و ابن حجر وابن رجب وغيرهم من أهل العلم أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة -بهذا القيد- أوجب العلم وأفاده، وهذا مضى الكلام فيه.

ثم قال المؤلف: وينقسم إلى قسمين: يعني خبر الواحد ينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند.

أولاً: متى يوجب العمل خبر الواحد؟

إذا ثبت، إذا وصل إلى درجة القبول بأن كان صحيحاً إما لذاته أو لغيره، أو كان حسناً لذاته أو لغيره، يعني في دائرة القبول.

والصحيح عند أهل العلم: ما نقله العدل الضابط عن مثله مع اتصال السند من غير اتصاف بعلة ولا شذوذ، يقول: الحافظ العراقي:

وأهل هذا الشأن قسموا السنن
فالأول المتصل الإسناد
عن مثله من غير ما شذوذ

 

إلى صحيح وضعيف وحسن
بنقل عدل ضابط الفؤاد
وعلة قادحة فتوذي

فإذا صح الخبر أوجب العمل، سواءً كان صح بذاته أو لغيره بأن كان حسناً لذاته وتعددت طرقه أوجب العمل أيضاً، ومثله إذا نزل قليلاً عن حد الصحيح إلى درجة القبول، مما يسمى بأدنى الصحيح وهو الحسن، ما لم يصل إلى الضعف، فإذا كان حسناً لذاته أو حسناً لغيره بأن كانت مفرداته ضعيفة ضعفاً قريباً محتملاً وتعاضدت، قابلة للانجبار وتعاضد بعضها مع بعض فإنها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، ويحتج به حينئذ وهو حجة -خبر الواحد- عمدة وحجة عند أهل العلم، موجب للعمل في جميع أبواب الدين، في جميع أبواب الدين، فتثبت به العقائد، تثبت به الأحكام، تثبت به الآداب والفضائل، يثبت به التفسير والقراءة وغير ذلك، المقصود إذا وصل إلى درجة القبول بمعنى أنه غلب الظن على ثبوته، فإن العمل به واجب.

ينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند، فالمسند: ما اتصل إسناده: عرفنا أن من شروط القبول: اتصال السند، من شروط القبول: اتصال السند، فالأول المتصل الإسناد، هذا أول شرط -اتصال السند- فالذي يتصل سنده؛ بنقل العدل الضابط يعني الثقة عن مثله إلى أن ينتهي السند من غير اتصاف بشذوذ ولا علة قادحة هذا صحيح، إذا اختل شرط -وهو شرط الاتصال- بأن حصل الانقطاع في السند -في أي طبقة من طبقات الإسناد- حكم على الخبر بأنه ضعيف، بأنه ضعيف؛ لاختلال شرط من شروط القبول، وهو اتصال السند.

المؤلف جرى على عادة الأصوليين بمقابلة المسند بالمرسل، وهو أيضاً معروف عند أهل الحديث؛ حينما يقولون: أسنده فلان وأرسله فلان، فإذا قالوا: أسنده فلان، مرادهم بذلك أنه وصل إسناده، يعني رواه بسند متصل، وإذا قالوا: أرسله فلان، معناه أنه حصل أو رواه بسند فيه شيء من الانقطاع في أي طبقة من طبقاته، لكن أهل العلم يجعلون الانقطاع قسمين: قسم ظاهر وقسم خفي، انقطاع ظاهر وانقطاع خفي.

الآن المؤلف أطلق المسند بإزاء المتصل فقال: المسند: ما اتصل إسناده: مع أن أهل الحديث يختلفون في تعريف المسند، فمنهم من يقول: المسند المتصل -كما هنا- ومنهم من يقول: المسند المرفوع، ومنهم من يقول: المسند المرفوع المتصل، وهنا اعتمد قول الخطيب، وهو أن المسند المتصل.

ابن عبد البر يرى أن المسند المرفوع، والحاكم جمع الأمرين معاً فقال: هو المرفوع المتصل، فإذا اتصل إسناد..، الإسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأضيف الخبر إليه صار مسنداً، بينما لو اتصل السند إلى صحابي فإنه حينئذ لا يكون مسنداً، عند من؟ عند ابن عبد البر، ولا عند الحاكم، وهو مسند عند الخطيب.

على كل حال أهل الأصول لهم عناية بالخطيب، وهو قريب منهم في كثير من القواعد، ولا يقدح فيه...، لا يقدح في الخطيب كونه محسوباً على أهل الأصول، لا أبداً؛ ما من فن من فنون علوم الحديث إلا وقد ألف فيه كتاباً، حتى قال أبو بكر بن نقطة: " من أنصف علم أن أهل الحديث عيال على الخطيب في كتبه"؛ ما من باب من أبواب علوم الحديث إلا وألف فيه، يعني كونه يلتقي مع الأصوليين في كثير من القواعد والأصول التي يرجعون إليها هذا لا يضيره إن شاء الله تعالى.

إذا قابلنا المسند، وحكمنا على المسند بأنه المتصل -وهو ما يراه الخطيب ويتبعه المؤلف- فالذي يقابل المتصل المنقطع، وهو ما عبر عنه ببعض أنواعه وهو المرسل، وهذا اصطلاح معروف عند أهل العلم، حتى من المحدثين حينما يقولون: أسنده فلان، وأرسله فلان.

ومن يقابله بذي الإرسال

 

فقد عنا بذاك ذا اتصال

من يقابل المسند بالمرسل فيريد به المتصل.

المرسل: هنا أطلقه على طريقة الأصوليين -على جميع أنواع الانقطاع- وعند أهل الحديث..؛ لأن هناك انقطاع ظاهر وهناك انقطاع خفي، والانقطاع الظاهر عند أهل الحديث إما أن يكون من مبادئ السند فيسمونه حينئذ المعلق، من مبادئ السند من جهة المصنف

وإن يكن أول الإسناد حذف

 

مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف

هذا إذا حذف أول الإسناد، إذا حذف آخر الإسناد، طرفه الذي فيه الصحابي، ورفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو المرسل بالمعنى الأخص عند أهل الحديث.

مرفوع تابع على المشهور

 

مرسل أو قيده بالكبير

إذا كان الانقطاع في أثناء السند، فإن كان بواحد، أو بواحد من أكثر من موضع يعني لا على التوالي، يسمونه المنقطع، فإن كان باثنين على التوالي فهو المعضل:

المعضل الساقط منه اثنان

 

فصاعداً ومنه قسم ثاني

ما سقط منه اثنان فصاعداً.. إلى آخره

المقصود أن السقط الظاهر الذي لا يخفى على آحاد المتعلمين، يقسم عند أهل العلم إلى أربعة أقسام؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون السقط من مبادئ السند من جهة المصنف وهو التعليق، أو من آخره -طرفه الأعلى- وحينئذ هو المرسل بالمعنى الأخص، أو في أثنائه فإن كان بواحد فهو المنقطع، ومثله لو كان بأكثر من واحد لا على التوالي هو المنقطع، وإن كان باثنين فأكثر على التوالي فهو المعضل.

هذا الانقطاع الظاهر، هناك انقطاع خفي، وهو الذي لا يدركه آحاد المتعلمين، وإنما يدرك بالخبرة والدربة ومعاناة هذا الفن، حتى تتكون لطالب العلم ملكة يدرك به مثل هذا السقط، فإذا روى الشخص عن من سمع منه أحاديث حديثاً لم يسمعه منه، روى نافع عن ابن عمر، سمع منه أحاديث كثيرة جداً، لكن روى عنه حديثاً لم يسمعه منه..، أنت تبحث في كتب الرجال تجد كلها تنص على أن نافع سمع من ابن عمر، يعني من باب أولى أن يكون لقيه وعاصره إلى آخره، هذا يسمى أيش؟ سمع منه، سمع منه؛ لأن للراوي مع من يروي عنه أربع صور، أربع حالات: إما أن يسمع منه حديثاً فيروي عنه ما لم يسمعه منه، أو يلقاه ولم يسمع منه، يعني لم يثبت أنه سمع منه، فيروي عنه، أو يعاصره معاصرة فقط، ولم يثبت لقاؤه له، فيروي عنه، أو لا تثبت المعاصرة؛ لأنها أربع صور، كل راوٍ مع من يروي عنه، نعم، لا يخرج عن هذه الصور الأربع: إما أن يكون سمع منه، أو يكون لقيه، أو عاصره، أو لم يعاصره، القسمة لا تخلو من هذا الأربع الصور.

فإذا روى عن شخص سمع منه ما لم يسمعه منه، ومثلنا بنافع عن ابن عمر، فهذا أيش؟ تدليس إجماعاً هذا، إجماعاً تدليس، إذا روى عن من لقيه، إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه منه -والشرط في جميع الصور أن تكون الصيغة موهمة- ما يقول: سمعت وإلا أخبرني؛ لأنه إذا قال: سمعت وإلا أخبرني -والمسألة مفترضة في ثقة- انتهى الإشكال يصير سمع هذا الخبر منه، لكن إذا أتى بصيغة موهمة، ودلت القرائن أو دلت الطرق الأخرى على أنه لم يسمعه منه، وأتى بصيغة موهمة، وقد سمع منه أحاديث نقول: دلس هذا الحديث، إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة أيضاً هذا تدليس، هذا تدليس.

الصورة الثالثة: إذا روى عن شخص عاصره ولم يثبت أنه لقيه، روى عن شخص عاصره ولم يثبت أنه لقيه، بمعنى أنهما وجدا في زمن واحد، روى شخص ولد سنة مائة عن شخص مات سنة مائة وعشرين، عاصر وإلا ما عاصر؟ عاصر لكن لم يثبت لنا أنه لقيه بمجرد المعاصرة، هذا أيش؟ إرسال خفي، إرسال خفي وإن أدخله بعضهم في بعض صور التدليس، لكنه إرسال خفي. إذا روى عن من لم يعاصره شخص ولد سنة مائة روى عن شخص مات سنة ثمانين، هذا تدليس؟ لا، إرسال خفي؟ لا، انقطاع ظاهر؟ نقول له: نعم، انقطاع ظاهر يعرفه آحاد الطلبة؛ يعني ما في أحد يخفى عليه أن من ولد سنة مائة لا يمكن أن يروي عن من مات سنة ثمانين، هذا يخفى على طالب علم؟ ما يخفى على صغار المتعلمين، إذن هذا انقطاع ظاهر.

بعضهم يقول: لإيهام الصيغة إذا روى عنه بـ(عن) يسمى تدليساً؛ لإيهام الصيغة، وهذا ذكره ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، وهو قول شاذ لا يعول عليه.

المقصود أنه إذا روى ما لم يسمعه عموماً فهو انقطاع، روى عن شخص خبراً روى عن شخص لم يسمعه، إذن فيه انقطاع؛ فيه واسطة بينهم، وهذا الانقطاع إن كان الشيخ –الراوي- قد سمع من هذا الشيخ، أو لقيه، أو عاصره هذا انقطاع خفي؛ لأنك تجد في كتب الرجال أن هذا ولد سنة مائة، وهذا مات سنة مائة وعشرين، يعني مدرك؛ عشرين مدرك إدراكاً بيناً.

المقصود أن مثل هذا الانقطاع الخفي والظاهر ينبغي أن يلاحظ في التقسيم، وهنا أجمل فقال: مرسل ومسند: والمسند المتصل، والمرسل ما عداه، يعني المنقطع، فالمسند: ما اتصل إسناده، والمرسل: ما لم يتصل إسناده: فجعل المرسل بإزاء الأقسام كلها، المرسل الذي لم يتصل إسناده حجة وإلا ليس بحجة؟ نعم؟

طالب:.......

نعم؟ نعم؟

المرسل الذي هو المرسل الاصطلاحي، الذي هو مرفوع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو المرسل بالمعنى الأعم؟

أهل العلم يقررون أن الانقطاع علة، الانقطاع علة لماذا؟؛ لاحتمال أن يكون الواسطة ضعيف، لاحتمال أن يكون الواسطة ضعيف، إذن لا بد أن نعرف عين من روى عنه، ثم بعد ذلك هل هو ثقة نقبل، إذا كان غير ثقة نرد، إذا لم يذكر اسمه أصلاً هل نثق بخبره؟

طالب: لا

إذن هو في دائرة الضعف، ولذا يقول الحافظ العراقي لما تحدث عن المرسل:

ورده جماهر النقاد
وصاحب التمهيد عنهم نقله

 

للجهل بالساقط في الإسناد
ومسلم صدر الكتاب أصله

الجمهور على رد المراسيل من غير تفصيل؛

ورده جماهر النقاد
وصاحب التمهيد عنهم نقله

 

للجهل بالساقط في الإسناد
ومسلم صدر الكتاب أصله

لكن الخلاف موجود في المتقدمين حتى قال بعضهم: إن التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل، التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل، وعلى هذا جرى الإمام أبو حنيفة والإمام مالك

واحتج مالك كذا النعمان

 

به وتابعوهما ودانوا

مالك وأبو حنيفة يقبلون المراسيل.

الطبري نقل الإجماع على قبول المراسيل -إجماع التابعين على قبول المراسيل- مع أن الخلاف معروف عن سعيد -سعيد بن المسيب وهو سيد من سادات التابعين- لا يمكن إغفال قوله، كيف ينقل الطبري؟ هل خفي عليه قول سعيد؟ ما خفي عليه، لكن مثلما أشرنا سابقاً أن الإجماع عند الطبري قول الأكثر، الإجماع عند الطبري قول الأكثر، فلا يتلفت إلى قول سعيد مع قول الأكثر.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة: مراسيل الصحابة، إذا روى الصحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً لم يسمعه منه، إذا روى الصحابي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً لم يسمعه منه؛ إما لصغر سنه أو غيبته أو تأخر إسلامه، صحابي روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أبو هريرة روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- خبراً قبل الهجرة وأسلم عام خيبر سنة سبع، ابن عباس من صغار الصحابة، عائشة -رضي الله عن الجميع- رووا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبار قبل الهجرة أيش نقول؟ مراسيل صحابة لا بد فيها من واسطة؟!

يقول: فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة: إذن مراسيل الصحابة حجة أو ليس بحجة؟ حجة،

أما الذي أرسله الصحابي

 

 فحكمه الوصل على الصواب

حتى نقل أكثر من واحد من أهل العلم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، نقل الإجماع على قبول مراسيل الصحابة.

أبو إسحاق الاسفرائيني يقول: مراسيلهم كمراسيل غيرهم، مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم، الذين يقبلون مراسيل الصحابة أيش يقولون؟

يقولون: الصحابي إن لم يكن سمع الخبر من النبي -عليه الصلاة والسلام- بمعنى أنه أعاده إليه، فالاحتمال أنه سمعه من صحابي آخر، هذا الذي يغلب على الظن، الاحتمال الأقوى أنه سمعه من صحابي آخر وأسقط هذا الصحابي، والصحابي سواءً ذكر أو حذف ما يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول.

يعني هل يتصور أن يروي صحابي عن تابعي؟ نعم يتصور عقلاً، لكن الذي يغلب على الظن، والأحكام مبنية على غلبة الظن أن الصحابي إنما يروي عن صحابي آخر، فلهذا نقل الاتفاق على قبول مراسيل الصحابة، وخالف أبو إسحاق الاسفرائيني، وقال: هي مثل مراسيل غيرهم؛ لأن الصحابي احتمال يروي عن تابعي فيسقط هذا التابعي، والتابعي الاحتمال قائم أنه ثقة أو غير ثقة.

هذا بالنسبة لمراسيل الصحابة، مراسيل الصحابة كثيرة جداً؛ باعتبار تأخر إسلام كثير منهم، وصغر السن، الغيبة أيضاً، عمر -رضي الله عنه- كان يغاب؛ يتناوب المجيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فما بالك بغيره.

أحداث الصحابة مثل عائشة، ابن عباس، ابن الزبير، هؤلاء يروون أحاديث وقصص ووقائع لم يشهدوها، حديث بدء الوحي ترويه عائشة، بدء الوحي قبل أن تولد بأزمان ترويه عائشة، لكن بعض أهل العلم يميل ويستروح إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قص عليها القصة، قص عليها القصة.

المقصود أن مثل عائشة لصغر سنها، أو مثل أبو هريرة لتأخر إسلامه، أو مثل ابن عباس لصغر سنة وابن الزبير، هؤلاء قد يروون بعض الوقائع بواسطة فيسقطون الواسطة، ولذا يقولون: إن ابن عباس لم يروِ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة إلا أربعة أحاديث؛ وجميع مروياته فيها واسطة، ويحذف الواسطة، هذا أشار إليه الغزالي في المستصفى وغيره، لكن الحافظ ابن حجر قال: إنه وجد مما ثبت سماعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل ابن عباس من الصحيح والحسن ما يزيد على الأربعين.

المقصود أنها بالنسبة لمروياته حتى الأربعين قليلة، فدل على أن هناك وسائط بالنسبة لصغار الصحابة، ولذا يقرر أهل العلم أن مراسيل الصحابة في حكم الموصول؛ هذا الواسطة كأنه مذكور.

أما الذي أرسله الصحابي

 

 فحكمه الوصل على الصواب

مراسيل غير الصحابة من التابعين: عرفنا فيها الخلاف، عرفنا فيها الخلاف والجمهور على ردها مطلقاً.

الشافعي -رحمه الله- يشترط شروطاً لقبول المراسيل:

أن يكون المرسل من كبار التابعين، أن يكون المرسل إذا سمَّى سمى ثقة، بمعنى أن يكون ممن لا يروي إلا عن الثقات.

أن يكون هذا التابعي الكبير إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه، يعني ما له مخالفات.

أن يكون للخبر المرسل شاهد يزكيه من مسند أو مرسل يرويه غير رواة المرسل الأول، أو يفتي به مقتضاه عوام أهل العلم، أو يرد قول صحابي يدعمه، المقصود أن يكون له شاهد، إذا توفرت هذه الشروط الأربعة قبل الشافعي المراسيل.

الشافعي -رحمه الله تعالى- قال: إرسال ابن المسيب عندنا حسن، إرسال ابن المسيب عندنا حسن، ولذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إلا مراسيل سعيد بن المسيِّب؛ فإنها فتشت فوجدت في المسانيد: وجلها من طريق صهره أبي هريرة.

الشافعية يحتجون بمراسيل سعيد؛ لأنها فتشت فوجدت في المراسيل، وأما من عداهم فمراسيل سعيد مثل غيرها، لكنها أقوى من غيرها؛ لأن التابعين يتفاوتون في وقوة المراسيل وضعفها، فمن كان من أهل التحري، بمعنى أنه لا يروي إلا عن الثقات -مثل سعيد- لا شك أنها أقوى ممن يروي عن كل أحد كالحسن؛ مراسيل الحسن ضعيفة.

طالب:.......

مراسيل الزهري أيضاً فيها قوة، فيها قوة نعم، لكن ليست مثل مراسيل سعيد.

يقول: والعنعنة تدخل على الإسناد: العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)، هي رواية الحديث بصيغة (عن)، العنعنة رواية الحديث بصيغة (عن)، حدثنا فلان، عن فلان، عن فلان، عن فلان، يصير عنعنة.

تدخل على الإسناد.

حكم السند المعنعن: السند المعنعن عند أهل العلم مختلف فيه، فمنهم من قال: إنه منقطع ما لم يقل: حدثنا وسمعت وأخبرنا فهو خل وبقل؛ ما له قيمة، محكوم عليه بالانقطاع.

ومنهم من يقول: يحكم له بالاتصال بشرطين معروفين عند أهل العلم:

أن يكون الراوي سالماً من وصمة التدليس -ألا يكون مدلساً- والثاني: أن يكون قد لقي من روى عنه -في القول المشهور المعروف المنسوب للبخاري- أو عاصره -ثبتت معاصرته له على القول المعروف عن الإمام مسلم-.

على كل حال العنعنة محكوم لها بالاتصال بالشرطين المعروفين، وحكم (عن) حكم (أنَّ)، السند المئنن مثل السند المعنعن، وحكم (عن) أيضاً حكم (قال)، يحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين.

العنعنة تدخل على الإسناد وبعدين؟

إن كان قصده الإسناد، معناه الاتصال فيحكم له بالاتصال مع وجود العنعنة؛ لأنه فسر المسند بالمتصل، فهو مقبول، وإذا قرأ الشيخ...

طالب: الأنأنة  

السند المؤنَّن مثل السند المعنعن:

..................................
سووا وللقطع نحا البرديجي

 

وحكم (أن) حكم (عن) والجل
حتى يبين الوصل في التخريج

بسط هذه المسائل يعني يحتاج إلى دروس المصطلح ما هو هنا، لكن نحن نشير إشارات؛ لعلها تفي بالغرض.

وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني وأخبرني، وإذا قرأ هو على الشيخ فيقول أخبرني، ويقول: حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير رواية فيقول: أجازني، أو أخبرني إجازة: أشار المؤلف هنا إلى بعض طرق التحمل، وأشرنا في درس الأمس أن طرق التحمل ثمان، السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الوصية، الإعلام، الوجادة، ثمان.

السماع من لفظ الشيخ، إذا سمع الطالب من لفظ الشيخ، الطالب يسمع من لفظ الشيخ، الشيخ يحدث والطالب يتلقى، هذه أعلى طرق التحمل؛ لأنها هي الأصل في الرواية، الأصل أن الشيخ يحدث والطالب يتلقى، وهذه حال النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الصحابة؛ يسمعون منه، وهي أعلى طرق التحمل.

الثاني: القراءة على الشيخ: الطالب يقرأ والشيخ يستمع، السماع من لفظ الشيخ هو المرجح عند جمهور أهل العلم، العرض الذي هو القراءة على الشيخ مرتبة ثانية بعد مرتبة السماع، وبعضهم فضل العرض على السماع من لفظ الشيخ، لماذا؟؛ يقول: في حال السماع من لفظ الشيخ، قد يخطئ الشيخ، قد يخطئ الشيخ وإذا أخطأ الشيخ والطالب يتلقى عنه من يصحح للشيخ؟ يعني الطالب يصحح للشيخ؟ والمفترض أنه يروي..، جاء يروي منه أحاديث، ما يصحح، لكن في حال العرض والقراءة على الشيخ، إذا أخطأ الطالب فإن الشيخ لن يتردد في التصويب، ولذا يرى الإمام مالك وجمع من أهل العلم أنهما سواء، سواءً قرأت على الشيخ أو قرأ عليك سواء، المهم أنك تسمع الخبر، أو الشيخ يسمع الخبر ويقره.

وإذا قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني: إذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني، وأخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني ولا يقول: حدثني: صيغ الأداء التي هي: سمعت، وحدثني، وأخبرني، وأنبأني، وعن فلان، وقال فلان، وأن فلاناً قال، صيغ، من روى بطريق السماع من لفظ الشيخ له أن يقول: سمعت؛ لأنه سمع من لفظ الشيخ هذه حقيقة الحال، وله أن يقول: حدثني؛ لأن الشيخ حدثه، وله أن يقول: أخبرني؛ لأن الشيخ أخبره، فله أن يقول كل هذه الصيغ، ولا يعدو حينئذ الواقع إذا قال ذلك.

إذا قرأ هو على الشيخ، هل يستطيع أن يقول سمعت؟ هو سمع من الشيخ شيئاً؟ ما سمع، هل يستطيع أن يقول: حدثني؟ نعم؟ هل يستطيع أن يقول: أخبرني؟

طالب:.......

كيف؟ أيش الفرق بين التحديث والإخبار؟ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة]، هل الشيخ أخبره أو قرأ على الشيخ، ما في شك أن الورع أن يقول: قرأت على الشيخ، قرأت على فلان هو الذي يبين، لكن أجاز أهل العلم في السماع وفي العرض أن يقول: سمعت وحدثني وأخبرني، جميع الصيغ؛ لأنها طرق مجمع على صحة التلقي بها، فأي صيغة تفيد -تدل على المقصود- فهي مقبولة.

طالب: أخبار ... قراءة  قراءة أخبار...؟

لكن أنا إذا أخبرتك وإلا أنت أخبرتني، يعني وأنت تقرأ علي، أنا أخبرتك بشيء؟

طالب: أنت أقريت يا شيخ.

لكن هذا إخبار؟

طالب: لا، لكن قد يكون إقراراً منك يا شيخ.

الإقرار فيه إقرار، وهل يشترط أن يقول: نعم أو لا يشترط؟ المسألة معروفة، لكن الإقرار هل فيه إخبار؟ نعم؟

طالب:.......

الآن لما تقول لي: قدم زيد، أقول لك: صحيح، أصير أخبرتك بقدوم زيد وإلا أنت اللي أخبرتني؟

طالب:.......

لكن أنت بتقول أخبرتني؛ أخبرني فلان، واضح وإلا ما هو بواضح.

أنا أقول: في الأصل أهل العلم أجازوا كل الصيغ في السماع من لفظ الشيخ، وفي العرض على الشيخ؛ لأنهما طريقان مجمع على صحة التلقي بهما، فبأي عبارة أو أي أسلوب أديت مما يفهم أنك تروي هذا الخبر وتنقله عن الشيخ تبلغه إلى غيره يجوز لك ذلك، لكن أهل الاصطلاح جعلوا كل طريق من طرق التحمل يختص بصيغ معينة، فجعلوا للسماع من لفظ الشيخ: سمعت وحدثني، ولا يقول: أخبرني، وإن كان مخبراً له، ومن قرأ على الشيخ وعرض على الشيخ يقول: أخبرني ولا يقول حدثني.

أيش الفرق بين التحديث والإخبار؟ نعم؟

هناك فرق؛ يقولون: دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث؛ فالتحديث لا يحصل إلا بالمشافهة -مشافهة المحدَّث بما حدِّث..، لمن يتحدث معه- بينما الإخبار يحصل بالمشافهة، يحصل بالقرينة، يحصل بالعلامة، يحصل بالمكاتبة كل هذا إخبار.

ولذا لو قال زيد من الناس: من حدثني بقدوم فلان فهو عتيق -فهو حر- من حدثني، فجاء واحد وكتب له ورقة وقال: قدم فلان، يعتق وإلا ما يعتق؟ نعم؟

طالب:.......

ما يعتق؛ ما حدثه يا أخي، كتب له كتابة.

طالب:... إخبار.

ما ينفع إحنا بالتحديث الآن، هو يقول: من حدثني، ما قال من أخبرني، يقول: من حدثني بقدوم فلان فهو حر، جاء واحد وكتب له خطاباً أنه قدم فلان، ما يعتق، لكن لو قال: من أخبرني بقدوم فلان، فأخبره بكتابة، أو بنصب علامة، أو بشيء، خلاص يعتق؛ لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، فهم يقولون: يختص التحديث والسماع بطريق السماع من لفظ الشيخ، وأما الإخبار فباعتبار دائرته أوسع فيخصص للعرض على الشيخ والقراءة عليه، وكثير من أهل العلم يعتني بالتفريق بين صيغ الأداء الصادرة عن الشيوخ عناية فائقة، فيجعل هذا لهذا وهذا لذاك، ومنهم من لا يفرق.

فتجد مسلماً وله عناية فائقة في التفريق بين هذه الصيغ، يقول: حدثنا فلان، وفلان وفلان، قال فلان: حدثنا، وقال الآخرون: أخبرنا، أو العكس، فهو يهتم بذلك، لكن مثل إسحاق -رحمه الله- ابن راهوية- ما يقول: حدثنا أبداً، سواءً سمع أو قرأ ما يقولها؛ يلزم صيغة أخبرنا.

البخاري -رحمه الله تعالى- مع جمع من أهل العلم لا يرون التفريق فيؤدي بأي صيغة تفيد المراد، لكن أهل الاصطلاح خصوا التحديث بالسماع من لفظ الشيخ، والإخبار بالقراءة على الشيخ، والمسألة اصطلاحية.

وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني وأخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني: لأنه لم يشافهه.

وإن أجازه الشيخُ من غير قراءة أو من غير رواية -كما في نسختي- فيقول: أجازني أو أخبرني إجازة: إذا أجازه، جاء الشيخَ -الطالبُ للشيخ- وقال: أريد منك أن تجيزني برواية صحيح البخاري، أو بالحديث الفلاني، فقال: أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري، أو الحديث الفلاني.

والإجازة: هي الإذن بالرواية، الإذن بالرواية، فلا الطالب سمع من لفظ الشيخ، ولا الطالب أيضاً قرأ على الشيخ؛ ما فيه تحديث أصلاً، بس قال له: اروِ عني صحيح البخاري، الإذن بالرواية، هذه الإجازة؛ إذن، وجمهور أهل العلم على صحة الرواية بالإجازة؛ والداعي إليها كثرة الطلاب وتباين الأقطار وتباعدها، ويحصل المشقة الشديدة لو حصرت الرواية بالسماع أو العرض.

يعني تصور شيخاً يروي صحيح البخاري بأسانيده، ثم كل طلاب العلم يبون منه رواية لهذا الكتاب، إما أن يقرؤوا عليه أو يقرأ عليهم بيتعبوه؛ يروح أفواج ويجي أفواج، واللي فاته شيء واللي سافر قبل ما يكمل الكتاب، لكن من السهل جداً أن يكون كتب سنده في ورقة أو ثبت، ويقول له: تفضل، خلاص أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري، وأجيز مثل هذا للحاجة الماسة إلى ذلك، وأبطلها قوم -أبطلوا الإجازة- حتى قال بعض الظاهرية: إن من قال لغيره: أجزت لك أن ترويَ عني ما لم تسمعه مني، فكأنه قال له: أجزت لك أن تكذب عليَّ، أجزت لك أن تكذب عليَّ، وقال بعضهم: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة. المقصود أن كثيراً من أهل العلم الجماهير على جوازها، وقال بعضهم بأنها باطلة.

طالب:.......

تبغون التفصيل في الطرق الثمانية ومتى تصح ومتى لا تصح هذا مظنة المصطلح.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

يا أخي المصطلح ملوه الإخوان؛ شرحناه سنين، في بعض الكتب عرض ثلاث مرات، وشرح ثلاث مرات بعض الكتب، والأشرطة الإخوان عندهم، المصطلح آخرها الباعث الحثيث كامل يا أخي، النخبة كاملة، ألفية العراقي قدر كبير منها مسجل، المصطلح يعني مطروق ما فيه إشكال، لكن إحنا نشرح على قدر ما يحتاج إليه في توضيح مثل هذا الكتاب المعتصر لا أقول المختصر، ولذلك تجدونه..، تسمعون ما فيه إطالة، وما فيه مزيد تفصيل يناسب صغر الكتاب.

طالب:.......

والله إن بين وقال..؛ لأنه أحياناً الشريط إذا قلت: حدثني، تسمع شريط للشيخ ابن باز أو ابن عثيمين تقول: حدثني ابن باز أو ابن عثيمين، يحتمل التدليس؛ لأن مثل هذا قد يسلكه بعض التدليس؛ ليوهم غيره أن الشيخ تفرد به وخصه بهذا الخبر، لا شك أن هذا تشبع، تشبع بما لم يعط.

طالب: لو قال سمعته من الشريط؟

لو قال: سمعته من الشريط خلاص ما أحد يتهمه.

طالب:.......

سمعته من لفظ الشيخ، إن بين يا أخي أولى وأورع أن يقول: سمعت من لفظ الشيخ بشريط، أيش المانع يا أخي، نعم.

طالب:.......

ما في ما يمنع، أيضاً لو تقول: سمعت، أنت سمعت صحيح، أنت سمعت، لكن لا تسلم من شوب الانقطاع مثل الوجادة، لا يسلم من شوب الانقطاع لماذا؟؛ لأنه قد يأتي ممن ولد الآن بعد عشر سنين أو عشرين سنة يقول: سمعت الشيخ ابن باز، انقطاع ظاهر ما أدرك ولا عصر الشيخ، نعم، وهو سمع بالفعل، سمع بالشريط، في الأصل أنه منقطع مثل الوجادة إلا أن فيه شوب اتصال باعتبارك سمعت لفظه، فالبيان هو الأولى؛ لا سيما وأن التشبع والتكثر عن طلاب العلم وإيهام السماع المباشر من لفظ الشيخ، أو إيهام الرحلة للقاء الشيخ، أحياناً أنت ما رأيت الشيخ ابن عثيمين مطلقاً فتقول: سمعت الشيخ ابن عثيمين، توحي أنك رحلت إلى بلده وتلقيت عنه وهكذا، هذا إيهام، هذا تشبع بما لم يعط، وطالب العلم ينبغي أن يكون صريحاً فإذا خشي من هذه الأمور يوضح.

ولا أجمل من قول من يقول: "أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت"، نعم، هو رأى الكوكب الذي انقض، هو ما رآه، لو سكت على هذا الحد، قال: نعم رأيته بيتهم، لكن بينفي؛ بيى يبين حقيقة الحال –الأمر- كما هو، "أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت"، يا أخي أنت قل: والله ما رحلت إلى الشيخ ابن عثيمين ولا رأيت الشيخ ابن عثيمين، لكن سمعته بشريط، يبي ينقص من قدرك شيئاً، هذا رفعة بلا شك، والحديث الصحيح: ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) [الحديث في الصحيح هذا].

وكم من طالب يزعم ويدعي أنه فعل وترك؛ لأنه سمع شريط وإلا سمع بواسطة وإلا سمع..، والله المستعان.

طالب:.......

هذا توسع في العبارة، توسع في العبارة، هذه عبارات صحفية أو إذاعات أو قل: ما شئت من..، نعم، هذا توسع غير مرضٍ يتفننون في العبارات، لكن ما حد بيظن بهم أن الطبري جاء وحدثهم وإلا..، نعم، مثل ما يتجوزون: هذا خبر السماء، هذا عدالة السماء، أيش الكلام هذا؟!

هذا كلام صحفيين هذا، لكن طالب العلم ينبغي أن يكون دقيقاً متحرياً متثبتاً فيما يقول، وفيما يترك، وفيما يفعل، وفيما يذر، لا سيما إذا خشي، لا سيما إذا خشي من السامع أن يكون قد فهم منزلة أعظم أو أعلى مما هو فيه، حينئذ يخبر عن الواقع، "أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت" تفضل؟

طالب:.......

جزاك الله خيراً.

المؤلف -رحمه الله تعالى-..، وإن أجازه الشيخ من غير رواية ومن غير قراءة ومن غير سماع من لفظه حينئذ لا يقول: سمعت، وإن سمع منه لفظاً مجملاً إجمالاً يقول: اروِ عني، هذا لا يكفي أن يقول: حدثني أو سمعت فلان، ثم يذكر أحاديث تفصيلية؛ لأنه إذن إجمالي بالرواية، فلا يقول: سمعت، ولا حدثني، ولا أخبرني، لكن لو تجاوز وقال: أخبرني إجازة -يعني بين فيقول: أجازني- هذا هو اللفظ المطابق للحال، والأولى والأورع: أجازني فلان، أو أذن لي فلان، لكن إن قال: حدثني إجازة، أو أخبرني إجازة، أو قال عن فلان لا سيما المتأخرين يستعملون العنعنة في الإجازة

وكثر استعمال عن في ذا الزمن

 

إجازة وهي بوصل ما قمن

قمَن يا سليمان؟

طالب:.......

لكن قَمَن وإلا قَمِن؟

طالب:.......

غيره، غيره واحد من الإخوان؟

طالب:.......

قمِن بالكسر؟

طالب:.......

وهي كذلك بالفتح،

وكثر استعمال عن في ذا الزمن

 

إجازة وهي بوصل ما قمَن

بالفتح، يعني تفتح وتكسر، لكن البيت المناسب له، الزمن، مناسب له قمَن.

 

اللهم صل على محمد ..

"