شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (282)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع بداية حلقتنا نرحب بضيف اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لا زلنا في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- حديث مائة وأربعين في الأصل، مائة وخمسة عشر حسب المختصر، لعلنا نستكمل ما تبقى جزاكم الله خيرًا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

فمازال الحديث والكلام عن غسل الرجلين، يقول ابن حجر: من قال بالمسح لم يوجب مسح العقب والحديث حجة عليه، يعني حديث عبد الله بن عمرو: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»، وقال الطحاوي: لمَّا أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أنَّ فرضها الغسل، وتعقبه ابن المنيِّر بأنَّ التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس يعم بالمسح وليس فرضها الغسل. يقول الطحاوي: لمَّا أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أنَّ فرضها الغسل، وتعقبه ابن المنير، بأنَّ التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل.

على كل حال يعني تعميمها بالمسح لو أنَّ النص جاء بالمسح لأمكن تعميمها بالمسح كالرأس، لكن لمَّا جاء التغليظ في شأنها، والتشديد في أمر العقب: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» دلَّ على أنَّ المسألة مسألة تحتاج إلى مزيد...

المُقَدِّم: نعم، من التأكيد.

عناية واحتياط، وذلك لا يكون بالمسح، وإنَّما يكون..

المُقَدِّم: بالغسل.

بالغسل، وقول ابن خزيمة لو كان الماسح مؤديًّا للفرض لما توعد بالنار، قال ابن حجر: أشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أنَّ الواجب المسح أخذًا بظاهر قراءة: وأرجلكم بالخفض، وقد تواترت الأخبار عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في صفة وضوئه أنَّه غسل رجليه، وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولًا في فضل الوضوء: «ثم يغسل قدميه كما أمره الله»، فدل على أنَّ المأمور به في الآية الغسل، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، وسيأتي الكلام عن هؤلاء- رضي الله عنهم-.

قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور، وادعى الطحاوي وابن حزم أنَّ المسح منسوخ، والله أعلم.

وفي تفسير القرطبي، قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] قرأ نافع وابن عامر والكسائي: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] بالنصب، وروى الوليد بن مسلم عن نافع أنَّه قرأ: {وَأَرْجُلُكُمْ} [المائدة:6] بالرفع، وهي قراءة الحسن والأعمش سليمان، يعني ابن مهران، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة:6] بالخفض، وبحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون، فمن قرأ بالنصب جعل العامل {فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] ، وبنى على أنَّ الفرض في الرجلين الغسل دون المسح، وهذا مذهب الجمهور والكافة من العلماء، وهو الثابت من فعل النبي- صلى الله عليه وسلم-، واللازم من قوله في غير ما حديث، وقد رأى قومًا يتوضؤون وأعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أسبغوا الوضوء». ثم إنَّ الله حدهما فقال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] كما قال في اليدين: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، فدل على وجوب غسلهما، والله أعلم؛ لأنَّ الممسوح لا يحتاج إلى تحديد، الرأس ما فيه تحديد، والوجه في التيمم ما فيه تحديد؛ لأنَّ المسح مبناه على التخفيف.

المُقَدِّم: التيسير.

على كل حال، ثم إنَّ الله حدهما فقال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] كما قال في اليدين: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، فدل على وجوب غسلهما، والله أعلم. ومن قرأ بالخفض جعل العامل الباء، قال ابن العربي: اتفقت العلماء على وجوب غسلهما، وما علمت...

المُقَدِّم: لكن يا شيخ الآن الخلاف الذي أوردتم- أحسن الله إليكم- أشرتم إلى الصحابة، خلاف الصحابة في العامل فقط أم في الغسل والمسح؟ قد يُشكل هذا. في أول ما ذكرتم قلتم وقع خلاف.

في ماذا؟

المُقَدِّم: بين الصحابة، في أول ما نقلتم.

أولًا مسألة القراءة معروفة.

المُقَدِّم: لكن خلاف الصحابة.

وما يترتب على القراءتين معروف، مسألة قراءة النصب هذه ما فيها إشكال، وأنَّها موجبة للغسل.

المُقَدِّم: جيد.

ومسألة قراءة الخفض يأتي ما في كلام أهل العلم من توجيه لها، بفعله -عليه الصلاة والسلام-.

المُقَدِّم: لكن في العام.

مثال لها- عليه الصلاة والسلام-.

المُقَدِّم: لكن ما كان فيه خلاف بين الصحابة في الوجوب؟

لا لا، ما يوجد، ابن أبي ليلى ماذا يقول؟

المُقَدِّم: في أول نقلكم يا شيخ.

قال: ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

المُقَدِّم: طيب، جيد.

 إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، سيأتي في كلام أهل العلم أنَّه لم يثبت عنهم ذلك.

المُقَدِّم: جيد.

نعم، ولذا قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور، إذا كان غسل الرجلين ثابتًا عن علي- رضي الله عنه- في كتب الشيعة، في نهج البلاغة مثلًا غسل الرجلين سيأتي الإشارة إلى هذا.

المُقَدِّم: طيب في النقل الذي يليه لمَّا نقلتم الأقوال، هل الخلاف فقط في العامل بعدها يا شيخ؟ واختلف الصحابة.

كيف؟ قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور، وادعى الطحاوي وابن حزم أنَّ المسح منسوخ.

وفي تفسير القرطبي، قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] قرأ نافع وابن عامر والكسائي: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] بالنصب، وروى الوليد بن مسلم عن نافع أنَّه قرأ: {وَأَرْجُلُكُمْ} [المائدة:6] بالرفع، وهي قراءة الحسن والأعمش سليمان، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة:6]، وحمزة {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة:6] بالخفض، وبحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون.

المُقَدِّم: هل الخلاف هذا في العامل؟

لا، في التوجيه اللغوي.

المُقَدِّم: في توجيه العامل.

في التوجيه اللغوي؛ ولذلك قال: وبحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون، فمن قرأ بالنصب جعل العامل {فَاغْسِلُوا}، وبنى على أنَّ الفرض في الرجلين الغسل دون المسح، وهذا مذهب الجمهور والكافة من العلماء، وهو الثابت من فعل النبي- صلى الله عليه وسلم-، واللازم من قوله في غير ما حديث، وقد رأى قومًا يتوضؤون وأعقابهم تلوح فنادى بأعلى صوته: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أسبغوا الوضوء».

المُقَدِّم: لذلك يا شيخ لمَّا جاء قوله: قال: وهذا قول كافة العلماء؛ لأنَّه فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- يُفهم أنَّ اختلاف الصحابة والتابعين في الغسل أو المسح؛ ولذلك هنا ورد إشكالي فقط، لمَّا قال.

والمسألة ما تسلم من لبس.

المُقَدِّم: نعم.

لأنَّ قراءة الخفض استدل بها من استدل بالمسح، وسيأتي أنَّ بعضهم حمل هذا المسح على الرجل إذا كانت في الخف، سيأتي كلام طويل لأهل العلم.

المُقَدِّم: جيد.

يعني لأهمية هذه المسألة أفضت في النقول، ثم إنَّ الله حدهما فقال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] كما قال في اليدين: { إلى المرافق} [المائدة:6] فدل على وجوب غسلهما، والله أعلم.

 ومن قرأ بالخفض جعل العامل الباء، قال ابن العربي: اتفقت العلماء على وجوب غسلهما، وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين، وما رد الغسل الطبري إنَّما رد..

المُقَدِّم: القراءة.

ولا رد القراءة، فالقراءتان سبعيتان.

المُقَدِّم: إذًا.

إنَّما رد العطف، يعني العطف.

المُقَدِّم: العامل نعم.

{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] هل هو مردود إلى الرؤوس فيمسح، أو مردود إلى الأيدي وهي قبلها فيغسل؟ وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين، وسيأتي في كلام الطبري ما يرد هذا الكلام، من تفسيره، والرافضة من غيرهم، يقول: ... من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين، والرافضة من غيرهم، هذا كلام ابن العربي، وتعلق الطبري بقراءة الخفض.

الإشكال أنَّ الطبري فهم كثير ممن قرأ كلامه ونقلوا عنه مع نسبة الرافضة هذا القول إليه، يعني استشرفت النفوس، واستروحت، واطمأنت إلى أنَّ الطبري يقول بهذا الكلام، وتواطؤا على نقله عنه.

المُقَدِّم: واعتقدوا هذا صحيحًا؟

نعم؟

المُقَدِّم: هذا اعتقده كثير أنَّ الطبري...

نعم، لكن سيأتي في كلامه ما ينقض هذا الكلام، هو يرى أنَّ الرجل تمسح، لكن ما معنى المسح؟ ما معنى المسح عنده؟ نتعجل الكلام؛ لئلا يسمع هذه الحلقة من لم يسمع الحلقات اللاحقة، المسح عنده يعني الغسل، فقراءة النصب توجب غسل الرجل، وقراءة الجر توجب مسحها باليد مع الغسل، يعني هذا تأكيد بالغسل؛ ولذلك أورد حديثًا بعد أن قرر كلامًا بأوضح بيان أورد حديث «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» من طرق كثيرة جدًّا، قد لا توجد عند غيره.

المُقَدِّم: يدل على صحة قوله.

فهل يقول قائل: إنَّ الطبري يرى المسح، وهو يورد مثل هذا الحديث؟

المُقَدِّم: أبدًا.

وسيأتي أنَّ المراد بالطبري في كلامهم، في كلام الذي أسنده له أهل العلم غير الطبري المفسر.

سيأتي في كلام الألوسي إن شاء الله تعالى، ثم قال: وذهب ابن جرير الطبري إلى أنَّ فرضهما التخيير بين الغسل والمسح، وجعل القراءتين كالروايتين، وسيأتي أنَّه يعين الغسل.

قال النحاس: من أحسن ما قيل فيه أنَّ المسح والغسل واجبان جميعًا، فالمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض، والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب، والقراءتان بمنزلة آيتين.

قال ابن عطية: وذهب قوم ممن قرأ بالكسر إلى أنَّ المسح في الرجلين هو الغسل، وهذا ما سيأتي في كلام الطبري وغيره. قلت: وهو الصحيح، فإنَّ لفظ المسح مشترك يطلق بمعنى المسح، ويطلق بمعنى الغسل، قال الهروي: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلاً ويكون مسحًا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه: قد تمسح، ويقال: مسح الله ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب، هذا كلام أئمة اللغة، فإذا ثبت بالنقل عن العرب أنَّ المسح يكون بمعنى الغسل، فترجح قول من قال: إنَّ المراد بقراءة الخفض الغسل، بقراءة النصب، يعني صار المسح يحتمل المعنيين.

المُقَدِّم: نعم.

ما الذي يرجح المعنى الثاني الذي هو الغسل؟ القراءة الأخرى، فترجح قول من قال: إنَّ المراد بقراءة الخفض الغسل، بقراءة النصب التي لا احتمال فيها، وبكثرة الأحاديث الثابتة بالغسل، والتوعد على ترك غسلها في أخبار صحاح لا تحصى كثرة أخرجها الأئمة، ثم إنَّ المسح في الرأس إنَّما دخل بين ما يغسل لبيان الترتيب، فالترتيب واجب عند جمع من أهل العلم، والدليل على ذلك أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- غسل مرتبًا.

المُقَدِّم: نعم، صح.

بيانًا للواجب في الآية، والله- جلَّ وعلا- أدخل الممسوح بين مغسولات، وقطع النظير عن نظيره للإشارة إلى وجوب الترتيب، ثم إنَّ المسح في الرأس إنَّما دخل بين ما يغسل لبيان الترتيب على أنَّه مفعول قبل الرجلين، التقدير: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ وامسحوا برءوسكم، فلما كان الرأس مفعولًا قبل الرجلين قدم عليهما في التلاوة- والله أعلم-؛ لأنَّهما مشتركان مع الرأس؛ لتقدمه عليهما في صفة الترتيب، في صفة التطهير.

وقد روى عاصم بن كليب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قرأ الحسن والحسين- رحمة الله عليهما- عليَّ {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة:6] فسمع..، يقول أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ الحسن والحسين- رحمة الله عليهما- علي {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة:6] فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] هذا من المقدم والمؤخر من الكلام. هذا رد علي- رضي الله عنه-، وقد قيل: إنَّ الخفض في الرجلين إنما جاء مقيدًا لمسحهما، لكن إذا كان عليهما أو إيش؟ إنَّما جاء مقيد أو مفيد لمسحهما؟ مفيد لمسحهما، لكن إذا كان عليهما خفان، وتلقينا هذا القيد، وقد قيل: إنَّ الخفض في الرجلين إنما جاء مقيدًا لمسحهما، لكن إذا كان عليهما خفان، وتلقينا هذا القيد من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إذ لم يصح عنه أنَّه مسح رجليه إلا وعليهما خفان، فبين- صلى الله عليه وسلم- بفعله الحال التي تغسل فيه الرجل، والحال التي تمسح فيه، وهذا حسن. لماذا يُلجأ لمثل هذا الكلام؟

أولًا: النصوص الصحيحة الثابتة من فعله- عليه الصلاة والسلام- يدل على هذا.

الأمر الثاني: لدفع التعارض بين القراءتين، لدفع التعارض في الظاهر لا في الحقيقة والباطن بين القراءتين؛ لأنَّ القراءتين متواترتان، ولا يُمكن أن يوجد تعارض حقيقي بين نصوص صحيحة صريحة.

ثم قال: وقد قيل: إنَّ قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] معطوف على اللفظ دون المعنى، وقد قيل إنَّ قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] معطوف على اللفظ {بِرُءُوسِكُمْ} على لفظها، لفظها إيش؟

المُقَدِّم: الخفض.

الخفض بالحرف. وموضعها النصب، الأصل امسحوا رؤوسكم، فهو منصوب، هذا إذا قلنا: إنَّه معطوف على أقرب مذكور، وإذا قلنا: معطوف على ما تقدم فالأمر أوضح، وقد قيل: إنَّ قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] معطوف على اللفظ دون المعنى، وهذا أيضًا يدل على الغسل فإنَّ المراعى المعنى لا اللفظ، وإنَّما خفض للجوار كما تفعل العرب، وقد جاء هذا في القرآن وغيره قال الله تعالى: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن:35].

ونحاس هذا بالمجاورة، ونحاسٍ هذه قراءة، جُرت نحاس بالمجاورة، والأصل نحاسٌ.

المُقَدِّم: أينعم.

 بالجر لأنَّ النحاس الدخان. وقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] بالجر. قال امرؤ القيس:

كبير أناس في بجاد مزمل، الأصل أن يرجع إلى كبير، وهو مرفوع فخفض مزمل بالجوار، وإنَّ المزمل الرجل وإعرابه الرفع، قال زهير:

لعب الزمان بها وغيرها

 

 

بعدي سوافي المور والقطر

 

قال أبو حاتم: كان الوجه القطر بالرفع، سيأتي أيضًا من يرد القول بالجر بالمجاورة، وأنَّه لم يرد إلا بدون عاطف، ممن رد الجر بالمجاورة قال: "إنَّ وروده هذا جحر ضب خرب" بدون عطف، والآية فيها عطف{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] لكن هنا:

لعب الزمان بها وغيرها

 

 

بعدي سوافي المور والقطر

 

هنا عطف، قال أبو حاتم: كان الوجه والقطر بالرفع، ولكنه جره على جوار المور، كما قالت العرب: "هذا جحر ضب خرب"، فجروه وإنَّما هو رفع. وهذا مذهب الأخفش وأبي عبيدة، ورده النحاس وقال: هذا القول غلط عظيم؛ لأنَّ الجوار لا يكون في الكلام أن يقاس عليه، وإنَّما غلط ونظيره الإقواء. هذا القول غلط عظيم؛ لأنَّ الجوار لا يكون في الكلام أن يقاس عليه، وإنَّما هو غلط في الإقواء.

قال الألوسي في روح المعاني: أطال المفسرون على هذه القراءة وعلى توجيهها، وما تقدم مقتضب من كلام القرطبي، في كلام للألوسي مطول جدًّا، قال: {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم؛ لأنَّ الشيعة يرون أنَّ الكعبين هما العظمان الناشزان على ظهر القدم.

المُقَدِّم: نعم.

هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم، ومنه الكاعب- وهي الجارية التي تبدو ثديها للنهود- وروى هشام عن محمد أنَّ الكعب هو المفصل الذي في وسط القدم عند معترك الشراك؛ لأنَّ الكعب اسم للمفصل، ومنه كعوب الرمح، والذي في وسط القدم مفصل دون ما على الساق، وهذا صحيح في المحرم إذا لم يجد نعلين فإنَّه يقطع خفيه أسفل من الكعبين، ولعل ذلك مراد محمد، فأمَّا في الطهارة فلا شك أنَّه ما ذكرنا.

في كلام الألوسي يقول: {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق، هذا كلام عامة أهل العلم، قول جميع من يعتد بقولهم من أهل العلم، عند مفصل الساق والقدم ومنه الكاعب- وهي الجارية التي تبدو ثديها للنهود-، وروى هشام عن محمد أنَّ الكعب هو المفصل الذي في وسط القدم عند معترك الشراك؛ لأنَّ الكعب اسم للمفصل، ومنه كعوب الرمح والذي في وسط القدم مفصل، وهذا قال: وهذا صحيح في المحرم إذا لم يجد نعلين فإنَّه يقطع خفيه أسفل من الكعبين، ولعل ذلك مراد محمد، فأمَّا في الطهارة فلا شك أنَّه ما ذكر، عمومًا التكعب البروز، فإذا كان هذا بارزًا يصح أن يسمى كعبًا لغة، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد في الآية.

المُقَدِّم: الذي هو هنا يا شيخ يقصدون؟

معقد الشراك، تحت، هنا الذي ينتهي عنده شراك النعل.

المُقَدِّم: ينتهي عنده شراك النعل.

نعم هنا، هذا يقول به الشيعة، ولم يوافقهم أحد ممن يعتد بقولهم من أهل العلم، نعم، قال بعضهم مثل ما أشار إليه الألوسي أنَّ هذا في المحرم إذا لم يجد نعلين يقطع إلى معقد الشراك، لماذا؟ من أين أخذ مثل هذا؟ يعني القطع إلى معقد الشراك لا إلى ما دون الكعبين في جانبي الرجل؛ لأنَّ الأصل النعل.

المُقَدِّم: القدم، النعل نفسه من هنا تكون.

فتقطع الخف حتى تشبه النعل، فلا تغطي الكعب الذي هو معقد الشراك، فلعل هذا منزع محمد الذي نُقل عنه هذا الكلام.

فأمَّا في الطهارة فلا شك أنَّه ما ذكرناه، وفي الأرجل ثلاث قراءات: واحدة شاذة واثنتان متواترتان، أمَّا الشاذة فالرفع- وهي قراءة الحسن-، وأما المتواترتان فالنصب، وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب، والجر، وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه.

يقول: من هنا اختلف الناس في غسل الرجلين ومسحهما، فذكر القولين ثم قال: وقال داود يجب الجميع. الخلاف الذي ذكره الألوسي فيه شيء من الطول، وفيه شيء من التفصيل. فلعنا نرجؤه إلى الحلقة لاحقة، إن شاء الله تعالى.

المُقَدِّم: الخلاف ذكره يا شيخ.

ثم نردفه بكلام الطبري وهو أيضًا مطول جدًّا.

المُقَدِّم: والخلاف نفسه في مسألة هل يجمع بين الغسل والمسح؟

أو يُكتفى بأحدهما.

المُقَدِّم: أو يكتفى بأحدهما.

نعم.

المُقَدِّم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.

 أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

 نستكمل بإذن الله ما تبقى من هذه الحلقة في لقاء قادم، وأنتم على خير، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.