شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 21

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب ((الصوم)) من كتاب ((التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)).

مع بداية هذه الحلقة نُرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: فضيلة الدكتور، كنا توقفنا عند مسألة إبطال العمل وسُقتم أقوال أهل العلم في هذه المسألة، نستكمل ما تبقى في حديث أبي جحيفة، أحسن الله إليكم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فذكرنا بعض الأقوال وكان من آخرها قول القرطبي، هنا يقول أبو عُمَر بن عبد البر- رحمه الله-: مَن احتج في هذه المسألة، التي هي إبطال العمل المندوب، كالصيام الذي هو موضوع البحث، أصل الكلام كله في تفطير سلمان لأبي الدرداء، من احتج في هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33] فجاهلٌ بأقوال أهل العلم. وذلك أن العلماء فيه على قولين- أولاً ابن عبد البر- رحمه الله- مذهبه مالكي ومع ذلك خالف المذهب في مسائل هي موجودة في (التمهيد) وغيره من كتبه. عندنا مدون، المسائل التي خالف فيها ابن عبد البر الإمام مالك من خلال كتاب (التمهيد)، فهو مُتبِع للدليل وليس بمُقلِد، وهو حافظ المغرب- رحمه الله-.

من احتج في هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33] فجاهلٌ بأقوال أهل العلم. وذلك أن العلماء فيه على قولين: فيقول أكثر أهل السُّنَّة: لا تبطلوها بالرياء، أخلصوها لله تعالى. وقال آخرون: لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر.

ابن عبد البر حينما يقول هذا الكلام، هل رد على الأقوال الأخرى أو ما رد؟ يعني من قال..، احتج في هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33] فجاهلٌ بأقوال أهل العلم، يعني في تفسير هذه الآية، وأن المراد بالنهي عن الإبطال هنا بالرياء مثلاً أو بارتكاب الكبائر كما قيل. لا أنه بقطعها، إما تركًا بالكلية أو مع الاستئناف.

يقول: جاهلٌ بأقوال أهل العلم في تفسير الآية، يعني لا في مدلولها.

يقول العيني: قلتُ: مَن أين لأبي عُمَر هذا الحصر وقد اختلفوا في معناه؟ فقيل: لا تبطلوا الطاعات بالكبائر، وقيل: لا تبطلوا أعمالكم بمعصية الله ورسوله، وعن ابن عباسٍ: لا تبطلوها بالرياء والسمعة، وعنه: بالشك والنفاق، وقيل: بالعُجب؛ فإن العُجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وقيل: لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى، على أن قوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33] عامٌّ يتناول كل من يُبطل عمله، سواءً كان في صومٍ أو في صلاةٍ ونحوهما من الأعمال المشروعة. فإذا نُهي عن إبطاله، يجب عليه قضاءه ليخرج من عُهدة ما شرع فيه وأبطله.

الآن كلام ابن عبد البر كأنه يميل إلى أن مسألة إبطال العمل، الإبطال الحسي والخروج منه قبل إتمامه لا يدخل في الآية، لا يتناوله عموم الآية؛ لأن أقوال المُفسرين من السلف، من المتقدمين.

المقدم: لم يرد فيها هذا اللفظ..

ما فيها هذا الكلام

المقدم: ما فيها هذا المعنى.

نعم لكن العيني يقول: من أين له هذا الحصر؟ وهذا يجرنا إلى مسألةٍ أخرى وهي إذا اختلف السلف في تفسير لفظ من القرآن أو آية أو معنى من المعاني، أو دلالة يعني حكم شرعي، على قولين أو على ثلاثة أو على أربع، ثمَّ لاح لمتأخرٍ قول جديد، بمعنى أنه عموم اللفظ يتناوله ولا يأباه، ويوجد ما يشهد له، وإن لم ينتبه له من سلف، هل يجوز له ذلك أو لا؟

نعم، في كلام الأئمة المتأخرين كشيخ الإسلام وغيره، في تجديد، لكن ليس هذا لكل أحد، يقول: أنا عربي وأفهم النصوص وأتى بأقوال لم أُسبَق إليها، لا، إنما هذا لمَن؟

المقدم: من ملك الأدوات.

بلا شك ملك الأدوات وصار استحضار النصوص؛ لأن النصوص سيُفسِر بعضها بعضًا، استحضار النصوص في ذهنه يسير، بحيث إذا قرأ وأراد أن يُفسِّر آية، استحضر ما في المعنى من آيات واستحضر ما في المعنى من أحاديث. فإذا لاح له معنى لم يُسبَق إليه، فرُبَّ مُبلغٍ أوعى من سامع.

أما شخص لا يعرف شيئًا أو يعرف شيئًا يسيرًا أو بحث هذه المسألة مستقلة وغفل عما عداها مما قبلها أو بعدها، ثمَّ أراد أن يأتي بقولٍ لم يُسبَق إليه، فلا. فليس لكل أحد؛ ولذا نسمع أحيانًا على ألسنة الكُتَّاب وعلى من ليس من العلم في قبيلٍ ولا دبير، يُفسِّر الآيات على مزاجه... هذا لا يجوز بحال. مَن قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار، الوعيد شديد في مثل هذا، في تفسير القرآن بالرأي. لكن التفسير بالرأي المُستنِد على النصوص وعلى الإحاطة بأقوال سلف هذه الأمة وعلى ما جاء في لغة العرب وسعتها، هذا له ذلك إذا تأهَّل. ولذا نجد في كلام المتأخرين من التفاسير والاستنباطات التي لم يُسبقوا إليها، لكن هذا لأهله، لمن تأهَّل وليس لكل أحد.

يقول العيني: من أين له هذا الحصر وقد اختلفوا في معناه، ثمَّ ساق الأقوال. ثم قال: على أن قوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33] عامٌّ يتناول كل من يُبطِل عمله سواءً كان في صومٍ أو في صلاةٍ ونحوهما من الأعمال المشروعة. فإذا نُهي عن إبطاله، يجب عليه قضاؤه؛ ليخرج عن عُهدة ما شرع فيه وأبطله.

وأقول: إن دخول المسألة التي نبحثها في الآية دخول أولي، الدلالة عليها ظاهرة. فالإبطال ظاهر في الانصراف عن العمل. والدلالة على الحسي أوضح منها في الدلالة على المعنوي، وإن كان قد يكون أثر المعنوي أشد من أثر الحسي، لاسيما مثل الشرك الخفي، الرياء ونحوه.

ومن وجه باعتبار أنه يتعلَّق بالأصل، بأصل الدين، فهو أظهر من الإبطال الحسي من وجهٍ آخر؛ لأنه يتعلَّق بفرع لا بالأصل.

من جهةٍ أخرى الإبطال الحسي أبلغ من الإبطال المعنوي، كالرياء، باعتبار أن الإبطال الحسي يقضي على العمل من أصله. يعني شخص أراد أن يُصلي ركعتين، صلى نصف ركعة مثلاً، ركع وانصرف من الصلاة. هل هذا يستوي مع من عرض له يسير الرياء مثلاً وطرده؟ لا، لا يستوي، فهو من هذه الحيثية أشد.

قال ابن المُنيِّر من المالكية في (حاشيته) وعرفنا أن ابن المُنيِّر، زين الدين وناصر الدين اثنين، أحدهما له (حاشية) والآخر له (المناسبات).

قال صاحب (الحاشية): ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذرٍ إلا الأدلة العامة، كقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33]. إلا أن الخاص يُقدَّم على العام كحديث سلمان ونحوه. فمذهب الشافعية في هذه المسألة أظهر.

ابن المُنيِّر مالكي، ويقول: ليس في تحريم الأكل- يعني في إبطال العمل المندوب، ومثَّل له بالأكل في صوم النفل الذي جاء في حديث الباب- من غير عذرٍ، إلا الأدلة العامة- يعني مثل الآية: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 33]- إلا أن الخاص يُقدَّم على العام، كحديث سلمان خاص في الصوم، فهو مُقدَّم على عموم الآية. فمذهب الشافعية في هذه المسألة أظهر وهو مذهب الحنابلة.

يقول ابن حجر: وهذا إنصاف، ما معنى إنصاف؟ أنه خرج عن مذهبه لما يقتضيه الدليل.

وفي (المُقنع) لمَن؟

المقدم: (المُقنع) في الفقه الحنبلي.

نعم، أم (المُقنع) في القراءات؟

المقدم: فيه (مُقنع) آخر؟

فيه كتب كثيرة، لكن (المُقنع) في مثل هذا السياق، وقد ذكرنا أقوالًا عن المالكية وعن الحنفية وعن الشافعية، إذًا لابد أن ننقل عن الحنابلة. إذًا (المُقنع) لمَن؟ للموفق ابن قدامة. ابن قدامة ألَّف كتبًا متدرجة لطلب الفقه الحنبلي، فجعل (العُمدة) للمبتدئين، والمتوسطين لهم (المُقنع) على روايتين، ثمَّ (الكافي) هذا بالنسبة للمُنتهين في إطار المذهب، و(المُغني) للمذاهب بأدلتها.

في (المُقنع) وشرحه الكبير، يقول في (المُقنع): ومَن شرع في صومٍ أو صلاةٍ تطوعًا، استُحِب له إتمامه ولا يلزمه، فإن أفسده فلا قضاء عليه.

شرع في صلاة تطوع، المسألة يحتاجها كثير من الناس، لاسيما في المسجد الحرام، شرع في الراتبة مثلاً بعد الفريضة، ثمَّ قيل: الصلاة على الأموات، يقطع هذا التطوع؟

المقدم: أو صلاة القيام مثلاً، يكون ما عرف الوقت.

يعني كونه يُخفف الركعتين من أجل صلاة القيام ويلحق بالإمام وهو مشغول بعبادة، لكن الكلام على صلاة الجنازة التي تفوت، وفيها الأجور، كل جنازة فيها قيراط.

المقصود إذا شرع في الراتبة وقيل: الصلاة على الأموات، هل يقطع الراتبة أو يلزمه إتمامها؟

يقول: من شرع في صومٍ أو صلاةٍ تطوعًا، وهذا مثل ما سبقت الإشارة إليه في المُفاضلة في الأعمال، التفاضل في الأعمال. من شرع في صومٍ أو صلاة تطوعًا، استُحِب له إتمامه ولا يلزمه، فإن أفسده فلا قضاء عليه.

يقول الشارح: لما روي عن ابن عُمَر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثمَّ أفطرا، وقال ابن عُمَر: لا بأس به ما لم يكن نذرًا أو قضاء رمضان.

وقال ابن عباس: إذا صام تطوعًا ثمَّ شاء أن يقطعه، قطعه. وإذا دخل في صلاةٍ تطوعًا، إن شاء أن يقطعها قطعها.

وقال ابن مسعود: متى أصبحت تريد الصوم، فأنت على خير النظرين، إن شئت صُمت وإن شئت أفطرت.

هذا قول أحمد والثوري والشافعي وإسحاق، وقد روى حنبل عن أحمد: أنه إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه، فأفطر من غير عذرٍ، أعاد ذلك اليوم وهذا محمولٌ على أنه استحب ذلك أو نذره ليكون موافقًا لسائر الروايات. ما هي الرواية الأخرى عن الإمام؟

إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه، ما معنى أوجبه على نفسه؟

المقدم: بنذر مثلاً.

لا، إذا أوجبه على نفسه ما يدخل في الخلاف أصلاً، إذا دخل في صوم واجب. الخلاف في النفل.

المقدم: كيف أوجبه على نفسه؟

بالشروع، يعبرون أحيانًا عن الشروع بالإيجاب، شخص أوجب على نفسه بمعنى أنه شرع في عمل. وإلا فالأصل هو ليس بواجب عليه.

وقد روى حنبل عن أحمد: إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه فأفطر من غير عذرٍ، أعاد ذلك اليوم وهذا محمولٌ على أنه استحب ذلك. يعني استحب القضاء والإعادة. أو نذره ليكون موافقًا لسائر الروايات؛ لأن اللفظ: أوجبه على نفسه، يحتمل أنه بالشروع أو بالنذر. فإن كان بالشروع، فالإعادة استحباب. وإن كان بالنذر، فالحكم حكم الأصل وهو الوجوب.

ثمَّ قال: فصلٌ وسائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع، ولا يجب قضاؤها إذا أفسدها إلا الحج والعمرة، فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا؛ لتأكيد إحرامهما ولا يخرج منهما بإفسادهما. حتى لو أفسد الحج أو العمرة، يمضي في فاسده ويُكمِل ولو كان فاسدًا، ثمَّ بعد ذلك يقضي وهذا خاص. يعني من أبطل الصلاة، هل يمضي فيها؟ ما يمضي، يقطعها. من أبطل الصوم هل يمضي فيه؟ لا يمضي فيه بل يقطعه، بخلاف الحج والعمرة، فإنه يمضي في فاسدهما ومع ذلك يلزمه القضاء.

ولا يجب قضاؤها إذا أفسدها، إلا الحج والعمرة، فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكيد إحرامهما، ولا يخرج منهما بإفسادهما. ولو اعتقد أنهما واجبان ولم يكونا واجبين، لم يكن له الخروج منهما.

أنهما واجبان ولم يكونا واجبين تبين أنهما غير واجبين يعني توقع أن حجه في الفريضة باطل، ثمَّ تبيَّن أنه صحيح. وحجَّ الحجة الثانية على أنها قضاء عن حجة الإسلام، ثمَّ تبيَّن أن حجة الإسلام مُجزأة، لم يكن له الخروج منهما. شخص انتهى من أعمال الحج وأخر طواف الإفاضة ولما أراد أن يخرج، قال: يطوف للإفاضة والوداع. لكنه عند الطواف نسي طواف الإفاضة، فطاف للوداع.

المقدم: نسي النية التي تجمع بين الطوافين؟

نعم، نسي النية، فطاف للوداع. فقيل له: إن طوافك وقع عن الوداع ولم يقع عن الإفاضة الذي هو ركن الحج، فحجك غير صحيح. فأراد أن يأتي به من العام القادم، ثمَّ سأل بعد أن وقف بعرفة مثلاً، فقيل له: أقام طواف الوداع مقام طواف الإفاضة، ويقول هذا جمعٌ من أهل العلم. ولو نوى الوداع، لا يقع عنه.

كما لو حج نفلاً ابتداءً وهو لم يحج الفريضة، يقول أهل العلم: يقع عن الفريضة.

المقدم: فهنا ينتقل من كونه حجًّا واجبًا إلى نفل.

قال: نفل لا أريد إتمامه، سيمشي بعد عرفة. لا، يلزمه، لم يكن له الخروج منه.

وقد روي عن أحمد ما يدل على أنها تلزم بالشروع، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: الرجل يُصبح صائمًا متطوعًا، أيكون بالخيار؟ والرجل يدخل في الصلاة له أن يقطعها؟ قال: الصلاة أشد، أما الصلاة فلا يقطعها. قيل له: فإن قطعها، قضاها؟ قال: إن قضاها، فليس فيه اختلاف. يعني يبرأ من عهدتها.

ومال أبو إسحاق الجوزجاني إلى هذا القول، وقال: الصلاة ذات إحرام وإحلال، فلزمت بالشروع فيها كالحج. وأكثر أصحابنا على أنها لا تلزم أيضًا، وهو قول ابن عباس؛ لأن ما جاز ترك جميعه، جاز ترك بعضه كالصدقة. والحج والعمرة يخالفان غيرهما بما ذكرنا؛ لأنه جاء التنصيص عليهما في قوله- جلَّ وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [سورة البقرة 196]، وقضاء الصحابة على هذا أنه يلزم الإتمام.

فالمُتَرجِّح عندي بالنسبة للآية أنها على عمومها، وأن من شرع في عبادة سواءً كانت واجبة أو مندوبة، أنه لا يقطعها؛ لعموم النهي. لكن إن كانت هذه العبادة واجبة، حَرُمَ عليه قطعها لغير عذر. وإن كانت مندوبة، كُرِهَ له قطعها من غير عذر؛ لأن القطع مُنافٍ للشروع، فيأخذ حكم منافي الحكم، فإن كان الحكم الوجوب، فالقطع حرام. وإن كان الحكم الاستحباب، فالقطع مكروه.

في مسائل، مثلاً شخص شرع في صلاة فدعاه أبوه أو دعته أمه، من يجب عليه إجابة طلبه، والصلاة نفترض أنها فريضة ونفترض أيضًا أنها نافلة، يقطع أو لا يقطع؟ على الخلاف المُتقدِّم:

يعني عند الحنفية: لا يجوز.

عند المالكية: هذا عذر، يجوز.

وعند الشافعي والحنابلة: ما فيه إشكال، يقطع.

طيب جُريج لما نادته أمه.

المقدم: فلم يقطع الصلاة.

نعم، هل كان النداء في أثناء الصلاة أو بين صلاتين؟ لأنه يتكلم، يقول: أمي وصلاتي، ويحتمل أنه يتكلم وفي شرعهم مثل هذا يجوز.

المقدم: ويحتمل أن يكون الكلام ليس بلسان الحال، يعني كأنه مُتردد بين أمه وصلاته.

يعني ليس بلسان المقال؟

المقدم: نعم.

احتمال، كل هذه احتمالات، ومع ذلك، تجب عليه أو يلزمه إجابة أمه. ومثل ما قلنا في السابق إنه إذا كانت نافلة، يلزم. إلا إذا عرف من حالها أنها إذا عرفت أنه يُصلي، تتركه، فسبَّح مثلاً وكفت عنه، هذا أولى بلا شك. لكن إذا كان لا يتم مرادها إلا بقطع النافلة، يقطعها.

من أين أخذنا أن إجابة جُريج لأمه واجبة؟ من كونها دعت عليه وأُجيبت الدعوة، وإن كان ترتب عليها كرامة لجُريج مما أظهر فضله، لكن مع ذلك عوقِب، فدلَّ على أن الإجابة واجبة.

المسألة الثالثة: من شرع في فريضةٍ مُنفردًا، جاء والجماعة قد صلوا فأقام وكبَّر للإحرام وصلى ركعة ثمَّ أدرك جماعة، جاء جماعة وصلَّوا. العلماء، لا سيما عند الحنابلة، يقولون: إن قَلَب منفردٌ فرضه نفلاً في وقته المُتسع، جاز. وهذا وإن لم يكن إبطال كلي، إلا أنه إبطال جزئي، يعني كان مُفترِض، لا يجوز الخروج من الصلاة، فقلبها إلى نفل والوقت مُتسع؛ ليُدرِك فريضة مثلاً أو ليتدارك شيء يفوت مما يضر به أو بغيره، هذا لا شك أنه عند الحنابلة هذا نصهم: إن قَلَب منفردٌ فرضه نفلاً في وقته المُتسع، جاز. يعني أدرك أن هناك جماعة يُصلون، فأراد تحصيل الجماعة، فقلبها إلى نفل. وحينئذٍ أبطل النية من فرض إلى نفل، فيُجيزون مثل هذا وله علاقة بمسألتنا.

العكس، إذا أحرَم، كبَّر للإحرام بنية النفل..

المقدم: ثمَّ تذكر أنه لم يصل مثلاً.

نعم، فأراد أن يقلبها فريضة، لاسيما وأنه لو استمر في النفل خرج الوقت مثلاً، يعني ما بقي من الوقت إلا ما يسع ركعتين، فقال: لو أتممت الركعتين، خرج الوقت، فخرج.

المقدم: فهل يقلب أم لا؟

نعم.

المقدم: عندي يا شيخ أنه ما يقلب وإنما يقطع النفل مُباشرة، ثمَّ يشرع من جديد.

نعم، يشرع في الفريضة من جديد؛ لأن هذا عذر يقطع النفل.

أما قلب النية من نفل إلى فرض، لاسيما قبل الشروع في الفاتحة وبعد تكبيرة الإحرام، فهذا يترتب على الخلاف في حكم تكبيرة الإحرام. فمن يقول إنها ركن، يقول: داخل الماهية وحينئذٍ لا يجوز له أن يقلب النية، وهذا قول الجمهور. ومن يقول إن تكبيرة الإحرام شرط، كالحنفية، يقول: إن الشرط خارج الماهية فله أن يقلب قبل الشروع في الركن الذي يليها.

المقدم: أحسن الله إليكم، بقي شيء معنا في الحديث غير...؟

أطراف الحديث.

المقدم: في أطراف غير طرف واحد؟

لا، في أكثر، طرفين.

المقدم: فيها أكثر من طرف طيب نتركه في حلقة قادمة- إن شاء الله- مطلع الحلقة القادمة نبدأ بالأطراف ونستكمل ما تبقى بإذن الله تعالى في هذا الباب.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب ((الصوم)) في كتاب ((التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)).

لقاؤنا بكم– بإذن الله- في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير.

شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة وبركاته.