شرح كتاب التوحيد - 71

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: في باب ما جاء في كثرة الحلف: "وفي (الصحيح) عن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»" هذه الأمة هي خير الأمم بلا شك؛ لقول الله –جلَّ وعلا-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] والخيرية مقرونة بقوله –جلَّ وعلا-: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، فهذه الأمة خير الأمم إن قامت بالوصف الذي عُلِّقت عليه الخيرية.

هذه الأمة التي هي خير الأمم خيرها قرنه –عليه الصلاة والسلام-، والمراد بهم صحابته- رضوان الله عليهم-.

«ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» القرن الجيل من الناس على قول كثيرٍ من أهل العلم، ومنهم من يحُده بالسنين، فيقول: مائة سنة أو مائة وعشرون، وقال بعضهم: سبعون، وقال بعضهم: تسعون، أقوال كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).

هذا القرن الذي حُد بهذا الحد، قرن الصحابة انقرض بموت آخرهم أبي واثلة عامر بن الطفيلي الذي مات سنة عشرٍ ومائة، مائة وعشر؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال سنة عشرٍ من الهجرة: «لا يأتي على الناس مائة عام وعلى وجه الأرض نفسٌ منفوسة أو ما من نفسٍ منفوسة يأتي عليها مائة عام» يعني من ليلته التي قاله فيها، فمات أبو الطفيل سنة عشرٍ ومائة.

انقرض عصر الصحابة بوفاة آخرهم، وإن كان بعضهم يقول: لا يُسمى عصر الصحابة إلا إذا كانوا كثرة غالبة، وإذا كان الأكثر من التابعين، قالوا: هذا عصر التابعين، وكذلك ما بعده؛ ولذا يقول بعضهم: إن القرن أربعون عامًا.

وابن حجر يرى أن القرن سبعون عامًا بدليل أنه بعد وفاته –عليه الصلاة والسلام- سنة عشر إذا ضربنا السبعين في ثلاثة الناتج مائتان وعشرة، مع العشر مائتان وعشرون، وحدَّ نهاية القرون المفضلة بمائتين وعشرين؛ لأنه كثرت فيها الفتن، وكثر فيها القتل، وكثر فيها الانحراف، هذا ما اختاره ابن حجر.

وعلى كل حال لا شك أن جيل الصحابة جيل لا قبله ولا بعده خيرٌ منه، حتى إن الصحابة وهم خير القرون، خير الأمة، والأمة خير الأمم، قالوا: إن الصحابة أفضل من الحواريين، حواريي عيسى، ومن السبعين الذي اختارهم موسى –عليه السلام- ومن غيرهم من أصفياء الرسول، فلا قبلهم ولا بعدهم من يأتي بمن هو خيرٌ منهم، قد يأتي بعض الأفراد من التابعين من هو في العلم أو في العبادة أَميَز من بعض الصحابة في هذا الباب، أما في باب الصُّحبة فأمرٌ لا يناله أحدٌ سواهم؛ ولذا جاء في الحديث أن للعامل عند فساد الزمان -والمراد أهله- له أجر خمسين قالوا: منا أو منهم؟ قال: «مِنْكُمْ»، وهذا معروفٌ أن التفضيل في العمل بغض النظر عن الصحبة التي لا يُشاركهم فيها أحد.

«قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ولا شك أن عهد التابعين فيه الخير أظهر، والعلم والفقه في الدين، والعمل والعبادة والدعوة أكثر، فهم الذين يلون الصحابة، يلونهم أتباع التابعين، ويشاركونهم في ظهور الخير والعمل به والدعوة إليه، فهؤلاء القرون الثلاثة هم أفضل الأمة.

ثم يأتي أناس ولا يزال كل زمانٍ خيرٌ من الذي يليه، فلا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه إلى قيام الساعة.

قد يقول قائل: إننا رأينا في بعض الأقطار في العصور المتأخرة، وقرأنا عن قرونٍ متقدمة فلو قارنا وجدنا هذا المتأخر أفضل من المتقدم.

هذا لا يمنع أن يوجد أفراد أو أُناس معينون في جهةٍ من الجهات يكونون أفضل من غيرهم في الجملة، والمفاضلة الفردية ما هي بواردة، الكلام على القرون على جهة العموم.                

"«خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثًا؟" المُحقق أنها مرتان، فالقرون المُفضلة ثلاثة.

«ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» «ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ» الخطاب لمن، للصحابة أم للقرون المفضلة؟ ما قال: بعدهم، قال: «بَعْدَكُمْ».

طالب: بعد الصحابة.

بعد الصحابة.

«قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» يدلون بشهاداتهم قبل أن تُطلب منهم «وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ».

«وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» يخونون الأمانات؛ ولذلك لا يأتمنهم أحد.

«وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» أين الشاهد من الحديث للباب الحلف؟

طالب:.........

ما يُلزم.

طالب:.........

«وَيَخُونُونَ» أين اليمين؟

طالب:.........

نعم «تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِيُنُهُ شَهَادَتَهُ» يُفسره ما بعده يُفسره الحديث الذي بعده «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ».

وجاء مدح من يُبادر بالشهادة، لماذا؟ محمول على إذا ما جهل هذه الشهادة صاحبها، وخشي أن يضيع الحق على صاحبه، فبادر بأداء شهادته؛ من أجل ألا يكتم، فإذا خشي على الحق أن يضيع فلا مانع أن يُدلي بشهادته؛ لعدم علم صاحبها به.

«وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» يخونون الأمانات.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

إذا تعيَّنت عليه تجب.

طالب:.........

ولو لم يُسأل، إذا خشي من ضياع الحق على صاحبه يجب لا يجوز كتمانه. 

«وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» يعني إذا ظهرت الخيانة، فمن يأمن الخائن؟

«وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ» والوفاء بالنذر واجب {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7].

«وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» والذم متوجه على من يقصد الشَّره في الأكل، والعناية به؛ حتى يسمن ويغفل عمَّا خُلق من أجله؛ لأن السِّمنة كما يقولون: تُذهب الفطنة، وتُورِث الغفلة، ولا يُمدح بها أحد.

قال بعضهم: ما رأيت عاقلًا سمينًا إلا أن يكون محمد بن الحسن الشيباني.

إذا كانت السِّمنة من غير طلبٍ من صاحبها وبحثٍ عنها وجاءت؛ لأن بعض الناس ما يحتاج أن يأكل أكله من أقل الناس ويسمن، يقولون: فيه غُدد وفيه كذا وفيه كذا، هذا ما يُلام، لكن الذي يُلام أن تتجه همته لتغذية جسده دون قلبه.

طالب:........

هذا إذا اضطُر الإنسان إليها ما المانع؟ إذا اضطُر الإنسان إليها وأُمِنت المفسدة، ما المانع؟ علاج؛ لأن بعض الناس ما له علاج ترك الأكل، وأكثر المشي، وفعل جميع الأسباب ويزيد، هذا ما له علاج.

طالب:........   

«وَيَظْهَرُ فِيهِمُ» يعني: يكثُر.

"وفيه: عن ابن مسعودٍ –رضي الله عنه- أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «خَيْرُ النَّاسِ»" هناك خير أمتي، وهنا خير الناس وهو باقٍ على عمومه؛ لأن الأمة خير الأمم، فخير هذه الخيرية خير هذه الأمة الذين هم خير الناس، خير الأمم هم خير الناس.

«قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» كما تقدم ثلاث قرون، وهي القرون المفضلة.

«ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» لا يهتم بالشهادة ولا باليمين، تجده الأيمان والشهادات عنده رخيصة، فلا يدري أيُقدم هذه أم هذه؟ لعدم تحريه وتوقيه، وهو رأي في هذا الباب.   

"قال إبراهيم" النخعي: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار" وهذا من باب التأديب والتربية، كما أمر النبي –عليه الصلاة والسلام- بضرب الابن إذا بلغ عشرًا ولم يُصلِّ «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» والتأديب بالضرب سواءً كان للولد أو للزوجة كما جاء في القرآن عند الحاجة لا مانع منه وهو مشروع، التأديب عمومًا مشروع، فإن تأدى هذا المشروع بغير الضرب بما دونه، فذلك المطلوب، وإن تعسَّر إلا بالضرب فليكن.

"كانوا يضربوننا" يعني من ولاهم الله أمرهم إما ولاية خاصة كالأب ونحوه، أو من وُلي ولايةً عامة كالإمام ومن يُنيبه في هذا الباب يضربه، مثل: رجال الحسبة في الزمن القديم والقريب كانوا مخولين من ولي الأمر أن يضربوا المخالفين، وفي حِسبة على الباعة، في حِسبة على كذا وعلى كذا، كانت في أسواق المسلمين قائمة، فمن غش يؤدَّب، ومن خان يؤدَّب، ومن سرق يؤدَّب.

"ونحن صغار" يضربونهم على الشهادة والعهد، الشهادة! "ونحن صغار" يعني غير مكلفين، تُقبل شهادة غير المكلف؟ الجمهور لا؛ لأنه لا يؤمن أن يكذب؛ لأنه لم يجرِ عليه قلم التكليف، وقال بعضهم: تُقبل، بدلالة هذا الحديث وغيره.

وبعضهم يقول: ما داموا مجتمعين لم يتفرقوا، ولم يُوجد غيرهم بحيث لو لم تُقبل لضاع الحق، والصغار إذا تفرقوا سهل التأثير عليهم، لكن ما داموا مجتمعين، فبعضهم يُرجِّح هذا القول من أهل العلم كم هو الشأن في قبول روايتهم رواية المراهقين الذين قاربوا الاحتلام، فإن بعض أهل العلم يرى هذا.

وعلى كل حال قبول شهادة الصغار المميزين إذا أُمِن التأثير عليهم لا شك أنه أهون وأسهل من ضياع الحق إذا لم يوجد غيرهم.

"فيه مسائل: الأولى: الوصية بحفظ الأيمان" الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89].

"الثانية: الإخبار بأن الحلف منفقةٌ للسلعة، ممحقةٌ للبركة" الشيخ جاء في المسائل على الرواية الأخرى «مُمْحِقَةٌ لِلْكَسْبِ» الذي في الرواية التي اعتمدها «مُمْحِقَةٌ لِلْكَسْبِ» والرواية الأخرى «مُمْحِقَةٌ لِلْبركة».

"الثالثة" من المسائل "الوعيد الشديد فيمن لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بها" يبذل اليمين على أبخس الأثمان، لو أراد أن يشتري بصلة حلف، ولو أراد أن يبيع مثلها حلف "الوعيد الشديد فيمن لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بها".

"الرابعة: التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي" «أُشَيْمِطٌ زَانٍ» ما فيه ما يدعوه من شدة الشهوة إلى الزنا، قد يُوجد والشيطان يغوي، وقد يُفتن الإنسان، وقد يُعاقب بذنبٍ آخر تكون عقوبته أن يُفتن بالنساء أو ما أشبه ذلك، كالذي دعا عليه سعد "التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي".  

"الخامسة: ذم الذين يحلفون ولا يُستحلَفون" يعني عدم الحاجة دليل على أنه متساهل في هذا الباب، فلا يؤدي اليمين إلا إذا طلبها.

طالب:........

ما فيه "ولا يُستحلفون" القياس على الشهادة مثله، الشهادة مفادها إثبات الحق سواءٌ صاحبها اليمين أو لم يُصاحبها، لكن هذا أشد، إذا أدى الشهادة قبل أن يُطلبها وأكد ذلك باليمين هذا أشد. 

"السادسة: ثناؤه -صلي الله عليه وسلم- على القرون الثلاثة، أو الأربعة" بناءً على الشك من عمران "لا أدري أذكر بعد قرنه اثنين أو ثلاثًا؟" والراجح أنها ثلاثة مع قرنه.

"وذِكر ما يحدث بعدهم" من الخصال التي جاءت في الحديث.

"السابعة: ذم الذين يشهدون ولا يُستشهدون" مثل ذم الذين يحلفون ولا يُستحلَفون، والشهادة لا شك أن فيها تضييعًا للحقوق إذا كانت بغير حق، وبعضهم يستروح إلى رد الشهادة إذا أُوديت قبل طلبها.

طالب:........

يُكفِّر حتى يغلب على ظنه أنه أدى، حتى يغلب على ظنه ما يتأكد التأكد صعب.

"الثامنة: كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد" وهذا من باب التربية والتأديب يقوم به الأب، يقوم به ولي الأمر ومن ولاه من نوابه لتأديب الصغار وتنشئتهم على الصدق، والأخلاق الفاضلة.

والله أعلم.

طالب:.........

المعلم له أن يؤدِّب.