التعليق على تفسير القرطبي (04) - سورة الواقعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:75-80]. فِيهِ سَبْعُ مَسَائِل: 

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ} " لَا " صِلَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِين."

يعني ليست نافية وإنما هي صلة، ويعبرون عن الصلة أو عن الزائد بالصلة؛ لأنه لو كانت نافية ما جاء بعدها (وإنه لقسم) كيف ينفي القسم ثم يقول (وإنه لقسم)؟ وهو في أكثر من موضع من القرآن: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] مثلاً: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] وهي أقسام من الله -جل وعلا- ليست نفيًا للقسم، ولذا أكثر المفسرين يقولون أنها صلة، وسيأتي بقية الكلام على ذلك. نعم.

"وَالْمَعْنَى: فَأُقْسِمُ، بِدَلِيلِ قَوْلِه: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ.  وَقَالَ الْفَرَّاء: هِيَ نَفْيٌ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أُقْسِمُ. وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَا فَلَا يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ الْيَمِينِ، بَلْ يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ كَلَامٍ تَقَدَّم."

نعم كما يقول لك شخص: أتذهب معي اليوم؟ فتقول: لا والله. هل أنت تنفى القسم؟ لا أنت تنفى كلامه وتقسم على ضدهِ. نعم.

"أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُ، بَلْ هُوَ كَذَا. وَقِيلَ: " لَا " بِمَعْنَى " أَلَا " لِلتَّنْبِيهِ كَمَا قَال: أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي.

وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى فَضِيلَةِ الْقُرْآنِ لِيَتَدَبَّرُوهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا سِحْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ كَمَا زَعَمُوا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَحُمَيْدٌ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ (فَلَأُقْسِمُ) بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ فِعْلُ حَالٍ، وَيُقَدَّرُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: فَلَأَنَا أُقْسِمُ بِذَلِكَ."

أن تكون هذه اللام واقعة في جوابِ في خبرهِ، تكون لام مزحلقة في خبر مُبتدأ محذوف (فَلَأُقْسِمُ) وتكون هذه الألف موجودة في الرسم فقط كما بقوله -جل وعلا-: {لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل:21] ما فيها ألف بين الهمزة والذال هذه موجودة لكن هل ينطق بها أو لها معنى معتبر؟ ليس لها معنى، فتكون هذه من جنسها، فيكون قوله: {فَلَا أُقْسِمُ}، (فَلَأُقْسِمُ) مثل ما قلنا في {لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل:21] الألف هذه مجاراة للرسم وإلا لا حقيقة لها، وينطق بها هكذا (فَلَأُقْسِمُ). نعم.

"وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ لَلَزِمَتِ النُّونُ، وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ النُّونِ مَعَ الْفِعْلِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَهُوَ شَاذّ.، الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} مَوَاقِعُ النُّجُومِ: مَسَاقِطُهَا وَمَغَارِبُهَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ. وقال عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاح..."

اللام هذه التي قالوا أنها زائدة يعني في بعض الكلام تثبت وفى السياق نفسهِ تُحذف. {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ}[ص:75] ما في بعض المواضع فيها لا. لا تسجد. نعم؟

طالب:.........

الشيخ: فتأتي هكذا، نعم؟

طالب: ألا تسجد.

الشيخ: منعك ألا  تسجد. في مواضع تُثبَت فيها لا، والمقصود ما منعك من السجود ليس من عدم السجو، هو لم يسجد فتكون هذه لا من حيث المعنى صلة كما يقرر أهل العلم أو تكون على قراءة الحسن لكن ما أظنها مُتواترة قراءة الحسن (فَلَأُقْسِمُ) ولو صحت لكان لها نظير في زيادة الألف كما في قوله: {لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل:21].

طالب:............

الشيخ: إي.

طالب:............

الشيخ: كيف؟

طالب:............

الشيخ: لا، يكون في كلام مقدر، ما يلزم أن يكون مذكورا، يعني لو قال لك: تخرج معي اليوم ما له داعي تحضر الدرس خلينا نطلع ونشوف نزهة رحلة، أنت حريص على طلب العلم، قلت: لا والله. النفي هذا منصب على كلامهِ، والتأكيد لكلامك الذي هو مضاد لكلامهِ. نعم.

"مَوَاقِعُ النُّجُومِ: مَسَاقِطُهَا وَمَغَارِبُهَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِه. قال عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ :مَنَازِلُهَا وقال الْحَسَن: انْكِدَارُهَا وَانْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَة .وقال الضَّحَّاك: هِيَ الْأَنْوَاءُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إِذَا مُطِرُوا قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا. قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ} مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ نَفْيِ الْقَسَمِ."

لكن يُشكل عليه ما بعدهُ {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} [الواقعة:76] هذا إثبات إنه قسم. يعني إذا كان المراد نفي ما يعتقدونه في النجوم المؤكد بالقسم فيتجه إنها {فَلَا أُقْسِمُ} لكن يَرد عليه {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:76]. نعم.

"وقال الْقُشَيْرِيُّ  هُوَ قَسَمٌ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْقَدِيمَةِ."

وصفاته ولا نحتاج أن نقول قديمة، نعم. لكن بعضهم يفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية فيُجيز القسم بالصفات الذاتية كالقسم بالله -جل وعلا- ولا يُجيز بالصفات الفعلية. نعم.

"قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَى هَذَا قِرَاءَةُ الْحَسَنِ (فَلَأُقْسِمُ) وَمَا أَقْسَمَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ الْقُرْآنِ نُجُومًا، أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّفَرَةِ الْكَاتِبِينَ، فَنَجَّمَهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَهُوَ يُنْزِلُهُ عَلَى الْأَحْدَاثِ مِنْ أُمَّتِهِ؛ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيّ .وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ نُجُومًا، وَفُرِّقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}."

يعني مسألة تنزيل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا مذكور عن ابن عباس، ومن أهل العلم من يثبته ويصححه، ولا يمتنع معه أن ينزل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- منجمًا على حسب الوقائع والحوادث. نعم.

"وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مَوَاقِعَ النُّجُومِ هُوَ مُحْكَمُ الْقُرْآن. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّبِمَوْقِعِ" عَلَى التَّوْحِيد، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَرُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوب. والْبَاقُونَ عَلَى الْجَمْعِ فَمَنْ أَفْرَدَ فَلِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يُؤَدِّي الْوَاحِدُ فِيهِ عَنِ الْجَمْعِ، وَمَنْ جَمَعَ فَلِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِه."

موقع مفرد مضاف يفيد العموم. نعم.

"الثَّالِثَة: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ تَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، أَيْ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: مَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ عَظِيمٌ {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ذُكِرَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، أَيْ: أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ، لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ، وَلَيْسَ بِمُفْتَرًى، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ مَحْمُودٌ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُعْجِزَةً لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ كَرِيمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُ كَلَامُ رَبِّهِمْ، وَشِفَاءُ صُدُورِهِمْ، كَرِيمٌ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ تَنْزِيلُ رَبِّهِمْ وَوَحْيِهِ. وَقِيلَ: كَرِيمٌ."

هو كلام الله -جل وعلا- وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقهِ. كلام الله هو الكتاب الذي من قامَ يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم، يُناجي الله يُخاطب ربهُ بهذا الكلام. نعم.

"وَقِيلَ: كَرِيمٌ أَيْ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَقِيلَ: كَرِيمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كَرِيمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَانِي الْأُمُورِ."

كيف يؤخذ هذا المعنى من هذا اللفظ كريم غير مخلوق؟ لأنه قد يوصف المخلوق بأنه كريم. فلا التنافي بين الكرم والخلق. ما أدري ما وجه قول من قال: كريم يعني غير مخلوق، يعني كأن المراد أنه أكرم على الله -جل وعلا-  لأنه كلامُه من أن نجعله كخلقه.

طالب:.........

الشيخ: أنا أقول ليس هناك تنافر بين وصفهِ بأنه كريم وبأنه مخلوق. يتصف فلان من الناس بأنه كريم: إنه لرجل كريم، وهو مخلوق، لكن من كرامتهِ على الله -جل وعلا- الذي هو كلامهُ وصفةٌ من صفاتهِ تأبى هذه الكرامة على الله -جل وعلا- أن يكون كخلقٍ من خلقه. نعم.

"وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُكَرَّمُ حَافِظُهُ، وَيُعَظَّمُ قَارِئُه.

الرَّابِعَة: قَوْلُهُ تَعَالَي: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} مَصُونٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى."

يعني كريم فَعِيل بمعنى مفعول مكرم، وينتقل ويَتَعَدَى هذا التكريم إلى من يعتني به، فحافظهُ مكرم وقارئهُ مُعظم والعامل به أيضًا كذلك، وكل من لهُ عُلقة وصلة بالقرآن فهو كريم عند الله مُكرمٌ عندهُ. نعم.

"{فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:78] مَصُونٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: مَكْنُونٍ مَحْفُوظٌ عَنِ الْبَاطِلِ. وَالْكِتَابُ هُنَا كِتَابٌ فِي السَّمَاءِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاس. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وقال عِكْرِمَة: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِيهِمَا ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَمَنْ يَنْزِلُ عَلَيْه.وقال السُّدِّيُّ: الزَّبُورُ. وقال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ :هُوَ الْمُصْحَفُ الَّذِي فِي أَيْدِينَا."

لكن قوله مكنون؛ الكن مقتضاهُ الإخفاء. ما معنى كونه في كتاب مخفي؟ لا تناله الأيدي إلا من استثني. فلا تناله أيدي جميع من له قدرة على المس إلا من استثنى: {إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] سواء قلنا أنه المراد به اللوح المحفوظ، أو الكتاب الذي أنزل إلى بيت العزة، أو الذي بأيدينا، على كل حال {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، وجاء في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن طريق أبى بكر عمرو بن حزم «وأَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» مع قوله -جل وعلا-: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] فاشترطت الطهارة لمس القرآن وأنه لا يجوز لمحدثٍ أن يمسه. هذا إذا قلنا أنه المصحف الذي بأيدينا هذا واضح. وإذا قلنا إنه الذي في اللوح المحفوظ، أو الكتاب الذي أنزل إلى بيت العزة على قول ابن عباس فالاستدلال به على اشتراط الاستدلال بالآية على اشتراط الطهارة لمس المصحف فيها نوع خفاء إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول أن هذه الآية وإن كانت في الملائكة إلا أنها تدل على اشتراط الطهارة لمس بني آدم المصحف. كيف؟ قال: إذا كانوا الملائكة من وصفهم الطهارة وأنها لا تفارقهم ولا يمكن وصفهم بضدها نُصَّ على أنهم لا يمسونه إلا بهذه الحالة وعلى هذه الصفة وإن كانت لا تفارقهم لكن التنصيص عليها يدل على أن لها أثر في المس، فلا يمسه بنو آدم إلا وقد تطهر.

يبقى الفرق بين المطهرون والمتطهرون، يعني المرأة إذا طهرت من حيضها يقال لها: طهرت، لكن لا يقال تطهرت حتى تغتسل، فهل يكفي طهارة المسلم، وهو لا ينجُس، والجنب لا ينجُس، ولا ينجُس بالموت هل تكفي هذه الطهارة أم لابد من التطهر؟ أكثر أهل العلم على أنه لابد من التطهر، والحديث الذي سقناه وإن كان مرسلاً إلا أنه متلقى بالقبول عند أهل العلم. نعم.

"الْخَامِسَة: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى لَا يَمَسُّهُ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَسِّ بِالْجَارِحَةِ أَوْ مَعْنًى؟ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي الْمُطَهَّرُونَ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ أَنَسٌ وَسَعِيدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ:  لَا يَمَسُّ ذَلِكَ الْكِتَابَ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ زَيْدٍ :إِنَّهُمُ الَّذِينَ طُهِّرُوا مِنَ الذُّنُوبِ كَالرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَجِبْرِيلُ النَّازِلُ بِهِ مُطَهَّرٌ، وَالرُّسُلُ الَّذِينَ يَجِيئُهُمْ بِذَلِكَ مُطَهَّرُون. وقال الْكَلْبِيّ: هُمُ السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ نَحْوُ مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ حَيْثُ قَالَ: أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ فِي قَوْلِه: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ الَّتِي فِي (عَبَسَ وَتَوَلَّى): {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ}  يُرِيدُ أَنَّ الْمُطَهَّرِينَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالطَّهَارَةِ فِي سُورَةِ (عَبَسَ). وَقِيلَ: مَعْنَى {لا يَمَسُّهُ} لَا يَنْزِلُ بِهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ أَيِ: الرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الرُّسُلِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: لَا يَمَسُّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ الْمَكْنُونُ إِلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ. وَقِيلَ: إِنَّ إِسْرَافِيلَ هُوَ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ؛ حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ. قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ:  وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَنَالُهُ فِي وَقْتٍ وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ بِحَالٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ مَجَالٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الَّذِي بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ فِي الصُّحُفِ فَهُوَ قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُصْحَفُ الَّذِي بِأَيْدِينَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُسْخَتُه: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلُ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ أَمَّا بَعْدُ وَكَانَ فِي كِتَابِه: «أَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»."

الأقيال الملوك فهؤلاء المذكرون هم ملوك رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ. نعم.

 "وَقَالَ ابْنُ عُمَر: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ»."

الشيخ: مخرج؟ أيش يقول؟

طالب:..........

الشيخ: حديث ابن عمر.

طالب:..........

الشيخ: لا، هذاك حديث عمرو بن حزم.

طالب:..........

الشيخ: يصلح شاهد للمرسل فيتقوى به. نعم.

طالب:..........

الشيخ: إي بييجي الحين في كلام مالك وغيره. نعم.

"وَقَالَتْ أُخْتُ عُمَرَ لِعُمَرَ عِنْدَ إِسْلَامِهِ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا وَدَعَا بِالصَّحِيفَة: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَسْلَمَ. وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ (طه). وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُه: { لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة:79]  مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاس وقال الْكَلْبِيُّ : مِنَ الشِّرْكِ .وقال الرَّبِيعُ بْنُ أَنَس: مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا. وَقِيلَ: مَعْنَى لَا يَمَسُّهُ لَا يَقْرَؤُهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وَعَبْدَةُ. قَالَ عِكْرِمَة: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى..."

يعني في مقابل أهل الشرك الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] فيقابلهم أهل التوحيد مطهرون. نعم.

 "قَالَ عِكْرِمَة: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْفَرَّاء: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ وَبَرَكَتَهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُون."

لا يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن، وقد كتب النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتابه إلى هرقل وفيه آية {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}[آل عمران:64] لأن الآية ما يحصل بها التحدي كما هو مقرر لنقل ما وقع فيه التحدي بثلاث آيات سورة مثله، وأقل سورة ثلاث آيات لكن مثل ما إذا دعت الضرورة وغلب على الظن أنه يسلم وقال: أعطوني كتابكم أطلع عليه، ولم يقتنع بالترجمة، ما اقتنع، القرآن معانيه مترجمة بلغات العالم فإذا قال: أعطوني كتابكم أطلع عليه، أُعطي الترجمة وقرأها وما اقتنع قال: لا بد أن أطلع على كتابكم، وغلب على الظن أنه يُسلم هل يكفي أن يقال له: توضأ وتطهر، كما قالت أخت عُمر لهُ؟ وهل ينفعه وضوءُهُ وطهارتُهُ حال كفرهِ؟ القرآن لا يمسه إلا المطهرون، والمشرك نجس، هل نقول أنه لا بد أن يتطهر؟ وهل تفيد هذه الطهارة لا سيما إذا غلب على الظن أنه يُسلم؟ يعني وقر الإيمان في قلبهِ لكن ما بقي إلا أشياء تدفعهُ إلى الاعتراف والنطق، يعني هل من مصلحة الدعوة أن يقال له: اقرأ؟ لا سيما إذا عرفنا أنه لا يسيء إلى القرآن؛ لأن بعض هؤلاء الأنجاس الأنذال الأرذال أساءوا إلى القرآن. فإذا أمنا من هذه المفسدة وغلب على الظن أنه يُسلم إذا مكناهُ من قراءة القرآن، ما الحكم؟ كان ابن عباس ينهى أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن، أو نقول يُقرَأ عليه؟ إذا أمكن أن يقتنع بأن يُقرَأ عليه.

طالب: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}[التوبة:6].

الشيخ: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}[التوبة:6] {لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}[الأنعام:19] فهذا هو الأصوب، لكن إذا قال: أذهب به معي وأتأمله وقد غلب على الظن أنه لا يُسيء إليه وأنه يُسلم؛ لأن الآن في كثير من الأوساط هناك مصالح تترتب على الدعوة، يعني مصالح عظيمة تُراعى مع مراعاة حال الداعية، فإذا كان لين الكلام له، وطيب الكلام له، والهدية له بل أعظم من ذلك إعطاؤه من الزكاة للتأليف حال كُفرهِ، وهي ركن من أركان الإسلام بيّن الله مصارفها يُتسامح بمثل هذا لكن إعطاءه المصحف يحتاج إلى تأمل. أما الترجمة لا إشكال فيها، وكونه يُقرَأ عليه القرآن هذا أيضًا هو الأصل. نعم.

طالب:............

الشيخ: لو قيل له: المصحف بهذا الجوال تأمل، كله في الجوال أو...ترى أو ما يسمونه ما أدري، اقرأ، من غير أن يُمَكّنَ من المُصحف هذا موجود الآن لكن المسألة في الأمة في عصورها، نفترض أنه ما موجود مثل هذا لكن إذا تيسر هذا الأمر سهل. نعم.

طالب:............

الشيخ: هذا من رُجي إسلامه عمومًا لأن المشرك نجس، والقرآن لا يمسه إلا المطهرون، هنا محل الإشكال. نعم.

طالب:............

الشيخ: إي صفحة نعم من القرآن وصفحة مترجمة.

طالب:............

الشيخ: غير طاهر.

طالب:............

الشيخ: الآن أيهما أكثر الترجمة أو القرآن؟

طالب: الترجمة.

الشيخ: الترجمة أكثر. أهل العلم يقولون الحُكم للغالب، لكن إذا كان القرآن مُتميزًا عن الترجمة صفحة كاملة، وهذه طباعة المصحف المعروفة بحروفهِ ورسمهِ لا يجوز مسهُ، لذلك من علماء اليمن من أشكل عليه قراءة تفسير الجلالين الممزوج بالقرآن من غير طهارة، وعنده تفسير الجلالين يريد أن نقرأ فيه من غير طهارة تفسير مختصر جدًّا، فقال: ما دامَ الحكم للأكثر نعد الحروف حروف القرآن وحروف التفسير تُعد، يقول إلى آخر المزمل العدد واحد، ومن المدثر إلى آخر القرآن زاد عدد حروف التفسير، مع أنه في ثنايا التفسير وفي منتصفهِ بعد سورة الإسراء في نهاية سورة الإسراء كلام طويل للسيوطي كلام بمقدار صفحتين، هذا أيضًا له أثر في العد. ما أدرى كيف عد إلى المزمل، وقال: إن العدد واحد، وانحلت عنده المشكلة بما بقي من القرآن؟ على كل حال هذه ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأنها مسألة حية وعملية، ودائمًا يطلبون المصحف ليطلعوا عليهِ، فإن اقتنعوا بالترجمة أو بالقرآن الذي مع الترجمة والحُكم للغالب هذا أسهل من القرآن الصرف المحض الذي لا يُخالطه شي، وإن كان من خلال الآلات فهو أسهل أيضًا مما بين الدفتين.

طالب:............

الشيخ: إلى أرض العدو لكن هذا في مسألة  في حال ما إذا لم يغلب على الظن أنه يُسلم. يعني الآن الواقع لو تسافر بالمصحف إلى بلاد الكفر والظن أنه هم عندهم مصاحف لكن يبقى أن الحوادث والوقائع التي حصلت منهم في إهانتهِ لا تجعلنا نأمن على المصحف، وقد نهى أن يُسافر بمصحف إلى بلاد الكفر، فيه نهي. نعم.

طالب:............

الشيخ: تبي أعحب من ذلك؟ الذين يُباشرون طباعة المصحف كثيرٌ منهم نصارى، لولا أن الله -جل وعلا- منَّ بهذا الفتح العظيم الذي هو المجمع كانت المصاحف تأتي إلينا من لبنان والنصارى الذين يطبعون. وتأتى من تركيا وتأتى من الهند ومِصر، وكل بلد ولله الحمد، لكن الحاجة انتهت الآن، وقد تم طبع أكثر من مائتي مليون نسخة، اللهم لك الحمد. نعم.

طالب:............

الشيخ: خشية من إهانته؛ لأن الكفار لا يؤمنون بهذا المصحف.

طالب:............

الشيخ: والله أنا ما زلت متوقف في كون الكافر يمكَّن من المصحف. نعم.

طالب:............

الشيخ: هذا الغالب مخافة الإهانة.

طالب:............

الشيخ: من غير مس، هم يشترطون هذا لا تمسه إلا طاهرة، وما يجوز أن تقرأ وأنا عندي أنها لا تقرأ كالجُنُب. نعم.

طالب:............

الشيخ: نعم.

طالب:............

الشيخ: لا، هذه يأتي أنها ناهية أم نافية سيأتي. بييجي هل هي ناهية أو نافية.

طالب:............

الشيخ: إي نقول مبني على الضم، بييجي، يذكر هذا المُفسر. نعم. ويجوز أن يكون نهيًا وتكون ضمة السين ضمة بناء والفعل مجزوم.

طالب:............

الشيخ: لا لا أشد النفي. نعم.

طالب:............

الشيخ: مسألة المس هذا متفق عليه أما القراءة فلا تقرأ كالجنب والمريضة.

طالب:............

الشيخ: هذا على خلاف بينهم هل الأذكار تدخل في قراءة القرآن وكذلك الرقية من الأذكار؟ هل هي تدخل أم ما تدخل؟ أو إذا دعى بدعوة نبي من الأنبياء موجودة بحروفها في القرآن هل يقصد بذلك القراءة أو لا يقصدها؟ مثل الذكر محل خلاف، والأمر فيها أوسع. نعم.

"وَقَالَ الْفَرَّاء: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ وَبَرَكَتَهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، أَيِ: الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآن. قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا»."

من رضيَ بالفعل أو من الذكر أن تقول: رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً. إنما ذوق طعم الإيمان ذوق طعم الإيمان إنما يتمُ إذا كان هذا هو الواقع بالفعل رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، ومتى يرضى؟ متى يتحقق هذا الرضى وينتقل من كونهِ مجرد الدعوى؟ إذا كان بالفعل مُطبِّق لما يرضى الله ويرضى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهما يمشي مع تعاليم دينهِ، أما قولها باللسان مع وجود المخالفات الظاهرة والباطنة هذه مجرد دعوى تحتاج إلى ما يصدقها. نعم.

"وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْل:ِ لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ وَتَأْوِيلُهُ إِلَّا مَنْ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاق: لَا يُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ بِهِ إِلَّا السُّعَدَاءُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَمَسُّ ثَوَابَهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. وَرَوَاهُ مُعَاذٌعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ خَبَرٌ عَنِ الشَّرْعِ، أَيْ: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]  شَرْعًا، فَإِنْ وُجِدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الشَّرْعِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ: وَأَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ (الْبَقَرَة) .قال الْمَهْدَوِيّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَتَكُونُ ضَمَّةُ السِّينِ ضَمَّةَ إِعْرَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَتَكُونُ ضَمَّةُ السِّينِ ضَمَّةَ بِنَاءٍ."

كيف يكون أمرًا؟ يجوز أن يكونُ أمرًا وتكون ضمة السين ضمة إعراب، لذا ضمة خبر، يجوز أن يكون خبرًا وتكون ضمة السين ضمة إعراب، ويجوز أن يكون نهيًا إلى آخره، كيف يكون أمرًا؟ فيه لفظ أمر أو فيه لا التي يحتمل أن تكون نافية أو ناهية؟

هذا يقول: هل للجنب والحائض قراءة القرآن من حفظها؟ هذا الذي أجازه بعض أهل العلم للحاجة، والذي عندي كالجنب لا تقرأ شيئًا من القرآن ولا من حفظها.

يقول: هل للحائض أن تقرأ القرآن بحائل كالقُفاز؟ هم يفتونها الآن ويتوسعون في هذا الأمر، على كل حال القرآن شأنه عظيم، ولذلك ذكر البخاري عن بعض السلف عن مالك وغيره أن القرآن لا يحملهُ غيرُ الطاهر ولا من خلالِ هنا، لا يحملهُ بعلاقته ولا على وسادة، لا يحملهُ غيرُ الطاهر بعلاقته ولا على وسادة، هذا مذكور في البخاري تعليقًا. فشأنه عظيم، وتصرف أهل العلم وسلف هذه الأمة وأئمتها يدل على أنهم لا يتساهلون في مثل هذا. نعم.

طالب:............

الشيخ: ولا خشية النسيان، تشغل المسجل أو تخلي أحدٍ يقرأ وتسمع، ولا تنسى إن شاء الله.

طالب:............

الشيخ:...هذا دين يا إخوان، ما يساوم عليه باختبار وما اختبار. نعم.

"قال الْمَهْدَوِيُّ:  يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَتَكُونُ ضَمَّةُ السِّينِ ضَمَّةَ إِعْرَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَتَكُونُ ضَمَّةُ السِّينِ ضَمَّةَ بِنَاءٍ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ.

السَّادِسَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ وُضُوء، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسِّهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيّ." 

والإمام أحمد أيضًا. نعم.

"وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَة، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسُّهُ الْمُحْدِثُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسُّ ظَاهِرَهُ وَحَوَاشِيَهُ وَمَا لَا مَكْتُوبَ فِيهِ، وَأَمَّا الْكِتَابُ فَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا طَاهِر. قال ابْنُ الْعَرَبِيّ:ِ وَهَذَا إِنْ سَلَّمَهُ مِمَّا يُقَوِّي الْحُجَّةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حَرِيمَ الْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ." 

يعني إذا قال أبو حنيفة: أنه لا يمس الكتابة كتابة القرآن إنما يمس أطراف الأوراق التي لا كتابة فيها حواشي الأوراق وفي غلافه وفي جلده، قال ابن العربي: وهذا إن سلمه يعني سلم المنع من مس الحروف فهو مما يقوي الحجة عليه؛ لأن حريم الممنوع ممنوع، يعني كالراعي يرعى حول الحمى. نعم.

"وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَقْوَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِك:ٌ لَا يَحْمِلُهُ غَيْرُ طَاهِرٍ بِعِلَاقَةٍ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة:  لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ حَمْلِهِ بِعَلَاقَةٍ أَوْ مَسِّهِ بِحَائِلٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ وَمَسِّهِ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا، إِلَّا أَنَّ دَاوُدَ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُشْرِكِ حَمْلُهُ. وَاحْتَجُّوا فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَيْصَرَ، وَهُوَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَفِي مَسِّ الصِّبْيَانِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ."

جمهور أهل العلم يبيحون قراءة وكتابة بعض آية. الآن الآية التي كتبها النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل كاملة أم غير كاملة؟ {ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا...}[آل عمران:64] أظن ما فيها (قل)

طالب:.........

الشيخ: (ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ) هات بعد دوّر. نعم. (ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ما فيها (قل) نعم. وفيها الواو هذه مشكلة، والذي يظهر أنها لا يقصد بها أنها من الآية. فهم يقولون بعض آية لا بأس به، نعم. يقرأه يقرأ بعض الآية الحائض والجنب، ما عندهم مشكلة في بعض الآية. نعم.

طالب:............

الشيخ: لا، ما يذكرون الإمام أحمد. المغاربة على رأسهم ابن عبد البر ما يرون الإمام أحمد فقيهًا يرونه محدثًا, وللإمام الحافظ حافظ المغرب ابن عبد البر كتاب اسمه (الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء) ما يذكرون أحمد على أنه فقيه، وإنما يذكرونه على أنه محدث. على كل حال ما يضير هذا. نعم.

طالب:...........

الشيخ: ويمس المكتوب؟

طالب:...........

الشيخ: لا، ولا يمس المكتوب يعني إن كانَ الذي يباشر الكتابة رأس القلم ويده مرفوعة لا مانع إن شاء الله؛ لأنه ما مسهُ.

طالب:............

الشيخ: لا، حائض وجنب؟

طالب:............

الشيخ: لا، ما دام ما ينطق فهو ما قرأ. إذا لم ينطق هو ما قرأ. إذا كان المس برأس القلم فهو ما مس. نعم.

"وَفِي مَسِّ الصِّبْيَانِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ اعْتِبَارًا بِالْبَالِغِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُ حَالَ الصِّغَرِ؛ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ طَهَارَةٌ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ جَازَ أَنْ يَحْمِلَهُ مُحْدِثًا."

هذا الكلام لا قيمة له. العبرة في أن الصبي لا يمكن ضبطه وأطره على أن يتوضأ كلما أراد أن يقرأ أو يتعلم فتكون المسألة مسألة حاجة قريبة من ضرورة.

طالب:............

الشيخ: تأخذ إجازة كالتي تلد.

طالب:............

الشيخ: تغاب، ولا فائت من أمر الله شي.

طالب:............

الشيخ: أفتوهم أفتوهم، للمحدة أن تروح وتختبر وتَدرس وتُدرس وتمام. موجود هذا. الفتاوى موجودة يعني، هم الناس تبرأ الذمة بتقليدهم، ما في حجر على أحد، لكن هذا الذي أقرره ما أدين الله به أما كونهم أفتوهم أفتوهم. نعم.

طالب:............

الشيخ: إذا كان يعقل الصلاة ويحسنها وهو مميز لا مانع إن شاء الله، مثل ما تصح إمامته تصح مصافته. أما الذي لا يميز ولا  يتقن الصلاة هذا فرجة في الصف، ويبعد إي، هذا فرجة في الصف ومشغلة. نعم.

"السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:80] أَيْ: مُنَزَّلٌ، كَقَوْلِهِمْ: ضَرْبُ الْأَمِيرِ وَنَسْجُ الْيَمَنِ. وَقِيلَ: تَنْزِيلٌ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [ الواقعة: 77] وَقِيلَ: أَيْ: هُوَ تَنْزِيل. قَوْلُهُ تَعَالَى : {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} [الواقعة:81] يَعْنِي الْقُرْآنَ {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الواقعة:81]."

ضرب الأمير ونسج اليمن يعني من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول؟

طالب: الفاعل.

طالب: الأول فاعل، الأول ضرب الأمير

الشيخ: نعم.

طالب: فاعل.

الشيخ: طيب وجواز ذبح المرأة؟

طالب: نعم فاعل.

الشيخ: طيب نعم.

طالب:..........

الشيخ: يعني مذبوحة المرأة. نعم.

"{أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}  أيْ: مُكَذِّبُونَ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمَا. وَالْمُدْهِنُ: الَّذِي ظَاهِرُهُ خِلَافُ بَاطِنِهِ، كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالدُّهْنِ فِي سُهُولَةِ ظَاهِرِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةُ: مُدْهِنُونَ كَافِرُونَ، نَظِيرُهُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9]..."

المداهن في هذه الآية والمداهنة في هذه الآية {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] يعني ودوا لو تتنازل عن شي مما تدعو إليه فيتنازلون لك عن شيء مما أصروا عليه. المداهنة هذه حقيقتها في هذه الآية {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم:9] تمنوا إن تنازلت عن شيء مما تدعو إليه { فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] يتنازلون عن ما كانوا يصرون عليه. وهذه أساليب بعض من يدعو إلى الحوار معهم يعني نتقارب ونلتقي. وهناك مؤسسات قائمة للتقارب بين الإسلام وغيرهِ وبين السنة وغيرها من المذاهب البدعية يدعون إلى التقارب فيتنازل هذا عن شيء وهذا عن شيء، ويلتقون على بعض القواسم المشتركة وتمشي أمورهم. هذا ما يمشي هذا هو الإدهان. هذه هي المداهنة. طُلِبت من النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر ودوا وتمنوا أن داهن، وهذا بخلاف المداراة فالمداراة شرعية عند الحاجة إليها، لكن المداهنة في ارتكاب محظور أو ترك مأمور هذه لا تجوز بحال. نعم.

طالب:............

الشيخ: على العين والرأس هذه دعوتهم، إذا جلسوا على موائد المناقشات يدعونهم إلى لا إله إلا الله؟

طالب:............

الشيخ: أنا أقول لكم يدعونهم إلى لا إله إلا الله ونبذ جميع ما يخالف لا إله إلا الله؟ هذا كل ما تمنوه، هذه دعوة الرسل.

طالب: يدعونهم إلى التعايش.

الشيخ: هذا الكلام المتنازل أن نغض الطرف ونعيش جميعًا ولا فيه مشكلة إن شاء الله. هذا الأمر ليس بالسهل ما نظن أنه بهذه السهولة، والله المستعان، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} تنازل شوي ونحن نتنازل ونقرب من بعض ونترك الأمور التي فيها خلافات وفيها إشكالات. والله المستعان. نعم.

طالب:............

الشيخ: ها؟ وأيش هو؟

طالب:............

الشيخ: فعل الرسول أو لم يفعل؟ أدهن معهم مداهنة؟ خلاص ما في إشكال.

طالب:............

الشيخ: إن تتنازلوا عن أصل التوحيد كفروا، وإن تنازلوا عن واجبات ومحرمات فسقوا. كل شيء له حكم.

طالب:............

الشيخ: على كل حال الأمور مضطربة. نعم.

طالب:............

الشيخ: على كل حال الله يدلهم على الحق ويوفقهم للعمل به. نعم.

"وَقَالَ الْمُؤَرِّج: الْمُدْهِنُ: الْمُنَافِقُ أَوِ الْكَافِرُ الَّذِي يَلِينُ جَانِبُهُ لِيُخْفِيَ كُفْرَهُ، وَالْإِدْهَانُ وَالْمُدَاهَنَةُ: التَّكْذِيبُ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَأَصْلُهُ اللِّينُ، وَأَنْ يُسِرَّ خِلَافَ مَا يُظْهِرَ، وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:

الْحَزْمُ وَالْقُوَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْإِدْهَانِ وَالْقهَّةِ وَالْهَاعِ..."

والفهة.

"خَيْرٌ مِنَ الْإِدْهَانِ وَالْفهَّةِ وَالْهَاعِ..."

يقول: الفهة العي. والهاع هنا: سوء الحرص مع ضعف. الحزم والقوة خير... مثل ما ذكرنا في درسٍ مضى، فالكافر يريد منك أن تُدهن وتتنازل وتعطيه ما يريد. مثل ما ذكرنا في قصة تيمور إلى أن يجردك من كل شي من كل قوةٍ عندك معنوية ومادية ثم تسهل فتكون لقمة سائغة له بدون منازع. نعم.

"وَأَدْهَنَ وَدَاهَنَ وَاحِدٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: دَاهَنْتُ بِمَعْنَى وَارَيْتُ وَأَدْهَنْتُ بِمَعْنَى غَشَشْتُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: (مُدْهِنُونَ) مُعْرِضُونَ. وقال مُجَاهِدٌ: مُمَالِئُونَ الْكُفَّارَ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ. وقال ابْنُ كَيْسَانَ: الْمُدْهِنُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُهُ بِالْعِلَلِ. وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: مُدْهِنُونَ تَارِكُونَ لِلْجَزْمِ فِي قَبُولِ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] قَالَ ابْنُ عَبَّاس:  تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمُ التَّكْذِيبَ. وَذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: أَنَّ مِنْ لُغَةِ أَزْدِ شَنُوءَةَ مَا رِزْقُ فُلَانٍ؟ أَيْ: مَا شُكْرُهُ. وَإِنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُوضَعَ اسْمُ الرِّزْقِ مَكَانَ شُكْرِهِ، لِأَنَّ شُكْرَ الرِّزْقِ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِيهِ فَيَكُونُ الشُّكْرُ رِزْقًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. فَقِيل: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة:82] أَيْ: شُكْرَ رِزْقَكُمُ الَّذِي لَوْ وُجِدَ مِنْكُمْ لَعَادَ رِزْقًا لَكُمْ {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] بِالرِّزْقِ أَيْ: تَضَعُوا الرِّزْقَ مَكَانَ الشُّكْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] أَيْ: لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ مَكَانَ الصَّلَاةِ. فَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ مَا أَصَابَ الْعِبَادَ مِنْ خَيْرٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَلِ الْوَسَائِطِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ تَكُنْ أَسْبَابًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُقَابِلُونَهُ بِشُكْرٍ إِنْ كَانَ نِعْمَةً."

يعني يتوسطون في النظرِ إلى الأسباب، على المسلم أن يتوسط في النظرِ إلى الأسباب، فلا يسلبها التأثير بالكلية كما تقول الأشعرية، ولا يكل التأثير المطلق لها من غير تعلق بإرادة الله وجعلهِ التأثير فيها، فهي مؤثرة. فالأسباب مؤثرة لكن لا تستقل بالتأثير، وإنما الله -جل وعلا- هو الذي جعلَ فيها التأثير، فلا نقول إن وجود السبب مثل العدم. ما نقول إن إغلاق الباب مثل عدمهِ في دخول الهواء البارد وعدم دخولهِ كما تقول الأشعرية، ولا نقول أن إغلاق الباب هو الذي منحنا الدفء من غير نظرٍ إلى المؤثر الحقيقي وهو الله -جل وعلا-. نعم.

"بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَرَوْهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُقَابِلُونَهُ بِشُكْرٍ إِنْ كَانَ نِعْمَةً، أَوْ صَبْرٍ إِنْ كَانَ مَكْرُوهًا تَعَبُّدًا لَهُ وَتَذَلُّلًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: (وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) حَقِيقَة.ً وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاء، وَهُوَ قَوْلُ الْعَرَب: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِر»، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة:  {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حَتَّى بَلَغ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82] وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فِي سَفَرٍ فَعَطِشُوا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكُمْ فَسُقِيتُمْ لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ: هَذَا الْمَطَرُ بِنَوْءِ كَذَا» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا بِحِينِ الْأَنْوَاءِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَدَعَا رَبَّهُ، فَهَاجَتْ رِيحٌ، ثُمَّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ، فَمُطِرُوا، فَمَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ يَغْتَرِفُ بِقَدَحٍ لَهُ وَهُوَ يَقُولُ: سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَنَزَلَت: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أَيْ: شُكْرَكُمْ لِلَّهِ عَلَى رِزْقِهِ إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِالنِّعْمَةِ وَتَقُولُونَ: سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا، كَقَوْلِكَ: جَعَلْتَ إِحْسَانِي إِلَيْكَ إِسَاءَةً مِنْكَ إِلَيَّ، وَجَعَلْتَ إِنْعَامِي لَدَيْكَ أَنِ اتَّخَذْتَنِي عَدُوًّا."

الشيخ: تخريجه؟

طالب: الأخير؟

الشيخ: إي الأخير إي.

طالب: بدون سند، يعني ظاهر عليها الضعف. نعم.

"وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي». قَالَ الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا أُحِبُّ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ كَانَ النَّوْءُ عِنْدَنَا الْوَقْتُ الْمَخْلُوقُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يُمْطِرُ وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا مِنَ الْمَطَرِ، وَالَّذِي أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا وَقْتَ كَذَا، كَمَا تَقُولُ مُطِرْنَا شَهْرَ كَذَا، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ النَّوْءَ أَنْزَلَ الْمَاءَ، كَمَا عَنَى بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، حَلَالٌ دَمُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَاكِيًا عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَه: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ» فَمَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَإِنَّ الْمُعْتَقِدَ بِأَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمُوجِبُ لِنُزُولِ الْمَاءِ، وَهُوَ الْمُنْشِئُ لِلسَّحَابِ دُونَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَذَلِكَ كَافِرٌ كُفْرًا صَرِيحًا يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَيْهِ وَقَتْلُهُ إِنْ أَبَى؛ لِنَبْذِهِ الْإِسْلَامَ وَرَدِّهِ الْقُرْآنَ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّوْءَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْمَاء."

الشيخ: إلا من أبى؟

طالب:........

الشيخ: يجب استتابته عليه وقتله؟

طالب:.........

الشيخ: موجود هنا؟

طالب:.........

الشيخ: أن لا توجد في شي من الأصول. زيدت هنا يقول: زيادة يقتضيها السياق، يجب استتابته وقتله لنبذهِ الإسلام يعني قتله بالحدود بالقيود المعتبرة عند أهل العلم، يعني يدعى إليه ويستتاب فإن تاب وإلا قتل. فالزيادة في مثل (من أَبَى) ما لها داعي ويقول: يقتضيها السياق، هي لا توجد في شيء من الأصول، وإنما زيادة من المحقق يقتضيها السياق ثم تابعوا بقية الطبعات. معروف أن المرتد يقتل لكن هل يقتل بعد استتابته أو قبل ذلك؟ هذه أمور يقتضيها تطبيق الحد. نعم.

"وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّوْءَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ سَبَبُ الْمَاءِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مُبَاحًا، فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا كُفْرًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَهْلًا بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ فِي أَنَّهُ يُنْزِلُ الْمَاءَ مَتَى شَاءَ، مَرَّةً بِنَوْءِ كَذَا، وَمَرَّةً بِنَوْءِ كَذَا، وَكَثِيرًا مَا يَنُوءُ النَّوْءُ فَلَا يَنْزِلُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ." 

نعم يدخل ما يُسمى بالوسم وينتهي وما نزل منه، فلا أثر لهذه الأنواء إلا أن الله جعلها يعني في الغالب مظنة لنزول المطر، وجعل نزول المطر في أثنائها في أوقاتها مظنة لإنبات الكلأ، فالأمر لله -جل وعلا- أولاً وآخرًا. نعم.

"وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنَ النَّوْءِ. وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ، ثُمَّ يَتْلُو: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا}[فاطر:2]. قَالَ أَبُو عُمَر: وَهَذَا عِنْدِي نَحْوُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  »مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِه». وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اسْتَسْقَى بِهِ: يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: الْعُلَمَاءُ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ سَبْعًا بَعْدَ سُقُوطِهَا. فَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى مُطِرُوا، فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ .وَكَانَ عُمَرُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَدْ عَلِمَ أَنَّ نَوْءَ الثُّرَيَّا وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ الْمَطَرُ وَيُؤَمَّلُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ، أَخَرَجَ أَمْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ؟"

يعني مثل ما نقول: الوسم، هذا وقت الإنبات للكلأ، وهو أيضًا وقت نزول المطر، لكن ليس بحتم، قد يمر بجميع أيامه ولا ينزل فيه شيء، وينزل المطر في غيره وينبت. كل الأمور أزمتها بيد الله -جل وعلا-، يعني مثل ما يقال في بيع الثمار وتطلع الثريا، ويطلع النجم والمراد به الثريا قالوا: لأنه يؤمَنُ معهُ العاهة. فهل أمن العاهة جاء بتأثير الثريا، أو أن الله -جل وعلا- جعل هذا الوقت وقت أمنٍ للعاهة؟ لأن كل شي له وقت. البذر له وقت، والحصاد له وقت، كل شي له وقته الذي رتبهُ الله -جل وعلا- فيه، فهذه الأوقات لا تنفع ولا تضر، ولا تجلب ولا تدفع، وإنما الله -جل وعلا- هو الضار النافع، لكن مثل هذه الأوقات، وهذه الظروف، وهذه الأزمان بالتجربة. الله -جل وعلا- هو الذي وضع فيها ما وضع  فجُرِّبت ووُجِدت أنفع من غيرها في هذه الأوقات لا لأنها تنفع بذاتها، يعني أوقات الحجامة عند من يثبت بعض الأحاديث أنها لها أيام ولها تاريخ ولها كذا، هل لهذه الأيام أثر أو أن الله -جل وعلا- جعل هذا الأثر في هذا الوقت؟ نعم الأمر كله أولاً وآخرًا لله -جل وعلا-. نعم.

طالب:.........

الشيخ: المسألة مسألة غلبة ظن، والمسألة مسألة نفع هذه السقيا، هل تنفع إذا نزل المطر في الصيف؟ لماذا لا يستسقي الناس في الصيف؟ نزول المطر محتمل لا سيما إذا طلبه أهل الصلاح ممن يحققون الأسباب وينفون الموانع، يجيبهم الله -جل وعلا-، لكن إذا أجابهم الله -جل وعلا- ونزل المطر في الصيف هل يُنبت أو لا يُنبت؟ العادة جرت أنه ما ينبت، نعم، فلذلك لا يستسقون.

طالب:.........

الشيخ: إي هو يقول ما دام تنسب كل شي إلى الله -جل وعلا- هو من هذه الحيثية مباح، لكن أنت لاحظت في أثناء تصورك وتعبيرك عن هذا الموضوع أنت لاحظت وجود النوء، هو يريد أن تهمل النوء بالكلية وأنه لا أثر له وفيه شوب أشعرية المؤلف، فيه نفس أشعرية، مع أنه هذا النقل من عندهِ أو من الشافعي؟ فمعناه عندي على وجهين ابن عبد البر. المقصود أن ابن عبد البر وغيره من الأئمة حينما يقولون مثل هذا الكلام يعني يوجد في أوساطهم وفى مجتمعاتهم ويسمعون كثيرًا أن لهذا الأنواء تأثير كذا ويُريد أن يحسم المادة بالكلية. نعم.

"وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ يَقُولُ: مُطِرْنَا بِبَعْضِ عَثَانِينِ الْأَسَدِ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبْتَ بَلْ هُوَ سُقْيَا اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-» قَالَ سُفْيَانُ: عَثَانِينُ الْأَسَدِ الذِّرَاعُ وَالْجَبْهَةُ."

الشيخ: تخريجه؟

طالب:.........

الشيخ: نعم.

"وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ تُكَذِّبُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ. وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ " تَكْذِبُونَ " بِفَتْحِ التَّاءِ مُخَفَّفًا. وَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا. وَثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «ثَلَاثٌ لَنْ يَزِلْنَ فِي أُمَّتِي: التَّفَاخُرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَالْأَنْوَاء »، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَة». قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أَيْ: فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتِ النَّفْسُ أَوِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوف، قَالَ حَاتِم:

أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى

 

إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

يعيدون الضمير على غير مذكور إذا أُمِن اللبس ولم يخف على أحد مثل قوله -جل وعلا-: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] ما مر للشمس ذكر، لكن ما في أحد يقول ما هذه التي توارت بالحجاب. ما يمكن أن يسأل عن هذا سائل. نعم.

"وَفِي حَدِيث: «إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَهُ أَعْوَانٌ يَقْطَعُونَ الْعُرُوقَ، يَجْمَعُونَ الرُّوحَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى الْحُلْقُومِ، فَيَتَوَفَّاهَا مَلَكُ الْمَوْت»."

الشيخ: مخرج؟

طالب:.........

الشيخ: نعم.

"{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84] أَمْرِي وَسُلْطَانِي. وَقِيلَ: تَنْظُرُونَ إِلَى الْمَيِّتِ لَا تَقْدِرُونَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ يَنْتَظِرُونَ مَتَى تَخْرُجُ نَفْسُهُ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ رَدٌّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ لِإِخْوَانِهِمْ {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران:156] أَيْ: فَهَلْ رَدُّوا رُوحَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ  {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [ الواقعة:83] وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُ أَحَدِكُمُ الْحُلْقُومَ عِنْدَ النَّزْعِ وَأَنْتُمْ حُضُورٌأَمْسَكْتُمْ رُوحَهُ فِي جَسَدِهِ، مَعَ حِرْصِكُمْ عَلَى امْتِدَادِ عُمُرِهِ، وَحُبِّكُمْ لِبَقَائِهِ. وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِهِم: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] وَقِيل: هُوَ خِطَابٌ لِمَنْ هُوَ فِي النَّزْعِ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَكُ مَا بِكَ مِنَ اللَّهِ فَهَلَّا حَفِظْتَ عَلَى نَفْسِكَ الرُّوح. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}[الواقعة:85] أَيْ: بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ. قَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْس: مَا نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ إِلَّا رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى أَقْرَبَ إِلَيَّ مِنْهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ وَرُسُلُنَا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضَهُ {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] أَيْ: لَا تَرَوْنَهُمْ."

طالب:.........

الشيخ: الخلاف بين أهل العلم في هذه الآية هل هي من آيات الصفات أو لا؟ مثل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16] أما صفة القرب والدنو والنزول كل هذه من الصفات المثبتة لله -جل وعلا-، ثبتت بها النصوص لكن هل في هذه الآية المراد بها قرب الله -جل وعلا- أو قرب الملائكة كما بقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}؟ شيخ الإسلام في بعض المواطن كأنه يشير إلى أنها ليست من آيات الصفات. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:86] أَيْ: فَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مُحَاسَبِينَ وَلَا مَجْزِيِّينَ بِأَعْمَالِكُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] أَيْ: مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: غَيْرُ مَمْلُوكِينَ وَلَا مَقْهُورِينَ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: دِنْتُهُ مَلَكْتُهُ، وَأَنْشَدَ لِلْحُطَيْئَة:

لَقَدْ دُيِّنْتِ أَمْرَ بَنِيكِ حَتَّى

 

تَرَكْتِهِمُ أَدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ

الله المستعان يخاطب أمه. يقول: (دُيِّنْتِ) وُكِل إليك هذا الأمر وأُمِرتِ برعايتهم وحياطتهم وعنايتهم (أَمْرَ بَنِيكِ حَتَّى تَرَكْتِهِمُ أَدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ) يعني ضيعتهم، وله أبيات يهجو بها نفسه ويهجو زوجته ويهجو أمه وما ترك أحد، والله المستعان. نعم.

"يَعْنِي: مُلِّكْتِ. وَدَانَهُ أَيْ: أَذَلَّهُ وَاسْتَعْبَدَهُ، يُقَالُ: دِنْتُهُ فَدَانَ. وَقَدْ مَضَى فِي ( الْفَاتِحَةِ ) الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] {تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:87] تَرْجِعُونَ الرُّوحَ إِلَى الْجَسَد {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87] أَيْ: وَلَنْ تَرْجِعُوهَا فَبَطَلَ زَعْمُكُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مَمْلُوكِينَ وَلَا مُحَاسَبِينَ. وَتَرْجِعُونَهَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] وَلِقَوْلِه: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:86] أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ؛ قَالَهُ الْفَرَّاء. وَرُبَّمَا أَعَادَتِ الْعَرَبُ الْحَرْفَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ وَهُمَا شَرْطَانِ. وَقِيلَ: حُذِفَ أَحَدُهُمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَجَازُهَا: فَلَوْلَا وَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا، تَرُدُّونَ نَفْسَ هَذَا الْمَيِّتِ إِلَى جَسَدِهِ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُوم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة:88] ذَكَرَ طَبَقَاتِ الْخَلْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ، وَبَيَّنَ دَرَجَاتِهِمْ فَقَال: فَأَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَوَفَّى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَهُمُ السَّابِقُون."

السابقون الذين أشير إليهم في صدر السورة وفُصِلُوا بعد ذلك. نعم.

"فَقَال: فَأَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَوَفَّى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَهُمُ السَّابِقُون. {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة:89] وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فَرَوْحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: فَرَاحَةٌ مِنَ الدُّنْيَا. وقَالَ الْحَسَن: الرَّوْحُ: الرَّحْمَة .وقال الضَّحَّاك: الرَّوْحُ: الِاسْتِرَاحَة.وقال الْقُتَبِيّ: الْمَعْنَى: لَهُ فِي الْقَبْرِ طِيبُ نَسِيمٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاء:  الرَّوْحُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، وَالرَّيْحَانُ: الِاسْتِمَاعُ لِكَلَامِهِ وَوَحْيِهِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ: هُوَ أَلَّا يُحْجَبَ فِيهَا عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَالْجَحْدَرِيُّ وَرُوَيْسٌ وَزَيْدٌ عَنْ يَعْقُوبَ " فَرُوحٌ "بِضَمِّ الرَّاءِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ الْحَسَن: الرُّوحُ: الرَّحْمَةُ، لِأَنَّهَا كَالْحَيَاةِ لِلْمَرْحُوم.  وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فَرُوحٌ"  بِضَمِّ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: فَبَقَاءٌ لَهُ وَحَيَاةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الرَّحْمَة. وَرَيْحَانٌ قَال مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر:ٍ أَيْ: رِزْقٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ الرِّزْقُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، يُقَالُ: خَرَجْتُ أَطْلُبُ رَيْحَانَ اللَّهِ أَيْ: رِزْقَهُ، قَالَ النَّمْرُ بْنُ تَوْلَب:

سَلَامُ الْإِلَهِ وَرَيْحَانُهُ

 

وَرَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دِرَرْ

وَقَالَ قَتَادَة:  إِنَّهُ الْجَنَّة. وقال الضَّحَّاك:  الرَّحْمَةُ. وَقِيلَ: هُوَ الرَّيْحَانُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُشَمُّ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا. وقال الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ :هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْجَنَّةُ مَخْبُوءَةٌ لَهُ إِلَى أَنْ يُبْعَث. وقال أَبُو الْجَوْزَاء: هَذَا عِنْدَ قَبْضِ رُوحِهِ يُتَلَقَّى بِضَبَائِرِ الرَّيْحَان.ِ وقال أَبُو الْعَالِيَة: لَا يُفَارِقُ أَحَدٌ رُوحَهُ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْتَى بِغُصْنَيْنِ مِنْ رَيْحَانٍ فَيَشُمَّهُمَا ثُمَّ يُقْبَضُ رُوحُهُ فِيهِمَا، وَأَصْلُ " رَيْحَانٌ " وَاشْتِقَاقُهُ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (الرَّحْمَنِ) فَتَأَمَّلْهُ. وَقَدْ سَرَدَ الثَّعْلَبِيُّ فِي الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً سِوَى مَا ذَكَرْنَا مَنْ أَرَادَهَا وَجَدَهَا هُنَاكَ."

كأنَ الأقوال تتجه إلى أن الرَّوْح من الراحة، والريحان من الرائحة. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:90] أَيْ: إِنْ كَانَ هَذَا الْمُتَوَفَّى مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] أَيْ: لَسْتَ تَرَى مِنْهُمْ إِلَّا مَا تُحِبُّ مِنَ السَّلَامَةِ فَلَا تَهْتَمَّ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَسْلَمُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: سَلَامٌ لَكَ مِنْهُمْ، أَيْ: أَنْتَ سَالِمٌ مِنْ الِاغْتِمَامِ لَهُمْ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: أَيْ: إِنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ يَدْعُونَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ بِأَنْ يُصَلِّيَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَيُسَلِّمَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ يَامُحَمَّد. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَلِمْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ مِمَّا تَكْرَهُ فَإِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَحُذِفَ "إِنَّكَ". وَقِيلَ: إِنَّهُ يُحَيَّا بِالسَّلَامِ إِكْرَامًا، فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلِّ السَّلَامِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ؛ أَحَدُهَا: عِنْدَ قَبْضِ رُوحِهِ فِي الدُّنْيَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ؛ قَالَهُ الضَّحَّاك.  وَقَالَ ابْنُ مَسْعُود: إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَ الْمُؤْمِنِ قَالَ: رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ (النَّحْلِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:  {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل:32]، الثَّانِي: عِنْدَ مُسَاءَلَتِهِ فِي الْقَبْرِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، الثَّالِثُ: عِنْدَ بَعْثِهِ فِي الْقِيَامَةِ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا. 

قُلْتُ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ إِكْرَامًا بَعْدَ إِكْرَامٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

يعني عند الوفاة وفي القبر والبرزخ وإذا بُعِث يقابل بالسلام. نعم.

"وَجَوَابُ " إِنْ " عِنْدَ الْمُبَرِّدِ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] فَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ..." 

إن مُخففة؟ مخففة. نعم. وجواب إن، فأما إن كان وأما إن كان. عند المبرد نعم.

وَجَوَابُ "إِنْ" عِنْدَ الْمُبَرِّدِ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] فَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، كَمَا حُذِفَ الْجَوَابُ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ..."

يعني فأنت ظالم. دل عليه ما سبقه. نعم.

"لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ." 

ألا يصح أن يكون هو الجواب الذي تقدم هو الجواب؟ يعني ما بعد إن هل يعمل فيما قبلها؟

طالب:..........

الشيخ: إي لكن يسبق الشرط أم لا يسبق؟

طالب:..........

الشيخ: يسبق، لكن هل يسبق الشرط؟

طالب:..........

الشيخ: لا لا الحرف. فعل الشرط وجوابه هل يسبق الشرط؟ لا أنه يسبق فعل الشرط.

طالب:..........

الشيخ: أنت ظالم إن فعلت. أما الذين يقول أن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها يقدرون الجواب ويدل عليه المذكور. نعم.

"وَمَذْهَبُ الْأَخْفَشِ أَنَّ الْفَاءَ جَوَابُ "أَمَّا" وَ "إِنْ"، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَاءَ جَوَابُ " أَمَّا " وَقَدْ سَدَّتْ مَسَدَّ جَوَابِ " إِنْ " عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْفَاءُ جَوَابٌ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْحَدِّ. وَمَعْنَى " أَمَّا " عِنْدَ الزَّجَّاجِ: الْخُرُوجُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، أَيْ: دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:   {وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ} [الواقعة:92] بِالْبَعْثِ {الضَّالِّينَ} [الواقعة:92] عَنِ الْهُدَى وَطَرِيقِ الْحَقِّ {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة:93] أَيْ: فَلَهُمْ رِزْقٌ مِنْ حَمِيمٍ، كَمَا قَالَ..."

يعني الذي يعد لهم النُزل الذي يعد للضيف وهذا على سبيل التهكم كما تقدم. نعم.

" كَمَا قَالَ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ}[الواقعة:51] وَكَمَا قَالَ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ } [الصافات:67] {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:94] إِدْخَالٌ فِي النَّارِ. وَقِيلَ: إِقَامَةٌ فِي الْجَحِيمِ وَمُقَاسَاةٌ لِأَنْوَاعِ عَذَابِهَا، يُقَالُ: أَصْلَاهُ النَّارَ وَصَلَّاهُ، أَيْ: جَعَلَهُ يَصْلَاهَا وَالْمَصْدَرُ هَاهُنَا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ: لِفُلَانٍ إِعْطَاءُ مَالٍ أَيْ: يُعْطَى الْمَالَ. وَقُرِئَ: (وَتَصْلِيَةِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: وَنُزُلٌ..."

تِصلية بكسر التاء.

وَقُرِئَ: (وَتِصْلِيَةِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: وَنُزُلٌ..."

التاء الأولى أم الهاء؟ ماذا يقصد بكسر التاء؟

طالب: الأخيرة.

الشيخ: هي أصلها (وَتَصْلِيَةُ) هل المقصود بها الكسرة التي هي حركة الإعراب أو أن ضبط التاء؟

طالب: الظاهر الأخيرة.

طالب: الأخيرة.

الشيخ: التاء التي أصلها هاء التي يوقف عليها بالهاء يعني يتغير إعرابها، إي هذا الظاهر؛ لأنه قدّر ونزلٌ من تصلية جحيم. هذا الظاهر. نعم.

"وَقُرِئَ {وَتَصْلِيَة} بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: وَنُزُلٌ مِنْ تَصْلِيَةِ جَحِيمٍ. ثُمَّ أَدْغَمَ أَبُو عَمْرٍو التَّاءَ فِي الْجِيمِ  وَهُوَ بَعِيد. {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة:95] أَيْ: هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ مَحْضُ الْيَقِينِ وَخَالِصُهُ. وَجَازَ إِضَافَةُ الْحَقِّ إِلَى الْيَقِينِ وَهُمَا وَاحِدٌ لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ كَقَوْلِكَ: عَيْنُ الْيَقِينِ وَمَحْضُ الْيَقِينِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ ."

مثل المسجد الجامع، يقدرون المسجد المكان الجامع بحق الأمر اليقين أو الخبر اليقين. نعم.

"فَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ حَقُّ الْأَمْرِ الْيَقِينُ أَوِ الْخَبَرُ الْيَقِينُ. وَقِيلَ: هُوَ تَوْكِيدٌ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْيَقِينِ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْحَقِّ فَأُضِيفَ الْمَنْعُوتُ إِلَى النَّعْتِ عَلَى الِاتِّسَاعِ وَالْمَجَازِ، كَقَوْلِهِ: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِتَارِكٍ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَقِفَهُ عَلَى الْيَقِينِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَيْقَنَ فِي الدُّنْيَا فَنَفَعَهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَيْقَنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ الْيَقِين {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:96] أَيْ: نَزِّهِ اللَّهَ تَعَالَى عَنِ السُّوءِ. وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالِاسْمُ: الْمُسَمَّى. وَقِيلَ: فَسَبِّحْ أَيْ: فَصَلِّ بِذِكْرِ رَبِّكَ وَبِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: فَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ الْعَظِيمِ وَسَبِّحْهُ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال: لَمَّا نَزَلَتْ:  {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:96] قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» وَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ .وَاللَّهُ أَعْلَم."

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.