شرح كتاب التوحيد - 72

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.  

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام المجدد–رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه، وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] الآية.

عن بريدة –رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، فقال: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ: خِصَالٍ -أَوْ خِلَالٍ- فَأَيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ، مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أن يتحولوا منها، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تعالى، الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَسَلْهُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ هم أجابوك، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّه، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّه وذِمَّةَ نَبِيّه، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ، وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِممكُمْ، وَذِمَّم أصحابكم أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّه، وَإِنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا، فَأَرَادُوكَ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ، أَمْ لَا» رواه مسلم.

فيه مسائل:

الأولى: الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه، وبين ذمة المسلمين.

الثانية: الإرشاد إلى أقل الأمرين خطرًا.

الثالثة: قوله: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

الرابعة: قوله: «قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ».

الخامسة: قوله: «فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ».

السادسة: الفرق بين حكم الله وحكم العلماء.

السابعة: كون الصحابي يحكم عند الحاجة بحكمٍ لا يدري أيوافق حكم الله أم لا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه" الذمة: العهد، والميثاق المؤكد.

"وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91]" ذمة الله هي عهده، فيجب الوفاء بعهد الله للأمر بذلك في قوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91]، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنّ} [التوبة:75]، وكانت النتيجة {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} [التوبة:76]، والنتيجة {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:77] يعني لو أن الإنسان يقول: إذا طلع الراتب سأتصدق بألف ريال، ثم طلع الراتب وما تصدق بخل، يتناوله الحكم؟ لا.

طالب:........

بدون عهد {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:75] العهد شديد، العهد موثَّق بيمين {لَئِنْ} [التوبة:75] جواب قسم.

إذا اجتمع الميثاق والعهد والقسم اجتمعت المؤكدات {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:77] لكن لو قال: إذا رزقني اليوم سأتصدق أو فعلت يعني بدون عهود ولا مواثيق.

هل يلزمه أن يفي؟ هل هذا نذر؟ لا، لا يلزمه، لكن من الوفاء أن يفي بما التزم ولو لم يكن مؤكدًا؛ لأنها صدقة ما أخرجها من ماله، وإذا لم تُخرج من المال لا يلزمه الوفاء بها.

نعم.

طالب:........

في مسألة سبب الوجوب -هذا الذي تقصده؟- ووقت الوجوب، إذا جاء مضان أتصدق بكذا، في شعبان رجع، هذا نظير الطلاق المعلق بوقتٍ مُعين، إذا قال لزوجته: إذا جاء رمضان فأنتِ طالق، الجمهور على أنه يقع، ولو أنه ذُكِر عن شيخ الإسلام أنه مادام وقت الوجوب ما جاء ما يقع، بإمكانه أن يرجع عنه، ومثله ما نحن فيه.

طالب:.........

في إخراجه من المال.

طالب:........

فيها نوع اعتلاف، لكن إذا قيل بمثل ما قال به شيخ الإسلام فالمسألة قريبةٌ منها.

الآن شخص قال: أبني مسجدًا بمليون ريال، ومات قبل أن يبني، وقبل أن يُخرج المال من ماله يلزمه شيء؟ يلزم الورثة أن يُخرجوا عنه؟ لا، لكن لو وضع له حسابًا خاصًّا وأخرجه من ماله، وقال: هذا المليون لبناء مسجد.

طالب:........

يلزمهم حينئذٍ يلزمهم.

"وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91]" يعني بعد توكيدها.

عرفنا أن اليمين تُنقض إذا رأى غيرها خيرًا منها، لكن إذا كانت يمينًا مؤكدة ورأى غيرها خيرًا منها تُنقض أم لا؟ إن الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91].

طالب:........

أين؟

طالب:........

رأى غيرها خيرًا منها، حلف ألا يُكلم فلانًا وأكَّد ذلك بأيمان مُغلَّظة وعهود ومواثيق، ثم رأى أو قيل له: إن المصلحة أن تُكلمه، ولا يجوز لك أن تهجر أخاك هذا يمين معصية لا يجب الوفاء به، فعليه على خلاف بين أهل العلم هل يُكفَّر أو لا يُكفَّر في مثل هذا؟

فبعد توكيدها إذا لم تؤكَّد فأمرها أخف، يعني في مباح يستطيع أن يُكفِّر عن يمينه ويأتي هذا المباح، لكن إذا أكده في مُباح وأكده؟

طالب:.......

ما هو في محظور: كقطيعة رحم أو هجران مسلم هذا لا يجوز أن يفي به، لكن فيه مباح ومؤكَّد؟

طالب:.......

لا، لو رأى انتهينا، مُباح مستوي الطرفين وأكَّد ذلك باليمين.

{وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91].

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

هو حلف هذه المسألة ضمن المسألة التي قلنا: إنها في قطيعة رحم وغيرها خيرٌ منها، لا، أنا أريد مستوي الطرفين.

طالب:.........

أقسم بالله أن يقضم هذا الرغيف ليس بحاجةٍ إليه، ولا يضره إذا أكله، فالمسألة على الإباحة، وأكَّد ذلك بأيمان.

طالب:........

نعم أكده بيمين مؤكدة.

{وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] يعني هل هذا معارض لحديث «إني لا أحلف على شيءٍ فأرى غيرها خيرًا منها» نقول: هذا في غير المؤكد، وهذا في المؤكد؟

طالب:........

هو الظاهر التأكيد، الأيمان يتأدى بقوله: والله، والتوكيد قدرٌ زائد على ذلك.

طالب:........

الأيمان المقصود بها في النص اليمين الشرعي بذكر باسم الله.

طالب:........

التوكيد إما توكيد لفظيّ أو معنوي واحد، المهم أنه مؤكد.

طالب:.......

النقض بدون كفارة أو بكفارة {وَلا تَنْقُضُوا} [النحل:91]؟

طالب:.......

يلزمه.

طالب:.......

{وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] القرطبي سورة النحل آية واحد وتسعين.

طالب:.......

لا من التفسير.

طالب:.......

السادس، وهود في السابع.

طالب:.......

العاشر.

طالب:........

لكن يكون ذكرها بعد قوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91] توكيد لما تقدم.

طالب:.......

إذا كان المراد بها العهود والمواثيق، وليس المراد بها ما يُراد باليمين في الأصل أنه الحث والمنع يكون معناها هو معنى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91].

بسم الله الرحمن الرحيم "قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:91].

فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل:91].

الثانية: قوله تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91].

يقول: بعد تشديدها وتغليظها، يقال: توكيدٌ وتأكيد، ووكد وأكَّد، وهما لغتان".

والواو أفصح.

طالب:.......

توكيد أو تأكيد، نعم.

"الثالثة: قوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل:91] يعني شهيدًا، ويُقال: حافظًا، ويُقال: ضامنًا، وإنما قال: {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91] فرقًا بين اليمين المؤكدة بالعزم، وبين لغو اليمين.

وقال ابن وهبٍ، وابن القاسم عن مالك: التوكيد هو حلف الإنسان في الشيء الواحد مرارًا، يُردد فيه الأيمان ثلاثًا أو أكثر من ذلك".

يعني التوكيد اللفظي.

"كقوله: والله لا أنقصه من كذا، والله لا أنقصه من كذا، والله لا أنقصه من كذا، قال: فكفارة ذلك واحدةٌ مثل كفارة اليمين.

 قال يحيى بن سعيد: هي العهود، والعهد يمين، ولكن الفرق بينهما أن العهد لا يكفَّر.

قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ» وأما اليمين بالله فقد شرع الله سبحانه فيها الكفارة بخصلةٍ واحدة، وحل ما انعقدت عليه اليمين.

وقال ابن عمر: التوكيد هو أن يحلف مرتين، فإن حلف واحدةً فلا كفارة فيه. وقد تقدم في المائدة".

هذا يحتمله اللفظ؛ لأن التوكيد إنما يكون معنويًّا أو لفظيًّا.

طالب:.......

هذا نذر أم يمين؟

طالب:........

على كل حال أدرج هذه اللفظة في مختصر الخرقي في الأيمان؛ لأن المعنى واحد.

طالب:........

إذا حلف يلزمه ما حلف عليه.

ترى باقي ثلاثة أبواب حتى ننتهي.

ثم قال –رحمه الله-: "عن بريدة" وهو ابن الحصيب.

 "قال: كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ" السرية قطعة من الجيش من الأربعمائة فما دون، والجيش ما فوق ذلك، ولا بُد من تأمير الأمير على اثنين إذا سافر ثلاثة فالسُّنَّة أن يؤمِّروا عليهم واحدًا منهم، النبي يُؤمِّر الأمراء على الجيوش متى يبعثها وعلى السرايا.

طالب:.......

إنما يُؤمَّر أصلحهم لذلك، إنما يجب تأمير أصلحهم لذلك، وأوفاهم بالشروط، قد يكون الشخص أتقى وأورع، لكن ما يصلح أن يكون أميرًا، قد لا يصلح أن يكون أميرًا، أبو ذر أصدق الناس لهجة، ونصحه النبي –عليه الصلاة والسلام- ألا يتأمر على اثنين.    

"كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه بتقوى الله" بفعل الأوامر واجتناب النواهي، وهذه وصية الله –جلَّ وعلا- للأولين والآخرين {أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].

"بتقوى الله، ومن معه من المسلمين" يعني هل أوصاه بتقوى الله، وبتقوى من معه من المسلمين أو أوصاه بتقوى الله وأوصاه بمن معه من المسلمين "خيرًا"؟ نعم الاحتمال الأول لا يرد.

"ومن معه من المسلمين خيرًا" بألا يشق عليهم، ولا يتكبر عليهم، ولا يترفع عليهم، ولا يحقرهم، ولا يحملهم ما لا يُطيقون.

 "فقال: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ» اغزوا مُستعينين بالله –جلَّ وعلا- «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ولإعلاء كلمة الله.

«قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ» قاتلوهم بعد عرض الأمور الآتية عليهم، فإذا أبوا فقاتلوهم، والقتال لمن كفر بالله؛ لكفره وعدم استجابته للدخول في الإسلام أو بذل الجزية، كما يُقاتل مَن اجتمعوا على ترك شعيرةٍ من شعائر الدين أو امتنع من أداء ركنٍ من أركان الإسلام ولجأ إلى المنازعة والمشاقة، وقاتل دون ذلك فإنه يُقاتل، كما قاتل أبو بكرٍ –رضي الله عنه- أهل الردة.

يُقاتل أيضًا عند أهل العلم إما أهل بلدٍ امتنعوا عن أداء شعيرة من شعائر الإسلام كالأذان مثلاً، وجعله النبي –عليه الصلاة والسلام- علامة على دار الإسلام من دار الكفر «إذا سَمِعْتُمْ الْأَذَان َفَكُفُّوا»  كما أنه يُقاتل إذا اقتتل طائفتان من المسلمين دخلوا في البُغاة، فحصل الصلح بينهما فرفضت إحداهما تُقاتل {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].

«قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا» تأكيد لما تقدم.

«وَلَا تَغُلُّوا» الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161].

«وَلَا تَغْدِرُوا» الغدر الخيانة، وفي الحديث: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ» نسأل الله العافية.

«وَلَا تَمْثُلُوا» بالأسرى أو من يتم قتله بجدع أنفه أو قطع لسان أو أذنه، فلا يجوز التمثيل، على خلافٍ بين العلماء إذا مثَّلوا بقتلى المسلمين، إذا مثَّل الكفار بقتلى المسلمين هل يُمثَّل بقتلاهم؟ خلافٌ بين أهل العلم، ويكون من باب المماثلة وليس من باب التمثيل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126].

وفي قصة العُرنيين فعل النبي –صلى الله عليه وسلم– بهم مثلما فعلوا بالراعي من باب المماثلة للمسلم.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

المسألة خلافية بين أهل العلم منهم من يرى «وَلَا تَمْثُلُوا» عام، لا تفعلوا ولو فعلوا، ومنهم من يقول: إذا فعلوا لا تظهروا الضعف عندهم افعلوا بهم مثل ما فعلوا، وتندرج أفعالكم في نصوص {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، ويجعلون من ذلك ما حصل في قصة العرنيين.

طالب:........

يعني من غير تقدم فعل من الكفار بذلك النص ظاهر «وَلَا تَمْثُلُوا».        

«وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» الوليد هو: الصغير الذي لا يُقاتل.

«وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» جاء النهي عن قتل الشيوخ، قتل الرهبان، وقتل النساء، جاء النهي عن قتل هؤلاء؛ لأنهم لا مدخل لهم في القتال، لكن من قاتل منهم ولو من الشيوخ والرهبان والنساء من قاتل يُقتل.

لقد قُتِل دُريد بن الصِّمة في حُنين وهو شيخٌ كبير فوق المائة؛ لأن له رأيًا، فالمقصود أن النساء جاء النهي عن قتلهم.

وفي المسألة هذا الحديث وهو النهي عن قتل النساء، وفيها القتل للنساء في مواطن من الشريعة، في القصاص قتلت امرأة تُقتل أم ما تُقتل؟ تُقتل.

في الزنا إذا كانت مُحصنة تُقتل، رجم النبي –عليه الصلاة والسلام- أكثر من واحدة.

في الردة «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» تُقتل أم ما تُقتل؟

طالب:.......

عند الحنفية قول عند الحنفية.

الآن جاء النهي عن قتل النساء، وجاء الأمر بقتلهن، وجاء الفعل بقتلهن.

الحنفية يعتمدون عموم النهي، فيقولون: المرتدة لا تُقتل؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- نهى عن قتل النساء، والجمهور: تُقتل؛ لأن هذا النهي عن قتل النساء عمومه مُعارضٌ بعموم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وهذا العموم النهي عن قتل النساء مُعارض ليس بمحفوظ، مُعارضٌ بقتل المرأة إذا قتلت أو إذا زنت فعموم النهي عن قتل النساء ضَعُف؛ لِما دخله من المُخصصات.

عموم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» محفوظ أم مُخصص؟

طالب: محفوظ.

إذًا عموم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مرجَّح وهو أقوى من عموم الأمر بقتل النساء؛ ولذا قال الجمهور: بقتل المرأة إذا ارتدت.

«وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» جاء النهي مثلما قلنا عن قتل النساء، وقتل الشيوخ، وأيضًا قتل الرهبان ما يُقتلوا إلا إذا شاركوا في القتال.

إذا تترَّس الكفار بمثل هؤلاء الذين جاء النهي عن قتلهم جعلوهم بينهم وبين المسلمين.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

الآن عندنا نهي عن قتل هؤلاء، فجعلهم الكفار درعًا بينهم وبين المسلمين، قالوا: نعرف أن الإسلام نهى عن قتل هؤلاء فنختبرهم، هم يتبعون إسلامهم أو يقتلونهم؟

طالب:........

نعم؛ لأنه لو لم يُقتلوا لقُتِل من المسلمين أكثر، يعني لو تترسوا بمسلم، ويترتب على ذلك قتل أعداد كبيرة من المسلمين، القاعدة ارتكاب أخف الضررين.

على كل حال «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ: خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ» شك من الراوي، وهذا لا شك أنه من تحري رواة الحديث وإلا فالخصال والخلال معناهما واحد.

«فَأَيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ إِلَيْهَا» (ما) هذه زائدة.

«فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ» «ثُمَّ» هذه هي موجودة في صحيح مسلم في جميع النسخ في غير صحيح مسلم ما توجد؛ لأن هذا تفصيل لِما أُجمِل للخصال الثلاث بيان للمُجمل وليس مرتبة أو مرحلة بعده يُعطف عليه بسهولة، في سُنن أبي داود «ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ» تفصيل بعد إجمال.

يقول الشيخ في حاشيته، الشيخ سليمان، الشيخ سليمان ليس في (تيسير العزيز الحميد).

طالب:........

(تيسير العزيز الحميد) انتهى عند الباب الذي قبل هذا المصورين، وكُمِّل من (فتح المجيد) في حاشية للشيخ سليمان حاشية طُبِعت في جزءٍ صغير، يعني في حاشية الأصل يعني كتاب (التوحيد): "كذا وقعت الرواية بجميع نُسخ صحيح مسلم بزيادة «ثُمَّ» والصواب إسقاطها كما روى أبو داود، وأبو عُبيد في (الأموال)؛ لأن ذلك هو ابتداء تفسير الثلاث خصال.

وقال المازري في (المُعلِم): ليست «ثم» زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام".

لأن معناها الترتيب هي في الأصل مع التراخي، فإذا قلنا ترتيب يكون الكلام المرتب غير المرتب عليه، والحاصل في سياق الكلام خلاف ذلك؛ لأن هو المرتَّب عليه، فلا نحتاج إلى «ثم».

قال: "ليست «ثم» زائدة" هذا المازري كتابه (المُعلِم) مطبوع في ثلاث مجلدات صغار، وهو اللبنة الأولى من لبنات شروح مسلم (المُعلِم) للمازري، جاء القاضي عياض فصنَّف (إكمال المُعلِم) كمَّل عليه، جاء الأُبِّي وصنَّف (إكمال الإكمال)، ثم جاء السنوسي فصنَّف (مُكمِّل إكمال الإكمال)، والكتب الخمسة هذه يُكمَّل بعضها بعضًا في شرح صحيح مسلم فيها زواج من بعضها على بعض يخرج طالب العلم بشرح شبه مُغني، لكن كلها ما تجيء بالنسبة لفتح الباري إلا الشيء اليسير، فيها خير، وفيها علم يُكمِّل بعضهم على بعض، لكن يبقى أن مسلمًا فيه إعواز؛ ولذا جاء ممن تأخر وأضاف على ذلك الشيء الكثير من الهنود وغيرهم شروحًا على صحيح مسلم.

طالب:..........

ماذا؟

طالب:.........

هذا متأخر، المقصود أن المجال مفتوح بالنسبة لمسلم وغيره من الكتب، المجال مفتوح، حتى البخاري من أراد أن يُضيف أضاف –الحمد لله- ولما قيل للشوكاني: ألا تشرح صحيح البخاري؟ قال: لا هجرة بعد الفتح.  

«فَأَيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ إِلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ» هذه الخصلة الأولى أو الخلة الأولى ادعهم إلى الإسلام، إذا أسلموا فما فيه مُبرر لقتالهم؛ لأن قتالهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام، وأسلموا.    

«فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ» إذا أسلموا «إِلَى التَّحَوُّلِ، مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ» ليكون لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين.

والهجرة كانت في عصره –عليه الصلاة والسلام- واجبة إليه، الهجرة إليه، وبعده واجبة من دار الكفر إلى دار الإسلام، ولا يتعين بلد بعينها لا مكة ولا المدينة ولا غيرهم من بلدان المسلمين، ولا يجوز البقاء بدار الكفر مع القدرة على ذلك إلا المستضعفين.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:..........

في وقتها الهجرة باقية، الآن ماذا يقول الله –جلَّ وعلا- في سورة النساء؟ ما استثنى إلا المستضعفين، المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة، معناه أن الحيلة في مثل هذا واجبة.

«ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ، مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ» من الفيء، والصدقات، والزكوات وغيرها من الأموال التي تُصرف على المسلمين.  

«وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أن يتحولوا منها، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تعالى، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ» شخص أسلم وجلس في البر عنده غنم، وعنده بعارين، وعنده شيء، بماذا يُنتفع بمثله من المسلمين؟ لا يُقاتل، وليس بردء للمسلم، ما ينفعه، بينما إذا انتقل إلى دار الهجرة نفع الله به.

في صحيح مسلم قال: «عدوا من يلفظ الإسلام» يعني من يتلفظ به كم عددهم بالمدينة؟ ستمائة أو سبعمائة، قالوا: أتخاف علينا ونحن ستمائة أو سبعمائة؟ الآن عيال رجل واحد وأحفاده بهذا العدد من المُكثرين، المسلمون كلهم بين ستمائة وسبعمائة، أتخاف علينا؟ طيب مليار ونصف ماذا فعلوا بهذه الأرض؟ «وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ» أتخاف علينا ونحن بين الستمائة والسبعمائة؟ ثقة بالله –جلَّ وعلا- والله المستعان.  

«فَإِنْ أَبَوْا أن يتحولوا منها، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تعالى، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ» إذا جاهدوا فلهم من الغنيمة ما ينالهم من نصيب.

طالب:.........

لا، الهجرة في وقته –عليه الصلاة والسلام- واجبة.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

المقصود أنه في وقته تجب الهجرة إليه.

«فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَسَألْهُمْ الْجِزْيَةِ» هذه الخلة الثالثة «فَسَألْهُمْ الْجِزْيَةِ».

طالب:........

الثالثة، الثانية: أن يتحولوا.

طالب:.......

طيب.

طالب:........

نعم يكف عنهم.

طالب:........

لا لا، الثالثة.

«فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَسَلْهُمْ الْجِزْيَة» الجزية تُفرض على من أبى الإسلام ورغب في البقاء في ديار المسلمين فإنه تُفرض عليه الجزية، والجزية شيءٌ يسير أربعة دنانير أو أربعون درهمًا على خلافٍ بين أهل العلم في تقديرها، وهل هو اجتهادي بمعنى أنه يخضع للزيادة أو هو تقديري فرضي لا يقبل الزيادة؟

طالب:.........

الآن الذين يُقاتلون هذه السرية تُقاتل العرب، كفارًا عربًا ما هم بأهل كتاب، أهل الكتاب منصوص عليهم في القرآن، والمجوس أخذ الجزية من مجوس هجر، وقال: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وهؤلاء عرب مشركون هل تؤخذ منهم الجزية؟ تؤخذ منهم بهذا الدليل وما جاء في معناه، ولكن عند الشافعية والحنابلة أن الجزية لا تُؤخذ إلا من أهل الكتاب فقط والمجوس في حكمهم، وغيرهم من أهل العلم اختلفوا في مشركي العرب، ومنهم من يقول: تؤخذ من المشركين إلا العرب؛ لأنها إذلال لهم، فالعموم أنها تؤخذ من كل كافر، وهذا الذي يدل عليه حديث الباب وغيره من الأحاديث      

«فَإِنْ هم أجابوك، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ» استعن بالله ما فيه شيء إلا بالاستعانة بالله، الله –جلَّ وعلا- إذا لم يُعنهم ما أصابوا شيئًا.

إِذَا لم يَكُنْ عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتى

 

فَأَوَّلُ مَا يَقضي عَلَيهِ اجتِهَادُهُ

فلا بُد من الاستعانة وطلب العون من الله- جلَّ وعلا-.  

«وَقَاتِلْهُمْ وَإِنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا» سواء كان حصنًا منيعًا من جبال وغيرها، أو بيوت أو أي شيء يمتنعون به، ويتحصنون به.

«فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّه، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّه وذِمَّةَ نَبِيّه، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ، وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِممكُمْ، وَذِمم أصحابكم أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّه»؛ لأنه إذا حصل النقض وقد أُعطوا عهد الله وذمة الله فالأمر عظيم، ماذا يقول الكفار؟ خانوا ربهم، لكن إذا كانت الذمة لأمير الجيش وأصحابه فأمرها سهل؛ لأن في بني آدم هي محرَّمة، الفعل مُحرَّم، لكن أهون من أن يكون العهد من الله ورسوله.

«تُخْفِرُوا» من أخفر الرباعي، وأما الثلاثي خفر فمعناه: أجار، خفر: أجر، وأخفر: نقض.

«وَإِنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا، فَأَرَادُوكَ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ» إذا قلت لهم: هذا حكم الله في المسألة، ثم تبين خلاف ذلك، والمسألة اجتهادية فلا تُنزلهم على حكم الله.

يأتي كثير من السائلين: ما حكم الدين في كذا؟ فيُجيب، إذا كانت الإجابة بنص من كلام الله وكلام رسوله فهذا حكم الدين، ويبقى أن تنزيل هذا النص على السؤال يبقى اجتهادًا، فبعضهم يُسأل ما حكم الدين في كذا، ويُجيب بجوابٍ اجتهادي ما فيه دليل، ورأيت كتابًا اسمه (أنت تسأل والإسلام يُجيب) يُباع في المكتبات أكثره اجتهادية واستنباطات عقلية بعضها لا يستند إلى دليل، قال: والإسلام يُجيب! هذا لا يجوز.

طالب:........

هذا غش وخداع للناس، ويدخل فيه هذا الكلام.

"«فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ، أَمْ لَا» رواه مسلم".

الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه، وبين ذمة المسلمين، لا شك أن ذمة المسلمين أهون وأخف، ومخالفتها أيسر من مخالفة ذمة الله وذمة نبيه.

"الثانية: الإرشاد إلى أقل الأمرين خطرًا" كلاهما مُحرَّم، لكن ذمة المسلمين أقل خطرًا.

"الثالثة: قوله: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»" اغزوا مستعينين بالله –جلَّ وعلا- مخلصين لله، مُعلين كلمة الله في سبيل الله، لا من أجل غنيمة ولا غيره، ولا تسلط على الناس.

"الرابعة: قوله: «قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ»" لأن من كفر بالله وأبى أن يستجيب ويدخل في دين الله، وأبى الجزية فإنه يُقاتَل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123].

"الخامسة: قوله: «فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ»" استعن بالله في باسم الله فيها نوع استعانة بالله –جلَّ وعلا- وهذا تأكيد، وأنه لا بُد من الاستعانة بالله ولا يجوز الركون بحال إلى العدد والعُدد من غير عون الله -جلَّ وعلا-.

"السادسة: الفرق بين حكم الله وحكم العلماء" حكم الله مطابق للحق قطعي في المطابقة، أما حكم العلماء فهو اجتهادي، والمجتهد قد يُصيب وقد يُخطئ، ومع ذلك هو مأجور على الحالين، إما أجر واحد إن أخطأ أو أجران إن أصاب.

طالب:........

{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65].

طالب:.......

حكم العلماء، طيب إذا كان العالم من أهل الاجتهاد، واستفرغ وسعه، واستعمل المقدمات الشرعية، فلم يُصب؟

طالب:........

يدخل في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أحكم عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شيئًا فليأخذها أو ليدعها، فإنما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» حكم الحاكم لا يُبيح ما حُكم به إذا لم يُصب الحق.

"السابعة: كون الصحابي يحكم عند الحاجة بحكمٍ لا يدري" اجتهادي ما في نص، إذا خلت المسألة من نص نقول: ما فيها حُكم شرعي؟ يُطلب من أهل العلم، من أهل الاجتهاد، من أهل الأهلية للنظر في النصوص أن يجتهدوا ويحكموا بما يوصلهم إليه اجتهادهم، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجرٌ واحد، والله أعلم.

نعم.

"باب ما جاء في الإقسام على الله: عن جندب بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، فَقَالَ اللَّهُ –عزَّ وجلَّ-: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلِيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ، إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» رواه مسلم.

وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجلٌ عابد، قال أبو هريرة: تكلم بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته.

فيه مسائل:

الأولى: التحذير من التألي على الله.

الثانية: كون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.

الثالثة: أن الجنة مثل ذلك.

الرابعة: فيه شاهدٌ لقوله: «إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ» إلى آخره.

الخامسة: أن الرجل قد يُغفر له بسبب هو من أكره الأمور إليه".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في الإقسام على الله" الإقسام على الله الحلف على الله، ذكر –رحمه الله- النوع المُخل بالتوحيد الذي أورد صاحبه النار، التألي على الله تنقُّص، تنقُّص لله -جلَّ وعلا-.

في نوع آخر فيه ثقة بالله –جلَّ وعلا- «رُبَّ أشعثَ أغبرَ لو أقسم على الله لأبره»، وحصل من بعض القضايا الصحيحة الثابتة في قصة الرُّبيِّع لما كسرت الثنية ثنية الأنصارية، أقسم أخوها ألا تُكسر ثنية الرُّبيِّع، والرسول يقول: «كتاب الله بيننا وبينك» كتاب الله القصاص، قال: والله لا تُكسر ثنيتها، فأبره الله –جلَّ وعلا- برَّ قسمه ولم تُكسر ثنية الرُّبيِّع.

طالب:........

اقسم والله أو بالله، بلفظه أو بما يؤدي معناه.

الحلف على الله في الباب لا شك أنه من الموبقات؛ لأن هذه الكلمة أوبقت دنياه وآخرته؛ لأن القتل من الكبائر الشديدة، والإقسام على الله ممن جاء وصفه بأن له أن يُقسم ويثق بالله فيُقسم عليه ويبره الله قسمه هذه صفة مدح، لكن هل كل أحدٍ مهما وثق بعمله أن يُقسم على الله؟

طالب:.........

امتحان ابتلاء هذا ليقسم ولا يبر قسمه.      

طالب:.......

فيه ما فيه، لكن في مواطن يحتاج فيها الإنسان إلى هذا، مثل واحد من الدعاة في دولةٍ من الدول فيها كفار، قالوا: استسقي لنا فإن مُطرنا أسلمنا، فأقسم على الله أن يُسقوا فسوقوا وأسلموا، لكن لو لم يُسقوا...

طالب:.........

نعم محتاج؛ لأنه يُخاطب الله هذا ما عندهم شيء يخشوا منه، وعندنا أصل المسألة «من عبادِ اللهِ مَن لو أقسَم على اللهِ لأبَرَّه» الآن لو واحد جالس في مجلس وقال: اللهم إن كنت تعلم أني مسلم ومآلي إلى الجنة فاقبضني الساعة، وما قُبِض ماذا صار عليه؟ مشكلة لا يُعرِّض الإنسان نفسه للابتلاء عليه بستر الله، ويجتهد في طاعة الله وتقوى الله، واجتناب معاصيه مخلصًا في ذلك لله –جلَّ وعلا- متبعًا لنبيه ويترك هذه الأمور عند الموافقة.

طالب:.........

لا، ليس لكل الناس، ولا ينبغي أن يُستعمل إلا في أضيق الأحوال والظروف؛ لأنه ابتلاء.

قال: "عن جندب بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ» جاء في الروايات الأخرى أن هذا الرجل عابد، وله صاحب يُزاول المعاصي، فينصحه إذا وجده على معصية، قال: اتقِ الله يا فلان، ولا تعصِ الله، قال: دعني وربي، ثم يجده على معصية ويقول له: اتقِ الله، فلا تعصِ الله، فيقول: دعني وربي، وهكذا وهكذا، مَل هذا الرجل -وهذا من سوء حظه-، من كثرة ما يقول له ويرد عليه، قال: "والله لا يغفر الله لك"، نسأل الله العافية.  

«وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، فَقَالَ اللَّهُ –عزَّ وجلَّ-: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلِيَّ؟» من الذي يحلف علي؟ الألية هنا المراد بها: اليمين الحلف {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ} [النور:22] {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة:226] الألية هنا والتألي هو الحلف.

«مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلِيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ له، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» إذا كان الذنب الذي يُزاوله هذا شركًا أكبر، يصح الحلف عليه بناءً على قوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] فحلف أن الله لا يغفر له؟

طالب:.........

إن قال: إن مت على هذا الله لا يغفر لك، له ذلك؛ لأن هذا جاء بالوعد المقطوع من الله –جلَّ وعلا-، أما إذا كان قابلًا للمغفرة وتحت المشيئة يدخل في الحديث.

«مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلِيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ له» لما اجتمعا عند الله –جلَّ وعلا- قال له: اذهب فادخل الجنة هذا العاصي، وقال: للثاني العابد الذي تألى اذهبوا به على النار، نسأل الله العافية.

«إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ له وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» "رواه مسلم" هو في سُنن أبي داود وغيره مطولًا في القصة كاملة.

"وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجلٌ عابد، قال أبو هريرة: تكلم بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته" نسأل الله العافية.

كلمة «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» كلمة من ضمن ما يُقال في الأحاديث، وفي المزاح وفي غيره.

وأوصى النبي –عليه الصلاة والسلام- بحفظ اللسان قال معاذ: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قال: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» نسأل الله العافية.

ونسمع هذا الكلام، ونُردد هذا الكلام وإذا جلسنا بالمجالس هات.

وحفظ اللسان، وحفظ الجوارح التي هي المسالك للقلب، حفظ اللسان حفظٌ للقلب، حفظ البصر حفظٌ للقلب، حفظ السمع حفظٌ للقلب لا يصلح القلب إلا بهذا، ومن أراد أن يقرأ هذا الكلام مُفصلاً فعليه بأوائل (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) لابن القيم كتاب في غاية الأهمية، نفيسٌ جدًّا فيه حفظ القلب، وكيف يُحفظ القلب؟ من الفضول، من فضول الكلام، وفضول السمع، وفضول البصر، وفضول الطعام، وفضول النوم، من فضول الخُلطة مع الناس بهذا يُحفظ القلب.

"تكلم بكلمةٍ أوبقت" دليلٌ على أنها من عظائم الأمور في الحديث: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ».

"دنياه وآخرته" أوبقت آخرته هذا معروف، لكن الدنيا تبع للآخرة؛ لأنها لا شيء بالنسبة للآخرة. 

طالب:........

على كل حال دنياه ما مضى منها وما بقي الدنيا كلها لا شيء بالنسبة للآخرة، وهي مقدمةٌ لها، ومزرعةٌ لها.

طالب:........

حديث الباب؟

طالب:.........

لا لا، أقسم على الله؟

طالب:........

ما حصل أنه أقسم عليه، هو يرجو، ما هو مثل هذا جازم أن هذا الشخص لن يُغفر له، هي مسألة رجاء من الله –جلَّ وعلا-، مؤكد هذا الرجاء باليمين الذي جاءت الإشارة إليه إن كان من أهل هذا، الإنسان لا يُعرض نفسه للفتن، لكن إذا اضطُر لذلك، وظن في نفسه أنه أهلٌ لذلك، وأراد أن يختبئ، يرجو أن يخرج من هذا المأزق الذي هو فيه، وهو بذلك لا يجزم يرجو.

"فيه مسائل:

الأولى: التحذير من التألي على الله" والحلف عليه ولا مُكره له، الله لا مُكره له.

"الثانية: كون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله"، وقد جاء في الحديث «أن النَّارُ أَقْرَبُ لأَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَأن الجَنَّةُ كذلك».

"الثالثة: أن الجنة مثل ذلك.

"الرابعة: فيه شاهدٌ لقوله: «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، وهذا كلِم «وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ» أوبقت دنياه وآخرته، نسأل الله العافية.

"الخامسة: أن الرجل قد يُغفر له بسببٍ هو من أكره الأمور إليه" يُغفر للرجل بسببٍ هو من أكره الأمور إليه، هذا الرجل العاصي أشد ما يسمع وأكره الألفاظ التي يسمعها (إن الله لا يغفر لك) هذا من أكره الألفاظ التي يسمعها، ومع ذلك قد غُفر له بسببها.

اقرأ الباب الذي يليه.

طالب:.........

المن ما فيه تعظيم، تعظيم ذمة الله وذمة نبيه من التوحيد، والنيل من ذمة الله أو تعريض ذمة الله وذمة نبيه للإخفار ما هو فيه تنقُّص لله جلَّ وعلا؟

لا لا.

نعم.

"بابٌ لا يُستشفع بالله على خلقه: عن جُبير بن مطعمٍ –رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! نُهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنَّا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: «سبحان الله سبحان الله!» فما زال يسبح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحْدٍ» وذكر الحديث، رواه أبو داود.

فيه مسائل:

الأولى: إنكاره على من قال: نستشفع بالله عليك.

الثانية: تغيره تغيرًا عُرِف في وجوه أصحابه من هذه الكلمة.

الثالثة: أنه لم ينكر عليه قوله: "نستشفع بك على الله".

الرابعة: التنبيه على تفسير "سبحان الله".

الخامسة: أن المسلمين يسألونه الاستسقاء".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بابٌ لا يُستشفع بالله على خلقه" الشفاعة والاستشفاع ضم الصوت بدل أن يكون فردًا ليكون شفعًا، فالشافع يضم صوته للمشفوع له عند من يُشفع عنده.

الأصل أن يكون الشافع والمستشفع به ليشفع أن يكون مقامه أنزل من المشفوع عنده؛ لأنه إذا كانت منزلته أعلى يأمره أمرًا.

"بابٌ لا يُستشفع بالله على خلقه" "لا يُستشفع" تُطلب شفاعة الله، الشفاعة من الله تُطلب عند فلان من الناس، وليكن محمدًا –عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق، النبي –عليه الصلاة والسلام- كرر التسبيح والتنزيه لما فعل ذلك الأعرابي.

"عن جُبير بن مطعمٍ –رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! نُهكت الأنفس" تعبت تعبًا شديدًا "وجاع العيال، وهلكت الأموال" من الجدب ما فيه شيء تأكله الدواب والمواشي والإبل والبقر فلا تُخرج شيئًا، إذا كانت جائعة فمن أين تُخرج؟ لا لحمًا ولا سمنًا ولا حليبًا ولا لبنًا ولا شيئًا من أين تُخرج؟

"نُهكت الأنفس" الإنسان إذا ما وجد شيء يأكله هزل وضعف "وجاع العيال، وهلكت الأموال" ما وجدت شيئًا تأكله فهلكت. 

أولاً: من اعتمد عليها أو كانت هي السبب في بقائه من الله –جلَّ وعلا-، ابن آدم من أين يعتاش إلا من هذه المواشي وما تخرجه الأرض، فإذا انتهى هذا انتهى، ومر بالأمة كوارث متعددة؛ بسبب الجوع، ومات الناس بالأعداد الهائلة وهزل الناس، الناس يموتون في الطرقات من الجوع، ومازال الأمر موجودًا في كثيرٍ من بلدان المسلمين، ومر على بلدنا من الجوع ما مر بغيرها من البلدان وأشد، وأوقات الجوع التي مرت بالمسلمين ما تنازل الناس عن دينٍ ولا عِرض مع الجوع الشديد، في سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وعشرين الناس في الطرقات يجدون الميت ومن يُحتضر وكذا، وقام واحد من المسلمين وعنده تمر كثير للتجارة، فخلطه مع الماء، ويصب في أفواههم نجا منهم عددٌ بسبب ذلك، وصل الأمر إلى هذا الحد، ما تنازل الناس عن دين ولا عِرض ولا شيء، لكن بعد ذلك فُتِحت الدنيا، فما النتيجة؟

«والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها» يعني من قبلكم «فتُهلككم كما أهلكتهم» الترف شأنه خطير مُخل لاسيما بالمسلمين إذا التفتوا إلى الدنيا وانشغلوا بها عن الآخرة.

"نُهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك" اطلب السُّقية من الله- جلَّ وعلا-.

"فإنَّا نستشفع بالله عليك" يعني نجعل الله واسطة بيننا وبينك.

"وبك على الله" المحظور الأول الاستشفاع بالله على النبي –عليه الصلاة والسلام- والثاني ما فيه إشكال.

"فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: «سبحان الله سبحان الله!»" تنزيه لله –جلَّ وعلا- أن يُمتهن بهذه الطريقة.

"فما زال يسبح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابه" كرهوا ذلك، الصحابة لما قال: «أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» ومازال يُكررها حتى قلنا: ليته سكت؛ رأفةً به وشفقةً عليه.

"حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال: «وَيْحَكَ»" ويح، وويل، وويس ألفاظ تُستعمل للتحذير، وبعضها يُستعمل للترحم، لكن هنا تحذير بلا شك.

«وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟» لو كنت تدري ما قلت هذا الكلام، مُبينًا جهله بمقام الله -جلَّ وعلا-.

«إن شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحْدٍ» تعالي وتقدَّس "وذكر الحديث، رواه أبو داود".

"فيه مسائل: الأولى: إنكاره على من قال: نستشفع بالله عليك" مقام الله أعظم من أن يُستشفع به على أحدٍ من خلقه، لماذا؟ لأنه –جلَّ وعلا- لا يطلب من أحد، وإنما يُطلب منه، فإذا أراد من أحدٍ شيئًا أمره به كشأن التكاليف.

"الثانية: تغيره تغيرًا" لأنه يغار لله -جلَّ وعلا- "تغيرًا عُرِف في وجوه أصحابه من هذه الكلمة".

"الثالثة: أنه لم ينكر عليه قوله: "نستشفع بك على الله" الشفاعة من الأدنى إلى الأعلى لا إشكال فيها، وهذا في حياته –عليه الصلاة والسلام- ولا يُستسقى به بعد موته؛ لأن الصحابة كانوا يطلبون منه السُّقيا في حياته، قد جاءه من يطلب الاستسقاء وهو على المنبر وما نزل حتى أُمطِروا، ثم جاء في الأسبوع الثاني لطلب منع المطر وحصل، لكن بعد وفاته لم يحصل ذلك، ما جاء أحد يستقي بالنبي –عليه الصلاة والسلام- بعد وفاته، عمر –رضي الله عنه- لما حصل الجدب أمر العباس عم النبي –عليه الصلاة والسلام-، عمر أمر العباس ما قال: نذهب إلى قبره –عليه الصلاة والسلام- وهو موجود ونستسقي به، أمر العباس ادعُ يا عباس، فدعا "اللهم إنَّا كنا نستسقي بنبيك –عليه الصلاة والسلام- فاسقنا بعم نبيك" يعني طُلِب الاستسقاء منه بدعائه –رضي الله عنه وأرضاه- وحصلت السُّقية.

ومعاوية استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي رجلٌ صالح في وقته، فسُقوا، جاء في القصة أن يزيد بن الأسود قال: فضحتني يا معاوية اللهم اقبضني إليك فمات في مكانه، يُقال في ترجمته، والله المستعان.   

"الرابعة: التنبيه على تفسير (سبحان الله)" وهو التنزيه؛ لأنها جاءت في الإنكار عليه في عبارته.

"الخامسة: أن المسلمين يسألونه الاستسقاء" يسألونه أن يستسقي الله –جلَّ وعلا- ليسقيهم، إن هذا في حياته مما يدل على قصة العتبي باطلة.

العُتبي يقول: جالس عند قبر النبي –عليه الصلاة والسلام- فجاء أعرابيٌّ، فطلب من النبي –عليه الصلاة والسلام- المغفرة {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64].

المقصود أن العُتبي جاء يطلب المغفرة بعد وفاة النبي –عليه الصلاة والسلام- فنام العُتبي واستيقظ وهو يقول: إن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: يا عُتبي، قُل للأعرابي: إن الله قد غفر له، وهذه القصة موضوعةٌ مكذوبة، لا تُوجد في شيءٍ من الكتب الصحيحة.

وقال البيتين المعروفين:

يا خير من دُفِنت بالقاع أعظمه

 

فطاب من طيبهن القاع والأكم

فيك الحياء، ماذا بعد؟

ما قرأتموهم على الرخامة التي على باب الحجرة؟

طالب:.........

كمِّل البيت. وفيك الجود والكرم، نعم لكن باقي كلمة.

طالب:........

ماذا؟

طالب: ........

فيك العفاف.

غدًا إن شاء الله تعالى نُكمل البابين الباقيين ونختم الكتاب بإذن الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه.

"