كتاب النفقات والحضانة من المحرر في الحديث

نعم.

"بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-:

كتاب النفقات والحضانة:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلا ما أخذت منه من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ ويكفي بنيكِ». متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ على المنبر يخطب، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ على المنبر يخطب الناس وهو يقول: «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك». رواه النسائي وابن حبان، وقال الدارقطني: طارق له حديثان، روى أحدُهما ربعي.."

أحدَهما..

أحسن الله إليك.

"روى أحدَهما ربعي عنه، والآخر جامع بن شدَّاد، وكلاهما من شرطهما، وهذا الحديث من رواية جامع بن شداد، من رواية جامع بن شداد عنه.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق». رواه مسلم.

 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنتِ أحق به ما لم تُنكحي»."

تَنكحي.

أحسن الله إليك.

"«ما لم تَنكحي». رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والحاكم وصححه.

 وعن أبي ميمونة قال: بينما نحن عند أبي هريرة فقال: إن امرأة جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال: «يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، وابن ماجه والترمذي مختصرًا وصححه، وأبو ميمونة اسمه سَليم."

سُليم.

أحسن الله إليك.

"وأبو ميمونة اسمه سُليم، وقيل: سلمان، وهو ثقة."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب النفقات والحضانة، كتاب النفقات والحضانة"، ويقال في هذا ما قيل في سوابقه مما ترجم له المؤلف بلفظ كتاب، والأولى أن يسمى بابًا؛ لأن الكتاب في الاصطلاح والعرف العلمي مما يندرج تحته أبواب.

 والكتاب عرفناه مرارًا فيما تقدم، والنفقات جمع نفقة، من النفوق، وهو الهلاك والتلاف أو التلف؛ لأن النفقة تُصرَف وتُؤكَل فتذهب عينها، فيقال: نفقت الدابة إذا تلفت، والنفقات جمع نفقة، وهي ما ينفق على النفس والأقارب والمماليك والدواب، بمعنى أنها تصرف هذه الأموال من أطعمة أو نقود أو غير ذلك فتذهب عينها، تذهب عينها، تنفق.

 والحضانة إيواء الصبي الذي لا يستقل بنفسه، الذي لا يستقل بنفسه، وتستمر هذه الحضانة إلى أن يتم ويستقل بنفسه على ما جاء في الأحاديث التي ذكر المؤلف بعضها؛ لأن المؤلف لم يستوعب ما في الكتاب سواء كان من أحاديث النفقات أو أحاديث الحضانة؛ لأن الكتاب كما هو معلوم مختصر، لا يمكن أن يحوي كل شيء، وابن حجر باعتباره جعل هذا الكتاب أساسًا لكتابه بلوغ المرام، وهو متأخر عنه، والعادة أن المتأخر يستدرك على المتقدم، ويبقى الفضل للمتقدم كما قال ابن مالك:

وهو بسبق حائز تفضيلا
 

 

مستوجب ثنائي الجميلا
 

على كل حال، الأحاديث التي ذكرها فيها أصول ما يتعلق بالنفقات، وأصول ما يتعلق بالحضانة.

فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان".

 هند بنت عتبة بن ربيعة، امرأة أبي سفيان صخر بن حرب، أسلمت عام الفتح مع زوجها، "دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي، امرأةُ أبي سفيان على النبي -صلى الله عليه وسلم"- يعني بعد أن أسلمت، "فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح" أبو سفيان صخر بن حرب والد معاوية وغيره من أبنائه سيد من سادات قريش، رجل شحيح يعني بخيل مع حرص، الشح بخل مع حرص، فإذا اجتمع بخل بما في اليد، وحرص على ما يُطلَب فإنه يسمى شحيحًا؛ لأن بعض الناس لا يحرص على الكسب، لكن الذي يُمسَك ما يُطلَق الذي يدخل ما يخرج هذا بخيل، وبعض الناس يحرص حرصًا شديدًا على الكسب، ثم بعد ذلك يتساهل في النفقات والبذل، هذا لا يسمى شحيحًا، لكن من اجتمع فيه البخل مع الحرص هذا يقال له: شحيح. هل أبو سفيان كما جاء في هذا الحديث، وامرأته أعرف الناس به، يمكن أن يوصَف على الإطلاق بأنه رجل شحيح؟

الله -جل وعلا- يقول: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر:9]، فالشح خصلة ذميمة، خصلة ذميمة جدًّا، ولذا من يُوق هذا الشح فهو المفلح، هل يمكن أن يوصَف أبو سفيان بأنه شحيح، أو أنه في بيته يمكن أن يوصَف، وخارج البيت يمكن أن يتصف بأخلاق أخرى مغايرة من الكرم وغيره؟

 الوصف بأن أبا سفيان رجل شحيح يظهر منه أن هذه صفة مطلقة، لكن من المعلوم أن العرب لا يمكن أن تسوِّد من هذه صفته، وهو سيِّد في العرب مقدَّم عندهم، ولما سأل هرقل عن سيد القوم الذين وفدوا عليه في الشام دُلَّ على أبي سفيان، وهو معروف موقعه في قومه، ويقولون: إن العرب لا يمكن أن تسوِّد بخيلاً، فيمكن أن يكون شحيحًا ممسكًا في بيته، ويكون عند الناس  غير، وهذا موجود، هذا الصنف موجود، تجده على أهله يشتد، ومع الناس يتسامح حتى في الأخلاق والتعامل، تجد بعض الناس أسوأ الناس في بيته، وإذا خرج إلى الناس تجده من أحسن الناس خلقًا، هذا موجود.

 لكن على كل حال الذي يهمنا ما يتعلق بالباب من لازم أن يكون شحيحًا أن يقصر في النفقة، في نفقته على زوجته وأولاده، وقد يقصر في حق نفسه، ويحملها على الشدة والعزيمة، بخلاف من اتصف بالكرم والجود، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان.

ثم فسَّرت ما أجملت، وقالت: "لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، ما يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيّ" وأمثاله كثر، الذين يشحون على أولادهم وعلى زوجاتهم لا كثرهم الله بحيث يحوجونهم إلى تكفُّف الناس، وإذا كانت المرأة تحت تحت غني ممسك يبحث الناس حكم أخذها من الزكاة، ولكن بعد أن تستنفد ما تستطيعه من مطالبة ورفع إلى الحكام؛ ليأخذ الحق معه كما فعلت هند، رفعت أمرها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. "إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه"، لكن الإشكال في بعض الناس أنه لا يترك فرصة، يفرغ ما في جيبه في درج السيارة، ما يترك شيئًا، هذا الإشكال هنا الذي يحتاج إلى مطالبة ورفع إلى القضاة.

 قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟" يعني أن آخذ من ماله بغير علمه، "فقال -عليه الصلاة والسلام-: «خذي من ماله بالمعروف، خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيكِ»، «خذي من ماله بالمعروف»" بالمتعارف عليه، وليس أن تأخذ أي شيء، أي مبلغ تريده تأخذه، ليس صحيحًا، إنما تأخذ بالحوائج الأصلية والقريب منها، «ما يكفيكِ، ويكفي بنيكِ»، هل تأخذ لأهلها؟ أرادت أن تزور أهلها، فتأخذ من ماله ما تهديه إليهم، أو تشتري من ماله ما تقدمه إليهم؟

لا، «ما يكفيكِ ويكفي بنيكِ» في الوقت الذي نعيشه بعد أن انفتحت الدنيا على الناس إذا كانت الأم معها هاتف وخمسة أولاد كذلك وخمس بنات كذلك إحدى عشر هاتفًا، كم؟ الجهاز بألفين هذي كم؟

اثنين وعشرين ألفًا، وفاتورة كل واحد لا يقل عن ثلاثمائة، أربعمائة، تأخذ من ماله ما يكفيها من أجل الهواتف؟! إنما تأخذ للحوائج الأصلية، ومع الأسف أن مثل هذه الأمور الكمالية صارت أصلية مع امتداد الوقت، وتتابع الناس على ذلك، وإذا كان في وقت مضى قبل انفتاح الدنيا لا يفتى بأخذ المال من أجل الثلاجة أو المكيف؛ لأنها كماليات، فالآن ضروريات، ما فيه أحد يتردد في دفع الزكاة من أجل ثلاجة، ومن أجل مكيف، وبعضهم للسيارة، إلى غير ذلك، بعضهم يرى أن هذه الجوالات هو مثل غيره، قد تكون في بعض الأحوال ضرورية، لكن التوسع غير المرضي فتجد بعض الناس معه جوالان، ثلاثة، رأينا من معه ثلاثة، مثل هذا التوسع لا شك أنه داخل في حيِّز الإسراف والتبذير، ولا يمكن أن يفتى بأن يعطى أو تأخذ المرأة من مال زوجها وهو لا يعلم، لكن تبقى الضرورة تقدر بقدرها، والحاجة القريبة من الضرورة تقدر بقدرها.

 «خذي من ماله ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف، ويكفي بنيكِ بالمعروف» المتعارف عليه بين الناس وقوله: «بالمعروف» يجعل في الأمر سعة من حيث اختلاف الأزمان والأحوال والأشخاص، بالمعروف يعني المتعارف عليه بين الناس يجعل في هذا شيئًا من السعة، لكن التوسع الذي نراه في صفوف الفقراء قبل الأغنياء لا شك أنه غير مرضي، بل على العكس، بعض الفقراء يتخبطون في أموال الناس الذي يعطونهم إياه من باب الشفقة، من زكاة وصدقة أكثر مما يصرفه الأغنياء من باب دفع ما يسمونه ردة الفعل؛ لئلا يقال: إن بني فلان كذا أولاد فلان، ولا شك أن الأولاد في المدرسة لاسيما الصغار تنكسر قلوبهم إذا لم يجاروا الناس، ومع الأسف أنه يوجَد من يذهب إلى المدرسة من أولاد الفقراء بزجاجات ملوَّنة؛ من أجل أن يضعوا فيها الماء ويشربونه أمام زملائهم على أنه إما عصير أو أي مشروب غازي أو غيره، والله المستعان.

 المقصود أن هذا حكم شرعي قضائي أو فتوى؟ اختلف العلماء هل هو حكم ملزِم أو فتوى، بعضهم يرجِّح أنه فتوى؛ لأنه لم يستدعِ المدعى عليه، وقبل قول المدعي بلا حجة، على أنها فتوى، قبل قولها بلا حجة، ما قال: أين البينة؟ ولم يستدعِ المدعى عليه، الأصل في التقاضي أن يكون المدعي والمدعى عليه أمام القاضي فيقول: أيكما المدعي؟ فإذا قال: أنا، وأدلى بدعواه قيل له: أحضر البينة، فإن لم يجد بينة قال للمدعى عليه: يمينك. هذا الأصل في القضاء، ولذا رجَّح كثير من أهل العلم، رجح كثير من أهل العلم أن هذا من باب الفتوى، لا من باب القضاء، وهو متجه، وذكرت وصفًا لا يرضاه أبو سفيان رجل شحيح، فهل هذا من الغيبة أو لا؟

 العلماء استثنوا بعض صور الغيبة من التحريم، وإلا فهذا ذكر له بما يكره، فهو داخل في حد الغيبة، قالوا: إن في مجال الاستفتاء الذي يترتب على تركه أو على ذكره تأثير في الحكم لا بد منه فإنه لا يدخل في الغيبة المحرمة في باب الاستفتاء، وذكروا من ذلك المعلِن لفسقه وفجوره، يذكر بما فيه، وغير ذلك من الصور التي أوصلها بعضهم إلى ست صور.

 يستدل بعض العلماء بالحديث على جواز ما يسمى بمسألة الظفر، مسألة الظفر، لك مال عند شخص، وليست لك عليه بينة، فيقع في يدك أو تستطيع الأخذ من مال هذا المدين بغير علمه، أو يأخذ عارية منك، وتتمكن من استردادها بغير علمه، أو صور كثيرة جدًّا؛ من العلماء من يقول: مسألة الظفر جائزة؛ لأن هندًا ظفرت بما يجب على أبي سفيان لها ولولدها، ومن غير علمه أخذته، فإذا كان الإنسان مدينًا لشخص، أو عنده وديعة له أو شيء من ذلك، فإذا ظفر به أخذه من غير بينة، وقد يحصل هذا بين طلاب العلم بأن يستعير واحد من الآخر كتابًا، ومع طول الوقت ينساه أو يجحده، فإذا زاره وظفر به من غير علمه أخذه، لكن لا شك أن هذا على هذا القول لا شك أن هذا مشروط بما إذا ارتفعت حال المطبِّق لهذا الحكم عن التُّهَمَة، يعني اليوم يحضر به المستعير، وغدًا يحضر به في الدرس المعير، والطلاب كلهم رأوه مع هذا ومرتبة الرجل ما هي بالحيل عندهم، فيُظَن به أنه سرقه منه.

 وعلى كل حال هذا دليل يستدل به من يقول بجواز ذلك، والأكثر أنه لا يجوز، أنه لا يجوز؛ لحديث «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك، ولا تخن من خانك»، منهم من يقول: إذا كانت البينة ظاهرة فلا يجوز؛ لأنه بإمكانه أن يدعي عليه ويأخذه علانية، وإذا كان فيها خفاء، لا يستطيع الإدلاء بها، كالنفقة مثلاً، فإنه يأخذ بدون بينة، وبغير علمه، والتفصيل لا شك أنه جيِّد.

 "متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: «يد المعطي العليا، يد المعطي العليا»"، كأنه يفسر الحديث الآخر «اليد العليا خير من اليد السفلى»، والحديث واضح أن يد المعطي حسًّا ومعنى هي العليا؛ لأنها تكون فوق يد الفقير من حيث الحس، والمعطي لا شك أن مرتبته من حيث المعنى أعلى من الآخر، هذا ظاهر، لكن بعض من ينتسب إلى التصوف، ويؤثر الخمول، ولا رغبة له في عمل يقول: لا، الآخذ، يد الآخذ هي العليا، ويد المعطي هي السفلى، لماذا؟

قالوا: يد الآخذ المعطي، يقرض الله، إن تقرضوا الله، هذا يقرض الله، فالآخذ نائب عن الله، ولا يمكن أن تكون يده سفلى، والحديث نص في بيان المراد، ورد على مَن يذهب إلى هذا التأويل البعيد، يعني إذا قلنا: إن الفقير نائب عن الله نقول: هل يصل يعني الحد إلى أن نقول بما قالت اليهود: إن الله فقير ونحن أغنياء، حاشا وكلا، بل الفقير هو المعطي حقيقة، والله -جل وعلا- هو الذي حثَّ على إعطائه وضمن البدل، وضمن البدل، لو قيل من قبل البشر أعطِ فلانًا وأعوضك، أعطِ فلانًا فلانًا ما معه كتاب، أعطه الكتاب وأعوضك قيمته، فهل يكون الذي يقول: أعوضك نائبًا عن الفقير الآخذ؟

لا، ضامن، وليس بنائب عنه.

 المقصود أن من يجنح إلى الكسل والخمول، ولا يكلف نفسه عناء الكسب يقول: اليد العليا يد الآخذ، والرسول -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث المفسِّر يقول: «يد المعطي العليا»، والأمر كذلك حقيقة حسًّا ومعنى، كما ذكرنا.

 «وابدأ بمن تعول»، ابدأ بمن تعول، عندك أصناف ممن تلزمك نفقتهم تقول: أسوي بينهم، كما تسوي بين الأولاد؟

يعني عندك ألف ريـال، وعندك والد ووالدة وثلاثة أولاد وثلاث بنات وأخ وأخت، وكذا، تقول: أقسمه بينهم بالسوية؟

لا، ابدأ بمن تعول، «وابدأ بمن تعول، أمك وأباك»، لا شك أن الأم تقدَّم على الأب، تقدم على الأب، ولها من الحقوق ثلاثة كما جاء: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَن؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: ثم من؟ قال: «أبوك»، لا شك أن الأم مقدمة على الأب؛ لعظم حقها، لعظم حقها، والواقع والمحسوس بين الناس كلهم يشهد بأن الأم تعبت أكثر من الأب، نعم يندر في الناس أن توجد أم قلبها قاسٍ، ولا تنظر إلى الولد، ولا ترعاه، ولا تحوطه بالتربية وتلقيه إلى الخادمة، ولا تعرفه، وهناك أب رقيق عنده من الحنو ما يجعله يحتضن الأب، ويربيه تربية صحيحة، ويحسن معاملته، لكن هذا ليس هو الأص، ليس هو الأصل، والاستحقاق للأبوين، الاستحقاق لهذا التقديم للأبوين، إنما هو بالتربية، إنما هو بالتربية، {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [سورة الإسراء:24]، ويخشى على الذي لم يربِّ ولده ولم يهتم بولده، وكذلك الأم، ألا يدخل في هذا، ولا يناله شيء من هذا الدعاء؛ لأن الكاف تعليلية، هذه العلة لماذا تدعو لهم بالرحمة؟ {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [سورة الإسراء:24]، فإذا فقدت العلة يفقد ما عُلّل بها.

 «وابدأ بمن تعول أمك وأباك» هذا في الدرجة الأولى، وإن كانت الأم مقدمة على الأب، والتقديم في الذكر لا شك أنه تقديم في الحكم، والعلماء يقولون: الأولية لها دخل في الأولوية، الأولية لها دخل في الأولوية، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «أبدأ بما بدأ الله به»، وهنا يُبدَأ بما بدأ به الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

 قد يقول قائل: الواو هذا لمطلق الجمع، ولا تقتضي الترتيب، لكن الأحاديث الأخرى تبيِّن وتوضِّح المراد «أمك وأباك»، يعني أعط أمك، وأعط أباك، «وأختك وأخاك»، مكدليل على أن الجنس الأنثوي مقدَّم على الجنس الذكري، باعتبار أنهم أحوج، هم أحوج من الذكور، الذكر يستطيع أن يخرج للتكسب، والمرأة محكوم عليها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب:33]، فلا شك أن الذكور قد تكون حاجتهم أقل، ومن جهة أخرى قد يكون هذا هو الأصل، وقد يكون الذكر عليه ديون كثيرة، وعندهم أولاد يعولهم، فيكون أحق من الأنثى، لكن الأصل أن الأنثى ضعيفة، فتقدم على الذكر، هذا هو الأصل.

 وقد يوجد ما يعارض هذا الأصل مما هو أقوى منه، الآن عندنا في عصرنا الذي نعيشه كثير من النساء تتكسب، والزوج عاطل، ومن آثار انتكاس الفطرة في الظرف الذي نعيشه؛ لأن الأصل القوامة والنفقة على الرجل، لا على المرأة، حصل كثير من المشاكل، تجد المرأة تمن على زوجها بالخبز إذا جاءت بخبز لها ولأولادها قالت: أنا أنفق عليك وعلى أولادك، وبعضهم يتفق معها على أن يوصلها العمل بمقابل أو بسيارتها، مشاكل كثيرة لا تُحصى في هذا الباب، وامتهان للزوج الذي له القوامة، فالمرجو من المسؤولين، وهم في بلد الإسلام وفي.. أن يلاحظوا مثل هذه الأمور، ويرفعوا من شأن الرجل، ما تصير السلطة والقوامة للمرأة، والله المستعان.

 «أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»، يعني الأقرب فالأقرب، الأقرب يقدم على الأبعد، بلا شك، وهذا أمر مقرر في هذا الباب وفي غيره.

 "رواه النسائي وابن حبان، وقال الدارقطني: طارق المحاربي له حديثان، روى أحدهما ربعي" وهو ابن حراش "عنه" بالحاء المهملة، والمنذري في مختصر سنن أبي داود، قال: بالخاء المعجمة، وغلطه العلماء قاطبة، لا يصح.

 "والآخر جامع بن شداد، جامع بن شداد، وكلاهما من شرطهما"، يعني من شرط الشيخين، يعني صحيح على أي حال. "وهذا الحديث من رواية جامع بن شداد عنه"، يعني عن طارق المحاربي.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «للملوك طعامه وكسوته، للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق». رواه مسلم". يعني يجب على السيد أن ينفق على المملوك سواء كان عبدًا أو أمة، يجب عليه نفقته، ويسن له، ويندب في حقه أن يطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، لكن هذا من باب الاستحباب، لا على سبيل الوجوب، لكن القيام بكفايته من الأكل والشرب والكسوة هذا واجب، فرض عليه، إذا كان لا يستطيع، يبيعه لمن يستطيع، وإذا كان لا يستطيع النفقة على الزوجة فبإمكانها أن تفسخ، وهكذا للمملوك طعامه وكسوته، فرض على السيد أن يطعمه ويكسوه، لكن لا يلزمه أن يكسيه مما يلبس، ويطعمه مما يأكل، وإن جاء التوجيه بذلك على سبيل الندب والاستحباب، وطبَّق أبو ذر ما جاء في التوجيه، فكان عليه حلة، وعلى مولاه حلة من نفس العينة.

 وعلى كل حال من أخذ بالعزيمة فهذا لا شك أنه من كرمه وفضله، والإسلام يحث على مثل هذا، لكن من قال: أنا ما المانع أن أشتري الطعام الطيب والشراب الطيب والملبس الطيب له ولأولاده، وهذا العبد أو هذه الأمة يكفيها ما يواري سوأتها، ويقوم بحياتها، هذا لا بد منه، هذا واجب، لكن كونه يطعمه مما يطعم، أو يكسوه مما يكسو فهذا لا شك أنه من كرم النفس، وهو مندوب إليه كما جاء في الحديث، لكن مع ذلك ليس بلازم.

 «للملوك طعامه وكسوته، للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق»؛ لأن بعض الناس اشترى هذا العبد أو هذه الأم، وكلَّفهم من الأعمال ما يحتاج إلى اثنين أو ثلاثة، وهذا موجود في الواقع الذي نعيشه من تكليف المستقدمين والمكفولين، تجدهم بعض الناس يظلمهم ظلمًا شديدًا، ولا شك أنهم بشر، إذا كان الحيوان لا يجوز أن يحمل عليه أكثر من طاقته، فكيف ببني آدم، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله -جل وعلا-، وأهل العلم يقولون: يجوز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة لذلك، إذا كانت مطيقة لذلك، أما أن يحمل عليها، الإرداف جاء وأردافه -عليه الصلاة والسلام- حصرهم ابن منده بالأحاديث، بلغوا اثنين وثلاثة، فالإرداف لا بأس به، لكن بقدر ما تحتمل، يعني إذا تصورنا أن هذه الدابة تحتمل اثنين وزنهم على ستين، سبعين، تجيء باثنين على مئة ومئة وخمسين؟! هذا لا يجوز بحال، أو تحمل عليها من الأمتعة ما لا يطيقون، هذا لا يجوز، فكيف بالإنسان الذي كرَّمه الله -جل وعلا- من العبيد والإماء، والله المستعان. «ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق» ثم بعد ذلك..

طالب: ...........

ماذا فيه؟

طالب: ...........

نعم، فيه شيء، وهي من الدقائق، هنا يمكن ويحسن ذكره من ناحية الحكم الشرعي، الزوجة مقدَّمة على كل أحد، ثم الأولاد، ثم بعد ذلك الوالد والوالدة، والملحَظ في هذا أن الزوجة ليس لها إلا أنت، وكذلك الأولاد، أما الوالد والوالدة فلهم قد يكون لهم غيرك، هذا الواضح، لكن إذا نظرنا إليها من حيث البر، وهذه من مضايق الأنظار، ويحسن -لكن ما يكفي الوقت- أن نورد هنا قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبق عليهم، فكان مما قاله أحدهم وهو يتوسل به إلى أن تفرج هذه الضيقة عنهم وتنزاح، فقال: اللهم إنك تعلم أني آتي باللبن، فأجد أبي قد نام، فأقوم على رأسه بالإناء، والصبية يتضاغون، أولاده يبكون من الجوع، فما أسقيهم حتى يستيقظ الوالد وأسقيهم، هذا له شأن، وهذاك له شأن آخر، مسألة تقديم خلاف ما تهواه نفسك، النفس تميل في الغالب، في الغالب يعني مع الزوجة والأولاد، لكنه قدَّم مراد الله -جل وعلا- في بر الوالدين على مراد نفسه، ومثله هذا له صور، يحصل حريق أحيانًا، وقد حصل في بعض المشاعر، فكان معه أبوه المُقعَد، ومعه أطفاله، فحمل طفلين وهرب بهم، ومات الأب حريقًا يعني هذا له وقع في الشرع وعند الله -جل وعلا- هذا ليس بالسهل، مع أنه في الأصل يعني من حيث الحكم الشرعي؛ لأن هناك أمورًا تجري فيها الأحكام، وأمورًا تجري فيها تقديم مراد الله -جل وعلا-، هذه من مضايق الأنظار. يعني بعض الناس ما يستوعبها أبدًا، لكن أنت حينما حملت الطفل وتركت الأب هذا ليس بالسهل عند الله -جل وعلا-.

 وسئل بعض المشايخ الكبار فبكى لما سمع الواقعة، بكى لما سمع الواقعة، وبعض الناس يزيد على ذلك، يعني ما هي مسألة اضطرار، يبلغ أبوه أو أمه الكبر، ويذهب به إلى مأوى العجزة والمحاويج، وينشغل بزوجته وأولاده، لا شك أن هذه من عظائم الأمور، وبلغ الأمر بشخص أنه من البدو الرحَّل، فانتقلوا من مكان إلى مكان، انتقلوا من مكان إلى مكان؛ بسبب طلب العشب والكلأ، فلما مشوا مسافة مرحلة أو أقل نزلوا للراحة، فقال هذا الرجل: أين فلان؟ يعني ولد له صغير يريد أن يستمتع بلعبه وحركاته، فقالت الزوجة: تركته في محلنا الأول؛ لأن هذا الشخص ترك أباه، كيف تتركين الولد؟! قالت: لأنه إذا كبر سوف يفعل بنا هكذا، سوف يتركنا، يشد ويخلينا، استيقظ الرجل من غفلته، فرجع وأحضر الأب، وأحضر الابن، واعتذر من أبيه، هذه الأمور أقول لها شأن عظيم عند الله -جل وعلا-، والبر شأنه كبير، ومن عظائم الأمور ما يقابله من العقوق، ولا يحسن، بل يقبح بالمسلم أن يواجه أمه أو أباه بشيء يجرح الخواطر ولو كان حكمًا شرعيًّا تقول له: أنت تنفق على أولادك وزوجتك بشيء من الإسراف والتبذير، ونحن علينا نقص وكذا، ونحتاج، قال: ألا تعلمين أنه في الحكم الشرعي أنهم أهم منكِ، ومقدمون عليكِ هذا يجرح الخاطر، وهو ضرب من العقوق، بإمكانه أن يتصرف تصرفًا من غير جرح، والله المستعان.

 ثم قال -رحمه الله تعالى-..

كم بقي؟

طالب: ...........

"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، أن امرأة قالت.. هذه السلسلة مرت بنا مرارًا، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، جده عبد الله بن عمرو، هنا صرح بالجد، وإلا فقد وقع الاختلاف بين أهل العلم في المراد به إذا لم يصرَّح به؛ لأن جد عمرو اسمه محمد، وأبوه اسمه شعيب، وعن جده يحتمل الضمير أن يعود إلى عمرو فيكون الجد محمدًا، ويحتمل أن يكون الضمير في جده يعود إلى شعيب، فيكون الجد عبد الله بن عمرو، وهذا هو المرجح عند كثير من أهل العلم، والخلاف في السلسلة معروف، ولذا العلماء لم يحكموا عليها بالصحة ولا بالضعف، بل أعطوها حكمًا متوسطًا بأن قالوا: ما يروى بهذه السلسلة يحكم عليه بأنه حسن، يُقبَل ويحتج به في الأحكام وغيرها من أبواب الدين، لكنه لا يصل إلى درجة الصحيح.

 "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو"، وصرحوا به، "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا" تشير إليه "كان بطني له وعاء" ظرف لما كان في بطنها، فالبطن ظرف، وعاء، كما يوضع الشيء في الإناء فهو موضوع في هذا البطن، "إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء" مثل السقاء الذي يوضع فيه اللبن وغيره، وهو الماء، يشرب منه هذا، هذا الثدي سقاء لهذا الولد، وهو أيضًا ظرف لما فيه السائل الذي يوجد في السقاء السقاء، ظرف له ووعاء ليس كالآنية، وليس كسائر الأوعية، وسقاء ليس كسائر الأسقية، محفوظ متقن مضبوط، لا يتطرق إليه شيء إلا إذا حصل تفريط أو اعتداء، وإلا فمن يشبه يعني تشبه ببلاغة ظاهرة.

"إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحَجري له حواء" يحويه حجرها إذا جلست متربعة، فيكون فوق رجليها، هذا الحَجر. "وإن أباه طلقني، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني"، ذكرت المبررات التي تقتضي تقديمها على أبيه، هي تعبت عليه أكثر، فالشفقة هنا أكثر بلا شك، كل ما تتعب على شيء تكون شفقتك عليه أعظم، ولذا لما جيء بالطفل وجاءت به المرأتان إلى سليمان -عليه السلام- كل واحدة تدعيه قال: أعطونا سكينًا، نقسمه بينهما، أمه قالت: لا لا لا، هو لها، والثانية قالت: لا مانع، اقسمه، يكفينا نصفه، استدل سليمان بهذا الجواب على أن الكبيرة التي قالت: يقسم، لا يمت إليها، ولا تمت إليه بصلة، ولو كان لها منه بنسبة واحد بالمائة ما قالت: اقسم.

 "وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه، يأخذه مني" لا شك أن الأم لها حق، وللأب حق، ويعطى كل ذي حق حقه، لكن الأمور، المسألة أولويات، والحضانة الأصل فيها حق المحضون ورعاية الأصلح له، ولا شك أن الأم في الأصل أصلح من الأب لرعاية الصغير؛ لأن الأم قارة في البيت وحانية على ولدها أكثر من الأب، وإن وجد الحنو من الأب وهذا هو الأصل، لكن يبقى أن حنوها أشد، وتدبيرها لأموره أكثر، تدبير الأم لأمور الولد لا شك أنه أكثر، والأصل أن رعاية الطفل والعناية به وملاحظة أشيائه الخاصة هي للأم، لكن حقوق الإنسان والمنظمات تجعل الأمر متساويًا، وقد رأيت في هذا المكان ونحن ننتظر صلاة العيد طفلًا مع أمه في القسم النسائي والحاجز من دواليب المصاحف قام الأب وضرب الدالوب بيده، فأعطته الأم الطفل أعطته الطفل فجاء به إلى الصف وغيِّر له وردَّه عليها، هذا ليس من الإسلام في شيء، التعاون مطلوب، لكن ليست هذه وظيفة الأب أبدًا، وبين الرجال وبين كذا شخص يأتي بطفله لصلاة الجمعة، ويؤذي الناس بصراخه، ويجلس الأب يهزه؛ ليسكت، ولم يصل معه الناس، الأب ما استطاع أن يصلي ومعه هذا الطفل، هل هذه وظيفته؟ ليست وظيفة الأب، هذه وظيفة الأم، نعم يدخل الطفل المسجد، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل أمامة، لكن ما أثرت على صلاته، ولا صلاة غيره. أنا كنت بجوار هذا الشخص الذي دخل بهذا الولد وآذانا بصراخه، ولا فقهنا من الخطبة شيئًا، وفي النهاية يهز الأب حتى انتهينا من الصلاة، كل هذه ردود أفعال على ما قرر في شرعنا في أن الأم لها الحضانة، ولها العناية بالطفل، والأب لا يكلف بمثل هذا إلا إذا فقدت هذه الأم، وعليه أن يوجد له مرضعة، وعليه أن يوجد له حاضنة، هي واجبات على الأب، لكن مباشرتها للأم أو من يقوم مقامها قد تكون هذه الأمور وهذه الضغوط نتيجة ردود أفعال وأخطاء وممارسات من بعض الناس؛ لأن بعض الناس عنده جفاء، وعنده غلظة، وعنده شدة، ويؤذي ويضرب، ويحمِّل المرأة ما لا تطيق إذا كان الخدم والعبيد لا يكلفون ما لا يطيقون فكيف بامرأة هي في الأصل مثلك لكن للرجال عليهن درجة؟ وكل له وظائفه، كل له وظيفته في الحياة، أما أن تنقلب الأمور فتصير الأم هي التي تنفق عليه، وهو الذي يتولى حضانة الأولاد فهذا عكس الفطرة، وانتكاس فيها، والله المستعان.

 "وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي»"، فإذا تزوجت انتقل الحق للأب، انتقل الحق للأب؛ لأنها قد تتزوج، وهذا كثير، يعني تتزوج شخصًا ينظر إلى هذا الولد إلى أنه ولد زوج سابق عليه، والزوج السابق في الغالب عند الأزواج مكروه، ليس بمحبوب، ثم بعد ذلك ينظر إلى هذا الولد، وأنه دخيل عليه، فيؤذي، وبالمقابل الأب أيضًا إذا انتقلت الحضانة إليه، ثم تزوج زوجة تسومه سوء العذاب، ينظر في الأمر والنظر أولاً وآخرًا لمصلحة المحضون، لمصلحة المحضون، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيره

 على كل حال يترك فيها النظر للقاضي، هذا الأصل أنها أحق به ما لم تنكح ما لم تتزوج، فإذا كانت مصلحة الطفل مع أمه ولو تزوجت لما يتصف به الأب من صفات لا يؤمَن فيها على الطفل، أو زوجته الثانية لا تؤمن على الطفل، للقاضي أن يعيد النظر؛ لأن المبنى كله على مصلحة المحضون.

كم بقي؟

طالب: ...........

الآن بقي عندنا ثلاثة دروس غدًا ودرسان في الأسبوع القادم، وكتاب الجنايات يحتاج إلى وقت، فإن أردتم أن نؤجل كتاب الجنايات إلى دورة لاحقة، ونأخذ الباقي في الكتاب الجامع أو أن نكمل هذا الحديث غدًا، ونبدأ بالجنايات، وفي الدرسين القادمين في الأسبوع القادم ننهي كتاب الجنايات فالأمر إليكم، إما أن يكون الشرح كله؛ لأنه ما نستطيع أن نكمل في درس واحد، الأصل أن في الأسبوع القادم درسًا للأحكام، ودرسًا للجامع، هذا الأصل، لكن ليس بإمكاننا إن دخلنا في الجنايات أن نكمل، لا بد أن تكون كل الدروس له، وإن رأيتم أن نأخذ كل شيء بقدره ونقف على غير موقف، يعني في أثناء كتاب الجنايات ما يصلح أو تكون الدروس كلها في الجامع.

طالب: ...........

ما المقدَّم؟

طالب: ...........

نعم نستطيع في درس.. في.. درس الغد على أصله، يبقى على أصله الجامع إن رأيتم، والجنايات في الأسبوع القادم في الدرسين، وإن رأيتم أن نبدأ من الغد في الجنايات، ونضمن انتهاءها فالأمر إليكم.

طالب: ...........

لا لا، الجامع طويل، الجامع طويل.

طالب: ...........

ننتهي إن شاء الله.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن أبي ميمونة، قال: بينما نحن عند أبي هريرة فقال: إن امرأة جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن امرأة جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: فداك أبي وأمي -عليه الصلاة والسلام-، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة" الطفل يبدأ نفعه يعني من الخامسة، السادسة، السابعة من العمر يبدأ، يفهم الخطاب، ويرد الجواب، وتنتفع به أمه وأبوه في الأمور اليسيرة.

 "إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: مَن يخاصمني في ابني؟ من يخاصمني في ابني؟" إذا خاصمك الأمر الجار أو أحد بعيد تقول هذا الكلام، لكن الذي يخاصمك أمه، في ابني "فقال: «يا غلام»" هذا الطفل مميز، يعرف مصلحته، ويرجح، «يا غلام، هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه فانطلقت به" هذا اختيار طبيعي أن ميل الطفل إلى أمه أكثر من ميله إلى أبيه، لما كان هذا هو الأصل من شدة شفقة الأم وعنايتها بولدها، هذا هو الأصل، لكن قد توجد أم فظة غليظة، وأب رقيق حانٍ قد يميل إليه الطفل، ولذلك في هذا التخيير يتوجه الأصلح، "فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال: «يا غلام هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه فانطلقت به"؛ لأنه خُيِّر فاختار، وما خير إلا ليختار ليترتب على ذلك الحكم، لكن إذا تزوجت الأم فلا تخيير، فلا تخيير.

الأمر الثاني إذا احتار الابن، عجز أن يختار لأن الأب له مزايا، والأم لها مزايا، عجز، حينئذ يرجَّح بالقرعة، كما قرر ذلك أهل العلم. "«هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، وابن ماجه والترمذي مختصرًا وصححه"، والحديث صحيح، "وأبو ميمونة" راوي الحديث عن أبي هريرة "اسمه سُلَيْم، وقيل: سلمان، وهو ثقة" سُلَيْم وقيل: سَلْمان، وكثيرًا ما يحصل مثل هذا الاختلاف في مثل هذا الاسم؛ لأنه يكون أحدهما اسمه، والثاني لقبه، قد يكون اسمه سلمان، والناس يقولون له: سليم من باب التصغير، والتصغير جارٍ بكثرة التصغير مثل ما قالوا عن الإمام عبد الرحمن بن إبراهيم المحدث الكبير يلقبونه بدحيم، هذا معروف عند أهل الحديث، وهو ثقة، فالحديث صحيح.

وعلى كل حال بقي عندنا مثل ما قلت ثلاثة دروس.

يقول: رجل حج ومعه زوجة وأم زوجة وطفل، وكان الرجل في حاجة، فشب الحريق، فأخذت الزوجة أمها، فتركت الطفل، ويسألها زوجها فقالت: تركته، فبعد ثلاث وجد الطفل مع امرأة أخرى.

الله المستعان! هذه عبرة، هذه عبرة قدَّمت مراد الله -جل وعلا- على هوى نفسها، فحفظ الله ابنها بذلك.

هذا يقول: هذه الواقعة حدثت في منى في زمن الحريق...