كتاب الصيام من عمدة الفقه - 03

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

نعود إلى التأكيد على ما أشرنا إليه سابقاً من أن هذا الشهر العظيم المبارك ينبغي أن يستغل، ولا يفرط فيه، ولا يضيع، فإذا كان خيار هذه الأمة يقطعون فيه العلائق بما في ذلك النافع منها كتعليم العلم والإقبال على كتاب الله -عز وجل-، فالمسألة شهر، ويبقى من السنة أحد عشر شهراً،  للإنسان أن يأخذ فيها فسحة؛ لكن شهر واحد، فأي إنسان تفرغ فيه من جميع علائقه، وأقبل على الله بصدق، وجد أثر ذلك في الإعانة على أمور دينه ودنياه، والتوفيق الظاهر الملحوظ؛ لكن مثلما أشرنا أيضاً سابقاً، أنه إذا اقتضت الحاجة، ودعت الحاجة إلى أن يزاول الإنسان أعمال العامة لتوقف مصالح المسلمين عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جاهد في رمضان، ولم يلزم المسجد، ودعا الناس إلى دين الله في رمضان، المقصود أن في الظروف العادية التي لا تقتضي أن يزاول الإنسان هذه الأمور العامة، والأمور العامة فروض كفايات إذا رأى العابد قد قامت بغيره، وخلا بربه لا سيما في ليالي العشر وأيامها، وتفرغ لذلك لمناجاة ربه، لا شك أنه على خير عظيم، وعلى هدي قويم، يقتدي في ذلك بنبي هذه الأمة، وسلفها الصالح.

وينبغي مثلما أشرنا سابقاً أن يكون طالب العلم على ذكر وشكر، ملازماً للذكر والشكر ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)) والجنة قيعان، غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.

أو ما سمعت بأنها قيعان فاغرس

 

ما تشاء بذا الزمان الفاني

المقصود أن التسبيحة الواحدة يغرس لك بها شجرة في الجنة، ومن قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر؛ تقال في دقيقة يا إخوان، ما تكلف شيء، ومن قال: لا إله  إلا الله وحده لا شريك له الملك، وله الحمد يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ومن قالها مائة مرة أعتق عشرة، كتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة خطيئة، وكان في حرز من الشيطان، المقصود أن المسألة يسيرة على من يسرها الله عليه، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما دخلت الجنة إلا سمعت خَشْفَ نعليك)) يعني بلالاً، فسأله عن سبب ذلك فقال: "إنه لم يتوضأ إلا صلى ركعتين" الأمور سهلة، يعني ما تكلف شيء؛ لكن أيضاً الحرمان لا نهاية له، ينفق الإنسان ويقضي الإنسان الأوقات الطويلة في القيل والقال، فإذا أراد أن يقرأ جزءاً، أو أراد أن يصلي ركعتين حال تفريطه دون وجود ذلك، حال التفريط بينه وبين ذلك، وأنتم تلاحظون وتشاهدون، وبعضكم جرب الإنسان يذهب في الأوقات الفاضلة وفي الأماكن الفاضلة ليتفرغ للعبادة لكنه لا يعان لماذا؟ لأنه لم يتعرف على الله في الرخاء،  يهجر القرآن طول العام، وإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة يريد أن يقرأ القرآن في يوم كما كان عليه السلف أو في ثلاث، كلا، لا يمكن، ويسمع الحديث الصحيح ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ويقول: المسألة أربعة أيام، لن أتكلم بكلمة؛ ولكن هل يستطيع أن يسكت؟ هل يعان على السكوت؟ لا يمكن، وقد فرط في أوقات الرخاء، إن لم يجد أحداً وما تيسر له أحد يذهب إليه، ولو بالجوال، ورأيت شخصاً في العشر الأواخر من رمضان بعد صلاة الصبح، وظاهره الصلاح قبل أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، شغل الجوال وتكلم إلى أن انتشرت الشمس، هذا الحاصل يا إخوة، انقطع ثم عاد ثم انقطع ثم عاد إلى أن انتشرت الشمس، فهل مثل هذا يليق بمسلم هجر أهله ووطنه وتعرض لنفحات الله أن يكون بهذه الصفة، وعلى هذه الحالة؟ بعض الناس إذا سمع ما يذكر عن السلف، عن سلف هذه الأمة من عبادة وتلاوة لا يصدق، ويقول: هذا ضرب من الخيال، هذا ليس بصحيح، هذه مبالغات؛ لكن لو جربه مرة لنفسه وجد الأمر ميسور، ويوجد الآن -ولله الحمد- من يعان على ذلك ويقرأ القرآن في ثلاث في الأيام العادية، فضلاً عن أيام المواسم، موجود، مع أنه يؤدي جميع ما عليه، ما هو إنسان عاطل، المسألة مسألة توفيق، وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، لا أكثر ولا أقل، ومن التجأ إلى الله بصدق أعانه، أعانه على أمور دينه ودنياه، تجد أمور الدنيا ماشية على أحسن ما يكون، يداوم الشخص مع الناس من ثمان إلى ثنتين أو من ثمان ونصف إلى ثنتين، ويزور المرضى، ويتبع الجنائز، ويحرص على الصلوات على الجنازة في المساجد التي عرفت بذلك، وله دروس يومية، ومع ذلكم يقرأ القرآن إما في سبع أو في ثلاث، وهذا موجود، من هذا وهذا، وله نصيب من قيام الليل، المسألة مسألة توفيق، توفيق لا حدود له، والحرمان أيضاً لا نهاية له، تجد الإنسان ينشغل بالقيل والقال، وكثير من الشباب الآن عندهم شيء من الخلل في التصور، إذا جاء من دراسته أو من عمله قالت أمه: لي مشوار، اذهب إلى خالتك، أو إلى فلانة أو إلى علانة أو إلى السوق لقضاء بعض الحاجة يقول: أنا مشغول، أيش لون أطلب العلم وأنت تأمرينني بكذا، الشافعي يقول: لو كلفت بشراء بصلة ما أدركت العلم" وهو مجرد ما يصلي العصر يضرب البوري واحد من زملائه عند الباب يركب إلى نصف الليل، هذا خلل، خلل في التصور، ومع ذلك يوجد هذا عند بعض الأخوة، موجود، يعني ما ينكر.

فلا شك أن الجنة حفت بالمكاره، وإذا أردت أن تختبر نفسك فانظر أيهما أخف على قلبك المتدين العابد الذي يعينك على طاعة الله، أو الذي يأتي لك بالنكت والسواليف؟ أيهما أخف على قلبك؟ اختبر نفسك، يعني مجالسة من يعينك على طاعة الله لا شك أنها ثقيلة، لماذا؟ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بما تشتهي النفوس، حفت بالشهوات، تجد أخف الناس ظل أصحاب النكت والطرائف، والروحات والجيات، من أيسر الأمور يقول له: مشينا شمال ولا جنوب، لكن إذا جاءت الواجبات تبرم، طالب العلم عليه أن ينتبه لنفسه قبل أن يؤخذ على غرة؛ ولكي يعان على ذلك عند الحاجة، شخص ما عرف بالعبادة في وقت الصحة إذا مرض ما يكتب إلا ما كان يعمله صحيح، ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك...)) إلخ، فعلى الإنسان أن يغتنم هذه الأنفاس، والدنيا قصيرة، ولا تسوى شيء، ليست شيء بجانب الآخرة، ((موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)) ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) أيش الدنيا هذه؟ ((لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء)) ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) يعني على الإنسان أن يسجن نفسه، ويش يصير؛ لأن المسألة يوم يوم، شهر وشهر سنة، وتنتهي، فعلينا أن نعنى بهذه الأمر، ونتخذ من هذا الشهر الكريم رياضة نروض بها النفوس على طاعة الله -عز وجل-، والله المستعان.

يقول: رجل خرج من فمه قلص وهو يصلي فهل تبطل صلاته؟

نعم إن ابتلعه بطلت صلاته، وإن لفظه لم تبطل صلاته.

يقول: هل تنصحني بحفظ المختصرات الفقهية المذهبية؟

يعني مثل هذا الكتاب ومثل الزاد ومثل دليل الطالب، شرحنا في مناسبات كيفية الإفادة من هذه المختصرات يعني طالب العلم، نعم الذي عنده فضل حافظة ما يكلفه الحفظ، يعني كون الإنسان إذا سئل أجاب بقول أهل العلم بعبارة أهل العلم تسمعون الذين يفتون، هل يستوي من يفتي بعبارة العلماء وبين من يفتي بعبارات إنشائية، يستوي هذا وهذا؟ لا يستوي هذا وهذا، فضلاً عن كون الطريقة التي نشرحها، ونوصي الإخوان بها في التفقه على هذه المختصرات أن يكون هذا المختصر، ونوصي بالزاد لأنه أجمع مسائل، وأكثر مسائل رغم أهمية هذا الكتاب، يأتي إلى الكتاب فيجعله خطة بحث، يبدأ بالكتاب، المسألة الأولى، يتصور هذه المسألة تصور دقيق، ويعرض تصوره على ما في الشروح، ليوافق هل تصوره صحيح، أو ليس بصحيح؟ أهم شيء يتصور المسألة، ثم يبحث عن دليل المسألة في الشروح، ويتأكد منها في كتب السنة؛ لأن الشروح، كتب الفقهاء قد ينقلون اللفظ المرجوح ويتركون اللفظ الراجح، وقد ينزلون في العزو يخرجون من البيهقي والدارقطني والحديث في الصحيح، فيتأكد من دليل هذه المسألة في المراجع الأصلية، يعني يتصور المسألة، ثم يعرف دليل المسألة، ثم بعد ذلك ينظر من وافق المؤلف على القول بهذا القول، ثم بعد ذلكم ينظر من خالف، ودليل المخالف، ثم يوازن بين الأدلة إذا كانت لديه أهلية الموازنة والنظر، وحينئذ يعمل بالراجح، حينما نقول: على طالب العلم أن يعنى بالمتون الفقهية، ليس معنى هذا أن هذه المتون دساتير، لا يحاد عنها، دساتير ملزمة لا يجوز الخروج عليها، لا، نقول: هذه أقوال بشر؛ لكنها في الجملة معتمدة على نصوص، قد يوجد فيها قول مرجوح، وأنت ما أنت ملزم باتباع القول المرجوح، إن كان هذا القول الراجح من خلال الدليل فبها ونعمت، وإن كان مرجوح اعمل بالراجح واترك المرجوح، بهذه الطريقة إذا انتهى الإنسان من كتاب كامل لا شك أنه يتصور العلم تصوراً لا أقول كاملاً إنما أغلبياً، وهذه طريقة مجربة وناجحة، فطالب العلم عليه أن يعنى بهذا الأمر فإذا تفقه على هذه الطريقة، وصار له يد، وله تعامل مع كتاب الله، وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأقوال أهل العلم، والإطلاع على مذاهب فقهاء الأمصار، بعد أن يحصل ما يكفيه من العلوم الأخرى، من علوم الآلة، تخرج عالم -إن شاء الله تعالى-، نعم هذا الطريقة متبعة؛ لكنها طريقة أحسن من التخبط، بعض الناس يقول: تفقه من الكتاب والسنة، أصلاً الكتاب والسنة ما فيه أحد يختلف في أن ما عندنا مصادر تشريعية إلا الكتاب والسنة؛ لكن كيف تتفقه وأنت مبتدئ، طالب مبتدئ؟ كيف تتفقه من الكتاب والسنة؟ الكتاب والسنة فيها الناسخ وفيها المنسوخ، ومتى تطلع على الناسخ؟ ومتى تشوف هل هذا منسوخ أو لا؟ أنت ملزم بفهم السلف، كيف يطالب بالتفقه من الكتاب والسنة من يقرأ في كتاب السنة باب الأمر بقتل الكلاب، ثم يخرج مسدسه فما رآه من كلب أفرغ فيه الرصاص، ثم من الغد درس بكرة، باب: نسخ الأمر بقتل الكلاب، أيش يسوي هذا؟ كيف يتفقه من الكتاب والسنة من يفهم هذا الفهم.

أقول: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني الحائض تصلي، والناس يقولون: ما تصلي الحائض، أيش لون؟ ((لا يقبل صلاة حائض)) يعني لا بد تصلي الحائض، مثل هذا يقول له تفقه من الكتاب والسنة؟ أدرس كتب أهل العلم، وتأدب بأدب أهل العلم، وأفهم فهم أهل العلم، ثم بعد ذلك الأصل الكتاب والسنة ومعتمد أهل العلم على الكتاب والسنة، نعود ونكرر أن هذه الكتب التي هي من تأليف البشر لا تسلم من أقوال مرجوحة؛ لكنها بالطريقة التي شرحناها والاستدلال لمسائلهم، والنظر في أقوال المخالفين، وأدلتهم يتبين بإذن الله الراجح والمرجوح مع الاهتمام بفتاوى العلماء الموثوقين المعاصرين؛ لأن فيها من المسائل والنوازل الجديدة ما لا يوجد في كتب المتقدمين، وأيضاً صيغت وكتبت بلهجة العصر، يفهمه الناس كلهم؛ لكنه تخريج طالب علم لا بد أن يكون على المتون، لا بد أن يكون على الجادة، جادة أهل العلم.

يقول: ما رأيكم بأحكام الحافظ ابن حجر على الأحاديث؟

الحافظ ابن حجر إمام من أئمة هذا الشأن، وله إطلاع واسع، ومعرفة وخبرة ودربة؛ لكنه ليس بمعصوم، هو كغيره، يخطئ ويصيب؛ لكن الإصابة غالبة.

يقول: من الولي الذي يصوم عنه؟

من يتبرع، يصوم عنه من يتبرع من ولده ووالده وأخيه، وما أشبه ذلك، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.