شرح الموطأ - كتاب الوصية (1)

سم.

كتاب: الوصية

باب: الأمر بالوصية

حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة)).

قال مالك -رحمه الله-: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الموصي إذا أوصى في صحته، أو مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه، أو غير ذلك فإنه يغير من ذلك، ما بدا له، ويصنع من ذلك ما شاء، حتى يموت، وإن أحب أن يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل إلا أن يدبر مملوكاً، فإن دبر فلا سبيل إلى تغيير ما دبر، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة)).

قال مالك: فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته، ولا ما ذكر فيها من العتاقة، كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه من العتاقة وغيرها، وقد يوصي الرجل في صحته وعند سفره.

قال مالك: فالأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه يغير من ذلك ما شاء غير التدبير.

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى-:

كتاب: الوصية

باب: الأمر بالوصية

الوصية: فعيلة بمعنى المفعول، فالوصية هي الموصى به، وقد يراد بها الفعل، الفعل الذي هو الإيصاء، والحديث: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة)) فوصيته يحتمل أن يراد بها الموصى به مدون، أو أن فعل الوصية الذي هو الإيصاء مسجل مدون، ولا انفكاك بين الإيصاء والوصية إلا أن الوصية المصدر هنا يراد به الفعل، فعل الموصي، والوصية أكثر ما تطلق على اسم المفعول ما يوصى به.

قال -رحمه الله-: "وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر" هذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري -رحمه الله- "-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ))" يعني ليس من حقه وعنده شيء يوصي به أن يؤخر الوصية، فيبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده.

ابن عمر بادر، فما نام تلك الليلة إلا وقد كتب وصيته، وهو معروف بالمبادرة ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان لا ينام من الليل إلا القليل.

في الحديث: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) حديث ابن عمر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فقال ابن عمر مباشرة: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" فابن عمر -رضي الله عنهما- صاحب مبادرة، وهذه دليل على قوة الإيمان، قوة الاقتداء والائتساء، وعرف بذلك -رضي الله عنه-، ولا شك أن المبادرة تدل على القوة والعزم، وأخذ الدين {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [(63) سورة البقرة] لذا فرق كبير بين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين، هذا تمام الامتثال، يكون بمثل هذا، وبين أمة تؤمر بذبح بقرة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة].

ابن عمر يبادر إلى الامتثال ((ما حق امرئ)) ليس من حقه ((حق امرئ مسلم له شيء يوصي)) أو ((يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة)) ليلتين النص صحيح، لا شك أن مفاد الخبر الأمر بالمبادرة بالإيصاء، لماذا لم يقل ليلة؟ ليلتين يمكن أن يموت قبل الليلتين، وإذا قلنا: ليلة لماذا لم يقل قبل ذلك لاحتمال أن يموت قبل مجيء الليل؟ ليس المقصود لا الليلة ولا الليلتين ولا الثلاث، إنما المقصود من الخبر المبادرة إلى كتابة الوصية، فليس من حقه أن يؤخر ويؤجل الوصية، ليس من حقه الواجب أو المستحب على حسب حكم الوصية، فإن كانت الوصية واجبة لزمه أن يكتب وصيته، ويدون ما له وما عليه، الذي عنده أموال يكتب وصيته، وبين ما له وما عليه، المدين يكتب أنه مدين لفلان ولفلان ويبين؛ لأنه لو مات من غير بيان ومن غير وصية لا شك أنه يعرض نفسه للسؤال عن هذا الحق، وديون الخلق أمرها وشأنها عظيم، مثل هذا لا بد أن يكتب، لو أن إنسان بينه وبين جاره جدار مثلاً، ويخشى من الورثة إذا مات أن ينازعوا الجار، فيقولون: الجدار لنا، فعليه أن يبين أن الجدار ليس له، إن لم يكن لهم، وهكذا لو أن إنساناً طلق زوجته طلقة مثلاً، ويخشى من طول العهد أن ينسى هذه الطلقة، عليه أن يكتبها، ويشهد عليها، وهكذا في الأمور الواجبة تجب الوصية، في الأمور المستحبة تستحب الوصية.

((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة)) في بعض الروايات: ((عند رأسه)) يكتبها، ويحافظ عليها، شخص من الأشخاص كتب الوصية ووضعها امتثل ووضعها تحت وسادته وحافظ عليها، فجعل يتقلب الليل كله ما نام، الليلة الأولى والثانية إلى أن مزق الوصية خاف من الموت؛ لأن الوصية غالباً أنها تقرن بالموت.

طالب:.......

المقصود أنه تصور أنه بيهجم عليه الموت ليلتين.

طالب:.......

فمثل هذا أقول: فيما يجب على الإنسان بيانه يجب أن يثبته، أنت افترض أن شخص طلق امرأته بعد الزواج بشهر شهرين سنة سنتين، ثم بعد خمسين سنة طلق الثانية، ثم بعد سنة أو سنتين طلق الثالثة، نسي الأولى، إذا لم يكتبها ينساها مع طول العهد، فقد يطلق رابعة وهو ناسي... نعم؟

طالب: أكثر ما يورد سؤال......

المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من تقييدها وبيانها.

"قال مالك -رحمه الله-: الأمر المجتمع عليه عندنا" يعني في المدينة "أن الموصي إذا أوصى في صحته أو مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه، أو غير ذلك، فإنه يغير من ذلك ما بدا له" يعني الوصية عند أهل العلم إنما تثبت بالموت، فقبل أن يموت الموصي له أن يغير، وله أن يزيد، وله أن ينقص؛ لأن الوصية مرتبطة بالموت، لا تلزمه إلا بالموت، وقبل لزومها يجوز له أن يزيد، ويجوز له أن ينقص، ويجوز له أن يغير، ما في إشكال، بخلاف الوقف، الوقف من حين كتابته، أو من حين الإشهاد عليه، من حين إخراج ما يوقف من يده فإنه حينئذٍ يلزم، ولا يجوز له أن يزيد ولا ينقص ولا يغير.

"أو غير ذلك فإنه يغير من ذلك ما بدا له، ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت، وإن أحب أن يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل" لماذا؟ لأنها لم تلزم بعد "إلا أن يدبر مملوكاً" يعني ما الفرق بين أن يقول: بيته هذا وصية، والوصية تثبت بالموت، وبين أن يقول: رقيقه هذا مدبر؟ يعني يعتق عن دبر حياته، يعني إذا مات، كلاهما مرتبط بالموت، يعدل في الوصية، ويرجع فيها، لكن لا يرجع في العتاقة.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

لماذا؟ لأن الشرع يتشوف للعتق، وإلا فكأنه علق عتقه.

لو قال: هذا البيت إذا مت فهو وقف، يعني علق إيقافه على موته، حكمه حكم الوقف، أو حكمه حكم الوصية؟ الوصية لا تثبت إلا بالموت، والتدبير يثبت باللفظ الذي يخرج من يده باللفظ، لكن له أن يستعمله حتى يموت، ولا يعتق إلا بموته، فإذا قال: بيته هذا وقف إذا مات، فهل حكمه حكم الوصية يغير فيه، أو نقول: إنه وقف معلق بشرط؟ يعني كما لو قال: إذا جاء رمضان فبيته وقف؟

طالب: يختلف يا شيخ، كلام مالك نص، كلام مالك بأنه وصية لجميع الورثة.....

هذا إذا قال: وصية، إذا كانت وصية، الوصية لا تثبت إلا بالموت، لكن الوقف المعلق على شرط؟

طالب: تثبت بشرط.

شرط سواءً كان دخول رمضان أو وفاته.

طالب: إيه، لكن هذا إذا كان هو يريده وقفاً أصلاً، لكن إذا هو أوصى أن يكون هذا البيت وقف، فهو نوع من الوصية، هنا الإشكال، ما هو مثل لو قال: ها البيت هذا إذا مت أنا فهو وقف، وبينا وأنا أكتب وصيتي أني أوصي أن بيتي اللي يعادل ثلث مالي أنه يكون وقف، أو يكون ريع، يعني نوع من أنواع....

لا، المدبر انتهى؛ لأن الشرع يتشوف، لكن الطلاق إذا قال: إذا جاء رمضان فزوجته طالق، وأراد أن يرجع قبل وقوعه، قبل وقوع الطلاق، يرجع وإلا ما يرجع؟

طالب: يرجع.

يرجع وإلا ما يرجع؟

طالب: على الصحيح أنه يرجع.

يعني إذا علق على شرط محقق، إذا علق الطلاق على شرط محقق، عامة أهل العلم على أنه يقع، الجمهور على أنه يقع، مجرد دخول رمضان تطلق المرأة، علقه على شرط محقق، فإذا أوقف بيته وعلقه على شرط محقق؟

طالب: يقع.

يعني هل وقوع الطلاق من النطق أو من حصول الشرط؟ من حصول الشرط بلا شك، لو مات قبل رمضان فهي زوجة، نعم؟

طالب:.......

الآن عندنا صور، إذا أوصى بثلث ماله، وكتب هذا وصية، معروف أن مثل هذه الوصية له أن يتصرف فيها، فيزيد وينقص، ويلغي ويبدل، له أن يرجع عن الوصية بالكلية، لم تلزم بعد، وبين أن يقول: إذا مت فغلامي حر، يعني دبر حياته يكون تدبير، وليس له أن يرجع كما قال الإمام مالك، وإن كانتا متقاربتين، لكن بالنسبة للعتق الشرع يتشوف لمثل هذا، لكن لو قال: إذا مات فزوجته طالق يقبل كلامه؟ ما يقبل بالكلية، لا يمكن أن يقع مثل هذا الطلاق، لكن لو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فالجمهور على أنها تطلق؛ لأنه شرط علق على شرط محقق.

وهل يقصد بذلك بحال من الأحوال أنه يريد أن يحث هذه الزوجة أو يمنعها؟ لا، إنما يريد إيقاع الطلاق، فهذا الطلاق واقع لا محالة.

إذا قال: إذا جاء رمضان فبيتي وقف، أو إذا مت فبيتي وقف، ويش الفرق بينهما؟

طالب:.......

ويش يصير وصية وإلا وقف؟

طالب: هذه وصية.

طيب والثاني إذا جاء رمضان؟

طالب: إذا جاء رمضان لأنه.....

مما تكرر....

طالب:.......

المسألة العلم عند الله -جل وعلا-، لكن المقدمات معلومة الآن.

طالب:.......

المقدمات معلومة لنا، مات قبل رمضان هل هذا وقف وإلا ما هو بوقف؟

طالب: مثل الذي قال: إذا جاء رمضان فزوجتي طالق ومات قبل رمضان تطلق وإلا ما تطلق؟

الزوجة ما تطلق؛ لأن ما علق عليه لم يقع.

طالب: طيب، لو هو قال: أنا بيتي إذا جاء رمضان فهو وقف ومات قبل رمضان هل يدخل ضمن التركة أو يدخل ضمن الوقف؟

لا، هو انتقل إلى الوارث قبل نفوذ الوقف.

طالب: قبل نفوذ الوقف، لكن لو قال: لو مت هذا البيت وقف، لو مت هذا البيت قبل الوقف وأفلس ومات.....

ومات قبل الرجوع؟

طالب: لا هو ما بعد أفلس..... ليس عنده شيء؟

عنده البيت هذا.

طالب:.......

هذا تصرف، لكن إن قلنا: وقف لا يجوز له التصرف، وإن قلنا: وصية يجوز له التصرف.

طالب:.......

والفرق بينهما.

طالب:.......

"ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت، وإن أحب أن يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل، إلا أن يدبر مملوكاً، فإن دبر فلا سبيل إلى تغيير ما دبر، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة))".

"قال مالك: فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته ولا ما ذكر فيها من العتاقة كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه من العتاقة وغيرها، وقد يوصي الرجل في صحته وعند سفره" يعني يوصي على أي حال من الأحوال، حتى في مرض موته المخوف له أن يوصي بالثلث فأقل على ما سيأتي.

قال مالك.

طالب:......

هاه؟

طالب: هذا ما لم يضر وإلا لا؟

الثلث يملكه ولو أراد الإضرار.

"قال مالك: فالأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه يغير من ذلك ما شاء غير التدبير" لأنه ينفذ فوراً، ويبقى ينتفع به إلى مجيء الشرط.

 

اللهم صل على محمد ....