تعليق على تفسير سورة البقرة (83)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.  

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "فصلٌ: قال الشافعي: اختلف أصحابنا في الخلع، فأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن طاوسٍ، عن ابن عباسٍ في رجل طلق امرأته تطليقتين".

الشافعي –رحمه الله- يقول: "اختلف أصحابنا في الخلع" يعني هل يُحسب من الطلاق أو لا يُحسب؟ والمسألة خلافية بين أهل العلم، لكن سياق الآيات يدل على أنه لا يُحسب، فإن الله ذكر التطليقتين، ثم ذكر الخُلع، ثم ذكر الثالثة، فلو كان محسوبًا فالآية الأخيرة {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] صارت رابعة ما هي بثالثة.

وأما القول الثاني: بأنه محسوب أو أنه على حسب النية أو على حسب اللفظ على ما سيأتي، يأتي الخلاف فيه.

"عن ابن عباسٍ في رجل طلق امرأته تطليقتين، ثم اختلعت منه بعد، يتزوجها إن شاء؛ لأن الله تعالى يقول: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] قرأ إلى: {أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة:230].

قال الشافعي: وأخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة قال: كل شيءٍ أجازه المال فليس بطلاق.

وروى غير الشافعي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوسٍ، عن ابن عباس: أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله قال: رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه، أيتزوجها؟ قال: نعم، ليس الخلع بطلاق، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلع بشيء، ثم قرأ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] وقرأ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230].

وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس -رضي الله عنهما- من أن الخلع ليس بطلاقٍ، وإنما هو فسخ هو روايةٌ عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وابن عمر. وهو قول طاوسٍ، وعكرمة. وبه يقول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظاهري. وهو مذهب الشافعي في القديم، وهو ظاهر الآية الكريمة.

والقول الثاني في الخلع: أنه طلاقٌ بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك.

قال مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جهمان".

جُمهان.

"عن جُمهان مولى الأسلميين عن أم بكر الأسلمية: أنها اختلعت من زوجها عبد الله خالد بن أسيد".

ابن، عبد الله ابن، زوجها عبد الله بن خالد.

"من زوجها عبد الله بن خالد بن أسيد، فأتيا عثمان بن عفان في ذلك، فقال: تطليقة؛ إلا أن تكون سميت شيئًا فهو ما سميت.

قال الشافعي: ولا أعرف جُمهان، وكذا ضعَّف أحمد بن حنبل هذا الأثر، والله أعلم.

وقد روي نحوه عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عمر، وبه يقول سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، وشريحٌ، والشعبي، وإبراهيم، وجابر بن زيد، وإليه ذهب مالكٌ، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، وعثمان البتي، والشافعي في الجديد.

غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخالع بخلعه تطليقةً أو اثنتين أو أطلق فهو واحدةٌ بائنة. وإن نوى ثلاثًا فثلاث.

وللشافعي قولٌ آخر في الخلع، وهو: أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق، وعري عن البينة".

عن النية، وعري عن النية.

"وعري عن النية فليس هو بشيءٍ بالكلية".

كان قول الجمهور بهذا القول الأخير وإليه ذهب "مالكٌ، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، والشافعي في الجديد" لأنه الطلاق مع أن سياق الآيات واضحة، وسيأتي عدة المختلعة، وهو فرعٌ عن هذه المسائل.

من يرى أنه طلاق تعتد بثلاث حيضات، ومن يرى أنه فسخ تعتد بحيضة.

وسيأتي أن القول باعتبارها ثلاث حيَض هو قول الجمهور، وهذا مع السياق الظاهر في الآيات فهو غريب.

طالب:........

إذا صرَّح طلَّق يصير طلَّق الثالثة، لكن لو أخذ المال أعطته المال وفُسِخت، عاد شيء؟ الجمهور يعدونه طلاقًا؛ لأنه طلقها إذا صرَّح بالطلاق فهو طلاق، إذا أخذ المال وقال: أنتِ طالق، طلقت ما أحد يُنكر هذا.

طالب:........

ماذا تعرف أنت؟

طالب:.........

أنا أعرف أنهم يأمرونها بثلاث حيضات، تعتد بثلاثة، شيخ الإسلام يقول: عدتها حيضة استبراء إلا أن تكون حيلة لتقصير العدة.

"مسألة:

وذهب مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه في روايةٍ عنهما، وهي المشهورة، إلى أن المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء، إن كانت ممن تحيض، وروي ذلك عن عمر، وعليٍّ، وابن عمر، وبه يقول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة، وسالم، وأبو سلمة، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهابٍ، والحسن، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو عياض، وخلاس بن عمر".

خلاس بن عمروٍ، أبو عياض وخلاس بن عمرو.

طالب:........

خلاس.

"وخلاس بن عمرو، وقتادة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبو عبيد.

قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ومأخذهم في هذا أن الخلع طلاق، فتعتد كسائر المطلقات.

والقول الثاني: أنها تعتد بحيضةٍ واحدة تستبرئ بها رحمها.

قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ أن الرُّبيِّع اختلعت من زوجها، فأتت عمها عثمان".

فأتى عمها.

"فأتى عمها عثمان -رضي الله عنه- فقال: تعتد حيضة.

قال: وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيَض، حتى قال هذا عثمان، فكان ابن عمر يُفتي به ويقول: عثمان خيرنا وأعلمنا.

وحدثنا عبدة، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة.

وحدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ليثٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عباسٍ قال: عدتها حيضة، وبه يقول عكرمة، وأبان بن عثمان، وكل من تقدم ذكره ممن يقول: إن الخلع فسخ يلزمه القول بهذا.

واحتجوا لذلك بما رواه أبو داود، والترمذي، حيث قال كل واحدٍ منهما: حدثنا محمد بن عبد الرحيم البغدادي، قال: حدثنا علي بن بحر، قال أخبرنا: هشام بن يوسف، عن معمرٍ، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعتد بحيضة، ثم قال الترمذي: حسنٌ غريب، وقد رواه عبد الرزاق، عن معمرٍ، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة مرسلاً.

حديثٌ آخر: قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن وهو مولى آل طلحة، عن سليمان بن يسار، عن الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء: أنها اختلعت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرها النبي –صلى الله عليه وسلم- أو أُمِرت -أن تعتد بحيضة.

قال الترمذي: الصحيح أنها أُمِرت أن تعتد بحيضة.

طريقٌ أخرى: قال ابن ماجه: حدثنا علي بن سلمة النيسابوري، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثني أبي عن ابن إسحاق، قال: أخبرني عُبادة بن الوليد بن عُبادة بن الصامت، عن الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء، قال: قلت لها: حدثيني حديثك، قالت: اختلعت من زوجي، ثم جئت عثمان، فسألت: ماذا عليَّ من العدة؟ قال: لا عدة عليك، إلا أن يكون حديث عهدٍ بك فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضة، قالت: وإنما اتبع في ذلك قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مريم المغالية، وكانت تحت ثابت بن قيس، فاختلعت منه".

يعني هذه امرأةٌ ثانية غير جميلة بنت أُبي اختلعت من ثابت بن قيس أو هي قصة واحدة ويكون هذا وهْمًا من بعض الرواة؟ هذه امرأةٌ ثانية أن يكون حصل لثابت بن قيس أن خالعته امرأة أو امرأتان، يعني هذه خالعت، والتي قبلها خالعت وليس ببعيد أن العلة الموجودة في الأولى توجد في الثانية.

طالب:........

أين؟

طالب:........

قول ابن عمر.

طالب:........

لا لا، رجع ابن عمر إلى قول عثمان، "وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيَض، حتى قال عثمان هذا" يعني الحيضة الواحدة.

طالب:........

باعتبار أنها لها أن ترجع برضاها.

طالب:.........

"لا عدة عليكِ إلا أن يكون حديث عهد" يعني حصل جماع.

طالب:.........

الحيضة للاستبراء، نعم.

"وقد روى ابن لهيعة، عن ابن الأسود، عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن الرُّبيِّع بنت معوذ قالت: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد بحيضة.

مسألة:

وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند الأئمة الأربعة".

لأنه طلاق بائن حكمه البينونة، ملكت نفسها بمالها، فلا ترجع إلا برضاها.

طالب:........

هي ليست زوجة.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

إذا افتدت ملكت نفسها، وإذا لم يكن له عليها رجعة فلا توارث بينهما كالبائن. 

"مسألة:

وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء؛ لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء. وروي عن عبد الله بن أبي أوفى، وماهان الحنفي، وسعيد بن المسيب، والزهري أنهم قالوا: إن رد إليها الذي أعطاها جاز له رجعتها في العدة بغير رضاها، وهو اختيار أبي ثورٍ -رحمه الله-.

وقال سفيان الثوري: إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقةٌ، ولا سبيل له عليها، وإن كان يُسمي طلاقًا فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدة، وبه يقول داود بن عليٍّ الظاهري، واتفق الجميع على أن للمختلع أن يتزوجها في العدة.

وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر، عن فُرقةٍ".

فِرقة.

"عن فِرقةٍ".

يعني من أهل العلم، جماعة من أهل العلم.

"أنه لا يجوز له ذلك، كما لا يجوز لغيره، وهو قولٌ شاذٌ مردود".

له أن يتزوجها في العدة يعني برضاها، وبعد العدة برضاها مازالت الذي يمنع من الرجعة هو الطلاق البائن بثلاث، لكن المختلعة هي لا تتزوج إلا برضاها لا ترجع إلى زوجها إلا برضاها سواءٌ كانت في العدة أو بعد العدة.

طالب:.........

نعم بالعقد.

طالب:........

لا لا ما فيه إلا بعقد؛ لأنها بانت منه، كالمطلقة واحدة إذا انتهت عدتها.

"مسألة:

وهل له أن يوقع عليها طلاقًا آخر في العدة؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء:

أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه، وبه يقول ابن عباسٍ، وابن الزبير، وعكرمة، وجابر بن زيد، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور.

والثاني: قال مالك: إن أتبع الخلع طلاقًا من غير سكوتٍ بينهما وقع، وإن سكت بينهما لم يقع. قال ابن عبد البر: وهذا يشبه ما روي عن عثمان -رضي الله عنه-.

والثالث: أنه يقع عليها الطلاق بكل حالٍ ما دامت في العدة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري، والأوزاعي. وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريحٌ، وطاوسٌ، وإبراهيم، والزهري، والحاكم، والحكم".

ما فيه حاكم، الزهري والحكم، عندك الحاكم؟

طالب:........

لا ما فيه الحاكم، الحكم بن عُتيبة.

طالب:........

الخلع إذا سلمت له المال ورضي بذلك فُرِّق بينهما.

طالب:........

ما له لفظ إما أن تدفع له المال ويقبل أو تقول: خالعني على كذا فيقبل.

طالب:.........

المراجعة بدون عقد، بدون عقد ولا مهر ولا شيء.

طالب:.........

ما هي مراجعة، لا بُد من العقد، له رجعتها بمعنى أنه ليست مثل البائن البينونة الكبرى، لكن بعقد مثل البينونة الصغرى بواحدةٍ أو اثنتين بعد انتهاء العدة.

طالب:.........

أين؟

طالب:........

"وليس للمخالع أن يراجع المختلعة".

طالب:........

ما بينهم تعارض.

"وبه يقول سعيد بن المسيب، وشريحٌ، وطاوسٌ، وإبراهيم، والزهري، والحكم، وحماد بن أبي سليمان. وروي ذلك عن ابن مسعودٍ، وأبي الدرداء.

وقال ابن عبد البر: وليس ذلك بثابتٍ عنهما".

هل يقع الطلاق بعد طلقةٍ لم يتخللها رجعة؟ يعني هل تقع طلقتان ليس بينهما رجعة؟

رجل طلق امرأته واحدة، ثم بعد شهر طلقها ثانية.

طالب:.........

الجمهور يقع، وعلى كلام شيخ الإسلام ومن يقول بقوله إنه لا بُد أن يتخللها رجعة؛ لأنه طلقها والطلاق لا يقع على الطلاق.

طالب:.........

لا، يلزمه وإن لم يقل به؛ لأنه تقدم أن منهم من يقول: فسخ، وتعتد بثلاث حيض، على كلام ابن كثير لا؛ لأنه إن كان طلاقًا فالمطلقات يتربصن، وإن كان فسخًا فالفسوخ لها أحكامها، هذا الأصل، لكن الجمهور –مثل ما تقدم- أن منهم من يقول: فسخ، وأكثر من يقول: بأنه فسخ، يقول: تعتد بثلاث.

طالب:........

تُستبرأ بحيضة؛ لأنه ليس بطلاق؛ لأن الثلاثة القروء للمطلقات، واستبراء الرحم يحصل بواحدة، لكن يرد على هذا قول من يقول: إن الحامل تحيض هذا الإشكال، كيف يحصل الاستبراء والحامل تحيض؟ شيخ الإسلام يرى أن الحامل تحيض، وهذا إشكال كبير كيف يتم معرفة براءة الرحم ونحن نقول: الحامل تحيض، والواقع لا يُصدق، لكن هم قالوا مثل ما قالوا: لا حد لأكثره ولا لأقله ولا بين الحيضتين ولا كذا ولا كذا، قالوا: إنها تحيض؛ لأنها ترى دمًا، ويلزمهم إذا كان جميع أوصاف دم الحيض في هذا الدم الذي نزل من الحامل طردًا للمذاهب فإنها تحيض، ولكن النظر يقتضي أنها لا تحيض؛ لأنه لو حاضت ما حصل الاستبراء بالحيضة.

طالب:.........

الآن الفتوى في كثيرٍ من مسائل الطلاق على قول شيخ الإسلام، الفتوى عليه.       

"وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:230] أي: هذه الشرائع التي شرعها لكم هي حدودٌ، فلا تتجاوزوها، كما ثبت في الحديث الصحيح: «إِنِ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ مَحَارِمَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا».

وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمةٍ واحدةٍ حرام، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، وإنما السُّنَّة عندهم أن يطلق واحدة؛ لقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ثم قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]".

وهذا رأي شيخ الإسلام المعروف، ويُستدل له بحديث "كان الطلاق على عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر الثلاث واحد، فلما جاء عمر أمضاه عليهم" من باب التعزير «أيُتلاعب بكتاب الله؟» من باب حد الناس من التلاعب بكتاب الله، وأنهم يُلزمون بهذا من باب التعزير، وما يزال الجمهور والأئمة الأربعة وأتباعهم على حكم عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.  

"ويقوون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي رواه النسائي في سُننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بُكير عن أبيه، عن محمود بن لبيد قال: أُخبِر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان، ثم قال: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!» حتى قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟ فيه انقطاع.

وقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] أي: أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقةً ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، أي: حتى يطأها زوجٌ آخر في نكاحٍ صحيح، فلو وطئها واطئٌ في غير نكاح، ولو في ملك اليمين لم تحل للأول؛ لأنه ليس بزوج، وهكذا لو تزوجت، ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول، واشتُهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب -رحمه الله- أنه يقول: يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني، وفي صحته عنه نظر، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد حكاه عنه في (الاستذكار) فالله أعلم".

سيأتي في أحاديث الصحيحين وغيرهما أنه قال: «لَا؛ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» فإن مجرد العقد وهو ما دون الجماع لا يكفي، بل لا بُد من الجماع؛ لتحل للأول لا بُد منه على ما سيأتي.

والمراد {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة:230] النكاح في هذا الموضع المقصود به الجماع، وإطلاق النكاح في النصوص أحيانًا يُطلق ويُراد به العقد، وأحيانًا يُطلق ويُراد به الوطء، وأحيانًا يُراد به الأمران معًا.

وهل هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء أو العكس؟ على خلافٍ بين أهل العلم، لكن النكاح المأمور به والنكاح المنهي عنه لا شك أن المنهي عنه ينصرف إلى الأمرين ما يُمكن أن يُنهى عن النكاح، ويقول: أنا أعقد ولا أطأ، أو يقول: أطأ ولا أعقد، لا بُد من الأمرين جميعًا.

النكاح المأمور به هنا في هذا الموضع لا بُد من الوطء، ينصرف على الأمرين العقد والوطء، وفي نصوص أخرى قد يُطلق ويُراد به العقد فقط، قد يكون هذا شيئًا عاطفيًّا ما يحتاج إلى... شيء لا تملكه تحب الأول، لكن ما سعت ولا بيَّنت، كل إنسان له ميل.

طالب:........

بنية الرجوع إلى الأول؟

طالب:........

لا يجوز أن تطلب الطلاق من غير سبب.

نعم.

"وقد قال أبو جعفر بن جريرٍ-رحمه الله-: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها ألبتة، فيتزوجها زوجٌ آخر فيطلقها، قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأول؟ قال: «لَا؛ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» هكذا وقع في رواية ابن جرير.

وقد رواه الإمام أحمد فقال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد".

يعني هذه تزوجت أكثر من واحد فالرجل يتزوج المرأة فيُطلقها قبل أن يدخل بها، فيتزوجها زوجٌ آخر فيُطلقها قبل أن يتزوجها، هل ترجع إذا طلقها بدون وطء من اثنين تزوجت اثنين ما هو بواحد؟ الآية {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] هذه نكحت اثنين، لكن ما حصل وطء، ما ينفع، لا بُد أن تُوطأ بنكاحٍ صحيح نكاح رغبة لا دُلسة.

طالب:........

حصل جماع؟

طالب:........

ما حصل «حتى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» هذا الحد، لا بُد أن يُوجد الوطء.

طالب:........

سيأتي في حديث عبد الرحمن بن الزبير جاءت تشتكي إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- لما قالت: "إنما معه مثل هدبة الثوب" لا ينفع، تختار واحدًا يطأ، إما أن يطأها هو أو تأخذ غيره، لا بُد، لا ترجع إلى الأول إلا بوطء بنكاحٍ صحيح، حتى لو وطئت في زنا ما يكفي.

طالب:........

هي مطلقة في الأصل.

طالب:........

قبل أن يدخل بها ألبتة.

طالب:........

قبل أن يدخل بها ألبتة.

طالب: ........

قبل أن بدخل بها الواحدة تبتها، الطلقة الواحدة تبتها.

طالب:.......

يا أخي إذا اشترطنا الوطء فلا بُد أن يتقدمه عقد.

طالب:.......

لا بعد طلقة واحدة ولو لم تتزوج أصلًا، ما يُشترط زواج إلا في الثلاث.

طالب:.......

طلقها ثلاثًا؟

طالب:......

هي بانت من واحدة.

طالب:.......

إذا بانت لا بُد من أن تتزوج.

طالب:........

ما هو صادف.

طالب:..........

نعم على كلام الجمهور في وقوع الطلاق الثلاث دفعة واحدة لا بُد، تصير بائنًا، وهي بانت بواحدة من الأصل إذا لم يدخل بها.

طالب:.........

نعم إذا راجع خلاص.

طالب:........

هو لا يُراجعها إلا برضاها إذا بانت.

طالب:........

قبل الدخول بانت ما فيه مراجعة إلا بنكاحٍ جديد.

طالب:.......

لا بُد إذا وقعت الثلاث يلزم.     

"قال: سمعت سالم بن رزين يُحدِّث عن سالم بن عبد الله، -يعني ابن عمر- عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في الرجل تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى زوجها الأول؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «حتى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ».

وهكذا رواه النسائي، عن عمرو بن عليٍّ الفلاس، وابن ماجه عن محمد بن بشارٍ بُندار كلاهما عن محمد بن جعفر غُندَر، عن شُعبة، به كذلك، فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعًا، على خلاف ما يحكى عنه، فبعيدٌ أن يُخالف ما رواه بغير مُستند، والله أعلم.

وقد روى أحمد أيضًا، والنسائي، وابن جريرٍ هذا الحديث من طريق سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان الأحمدي".

الأحمري بالراء.

طالب:.........

نعم، أكثر الطرق تدور عليه، طرق الحديث أكثرها يدور عليه.

"عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر قال: سُئل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا فيتزوجها آخر، فيغلق الباب ويُرخي الستر ثم يطلقها، قبل أن يدخل بها هل تحل للأول؟ قال: «لَا؛ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» وهذا لفظ أحمد، وفي روايةٍ لأحمد: سليمان بن رزين.

حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، قال: حدثنا محمد بن دينار، قال: حدثنا يحيى بن يزيد الهُنائي، عن أنس بن مالك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن رجلٍ كانت تحته امرأةٌ فطلقها ثلاثًا، فتزوجت بعده رجلاً فطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟".

حديث امرأة رفاعة القرظي في الصحيحين وفيه التصريح بالمراد، أنها تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فما وطئها، ما استطاع أن يطأ وصرَّحت بالقصة، وما زاد النبي –عليه الصلاة والسلام- على التبسم، فقال: «لَا؛ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».

والإمام الحافظ ابن كثير –رحمه الله- صاحب حديث يتلذذ بسياق الأسانيد والمتون، وإلا فكل هذه ما لها داعٍ، أكثر هذه الطُّرق ضعيف، والحديث أصله في الصحيحين القصة، يعني ما فيه مزيد علم جاءت بالطرق الأخرى التي فيها مقال، لكن المُحدِّث ينبسط على سياق المتون والأسانيد، الحافظ ابن كثير إمام حافظ، وغيره يمل من قال: حدَّثنا وحدَّثنا.

وفرح جمعٌ غفير من طلاب العلم بالمختصرات التي ظهرت لتفسير ابن كثير، ظهر يعني قبل ثلاثين سنة مختصرات، وأولها اختصار الشيخ أحمد شاكر، ثم تبعه اختصارات أخرى، فرح طلاب العلم بذلك؛ لأنه أراحهم من هذه السياقات والمتون والأسانيد، وأشياء قد يكون لها داعٍ، وأشياء لا داعٍ لها في نظر طلاب العلم، لكن الإمام إمام ومُحدِّث، والسياقات تروق له.

الإمام مسلم –رحمه الله- في المواقيت من صحيحه يسوق أحاديث المواقيت من طرق كثيرة، ثم قال فجأةً: قال يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسم، ما دخل هذا بالمواقيت؟

طالب:........

أعجبه سياق الأسانيد والمتون بهذه الطريقة الإبداعية ببراعة تُساق المتون، والذي يقرأ والله ما يدري عنها شيئًا، إلا أن يكون مُحدِّثًا وعنده نفس حديثي، نحن نقول: هذه الطرق التي فيها مقال ساق أكثر من عشرة طرق، ثم جاء بحديث الصحيحين؛ لأن ما فيها جديد كلها «لَا؛ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» وهذا في الصحيحين، فما الداعي لسياق هذه الأسانيد التي فيها مقال؟   

طالب:.......

لماذا تقوى وأنا عندي حديث في الصحيحين؟

طالب:.......

لا، أنا أقول: كل إنسان له اهتمامه، ابن كثير مُحدِّث يحفظ المسند من أوله إلى آخره بأسانيده، فالذي صبر على المُسند وحفظ المسند يعجز عن هذه الأشياء؟! لكن طلاب العلم الذين يُريدون الفائدة عاجلاً فرحوا بالمختصرات، وأراحهم من الأسانيد، وأراحهم من التكرار، وصار الكتاب في مجلد، لكن الذي له نفس في الحديث متونه وأسانيده ينبسط لمثل هذه الأمور، ويرتاح كما يرتاح غيره في قراءة الذكريات والرحلات كلٌّ له اهتمامه.

فقد يقول قائل: لماذا ما كفى حديث امرأة رفاعة القرظي فيه ما يكفي، تزوجت بعد رفاعة عبد الرحمن بن الزبير ومعه مثل هدبة الثوب، ما استطاع أن يطأها، فقال: «لَا؛ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» ما الجديد في هذه السياقات الأخرى، فيه جديد؟ ما فيه جديد.

رحم الله ابن كثير، ورحمنا معه أجمعين. 

من الغرائب أنه لما ظهر أول مختصر لابن كثير صار طلاب العلم يتباشرون من باب أنه خف حجمه، وحُذِف منه أشياء لا داعٍ لها، قال واحد: حذف التكرار، والأسانيد، والإسرائيليات، قاله واحد من المختصرين، قال واحد من الحاضرين: إسرائيليات! يعني القصص يعني تنشط يا ليته ما حذف الإسرائيليات، يقول هذا باعتبار أن الإسرائيليات فيها الأعاجيب كما قال: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، في رواية البزار «فإن فيهم الأعاجيب» لا شك أن سماع الإسرائيليات والقصص وكذا تنشط، لكن إثقال التفاسير بها وهي لا قيمة لها فيه هذا مشكلة، وفي بعض الإسرائيليات ما يُخالف المعقول، وقد يُخالف المنقول فمثل هذه لا تجوز روايتها، فضلاً عن أن تودع في كُتب التفسير التي هي بيانٌ لكلام الله- جلَّ وعلا-.

طالب:.......

بيان الحكم نافع جدًّا لطالب العلم، لكن ما الذي دعاه إلى أن يأتي به، هل كتبه ليُبين درجته؟

طالب:.......

هو بيان الضعيف، ومن باب أولى الموضوع؛ لئلا يُغتر به هذا جيد.              

"عن أنس بن مالكٍ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن رجلٍ كانت تحته امرأةٌ فطلقها ثلاثًا، فتزوجت بعده رجلاً فطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا، حَتَّى يَكُونَ الْآخَرُ قَدْ ذَاقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا وَذَاقَتْ مِنْ عُسَيْلَتِهِ».

وهكذا رواه ابن جريرٍ، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، عن هشام بن عبد الملك، قال: حدثنا محمد بن دينار، فذكره".

طالب:.......

منه هشام بن عبد الملك.

طالب:......

هشام بن عبد الملك نعم.

طالب:........

لا، إبراهيم هو المحدِّث.

طالب:........

من الأئمة المُخرِّجِين أصحاب الكتب.

طالب:.......

أبو الوليد الطيالسي.

 نعم.

"قلت: ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكرٍ الأزدي، ثم الطاحي البصري، ويقال له: ابن أبي الفرات: اختلفوا فيه، فمنهم من ضعَّفه، ومنهم من قواه وقبله وحسَّن له، وذكر أبو داود أنه تغير قبل موته. فالله أعلم".