التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإسراء (13)

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّدًا} [سورة الإسراء:107]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى وَجْهِ التَّبْكِيتِ لَهُمْ وَالتَّهْدِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ.

{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَخُرُوجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُمْ مُؤْمِنُوا أَهْلِ الْكِتَابِ، فِي قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعْنَى {إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ} كِتَابُهُمْ، وَقِيلَ: القرآن".

ابن القيم -رحمه الله- له كلام حول هذه الآية، وأن في هذه الآية مزيَّة، ومزيد شرف لأهل العلم، وأنهم إذا آمنوا، فلا يضر ألا يؤمن غيرهم من أهل الجهل، فإذا آمن أهل العلم، كفى بهذا الدين وبهذا القرآن شرفًا وفخرًا، ولا يضير أن يؤمن غيرهم من الجُهال أو لا يؤمنوا. ولذا قال: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا}، معاشر الجُهال، {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّدًا}.

"{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّدًا} قيل: هُمْ قَوْمٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ تَمَسَّكُوا بِدِينِهِمْ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، مِنْهُمْ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ. وَعَلَى هَذَا لَيْسَ يُرِيدُ أُوتُوا الْكِتَابَ بَلْ يُرِيدُ أُوتُوا عِلْمَ الدِّينِ".

أما زيد بن عمرو بن نُفيل، فهذا على الحنيفية، ملة إبراهيم. أما ورقة بن نوفل، فقد تنصَّر.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُمْ أنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: {مِنْ قَبْلِهِ}.

{إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآنَ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ. كَانُوا إِذَا سَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ سَجَدُوا وَقَالُوا: {سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا}. وَقِيلَ: كَانُوا إِذَا تَلَوْا كِتَابَهُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ خَشَعُوا وَسَجَدُوا وَسَبَّحُوا، وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّوْرَاةِ، وَهَذِهِ صِفَتُهُ، وَوَعْدُ اللَّهِ بِهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَجَنَحُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ.

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمُرَادُ بالذين أوتوا العلم من قبله، مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وَالضَّمِيرُ فِي {قَبْلِهِ} عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ حَسْبَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ آمِنُوا بِهِ}. وَقِيلَ: الضَّمِيرَانِ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَاسْتَأْنَفَ ذِكْرَ الْقُرْآنِ في قوله: {إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ}".

الضمائر كلها في نسقٍ واحد، وكلها في الظاهر تعود إلى القرآن. وأما قول الفرقة أن المراد بالذين أوتوا العلم من قبله: محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهل أوتي العلم قبل القرآن؟ لم يؤت علمًا قبل القرآن -عليه الصلاة والسلام-.

"قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا} [سورة الإسراء:108].

دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ فِي السُّجُودِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سجوده وركوعه: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".

تسبيح وتنزيه ودعاء، وهذا لا يُنافي ما جاء في الركوع. «أما الركوع، فعظِّموا فيه الرب» لا ينافيه مثل هذا الدعاء اليسير؛ لأن الغالب يكون فيه التنزيه، والتعظيم. والغالب في السجود يكون الدعاء، «وأما السجود، فأكثروا فيه من الدعاء».

طالب: لو دعا في الركوع ...

يسير جدًّا، لا بأس، يُقاس على هذا. لكن الأكثر فيه التعظيم، يكون جُله التعظيم. بينما السجود، جُله الدعاء.

طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- ...

«أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين» الحديث فيه كلام، لكن من اشتغل بالذكر، الذي هو دعاء العبادة، يُعطي ما يؤمِّله ويريده -إن شاء الله تعالى- فالذكر أفضل من الدعاء.

"قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [سورة الإسراء:109].

فِيهِ أَرْبَعُ مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ} هَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي صِفَتِهِمْ وَمَدْحٌ لَهُمْ. وَحُقَّ لِكُلِّ مَنْ تَوَسَّمَ بِالْعِلْمِ، وَحَصَّلَ مِنْهُ شَيْئًا أَنْ يَجْرِيَ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ، فَيَخْشَعَ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَيَتَوَاضَعَ وَيَذِلَّ. وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ: مَنْ أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُبْكِهِ لَخَلِيقٌ أَلَّا يَكُونَ أُوتِيَ عِلْمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَتَ الْعُلَمَاءَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا. وَالْأَذْقَانُ جَمْعُ ذَقَنٍ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللِّحْيَيْنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَذْقَانُ عِبَارَةٌ عَنِ اللِّحَى، أَيْ: يَضَعُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ فِي حَالِ السُّجُودِ، وَهُوَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ. وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، تَقُولُ: سَقَطَ لَفِيهِ، أَيْ: عَلَى فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّدًا} أَيْ: لِلْوُجُوهِ. وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَذْقَانَ بِالذِّكْر؛ِ لِأَنَّ الذقن أقرب شيء من وجه الإنسان. قال ابن خويز منداد: ولا يجوز السُّجُودُ عَلَى الذَّقَنِ؛ لَأَنَّ الذَّقَنَ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْوَجْهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالشَّيْءِ عَمَّا جَاوَرَهُ وَبِبَعْضِهِ عَنْ جَمِيعِهِ. فَيُقَالُ: خَرَّ لِوَجْهِهِ سَاجِدًا، وإن لم يكن يسجد على خده ولا عينه".

لو سجد على شيءٍ من ذلك، على خده أو ذقنه، ما اجزأه السجود؛ لأن السجود لا بد أن يكون على الجبهة والأنف، تتميمًا للأعضاء السبعة.

"ألا ترى إلى قوله: فخرَّ صريعًا لليدين وللفم؟ فإنما أراد: خر صريعًا على وجهه ويديه.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَبْكُونَ} دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُهَا وَلَا يَضُرُّهَا".

على معصيته في دين الله، يعني هو من خوف الله -جلَّ وعلا-، وداخلٌ في الذي قبله. إذا بكى على معصيته، فقد بكى خوفًا من عقوبتها، والمُعاقب هو الله -جلَّ وعلا-. لكن إذا بكى، لا من خشية الله ولا من خوفه، إذا بكى، تذكر مصيبة له حصلت من وفاة قريب، فبكى في الصلاة، من أهل العلم من يُبطل هذه الصلاة، بالبكاء من غير خشية الله.

طالب: ...

إذا غُلِب، لا يضره -إن شاء الله تعالى-. إذا كان مغلوبًا، لا يضره هذا -إن شاء الله-.

"ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ: وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ.

الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَنِينِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَنِينُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِلْمَرِيضِ، وَأَكْرَهُهُ لِلصَّحِيحِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ. وَرَوَى ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: التَّنَحْنُحُ وَالْأَنِينُ وَالنَّفْخُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَقْطَعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ تُسْمَعُ وَتُفْهَمُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ".

إذا بان منها حرفان فأكثر، يُبطل الصلاة، عند كثير من أهل العلم.

"وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ تُسْمَعُ وَتُفْهَمُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ لَمْ يَقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ قَطَعَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَلَاتَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَرِيضٌ وَلَا ضَعِيفٌ مِنْ أَنِينٍ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الخشوع في البقرة، ويأتي.

قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا} [سورة الإسراء:110].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يدعوا «يا الله، يا رحمن» فَقَالُوا: كَانَ مُحَمَّدٌ يَأْمُرُنَا بِدُعَاءِ إِلَهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: تَهَجَّدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ فقال في دعائه: «يا رحمن يا رحيم»، فسمعه رجلٌ من المشركين، وكان باليمامة رجل يسمى: الرحمن، فَقَالَ ذَلِكَ السَّامِعُ: مَا بَالُ مُحَمَّدٍ يَدْعُو رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، مُبَيِّنَةً أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، فَإِنْ دَعَوْتُمُوهُ بِاللَّهِ فَهُوَ ذَاكَ، وَإِنْ دَعَوْتُمُوهُ بِالرَّحْمَنِ فَهُوَ ذَاكَ.

وَقِيلَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صَدْرِ الْكُتُبِ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَنَزَلَتْ {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَذَا الرَّحِيمُ نَعْرِفُهُ، فَمَا الرَّحْمَنُ؟ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: مَا لَنَا لَا نَسْمَعُ فِي الْقُرْآنِ اسْمًا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ كَثِيرٌ؟ يَعْنُونَ الرَّحْمَنَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

وَقَرَأَ طَلْحَةُ بن مصرف "أَيًّا من تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى" أَيِ: الَّتِي تَقْتَضِي أَفْضَلَ الْأَوْصَافِ وَأَشْرَفَ الْمَعَانِي. وَحُسْنُ الْأَسْمَاءِ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ بِتَحْسِينِ الشَّرْعِ، لِإِطْلَاقِهَا وَالنَّصِّ عَلَيْهَا. وَانْضَافَ إِلَى ذلك أنها تقتضي معاني حِسَانًا شَرِيفَةً، وَهِيَ بِتَوْقِيفٍ لَا يَصِحُّ وَضْعُ اسم لله بنظر، إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوِ الْإِجْمَاعِ. حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى)".

هو في شرح الأسماء الحسنى، معروف.

الأسماء توقيفية، أسماء الله -جلَّ وعلا- توقيفية، لا يجوز أن يُسمى -جلَّ وعلا- إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله -عليه الصلاة والسلام-. وأسماؤه كثيرة، لا يمكن إحصاء الجميع، «أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، فدلَّ على أنها لا يمكن إحصاؤها ولا حصرها، لكن منها: تسعةً وتسعون، يمكن عدها وإحصاؤها وجمعها من نصوص الكتاب والسُّنَّة، وما جاء فيها مرفوعًا، لا يصح. إنما جاء إجمالها، وحثّ المسلم على تتبعها وجمعها وإحصائها، ودعاء الله بها، والتعبُّد بمعانيها. «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة»، ما معنى الإحصاء؟ هو مجرد جمع وذكر؟ لا بد من فهم معانيها والتعبُّد بما تقتضي هذه الأسماء من معاني، واعتقاد ذلك.

ودائرة الأسماء أضيق من دائرة الوصف، فالاسم يُشتق منه صفة ولا عكس. الاسم يُشتق منه صفة، لكن ليس من كل الصفات تُشتق الأسماء. فالأسماء توقيفية، والصفات كذلك، إلا إنه يُمكن اشتقاقها من الأسماء، ولا عكس.

من أهل العلم من يقول: إن الأسماء الحسنى مئة، استدلالًا بالحديث الصحيح: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»، الأسماء الحسنى مئة يقول.

طالب: ..............

يعني يُضاف إليها لفظ الجلالة، «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»، فهذا التسعة وتسعين غير لفظ الجلالة، فيكون المجموع مئة.

طالب: أحسن الله إليك، في الآية الأولى، هل فيها دليل لمن قال من أهل العلم: إن سجود التلاوة يكون من قيام؟

الخرور في الغالب يكون من قيام، وبهذا قالت عائشة وبعض أهل العلم: إنه من قيام أفضل، لكن ليس بلازم.

طالب: أحسن الله إليك، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال: «مئةً إلا واحدًا» ...

نعم، هذه الأسماء التي لله مئة إلا واحدة، تسعة وتسعين مئة إلا واحدًا. فيبقى مدلول مئة إلا واحدًا، هؤلاء هم التسعة وتسعون.

أول ما يُسمع القول يُستنكر، أنه نص على تسعة وتسعين، ومئة إلا واحدا وأكد، ويقول القائل: مئة كاملة، لكن إذا تُؤمل، فله وجه.

طالب: أحسن الله إليك، في جماعة من أهل العلم على أنها زيادة عن المئة.

هي أكثر بلا شك، الأسماء الحسنى فيها أشياء استأثر الله بعلمها، أشياء علَّمها أحدًا من خلقه ولم يُعلمها الآخرين وهكذا، كما جاء في الحديث. فدلَّ على أنها لا يمكن إحصاؤها جميعًا، لكن من أحصى هذه التسعة والتسعين دخل الجنة.

طالب: أحسن الله إليك، اسم المُحسن والمُعين؟

كيف؟

طالب: ..............

المحسن؟

طالب: ..............

المُحسن فيه كلام لأهل العلم، أثبته كل من كتب في الأسماء الحسنى، أثبته. لكن ثبوته من حيث قوة الدليل، قد لا ينهض. لكن الذين ألَّفوا في الأسماء الحسنى ذكروه.

طالب: المُعين، هل هو اسم أم صفة؟

هو وصف، نعم.

طالب: أحسن الله إليك، إن كان صفة لله -عزَّ وجلَّ- ...

الموجود اسم عندهم، هم ذكروه من الأسماء.

طالب: الدليل عقلي؟

ما هي مسألة عقلية، كيف صار الدليل العقلي؟ أنه لا بد أن يكون المعبود موجودًا، ولا بد أن يكون الخالق موجودًا.

طالب: ...

هم أثبتوا في كتب الأسماء الحسنى أشياء استنبطوها استنباطًا، ما فيه دليل على أنها أسماء. لكن جاءت في نصوص سياقها سياق الأسماء، وهي في الحقيقة أوصاف.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها} فيه مسألتان: الأولى".

بعض الأسماء قد يوصف بها، فالاسم، لفظ الجلالة مثلًا، بسم الله الرحمن الرحيم، هذه ماذا تكون؟ أوصافًا لله -جلَّ وعلا-، وهي في الحقيقة أسماء إذا أُفردت، لكن إذا جاءت توابع، فإما أن تُعرب بدلًا أو بيانًا أو وصفًا. يجوز إعرابها صفات.

وابن القيم يُقرر أن لفظ الجلالة لا يمكن أن يقع تابعًا، الذي هو لفظ الله، لكن ماذا عن قوله: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (*) اللَّهِ} [سورة إبراهيم: 1-2]؟ جاء تابعًا لغيره، في سورة إبراهيم، أول سورة إبراهيم.

طالب: ماذا يقول ابن القيم؟

ما أدري، والله، اسأله. هو قال، هو قرر هذا: إن لفظ الجلالة لا يمكن أن يقع تابعًا، ووقع هنا.

طالب: ما جاء موضع ...

لا، ما جاء،  ولو جاء به ما قال هذا الكلام.

"الأولى: اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}".

من أفضل من تكلم على الأسماء الحسنى، ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (النونية)، من أفضل من تكلم على هذه الأسماء الحسنى، وبيَّن معانيها في (النونية)، هو كتابٌ عظيم لابن القيم -رحمه الله-.

"مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}، قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ، {وَلا تُخافِتْ بِها} عَنْ أَصْحَابِكَ، أَسْمِعْهُمُ الْقُرْآنَ وَلَا تَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ. {وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا} قَالَ: يَقُولُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَالْمُخَافَتَةُ: خَفْضُ الصَّوْتِ وَالسُّكُونُ، يُقَالُ لِلْمَيِّتِ إِذَا بَرَدَ: خَفَتَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

لَمْ يَبْقَ إِلَّا نَفَسٌ خَافِتُ ... وَمُقْلَةٌ إِنْسَانُهَا بَاهِتُ

رَثَى لَهَا الشَّامِتُ مِمَّا بِهَا ... يَا وَيْحَ مَنْ يرثى له الشامت

الثَّانِي: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}، قَالَتْ: أُنْزِلَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ.

الثَّالِثِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ الْأَعْرَابُ يَجْهَرُونَ بِتَشَهُّدِهِمْ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ.

 قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِإِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُخْفِيَ التَّشَهُّدَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

الرَّابِعُ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ –رضي الله عنه- كَانَ يُسِرُّ قِرَاءَتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ يَجْهَرُ بِهَا، فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أُنَاجِي رَبِّي، وَهُوَ يَعْلَمُ حَاجَتِي إِلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ قَلِيلًا، وَقِيلَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ أَنْتَ قَلِيلًا، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ".

يمكن أن تُوجَّه الآية لكل من جهر بقراءته أكثر من المطلوب، ولمن أسرَّ بها أقل من المطلوب. لكن كونها تنزل في أبي بكر وعُمر، والمُخاطب بها: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها} هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن كونهم يدخلون فيها، إن ثبت عنهم هذا الأمر، كونهم يدخلون في عموم الأمر، لا بأس. أما أن يكونوا هم سبب النزول، فلا.

"الْخَامِسُ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهَا: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاةِ النَّهَارِ، وَلَا تُخَافِتْ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ وَالزَّهْرَاوِيُّ. فَتَضَمَّنَتْ أَحْكَامَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارَ بِالْقِرَاءَةِ فِي النَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ، فَأَمَّا النَّوَافِلُ فَالْمُصَلِّي مُخَيَّرٌ فِي الْجَهْرِ وَالسِّرِّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَحُكْمُهَا فِي الْقِرَاءَةِ مَعْلُومٌ لَيْلًا وَنَهَارًا.

وَقَوْلٌ سَادِسٌ: قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ اللَّهُ: لَا تُرَائِي بِصَلَاتِكَ تُحَسِّنُهَا فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَا تُسِيئُهَا فِي السِّرِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُصَلِّ مُرَائِيًا لِلنَّاسِ، وَلَا تَدَعْهَا مَخَافَةَ النَّاسِ".

الجهر والإسرار، الجهر بالصلاة السرية، والإسرار في الصلاة الجهرية. مقتضى قولهم: إن الجهر والإسرار سُنة، أنه لا يأثم بالجهر في الصلاة السرية، والعكس، لا يأثم بهذا. لكن يختلف من فعله مرة، ومن كان ديدنه ذلك، بمعنى أنه يجهر بصلوات النهار باستمرار، ويُسر في صلوات الليل باستمرار، يُقال هذا: مُبتدع، قاصدٌ لمخالفة ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن لو جهر مرةً أو أسرَّ مرةً، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسمعهم الآية أحيانًا في صلاة الظهر، مما يدلُّ على جواز ذلك. لكن يبقى أن يكون ديدن الإنسان مُخالفة ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا لا شك أنه ابتداع، ابتداعٌ في الدين.

طالب: قرأ الإمام في صلاة سرية آية سجدة وسجد؟

هو إمام؟

طالب: ..............

 وعرَّف المأموم خلفه بأن جهر بهذه الآية وعرفوا، أم أوقعهم في إشكال؟

طالب: لا، ما جهر، أوقعهم في إشكال.

أوقعهم في إشكال، يكره أهل العلم أن تُقرأ الآية، آية السجدة، تُشكل على المأمومين وتُخل بصلاتهم.

والعكس، لو وقف على آيةٍ فيها ذكر السجود ولو لم تكن سجدة، مثل: {يَسْجُدُونَ}، وقف على هذه الآية، فركع، فسجد الناس، وحصل هذا في الأسبوع الماضي لإمام من الأئمة، أكثر الجماعة سجدوا، ولا انتبهوا إلا لما قال: سمع الله لمن حمده، في سورة آل عمران، ما انتبهوا. مثل هذه التصرفات توقع المأموم في حرج، وإن كانت في الأصل لا إشكال فيها، فالذي يُعرِّض صلاة المأموم للخلل، مثل هذا ينبغي تركه، ولو قيل بكراهته، ما بَعُد.

طالب: ...

هو إذا حرَّك لسانه، فقد قرأ. إذا حرك لسانه وشفتيه، فقد قرأ. لكن مجرد إمراره على القلب، لا يُحسب قراءة.

طالب: ...

النافلة مُخيَّر فيها، لكن نافلة الليل إلى الجهر أقرب، ونافلة النهار إلى الإسرار أقرب، تشبيهًا بالفرائض. جهر النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الليل.

طالب: بعض الأئمة، يا شيخ، إذا نُبِّه لصلاة جهرية وكان قد أسر، يستأنف الفاتحة من جديد ...

لا، يُتم من حيث ما بدأ، من حيث وقف. إذا كبَّر الإمام في صلاة المغرب وفي صلاة العشاء، فقرأ نصف الفاتحة، ثمَّ قيل له: سبحان الله، يعني أجهر، يستأنف؟ ما يستأنف، يستمر من حيث وقف.

طالب: ...

لا، لو استأنف، يكرهون تكرار الفاتحة، هذا جهل منه.

"الثَّانِيَةُ: عَبَّرَ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ هُنَا عَنِ الْقِرَاءَةِ كَمَا عَبَّرَ بِالْقِرَاءَةِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا}".

كما عبر بالركوع عن السجود، وبالسجود عن الركوع. جاء التعبير بالسجود عن الركوع: {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [سورة النساء:154] يعني: رُكعًا، لا يُمكن الدخول سُجدًا. {وَخَرَّ رَاكِعًا} [سورة ص:24] يعني: ساجدًا، وهنا عبَّر بالصلاة عن القراءة، كما أنه عبَّر في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [سورة الإسراء:78] بالقراءة عن الصلاة، المراد: صلاة الفجر.

"لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى قِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَائِهَا، فَعَبَّرَ بِالْجُزْءِ عَنِ الْجُمْلَةِ وَبِالْجُمْلَةِ عَنِ الْجُزْءِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْمَجَازِ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي» أَيْ: قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ".

نعم، والفاتحة تُسمى الصلاة، على ما تقدَّم في تفسيرها.

"قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [سورة الإسراء:111].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} هَذِهِ الْآيَةُ رَادَّةٌ عَلَى الْيَهُودِ والنصارى والعرب في قولهم أفذاذًا: عزيرٌ وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَةُ ذُرِّيَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ أَقْوَالِهِمْ!

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلَا فِي عِبَادَتِهِ.

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا، وَلَا ابْتَغَى نَصْرَ أَحَدٍ، أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ يُجِيرُهُ مِنَ الذُّلِّ فَيَكُونُ مُدَافِعًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ لِأَنَّهُمْ أَذَلُّ النَّاسِ، رَدًّا لِقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} يَعْنِي لَمْ يَذِلَّ فَيَحْتَاجُ إِلَى وَلِيٍّ وَلَا نَاصِرٍ؛ لِعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ.

{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} أَيْ: عَظِّمْهُ عَظَمَةً تَامَّةً. وَيُقَالُ: أَبْلَغُ لَفْظَةٍ لِلْعَرَبِ فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أي: صِفْه بأنه أكبر من كل شيء. قال الشاعر:

رأيت الله أكبر كلَ شيءٍ"

يعني: أكبر من كل شيء.

"مُحَاوَلَةً وَأَكْثَرَهُمْ جُنُودًا

وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خيرٌ من الدنيا وما فيها".

المقصود أن تكبيرة الإحرام، يعني إدراك تكبيرة الإحرام خيرٌ من الدنيا وما فيها.

"وهذا الْآيَةُ هِيَ خَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ. رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: افْتُتِحَتِ التَّوْرَاةُ بِفَاتِحَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَخُتِمَتْ بِخَاتِمَةِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهَا آيَةُ الْعِزِّ، رَوَاهُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".

لأن فيها نفي الذل، وإذا انتفى الذل ثبت العز.

"وَرَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَفْصَحَ الْغُلَامُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَّمَهُ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} الْآيَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَاصِلٍ: سَمِعْتُ النبي".

عن النبي.

"قال: سمعت عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} الْآيَةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ الْأَرْضِ وَالْجَبَلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِيمَنْ زَعَمَ أن له ولدًا: {تكاد السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}»".

مُخرَّج هذا؟

طالب: تقدَّم الكلام عن مثل هذا الحديث، وأنه لم يثبُت منها إلا عددٌ محدود، ليس هذا منها.

فيه تخريج غير هذا؟

طالب: ....

نعم، بلا شك، واضح.

نعم.

"وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ رَجُلٌ شَكَا إِلَيْهِ الدَّيْنَ بِأَنْ يَقْرَأَ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ثُمَّ يَقُولُ- تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

تَمَّتْ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ.

 وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ والسلام على من لا نبى بعده".

هذا مُخرج الأخير؟

طالب: ذكره ابن كثير في تفسيره، وإسناده ضعيف، وفي متنه نكارة. وذكره الألوسي من رواية أبي يعلى وابن السُّني عن أبي هريرة.