التعليق على تفسير القرطبي - سورة الكهف (09)

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

في البداية أذكِّر الإخوان أنه طرأ عمل بعد الظهر استغرقه كاملًا تقريبًا، ما حسبت له حسابًا، وعلى هذا علنا في اليوم وغدًا –إن شاء الله تعالى- نكمل سورة الكهف، ثم نقف على هذا، إلى أن نستأنف في بداية الفصل الأول – إن شاء الله تعالى- فالمشقة موجودة، يعني إذا كنا نجلس الظهر لهذا العمل، والعصر الدرس، والعشاء الدورة فهذا صعب، دروس متتابعة فيها صعوبة، وعمل الظهر لا أستطيع التخلي عنه؛ لأنه مرتبط بأمرٍ العامة تبع إذاعة القرآن ما أستطيع التخلي عنه، أعتذر من الإخوان، وإن كان بعد الوقت والظرف، يعني أرى الإخوان كثير منهم ما يحضر؛ لأن الجو حار، والموظفون أيضًا يتعبهم الحضور العصر، لكن هذا الذى حصل الآن، ولعلنا في هذا اليوم، من يوم الثلاثاء الغد –إن شاء الله تعالى- نكمل سورة الكهف، ونقف على مريم.

 نستأنف –إن شاء الله تعالى- في بداية الفصل على العادة، على العادة يكون عصر الجمعة، وأكرر الإعتذار من الإخوان الذين نظموا أمورهم على هذا ورتبوها، لعلهم يعذروني، إذا عرفوا السبب عذروا – إن شاء الله تعالى-.

طالب: ......

في الدورة ما نصل إلى البيت إلا الحادية عشرة والنصف تقريبًا من درس العشاء، قريب من الحادية عشرة والنصف، فيها مشقة والله، فيها تعب، والصيف ليله ما يساوي شيئًا –والله المستعان-.

 نبدأ؟

طالب: ......

جاهز أم لا؟

طالب: ......

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.                                  

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى –:

 "قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا* وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا* وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [السورة الكهف:79-82].

قوله تعالى : {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [سورة الكهف:79] استدل بهذا من قال: إن المسكين أحسن حالًا من الفقير، وقد مضى هذا المعنى مستوفىً في سورة "براءة".

لأن هؤلاء مع كونهم مساكين، لكنهم يملكون سفينة، لكن الفقراء لا يملكون، فالفقير الذي لا يجد شيئًا، والمسكين الذي يجد دون الكفاية، وهذا قول الجمهور، وإن كان عند الحنفية الأمر بالعكس فالمسكين أشد حاجةً من الفقير؛ لقوله –جل وعلا-: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[سورة البلد:16].

نعم.

"وقد قيل: إنهم كانوا تجارًا، ولكن من حيث هم مسافرون عن قلةٍ في لجة بحر، وبحال ضعفٍ عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين".

يقول: ولكن من حيث هم مسافرون.

الطالب: عن قلة.

لا، يقول: على قَلَةٍ، يقول: أي على شرف هلاك وخوف، يقول: وفي الطبعة الأولى: قلة، وليست بصواب، هذا محقق الطبعة الثانية، معروف أن الطابعة الثانية من التفسير قوبلت على نسخ كثيرة جدًّا في بعض الأجزاء على ثلاثة عشرة نسخة، فهي متقنة ومضبوطة.

 نعم.

"ولكن من حيث هم مسافرون عن قَلَةٍ في لجة بحر، وبحال ضعفٍ عن مدافعة خطب، عبر عنهم بمساكين؛ إذ هم في حالةٍ يشفق عليهم بسببها، وهذا كما تقول لرجل غنيٍ وقع في وهلة أو خطب: مسكين. وقال كعب وغيره: كانت لعشرة إخوةٍ من المساكين ورثوها من أبيهم خمسةٌ زمنى، وخمسةٌ يعملون في البحر. وقيل: كانوا سبعة لكل واحدٍ منهم زمانةٌ ليست بالآخر. وقد ذكر النقاش أسماءهم; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذومًا، والثاني أعور، والثالث أعرج، والرابع آدر، والخامس محمومًا لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله، وهو أصغرهم، والخمسة الذين لا يطيقون العمل: أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم. ذكره الثعلبي".

لسنا بحاجة إلى كل هذا، يكفينا الوصف الوارد في القرآن أنهم مساكين، ولا يعني كون عندهم سفينة أنهم ليسوا بمساكين؛ لأن هذه السفينة آلة العمل، آلة العمل، والمسكنة نسبية، فقد يكون دخل الإنسان أضعاف ما يرد على غيره ولا يكفيه، ويستحق حينئذٍ الوصف بالمسكنة، وقد يكون دخله قليلًا، لكنه يكفيه، ولا يستحق الوصف بالمسكنة، فهي مسألةٌ نسبية، هؤلاء عندهم سفينة تدر عليهم بعض الأموال التي لا تكفيهم، فهم مساكين، فهم مساكين، وكذا من كان عندهم مهنة أو وظيفة، يتصور أن يكون موظف دخله عشرة آلاف في الشهر ومسكين ما تكفيه العشرة الآلاف، ويكون تحت يده أعداد من النساء والأولاد يحتاجون إلى أكثر من هذا، فيأخذون من الزكاة ما يكفيهم، ما يكفي حاجتهم، ما يغطي حاجتهم، فهم مساكين، وقد يكون شخص مرتبه ألف ريال ويكفيه على طول الشهر، وحينئذٍ لا يسمى مسكينًا، فهؤلاء مع كونهم عندهم سفينة أيضًا مساكين.

"وقرأت فرقةٌ: "لمساكين" بتشديد السين، واختلف في ذلك فقيل: هم ملاحو السفينة، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة، وكل الخدمة تصلح لإمساكه، فسمي الجميع مسّاكين. وقالت فرقة: أراد بالمسّاكين دبغة المسوك، وهي الجلود واحدها مسك. والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين، وأن معناها: إن السفينة لقومٍ ضعفاء ينبغي أن يُشفق عليهم. والله أعلم.

قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [سورة الكهف:79] أي أجعلها ذات عيب، يقال: عبت الشيء فعاب، إذا صار ذا عيب، فهو معيبٌ وعائب.

وقوله: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سورة الكهف:79]، قرأ ابن عباسٍ وابن جبير (صحيحة)، وقرأ أيضًا ابن عباسٍ وعثمان بن عفان (صالحة). و(وراء) أصلها بمعنى خلف".

والوصف، الوصف المحذوف لا بد منه؛ لأنه إنما عابها؛ لكي لا يأخذها الملك، هذا الظالم لا يأخذ إلا الصالح؛ لأنه لما عابها آمنت من أخذها، فدل على أن هذا الملك لا يأخذ إلا الصالحة، وإلا لم يستفد من عيبها، إذا كان يأخذها وهي معيبة فلن يستفيد من عيبها.

"فقال بعض المفسرين: إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه. والأكثر على أن معنى (وراء) هنا أمام; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير: "وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كل سفينةٍ صحيحةٍ غصبا".

الوراء والأمام والخلف كلها أمور نسبية، فوراء هذا الجدار كذا، ووراء هذا الجدار أيضًا كذا، وراء هذا الجدار شارع، وراء هذا الجدار بيت، وهي كلها أمور نسبية، قد يكون هذا أمامه، وهذاك خلفه أو هذا أمامه وهذا خلفه؛ لأن الوراء والأمام أمور نسبية؛ لأنها وراء ايش؟ وراءهم هم، والوراء ما توارى في الأصل، الوراء ما توارى خلف غيره؛ أخذًا من التواري وهو الاختفاء، فإذا توارى عن غيره سواءً كان أمامه أو خلفه سمي وراءه.

"قال ابن عطية: وراءهم".

طالب: ......

نعم.

طالب: .....

ماذا؟

طالب: ......

النبي –عليه الصلاة والسلام- حرق نخل بني النضير، نعم حرق إذا رأى المصلحة بذلك التحريق؛ لئلا تقوم لهم قائمة مرةً أخرى بحيث لا يعتدون على المسلمين فله ذلك، وإن كان فيه إتلاف للمال، لكن المسألة مرتبة على مصالح، هذا يترتب عليه مفسدة أعظم منها.

"قال ابن عطية: وراءهم هو عندي على بابه; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعىً بها الزمان، وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها: إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك، ومن قرأ "أمامهم" أراد في المكان، أي كأنهم يسيرون إلى بلد. وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ‹‹الصلاة أمامك›› يريد في المكان، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان. وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ.

 ووقع لقتادة في كتاب الطبري: وكان وراءهم ملك، قال قتادة: أمامهم، ألا تراه يقول: من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم. وهذا القول غير مستقيم، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها. قاله الزجاج.

قلت: وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة; قال الهروي: قال ابن عرفة: يقول القائل: كيف قال "من ورائه" وهي أمامه؟ فزعم أبو عبيد وأبو عليٍ قطرب أن هذا من الأضداد، وأن وراء في معنى قدام، وهذا غير محصل; لأن أمام ضد وراء، وإنما يصلح هذا في الأوقات، كقولك للرجل إذا وعد وعدًا في رجب لرمضان ثم قال: ومن ورائك شعبان لجاز، وإن كان أمامه؛ لأنه يخلفه إلى وقت وعده. وأشار إلى هذا القول أيضًا القشيري وقال: إنما يقال هذا في الأوقات، ولا يقال للرجل: أمامك إنه وراءك. قال الفراء: وجوزه غيره، والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك، فأخبر الله -تعالى- الخضر حتى عيب السفينة. وذكره الزجاج.

 وقال الماوردي: اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال: أحدها: يجوز استعمالها بكل حالٍ وفي كل مكان وهو من الأضداد؛ قال الله -تعالى- : {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} [سورة الجاثية:10] أي من أمامهم. وقال الشاعر:

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي       وقومي تميمٌ والفلاة ورائيا

يعني أمامي.

والثاني: أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان؛ لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه، ولا في غيرها".

 ولا يجوز في غيرها.

"ولا يجوز في غيرها".

"الثالث: أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحدٍ منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرها".

لأن كل واحد وراء الثاني، وهو أمام الثاني من الوجه.

"وهذا قول علي بن عيسى.

واختلف في اسم هذا الملك فقيل: هدد بن بدد. وقيل: الجلندى، وقاله السهيلي. وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبًا فقال: هو هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه حيسور".

جيسور، نعم بالجيم عندنا.

"والغلام المقتول اسمه جيسور، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي، وفي غير هذه الرواية: حيسور بالحاء، وعندي في حاشية الكتاب روايةٌ ثالثة: وهي حيسون، وكان يأخذ كل سفينةٍ جيدةٍ غصبًا فلذلك عابها الخضر وخرقها".

الفتح.

طالب: .....

لالالا الفتح.

طالب: ......

 نعم؟

طالب: ......

 سيجيء الجزء الثامن.

طالب: ......

 كم؟

طالب: ......

 هو الذي معي، لكن نشوف الشرح، قال ابن عباس: أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد، والغلام المقتول يزعمون جيسور.

طالب: ......

 هنا؟

طالب: ......

 وقائل ذلك هو ابن جريج، وحيسور في رواية أبي ذر عن الكشميهني بفتح المهملة، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية عن غيره بجيم أوله، وعند القابسي: بنون بدل التحتانية، حنسور وجنسور.

طالب: حنسور وجنسور.

وعند عبدوس: بنونٍ بدل الراء.

طالب: حنسون.

وذكر السهيلي أنه رآها في نسخةٍ بفتح المهملة والموحدة ونونين الأولى مضمومة بينهما فتحٌ مهملة، حبنون بفتح المهملة والموحدة حب ونونين الأولى مضمومة وبينهما الواو ساكنة، وفي تفسير الضحاك اسمه: حشرد، ووقع في تفسير الكلبي اسم الغلام: شمعون. ولو كانت لنا فائدة ومصلحة من تسميته لجاءت تسميته في الكتاب والسنة.

"وكان يأخذ كل سفينةٍ جيدةٍ غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه، وقد تقدم. وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله: (فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقةً فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . .) الحديث. وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد، وهذا معنى قوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [سورة البقرة:216].

قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [سورة الكهف:80] جاء في صحيح الحديث: أنه طبع يوم طبع كافرًا، وهذا يؤيد ظاهره أنه غير بالغ، ويحتمل أن يكون خبرًا عنه مع كونه بالغًا، وقد تقدم.

قوله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} [سورة الكهف:80] قيل: هو من كلام الخضر -عليه السلام-، وهو الذي يشهد له سياق الكلام، وهو قول كثيرٍ من المفسرين; أي خفنا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا، وكان الله قد أباح له الاجتهاد في قتل النفوس على هذه الجهة. وقيل: هو من كلام الله -تعالى- وعنه عبر الخضر; قال الطبري: معناه فعلمنا، وكذا قال ابن عباسٍ أي فعلمنا، وهذا كما كنى عن العلم بالخوف في قوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [سورة البقرة:229]. وحكي أن أبيًا قرأ "فعلم ربك" وقيل: الخشية بمعنى الكراهة; يقال: فرقت بينهما خشية أن يقتتلا; أي كراهة ذلك.

قال ابن عطية: والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل وإن كان اللفظ يدافعه أنها استعارة، أي على ظن المخلوقين والمخاطبين لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين. وقرأ ابن مسعود "فخاف ربك" وهذا بينٌ في الاستعارة، وهذا نظير ما وقع في القرآن في جهة الله -تعالى- من لعل وعسى، وأن جميع ما في هذا كله من ترجٍ وتوقعٍ وخوفٍ وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون. ويرهقهما يجشمهما ويكلفهما; والمعنى أن يلقيهما حبه في اتباعه فيضلا، ويدينا بدينه.

قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا}[سورة الكهف:81]".

الخشية هذه الذي جرهم إلى هذا الكلام هو نسبتها إلى الله –جل وعلا-، والأكثر على أن الذي خشي هنا هو الخضر، فلو ثبت في التفسير الصحيح المرفوع أنها لله –جل وعلا- أثبتناها على ما يليق بجلاله وعظمه، من غير خشية المخلوق وخوف المخلوق طردًا لباب ما يثبت لله –جل وعلا- إذا ثبت هذا بالنص، وإلا ما دام الأمر محتملًا فالخشية للمخلوق.

طالب: .....

نعم، ممكن، يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: في تفسير، في كتاب التفسير من صحيحه، في تفسير سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة يوسف:2].

طالب: .....

ما يلزم، ما يلزم قد يأتي هنا بالمفردة يأتي بالجمع، والعرب تؤكد بضمير الجمع فعل الواحد، نعم. شف هنا في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة يوسف:2] هنا يقول الإمام البخاري: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة يوسف:2] خرج مخرج الجميع والمنزل هو الله تعالى، والعرب تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون أثبت وأوكد، هذا متن الصحيح، متن البخاري.

"قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} [سورة الكهف:81]".

فأردنا، نعم. ما قال هنا فأردنا أن نبدلهما فدل على أن المريد والخاشي هو الخضر.

 "قرأ الجمهور بفتح الباء وشد الدال، وقرأ عاصم بسكون الباء وتخفيف الدال; أي أن يرزقهما الله ولدًا. خيرا منه زكاة أي دينًا وصلاحًا.

يقال: بدل وأبدل مثل مهل وأمهل ونزل وأنزل.

وأقرب رحمًا قرأ ابن عباس: "رحما" بالضم، قال الشاعر:

وكيف بظلم جاريةٍ

 

ومنها اللين والرحم

وقرأ الباقون بسكونها; ومنه قول رؤبة بن العجاج:

يا منزل الرحم على إدريسا

 

ومنزل اللعن على إبليسا

واختلف عن أبي عمرو، ورحمًا معطوفٌ على "زكاة" أي رحمة; يقال: رحمه رحمةً ورحمًا، وألفه للتأنيث، ومذكره رحم. وقيل إن: الرُحم هنا بمعنى الرحِم; قرأها ابن عباس: "وأوصل رحمًا" أي رحِمًا، وقرأ أيضًا "أزكى منه". وعن ابن جبيرٍ وابن جريج أنهما بدلا جارية، قال الكلبي فتزوجها نبيٌ من الأنبياء فولدت له نبيًّا فهدى الله -تعالى- على يديه أمةٍ من الأمم.وقال قتادة: ولدت اثني عشر نبيًّا، وعن ابن جريج أيضًا أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملًا بغلامٍ مسلم وكان المقتول كافرًا. وعن ابن عباس: فولدت جاريةً ولدت نبيًّا; في روايةٍ: أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيًّا; وقاله جعفر بن محمدٍ عن أبيه; قال علماؤنا: وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل، وهذه المرأة لم تكن فيهم.

ويستفاد من هذه الآية تهوين المصائب بفقد الأولاد وإن كانوا قطعًا من الأكباد، ومن سلم للقضاء أسفرت عاقبته عن اليد البيضاء. قال قتادة: لقد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما. فالواجب على كل امرئٍ الرضا بقضاء الله -تعالى-، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه له فيما يحب.

قوله تعالى:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ} [سورة الكهف:82] هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم، واسمهما أصرم وصريم".

في بعض النسخ أصرم وأصيرم، في خمس نسخ أصيرم.

"وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: لا يتم بعد بلوغ هذا هو الظاهر. وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين، على معنى الشفقة عليهما. وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم.

ودل قوله: في المدينة على أن القرية تسمى مدينة; ومنه الحديث (أمرت بقريةٍ تأكل القرى...) وفي حديث الهجرة (لمن أنت) فقال الرجل: من أهل المدينة، يعني مكة".

يطلق على جميع البلدان أنها مدن، نعم. فكلها مدن من حيث الإطلاق العام، أما الإطلاق الخاص فهو خاصٌ بمدينة النبي –عليه الصلاة والسلام- المدينة النبوية.

"قوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} [سورة الكهف:82]".

في شخص يبيع بعض الخضروات ويحرج على لنعناع المدينة، نعناع المدينة شخص يعرف الأنواع والأصناف ولما شمه قال: أنت كذاب ليس هذا نعناع المدينة، قال: مدينة الرياض يا أخي هي المدينة، بالإطلاق العام، لكن في مثل هذه الظروف لا يجوز الإطلاق العام الذي يغرر الناس، نعم. لو طلبه غارم مثلًا غارمٌ بحق وأقسم أنه في المدينة، في الرياض يبحث عنه في الرياض قال: والله الآن أنا في المدينة يا أخي، لا يجوز له ذلك، لكن لو طلبه ظالم نفعه تعريض هذا.

" قوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} [سورة الكهف:82] اختلف الناس في الكنز، فقال عكرمة وقتادة: كان مالاً جسيمًا وهو الظاهر من اسم الكنز؛ إذ هو في اللغة المال المجموع، وقد مضى القول فيه. وقال ابن عباس: (كان علمًا في صحفٌ مدفونة) وعنه أيضًا قال: (كان لوحًا من ذهبٍ مكتوبًا فيه بسم الله الرحمن الرحيم،عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن".

والعلم، والعلم وما يوضع فيه العلم في الكتب هو أعظم الكنوز هو مال وفي الوقت نفسه من أنفع الأموال.

"عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبت لمن يؤمن بالدنيا".

يعرف بالدنيا.

"يعرف بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها، لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة، ورواه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".

خرجه؟

طالب: .....

لا شك، يثبت، نعم.

"قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف: 82] ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنيةً. وقيل: هو الأب السابع; قاله جعفر بن محمد. وقيل: العشر".

دنية يعني أقرب والد، الذين هم من أصلابه، أقرب والد وقيل هو السابع، نعم.

"وقيل: العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح; وكان يسمى كاشحا; قاله مقاتل. واسم أمهما دنيا; ذكره النقاش. ففيه ما يدل على أن الله -تعالى- يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وقد روي أن الله -تعالى- يحفظ الصالح في سبعةٍ من ذريته; وعلى هذا يدل قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [سورة الأعراف:196].

قوله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [سورة الكهف:82] يقتضي أن الخضر نبي; وقد تقدم الخلاف في ذلك، {ذَلِكَ تَأْوِيلُ} [سورة الكهف:82] أي تفسير.

{مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [سورة الكهف:82] قرأت فرقةٌ "تستطع" وقرأ الجمهور تسطع قال أبو حاتم: كذا نقرأ كما في خط المصحف. وهنا خمس مسائل:

الأولى: إن قال قائلٌ لم يسمع لفتى موسى ذكرٍ في أول الآية ولا في آخرها، قيل له: اختلف في ذلك; فقال عكرمة لابن عباس: لم يسمع لفتى موسى بذكرٍ وقد كان معه؟ فقال: (شرب الفتى من الماء فخلد، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر، وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه) قال القشيري: وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون; فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته; والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر".

انتهت مهمته، انتهت مهمته حينما لقي الخضر، قضى له الخدمة وحمل المكتل الذي فيه الحوت فلما لقي الخضر انتهى، ليتفرغ لهذا الحبر الذي دل عليه ليفيد منه، ولعل صحبة مثل هذا والاستقلال بصحبته له حكمة، نعم. لعل له حكمة وسمعنا أن ما يصدر عن بعض الناس أنه ينبغي أن يطلع عليه جميع الناس إنما المصلحة من ذلك تأديب موسى –عليه السلام- لما لقي العلم من الله –حل وعلا- قيل له: اذهب، فالحكمة تكمن في معرفة موسى –عليه السلام- بأحوال الخضر وما يصدر عن الخضر، وأما من عاداه فليس له ذلك، ليس من ذلك ولذا لم نجد، ولم يذكر له أي ذكر، لم يجد له أي ذكر، وليست ترون كثير من الأعمال التي فعلها الخضر لم يطلع عليها غير موسى، سبقت الإشارة إلى أنه قتله ولم يره أحد، خرق السفينة ولم يره أحد، لأنهم لو رآوه منعوه، منعوه من خرق السفينة، ومنعوه من القتل، فهذه الفائدة من كونه لا ذكر له لكونه انتهت مهمته، أما ما ذكر من كونه شرب من ماء وخلد وطبق عليه سفينة تموج به إلى يوم الساعة، هذا كلام لا سند له ولا أصل له، نعم.

" وقال شيخنا الإمام أبو العباس: يحتمل أن يكون اكتفي بذكر المتبوع عن التابع، والله أعلم".

الشيخ أبو العباس، الخلط بصاحب المفهم، نقول عنه كثيرًا وكثيرًا ما نقول سمعت شيخنا أبا العباس، راحعت شيخنا أبا العباس مثل ما نقول ابن القيم بالنسبة لشيخ الإسلام، بعضهم نقل رأيه لشيخ الإسلام من التفسير من هنا، نعم هو شيخ الإسلام لما توفي صاحب التفسير عمره عشر سنوات، عمر شيخ الإسلام عشر سنوات، لما توفي التلميذ عمر شيخ الإسلام عشر سنوات، لم يسمع هذه العبارة شيخنا أبا العباس، سمعت شيخنا أبا العباس، وابن القيم يكرر هذه العبارة في كتبه فيحصل الخلط هنا، وهذا سبب الجهل بالتواريخ، ومعرفة الشيوخ والتلاميذ، يحصل، يقع من مثل هؤلاء، نعم. اسوأ ما وقع فيما عرفت في صحيح البخاري في حديثٍ لأبو موسى، قال أبو موسى والهرج: القتل بلسان الحبشة، أبو موسى راوي الحديث، أبو موسى الأشعري يترجم المحقق لأبو موسى المديني المتوفي سنة خمسمائة واحد وثمانين، هذا وهم لا يمكن أن يغتفر أبدًا، بل هذا تطاول على الكتب من الجهال، نعم.

"الثانية: إن قال قائلٌ: كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين".

دعنا من كون المحقق لا يعرف أبا حاتم مثلًا الذي مر بنا، أو لا يعرف ثعلب، أو لا يعرف غيره من أول الليث حينما يمر في كتب الحديث واحد وحينما يمر بكتب اللغة آخر، وحينما يمر..، يعني المسألة لابد من إدراك حقائق الأمور، ولابد من التأكد قبل الكتابة.

"إن قال قائلٌ: كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله -تعالى-، وقال في خرق السفينة: فأردت أن أعيبها فأضاف العيب إلى نفسه؟ قيل له: إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله -تعالى-؛ لأنها في أمر مستأنفٍ في زمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله -تعالى-، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله -تعالى- أن يريده وقيل: لما كان ذلك خيرًا كله أضافه إلى الله - تعالى- وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعايةٍ للأدب؛ لأنها لفظة عيب".

نعم، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب.