التعليق على تفسير القرطبي - سورة الكهف (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ}[الكهف:17] أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم. والمعنى: أنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق. وتزاور".

لكن المخاطب بلغه بطريق قطعي، فصار كالمشاهد، كالمرأي كما في قوله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1]، لما بلغه الخبر بطريق قطعي صار كالمشاهد في القطعية، فيعبر عنه بالرؤية.

"وتزاور تتنحى وتميل، من الازورار. والزور الميل. والأزور في العين المائل، النظر إلى ناحية، ويُستعمل في غير العين، كما قال ابن أبي ربيعة: وجنبــــــــي خيفـــــــة القـــــــــوم أزور.

ومن اللفظ قول عنترة: فازورّ من وقــــــــــع القــــــــنا بلبــــــــانه.

وفي حديث غزوة مؤتة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سرير جعفر وزيد بن حارثة.

وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو: "تزّاور" بإدغام التاء في الزاي، والأصل "تتزوار". وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: تزَاور مخففة الزاي. وقرأ ابن عامر: "تزورّ" مثل تحمرّ. وحكى الفراء: "تزوارّ" مثل تحمارّ، كلها بمعنى واحد".

 

كلها بمعنى واحد إلا أن هذه الأبيات تختلف من حيث المبالغة، وعدم المبالغة، تزورّ أقل مبالغة من تزوارّ، يعني تحمارّ وتصفارّ أبلغ من تحمرّ وتصفرّ.

"{وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [الكهف:17].

"قرأ الجمهور بالتاء على معنى تتركهم، قاله مجاهد. وقال قتادة: تدعهم. قال النحاس: وهذا معروف في اللغة، وحكى البصريون أنه يقال: قرضه يقرضه إذا تركه، والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم شمس ألبتة؛ كرامة لهم، وهو قول ابن عباس".

ولو أصابتهم الشمس لتغيرت أجسادهم، وفسدت، لكن هذا من حفظ الله لهم.

"وهو قول ابن عباس، يعني أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، أي شمال الكهف، فلا تصيبهم في ابتداء النهار، ولا في آخر النهار، وكان كهفهم مستقبل بنات نعش في أرض الروم، فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية لا تبلغهم لتؤذيهم بحرها، وتغيِّر ألوانهم وتبلي ثيابهم. وقد قيل: إنه كان لكهفهم حاجب من جهة الجنوب، وحاجب من جهة الدبور، وهم في زاويته. وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله، دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك. وقرأت فرقة: "يقرضهم" بالياء من القرض وهو القطع، أي يقطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس.

وقيل: {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [الكهف:17] أي يصيبهم يسير منها، مأخوذ من قراضة الذهب والفضة، أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها. وقالوا كان في مسها لهم بالعشي إصلاح لأجسادهم.

وعلى الجملة فالآية في ذلك أن الله تعالى آواهم إلى كهفهم هذه صفته لا إلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار. وعلى هذا فيمكن أن يكون الشمس عنهم بإظلال غمام أو سبب آخر. والمقصود بيان حفظهم عن تطرُّق البلاء وتغيُّر الأبدان والألوان إليهم. والتأذّي بحر أو برد.

{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف:17] أي من الكهف، والفجوة: المتسع، وجمعها فجوات وفجاء، مثل ركوة وركاء وركوات، وقال الشاعر:

ونحـــــن ملأنــــــــا كـــــل وادٍ وفجــــــوة

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ورأيت زوجك في الوغى *متقلدا سيفا ورمحا

" رجــــــالاً وخيـــــلاً غـــــير ميـــل ولا عـــــــزل

أي كانوا بحيث يصيبهم نسيم الهواء.

{ذلك من آيات الله} لطف بهم. وهذا يقوي قول الزجاج. وقال أهل التفسير: كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فكذلك كان الرائي يحسبهم أيقاظًا. وقيل: تحسبهم أيقاظًا لكثرة".

ذلك من آيات الله، يقول: إنه يقوي قول الزجاج، وهو أن صنيع الشمس آية، بمعنى أنها تميل عنهم، ويتغير مسارها قليلًا؛ لئلا تؤذيهم بحرها، فهو آية، أما إذا كان الحجب بغمام أو شبهه أو كان من جهة من قبل الكهف نفسه بحيث يكون محدقًا بهم من جميع الجهات بحيث لا تنالهم الشمس كالعادة ما صار آية من آيات الله، لولا أن هناك فعلًا من الشمس تزاور يعني تميل عنهم، وهو آية، والله المستعان.  

"وقيل: تحسبهم أيقاظًا لكثرة تقلبهم كالمستيقظ في مضجعه. وأيقاظًا جمع يقظ ويقظان، وهو المنتبه.
وهم رقود كقولهم: وهم قوم ركوع وسجود وقعود فوصف الجمع بالمصدر.

{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18] قال ابن عباس:  لئلا تأكل الأرض لحومهم. قال أبو هريرة: كان لهم في كل عام تقليبتان.  وقيل: في كل سنة مرة. وقال مجاهد  في كل سبع سنين مرة. وقالت فرقة: إنما قلبوا في التسع الأواخر، وأما في الثلاثمائة فلا. وظاهر كلام المفسرين أن التقليب كان من فعل الله، ويجوز أن يكون من ملك بأمر الله، فيضاف إلى الله  تعالى.

قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] فيه أربع مسائل:

 الأولى: وكلبهم، قال عمرو بن دينار: إن مما أخذ على العقرب ألا تضر أحدًا قال  في ليله أو في نهاره، صلى الله على نوح. وإن مما أخذ على الكلب ألا يضر من حمل عليه إذا قال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]".

المعروف في هذا الباب- ولا أعرف له أصلاً- أن من قال: سلام على نوح في العالمين لا تصيبه العقرب، هذا المذكور في كثير من كتب أهل العلم من التفاسير وغيرها، لكن ما أعرف له أصلًا. هنا يقول: إن مما أخذ على العقرب أن لا تضر أحدًا قال في ليله، أو في نهاره: صلى الله على نوح، وإن مما أخذ على الكلب ..

" ألا يضر من حمل عليه إذا قال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]".

على كل حال هذا يحتاج إلى نقل عن المعصوم، وإلا في مثل هذا لا يدفع، مثل هذه الأسباب إن ثبتت بشرع، فلا بأس، إن ثبتت بعادة مضطردة أيضًا، قال بهذا جمع من أهل العلم يخصصون من القرآن ما يتقون به الأضرار تخصيصًا بغير مخصص شرعي، لكن قد  تضطرد العادة في نفع هذه الآية من هذا الضرر. عمدة كثير من الرقاة خصّصوا آياتٍ للعين، وآياتٍ للسحر، وآياتٍ للقلق وآياتٍ للفزع، وآيات لكذا، يقولون: العادة جرت بذلك، وكأن ابن القيم - رحمه الله - يميل إلى شيء من هذا.

 فهناك سبب شرعي ترد به النصوص، وقد جاء النص بأن من القرآن ما هو شفاء، وهناك سبب عادي اطردت العادة بأنه يقي من هذا الضرر، والذي جعل الله الناس في هذا السبب هو الله - جل وعلا -، السبب لا ينفع بنفسه، ولا بذاته، وإنما المسبب الله - جل وعلا -، هو النافع والضار.

 وعلى كل حال إذا  اضطرد ذلك، فلا بأس عند جمع من أهل العلم.

"أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة، وكان لصيد أحدهم أو لزرعه أو غنمه، على ما قال مقاتل".

يعني مما أذن باقتنائه.

"واختلف في لونه اختلافًا كثيرًا، ذكره الثعلبي، تحصيله: أي لون ذكرت أصبت، حتى قيل: لون الحجر وقيل لون السماء. واختلف أيضًا في اسمه، فعن علي: ريان. فعن ابن عباس: قطمير. وعن الأوزاعي: مشير. وعن عبد الله بن سلام: بسيط. وعن كعب: صهيا. وعن وهب: نقيا. وقيل: قطمير، ذكره الثعلبي".

قطفير غير قطمير، قطفير؛ لأن الأول قطمير.

"وقيل قطفير، ذكره الثعلبي".

كل هذا مما هو متلقى عن أهل الكتاب مما لا يثبت به خبر، وقد التزم المؤلف - رحمه الله-  في مقدمة الكتاب أن لا يعتمد على شيء من الإسرائيليات، ولا يثقل كتابه بذكرها، ومع ذلك ذكر مثل هذه الأشياء، والأولى أن يحفظ كتابه من هذه الأمور التي لا تثبت.

"وكان اقتناء الكلب جائزًا في وقتهم، كما هو عندنا اليوم جائز في شرعنا. وقال ابن عباس: هربوا ليلاً".

جائز في الأمور التي جاء استثناؤها؛ كالصيد، أو ماشية، أو زرع فقط، وماعدا ذلك، فلا يجوز اقتناء الكلب، ومن اقتناه نقص من أجره بكل يوم قيراط، وبعض الروايات: قيراطان، أما إذا كان كلب صيد، أو ماشية، أو زرع جاز اقتناؤه في شرعنا.

"وقال ابن عباس: هربوا ليلاً، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فاتبعهم على دينهم. وقال كعب: مروا بكلب فنبح لهم فطردوه فعاد فطردوه مرارًا، فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي، فنطق فقال: لا تخافوا مني، أنا أحب أحباء الله تعالى فناموا حتى أحرسكم".

مثل هذا أيضًا من الإسرائيليات التي لا تُصدق، ولا تُكذب.

"الثانية: ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال» : من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان».  وروى الصحيح أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:»  من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتُقِص من أجره كل يوم قيراط». قال الزهري:  وذُكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع. فقد دلت السنة".

كون أبي هريرة صاحب زرع يدل على أنه اعتنى بضبط الخبر، وإتقانه، وحفظه؛ لأن هذا أمر يهمه، ولذا نبه ابن عمر، نبه أن أبا هريرة كان صاحب زرع، فضبط يعني وكأنه يقول: ضبط،  وضيعنا؛ لأن هذا الأمر يهمه، ومن اهتم لشيء ضبطه، ولا يُفهَم من قول ابن عمر - رضي الله عنه - أنه يتهم أبا هريرة، كما زعم بعضهم أبدًا حاشا وكلا، بعضهم يقول: إن ابن عمر اتهم أبى هريرة، وإنما هو يبين أن أبا هريرة ضبط هذا الخبر، وأتقنه؛ لأنه مما يهمه أمره.

طالب: ...........

على كل حال القياس أمر مختلف فيه في هذا الباب، ومنهم من يقول: حراسة البيوت أولى من حراسة الزرع، ومنهم من يقول: إن الكلاب التي تدفع عن الأمة تحرس الأمة الكلاب البوليسية، الكلاب التي تكتشف المخدرات، وغيرها أولى من الاقتناء لحراسة شخص، أو صيد أو ما شابه ذلك.

المقصود أن هذا ما يختلف أهل العلم، فمن قال به قال: إنه من قياس الأولى، القياس الجلي؛ لأن حراسة الأمة أولى من حراسة الماشية مثلاً.

 على كل حال المسألة قابلة للنظر، ومنهم من يقول: إن النص جاء في هذه الأمور، ولا يجوز أن تعدى.

"فقد دلت السنة الثابتة على اقتناء الكلب للصيد والزرع والماشية. وجعل النقص في أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة، إما لترويع الكلب المسلمين، وتشويشه عليهم بنباحه، أو لمنع دخول الملائكة البيت، أو لنجاسته، على ما يراه الشافعي، أو لاقتحام النهي عن اتخاذ ما لا منفعة فيه، والله أعلم.

وقال في إحدى الروايتين: قيراطان، وفي الأخرى قيراط. وذلك يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر، كالأسود الذي أمر - عليه السلام - بقتله، ولم يدخله في الاستثناء حين نهى عن قتلها، كما هو منصوص في حديث جابر، أخرجه الصحيح. وقال: »عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان». ويحتمل أن يكون ذلك لاختلاف المواضع، فيكون ممسكه بالمدينة مثلاً أو بمكة ينقص قيراطان، وبغيرها قيراط. وأما المباح اتخاذه فلا ينقص، كالفرس والهرة. والله أعلم".

من أهل العلم من يرى، وهو قريب مما ذُكر أن الاختلاف في القيراط، والقيراطين تبعًا للضرر الناشيء عن الكلب، ففي القرى، والأمصار ينقص قيراطان؛ لأن ضرره أشد على الناس، أما في البوادي، فينقص قيراط واحد؛ لأن الضرر أخف. فأهل البوادي أخذوا على صوت الكلاب، وأطفالهم، ونساؤهم لا يخافون منها، فالضرر منها أخف، فالمقتني للكلب في القرية، وفي المدينة ينقص أكثر؛ لأن ضرره أشد بخلاف البوادي.

الأمر الثاني: أن القيراط المذكور هنا، والقيراط المذكور في اتباع الجنازة، والصلاة على الميت هل هما واحد؟ وقد جاء تفسير قيراط الصلاة على الميت بأنه مثل أحد، فهل يُفسَّر القيراط هنا بأنه مثل أحد ينقص من أجره كل يوم قيراط مثل أحد، كما يزيد في أجره إذا صلى على الجنازة من الأجر مثل أحد؟

هذا القيراط قيراط رحمة، والرحمة واسعة وفضل الله كبير، وهنا في العقوبة والله يعفو، فالأمر فيها أقل فيحمل على القيراط الذي عند الصاغة الذى هو وزن جزء من أربعة وعشرين جزءًا من ماذا؟

طالب: ...........

القيراط؟

طالب: ...........

 ماذا؟

القيراط جزء من أربعة وعشرين جزءًا، ألم تأخذوه في كتب الفرائض؟

طالب: ...........

القنطار؟

طالب: ...........

لا أين أنت من القنطار؟

طالب: ...........

نعم؟

طالب: ...........

 لا هذا ميزان هذا، وليس بزرع.

طالب: ...........

لا لا.

طالب: ...........

من الدينار؟

طالب: ...........

الآن الجنيه في عرف الصاغة ثمانية قراريط؛ لأن القيراط في الفرائض ألا يُستعمل في قسم المواريث؟ القيراط جزء من أربعة وعشرين جزءًا من أي شيء، أو من أي شيء مطلق؟ قيراط المسألة الذي هو واحد من أربعة وعشرين جزءًا كذا من جملة المال هل هذا مراده؟

طالب: ...........

مطلق يعني؟

طالب: ...........

يعني أي شيء يراد وزنه قيراطه كذا جزء من أربعة وعشرين جزءًا من ...

طالب: ...........

كم قيراطه؟

طالب: ...........

من أي شيء؟

طالب: ...........

من الجنيه؟

طالب: ...........

من الجنيه عندهم القيراط جزء من ثمانية أجزاء؛ لأن الجنيه عندهم ثمانية قراريط. مثل الساعة جزء من جزء من الوقت، الساعة جزء من أربعة وعشرين جزءًا من اليوم والليلة.

على كل حال الأمر سهل إن شاء الله.

"الثالثة: وكلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها، لا الذي يحفظها في الدار من السراق. وكلب الزرع هو الذي يحفظها من الوحوش بالليل أو بالنهار لا من السراق. وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع. وقد تقدم في "المائدة" من أحكام الكلاب ما فيه كفاية، والحمد لله.

الرابعة: قال ابن عطية: وحدثني أبي - رضي الله عنه – قال: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن مَن أحَب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله.

قلت: إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه -جل وعلا- فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين؟ بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال، المحبين للنبي - صلى الله عليه وسلم -  وآله خير آل. روى الصحيح عن أنس بن مالك قال» : بينما أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجان من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها، قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: فأنت مع من أحببت».  في رواية قال أنس بن مالك: » فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فأنت مع من أحببت. قال أنس:  فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم».

قلت: وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين، كلب أحب قومًا فذكره الله معهم، فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام، وحب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا} ".

مما يعين المسلم على محبة النبي - عليه الصلاة والسلام - الاتباع له، فمن اتبعه، وجعله أسوته، وخلوته، وجعل هواه تبعًا لما جاء به وُفِّق لمحبته، فكثير من الناس يزعم أنه يحب الرسول - عليه الصلاة والسلام -، ثم إذا جاء أمره، أو نهيه خالفه، فهذا لا يُسمى المحب، ومما يعين أيضًا على محبته - عليه الصلاة والسلام - إدامة النظر في سيرته - عليه الصلاة والسلام - وشمائله ما صح منها، ودلائل نبوته، ومعجزاته، كل هذا يعين المسلم على محبة النبي - عليه الصلاة والسلام -، ويقوي المحبة محبة النبي في قلب كل مسلم.

"وقالت فرقة: لم يكن كلبًا حقيقة، إنما كان أحدهم، وكان قد قعد عند باب الغار طليعة لهم كما سُمي النجم التابع للجوزاء كلبًا؛ لأنه منها كالكلب من الإنسان، ويقال له: كلب الجبار. قال ابن عطية: فسمي باسم الحيوان اللازم لذلك الموضع، أما إن هذا القول يضعفه ذكر بسط الذراعين؛ فإنها في العرف من صفة الكلب حقيقة، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: »ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب». وقد حكى أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت أنه قرئ: "وكالبهم باسط ذراعيه بالوصيد". فيحتمل أن يريد بالكالب هذا الرجل على ما رُوي؛ إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الريبة المستخفي بنفسه. ويحتمل أن يريد بالكالب الكلب.

وقرأ جعفر بن محمد الصادق  "وكالبهم" يعني صاحب الكلب.

 قوله تعالى: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف:18] أعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضي؛ لأنها حكاية حال ولم يقصد الإخبار عن فعل الكلب. والذراع من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى. ثم قيل".

أعمل اسم الفاعل باسط ذراعيه. ذراعيه مفعول لاسم الفاعل، لكن لماذا لم يقل: باسطُ ذراعيه؟ {إن الله بالغُ أمرِه}، {منذرُ مَن يخشاها} هنا لم يعمل اسم الفاعل، هناك لم يعمل اسم الفاعل، بالغُ أمرِه أو بالغٌ أمرَه؟ منذرُ من يخشاها، أو منذرٌ من يخشاها؟ نعم ما عملت، هما قراءتان على كل حال، لكن هنا عمل باسطٌ ذراعيه، عمل اسم الفاعل عمل فعله؛ لأنه بمعنى المضي، الإخبار عن أمر ماضٍ كأنه بسط ذراعيه، وانتهى، والنبي – صلى الله عليه وسلم - منذرُ من يخشاها، منذر في الماضي والحاضر والمستقبل، البشارة والنذراة مستمرة إلى قيام الساعة، فكان الأولى عدم عمل اسم الفاعل، وهنا الراجح عمل اسم الفاعل.

"بسط ذراعيه لطول المدة. وقيل: نام الكلب، وكان ذلك من الآيات. وقيل: نام مفتوح العين. 
والوصيد: الفناء، قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير، أي فناء الكهف، والجمع وصائد، ووُصُد. وقيل: الباب. وقاله ابن عباس أيضا. وأنشد:

بأرض فضـــــــاء لا يســــــد وصيـــــــدها       

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ورأيت زوجك في الوغى *متقلدا سيفا ورمحا

"  علـــــيَّ ومعــــــروفي بها غير منكر

وقد تقدم. وقال عطاء: عتبة الباب، والباب الموصد هو المغلق. وقد أوصدت الباب وآصدته أي أغلقته. والوصيد: النبات المتقارب الأصول، فهو مشترك، والله أعلم".

ولا يمنع أن يراد بالوصيد الباب، الوصيد فعيل، بمعنى اسم المفعول، الوصيد يعني الموصد، مثل قتيل جريح، مقتول، مجروح، لا يمنع أن يكون باسطًا ذراعيه في باب الكهف، الذي هو الوصيد.

"قوله تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} [الكهف:18]،  قرأ الجمهور بكسر الواو. والأعمش ويحيى بن وثاب: بضمها.

{لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} [الكهف:18] أي لو أشرفت عليهم لهربت منهم.

{وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:18] أي لِما حفَّهم الله تعالى من الرعب، واكتنفهم من الهيبة. وقيل: لوحشة مكانهم، وكأنهم آواهم الله إلى هذا المكان الوحش في الظاهر؛ لينفر الناس عنهم. وقيل: كان الناس محجوبين عنهم بالرعب، لا يجسر أحد منهم على الدنوّ إليهم. وقيل: الفرار منهم لطول شعورهم وأظفارهم، ذكره المهدوي والنحاس والزجاج والقشيري. وهذا بعيد؛ لأنهم لما استيقظوا قال بعضهم لبعض: لبثنا يومًا أو بعض يوم. ودلَّ هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها، إلا أن يقال: إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى أظفارهم وشعورهم.

قال ابن عطية: والصحيح في أمرهم أن الله - عز وجل - حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها؛ لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبلُ لهم ثوب ولم تغير صفة، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم.

 وقرأ نافع وابن كثير وابن عباس وأهل مكة والمدينة: "لملِّئت منهم" بتشديد اللام على تضعيف المبالغة، أي ملئت ثم ملئت. وقرأ الباقون: لمُلِئت بالتخفيف، والتخفيف أشهر في اللغة. وقد جاء التثقيل في قول المخبّل السعدي:

وإذ فتـــــك النعمـــــان بالناس محرمــــــا   

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ورأيت زوجك في الوغى *متقلدا سيفا ورمحا

"  فملي من كعـــــب بن عوف سلاسله

وقرأ الجمهور: رُعْبًا بإسكان العين. وقرأ بضمها أبو جعفر. قال أبو حاتم: هما لغتان. وفرارًا نصب على الحال، ورعبًا مفعول ثانٍ أو تمييز.

قوله تعالى".

والظاهر كم تمييز نعم.

"قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف:19] البعث: التحريك عن سكون. والمعنى: كما ضربنا على آذانهم وزدناهم هدى وقلبناهم بعثناهم أيضًا، أي أيقظناهم من نومهم على ما كانوا عليهم من هيئتهم في ثيابهم وأحوالهم. قال الشاعر:

وفتيــــــان صدق قد بُعثت بســـــحرة     

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ورأيت زوجك في الوغى *متقلدا سيفا ورمحا

"  فقاموا جمـــــــــيعًا بيــــــن عاث ونشوان

أي أيقظت، واللام في قوله: ليتساءلوا لام الصيرورة وهي لام العاقبة، كقوله: { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:8]، فبعثهم لم يكن لأجل تساؤلهم".

ليست تعليلية، وليست لام كيف، وإنما هي لام العاقبة والصيرورة.

"قوله تعالى: { قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19]، وذلك أنهم دخلوه غدوة، وبعثهم الله في آخر النهار، فقال رئيسهم تمليخا أو مكسلمينا: الله أعلم بالمدة.

قوله تعالى: { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19] فيه سبع مسائل:

الأولى: قال ابن عباس: كانت ورقهم كأخفاف الربع، ذكره النحاس. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم: بورِقكم بكسر الراء. وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم :"بورْقكم" بسكون الراء، حذفوا الكسرة؛ لثقلها، وهما لغتان. وقرأ الزجاج: "بوِرْقكم" بكسر الواو وسكون الراء. ويروى أنهم انتبهوا جياعًا، وأن المبعوث هو تمليخا، كان أصغرهم، فيما ذكر الغزنوي.

 والمدينة: أفسوس ويقال: هي طرسوس، وكان اسمها في الجاهلية أفسوس، فلما جاء الإسلام سموها طرسوس. وقال ابن عباس: كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم.

الثانية: قوله تعالى: { فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف:19]، قال ابن عباس: أحل ذبيحة؛ لأن أهل بلدهم كانوا يذبحون على اسم الصنم، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم. قال ابن عباس: كان عامتهم مجوسًا. وقيل: أزكى طعاما أي أكثر بركة. قيل: إنهم أمروه أن يشتري ما يظن أنه طعام اثنين أو ثلاثة؛ لئلا يطلع عليهم، ثم إذا طُبخ كفى جماعة، ولهذا قيل ذلك الطعام الأرز. وقيل: كان زبيبًا. وقيل: تمرًا، فالله أعلم. وقيل: "أزكى" أطيب. وقيل: أرخص.

{ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف:19] أي بقوت.

{ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف:19]  أي في دخول المدينة وشراء الطعام.

{وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف:19] أي لا يخبرن. وقيل: إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه.

{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف:20].

 قال الزجاج: معناه بالحجارة، وهو أخبث القتل. وقيل: يرموكم بالسب والشتم، والأول أصح، لأنه كان عازمًا على قتلهم كما تقدم في قصصهم. والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله عقوبة مخالفة دين الناس؛ إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين، من حيث إنهم يشتركون فيها.

الثالثة: في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها. وقد وكل".

لأنهم وكلوا واحدًا منهم يشتري لهم الطعام.

وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلاً عند عثمان- رضي الله عنه-، ولا خلاف فيها في الجملة. والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام، ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة، أي يحفظهم، وأمية مشرك، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك؛ مجازاة لصنعه. روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال: كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن، قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبته عبد عمرو... وذكر الحديث. قال الأصمعي: صاغية الرجل: الذين يميلون إليه ويأتونه، وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى. من كتاب الأفعال.

الرابعة: الوكالة".

الأفعال لمن؟

طالب: ...........

أصغى إلى الشيء مال إليه، والظاهر لا سيما إذا كان الكلام يحتاج إلى شدة انتباه؛ لضعف الصوت، أو للإسرار به يصغي إليه، يقول: من كتاب الأفعال، الأفعال لمن؟

طالب: ...........

لا لا. فيه ثلاث كتب كلها مطبوعة باسم الأفعال، ثلاثة كتب في الأفعال كلها مطبوعة، غير لامية الأفعال لابن مالك، غيرها، الأفعال يعني كتب شاملة للأفعال، لمن؟

طالب: ...........

نعم؟

طالب: ...........

لا لا.

طالب: ...........

لا لا، ثلاث كتب منها في مجلد لابن القوطية، في ثلاث مجلدات لابن القطاع، وفيه خمسة مطبوع للسراقسطي، كلها مطبوعة، كتب مهمة، كلها شاملة، ومهمة لطالب العلم.

طالب: ...........

نعم لابن القوطية، ولابن القطاع.

طالب: ...........

هذا حكاية واقع، إذا أسلم الرجل لزم أن يتغير اسمه. النبي - صلى الله عليه وسلم - غيَّر الأسماء المعبَّدة لغير الله، وأما ما يُذكر من استثناء عبد المطلب، وما يوجد في الصحابة من اسمه عبد المطلب ولا غيَّره النبي – عليه الصلاة والسلام – فالصواب في اسمه المطلب، وليس عبد المطلب.

طالب: ...........

نعم هذا اسمه، هذا كان متلبسًا بشرك، ما يقال له: غيِّر اسمك، تلبَّس بالشرك الأكبر، لكن إذا اسلم بقيت هذه عنده المخالفة فلا بد من تغييرها.

طالب: ...........

نعم، الكافر لا يغيّر اسمه.

طالب: ...........

عبد الرحمن بن عوف؟

طالب: ...........

 نعم، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبه، صحيح أن هذا اسمه في الجاهلية، ولعله قبل النهي والتغيير، قبل الأمر بالتغيير. 

"الرابعة: الوكالة عقد نيابة، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه، وقيام المصلحة في ذلك؛ إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره، أو بترفه فيستنيب من يريحه. وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب؛ منها هذه الآية، وقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60]، وقوله: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} [يوسف:93 وأما من السنة فأحاديث كثيرة؛ منها: حديث عروة البارقي، وقد تقدم في آخر الأنعام. روى جابر بن عبد الله قال:  «أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر، فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته». خرجه أبو داود. والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية."

النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى لعروة البارقي درهمًا واشترى به شاة، فباعها، واشترى بثمنها شاتين، هذه كلها بالوكالة.

"الخامسة: الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه، فلو وكل الغاصب لم يجز، وكان هو الوكيل؛ لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه.

 السادسة: في هذه الآية نكتة بديعة، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه".

غير المالك لا يجوز له أن يوكل؛ لأنه لا يجوز له أن يتصرف، فمن يوكِّله من باب أولى لا يجوز له أن يتصرف، فالوكيل فرع عن الأصيل، وإذا كان الأصيل لا يجوز تصرفه، فالوكيل من باب أولى.

"السادسة: في هذه الآية نكتة بديعة، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد؛ لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم. وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه، فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها. وقال أبو حنيفة وسحنون : لا تجوز. قال ابن العربي: وكأن سحنون تلقَّفه من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت؛ إنصافا منهم، وإذلالاً لهم، وهو الحق، فإن الوكالة معونة، ولا تكون لأهل الباطل.
قلت: هذا حسن، فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا، وإن كانوا حاضرين أصحاء. والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال: «كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنّ من الإبل، فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنًّا فوقها، فقال: أعطوه فقال: أوفيتني أوفى الله لك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خيركم  أحسنكم قضاءً»، لفظ البخاري. فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه، وذلك توكيد منه لهم على ذلك، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضًا ولا مسافرًا. وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما: إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه، وهذا الحديث خلاف قولهما.

السابعة: قال".

كأن مأخذ سحنون وأبي حنيفة أنه لو كان الحاضر محقًّا، وعنده حق لما تخلَّف من إقامة الدعوة بنفسه، لكنه يخشى أن ينكشف أمره، ويظهر، ولعل هذا الوكيل إذا خُصِم أن يقول موكله: لم يستطع أن يبين عما فينفسي، وإن خَصَم استفاد الموكل، وهذه قد ينظر إليها بعض الناس، لكن إذا كان محقًّا، فلا مانع من التوكيل، وإن كان مبطلاً، فلا، وهذا ظاهر.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

وكالة عبد الرحمن بن عوف؟

طالب: ...........

المعروف بالسادسة، الوكالة إنما كانت مع التقية، كانوا خائفين على أنفسهم، جاز لهم أن يوكلوا من يرعى مصالحهم في البلد الذي هاجروا منه، وهذا شأن كل خائف، إذا كان لا يستطيع أن يبرز، خائفًا على نفسه، أو على ماله يوكل، كثير من المسلمين في بلاد الكفار لا يستطيعون إستخراج حقوقهم إلا بواسطة من يحسن التعامل مع قومه، نعم وهذا ظاهر ، والله المستعان، نعم.

"السابعة: قال ابن خويز منداد: تضمَّنت هذه الآية جواز الشركة؛ لأن الورق كان لجميعهم، وتضمنت جواز".

ولأن هؤلاء السبعة ما الذي دعاهم إلى أن يوكلوا واحدًا أن يشتري لهم إلا أنهم خافوا على أنفسهم لو ذهبوا جملة جميعًا للفتوا الأنظار، وانتبه الناس إليهم، لكن واحد يندس بين الناس، ويشتري، ما ينتبه له.

طالب: ...........

نعم معروف من أئمة المالكية.

طالب: ...........

من الأندلس معروف، ويُدرس كثيرًا في كتبهم، وله مؤلفات لكن ما وصلتنا.

"وتضمنت جواز أكل الرفقاء، وخلطهم طعامهم معًا، وإن كان بعضهم أكثر أكلًا من الآخر، ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة:220] حسبما تقدم بيانه في "البقرة". ولهذا قال".

الخلطة في الأكل والشرب في النهد الذي يسميه الناس القطة، والنهد يسمى؛ كل واحد يؤخذ منه مبلغ كذا للنفقة، من حين أن يخرجوا من بلدهم إلى أن يعودوا إليه، ولو كان بعضهم أكثر أكلًا من بعض، هذه الزيادة وهذا النقص مما تعارف الناس على التسامح فيه.

"ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه: إن ذلك جائز. وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه: إن ذلك جائز. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكَّل من اشترى له أضحية . قال ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفردًا، فلا يكون فيه اشتراك. ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين: أحدهما: أن ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرًا فقال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه».  الثاني".

نعم نهى أن يأكل أحد الآكلين أكثر من تمرة. تمرتين، ثلاثًا في آن واحد، وغيره يأكل تمرة واحدة، فإذا استأذن فلا بأس؛ لأن الأمر لا يعدوهم، أما من غير استئذان، فلا يأكل بالاقتران؛ اثنتين، ثلاثة، أو أكثر وهم يأكلون على واحدة. والله المستعان.

طالب: ...........

في كل شيء نعم.

"الثاني: حديث أبي عبيدة في جيش الخَبَط. وهذا".

هذا في المتميز، أما غير المتميز بنفسه فلا يقاس عليه، ما يقال: أنت لا تأكل لقمة أكبر من لقمة من بجوارك والذي يأكل معك، لا بد أن تتساووا في المقدار، لا، أما المتميز بنفسه، ويمكن قسمته من ذوات الأعداد فالاقتران منهي عنه.

طالب: ...........

سببه الشراهة، والزيادة في الأكل، والنهم، كل هذا مكروه.

"وهذا دون الأول في الظهور؛ لأنه يحتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافًا من ذلك القوت، ولا يجمعهم عليه.

قلت: ومما يدل على خلاف هذا من الكتاب قوله تعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة:220]  ، وقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}  [النور:61] على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

 قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الكهف:21] أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم. و"أعثر" تعدية عثر بالهمزة، وأصل العثار في القدم".

طالب: ...........

هو تكلم في الكلام الإجمالي سابقًا. الكلام المجمل السابق فيه، فراجعه.

طالب: ...........

نعم؟

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

نعم، اختصر، جاء بالآيات إجمالاً، ثم فصَّلها.

"{لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف:21] يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم. وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون، وملك أهل تلك الدار رجل صالح، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور، فشكَّ في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا: إنما تُحشر الأرواح، والجسد تأكله الأرض. وقال بعضهم: تُبعث الروح والجسد جميعًا، فكبر ذلك على الملك، وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرَّع إلى الله تعالى في حجة وبيان، فأعثر الله على أهل الكهف، فيقال: إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها".

حصلت لهم هذه الحيرة؛ لأنه لا يوجد عندهم من يدلُّهم على القول الحق المنزل من الله - جل وعلا-، ولذا صرَّح جمع من أهل العلم أنه لا يجوز البقاء في بلد ليس فيه عالم يُستفتى في أمر الحلال والحرام، تمر به أشياء لا يعرف حكمها، فكيف يتصرف؟

هم اختلفوا في هذه المسألة، يعني إن صحَّ خبرهم، فلم يجدوا من يدلُّهم على القول الصحيح، فعمل ملكهم ما عمل، وحصل ما حصل من الاستدلال بأصحاب القصة المذكورة في هذه السورة، ولهذا لا بد من سؤال أهل العلم، وكما قال أهل العلم: لا يجوز البقاء في بلد ليس فيه عالم؛ لأنه يعرض للمسلم أمور من حلال، وحرام، أمور يجب أن يفعلها، وأمور لا يجب الإتيان بها، فكيف يتصرف فيها؟ وهو لا يعرف، ولا يوجد عنده من يعرف؟ والله المستعان.

"فيقال: إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استُنكِر شخصه واستُنكرت دراهمه لبعد العهد، فحمل إلى الملك، وكان صالحًا قد آمن من معه، فلما نظر إليه قال: لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم، وسأل الفتى فأخبره، فسُر الملك بذلك وقال: لعل الله قد بعث لكم آية، فلنسر إلى الكهف معه، فركب مع أهل المدينة إليهم، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا: أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا، فدخل عليهم فأعلمهم الأمر، وأن الأمة أمة إسلام، فرُوي أنهم سُرّوا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظَّموه وعظَّمهم ثم رجعوا إلى كهفهم. وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدَّثهم تمليخا ميتة الحق، على ما يأتي. ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين. فهذا معنى أعثرنا عليهم.

{لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف:21] أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق، والبعث حق. {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} [الكهف:21]، وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم، وهابوا الدخول عليهم، فقال الملك: ابنوا عليهم بنيانًا، فقال الذين هم على دين الفتية: اتخذوا عليهم مسجدًا. وروي أن طائفة كافرة قالت: نبني بِيعة أو مضيفًا، فمانعهم المسلمون وقالوا: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:21]، وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم، وتركهم فيه مغيبين. وروي عن عبد الله بن عمر أن الله تعالى أعمى على الناس حينئذ أثرهم، وحجبهم عنهم، فلذلك دعا إلى بناء البنيان؛ ليكون معلمًا ".

دعا الملك؟ فلذلك دعا إلى الملك إلى بناء البنيان.

طالب: ...........

عندك دعا الملك؟

طالب: فلذلك دعا.

عندك أنت؟

طالب: ...........

نعم، الملك، هذه بعض النسخ.

"فلذلك دعا الملك إلى بناء البنيان؛ ليكون معلمًا لهم، وقيل: إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب. فأتاه آتٍ منهم في المنام فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل، فإنا من التراب خُلقنا وإليه نعود، فدعنا.

 وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة؛ فاتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها، والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز؛ لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال» : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوَّارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».  قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة، حديث ابن عباس حديث حسن. وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة»، لفظ مسلم. قال علماؤنا: وهذا".

وجاء في الحديث الصحيح: »لعنة الله على اليهود، والنصارى اتخذوا قبور  أنبيائهم مساجد»، وفي رواية: »قاتل الله اليهود، والنصارى»، وفي رواية أخرى: »اشتد غضب الله».

المقصود أن اتخاذ المساجد على القبور أمر محرم، فلا يجوز بناء المسجد على القبر، كما لا يجوز الصلاة في المقبرة، صلاة المقبرة لا تجوز؛ »لا تصلوا الى القبور، ولا تجلسوا عليها»، كما في الحديث الصحيح.

طالب: ...........

الذي صرّح به أهل العلم من أئمة الدعوة وغيرهم أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، وأن القبر إذا كان هو السابق يهدم المسجد، وإذا كان السابق المسجد ينبش القبر.

طالب: ...........

لا لا ما ينفع؛ لأنه داخل المسجد، المقصود أنه في حيز المسجد.

"قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد. وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: » لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» لفظ مسلم. أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. فحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك، وسدَّ الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال: »اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد»، وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: »لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، يحذِّر ما صنعوا".

 استشكل ذكر النصارى هنا، وهو أنهم ليس لهم إلا نبي واحد، ولم يُقبَر أيضًا، ليس له قبر؛ لأنه رُفع حيًّا، نعم رُفع حيًّا، ليس له قبر، فكيف يأتي لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم مساجد؟

يجيب أهل العلم على هذا بأن أنبياء اليهود هم أنبياء النصارى؛ لأنه يجب عليهم الإيمان بهم، وفي بعض الروايات: »اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم»، وعلى هذا يكون اليهود اتخذوا قبور الأنبياء، والنصارى اتخذوا قبور الصالحين.

وروى مسلم عن جابر قال» : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُجصص القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه»، وخرجه أبو داود والترمذي أيضًا عن جابر قال» : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُجصص القبور وأن يُكتب عليها وأن يُبنى عليها وأن تُوطأ»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما".

يذكر عن الإمام مالك أنه رخَّص في الجلوس على القبر، وذكر في هذا أثرًا عن ابن عمر، وحمل النهي الوارد في قوله: ولا تجلسوا عليها، أنه الجلوس لقضاء الحاجة، لكنه خلاف الظاهر، وجمهور أهل العلم على تحريم الجلوس على القبر.

"قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته، - في رواية :- ولا صورة إلا طمستها، وأخرجه أبو داود والترمذي، قال علماؤنا: ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها، وأن تكون لاطئة. وقد قال به بعض أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم، ويبقى للقبر ما يُعرف به ويحترم".

مقدار شبر عن القبر لا بأس.

 "وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ-، وقبر أبينا آدم -صلى الله عليه وسلم-، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس، وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيمًا وتعظيمًا".

طالب: ...........

بلى، ومكانه أيضًا مجهول، مكانه مجهول، ابن بطوطة في رحلته طلع إلى جبل مدة طويلة، أيام بل أسابيع يمشي يصعد الجبل؛ لينظر ما يُذكر من قدم آدم -عليه السلام- لما أُهبط إلى الأرض، وكل هذا ليس عليه أثارة من علم، ولكن ظنون.

"وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيمًا وتعظيمًا فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهًا بمن كان يعظم القبور ويعبدها. وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال: هو حرام. والتسنيم في القبر: ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير. ويُرش عليه بالماء؛ لئلا ينتثر بالريح".

التراب ينتشر إذا لم يُرش بالماء نعم.

 "وقال الشافعي: لا بأس أن يطين القبر. وقال أبو حنيفة: لا يُجصص القبر ولا يُطين ولا يُرفع عليه بناء فيسقط. ولا بأس بوضع الأحجار؛ لتكون علامة؛ لما رواه أبو بكر الأثرم قال: حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة، وعلَّمته بصخرة. ذكره أبو عمر".

لا بأس من وضع العلامات اليسيرة، ليستدل بها على أن هذا قبر، ويستدل بها على أن هذا قبر فلان، لكن لا يكون بذلك بناية، ولا زخرفة، ولا كتابة، ولا نقوش، يعني لو وضع علامات يُستدل بها على أن هذا قبر فلان من غير أن يتميز عن غيره من القبور، ويُشاهد في المقابر في السنوات الأخيرة وجود بعض الأمور التي يتصرف بعض الناس بوضعها، فيجعلها علامات، إما عصيان طويلة مرتفعة، أو قطع من الخشب أو من الحديد، كل هذا لا ينبغي، لا ينبغي أن يُميَّز شخص؛ لئلا يطول الزمان، ويندرس العلم، ثم بعد ذلك يكون ذلك سببًا في تمييزه في القلوب، وعبادته من دون الله، مثل هذا لا يجوز، لكن لو وضع حجر صغير علامة تدل على أن هذا فلان ولو وضع على جميع القبور هذا فلا بأس. لكن لا يُميز أحد على غيره.

طالب: ...........

لا لا قبل النهي.

طالب: ...........

نعم خسفت بعض القبور.

طالب: ...........

لا، ما يصلح، هذه بناية، فإذا خسفت يوضع عليها التراب، وتسوى من جديد، بعض الجهات عندهم الأرض لا تتماسك، فيوضع لها شيء يمسكها في جوف القبر؛ لئلا ينهدم على صاحبه. المقصود أن الحاجة تُقدَّر بقدرها، وبأمر لا يدل على تعظيم الشخص، وغيره.

طالب: ...........

على كل حال وضع مكة، ومقبرة الملز هذه لها وضع خاص؛ لأنها تُخرج الأموات منها بعد مدة يخرجونها منها، ويُقبَر فيها غيرها.

 على كل حال إذا وُجِدت المقبرة التي على الجادة حيث يُدفن في هذه الحفرة، ولا يُميَّز عن غيره، ولا يُخرَج من هذه المقبرة إلا للضرورة القصوى فهذا هو الأصل، والله المستعان.

طالب: ...........

التراب؟

طالب: ...........

لا، التراب لا قيمة له، لكن إذا خُشي أن يُتبرك به، أو يجر إلى تعظيم هذا التراب، فحماية جناب التوحيد أمر لا بد منه، سد جميع الطرق الموصلة للشرك أمر لا بد منه.

طالب: ...........

على كل حال إذا وجد أن المصلحة بذلك بغير تمييز، لكن على كل حال الصبات تشبه البناية، نعم.

"وأما الجائزة: فالدفن في التابوت؛ وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة".

الرخوة مثلثة، لكن أشهرها الكسر.

"لا سيما في الأرض الرخوة، روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يُتخذ له تابوت من زجاج، ويلقى في ركية؛ مخافة أن يعبد، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين -، فدلته عليه عجوز، فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام -. وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه: اتخذوا لي لحدًا، وانصبوا علي اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم، اللحد: هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة، إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويُسد عليه باللبن. وهو أفضل".

اللحد: الميل إلى جهة القبلة في القبر، ومنه الإلحاد، وهو الميل عن الجادة.

طالب: ...........

نعم، الحدوا الحدوا، المقصود بـ اللحد لنا، والشق لغيرنا، أنه إذا لم يمكن لحد الأرض، فلا بأس بالشق، يدفن في شق من الأرض إذا لم يمكن صدع الأرض بأن كانت رخوة بحيث إذا لُحِدت انهدم.

"وهو أفضل عندنا من الشق؛ لأنه الذي اختاره الله تعالى لرسوله- صلى الله عليه وسلم -. وبه قال أبو حنيفة قال: السنة اللحد. وقال الشافعي: الشق. ويكره الآجر في اللحد وقال الشافعي: لا بأس به؛ لأنه نوع من الحجر. وكرهه أبو حنيفة وأصحابه؛ لأن الآجر لإحكام البناء، والقبر وما فيه للبلى، فلا يليق به الإحكام. وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر. وقيل: إن الآجر أثر النار، فيكره تفاؤلاً، فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر. قالوا: ويستحب اللبن والقصب؛ لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب. وحكي عن الشيخ".

مخرج هذا؟ مخرج؟

طالب: ...........

على كل حال تزيين القبور، وتحسينها، وتشييدها والعناية بها كل هذه الأمور محرمة، جاء النهي عنها، فإذا نُهي الإنسان أن يسرف في بناء بيته الذي يسكنه، ويستقبل فيه ضيوفه، وهو مأواه ومأوى أولاده، إذا نهي عن الإسراف في ذلك من أمر الدنيا، ونهي عن زحرفة المساجد، يعني فمن باب أولى القبور، والله المستعان.

طالب: ...........

نعم؟

طالب: ...........

لا، الأمة الأفضل في حقها اللحد.

"وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي-  رحمه الله - أنه جوَّز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض. وقال: لو اتّخذ تابوت من حديد فلا بأس به، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب، وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت، ويُجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد.

قلت: ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن المدينة سبخة، قال شقران: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر.  قال أبو عيسى الترمذي:  حديث شقران حديث حسن غريب.

قوله تعالى: { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] الضمير في سيقولون يراد به أهل التوراة ومعاصري محمد - صلى الله عليه وسلم -. وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص. وقيل: المراد به النصارى، فإن قومًا منهم حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم –".

لأن منهم من قال: خمسة، ومنهم من قال: ثلاثة، ومنهم من قال: خمسة، ومنهم من قال: سبعة، هذا الخلاف كله مردّه إلى التخرص، ولذا لما ذكر الله – جل وعلا - هذا الخلاف قال: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف:22]، يعني من غير دليل، ثم أقر القول الراجح من هذه الأقوال، بعد أن حكم على الأقوال الأخرى بالضعف، ولذا يرى أهل العلم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، استنباطًا من هذه الآية أن العالم أو المتعلم إذا ساق الخلاف، أن يسوق الأقوال بأدلتها، ويزيِّف المرجوح، ويقر الراجح بدليله.

"وقيل: المراد به النصارى؛ فإن قومًا منهم حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم – من نجران، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبية: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقالت النسطورية: كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وقال المسلمون: كانوا سبعة ثامنهم كلبهم. وقيل: هو إخبار عن اليهود الذين أمروا المشركين بمسألة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أصحاب الكهف. والواو في قوله: وثامنهم كلبهم طريق النحويين أنها واو عطف دخلت في آخر إخبار عن عددهم؛ لتفصِّل أمرهم، وتدل على أن هذا غاية ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام. وقالت فرقة منها ابن خالويه: هي واو الثمانية. وحكى الثعلبي عن أبي بكر بن عياش، أن قريشًا كانت تقول في عددها ستة سبعة وثمانية، فتدخل الواو في الثمانية. وحكى نحوه القفال".

واو الثمانية هذه قال بها جمع من أهل العلم، ولم يرها آخرون. جاءت في هذا المقام، وفي قوله- جل وعلا –  في سورة التوبة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:112]، لما كان الناهون عن المنكر هو الثامن في العدة، دخلت عليها الواو، ومنها في آخر الزمر.

طالب: ...........

 لا لا.

طالب: {وفتحت أبوابها}.

هناك فتحت أبوابها؛ لأنها سبعة، أبواب جهنم. وفي الجنة: وفتحت بالواو؛ لأنها ثمانية. المقصود أنه فيه شيء من الاطراد في هذه النصوص، لكن أكثر أهل العلم قالوا: لا يوجد شيء اسمه واو الثمانية، وأيضًا في سورة التحريم: {إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } [التحريم:5] الثامن، فهي شبه مضطردة.

"فقال: إن قوما قالوا العدد ينتهي عند العرب إلى سبعة، فإذا احتيج إلى الزيادة عليها استؤنف خبر آخر بإدخال الواو، كقوله: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة:112].

 ثم قال: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ} [التوبة:112]. يدل عليه أنه لما ذكر أبواب جهنم {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71].

بلا واو، ولما ذكر الجنة قال: وفُتحت أبوابها بالواو. وقال: {خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} [التحريم:5]، ثم قال: وأبكارًا فالسبعة نهاية العدد عندهم كالعشرة الآن عندنا. قال القشيري أبو نصر: ومثل هذا الكلام تحكُّم، ومن أين السبعة نهاية عندهم ثم هو منقوض بقوله تعالى:  {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23]، ولم يذكر الاسم الثامن بالواو.

وقال قوم ممن صار إلى أن عددهم سبعة: إنما ذكر الواو في قوله: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} [الكهف:22]؛ لينبه على أن هذا العدد هو الحق، وأنه مباين للأعداد الأخر التي قال فيها أهل الكتاب، ولهذا قال تعالى في الجملتين المتقدمتين. {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف:22]،  ولم يذكره في الجملة الثالثة، ولم يقدح فيها بشيء، فكأنه قال لنبيه: هم سبعة وثامنهم كلبهم. والرجم: القول بالظن، يقال لكل ما يخرص: رجم فيه ومرجوم ومرجم، كما قال: قلت: قد ذكر الماوردي والغزنوي: وقال ابن جريج ومحمد بن إسحاق كانوا ثمانية، وجعلا قوله تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] أي صاحب كلبهم. وهذا مما يقوي طريق النحويين في الواو، وأنها كما قالوا. وقال القشيري: لم يذكر الواو في قوله: رابعهم سادسهم، ولو كان بالعكس لكان جائزا، فطلب الحكمة والعلة في مثل هذه الواو تكلُّف بعيد، وهو كقوله في موضع آخر: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر :4].  وفي موضع آخر: { إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ}. [الشعراء:208] ".

يعني لماذا جيء بالواو هنا إلا ولها، ولم يُؤت بالواو في الموضع الآخر إلا لها، ومثل هذه الدقائق زيادة الواو في موضع، وعدم زيادتها في موضع، إبدال الواو بالفاء، وغير ذلك من الأمور اليسيرة، الاختلاف في الآيات المتشابهة في الشيء اليسير، أُلف فيه كتب من أنفسها كتاب اسمه درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي لماذا عُبِّر هنا بالواو؟ وهناك بالفاء، هنا ذكر الواو، ولم تذكر الفاء، هناك آيات متشابهة ثلاث آيات، أربع آيات، لكن تجد بينها فروقًا يسيرة جدًّا إما أن تبدل الواو بالفاء، أو العكس، أو تحذف الواو وتذكر في آية أخرى، هو يبين هذه الأسباب، كتاب طيب لا يستغني عنه طالب علم، درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي.

طالب: ...........

 مطبوع مرارًا.

"قوله تعالى: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} [الكهف:22] أمر الله تعالى نبيه - عليه السلام - في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه - عز وجل-. ثم أخبر أن عالم ذلك من البشر قليل. والمراد به قوم من أهل الكتاب، في قول عطاء. وكان ابن عباس يقول: أنا من ذلك القليل، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، ثم ذكر السبعة بأسمائهم، والكلب اسمه قطمير كلب أنمر، فوق القلطي ودون الكردي. وقال محمد بن سعيد بن المسيب: هو كلب صيني. والصحيح أنه زبيري. وقال: ما بقي بنيسابور محدّث إلا ".

كل هذا مما  ليس إليه حاجة، اسمه ولونه وحجمه، كل هذه أمور لا يُحتاج إليها، ولو كانت مما يُحتاج إليها لبيَّنها الله في كتابه أو على لسان نبيه- عليه الصلاة والسلام-.

"وقال: ما بقي بنيسابور محدث إلا كتب عني هذا الحديث إلا من لم يقدر له. قال: وكتبه أبو عمرو الحيري عني.

قوله تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف:22]  أي لا تجادل في أصحاب الكهف إلا بما أوحيناه إليك، وهو رد علم عدتهم إلى الله تعالى. وقيل: معنى المراء الظاهر أن تقول: ليس كما تقولون، ونحو هذا، ولا تحتج على أمر مقدر في ذلك. وفي هذا دليل على أن الله تعالى لم يبين لأحد عددهم، فلهذا قال:  {إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف:22] أي ذاهبًا، كما قال:

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.

ولم يبح له في هذه الآية أن يماري، ولكن قوله: إلا مراء استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب. سُميت مراجعته لهم مراءً ثم قيد بأنه ظاهر، ففارق المراء الحقيقي المذموم. والضمير في قوله فيهم".

ففارق المراءُ الحقيقي المذمومَ، يعني فيه فرق بين المراء الحقيقي والمماراة والمجادلة بالحق لبيان الحق فهذا حق، ومماراة السفهاء، وإظهار التعالم، والتعالي على الناس هذا باطل.

"ففارق المراء الحقيقي المذموم. والضمير في قوله: {فيهم} عائد على أهل الكهف، وفي قوله: {منهم} عائد على أهل الكتاب المعارضين، وفي قوله: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} [الكهف:22] يعني في عدتهم، وحذفت العدة؛ لدلالة ظاهر القول عليه.

 قوله تعالى: {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف:22] روي أنه - عليه السلام - سأل نصارى نجران عنهم فنُهي عن السؤال، وفي هذا دليل على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم ".

نعم، لا يجوز أن نرى في كتب أهل الكتاب، ولا يجوز سؤالهم فيما يتعلق بأمر الدين، ولذا ألّف الحافظ السخاوي كتابًا أسماه الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل، وإنكار النبي - عليه الصلاة والسلام - على عمر - رضي الله عنه - دليل على ذلك، لكن إذا احتيج إلى ما في كتبهم؛ لبيان تناقضها، ووضوح تحريفها، وتصحيفها، والتلاعب بها، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره، فالأمور بمقاصدها، وهكذا التعامل مع كتب أهل البدع، كتب أهل البدع لا يجوز النظر فيها إلا لمن أراد الرد عليها لمن تأهّل لذلك، أما من يُخشى عليه التأثر منها فلا يجوز له النظر فيها بحال.

 وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.