شرح مقدمة صحيح مسلم (07)

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وقال محمد سمعت علي بن شقيق يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف، وحدثني أبو بكر أبو النضر بن أبي النضر قال حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم قال حدثنا أبو عقيل صاحب بهية قال كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن تُسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج أو علم ولا مخرج قال فقال له القاسم وعم ذاك؟ قال لأنك ابن إمامي هدى ابن أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- قال يقول له القاسم أقبح والله من ذلك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ من غير ثقة قال فسكت فما جابه، وحدثني بشر بن الحكم العبدي قال سمعت سفيان بن عيينة: يقول أخبروني عن أبي عقيل صاحب بُهيَّة أن أبناء لعبد الله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم فقال له يحيى بن سعيد والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى- يعني عمر وابن عمر- تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم فقال أعظم من ذاك والله عند الله وعند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو أخبر عن غير ثقة، قال وشهدهما أبو عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك، وحدثنا عمرو بن علي أبو حفص قال سمعت يحيى بن سعيد قال سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكا وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه قال أخبر عنه أنه ليس بثبت، وحدثنا عبيد الله بن سعيد قال سمعت النضر بن شميل يقول سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب فقال إن شهرا نزكوه، قال مسلم رحمه الله يقول أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه، وحدثني حجاج بن الشاعر قال حدثنا شبابة قال قال شعبة وقد لقيت شهرا فلم أعتد به، وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال أخبرني علي بن حسين بن واقد قال قال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان الثوري إن عباد بن كثير من تعرفها له وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس لا يأخذوا عنه؟ قال سفيان بلى، قال عبد الله فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول لا تأخذوا عنه، حدثنا محمد قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال قال أبي قال عبد الله بن المبارك انتهيت إلى شعبة فقال هذا عباد بن كثير فاحذروه، وحدثني الفضل بن سهل قال سألت معلا الرازي عن محمد بن سعيد الذي روى عنه عباد بن كثير فأخبرني عن عيسى بن يونس قال فأخبرني عن عيسى بن يونس قال كنت على بابه وسفيان عنده فلما خرج سألته عنه فأخبرني أنه كذاب، وحدثني محمد بن أبي عتاب قال حدثني عفان عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث، قال ابن أبي عتاب فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان فسألته عنه فقال عن أبيه لم تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث، قال مسلم يقول يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب، وحدثني الفضل بن سهل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرني خليفة بن موسى قال دخلت على غالب بن عبيد الله فجعل يملي عليّ حدثني مكحول قال حدثني مكحول حدثني مكحول فأخذه البول فقام فنظرت في الكراسة قال فإذا فيها حدثني أبان عن أنس وأبان عن فلان فتركته وقمت، قال وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام قال حديث عمر بن عبد العزيز قال هشام حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان عن محمد بن كعب قال قلت لعفان إنهم يقولون هشام سمعه من محمد بن كعب فقال إنما ابتلي من قبل هذا الحديث كان يقول حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد، حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال سمعت عبد الله بن عثمان بن جبلة يقول قلت لعبد الله بن المبارك من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبد الله بن عمرو يوم الفطر يوم الجوائز؟ قال سليمان بن الحجاج انظر ما وضعت في يدك منه، قال ابن قهزاذ وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد الملك قال قال عبد الله- يعني ابن المبارك- رأيت روح ابن أطيفن صاحب الدم قدر الدرهم وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحي من أصحابي أن يروني جالسا معه كرِه حديثه.

 

كرْه حديثِه يعني أني أكرهه.

وحدثني ابن قهزاذ قال سمعت وهبا يقول عن سفيان عن عبد الله بن المبارك قال بقيةٌ صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وقال محمد" وهو ابن عبد الله بن قهزاذ السابق، وذكرنا في آخر الدرس الماضي أن السنوسي في شرحه يقول: وقع في كثير من الأصول إثر قول ابن المبارك يعني هنا في هذا الموضع إثر قول ابن المبارك ليس في الصدقة اختلاف ترجمة نصها "باب الكشف عن معايب رواة الحديث وناقل الآثار وقول الأئمة في ذلك" ومعلوم أن هذه التراجم ليست من وضع الإمام مسلم كما أشرنا مرارا في المسألة السابقة وهي الصيام عن الغير أو الصلاة عن الغير في الحديث السابق يقول عياض أجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وإنما الخلاف في الميت، يعني إذا مات هل يصام عنه "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" لأن الخبر الذي سيق: "إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك" هل هذا من البر؟ هل هذا ثابت؟ هذا ليس بصحيح وهذا الحديث مثل ما ذكرنا منسوب للدارقطني ولم أقف عليه فيه، ومع ذلك هو معضل، قال عياض: أجمعوا على أنه لا يُصلى عنه صلاة غائبة وعلى أنه فائتة وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وإنما الخلاف والجمهور على أنه لا يصام عن ميت أيضا شيء لا نذر ولا غير نذر، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعن ابن عباس وبه قال مالك وأبو حنيفة ونسبه عياض للجمهور، والمذهب عند الحنابلة وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في حديث «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» أنه في النذر الذي أوجبه على نفسه، وأما ما وجب في أصل الشرع من العبادات البدنية فإنه لا يقبل النيابة، وبعض أهل العلم يجعل النيابة في هذا في النذر وغيره «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» عليه صوم نكرة في سياق الشرط فتعم أي صوم، وشيخ الإسلام رحمه الله يرجح قول الحنابلة في هذه المسألة بعد الترجمة التي ذكرها السنوسي "وقال محمد" وهو ابن عبد الله بن قهزاذ الذي تقدم ذكره أكثر من مرة، "سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف" وسب السلف لا يعرف إلا عن فرقة واحدة هي الرافضة؛ ولذا يقرر شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- أنه ليس لهم في الخمس نصيب؛ لأن الله- جل وعلا- قال في الذين يقسم بينهم الخمس        الحشر: ١٠  إلى آخره، فهؤلاء يسبونهم ويلعنونهم فلا نصيب لهم في الخمس،  فدعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف، عمرو بن ثابت بن أبي المقدام قال عنه الحافظ الذهبي في المغني متروك، وقال أبو داود رافضي، ثم قال "وحدثني أبو النضر أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال حدثني أبو النضر هاشم بن قاسم قال حدثنا أبو عقيل صاحب بُهيَّة" يقول النووي- رحمه الله- في شرحه: أبو عقيل بفتح العين وبُهية بضم الباء الموحدة وفتح الهاء وتشديد الياء وهي امرأة تروي عن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- قيل إنها سمتها بُهية -يعني عائشة- ذكره أبو علي الغساني في تقييد المهمل، وروى عن بهية مولاها أبو عقيل واسمه يحيى بن المتوكل الضرير المدني وقيل الكوفي، وقد ضعفه يحيى بن معين وعلي بن المديني وعمرو بن علي يعني الفلاس وعثمان بن سعيد الدارمي والنسائي ذكر هذا كله الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بأسانيده عن هؤلاء، على كل حال هو مضعف لكن كيف قال الإمام مسلم حدثنا أبو عقيل صاحب بهية روى عنه وقد ضعفه هؤلاء الأئمة؟ يقول النووي: فإن قيل فإذا كان هذا حاله فكيف روى له مسلم فجوابه من وجهين: أحدهما أنه لم يثبت جرحه عنده مفسرا ولا يقبل الجرح إلا مفسرا، والثاني أنه لم يذكره أصلا ومقصودا بل ذكره استشهادا لما قبله على أنه ذكره في المقدمة التي لا ينطبق عليها شرطه رحمه الله، "قال كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله" يعني ابن عبد الله بن عمر "ويحيى بن سعيد فقال يحيى للقاسم يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرَج أو علم ولا مخرج" يعني لا يوجد عندك حل لبعض القضايا، "وأنت ابن إمامي هدى فقال له أبو القاسم وعم ذاك؟ قال لأنك ابن إمامي هدى، ابن أبي بكر وعمر، فجده لأبيه عمر وجده لأمه أبو بكر يعني بين هذين الإمامين ولا يوجد عندك حل ولا يوجد عندك جواب لما سأله؟! هذا قبيح، إن كان هذا استنهاضا لهمته فكلام طيب وصحيح، وإن كان مفاده وراثة العلم فلا فهذا ليس بصحيح فالعلم لا يورث، والأئمة الكبار خلفوا من الأولاد من أجهل الناس، وكبار العلماء قبل موته بأيام أو بساعات تصدر الأمة عن أقواله وبعد وفاته مباشرة يسأل أهله وأولاده وزوجاته عن الحداد وأحكامه، ويأتي أسئلة من بعض الناس حقيقة لو أن العلم يورث لنام الناس على أعتابهم ويسألون عن أشياء يعرفها المتوسطون من طلاب العلم، فإن كان قصده بهذا الكلام استنهاض همة لأنه ابن إمامي هدى لماذا لا يجتهد؟ صحيح قبيح بابن إمام من أئمة المسلمين أن يكون جاهلا أو عاميا لكن له ما قدر له، وليس من عيب الإمام ألا ينجح في تربية ولده أو زوجته إنما عليه أن يبذل السبب إن استفاد الولد أو الزوجة هذا هو المطلوب، وإن لم يستفد فهو بذل السبب، ونوح لم يستطع هداية ولده، ونوح ولوط لم يستطيعا هداية زوجتيهما خلافا لبعض المفتونين الموجودين الآن صنفوا كتب في العقلانية وغيرها وقالوا إن نوحا لم ينجح في دعوته فشل في دعوته أقرب الناس ما نفعه، طيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- عمه الذي نصره ما استطاع هدايته القصص: ٥٦  فمثل هذا لا يؤثر، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يهمل أولاده ولا يرفع بهم رأسا ويعتني بالناس وهو ضارب من كل باب من أبواب الدين بسهم، في الدعوة والإنفاق والعمل والتعليم والعبادة وأولاده ضائعون لا يقدم لهم نصيحة ولا لزوجاته ولا لبناته هذا يلام، لكن من بذل ما يستطيع الهداية بيد الله- جل وعلا- القلوب بيد الله، فإن كان مراده بهذا يستنهض الهمة هذا كلام طيب، وإن كان مراده بهذا أن العلم يورث فلا، فجاء الجواب من ابني الإمامين المهديين جاء الجواب فقال له القاسم "وعم ذلك؟ قال لأنك ابن إمامي هدى ابن أبي بكر وعمر" قال يقول له القاسم "أقبح من ذلك عند من عقل عن الله" يعني فهم وعقل النصوص نصوص الكتاب والسنة "أن أقول بغير علم" يعني يفتري على الله بغير علم، وبعض الناس يُحرج أن يقول لا أدري، بعض الناس يحرج ونسأل الله العفو والمسامحة هذا يحصل يحرج أن يقول لا أدري فتجده إما أن يجيب بخطأ أو يجيب بجواب لا يفيد السائل، "أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم" يعني يفتري على الله، يكذب على الله، يوقع عن الله بما لم يأت منه         ﭻﭼ الزمر: ٦٠  نسأل الله السلامة والعافية، فالذين يوقعون عن الله بغير علم هؤلاء يكذبون على الله   ﯙﯚ النحل: ١١٦  المقصود أن مثل هذا توقيع عن الله، والمفتي يقول هذا حكم الله، وقفت على كتاب أنت تسأل والإسلام يجيب، بأجوبة كلها إنشائية لا تستند إلى دليل، يقول أنت تسأل وفي جميعها ينازَع لأنها كلها من اجتهاداته ويقول أنت تسأل والإسلام يجيب، وبعض المشايخ يجيب بالدليل من الكتاب والسنة وإذا قيل له جاء السؤال ما رأي الدين في كذا قال يا أخي ما عندي رأي الدين أنا عندي الرأي الشخصي القابل للاجتهاد فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وهذا يقول أنت تسأل والإسلام يجيب فشتان ما بين النوعين والصنفين، يقول: "أو آخذ عن غير ثقة" هذا قبيح جدا أن يحمل الدين عن غير ثقة؛ لأن غير الثقة لا يؤمَن على الدين، وأيضا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، "قال فسكت فما أجاب" الجواب مقنع، ولو افترض أنه ما أجاب ولا عن مسألة ما يضيره هذا، الإشكال فيما لو أجاب عن مسألة بجواب خطأ ونسأل الله التجاوز، "قال وحدثني بشر بن الحكم العبدي قال سمعت سفيان بن عيينة يقول أخبروني عن أبي عقيل صاحب بهية أن أبناء لعبد الله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم فقال له يحيى بن سعيد والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى" يعني عمر وابن عمر في الخبر السابق يعني أبا بكر وعمر يعني عمر وابن عمر "تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم فقال أعظم من ذلك والله عند الله وعند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو أخبر عن غير ثقة قال وشهدهما أبو عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك" يعني يحيى بن المتوكل حاضر "قال وحدثنا عمرو بن علي" أبناء ماذا عندكم؟

طالب: ................

أبناء لعبد الله بن عمر سألوه هو ابن عمر هذا المتأخر ليس عبد الله بن عمر الصلب لا هذا المتأخر، عنده أبناء سألوه عن شيء لم يكن فيه عنده علم فقال له يحيى بن سعيد والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى واضح الكلام السياق ظاهر أبناؤه سألوه فما أجاب وهذا حاضر، كيف لا تجيب وأنت ابن إمامي هدى لا ليس فيه إشكال، "وحدثنا عمرو بن علي أبو حفص قال سمعت يحيى بن سعيد قال سألت سفيان الثوري وشعبة ومالك وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه قالوا أخبر عنه أنه ليس بثبت" على هذا فجرح الرواة وذكرهم بما يكرهون وإن كان ذكر الإنسان المسلم بما يكره غيبة كما جاء في الحديث الصحيح لكن هذا النوع من النصيحة لله ولرسوله ولدينه فهذا واجب، كشف أحوال الرواة واجب مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وليس المراد به عيب هؤلاء الرواة ولا النيل من أعراضهم ولا أديانهم إنما المراد النصح لله ورسوله ولدينه فمثل هذا ليس بغيبة، طيب إذا تكلم شخص ويجرح ويعدل في أناس لا أثر لهم في الرواية يعني إذا أبيح الجرح والتعديل فيما له أثر في الرواية بل يجب ذلك لأنه لا يتم الواجب إلا به فكيف يباح ويستبيح الإنسان أن يطلق لسانه في أعراض المسلمين في كلام لا أثر له وأعراض المسلمين كما يقول  ابن دقيق العيد حفرة من حفر النار قال وقف على شفيرها العلماء والحكام، قال أخبر عنه أنه ليس بثبت ولا عليك شيء، المقصود أنك لا تريد النيل من ذات الشخص ولا تتفكه بعرضه ولا تريد أن تأكل لحمه وإنما تريد أن تبين للناس أن مثل هذا لا يروى عنه، "وحدثنا عبيد الله بن سعيد قال سمعت النضر يقول سئل ابن عون عن حديث لشهر" يعني شهر بن حوشب "وهو قائم على أسكفة الباب فقال إن شهرا نزكوه إن شهرا نزكوه" يعني رموه بالنيزك ويريد أنهم تركوه، يعني رموه بما يستحق به الترك؛ ولذا جاء في بعض النسخ من الصحيح إن شهرا تركوه، قال مسلم- رحمه الله- يقول أخذته ألسنة الناس" تكلموا فيه، وحكى القاضي عن كثيرين من رواة مسلم أنهم رووه تركوه بالتاء والراء وضعفه القاضي وقال الصحيح أنه بالنون والزاي، قال وهو الأشبه بسياق الكلام، وقال غير القاضي رواية التاء تصحيف وتفسير مسلم يردها ويدل عليه إن شهرا ليس متروكا بل وثقه كثيرون من كبار أئمة السلف أو كثرهم، ممن وثقهم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وآخرون، المقصود أن شهر اتهم بسرقة خريطة فيها متاع كيس فيه متاع، وقال القائل وهو من أهل الفضل يعني هو من رواة الحديث ومن أهل الخير فاتهم بهذه التهمة والتهمة إلى الأخيار تسري بها الركبان إلى الآفاق وهكذا؛ ولذا قال القائل:

لقد باع شهر دينه بخريطة

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

ما اقتصروا على شهر فقط عمموا كل القراء غير ثقات ولا أمناء وهذا يدور في مجالس الناس وفي وسائلهم على أشده الآن، يعني لو يخطئ رجل حسبة قيل أهل الحسبة كلهم على هذه الطريقة، كلهم يحتاجون إلى تأهيل كأنهم مرضى نفسيين يحتاجون إلى تأهيل كلهم لأنه وجدت أخطاء يسيرة لو قورنت بأخطاء غيرهم صارت لا شيء، لكن هذه سنة إلهية أن من يعارض شهوات الناس لا بد أن يعارضه الناس لاسيما أصحاب الشهوات وقد مع الأسف ينطلي هذا على بعض الأخيار لأنهم يسمعون يُلقنون فيتلقنون وهذه غفلة، على كل حال قول الشاعر فرية يعني إن ثبت هذا عن شهر وكثير من أهل العلم يشكك في ثبوت هذه القصة إن ثبت عنه فهو المسؤول عنه ﯼﯽ الأنعام: ١٦٤.

..............................

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

وإذا حصلت هفوة أو زلة في حلقة من حلقات التحفيظ قيل كل من ينتسب إلى حلقات التحفيظ يتصف بهذا الوصف، هم بشر وليسوا بمعصومين يحصل منهم ما يحصل من غيرهم لكن هم أقرب الناس إلى الخير «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» هم أقرب الناس إلى الخير، فإذا اتُّهم مثل هؤلاء فغيرهم من باب أولى والله المستعان، قال- رحمه الله- "وحدثني حجاج بن الشاعر قال حدثنا شبابة وابن سوار قال قال شعبة وقد لقيت شهرا فلم أعتد به، وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال أخبرني علي بن حسين بن واقد قال قال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان الثوري أن عباد بن كثير من تعرف حاله وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس لا تأخذوا عنه قال سفيان بلى" يعني قل عنه ما تبرأ به ذمتك؛ لأن العصر عصر رواية وعصر تبليغ لا بد من جرح الرواة ولو كانوا خيارا عدولا في أنفسهم أهل دين لكن إذا لم يكونوا من الحفاظ الضابطين يقال لا يؤخذ عنهم العلم، والآن تجد بعض الناس لخلاف يسير وقد يكون هذا الخلاف لا أثر له ولا حقيقة له يقال لا تأخذوا عن فلان ولا عن فلان ولا عن فلان للتنفير عن أمثال هؤلاء والله المستعان، "وإذا حدَّثَ حدَّثَ بأمر عظيم فترى أن أقول للناس لا تأخذوا عنه قال سفيان بلى قال عبد الله فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه" وهذا إنصاف، والمسلم مطالب بالعدل والإنصاف "أثنيت عليه في دينه وأقول لا تأخذوا عنه" وبعض الناس إذا نقم على أحد مسألة نسي جميع الحسنات وجعل نصب عينيه هذا الخطأ وصار يشيعه ويكرره صار هو الأصل، لا يا أخي الأصل الخير هو أخطأ في هذه المرة وزل الله يعفو عنا وعنه ويعالج هذا الخطأ بالطرق المناسبة التي تترتب عليها آثارها "أثنيت عليه في دينه وأقول لا تأخذوا عنه، وقال محمد بن يعني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال حدثنا عبد الله بن عثمان العتكي الملقب بعبدان قال قال أبي قال عبد الله بن المبارك" وهو يروي عن عبد الله بن المبارك بدون واسطة "قال عبد الله بن المبارك انتهيت إلى شعبة فقال هذا عباد بن كثير فاحذروه" وهو من أهل الخير والفضل والصلاح لكن يحذر في الرواية لأنه ليس من أهلها، "وحدثني الفضل بن سهل قال سألت معلا الرازي عن محمد بن سعيد الذي روى عنه عباد فأخبرني عن عيسى بن يونس قال كنت على بابه وسفيان عنده فلما خرج سألت عنه فأخبرني أنه كذاب" لعله محمد بن سعيد المصلوب هو أو ليس هو؟ ليس محمد بن سعيد المصلوب؟

طالب: ..............

ذكره الشارح؟ قال..

طالب: ..............

محمد بن سعيد المصلوب مصلوب على الزندقة وهو كذاب وضاع ومع الأسف خرج له الترمذي حديثا واحدا، "وحدثني محمد بن أبي عتاب قال حدثني عفان عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال لم نر الصالحين في شيء أكذب منه في الحديث" والمراد بالصالحين الذين تفرغوا للعبادة وغفلوا عن العلم وعن حفظه فوقع الخطأ في كلامهم، ليس المراد بالكذب أنهم يفترون لا، إنما لغفلتهم عن العلم واشتغالهم بالعبادة لأنهم أهل صلاح وأهل زهد يقع في حديثهم الخطأ بكثرة؛ لأن الحديث له رجال يحتاج إلى حفظ، يحتاج إلى معاناة، "لم نر الصالحين في شيء أكذب منه في الحديث" لأن هذه لو سمعها مغرض حملها على غير محملها، وكثيرا ما يقول أصابته غفلة الصالحين، والمراد بالصالحين الذين غفلوا عن العلم واشتغلوا بالعبادة هؤلاء فيهم خير وفيهم صلاح لكن يقع الخطأ في كلامهم بكثرة، والكذب هنا المراد به الخطأ وبعضهم يعني في تعليقات الشيخ ابن باز- رحمة الله عليه- على التقريب قال الصواب غفلة بعض الصالحين؛ لأنه ليس كل الصالحين فيهم غفلة وإنما رأسهم ومقدَّمهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وكبار صحابته وبقية الصحابة وخيار الأمة من أئمة الإسلام هم الصالحون إن لم يكونوا هم الصالحين فمن الصالحون؟! ومع ذلكم هم حفاظ الإسلام، وبهم حفظ الدين، "قال ابن أبي عتاب فلقيت محمد بن يحيى بن سعيد القطان فسألته عنه فقال عن أبيه لن تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث" قال مسلم يبين المراد رحمه الله يقول "يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب" يعني يجري الكذب على لسانهم من غير قصد، وسبق لنا أن الكذب كما يطلق على العمد يطلق على غير المتعمد من الخطأ والسهو ولا يتعمدون الكذب لأنهم لو تعمدوا الكذب يمكن أن يوصفوا بأنهم صالحين، لا يمكن أن يوصفوا بأنهم صالحين "قال حدثني الفضل بن سهل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرني خليفة بن موسى قال دخلت على غالب بن عبيد الله فجعل يملي علي حديثا" هذه معروفة عند أهل الحجاز والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «صدق الله وكذب بطن أخيك».

طالب: ..............

المصلوب هو المصلوب.

طالب: ..............

معروف كذاب نعم صلب بالزندقة كما قالوا في ترجمته "قال أخبرني خليفة بن موسى قال دخلت على غالب بن عبيد الله فجعل يملي علي حدثني مكحول حدثني مكحول" يعني لا يقول حدثني مكحول قال حدثني مكحول يعني مكحول يروي عن مكحول وهو واحد لكن يكرر الأحاديث التي رواها كلها عن مكحول، قال حدثني مكحول ثم قال حدثني مكحول ثم.. إلى آخره "فأخذه البول قال فنظرت في الكراسة فإذا فيها حدثني أبانٌ" أو أبانُ؟ أولا نظره في الكراسة من غير إذن صاحبها هل هي مثل نظر الناظر في الكتاب؟ يعني شخص يكتب له خطاب وأنت تنظر فيه لا يجوز يا أخي أن تتطلع على أسراره فهل نظر هذا في الكتاب من غير إذن صاحبه استغل الفرصة، حين قام للدورة أخذ ينظر للكتاب هذا يذم أو ما يذم لا، لا يذم لأنه قامت عنده قرائن أو حاك في صدره أن في حفظه شيئا وفي روايته شيء فأراد أن يتثبت والتثبت ليس فيه إشكال، "حدثني أبانٌ عن أنس" أو أبانُ عن أنس منهم من يقول بمنعه ومنهم من يقول بصرفه وممن يمنعه من الصرف ابن مالك، وأما صرفه فهو الصحيح ولذا قالوا من منع أبان فهو أتان، على كل حال الأمر سهل لأنه مثل ما تقدم مثل عفّان إن كانت النون أصلية صرف، وإن كانت زائدة يمنع من الصرف، فإن كان من الإباء من الرفض إباء فهو ممنوع من الصرف، وإن كان من الإبانة التي هي القطع فالنون أصلية إذًا هو مصروف، وقل مثل هذا في حسان وغيره عفان "وأبانٌ عن فلان فتركته فقمت قال فسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول رأيت في كتاب عفّان حديث هشام أبي المقدام حديث عمر بن عبد العزيز قال حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان عن محمد بن كعب قال قلت لعفّان إنهم يقولون هشامٌ" عفان يترجح منعه لماذا؟ لزيادة ألف ونون لأنه من العفة لا من العفن، وهنا يترجح منعه وهناك يترجح صرفه لأنهم أخذوه من الإبانة والقطع أولى من أخذه من الإباء على كل حال الخطب سهل، وقل مثل هذا في حسان إن كانت النون أصلية من الحسن فهو مصروف وإن كانت مزيدة من الحس فيكون حينئذ ممنوعًا من الصرف، "قال قلت لعفان إنهم يقولون هشام سمعه من محمد بن كعب قال إنما ابتلي من قبل هذا الحديث كان يقول حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد" هو يرويه عن محمد بواسطة ثم أسقط الواسطة، يرويه عن محمد بن كعب بواسطة الذي هو يحيى بن فلان ثم أسقط يحيى فصار يرويه عن محمد بدون واسطة طلبًا للعلو وتدليسا على السامع إن كان لقي محمدا، قال رحمه الله حدثني يقول رحمه الله تعالى الشارح وأما هشام هذا فهو ابن زياد الأموي مولاهم البصري ضعفه الأئمة ثم هاهنا قاعدة ننبه عليها ثم نحيل عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى وهي أن عفان- رحمه الله- إنما ابتلي عن هشام يعني إنما ضعفوه من قبل هذا الحديث كان يقول حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد وهذا القدر وحده لا يقتضي ضعفا لأنه ليس فيه تصريح بكذب لاحتمال أنه سمعه من محمد ثم نسيه فحدث به عن يحيى بن محمد ثم ذكر سماعه من محمد فرواه عنه، ولكن انضم إلى هذا قرائن وأمور اقتضت عند العلماء بهذا الفن الحذاق المبرزين العارفين بدقائق أحواله أحوال رواته أنه لم يسمعه من محمد فحكموا بذلك لما قامت الدلائل الظاهرة عندهم بذلك وسيأتي بعد هذا أشياء كثيرة من أقوال أئمة الجرح بنحو هذا وكلها يقال فيها ما قلنا هنا والله أعلم. ولا يمنع أن يكون الحديث مروي عند شخص عن آخر بواسطة ثم يتم لقاؤه له فيرويه عنه بدون واسطة "حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال سمعت عبد الله بن عثمان بن جبَلة" الذي هو عبدان، "يقول قلت لعبد الله بن المبارك من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبد الله بن عمرو «يوم الفطر يوم الجوائز » هذا الحديث يراد به ما روي «إذا كان يوم الفطر يوم العيد الفطر وقفت الملائكة على أفوه الطرق ونادت يا معشر المسلمين اغدوا إلى رب رحيم يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل أمركم فصمتم وأطعتم ربكم فاقبلوا جوائزكم فإذا صلوا العيد نادى منادٍ من السماء ارجعوا إلى منازلكم راشدين فقد غفرت ذنوبكم كلها» ويسمى ذلك اليوم يوم الجنائز، وهذا الحديث يقول رويناه في كتاب المستقصى في فضائل المسجد الأقصى تصنيف الحافظ أبي محمد بن عساكر الدمشقي ورواه الطبراني في الكبير في الجزء الأول صفحة مائة وستة وتسعين، وفي المجمع في الجزء الثاني مجمع الزوائد في الجزء الثاني صفحة ميئين وواحد يقول فيه جابر الجعفي وهو متروك، ـ"قال قلت لعبد الله بن المبارك من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبد الله بن عمرو يوم الفطر يوم الجوائز قال سليمان بن الحجاج انظر ما وضعت في يدك منه قال ابن قهزاذ وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبدالملك قال قال عبد الله" يعني ابن المبارك رأيت روح بن غطيف صاحب الدم قدر الدرهم يريد وصفه وتعريفه بالحديث الذي روح هذا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه «تراد تعاد الصلاة من قدر الدرهم» يعني من الدم وهذا الحديث ذكره البخاري في تأريخه وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث والله أعلم, يعني عمدة الحنفية في العفو عن يسير الجناسة بقدر الدرهم البغلي على ما يسمون عمدتهم في ذلك القياس على الاستنجاء أن المحل لا يمكن تنظيفه لا بد أن يبقى فيه في حال الاستجمار بالأحجار وأنه لا يمكن أن ينظف إلا بالاستنجاء الاستنجاء بالماء، وإذا صحت الصلاة مع الاستجمار يعفى  عن قدر الدرهم، وأما الحديث المروي بهذا فهو باطل، وعلى كل حال قول الحنفية مرجوح بلا شك والجمهور على أنه لا يعفى عن شيء من النجاسات، وعند الحنابلة والشافعية حتى ما لا يدركه الطرف يعني أمثال رؤوس الإبر هذا لا يعفى عنه، والآن قاسوا على هذه المسألة المختلف فيها يسير النجاسة المعفو عنه قالوا الربا يسيره معفو عنه قياسا على النجاسة اليسيرة، يعني الأصل مختلف فيه والقول مرجوح ثم يقاس عليه والله المستعان، "رأيت روح بن غطيف صاحب الدم قدر الدرهم وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحي من أصحابي أن يروني جالسا معه كره أو كرْه حديث" يعني لأني وأصحابي كلنا نكره حديثه ما فيه شخص يعني تخجل أن تجلس عنده أو يراك الناس عنده موجود هذا وهذا منهم، "قال حدثني بن قهزاذ قال سمعت وهبا يقول عن سفيان عن ابن المبارك يقول بقية صدوق اللسان لكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر ومع ذلك يدلس" ولذا يقولون بقية أحاديثه ليست نقية فكن منها على تقية، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر يعني أنه يأخذ عن الثقات والضعفاء.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.