قرة عيون الموحدين - 17

نعم.

أحسن الله إليك.

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

قال المصنف الإمام المجدد رحمه الله تعالى باب الشفاعة وقول الله تعالى {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51] وقوله {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [سورة الزمر:44] قال الشارح رحمه الله تعالى وإياه ووالدينا ومشائخنا وجميع المسلمين: قوله باب الشفاعة، الشفاعة نوعان شفاعة منفية في القرآن وهي الشفاعة للكافر والمشرك."

وأصلها من الشفع وأصلها من الشفع لأن الشافع يضم صوته وطلبه إلى المشفوع له بدلا من أن يكون فردًا بدلا من أن كان فردا صار شفعًا والشفع ضد الوتر الذي هو الفرد.

أحسن الله إليك.

"قال تعالى {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} [سورة البقرة:254] وقال {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [سورة المدثر:48] وقال {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [سورة البقرة:48] ونحو هذه الآيات كقوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} [سورة يونس:18] يخبر تعالى أن من اتخذ هؤلاء شفعاء عند الله أنه لا يعلم أنهم يشفعون له بذلك وما لا يعلمه لا وجود له فنفاه.."

لأنه يعلم ما كان وما يكون، ومادام هذا لا يعلمه إذًا لا يكون.

أحسن الله إليك.

"يخبر تعالى أن من اتخذ هؤلاء شفعاء عند الله أنه لا يعلم أنهم يشفعون له بذلك، وما لا يعلمه لا وجود له فنفى وقوع هذه الشفاعة وأخبر أنها شرك بقوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة يونس:18] وقال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر:3] إلى قوله {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [سورة الزمر:3] فأبطل شفاعة من اتخذ شفيعًا يزعم أنه يقربه إلى الله وهو يبعده عنه وعن رحمته ومغفرته لأنه جعل الله.."

لا واسطة بين الخلق وخالقهم فيما يصعد إليهم من أعمالهم لا واسطة، لكن فيما ينزل منه إليهم لا بد من واسطة الرسل، أما فيما يصعد من الخلق إلى الخالق هذا بدون واسطة، وأما الشفاعة المثبتة التي جاءت بها النصوص فهي بعد أن يأذن الله جل وعلا بها وبعد أن يرضى عن الشافع والمشفوع له.

أحسن الله إليك.

"لأنه جعل الله شريكا يرغب إليه ويرجوه ويتوكل عليه.."

لأنه ما وصل إلى هذا الحد إلى أن شبه الخالق بالمخلوق، ما وصل إلى هذا التصور إلى أن شبه الخالق بالمخلوق، فظن أن الله- جل وعلا- وضعه مثل وضع البشر تؤثر فيهم الشفاعات، ويؤثر فيهم المقربون إليهم والعاملون عندهم، فالملك من الملوك أو الكبير أو الوزير أو الغني أو ما أشبه ذلك إذا طلب منه شيء فرأى الطالب أن حاله تقصر عن أن يتطاول إلى هذا الكبير وسَّط من يستطيع التأثير عليه، والله- جل وعلا- مالك الجميع لا يستطيع أن يؤثِّر فيه أحد، فالله- جل وعلا- هو الخالق الرازق المعطي المانع وخلقه بالنسبة لهذا التأثير سواء لو كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما ضر ذلك من ملك الله شيئا، فهم يتصورون أنه يتأثَّر كما يتأثر الملك بالمقربين لديه فهم ما وصلوا إلى إثبات مثل هذه الشفاعة وطلبها من المخلوقين حتى تصوروا أن الخالق مثل المخلوق ولذلك جاء نفيها والتشديد في أمرها.

طالب: ............

لا بد من واسطة، لا أحد يأخذ من المعدن كما يقول بعض غلاة الصوفية، لا يوجد أحد ما له واسطة نبي، يعني يوجد أحد يأخذ من المعدن من اللوح المحفوظ مباشرة من غير واسطة الأنبياء والرسل؟! لا يوجد.

أحسن الله إليك.

"لأنه جعل الله شريكا يرغب إليه ويرجوه ويتوكل عليه ويحبه كما يحب الله تعالى أو أعظم النوع الثاني الشفاعة التي أثبتها القرآن وهي خالصة لأهل الإخلاص وقيَّدها تعالى بأمرين الأول.."

كما سيذكر الشيخ من حديث أبي هريرة من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال «من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه» فهي لأهل الإخلاص ليست لأهل الشرك.

أحسن الله إليك.

"الأول إذنه للشافع أن يشفع كما قال تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة:255] وإذنه تعالى لا يصدر إلا إذا رحم عبده الموحِّدُ المذنب فإذا.."

عبدَه رحمَ عبدَه الموحدَ..

أحسن الله إليك.

"إلا إذا رحم عبدَه الموحدَ المذنب، فإذا رحمه تعالى أذن للشافع أن يشفع له، الأمر الثاني رضاه عمن أذن للشافع أن يشفع فيه كما قال تعالى {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء:28] فالإذن للشفاعة له بعد الرضا كما في هذه الآية، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد. قوله وقول الله تعالى {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51] الإنذار هو الإعلام بأسباب المخالفة والتحذير منها قوله به أي القرآن {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ} [سورة الأنعام:51] وهم أهل الإخلاص الذين لم يتخذوا لهم شفيعا بل أخلصوا قصدهم وطلبهم وجميع أعمالهم لله وحده، و لم يلتفتوا إلى أحد سواه فيما يرجون نفعه ويخافون ضره. قال الفضيل بن عياض- رحمه الله- ليس كل خلقه عاتب ليس كلَّ خلقه عاتَب إنما عاتَب الذين يعقلون قوله {لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [سورة الأنعام:51] قال الزجاج موضع ليس نصب على الحال كأنه قال متخلين من ولي وشفيع والعامل فيه يخافون."

يعني الجملة كلها في محل نصب على الحال.

أحسن الله إليك.

"والعامل فيه يخافون قوله لعلهم يتقون أي فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به من عذاب يوم القيامة وتركوا التعلق على الشفعاء وغيرهم لأنه ينافي الإخلاص الذي لا يقبل الله من أحدٍ عملا بدونه قوله {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [سورة الزمر:44] دلت الآية على أن الشفاعة له سبحانه لأنها لا تقع إلا لأهل التوحيد بإذنه سبحانه وتعالى كما قال تعالى في الآية السابقة وقال تعالى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} [سورة يونس:3] الآية فلا شفاعة إلا لمن هي له سبحانه ولا تقع إلا ممن أذن الله له فيها إلا ممن أذن له فيها، فتدبر هذه الآية العظيمة في اتخاذ الشفعاء وقوله {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة البقرة:107] يبطل التعلق على غيره سبحانه لأنه الذي انفرد بملك كل شيء فليس لأحد في ملكه مثقال ذرة دونه سبحانه وبحمده والإسلام هو أن تسلم قلبَك وجوارحك لله بالإخلاص كما في المسند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبالذي بعثك بالحق ما بعثك به قال «الإسلام» قال وما الإسلام؟ قال «أن تسلم قلبك وأن توجه وجهك إلى الله وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة» والآيات في بيان الإخلاص كثيرة، وهو ألا يلتفت القلب ولا الوجه في جميع الأعمال كلها إلا لله وحده كما قال تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة غافر:14] فأمره تعالى.."

لما التفت إلى المخلوق لمدحه أو لذمه أو خشية انقطاع رزقه أو رجاء في عطائه لا شك أن هذا خدش في الإخلاص؛ ولذا يقول ابن القيم- رحمه الله- في الفوائد "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء والطمع فاذبح الأول حب المدح والثناء بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله جل وعلا المخلوق مهما مدح ومهما ذم لن يؤثِّر وأما الطمع فاعمد إلى ذبحه بسكين علمك أن الله جل وعلا هو الرازق، وأن الأمور كلها بيده، وأن المال ماله وأنه لا يستطيع أحد أن يعطي إلا بأمر الله جل وعلا ولذا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- «إنما أنا قاسم والله هو المعطي».

أحسن الله عملك.

"فأمره الله تعالى بإخلاص الدعاء له وحده وأخبر أنه الدين الذي تصح معه الأعمال وتُقبَل، قال شيخ الإسلام الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه قوله {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة:255] تقدم معنى هذه الآية قوله {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى} [سورة النجم:26] فإذا كان هذا في حق الملائكة الذين وصفهم تعالى بقوله {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } [سورة الأنبياء:26-29] فظهر من هذه الآيات المحكمات ما يبين حقيقة الشفاعة المثبَتة في القرآن التي هي مُلْكٌ لله لا يملكها غيره وقيَّد حصولها بقيدين كما في هذه الآية وغيرها كما تقدم قريبًا إذنه للشافع أن يشفع كما قال تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة:255] ورضاه عمَّن رحمته ممن أذنب من الموحدين فاختصت الشفاعة بأهل الإخلاص خاصة وأن اتخاذ الشفعاء من دين المشركين قد أنكره الله عليهم فيما تقدم من الآيات قوله {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سورة سبأ:22] الآيتين قال أبو العباس- رحمه الله تعالى- نفى الله عما سواه كلُّ ما يتعلق به المشركون فنفى.."

كلَّ..

أحسن الله إليك

"كلَّ ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره مُلْك أو قسط منه أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبيَّن أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [سورة الأنبياء:28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا ثم يقال له ارفع رأسك وقل يُسمَع.."

لا يشفع حتى يُؤذن له، هو يستأذن -عليه الصلاة والسلام-.

أحسن الله إليك.

"قال ثم يقال له ارفع رأسك وقل يُسمَع وسل تُعطَه واشفع تشفع، وقال له أبو هريرة- رضي الله عنه- من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك ولهذا أثبت الشفاعةَ بإذنه في مواضع."

هو قرنها بالإخلاص يعني نقيض الشفاعة التي يدعيها المشركون.

طالب: أحسن الله إليك ما يقرره مجموعة من السلف أن المقام المحمود في حق النبي -عليه الصلاة والسلام- إجلاسه على العرش.

والله ورد فيه الخبر لكن فيه ضعف.

فيه ضعف؟

فيه ضعف.

طالب: ............

ستة أنواع.

طالب: ............

نعم، هي ستة أنواع الشفاعة العظمى، الشفاعة بدخول الجنة، الشفاعة في أناس استحقوا النار ألا يدخلوها، ويدخلون الجنة، الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها، الشفاعة في أبي طالب، على كل حال الخلاف في الشفاعة معروف بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة ينكرون الشفاعة الخوارج والمعتزلة ينكرون الشفاعة في إخراج من دخل النار لأنهم لا يرون أنهم يُخرَجون منها طردًا لمذهبهم الفاسد في أن مرتكب الكبيرة مخلَّد في النار سواء كان كافر كما يقول الخوارج أو بين المنزلتين كما يقول المعتزلة.

أحسن الله عملك.

"وقد بين الله النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص انتهى كلامه رحمه الله تعالى وفيه تحقيق لأمر الشفاعة وجمع للأدلة.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد."

اللهم صل على محمد...