التعليق على تفسير القرطبي - سورة القصص (01)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"سورة القصص مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ إِلَّا آيَةً نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: بِالْجُحْفَةِ فِي وَقْتِ، هِجْرَةِ -رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ" الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" إِلَى قَوْلِهِ:" لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ". وهى ثمان وثمانون آية."

هذه الآية وهذه الآيات التي نزلت في الهجرة بين مكة والمدينة الاصطلاح المقرر عند أهل العلم أن المكي ما قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، يعني ولو نزل بمكة هذا الذي عليه الأكثر، وبه يحصل تمييز الذي تترتب عليه الفائدة، وهي معرفة المتقدم من المتأخر منهم من يقول إن المكي ما نزل بمكة ولو كان بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، لكن يرد عليه أنه نزلت آيات كثيرة في مواضع متعددة في غزواته -عليه الصلاة والسلام-، هذه تحتاج إلى أسماء مستقلة، والضابط الذي يرتضيه جمهور أهل العلم أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو كان بمكة هذا أمر مرتضى مقرر من قبل جمهور أهل العلم لكن ماذا عما نزل في الهجرة يعني من خروجه من مكة إلى دخوله –عليه الصلاة والسلام-المدينة هل يكون من المكي أم من المدني ؟

طالب:........

علي الاصطلاح  نعم، وهل الهجرة الشروع فيها يطلق عليها أو الفراغ منها؟ وبمعني آخر هل العبر ة كما يقول أهل العلم بالحال أو بالمآل؟ بمعني أنك لو أحرمت بالصلاة قبل الوقت وأديتها في الوقت يعني كبرت تكبيرة الإحرام قبل الوقت، ثم بعد ذلك دخل الوقت، إن هذه مسألة كبرى عند أهل العلم العبرة هل تكون بالحال أو بالمآل؟ وعلى هذا إذا قلنا بالحال فمن شروعه بالهجرة يكون استقر الأمر وهاجر، وإذا قلنا بالمآل فالنهاية، نقول مثل هذا فيمن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج وأداها كاملة بعد دخول أشهر الحج أو أحرم بها قبيل رمضان وأداها في رمضان، فما الحكم؟

يعني على كلامك كأنه بمجرد ما خرج من مكة حصلت الهجرة، يعني باشر الهجرة، وعلي هذا العبرة بالحال، لكن أهل العلم ما يرضون بهذا إطلاقًا في مسألة الصلاة، يعني لو كبر تكبيرة الإحرام قبيل دخول الوقت، وأدى الصلاة كاملة بعد دخول الوقت، والعكس عندهم صحيح، يعني لو كبر في آخر الوقت وأدى غالب الصلاة بعدما خرج الوقت، فالصلاة عندهم أداء في وقتها، ويدل عليه حديث «من أدرك ركعة قبل طلوع الصبح- من صلاة الصبح- فقد أدرك الصبح» ومثل هذا في العصر؛ لو أنه في العصر ثلاث ركعات بعد خروج الوقت، مع أنها تكون أداءً، أدرك العصر.

علي كل حال الخلاف سواء قلنا: إنها من المكي أو من المدني لا أثر له، لماذا؟

 لو افترضنا أنها من المدني أو من المكي، يعني من أول المدني أو من آخر المكي، هي بعد المكي وقبل المدني، فإذا تعارضت مع آية مكية قلنا إنها نسخت بهذه الآية؛ لأننا عرفنا أن هذه نزلت في الهجرة؛ لأن المقصود من معرفة المكي والمدني هو معرفة وقت النزول، لمعرفة الناسخ من المنسوخ، فإذا جزمنا بأن هذه الآية نزلت في الهجرة عرفنا أنها متقدمة على ما نزل بالمدينة ومتأخرة عما نزل بمكة، وأحسنا التعامل مع النصوص إذا عرفنا هذه المسألة هذا وقت النزول بدقة.

 بل معرفة مثل هذا وإن حصل الخلاف على اعتبار أنه من المكي أو من المدني إذا عرفنا أنه بالفعل نزل بالهجرة صار أقوى من معرفتنا بمجرد أن هذه نزلت بمكة أو هذه الآية نزلت بالمدينة؛ لأننا نعرف الوقت بدقة، بخلاف ما إذا عرفنا أنها نزلت بالمدينة، أقام بالمدينة كم؟ عشر سنوات، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، هل هي من أوائل ما نزل بمكة أو من أواخره أو من أوائل ما نزلت بالمدينة أو من أواخر ما نزل. فإذا عرفنا ولو لم نجزم بأنها من المكي أو المدني فإننا نعرف أنها نزلت بين الفترتين، ونستطيع أن نتعامل معها مع ما يعارضها من النصوص.

"قَوْلُهُ تَعَالَى {طسم} تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ."

تقدم الكلام فيه في أول سورة الشعراء.

{تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ}" تِلْكَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنَى هَذِهِ تِلْكَ، وَ" آياتُ" بَدَلٌ مِنْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ."

تلك في موضع رفع {تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} الأصل أن الكتاب بين أيدينا، آيات الكتاب بين أيدينا، فكيف يُشار إليها بالبعيد بإشارة البعيد كما قال –جل وعلا-في سورة البقرة: {ذلك الكتاب}، والأصل أن يشار ما دام بين أيدينا يشار إليها بإشارة القريب، لكن البعد هنا بعد مكانة، وليس ببعد مكان، إن صح التعبير بإشارة البعيد هنا وهناك.

" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ" نَتْلُوا"، وَ" آياتُ" بَدَلٌ مِنْهَا أَيْضًا، وَتَنْصِبُهَا كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا ضَرَبْتُ. وَ" الْمُبِينِ"..

يكون معمولًا لنتلوا المتأخر، وبعضهم يقول: إنه معمول لفعل محذوف يفسره المذكور .

"أَيِ الْمُبِينِ بَرَكَتَهُ وَخَيْرَهُ، وَالْمُبِينُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ، وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ، وَنُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَيُقَالُ: بَانَ الشيء وأبان اتضح.

يعني كل ما يمكن أن يفهم من أنواع البيان يدخل في هذا البيان الذي وصف به القرآن، وهو مبين للحق والباطل، مبين للحلال والحرام، مبين لقصص الأنبياء بعضهم من بعض، ونبوة محمد- عليه الصلاة والسلام- بينها أوضح بيان وأكمل بيان إلى غير ذلك مما تحتمله هذه الكلمة.

 "{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.} ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَفِرْعَوْنَ وَقَارُونَ، وَاحْتَجَّ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ قَرَابَةَ قَارُونَ مِنْ مُوسَى لَمْ تَنْفَعْهُ مَعَ كُفْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَرَابَةُ قُرَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ،"

بل قرابة أقرب الناس إليه مع كفره قرابة عمه أبي لهب عم النبي –عليه الصلاة والسلام-قرابة من هو أقرب منه وأقرب إلى قلبه كأبي طالب مثلًا مع أنه لم يُسلم لم تنفعه هذه القرابة لن تنفعه هذه القرابة، كما أن قرابة قارون من موسى لم تنفعه.

" وَبَيَّنَ أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَتَجَبَّرَ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِ، فَلْيُجْتَنَبِ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ التَّعَزُّزُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَهُمَا مِنْ سِيرَةِ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ. "نَتْلُوا عَلَيْكَ" أَيْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ جِبْرِيلُ بِأَمْرِنَا " مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ" أَيْ مِنْ خَبَرِهِمَا وَ" مِنْ" للتبعيض و" مِنْ نَبَإِ" مفعول" نَتْلُوا" أَيْ نَتْلُو عَلَيْكَ بَعْضَ خَبَرِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}. وَمَعْنَى" بِالْحَقِّ" أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا كَذِبَ. {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أَيْ يُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ.

أما بالنسبة للمؤمن المصدق المذعن المستسلم لله –جل وعلا- فيعتقد أنه حق يستوي في ذلك محكمه ومتشابه، وأما من في قلبه شيء، شك أو ارتياب فقد يُذعن لبعض المحكم، ويتردد في المتشابه، وأما غير المؤمن أصلاً فإنه لا يؤمن به جملة وتفصيلاً. فمثل هذا الذي يؤمن بالكتاب وعندها شيء مما يخالف الكتاب يناقش بالكتاب، لكن الذي لا يؤمن بالكتاب يناقش بالأدلة والبراهين العقلية؛ لأنه لا يتدين بكتاب، فكيف يدعى إلى كتاب؟ يناقش بالأدلة العقلية التي مرجُعها في النهاية إلى الكتاب؛ لأن الكتاب اشتمل واحتوى على شيء كثير من الأدلة والبراهين العقلية التي خُوطب بها من نزل القرآن عليهم، ومنهم المؤمن، ومنهم الكافر، وكلٌ استفاد منه حتى الكفار سمعوه، وأذعنوا له، واعترفوا بإعجازه، وعجزوا عن معارضته، فلا شك أنه معجز ومفحم يدعى به جميع الطوائف.

 فمن آمن به وأذعن اكتفي بعرض الدليل عليه وبلوغ الحجة عليه، وأما بالنسبة لمن لم يقتنع به ولم يرضَ به ولم يؤمن به فإن هذا لا شك أن في القرآن من الأدلة العقلية ما يبهره ويقطع حجته، وهذا ما حصل بالنسبة لقريش لما سمعوا القرآن عرفوا أنه حق، لكن منهم من عرف وجحد وإن استيقنت نفسه بذلك، ومنهم مكن أذعن واعترف بلسانه وأصر وعاند ووصف القرآن بخلاف ما في نفسه، ووصف النبي –عليه الصلاة و السلام- بخلاف ما استقر في نفسه عنه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} أَيِ اسْتَكْبَرَ وَتَجَبَّرَ، قَالَهُ ابْنُ عباس والسدي، وقال قتادة: علا في نقسه عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ بِكُفْرِهِ، وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَقِيلَ: بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ فَصَارَ عَالِيًا عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ." فِي الْأَرْضِ" أَيْ أَرْضِ مِصْرَ. {وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً} أَيْ فِرَقًا وَأَصْنَافًا فِي الْخِدْمَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:

وَبَلْدَةٌ يَرْهَبُ الْجَوَّابُ دَجْلَتَهَا ... حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا

{يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ} أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. {يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قَوْلِهِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ"} الْآيَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَهَنَةَ قَالُوا لَهُ: إِنَّ مَوْلُودًا يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَذْهَبُ مُلْكُكَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ رأى رؤيا فعُبِّرت كذلك. قال الزَّجَّاجُ: الْعَجَبُ مِنْ حُمْقِهِ لَمْ يَدْرِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنْ صَدَقَ فَالْقَتْلُ لَا يَنْفَعُ، وَإِنْ كَذَبَ فَلَا مَعْنَى لِلْقَتْلِ."

لكن هذا مبلغ الإنسان من العلم، يعني قيل له: إنك تهلك على يد كذا فهو يريد أن يقضي عليه قبل أن يهلكه، هذا مما جُبل عليه الإنسان، يعني قيل له: إنك تهلك على يد مولود من بني إسرائيل، فهو يريد أن يقضي على هذا السبب الذي يريد القضاء عليه، نعم هذا لا يغير من الواقع شيئًا الذي كتبه الله عليه.

 ولذلك تجد من عوام المسلمين من يقول: إذا قيل له أنت لماذا تستعجل الأمور ليس لك مفر من المكتوب، تجد عنده حرص زائد على أمواله وعلى أولاده وعلى نفسه، يا أخي مالك إلا المكتوب، يقول: أنا ما فررت إلا من المكتوب، أجزم بأن غير المكتوب لن يصل إلي، أنا ما أخاف إلا من المكتوب، لكن هل خوفك ينفعك، ويدفع عنك شيئًا من المكتوب أن تبذل الأسباب التي أمرت ببذلها، لكن لا تزد على ذلك؛ لأن بعض الناس يتصور مثل هذا أن يصير عنده زيادة حرص على نفسه وعلى ماله، سلم أمرك لله-جل وعلا-، وابذل الأسباب، ما أمرت به، وسلم بقية الأمر لله -جل وعلا-.

 ما عليك على المكتوب هذه نسمعها كثيرًا، وهذا صحيح، كلام صحيح، ليس له مفر من المكتوب، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلق كلهم لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك ما استطاعوا، والعكس، فيكون الجواب من هذا العامي الجاهل يقول: أنا ما فررت إلا من المكتوب، أنا أجزم بأن غير المكتوب لن يحصل، لكن هل تستطيع بحرصك الشديد أن تدفع المكتوب، لن تستطيع، وهذا بالنسبة لفرعون لن يستطيع أن يدفع ما قدر عليه إذا كان صحيحًا،  وإن كان باطلاً فلا داعي للقتل كما قال أهل العلم، قال الزجاج: أو العجب من حمقه، لم يدري أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع لا بد أن يوجد هذا الذي هو سبب في هلاكه، وإن كان كاذبًا فلا معنى للقتل، القتل مجرد ظلم لا أثر له ولا نتيجة .

طالب:.....

لا شك أن مسترقي السمع قد يصيبون، قد يصيب في كلمة، يضيف إليها، يكذب في مئة، وتكون هذه مما أصابه من خبر السماء، لكن لا يعني أننا نصدقهم، لا يجوز تصديقهم  بحال، ولو وقع ما أخبروا عنه في بعض الحالات، لكن لا يجوز تصديقهم بحال، ولو صدق لا يجوز تصديقه، يعني لو أخبرك عن أمر ما اطلع عليه إلا الله –جل وعلا- وأنت فلا يجوز تصديقه، للأسف أن شخصًا إمام مسجد وحافظًا للقرآن، تزوج امرأة، فحصل له ما حصل ليلة العرس من أول الدخول، ثم صُرف عنها، فذهب إلى ساحر-نسأل الله السلامة والعافية-، فشرح له هذا الساحر ما وقع له ليله عرسه، قال: دخلت عليكم امرأة هذا لونها وهذا طولها، وبأيديها جرة من الطيب، فطيبتكم وخرجت، وهذا الذي حصل وسحرتكم، إن أردت صورتها، إن أردت بقية الطيب، فقال له: صدفت، واستدل بالحديث صدقت، والرسول –عليه الصلاة والسلام-يقول: «من أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما انزل على محمد»-نسأل الله السلامة والعافية-.

 وهذه حاصلة، وهذا إما مكابرة وإصرار وعناد، أو جهل مركب، يعني يصدق ويستدل بالحديث الذي فيه وعيده، الوعيد عليه الشديد، فقد كفر بما أنزل على محمد، صدقت -نسال الله السلامة والعافية-. فمثل هذا لو أخبر عن التفاصيل التي حصلت، أو لا، لا يجوز الذهاب إليه بحال، مجرد الذهاب إليه هذا لا تقبل له صلاة أربعين يومًا، وتصديقه كفر، –نسال الله السلامة والعافية، والإتيان إليهم والإفادة منهم على أي وجه كان لا تجوز مطلقًا؛ لأنها من التعاون على الإثم والعدوان، هذا إذا سلمت من الشرك، ولا يمكن أن يعينوك ويساعدوك إلا بتقديم شيء من الشرك، ومن الذي يقدم حاجته على توحيده-نسأله الله السلامة والعافية-؟

طالب:.....

لا يرده، هذا سبب، الدعاء سبب، والمسبب هو الله –جل وعلا-، سبب قد يترتب عليه أثره، فيكون المكتوب فيه شيء من الاستثناء يصاب بكذا إن لم يدعُ، فيكون فيه شيء مثل الزيادة في العمر بالنسبة إلى من وصل رحمه، من أراد أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه. قالوا: إن صلة الرحم تزيد في العمر، إن كانت المسألة زيادة معنوية بركة فهذا ما فيه إشكال، لا تعارض مع النصوص الأخرى، وإن كانت زيادة حقيقية بمعني أنه مكتوب له ستين سنة، ثم بعد ذلك إن بر ووصل رحمه زادت عشر سنوات أو عشرين سنة على حسب هذا البر أو ما هو مقدر له؟ على كل حال يكون عمره الأصلي مشروطًا بعدم البر، فإن بر زيد له ذلك.

طالب:..............

لا، الحديث عام، الحديث عام، قد يقول قائل: إن النبي –عليه الصلاة والسلام-صدق الشيطان حينما قال لأبي هريرة: «صدقك وهو كذوب»، لكن تصديق الشيطان بما لا شرك فيه كقصة أبي هريرة مع الشيطان حينما سرق من الصدقة هذا ما فيه شرك، هذا لا شرك فيه، أما ما يتخلله شرك، فهذا لا يمكن أن يصلح بحال لا يمكن أن يصدق بحال.

" وَقِيلَ: جَعَلَهُمْ شِيَعًا فَاسْتَسْخَرَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ".

والصدق والكذب الصدق والكذب فيما يترتب عليه حكم شرعي يكون صدقًا باعتبار موافقته للشرع، ويكون كذبًا باعتبار مخالفته للشرع ولو طابق الواقع، فالذي يقذف ولو رأى الزاني يزني بعينيه، ولو أتى بشاهد أو اثنين أو ثلاثة ما لم يأتِ برابع، وكلهم رأوه بأعينهم، كلهم كذبة، وكلهم يجلدون ولو رأوه بأعينهم؛ لأن هذه المسألة مدارها على الشرع، فإذا تمت مقدمتها شرعية تتم نتائجها شرعية، ولو طابق الواقع فهو كاذب ولو صدق، وهو كاذب ولو صدق في مثل هذا.

" وَقِيلَ: جَعَلَهُمْ شِيَعًا، فَاسْتَسْخَرَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ" فِي شغل مفرد.

{إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أَيْ فِي الْأَرْضِ بِالْعَمَلِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّجَبُّرِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} أَيْ نَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ وَنُنْعِمَ. وَهَذِهِ حِكَايَةٌ مَضَتْ. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَادَةً فِي الْخَيْرِ وقال مُجَاهِدٌ: دُعَاةً إِلَى الْخَيْرِ. وقال قَتَادَةُ: وُلَاةً وَمُلُوكًا، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً}. قُلْتُ: وَهَذَا أَعَمُّ فَإِنَّ الْمَلِكَ إِمَامٌ يُؤْتَمُّ بِهِ وَمُقْتَدًى بِهِ. {وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} لِمُلْكِ فِرْعَوْنَ، يَرِثُونَ مُلْكَهُ، وَيَسْكُنُونَ مَسَاكِنَ الْقِبْطِ. "

يقول: هذا أعم فإن الملك إمام يؤتم به ويقتدى به هذا إذا كان متبعًا لشرع الله -جل وعلا- فإنه إمام يؤتم به ويقتدى ولو كان عنده شيء من المخالفات التي لا تخرجه عن دائرة الإسلام، ولا تجيز الخروج عليه، فإنه لايزال إمامًا يؤتم به ويجب طاعته، ولا يجب الخروج عليه بحال".

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا".

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} أَيْ نَجْعَلُهُمْ مُقْتَدِرِينَ عَلَى الْأَرْضِ وَأَهْلِهَا حَتَّى يُسْتَوْلَى عَلَيْهَا، يَعْنِي أَرْضَ الشَّامِ وَمِصْرَ. {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما} أَيْ وَنُرِيدُ أَنْ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ" وَيَرَى" بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ ثُلَاثِيٌّ مِنْ رَأَى" فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما".

علي هذه القراءة فرعونُ وهامانُ وجنودُهما.

"رَفْعًا لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ الْبَاقُونَ" نُرِي" بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ رُبَاعِيٌّ مِنْ أَرَى يُرِي، وَهِيَ عَلَى نَسَقِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ" وَنُرِيدُ" وَبَعْدَهُ" وَنُمَكِّنَ". {فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما} نَصْبًا بِوُقُوعِ الْفِعْلِ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ: " وَيُرِيَ فِرْعَوْنَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وفتح الياء بمعنى وَيُرِيَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ".

مثل القراءة الأولى يري مثل نُري من حيث المعنى، إلا أن نُري على لسان المتكلم وهو الله-جل وعلا-، ويري على الغيبة والفاعل فيهما هو الله- جل وعلا-".

 "{مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانُوا عَلَى وَجَلٍّ" مِنْهُمْ" فَأَرَاهُمُ اللَّهُ" مَا كانُوا يَحْذَرُونَ" قَالَ قتاد: كَانَ حَازِيًا لِفِرْعَوْنَ- وَالْحَازِي الْمُنَجِّمُ- قَالَ إِنَّهُ سَيُولَدُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَوْلُودٌ يَذْهَبُ بِمُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ الْوِلْدَانِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وقد تقدم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْيِ وَمَحَامِلِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْوَحْيِ إِلَى أُمِّ مُوسَى، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَ قَوْلًا فِي مَنَامِهَا وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ إِلْهَامًا وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَ بِمَلَكٍ يُمَثَّلُ لَهَا".

والاحتمال قائم، إما أن يكون إلهامًا كالوحي إلى النحل مثلاً، أو يكون بملك ممثل لها كالملك الذي خاطب الأعمى والقرع والأبرص، والاحتمال قائم، أما الوحي من الله-جل وعلا- مباشرة وكفاح على ما ينزل من الأنبياء مباشرة على ما ينزل على الأنبياء فلا، فليست بنبية اتفاقًا. 

 "قَالَ مُقَاتِلٌ أَتَاهَا جِبْرِيلُ بِذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا هُوَ وَحْيُ إِعْلَامٍ لَا إِلْهَامٍ، وَأَجْمَعَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً، وَإِنَّمَا إِرْسَالُ الْمَلَكِ إِلَيْهَا عَلَى نَحْوِ تَكْلِيمِ الْمَلَكِ لِلْأَقْرَعِ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَعْمَى فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ"  وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رُوِيَ مِنْ تَكْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ لِلنَّاسِ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ، وَقَدْ سَلَّمَتْ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ نَبِيًّا".

نعم مرض عمران بن حصين –رضي الله عنه-، فكان يسمع التسليم عيانًا، في الصحيح: يسمع التسليم عيانًا، فاكتوى –رضي الله عنه وأرضاه- فانقطع التسليم، ثم ندم على ذلك فعاد التسليم، فعاد التسليم، فالندم لا شك أنه توبة عند أهل العلم، توبة من هذا، وإن كان جائزًا وهو خلاف الأولى، رجوع إلى الأولى إذا تاب من خلاف الأولى رجع إلى الأولى لا شك أن من صدق مع الله –جل وعلا- في مثل هذه الأحوال ومثل هذه الظروف يجد من التثبيت من الله– جل وعلا- على مثل ما وجد عمران إن كان بمثابته، والكرامات معروفة عند أهل العلم، ويقر بها أهل السنة والجماعة للمتبعين للكتاب والسنة والملتزمين بهما بصدق وعزم وحزم، إذا احتاجوا إلى هذه الكرامات وإلا فقد يكو ن وليًّا من أولي الله طول عمره على ولاية وعلى الخير والاتباع والالتزام ولا يرى كرامة، وهذا لا ينقص من قدره، إنما إذا احتاج إلى هذه الكرامة أظهرها الله -جلا وعلا- على يديه.

 هؤلاء الملائكة الذين سلموا عليه لا شك أنها كرامة له، فلما ارتكب هذه المخالفة- والاكتواء، الكي جائز إلا  أنه يمنع من الدخول، دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما في حديث السبعين ألفًا، فحينئذ يكون خلاف الأولى، خلاف الأولى، فإذا ندم على ارتكاب خلاف الأولى عاد إليه مقامه الأول فعاد التسليم.

 وهل يقال مثل هذا فيمن اكتوى وندم على ذلك؟ هل يدخل في السبعين أو لا يدخل من استرقى ثم ندم على ذلك، هل يدخل في السبعين أو لا يدخل؟ لعل حديث عمران بن حصين أصل في هذه المسالة، ومع الأسف أنه يوجد من تخيل إليه نفسه أن مستحق لهذه المرتبة، بعض الناس إذا جلس في المسجد وتأخر عن الناس وسمع هبوب الريح وشيئًا من هذا توقع أو عطس توقع التشميت، لا يزال هذا من تسويل الشيطان، وإلا هذه منزلة عالية، وبعض الناس يضع نفسه حيث لا تصل إليه، المكان الذي لا تصل إليه هذا غرور من الشيطان، قد يغتر الإنسان بعمله فيضيع عليه سدى.

 ويقابله مقابل مثل هذا الفريق من يُنقل عنه أنه تعبد لله –جل وعلا- سبعين سنة من غير فتور، ولم يسأل الله الجنة، ويزعم أنه ليس بكفؤ للجنة، إنما يكفيه أن يستعيذ بالله من النار، فعمر المسلم ينبغي أن يكون على التوسط، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه، لا شك أن العبادة بالرجاء فقط خطر عظيم؛ لأنها وسيلة إلى الأمن من مكر الله، كما أن التعبد مع الخوف فقط من غير رجاء يُخشى منه أن يصل بصاحبه إلى القنوط واليأس من روح الله، فلا بد من التوسط أن يسمع بعض الناس مثل هذه الأخبار فيتطاول لها ويظن أنه من أهلها  نقول: اعرف قدر نفسك ولا تيأس ولا تقنط من رحمة الله لكن أنت يكفيك أن تزحزح عن النار وتدخل الجنة ما يلزم من يظهر عليه هذه الكرامات أن تسعى إلى خلاص نفسك، والنتائج بيد الله –جل وعلا-، وكن في ذالك مخلصًا لربك؛ لأن المعول على هذا الإخلاص ليس المعول على كثرة العمل، الكلام على الإخلاص وإتقان وإحسان العمل.

طالب: حديث لا يكتوون ولا يسترقون........

قال جمع من أهل العلم إن هذه الرواية وهذه اللفظة وهم من الراوي الراقي محسن إلى غيره ولا يخدش هذا في توكله بحال، بخلاف الاسترقاء، يعني طلب الرقية.

طالب: شيخ، طلب الرقية للأولاد رقية أو استرقاء للأولاد ليس للشخص؟

هذا لا، افترض أن زميلًا لك مرض فذهبت لشخص تظن أن فيه الخير فقلت: إنه تريد أن ترقي فلانًا؛ لأنه محتاج، لا لا هذا لا يدخل، يسترقون لأنفسهم.

طالب:......

لكن مثل العلامات الدالة على طلب الرقية، هو لا يطلب، شخص مريض لا يقول: ارقني، لا يسترقي، لكن مع ذلك إذا رأي من يظن فيه الخير فتح الأزارير وتأهب للرقية، هل هذا استرقي أو ما يدخل؟

طالب: استرقي.

طالب: يدخل.

طالب:.....

والله هذا حصل من أئمة كبار لا يطلبون الرقية، لكن يتأهبون ويتشوفون لها."

وَاسْمُهَا أَيَارْخَا، وَقِيلَ: أَيَارْخَتْ فِيمَا ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ، وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَاسْمُ أُمِّ مُوسَى لَوْحَا بِنْتُ هَانِدَ بْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ. {أَنْ أَرْضِعِيهِ} وَقَرَأَ عمر بن عبد العزيز: " أَنْ أَرْضِعِيهِ" بِكَسْرِ النُّونِ وَأَلِفِ وَصْلٍ، حَذَفَ هَمْزَةَ أَرْضِعْ تَخْفِيفًا ثُمَّ كَسَرَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانَ الْوَحْيُ بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ بَعْدَهَا. قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ مُوسَى أُمِرَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ وَتَصْنَعَ بِهِ بِمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ كَانَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أُمِرَتْ بِإِرْضَاعِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي بُسْتَانٍ، فَإِذَا خَافَتْ أَنْ يَصِيحَ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يَكْفِيهِ، صَنَعَتْ بِهِ هَذَا.

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إِلَّا أَنَّ الْآخَرَ يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ: {فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ} وَ" إِذَا" لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، فَيُرْوَى أَنَّهَا اتَّخَذَتْ لَهُ تَابُوتًا مِنْ بَرْدِيٍّ وَقَيَّرَتْهُ بِالْقَارِ مِنْ دَاخِلِهِ، وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى، وَأَلْقَتْهُ فِي نِيلِ مِصْرَ. وَقَدْ مَضَى خَبَرُهُ فِي طه. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَثُرُوا بِمِصْرَ اسْتَطَالُوا عَلَى النَّاسِ، وَعَمِلُوا بِالْمَعَاصِي، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمِ الْقِبْطَ، وَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، إِلَى أَنْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ عَلَى يَدِ مُوسَى.

 قَالَ وَهْبٌ: بَلَغَنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى سَبْعِينَ أَلْفَ وَلِيدٍ وَيُقَالُ: تِسْعُونَ أَلْفًا، وَيُرْوَى أَنَّهَا حِينَ اقْتَرَبَتْ وَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، وَكَانَتْ بَعْضُ الْقَوَابِلِ الْمُوَكَّلَاتِ بِحَبَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُصَافِيَةً لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَنْفَعْنِي حُبُّكِ الْيَوْمَ، فَعَالَجَتْهَا، فَلَمَّا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ هَالَهَا نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَارْتَعَشَ كُلُّ مِفْصَلٍ مِنْهَا، وَدَخَلَ حُبُّهُ قَلْبَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: مَا جِئْتُكِ إِلَّا لِأَقْتُلَ مَوْلُودَكِ وَأُخْبِرَ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ لِابْنِكِ حُبًّا مَا وَجَدْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَاحْفَظِيهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ جَاءَ عُيُونُ فِرْعَوْنَ فَلَفَّتْهُ فِي خِرْقَةٍ وَوَضَعَتْهُ فِي تَنُّورٍ مَسْجُورٍ نَارًا لَمْ تَعْلَمْ مَا تَصْنَعُ لَمَّا طَاشَ عَقْلُهَا، فَطَلَبُوا فَلَمْ يَلْفَوْا شَيْئًا، فَخَرَجُوا وَهِيَ لَا تَدْرِي مَكَانَهُ، فَسَمِعَتْ بُكَاءَهُ مِنَ التَّنُّورِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا".

مثل هذا يحتاج إلى نقل صحيح، ولم يثبت مثله إلا لإبراهيم –عليه السلام-، لم يثبت مثل هذا إلا لإبراهيم –عليه السلام-، هذا مُتلقى عن أهل الكتاب ولا يُصدق ولا يكذب، لكن لم يرد ما يؤيده، وكون الأم مع ما يحصل لها من الذهول حينما يطلَب ولدها ليُقتل قد تصنع بهم مثل هذا؛ لأنه يقطع على عقلها من شدة الخوف، كما في أول سور ة الحج: {تذهل كل مرضعة عما أرضعت}، فلا تدري أين تضع.

 وفي غزو العراق للكويت يذكر أن امرأة حملت الوسادة وتركت ولدها وهربت بها، وهذا مصدق للآية، إذا كان مثل هذا الخوف، فكيف بالخوف الأكبر يوم الفزع الأكبر، –والله المستعان-.

 أما كونها تتركه في التنور فهذا يحتاج إلى نقل، وكون التنور النار  بردًا وسلامًا عليه هذا لا بد فيه من نقل صحيح يمكن أن يعول عليه وإلا فالمعروف أن مثل هذا لم يكن لغير إبراهيم–عليه السلام-، وبهذا يُعرف بطلان دعوى من يدعي أن الإنسان يمشي على الجمر فلا يضره، الآن هناك دورات تدريبية يزعمون أن الإنسان بواسطتها  يمشي على الجمر حافيًا ولا يضره، لكن أهم شيء أن تعتقد في نفسك أن الجمر لا يضرك، يعني تتجاهل هذا الجمر، وتتجاهل ضرره، وهذا لا يشك عاقل أنه من إعانة الشياطين أو تمويه، هذا الجمر ليس بحقيقي، إما لأن  بعض الشياطين يحملونه فلا يضره هذا الجمر، أو لأنه ليس بجمر حقيقة، وإنما هو تمويه وخداع وتخيل كما هو شأن السحرة، وإلا فهذه السنة الإلهية التي أودعت في الجمر، وأنه محرق لم تُخرق إلا لإبراهيم –عليه السلام-.

طالب:.......

هذا نعم صحيح، ترجمة أبو مسلم وأنه ألقي كرامة كرامة لاتباعه للنبي –عليه الصلاة والسلام-.

علي كل حال إذا كان الإنسان يستحق الكرامة، واحتاج إليها وامتحن في مأزق أو مضيق ونجاه الله –جل وعلا-، وعرضت أعماله على الكتاب والسنة فوجدت الموفقة، كرامات الأولياء يؤمن بها ويعترف بها أهل السنة، لكن مثل هذا غالبه متلقى عن أهل الكتاب، فنحتاج ما يؤيده من شرعنا، والأصل عدمه.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَخافِي} فيه جهان:

أَحَدُهُمَا: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الْغَرَقَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.

 الثَّانِي: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. {وَلا تَحْزَنِي} فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، الثَّانِي: لَا تَحْزَنِي أَنْ يُقْتَلَ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. فَقِيلَ: إِنَّهَا جَعَلَتْهُ فِي تَابُوتٍ طُولُهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ وَعَرْضُهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَجَعَلَتِ الْمِفْتَاحَ مَعَ التَّابُوتِ وَطَرَحَتْهُ فِي الْيَمِّ بَعْدَ أَنْ أَرْضَعَتْهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، فِي حِكَايَةِ الْكَلْبِيِّ. وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّجَّارُ مِنْ صَنْعَةِ التَّابُوتِ نَمَّ إِلَى فِرْعَوْنَ بِخَبَرِهِ، فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَأْخُذُهُ، فَطَمَسَ اللَّهُ عَيْنَيْهِ وَقَلْبَهُ فَلَمْ يَعْرِفِ الطَّرِيقَ، فَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْمَوْلُودُ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ فِرْعَوْنُ، فَآمَنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا نَدَّمَهَا الشَّيْطَانُ وَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: لَوْ ذُبِحَ عِنْدِي فَكَفَّنْتُهُ وَوَارَيْتُهُ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِلْقَائِهِ فِي البحر، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أَيْ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ. حَكَى الْأَصْمَعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ جَارِيَةً أَعْرَابِيَّةً تُنْشِدُ وَتَقُولُ:

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبِي كُلِّهِ ... قَبَّلْتُ إِنْسَانًا بِغَيْرِ حِلِّهِ

مِثْلَ الْغَزَالِ نَاعِمًا فِي دَلِّهِ ... فَانْتَصَفَ اللَّيْلُ وَلَمْ أُصَلِّهِ

فَقُلْتُ: قَاتَلَكِ اللَّهُ مَا أفصحك! فقالت: أو يعد هَذَا فَصَاحَةً مَعَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الْآيَةَ، فَجَمَعَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَنَهْيَيْنِ وَخَبَرَيْنِ وَبِشَارَتَيْنِ."

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} لَمَّا كَانَ الْتِقَاطُهُمْ إِيَّاهُ يُؤَدِّي إِلَى كَوْنِهِ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا".

الأمران أرضعيه وألقيه، والنهيان لا تخافي ولا تحزني، والبشارتان ردوه وجاعلوه

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} لَمَّا كَانَ الْتِقَاطُهُمْ إِيَّاهُ يُؤَدِّي إِلَى كَوْنِهِ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا".

فاللام هنا لام العاقبة، ليكون يعني لتكون العاقبة كذا، والصيرورة أي ليصير الأمر إلى هذه الحال؛ لأنها لام التعليل هم ما التقطوه ليكون لهم عدوًا وحزنًا من أجل أن يكون هذا له، إنما العاقبة هكذا، والأمر يصير إلى هذه الحال أن يكون عدوًا لهم وحزنًا.

" فَاللَّامُ فِي" لِيَكُونَ" لَامُ الْعَاقِبَةِ وَلَامُ الصَّيْرُورَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَخَذُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ، فَكَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ أَنْ كَانَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا. فَذَكَرَ الْحَالَ بِالْمَآلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرْضِعَةٍ ... وَدُورُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا

وَقَالَ آخَرُ:

فَلِلْمَوْتِ تَغْذُو الْوَالِدَاتُ سِخَالَهَا ... كَمَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ تُبْنَى الْمَسَاكِنُ

أَيْ فَعَاقِبَةُ الْبِنَاءِ الْخَرَابُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ مَفْرُوحًا بِهِ، وَالِالْتِقَاطُ وُجُودُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا إِرَادَةٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَا وَجَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا إِرَادَةٍ: الْتَقَطَهُ الْتِقَاطًا. وَلَقِيتُ فُلَانًا الْتِقَاطًا. قَالَ الرَّاجِزُ:

 وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطًا

وَمِنْهُ اللُّقَطَةُ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي سُورَةِ" يُوسُفَ" بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ."

نعم اللقطة توجد من غير بحث، فكم من باحث شيء يلتقطه فلم يجده، وكم من شخص وجد شيئًا من غير بحث ولا تعب، فالأصل في اللقطة ما يلتقط من الأرض من مال الغير، والغالب أنه يكون من غير عناء ولا بحث.

طالب: هل يمكن أن تكون العداوة بلا حزنًا؟

نعم قد يكون، أما الارتباط بينهما فواضح عداوة وحزن مرتبطان، أما أن تكون عداوة بغير حزن يعني الحزن مرتبط بالعداوة من جهة ما يصل إلى المعادى مما يحزنه، فيجتمع فيها الحزن والفرح كيف؟ الحزن فيما يُؤذي به عدوه، فالمُؤَذَى يحزن، والمُؤَذٍي يفرح، والمُؤَذَى يفرح أيضًا بما يحصل للمُؤَذٍي، فيها العداء فيها الفرح فيها الحزن، لكن الغالب أن العداوة إذا اتجهت لشخص واحد من قِبل آخر فإنها مقرونة بالحزن ليحزنه بهذه العداوة، وقد يعاديه ويحيق له ويدبر له، لكنه لا يرتبط بداء الحزن؛ لأن أثر هذه العداوة لم يصل إلى المعاداة، فلا يصل الحزن، أما إذا وصلت أثر العداوة وصل أثر الحزن معها، وقد يتجبر الإنسان، وقد يتصبر ويتحمل، ويُري الناس أنه ليس لديه شيء من الجزع ولا الحزن، وإن كان في قراره أنه حزن، وبعض الناس عنده من الجلد والصبر ما لا يصل أثر هذه العداوة إلى قلبه فلا يؤثر فيه .

تجلده الشامتين أُريهم أني.....لريب الدهر لا أتضعضع.

بعض الناس عندهم من الجلد والصبر ما لا يهم ولا يكترث منه، ولو وجد أثر هذه العداوة.

" وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى وَالْمُفَضَّلُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ: "وَحُزْنًا" بِضَمِّ الحاء وسكون الزاي، والباقون بِفَتْحِهِمَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ قَالَ: التفخيم فيه وهما لغتان مثل العدم وَالْعُدْمِ، وَالسَّقَمِ وَالسُّقْمِ، وَالرَّشَدِ وَالرُّشْدِ. {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ} وَكَانَ وَزِيرَهُ مِنَ الْقِبْطِ".

التسكين لا شك أنه تخفيف التسكين تخفيف وضده الحركة في عرف بعضهم يسمي تفخيمًا؛ لأن التفخيم يقابل التسكين، حُزنا وحزنا التفخيم حَزنا، والتسكين هذا لا شك أنه تخفيف؛ لأنه سلب للحركة.

"{وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ} أَيْ عَاصِينَ مُشْرِكِينَ آثِمِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} يُرْوَى أَنَّ آسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ رَأَتِ التَّابُوتَ يَعُومُ فِي الْبَحْرِ، فَأَمَرَتْ بِسَوْقِهِ إِلَيْهَا وَفَتْحِهِ فَرَأَتْ فِيهِ صبيًا صغيرًا فرحمته وأحبته، فقالت لفرعون:" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" أَيْ هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لي ولك ف" قُرَّتُ" خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بَعِيدٌ ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: يَكُونُ رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ {لَا تَقْتُلُوهُ}، وَإِنَّمَا بَعُدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ قُرَّةُ عَيْنٍ، وَجَوَازُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِذَا كَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَلَكَ فَلَا تَقْتُلُوهُ. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَلَكَ". النَّحَّاسُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عبد الله بن مسعود: " وقالت امرأت فرعون لا تقتلوه قرت عَيْنٍ لِي وَلَكَ". وَيَجُوزُ النَّصْبُ بِمَعْنَى لَا تَقْتُلُوا قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَلَكَ. وَقَالَتْ:" لَا تَقْتُلُوهُ" وَلَمْ تَقُلْ لَا تَقْتُلْهُ فَهِيَ تُخَاطِبُ فِرْعَوْنَ كَمَا يُخَاطَبُ الْجَبَّارُونَ".

يعني بضمير الجمع بضمير الجمع للتعظيم أو للتأكيد كما نص على ذلك البخاري -رحمه الله- أن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع ذكر ذلك البخاري في تفسير إنا أنزلناه من الصحيح، فإما أن يكون من التعظيم فعظمته ليقبل أو يكون لتأكيد عدم القتل. 

"وَكَمَا يُخْبِرُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ قَالَتْ" لَا تَقْتُلُوهُ" فَإِنَّ اللَّهَ أَتَى بِهِ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى وَلَيْسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. {عَسى أَنْ يَنْفَعَنا} فَنُصِيبُ مِنْهُ خَيْرًا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَاسْتَوْهَبَتْ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ فَوَهَبَهُ لَهَا، وَكَانَ فِرْعَوْنُ لَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا وَقَصَّهَا عَلَى كَهَنَتِهِ وَعُلَمَائِهِ- عَلَى مَا تَقَدَّمَ- قَالُوا لَهُ إِنَّ غُلَامًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُفْسِدُ مُلْكَكَ، فَأَخَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِ الْأَطْفَالِ، فَرَأَى أَنَّهُ يَقْطَعُ نَسْلَهُمْ فَعَادَ يَذْبَحُ عَامًا وَيَسْتَحْيِي عَامًا، فَوُلِدَ هَارُونُ فِي عَامِ الِاسْتِحْيَاءِ، وَوُلِدَ مُوسَى فِي عَامِ الذَّبْحِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ هَلَاكَهُمْ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمَرْأَةِ، أَيْ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَدْرُونَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ، وَلَا يَشْعُرُونَ إِلَّا أَنَّهُ وَلَدُنَا. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قالت فيه امرأة فرعون".

هم لا يشعرون ماذا سيكون لا يشعرون بما سيؤول إليه الحال لا يشعرون بما سيؤول إليه الحال، قول المفسر: وهم لا يشعرون أن هلاكهم بسببه صحيح، وهذا ما يؤول إليه الحال وقيل: هو من كلام المرآة أي وبني إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه ولا يشعرون إلا أنه ولدنا مثل هذا يكون بعيدًا؛ لأن أمر فرعون مستفيض أنه لا يولد له، وفجأة يوجد عنده ولد من دون حمل لامرأته ومن دون مقدمات، هذا بعيد، وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه، بنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه، هذا أيضا فيه بُعد ولا يشعرون إلا أنه ولدنا مثل ما تقدم الرجل لا يُحمل وعقيم ولا يُولد له، فكيف لا يُشعر بأن هذا الولد ليس له؟ هذا فيه بُعد.

طالب:........

ماذا؟

طالب:.....

امرأة فرعون حينما أسلمت هذه متأخرة.

طالب: متأخرة.

" وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قالت فيه امرأة فرعون: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ"، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِقَاطِهِ التَّابُوتَ لَمَّا أَشْعَرَتْ فِرْعَوْنَ بِهِ، وَلَمَّا أَعْلَمَتْهُ سَبَقَ إِلَى فَهْمِهِ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّ ذَلِكَ قُصِدَ بِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنَ الذَّبْحِ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالذَّبَّاحِينَ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ مَا ذُكِرَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: أَمَّا لِي فَلَا. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ نَعَمْ لَآمَنَ بِمُوسَى وَلَكَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ» وَقَالَ السُّدِّيُّ: بَلْ رَبَّتْهُ حَتَّى دَرَجَ، فَرَأَى فِرْعَوْنُ فِيهِ شَهَامَةً وَظَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَخَذَهُ فِي يَدِهِ، فَمَدَّ مُوسَى يده ونتف لحية فرعون، فهم حينئذ يذبحه، وَحِينَئِذٍ خَاطَبَتْهُ بِهَذَا، وَجَرَّبَتْهُ لَهُ فِي الْيَاقُوتَةِ وَالْجَمْرَةِ، فَاحْتَرَقَ لِسَانُهُ وَعَلِقَ الْعُقْدَةَ عَلَى مَا تقدم في" طه".

أنه لما خاف منه وفعل بلحيته ما فعل هم بقتله فقالت امرأته: هذا طفل من غير الشعور يحصل منه ما يحصل من غير قصد، بدليل أنها اختبرته فوضعت في صحن ياقوتة وجمرة، فأخذ الجمرة وترك الياقوتة وأدخلها في فيه، وبعض الراويات تمرة وجمرة، أخذ الجمرة وترك التمرة، فتبين لفرعون صدق ما تقوله المرأة، فتركه.

طالب: الحديث لو قال فرعون: نعم لآمن بموسى.

نعم.

طالب: قال النبي-صلي الله عليه وسلم-.

لو قال فرعون: نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له.

طالب: صحيح.

 قرة عين لي ولك، فلم يقبله.

مخرج؟

طالب: قال المحقق :ضعيف جدًّا أخرجه النسائي في الكبرى من حديث ابن عباس في أثناء حديثه المطول وإسناده ضعيف؛ لضعف أصبغ بن زيد وإن وثقه بعضهم فإن حديث... من مناكيره، وقد ورد هذا عن ابن عباس موقوفًا، وهو الراجح.

مضعف حديث ...... بطوله مضعف، وهذا قطعة منه.

طالب: العقدة من ولادتها ولا من هذا الحديث.

قالوا من هذه الجمرة سببها هذه الجمرة.

طالب: كيف لطفل يمسكها بيديها ولا يضعها في فمه؟

ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً لبراءته، مع أن القصة فيها ما فيها.

" قال الفراء: سمعت مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: السُّدِّيُّ يَذْكُرُ عَنِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: إنما قالت: " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا".

ولك لا، قرة عين لي وهنا وقف، ولك لا، لا قرة عين لك.

"إنما قالت" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا" ثُمَّ قَالَتْ:" تَقْتُلُوهُ" قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ لَحْنٌ."

يعني لو كان المراد ما ذكر لقالت: قرة عين لي لا لك.

 قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنَّمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِاللَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ تَقْتُلُونَهُ بِالنُّونِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ مَرْفُوعٌ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ النَّاصِبُ أَوِ الْجَازِمُ."

نعم إذا تجرد عن الناصب والجازم، فإنه يرفع بثبوت النون، وهنا النون محذوفة، فدل على أن لا ناهية جازمة.

 فَالنُّونُ فِيهِ عَلَامَةُ الرَّفْعِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَوِّيكَ عَلَى رَدِّهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "وقالت امرأت فِرْعَوْنَ لَا تَقْتُلُوهُ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" بتقديم" لا تَقْتُلُوهُ".

اللهم صلِّ وسلم على عبدك محمد.

طالب:....

ماذا فيه؟

إذا طلب الإنسان لنفسه دخل.

طالب: ما طلب.....

من نوع العلاج المعدّ له ولغيره، يعني ما يدري.

يعني مثل العلاج ما يدخل في الاسترقاء.

"