تعليق على تفسير سورة الأنعام من أضواء البيان (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "تنبيه: لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله، كان جميع الطرق التي يُراد بها التوصل إلى شيءٍ من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين، وبعضٌ منها يكون كفرًا.

ولذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة، والكهانة، والعرافة، والطرق، والزجر، والنجوم، وكل ذلك يدخل في الكهانة؛ لأنها تشمل جميع أنواع ادّعاء الاطلاع على علم الغيب".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فالتشديد في هذا الباب وإطلاق القول بكفر من يدعي علم الغيب لنفسه أو لغيره؛ لأنه تكذيبٌ لله –جلَّ وعلا-، الذي يدعي الاطلاع لأحدٍ من الخلق غير من أطلعهم الله على شيءٍ من غيبه ادعاء تكذيب لله –جلَّ وعلا-؛ لأن النص قطعي في كون الغيب لا يعلمه إلا الله.

فمن ادَّعاه لنفسه أو ادَّعاه لغيره ممن يزعمون فيهم الولاية، ممن يزعمون فيهم الولاية، فهو مكذبٌ لله، مصادمٌ للنص القطعي من كتاب الله وسُنَّة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.    

يبقى النزاع في بعض المسائل هل هي من علم الغيب أو يُمكن للبشر الاطلاع عليها بوسائلهم وأسبابهم هذه مسألة تحتمل الاجتهاد على حسب ما يُمكن من ذلك؛ لأن العلماء في زمنٍ سبق يجعلون من يُخبر عن الكسوف أنه مدعٍ لعلم الغيب، ويطلقون عليه الكفر؛ لذلكم ابن العربي وغيره يقولون بهذا، يُنازعه آخرون يقولون: إن هذا مما يُدرك بالحساب، فيخرج من محل الاتفاق الذي قالوا: إن من يدعي الغيب فهو كافرٌ مُكذبٌ لله ورسوله، وسيأتي الإشارة إلى شيءٍ من ذلك.

"وقد سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن الكُهان، فقال: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ».

وقال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصه: فمن قال: إنه ينزل الغيث غدًا وجزم به، فهو كافر، خبَّر عنه بأمارةٍ ادعاها أم لا، وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم، وقال: إن النوء ينزل به الماء عادة، وإنه سبب الماء عادة، وإنه سبب الماء على ما قدره وسبق في علمه، لم يكفر، إلا أنه يُستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبيهًا بكلمة أهل الكفر، وجهلًا بلطيف حكمته؛ لأنه يُنزل متى شاء مرةً بنوء كذا، ومرةً دون النوء".

نعم الأمور المشتبهة المُلبِسة يجب منعها، فمن تُشبه حركته وخفة حركته -كما يقولون- أعمال السحرة والكُهان ولو كان صادقًا في دعواه يجب أن يُمنع؛ لأن العامة لا يفرقون بين مثل هذه الحركات الممكنة مع أعمال السحرة والكهانة.

جاء رجلٌ إلى هارون الرشيد وقال: إنه يستطيع أن يغرز الإبرة في الأرض، ثم يرمي الثانية فتدخل في ثقبها، ثم الثالثة كذلك إلى المائة، مثل هذا فيه نوع خفة مع بعده في التصور في مثل هذا أن يرمي الإبرة هكذا تدخل في جوف الثانية فهو مُشبِه لأعمال السَّحرة، فما كان من الخليفة إلا أن قال: أعطوه مائة درهم واجلدوه مائة جلدة، لماذا يُعطى مائة درهم؟ لأنه موهوب يُمكن أن يُستفاد منه في مجالات كثيرة، ومع ذلك هذه الموهبة أضاعها فيما لا نفع فيه، وفيما يُلبِس على العامة ويُدخِل عليهم الشك، وتصديق بعض الدعاوى.

الآن محل نزاع يأتون في القنوات فيما يغلب على الظن أنه سحر، ويتأولون به خفة وما أدري...تآويل باطلة، لكن مع ذلك حتى ولو لم يكن سحرًا فإنه يجب منعه؛ لأن العامي الذي لا يستطيع أو أي مسلم لا يستطيع أن يُفرِّق يُمكن أن يُوجد سِحر من ساحر، ثم يُحيله إلى ما رآه مما بُرِّر مما سبق يقول: مثل ذلك، والله المستعان.

"قال الله تعالى: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ» على ما يأتي بيانه في الواقعة إن شاء الله تعالى".

تمام الحديث «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ» وفي رواية «بِالْكَوَاكِبِ، وكَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» قاله النبي –عليه الصلاة والسلام- يوم الحديبية على إثر سماع «فَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ هذا مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فهو كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ».

طالب:........

قدسي نعم.

طالب:........

سيأتي.

"قال ابن العربي: وكذلك قول الطبيب إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة، فهو ذكر، وإن كان في الثدي الأيسر فهو أنثى، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فالولد أنثى، وادعى ذلك عادةً لا واجبًا في الخلقة لم يكفر، ولم يفسق".

ولكن ينبغي أن يُقيد هذا بما إذا كانت العادة مطردةً، أما أن يدّعيها ابتداءً فما يكفي هذا.

"وأما من ادعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر، أو أخبر عن الكوائن المُجملة، أو المفصَّلة، في أن تكون قبل أن تكون فلا ريبة في كفره أيضًا، فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر، فقد قال علماؤنا: يؤدب ولا يُسجن، أما عدم كفره فلأن جماعةً قالوا: إنه أمر يُدرك بالحساب وتقدير المنازل، حسبما أخبر الله عنه من قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39].

وأما أدبهم؛ فلأنهم يدخلون الشك على العامة، إذ لا يدرون الفرق بين هذا وغيره، فيشوِّشون عقائدهم، ويتركون قواعدهم في اليقين، فأُدِّبوا حتى يستروا ذلك إذا عرفوه ولا يُعلنوا به".

كان من نتيجة الإعلان بهذه الوقائع وهذه الحوادث قبل وقوعها أن استهان الناس بها، فلم تعد تؤثِّر فيهم كما كانت تؤثر في السابق، ولما كسفت الشمس على عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- خرج يجر رداءه يظنها الساعة، والآن لما صاروا يعرفون متى يقع، ومتى ينجلي ذهب ما في نفوسهم وإن كان آية، الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59].

لكن إذا عُرِفت العواقب، وأنه في الثانية كذا من الدقيقة كذا من الساعة كذا ينجلي فالناس يعتادون، ولا يصير عندهم مؤثر، مع أنه قد يُصاحبه حوادث فلكية تضر بهم، وقد ينزل معه أشياء بتقدير الله –جلَّ وعلا-، وقد حصل قبل سنوات في تركيا خرجوا ينظرون الكسوف ومعهم كاميرات التصوير فرحين مسرورين بهذه الظاهرة، فصار معه فيضان.

ثم نأتي إلى مسألةٍ أخرى وهي ما علاقة القمر بالمد والجزر هذه يشيعونها بالمد والجزر، يقولون: له ارتباط كبير بالقمر، وأنه إذا كانت الليلة مُقمرة فالمد يصل إلى كذا، وإن كانت الليلة مظلمة فالجزر يصل إلى كذا، هل هذا من تأثير القمر على البحر أو أنه مما جرت به العادة إذا اطرد؟ هم يقولون: مطرد، إذا ما جرت به العادة بأنه يكون...

طالب:......

ماذا ؟

طالب:......

فيكون عنده لا به.

طالب:.......

على كل حال إذا اطرد يُمكن التأويل، أما التأثير، تأثير الكواكب والنجوم وغيرها فينبغي أن يُقطع سببه؛ سدًّا للذريعة؛ لأن هناك من يعبدون النجوم، ومن يعبدون الكواكب، ويزعمون تأثيرها المباشر، أنها مؤثرة بنفسها، فلا يحصل التشابه أو التشبه بهم.

"قلت: ومن هذا الباب ما جاء في (صحيح مسلم) عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» والعراف: هو الحازي والمُنجِّم الذي يدعي علم الغيب".

جاء عن هرقل عظيم الروم، قالوا: وكان رجلًا حزَّاءً ينظر في النجوم.

"وهي العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسبابٍ ومقدمات يدعي معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر، والطُّرق، والنجوم".

الطَّرق.

"والطَّرق، والنجوم وأسبابٍ معتادةٍ في ذلك، وهذا الفن هو العيافة بالياء، وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة، قاله القاضي عياض، والكهانة: ادعاء علم الغيب.

قال أبو عمر بن عبد البر في (الكافي): من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا، ومهور البغايا، والسُّحت، والرُّشى، وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكِهانة، وادعاء الغيب، وأخبار السماء، وعلى الزَّمر واللعب، والباطل كله. انتهى من القرطبي بلفظه، وقد رأيت تعريفه للعراف والكاهن".

تعريفه أم تفريقه؟

طالب:.......

لو تفريقه قال: بين.

طالب:......

تفريقه إذا قال: بين، هل فرَّق؟

طالب:.....

على كل حال المتعلقة...

طالب:......

اللام هذه تدل على التعريف لا التفريق.

"وقال البغوي: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة ونحو ذلك، وقال أبو العباس بن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرَّمال، ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطُّرق".

الطَّرق الوارد في الحديث.

طالب:.......

الطَّرق: الخط، الطُّرق الخط؟! لا.

طالب:......

لا لا الطَّرق الوارد في الحديث المعطوف على «إن العيافة والطَّرق والرمل من السِّحر» جاء في الحديث. 

"والمراد بالطَّرق: قيل: الخط الذي يُدعى به الاطلاع على الغيب، وقيل: إنه الضرب بالحصى الذي يفعله النساء، والزجر هو: العيافة".

زجر الطير.

"وهي التشاؤم والتيامن بالطير، وادعاء معرفة الأمور من كيفية طيرانها، ومواقعها، وأسمائها، وألوانها، وجهاتها التي تطير إليها.

ومنه قول علقمة بن عبدة التميمي:

وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلْغِرْبَانِ يَزْجُرُهَا
 

 

عَلَى سَلَامَتِهِ لَا بُدَّ مَشْئُومُ
 

وكان أشد العرب عيافةً بنو لهب، حتى قال فيهم الشاعر:

خَبِيرٌ بَنُو لَهَبٍ فَلَا تَكُ مُلْغِيًا

 

مَقَالَةَ لَهَبِي إِذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ

أين مربط البيت؟ شاهد من شواهد النحو، خمسين سنة.

"وإليه الإشارة بقول ناظم عمود النسب:

فِي مَدْلَجِ بْنِ بَكْرٍ الْقِيَافَةُ

 

كَمَا لِلَهَبٍ كَانَتِ الْعِيَافَةُ

ولقد صدق من قال:

لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الضَّوَارِبُ بِالْحَصَى

 

وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللَّهُ صَانِعُ

ووجه تكفير بعض أهل العلم لمن يدعي الاطلاع على الغيب، أنه ادعى لنفسه ما استأثر إليه تعالى به دون خلقه".

واستأثر الله به دون خلقه ما فيه (إليه).

"أنه ادعى لنفسه ما استأثر الله تعالى به دون خلقه، وكذَّب القرآن الوارد بذلك كقوله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65].

وقولُه هنا..".

وقولِه.

"وقولِه هنا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] ونحو ذلك.

وعن الشيخ أبي عمران من علماء المالكية".

طالب:......

مثله مثله، مع الأسف أن هذا منتشر ومشتهر في كثيرٍ من أقطار المسلمين، وموجود في شوارعهم وعلى أرصفتهم من رجال ونساء يُناديه، هل تُريد أن تعلمه؟ حصل!

طالب:.......

صدقه، إذا صدقه أخذ، وإذا قال له: كذبت يا عدو الله، المهم أنه قال له: لو تحديتك أن ترى أمك؟ قال: نعم، قال له: انظر إلى كمي، يقول: فنظرت إلى أمي وهي تُدير الرحى في بيتها، هذا تخييل، وهذا قد يكون من فعل الشياطين.

ومع الأسف أن بعض المسلمين إذا طابق قوله الواقع قال له: صدقت.

وقد حصل لشخص يُحدثنا عن نفسه كان حافظًا للقرآن وإمام جامع يقول: إنه تزوج امرأة من بلدٍ معروف داخل المملكة، ودخل بها، فدخلت عليه امرأةٌ سوداء ومعها طِيب، فرشَّت عليهم من الطِّيب، فمُنِع منها، ما استطاع أن يصل إلى امرأته، فقيل له: إن فلانًا في العراق يفك عنك هذا السِّحر، أو هذا المنع، فذهب إليه، وقال له: تأتيني غدًا، ثم قال: ما استطعت، بعد غدٍ قال: ما استطعت، ولكن اذهب إلى فلان في البحرين، وذهبت إليه، قال: أعطني فانلتك، فأعطاه إياها، وقال له: أنت تزوجت في البلد الفلاني، ودخلت عليكم امرأة، فرشَّتكم بطيبٍ هذا بقيته، القارورة التي فيها الطِّيب، قال: من هذه القارورة، وهذا باقيها، قال: صدقت.

 وهو مأمورٌ أن يُكذبه، ولو طابق الواقع، من باب الفتنة، فإن الصدق والكذب ما يُوافق الشرع.

الثلاثة الذين يقذفون الزاني وقد رأوه بأعينهم رؤية العين المطابقة وهو يُجامع امرأةً كما يُجامع امرأته ويشهدون، الله –جلَّ وعلا- يقول: {فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13] وشهادتهم مطابقة للواقع.

فالمسلم يدور مع الشرع، ويدور مع النص، إذا قال الشرع: صادق، فصادق، وإذا قال: كاذب، فكاذب، أنت مأمور بأن تقول له: كذبت يا عدو الله، وفي الحديث «كَذِبَ المُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدقُوا» هذا حُكم، ومجرد الذهاب شيء، والسؤال شيء آخر، والتصديق أمرٌ أعظم، ما فيه إشكال أنه كُفر.

طالب:......

ما قال له شيئًا الذي في العراق، ما أعطاه شيئًا، مجرد الذهاب جريمة وأمرٌ عظيم، «مَنْ أَتَى عَرَّافًا» عندك المرحلة الثانية «فصدَّقه بما يقول».

طالب:......

لكن كيف توصَّل الساحر إلى معرفة هذا؟ كيف توصَّل إلى معرفة هذه المرأة، ووصول الطِّيب إليه منها وكذا؟

طالب:......

ماذا؟

طالب: ........

الشياطين الذين يُعينونه يُحضرون له ما يُريد.            

"وعن الشيخ أبي عمران من علماء المالكية أن حلوان الكاهن لا يحل له، ولا يُرد لمن أعطاه له، بل يكون للمسلمين في نظائر نظمها بعض علماء المالكية بقوله".

لأنه لو رُدَّ إليه لكان سببًا في استمراره، ومثله مهر البغي، لو يعرف شخص أن مهر البغي خبيث، فيقول: خبيث، يُريد أن يُغري هذه المرأة بمبلغٍ كبير جدًّا، ثم إذا انتهى، قال: مهر البغي خبيث، ما يجوز أن أعطيكِ، نقول: أنت خبيث، والمهر خبيث، فيؤخذ منه، ويُصرف في مصارف ثانية، ما يُرجَّع إليه، وإلا كانت حيلة لإفساد النساء؛ لأن بعض النساء المبلغ اليسير قد لا تستجيب، فيزيد ويزيد إلى أن يصل إلى مبلغٍ ما يُمكن ردّه عند بعض النفوس الرديئة التي همُّها الدنيا، نسأل الله العافية.

طالب:.....

نفس الشيء يُصرف في المصارف العامة.

"نظمها بعض علماء المالكية بقوله:

وَأَيُّ مَالٍ حَرَّمُوا أَنْ يَنْتَفِعْ

 

مَوْهُوبُهُ بِهِ وَرَدُّهُ مُنِعْ

حُلْوَانُ كَاهِن وَأُجْرَةُ الْغِنَا

 

وَنَائِحٌ وَرِشْوَةٌ مَهْرُ الزِّنَا

هكذا قيل، والله تعالى أعلم.

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60] ذكر في هذه الآية الكريمة أن النوم وفاة، وأشار في موضعٍ آخر إلى أنه وفاةٌ صغرى، وأن صاحبها لم يمت حقيقة، وأنه تعالى يرسل روحه إلى بدنه حتى ينقضي أجله، وأن وفاة الموت التي هي الكبرى قد مات صاحبها، ولذا يمسك روحه عنده، وذلك في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].

قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام:61] الآية، لم يبيِّن هنا ماذا يحفظون، وبيَّنه في مواضع أخر، فذكر أن مما يحفظونه بدن الإنسان، بقوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] وذكر أن مما يحفظونه جميع أعماله من خير وشر، بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12].

وقوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17-18].

وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]".

نعم، { كتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49].

"قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:68] نهى الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية الكريمة عن مجالسة الخائضين في آياته، ولم يبيِّن كيفية خوضهم فيها، التي هي سبب منع مجالستهم، ولم يذكر حكم مجالستهم هنا، وبيَّن ذلك كله في موضعٍ آخر، فبيَّن أن خوضهم فيها بالكفر والاستهزاء بقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء:140] الآية.

وبيَّن أن من جالسهم في وقت خوضهم فيها مثلهم في الإثم".

المسألة لو وجِد مجلس فيه تفسير عند شيخ يُفسِّر أو يقرأ تفسيرًا من تفاسير المبتدعة مثلًا، يدخل في هذا أو لا يدخل؟ ليس بكفر ولا استهزاء، لا يصل إلى حد الكفر، ولا يصل إلى حد الاستهزاء، هل يدخل في قوله: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء:140]؟ لا.

طالب:......

لا لا، هذا مُبتدع، ويشرح كتاب بدعة، يشرح (الكشاف) للزمخشري وهو معتزلي، سبحان الله! نحن نقول: سُني، طالب علم، هل يجوز أن يجلس عند المعتزلي أم لا؟ لا يجوز، بلا شك.

طالب:......

أنا أقول: طالب، ما أقول: مُتمكن، إذا كان مُتمكنًا، وقصده هو الرد، وبيان الحق، فهذا يتعين عليه، إذًا لا يجوز له إلا بنية الرَّد، وهو عنده من الآلة والتمكن ما يرد به، أما أن يزج بنفسه في قراءة كُتب المبتدعة وقد يدخل في قلبه شُبهة لا يستطيع الخروج منها.

الغزالي أراد أن يدخل في علم الكلام، وأراد أن يخرج، عجز، عجز على أن يتخلص.

إذًا لا بُد أن تعرف هذا الخلل؛ لتجتنبه.

طالب:......

أنا أقول: في هذا الخطأ يُجتنب، قد يكون عالمًا في اللغة مثلًا، وهذا كثير في اللغويين.

طالب:......

يؤخذ عنه العلم فيما لا ضرر فيه عليه، ودرء المفاسد مُقدم على جلب المصالح.

طالب:......

ماذا يا شيخ؟

طالب: حتى يخوضوا في حديث غيره.

نعم.      

"وبيَّن أن من جالسهم في وقت خوضهم فيها مثلهم في الإثم بقوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140] وبيَّن حكم من جالسهم ناسيًا، ثم تذكر بقوله هنا: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]، كما تقدم في سورة النساء.

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76] الآيات، قوله: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76] في المواضع الثلاثة محتملٌ؛ لأنه كان يظن ذلك، كما روي عن ابن عباس وغيره، ومحتملٌ؛ لأنه جازمٌ بعدم ربوبية غير الله، ومراده هذا ربي في زعمكم الباطل، أو أنه حذف أداة استفهام الإنكار، والقرآن يُبيِّن بطلان الأول، وصحة الثاني".

يعني إبراهيم –عليه السلام- في المواضع الثلاثة هل هو ناظر أو مُناظر؟ هو مُناظر؛ لأن الاحتمال الأول كما قال المؤلف:... أو أنه حذف هذا، جزم ببطلان الأول "والقرآن يُبيِّن بطلان الأول، وصحة الثاني" أنه مناظرٌ لقومه، لا أنه ناظرٌ فيها هل تحتمل أن تكون معبودًا صحيحًا أو لا؟

"أما بطلان الأول: فالله تعالى نفى كون الشرك الماضي عن إبراهيم في قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة:135] في عدة آيات، ونفي الكون الماضي يستغرق جميع الزمن الماضي، فثبت أنه لم يتقدم عليه شركٌ يومًا ما.

وأما كونه جازمًا موقنًا بعدم ربوبية غير الله، فقد دلَّ عليه ترتيب قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76] إلى آخره، (بالفاء) على قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:75] فدل على أنه قال ذلك موقنًا مناظرًا ومحاجًا لهم، كما دل عليه قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} [الأنعام:80] الآية، وقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام:83] والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] الآية، المراد بالظلم هنا الشرك، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في (صحيح البخاري) وغيره من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وقد بيَّنه قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254]، وقوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106].

قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} [الأنعام:83] الآية"

لأنه لما نزلت الآية شقَّ ذلك على الصحابة، قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: «ليس الأمر كذلك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]؟» كان المراد بالظلم في هذه الآية الشِّرك.

"قال مجاهد وغيره: هي قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ} [الأنعام:81] الآية، وقد صدَّقه الله، وحكم له بالأمن والهداية، فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].

والظاهر شمولها لجميع احتجاجاته عليهم، كما في قوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76]؛ لأن الأفول الواقع في الكوكب، والشمس، والقمر، أكبر دليلٍ وأوضح حجة على انتفاء الربوبية عنها، وقد استدل إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بالأفول على انتفاء الربوبية في قوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76]".

لأنه إذا أفل، وعلى حد زعمهم أنه إله، إذا أفل يعني غاب، فمن يُدبر مألوهه غيره إذا غاب، بحاجة إلى من يُدبر غيره إذا غاب تناوب مثلًا، ومن كان هذه صفته فإنه لا يستحق أن يكون إلهًا، إذا كان يحتاج إلى من يُساعده في مراقبة أتباعه إذا غاب، يعني إذا غاب يخفى عليه ما يفعله من يعبده. 

"فعدم إدخال هذه الحجة في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} [الأنعام:83] غير ظاهر، وبما ذكرنا من شمول الحجة لجميع احتجاجاته المذكورة صدَر القرطبي".

صدَّر.

"صدَّر القرطبي، والعلم عند الله تعالى".

يعني بدأ به.

"قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] ذكر تعالى أن هؤلاء الأنبياء المذكورين في هذه السورة الكريمة لو أشركوا بالله لحبط جميع أعمالهم.

وصرَّح في موضعٍ آخر بأنه أوحي هذا إلى نبينا والأنبياء قبله -عليهم كلهم صلوات الله وسلامه- وهي قوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] الآية، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع؛ لقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف:81] الآية".

{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:81] {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ} [الزخرف:81] هذا شرط، لكن هل يلزم وقوعه؟ مثل ما يُقال: إن فعلت كذا فلك كذا، قد لا تفعل (إن) بعد للشرط غير الجازم تجدها للشك.

طالب:.......

لا، الرسول –عليه الصلاة والسلام- في البخاري يقول: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» في صحيح البخاري «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» هذا كلامه، لكن كونه يُقال على سبيل التنزَّل في مثل هذا السياقات لا يعني وقوعه.

طالب:.......

حصلت المحاجة، وأبطل حججهم.

"لقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف:81] الآية، على القول بأن (إن) شرطية، وقوله: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} [الأنبياء:17] الآية، وقوله: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [الزمر:4] الآية.

قوله تعالى: {وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [الأنعام:93] أي: لا أحد أظلم ممن قال: أنزل مثل ما أنزل الله، ونظيرها قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال:31] وقد بيَّن الله تعالى كذبهم في افترائهم هذا حيث تحدى جميع العرب بسورة واحدة منه، كما ذكره تعالى في البقرة بقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] وفي يونس بقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] وتحداهم في هود بعشر سور مثله في قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وتحداهم به كله في الطور بقوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34].

ثم صرَّح في سورة بني إسرائيل بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله في قوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] فاتضح بطلان دعواهم الكاذبة".

والواقع يشهد بأنهم عجزوا عن الإتيان بعشر سورٍ منه، بل بسورةٍ منه، ولكن هل وقع التحدي بالإتيان بآيةٍ من مثله أو منه؟ لم يقع التحدي بآية، نعم التحدي بآيةٍ بقدر سورة نعم يحصل به التحدي، لكن إطلاق الآية هل يعجز العرب أن يقولوا: ثم نظر؟ لا يعجزون.

طالب: ........

 في السياق، من خلال السياق، لكن {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر:21] آية {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64] آية، لكن في سياقها يعجزون عن تركيبها في هذا السياق.

طالب: ........

المقصود أنه حصل التحدي بسورة، وعشر سور، وبه كله، بآية ما جاء؛ لأن الآية في مثل هذا، لكن في سياقها لا، ما يُمكن.

طالب:......

بآية؟ لا لا، ما في آية سورة، وأشار بعضهم إلى أن قوله في البقرة: {بِسُورَةٍ} [البقرة:23] وقوله في آية هود: {بِعَشْرِ} [هود:13]؛ لأنه في البقرة ما تقدم إلا سورة واحدة، وفي هود تقدم عشر سور، لكن ليس بمطَّرد.

طالب:......

ما يخالف، لكن التحدي بآية ما حصل.

"قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ} [الأنعام:93] الآية لم يُصرِّح هنا بالشيء الذي بسطوا إليه الأيدي، ولكنه أشار إلى أنه التعذيب بقوله: {أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93] الآية، وصرَّح بذلك في قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:50] وبيَّن في مواضع أُخر أنه يراد ببسط اليد التناول بالسوء كقوله: {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} [الممتحنة:2]، وقوله: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} [المائدة:28] الآية".

من الأساليب المستعملة عند العامة أنه في مجال المشاجرات والمضاربات يقول الواحد لنظيره: مد يدك، مثل ابسط يدك، بمعنى: ابدأ بالضرب ترى ماذا يصير لك.

"قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} [الأنعام:94].

 ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار يأتون يوم القيامة كل واحدٍ منهم بمفرده ليس معهم شركاؤهم، وصرَّح تعالى بأن كل واحدٍ يأتي فردًا في قوله: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95]، وقوله في هذه الآية: {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] أي: منفردين لا مال، ولا أثاث، ولا رقيق، ولا خَوَل عندكم، حفاة، عراة، غرلاً، أي: غير مختونين: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]  وقد عرفت من الآية أن واحد الفرادى فرد، ويقال فيه أيضا: فَرَد بالتحريك، ومنه قول نابغة ذبيان:

مِنْ وَحْشٍ وَجَرَّةٍ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ

 

طَاوِي الْمُصَيْرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ

قف على هذا.