كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 49

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك

عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقواماً إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم رجل لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العِلْم)).

العَلَم.

((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم، ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجة)) وفي رواية: ((فيأتهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري ولم يشك، ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام، ورواه أبو داود ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) وذكر كلاماً، قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) والخز هنا: نوع من الحرير.

وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليها" رواه البخاري.

وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى، فيما علمنا أنه يعني الأعلام" متفق عليه.

ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربع".

وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله، وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" متفق عليه.

وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني القُمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيته عليهما في غزاة".

وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سَيَراء...

سِيَراء.

سِيَراء فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لأناث أمتي، وحرم على ذكورها)) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع.

وعن الشعبي عن الفضيل بن فضالة عن أبي الرجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز، فقلنا: يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه الشعبي ثقة...

شعبة، شعبة.

الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ.

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟!)) قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما)).

وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله عليه وسلم نهى عن لبس القِسي والمعصفر.

القَسِي.

القَسِي والمعصفر. رواهما مسلم.

وروى من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، والمرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك

يعني: باب اللباس، واللباس أدخله المؤلف هنا بين أبواب الصلاة باعتباره شرط من شروط الصلاة، والأصل أن الشرط يتقدم المشروط، فلو قُدم قبل الدخول والشروع في كتاب الصلاة كان له وجه، كان هو الأوجه كما تُقدم الشروط الأخرى من الطهارة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك.

والغريب أن المؤلف -رحمه الله تعالى- جعله بين باب العيدين وبين صلاة الكسوف والاستسقاء، يعني لو أخره عنهما كما فعل ابن حجر مع أن ابن حجر أيضاً قدمه على الجنائز، المقصود أن الترتيب فيه شيء من الخلل، يعني يحتاج إلى إعادة وضع لهذا الباب في موضعه المناسب، فإما أن يقدم باعتباره شرط من شروط الصلاة، أو يؤخر في أبواب الأدب كما يفعله الأئمة الكبار، يعني يجعلونه بعد الأحكام من العبادات والمعاملات.

على كل حال الترتيب ينبغي أن يكون دقيقاً، وإن كان لا يخل في أصل ما وضع الكتاب من أجله؛ لأن القصد الفائدة، وتحصل في أي مكان وُضع، لكن الترتيب يرتب ذهن القارئ، ويجعل المعلومات بعضها مرتب على بعض، وهذا يعين في فهم الأبواب والعلوم.

قال: باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك

اللباس الأصل فيه الحل، وهو أيضاً خاضع للأعراف والعادات عادات البلدان، ما لم يرد فيه نص بخصوصه فيمنع من أجله، في جميع البلدان إذا ورد فيه نص، قد يقول قائل: الناس اعتادوا أن الرجال ثيابهم طويلة، والنساء ثيابهم قصيرة، في بلدان الدنيا العالم كله على هذا، هل نقول: إن العرف يبيح مثل هذا؟ لا، لكن إذا كان العرف المتفق عليه في بلد ما جرى على لباس لم يرد به منع من الشرع فلا مانع من لبسه، والمانع ما ورد فيه بخصوصه منع فيما يتعلق بلباس الرجل، وما يتعلق بلباس المرأة، بخصوصه، وما ورد فيه المنع على جهة العموم كالتشبه بالكفار مثلاً، أو تشبه الرجال بالنساء، أو النساء بالرجال، أو لبس ثياب الشهرة التي يتفرد بها الإنسان عن غيره بحيث من رآه من بعد عرف أنه فلان؛ لأن هذا لباسه يتميز به عن الناس، فلباس الشهرة ممنوع، لباس النساء ممنوع بالنسبة للرجال والعكس، لباس الكفار ممنوع بالنسبة للمسلمين، ما يتعلق بألبسة النساء وضوابط ألبسة النساء ما يخرج عنها كله ممنوع، فيما يبدي شيئاً من العورة أو من مفاتن المرأة، أو من محاسن المرأة هذا كله ممنوع، وكذلك ما يتعلق بلباس الرجال من الحرير، وأيضاً المعصفر والأحمر، وما أشبه ذلك، وما كان من خصائص النساء هذا كله ممنوع، يعني يأتي نساء من بعض الأقطار من المغرب أو من الشام، أو من جهات أخرى، يعني ما تختلف عن لباس الرجال يلبسن الأبيض، والتفصيل قريب من تفصيل الرجال بالنسبة لبلد آخر، أما رجالهم يختلف لباسهم عن نسائهم، نقول: هذا عرف ما دام ثوب الرجل أو ثوب المرأة ما في منع يخصه فما كان تابعاً للعرف فإنه حينئذٍ الأصل فيه الإباحة، مع أن الرجل الأولى به أن يلبس الأبيض ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيهن موتاكم)).

قال: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك

"عن عبد الرحمن بن غنْم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول" هذا حديث المعازف المشهور، المخرج في صحيح البخاري بصيغة (قال) قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو مالك الأشعري -والله ما كذبني- فذكر الحديث.

العلماء يختلفون في هذا الخبر، وما جاء بهذه الصيغة مما يرويه البخاري عن شيخه الذي لقيه وسمع منه، لكنه لا يقول: حدثني كالعادة وإنما يقول: قال، فالذي مشى عليه ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهما أنه موصول، سمعه البخاري من هشام بن عمار؛ لأنه شيخه سمع منه إلا أنه بدل من أن يقول: حدثني قال: قال هشام بن عمار، صرح بالتحديث عنه في خمسة مواضع، فلا شك في لقائه له، وقالوا: غاية ما يقال في (قال) أنها مثل (عن) محكوم لها بالاتصال عند البخاري بثبوت اللقاء، والبراءة من وصمة التدليس، واللقاء ثابت، فالبخاري لقي هشام بن عمار، وروى عنه، وحدث عنه، والبخاري بريء من وصمة التدليس، بل قال ابن القيم: "هو أبعد خلق الله عن التدليس" والأدق في العبارة أن يقول: من أبعد خلق الله، فالسند متصل عند هؤلاء.

.......................... أما الذي
عنعنة  كخبر المعازفِ

 

لشيخه عزا بـ(قال) فكذي
لا تصغ لابن حزم المخالفِ

فهو متصل عندهم، المزي في (تحفة الأشراف) رمز للحديث بعلامة التعليق (خت) خاء تاء، فهو عنده معلق، ومال إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وجمع من أهل العلم قالوا: لو كان متصلاً رواه البخاري عن هشام بن عمار بدون واسطة لقال فيه كغيره: حدثني هشام بن عمار، لكن لما عدل عن هذه الصيغة دل على أنه لم يسمعه منه مباشرة، البخاري يعدل عن الصيغة الصريحة لنكتة، فلعله عدل عنها في هذا الحديث للشك من عبد الرحمن بن غنم حينما قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك، البخاري -رحمه الله- يعدل عن الصيغة الصريحة ليبين أن في الإسناد شيء من الخلل، وإن لم يكن هذا الخلل مؤثراً؛ لأن عبد الرحمن بن غنم سواء روى الحديث عن أبي مالك أو أبي عامر كلاهما ثقات صحابة، فلا يؤثر أن يكون الحديث من حديث أبي عامر أو من حديث أبي مالك، وعلى القولين سواء قلنا: إنه متصل كما قال ابن الصلاح والحافظ العراقي والنووي وغيرهم، أو قلنا: إنه معلق، لكنه بصيغة الجزم، قال هشام بن عمار، وما علق بصيغة الجزم فالبخاري ضمن لنا من حذف، يعني يفترض أنه في واسطة بينه وبين هشام بن عمار، هذه الواسطة مضمونة؛ لأن البخاري جزم بنسبة الخبر إلى هشام بن عمار، وعلى كل حال فالحديث صحيح، وهو مخرج في الأسانيد المتصلة عند أبي داود وغيره، فهو صحيح على كل حال.

قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني" يعني أحدهما صدقني فيما قال، والصحابة ما يحتاج أن يحلف على إخبارهم أنه صدق، وثقهم الله -جل وعلا-، ووثقهم نبيه -عليه الصلاة والسلام-، واختارهم الله لصحبة نبيه، وحمل دينه، وتبلغيه الناس، فكلهم ثقات.

"سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام))" ليكونن اللام لام قسم محذوف تقديره: والله ليكونن، ويكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ((من أمتي أقوام)) أقوام فاعل وإلا اسم كان؟ الآن كان تحتاج إلى فاعل وإلا تحتاج إلى اسم؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

يعني (كان) تامة هذه (كان) تامة تحتاج إلى فاعل، بمعنى ليوجدن.

((من أمتي)) أمة الإجابة أو أمة الدعوة؟

طالب: أمة الإجابة.

أمة الإجابة ((يستحلون الحر والحرير)) الحر: الفرج، يستحلون الفروج، يستحلون الزنا، فهل هؤلاء من أمة الإجابة؟ وهم باستحلالهم المحرم المجمع عليه خرجوا من كونهم من أمة الإجابة، كفروا بهذا الذي يستحل المجمع على حرمته أو العكس هذا كافر عند أهل العلم، مكذب لله ورسوله، فهم من أمة..، لو قلنا: إنهم من أمة الدعوة قلنا: أمة الدعوة يستحلون جميع المحرمات، لا يقتصر استحلالهم على ما ذكر......، قبل الاستحلال هم من أمة الإجابة.

((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون)) يعني يجعلون الحرام حلالاً، فدل على أن جميع ما ذكر في الخبر حرام، ولو لم يكن حراماً ما يقال: إنهم استحلوه، يستحلون الحر بعض الروايات: ((الخز)) والأكثر: الحر وهو الفرج، والمراد بذلك استحلال الزنا، وإن كان المراد به الخز كما في بعض الروايات، فهو ضرب من الحرير.

قوله: ((والحرير)) من باب عطف العام على الخاص؛ لأن الخز نوع من الحرير، فهو من باب عطف العام على الخاص، وإذا قلنا: الحر والحرير فهذا محرم وهذا محرم مغايرة.

((والخمر)) يستحلون الزنا، يستحلون المحرم من اللباس كالحرير، ومن الشراب كالخمر، وجاء أنه يكثر شربها في آخر الزمان، وتسمى بغير اسمها، ومع الأسف أن هذه موجودة حتى في بعض البلدان المنتسبة إلى الإسلام باسم الحرية -نسأل الله السلامة والعافية- يعني تباع في أسواق بعض البلدان التي تنتسب إلى الإسلام، إما وجودها في الفنادق والأماكن الخاصة فهذا كثير -نسأل الله السلامة-، وهذا كله من أجل تصديق ما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى؛ لأنه يخبر عن مستقبل ((ليكونن)) يعني في المستقبل، وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-.

((يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) المعازف آلات اللهو، والآن كثر استعمال المعازف، ويوجد في كثير من بلدان المسلمين من غير نكير، وسهّل وجوده بين الناس وجود الجوالات، كما أنه سهل وجود التصوير بين الناس، فاستنكر الناس أول ما وجدت هذه النغمات، وأصدرت اللجنة الدائمة الحكم بتحريم النغمات الموسيقية، ووزعت وعلقت في المساجد والمجامع وترجمت، وكأن شيئاً لم يكن، وإذا قيل لمن ضبط جواله على نغمة محرمة يقول..، غاية ما يقول: إن ابن حزم إمام من أئمة المسلمين، يعني ابن حزم تقابل به النصوص! ولو قيل لك: لماذا لا تقتدي بابن حزم في مسائل أخرى؟ قال: الإمام أحمد إمام من أئمة المسلمين، في مسألة أخرى الإمام مالك، هذا متبع لهواه، يبحث عن ما يناسبه من الأقوال، وإلا من يترضي أن يكون إمامه وقائده ابن حزم في جميع أبواب الدين؟ ما أظن واحد بيرضى أن يكون ابن حزم الظاهري الذي يُتندر ببعض المسائل التي صرح بها وبعضها إلزام.

على كل حال ابن حزم عنده خلل كبير في العقيدة، فهل ترضاه أن يكون إمام لك؟ والله لا ترضاه، لكنه الهوى، يعني وافق الهوى، وهذا لا شك أنه من اتخاذ الهوى إله -نسأل الله السلامة والعافية-، وإلا إذا أوردت عليه مسألة من كلام ابن حزم قال: لا، ابن حزم فيه شيء من الشدة، وهو لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وأخرجه كثير من أهل العلم من الاعتبار في مواطن الخلاف والاتفاق كسلفه داود، المقصود أن ما يقول مثل هذا الكلام إلا صاحب هوى، ابن حزم الذي يقول: لو لم يرد في البر إلا قوله -جل وعلا-: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء] لجاز قتلهما، يقول: هذه الكلمة على أنها أخف ما يقال لا تمنع القتل؛ لأنه ظاهري، لكن جاء نصوص أخرى تمنع، فكون كثير من الناس الذين استهواهم الشيطان واستغواهم، وزين لهم القبيح يقولون: ابن حزم إمام، وما عرف ابن حزم إلا في هذه المسألة عند الناس، يعني مسألة الأغاني والمعازف يلجئون لابن حزم، ويلجئون لأحمد في مسائل، ولأبي حنيفة في مسائل، وهكذا حتى يخرج الإنسان من دينه وهو لا يشعر، وهذا تتبع الرخص الذي ذكر أهل العلم أن من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فيها الشديد، وفيها المتوسط، وفيها المتساهل، فإذا عُمل بأقوال المتساهلين في جميع المسائل انتهى، ما بقي من الدين شيء.

((والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم)) جبل كبير مرتفع ((تروح عليهم بسارحة لهم)) السارحة الماشية من الغنم والإبل، يؤتى بها ليشربوا من ألبانها، ثم يسرح بها الراعي، ينتجع بها الكلأ، وهكذا تغدو وتروح عليهم، يأكلون ويشربون من نعم الله، ويتقلبون في النعم، وهم على هذا الحال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.

قال: ((ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم رجل لحاجة)) يأتيهم رجل لحاجة له إما يطلب إعانة، فيقال له: ائتنا غداً ((ارجع إلينا غداً)) ثم إذا جاءهم وجدهم موتى ((يبيتهم الله، ويضع العَلَم)) الذي هو الجبل عليهم، هؤلاء وضع عليهم الجبل، ويُمسخ أو يَمسخ آخرين قردة وخنازير، والمسخ يكثر في هذه الأمة في آخر الزمان، وذكر ابن القيم -رحمه الله- آثار وأخبار كثيرة جداً في إغاثة اللهفان في هذا الباب؛ لكثرة المخالفات، وذكر أن هذا المسخ قردة وخنازير أكثر ما يحصل في طائفتين: في علماء يبيعون الدين بأمر يسير من أمور الدنيا، ويحرفون الدين، وفي ولاة ظلمة، يقهرون الناس، ويعسفون الناس على شهواتهم.

على كل حال الأمر كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بوادره بدأت تلوح، في هناك أمور ما كانت معروفة في بلاد المسلمين، ثم أخذت تنتشر، وصار يُجادل عنها، ويُحاج عنها، والناس لهم عقول، ولهم ما يميزون به بين الحق والباطل على حد زعمهم، فيتركون لأن العصر عصر علم، وأن عصر الجهل الذي فيه سوق الناس على رأي واحد، وعسف الناس على اختيار واحد انتهى، الناس الآن ما عاد صاروا يحتاجون إلى أن يؤطروا على قول واحد، أو على..، أو حتى على الحق، ومن وراء ذلك كله ما يسمى بحقوق الإنسان، والدعوة إلى الحريات، الأصل أن المسلم مكلف مأمور منهي بأوامر الله ونواهيه، لا بد أن يلتزم ويستقيم على دين الله، إذا أمر لا بد أن يأتمر، وإذا نهي لا بد أن ينتهي، إذا كان القصد بالحرية التي تخلص الناس من تكليف المخلوق، واستعباد المخلوق نعم هذه جاء بها الشرع، أما الحرية التي تخلص الناس من الدين وتكاليف الدين هذه مرفوضة؛ لأن الأصل أن الإنس والجن ما خلقوا إلا لعبادة الله -جل وعلا-، فعليهم أن يأتمروا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي، و((يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) وذكر ابن القيم -رحمه الله- بعض القصص التي تحصل من هذا، وأن هذا يكون بعد مسخ القلوب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني الإنسان يفتن في كل سنة مراراً وهو لا يشعر، ما يشعر ولا يتوب ولا يرجع، ويزعم أنه على حق، ويزدري الآخرين، وأن الحق كله معه، وأن من عداه على صواب، وفي هذا إعجاب كل ذي رأي برأيه، ذكر ابن القيم أن الرجلين يمشيان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، ويمضي الثاني إلى معصيته -نسأل الله السلامة والعافية-.

((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).

قال: "رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به" يعني المؤلف -رحمه الله- حكم بأن الخبر معلق، لكنه بصيغة الجزم فهو صحيح، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك".

قال -رحمه الله-: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له" ابن حزم له رسالة في المعازف وفي الغناء وأباحها بجميع صورها وأشكالها، وحكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، بما في ذلك حديث البخاري، استغل هذا الخلل اليسير الناشئ عن الشك من الراوي أبو عامر أو أبو مالك، فغير الصيغة البخاري فقال: فرصة الخبر موضوع كغيره، كل ما ورد في الباب موضوع.

"ولا التفات إلى ابن حزم في رده له وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام" طيب المؤلف -رحمة الله عليه- ومثله المزي وابن حجر حينما قالوا: تعليق، إيش معنى تعليق؟ أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، يعني لم يذكر الواسطة بين البخاري وهشام إذا قلنا: تعليقاً فالمعلق: ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، فعلى كلام المؤلف -رحمه الله-: رواه البخاري تعليقاً، كيف يقول: زعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام؟ هذا محل التعليق، هذا محل الحذف، فيكون البخاري رواه عن هشام بواسطة، وأسقط الواسطة، هذا معنى التعليق، وكلامه وزعمه في قوله: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع" أنت تزعم أنه منقطع، أنت يا المؤلف تزعم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، من أين أخذنا هذا الزعم؟ من قوله: "رواه البخاري تعليقاً" هذا مقتضى التعليق، لكنه تعليق مجزوماً به عند المؤلف فهو صحيح؛ لأن البخاري ضمن لنا من حذف، وعلى كل حال الحديث صحيح وموصول عند أبي داود وغيره، وابن القيم -رحمه الله تعالى- أجاب عن جميع ما ذكره ابن حزم وغيره حول ما يتعلق بالسماع، وما جاء فيه.

قال: "وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح" الإسماعيلي والبرقاني على صحيح البخاري "على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجته))" يعني: يقولون له: تعال غداً، الآن ما معنا شيء، لكن غداً تأتي، ثم إذا جاء وجدهم قد بيتهم الله -جل وعلا- موتى -نسأل الله السلامة والعافية-، نسأل الله حسن الخاتمة.

"وفي رواية: ((فيأتيهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري، ولم يشك عبد الرحمن بن غنم" فتجده مرة يشك ويتردد، ومرة يجزم، وعلى كل حال أينما تردد بين هذين الاثنين، وهما من الصحابة فهما ثقتان لا يضر، يعني لو أن إسناداً جاء فيه عن سفيان، وأردنا أن نميز سفيان من سفيان؟ هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ وعجزنا في النهاية ما استطعنا، فما الحكم؟ الحديث صحيح؛ لماذا؟ لأنه أينما دار فقد دار على ثقة، وهنا سواء كان من حديث أبي عامر أو أبي مالك فهو صحيح.

"ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام" فذكر الواسطة بين الطبراني وهشام واسطة محتملة؛ لأنه يجزم بأن الطبراني لم يدرك هشام، لكن الإمام البخاري لا يحتاج إلى واسطة؛ لأنه أدرك هشاماً، وروى عنه أحاديث خمسة أو ستة بصيغة التحديث.

"ورواه أبو داود، ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير))" وقلنا: إنه من باب عطف العام على الخاص "وذكر كلاماً قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة))" قال: "والخز هنا: نوع من الحرير" والمؤلف إنما ساق الخبر ليبين أن الخز والحرير على رواية الخز محرمان، من الألبسة المحرمة؛ لأن الاستحلال لا يكون إلا للحرام، وإذا قلنا: الحر والحرير فالحرير كافي في وجود المناسبة بين الحديث والترجمة.

"وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة" هذا الحديث حديث حذيفة تقدم في باب الآنية بلفظ: ((لا تشربوا في آنية الذهب، والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) نسأل الله العافية، وجاء به هنا: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج" هذا الشاهد من الحديث: "وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" الحرير معروف، والديباج ما غلظ منه فهو نوع منه، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وكلاهما محرم "وأن نجلس عليه" الجلوس على الحرير محرم كلبسه، والجلوس نوع من اللبس، كما جاء في حديث أنس الذي تقدم في الصلاة: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس" والمراد بلبس الحصير الجلوس عليه، فالجلوس حكمه حكم اللبس.

"رواه البخاري".

((الحرير والذهب حرام على ذكور هذه الأمة، وحل لإناثها)) فإذا كان الحرير حلال للنساء، والذهب حلال للنساء، فماذا عن اتخاذ آنية الذهب والفضة للنساء والجلوس على الحرير بالنسبة للنساء؟ بالنسبة للبس والأكل والشرب في الذهب والفضة حرام، الذهب والحرير حرام على الذكور، حل للإناث، هل مقتضى هذا الحل بالنسبة للإناث أن تشرب في آنية الذهب والفضة، وأن تجلس على الحرير؟ الآن الذي معنا: "نهانا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها" هذا شامل للرجال والإناث وإلا خاص بالرجال؟

طالب: شامل.

إذاً قوله: ((حرام لذكور أمتي، حل لإناثها)) يخص منه آنية الذهب والفضة، فلا يجوز للإناث أن يشربنا في آنية الذهب والفضة الحرير حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها ((وأن نجلس عليه)) شامل للرجال والنساء، فموضع الحاجة للمرأة من الذهب والفضة والحرير اللبس والتزين، وما زاد على ذلك فهي تشارك فيه الرجل.

"رواه البخاري".

"وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير" نهى عن الحرير هذا كل ما تقدم يشهد له في النهي "إلا هكذا" هذا الاستثناء وهذا التخصيص هو الذي دل عليه حديث كتاب عمر: "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، فيما علمنا، يعني أنه الأعلام" أو ثلاثة أصابع أو أربعة على ما سيأتي، يستعمل في أطراف الثوب في كفة الكم، وفي الجيب، وفي الفرجة أو الفرج التي تكون فتحة بين جانبي الثوب، على كل حال هذه الأعلام مستثناة "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى" يعني مقدار أصبعين "فيما يعلمنا، يعني الأعلام" وسيأتي أنها ثلاثة أصابع أو أربعة.

"ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع" كأنه قال: أصبعين، يعني وإن احتيج إلى ثالث أو رابع لكن لا زيادة "وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم" من حديث عمر، الرواية الأخيرة "فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة وهو مدلس لعله بلغه عنه" قتادة مدلس، وجاء بالعنعنة في صحيح مسلم، لم يصرح فيه بالتحديث، لكن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة عند أهل العلم على الاتصال، فلا يُطعن في سند لأن فيه راوٍ مدلس ولم يصرح بالتحديث لأنها محمولة على الاتصال، وجدت في المستخرجات وفي الكتب الأخرى صُرح فيها بالتحديث، وهذا من فوائد المستخرجات على ما ذكره أهل العلم، فلا يُطعن بالسند الموجود في أحد الصحيحين لأنه من طريق مدلس عنعن فيه.

"وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن شعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة بن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني موقوفاً عليه، من قوله، لا مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني هل هو مرفوع كما هو مقتضى رواية الصحيح أو هو موقوف فيما أشار إليه الدارقطني؟ تعارض فيه الوقف والرفع، لكن المرجح ما في الصحيح على ما في غيره.

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير" الرخصة لا تكون إلا بعد منع، فالحرير ممنوع، وتقدم ما يدل على تحريمه، فرخص في قميص الحرير للحاجة "في السفر من حكة كانت بهما" الحاجة هي الحكة والقُمل أو القَمل هذا حاجة لا سيما في السفر الذي لا يوجد بديل يقوم مقام الحرير وإلا فالحضر قد يوجد، لكن إذا لم يوجد بديل عن الحرير فليلبس لأن هذه حاجة.

"رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" ومنهم من يقول: إن السفر لا اعتبار له، وصف غير مؤثر، فيرخص في قميص الحرير للحكة، ولو في الحضر، على كل حال إذا دعت الحاجة إلى ذلك إذا كان في الجسم قروح أو حكة أو حساسية أو ما أشبه ذلك أو تسلخات، أو آثار حروق وقرر الأطباء أنه لا يناسب إلا الحرير يرخص في الحرير.

"وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني القمل أو القمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيت عليهما في غزاة" المقصود أنه إذا وجدت الحاجة فيلبس مثل هذا الممنوع للحاجة، كما أن الذهب قد يباح للحاجة، عُرفطة قطع أنفه في إحدى الغزوات، فاتخذ له أنف من فضة فأنتن، ثم اتخذ له أنف من ذهب فلم ينتن، المقصود أن الحاجة تقدر بقدرها إذا كان دون المحرم من المكروه وشبهه يقوم مقامه لا يجوز العدول إلى المحرم، وإذا لم يوجد ما يقوم مقام المحرم فإنه الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة.

"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سِيَراء فخرجت فيها" يعني لبسها وخرج فيها؛ لأنه فهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما كساه إياها ليلبسها فلبسها، قال: "فرأيت الغضب في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، فشققتها بين نسائي" خُمر لنسائه بين الفواطم بين أمه وزوجه وامرأة عقيل أخيه فاطمة وبنت حمزة فاطمة، المقصود أنه شقها بين الفواطم، خمر للنساء، والحلة السيَراء نوع من الحرير فتباح للنساء.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم".

"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها))" أحل الذهب والحرير للإناث فيما يحتاج إليه من التحلي واللباس للتزين؛ لأن {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] هذه طبيعة النساء، ومع الأسف أن نجد من الرجال من الذكور من يلبس المحرم من الحرير يتنعم بذلك تنعم النساء، وقد يلبس ما يلبس من الذهب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني في بلد لا يخفى عليه الحكم ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها)) لأن المرأة محتاجة إلى التزين والتجمل لزوجها ((وحرم على ذكورها)) لأن الرجال الأصل فيهم الخشونة وعدم التنعم.

"رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع" لكن الصواب أن الحديث ثابت.

"وعن شعبة عن الفضيل بن فضالة عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز" كساء أو رداء من خز، نوع من الحرير "فقلنا: يا صاحب رسول الله تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يُحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه))" الخز الذي لبسه عمران بن حصين، مطرف الخز الذي لبسه عمران إما أن يكون الخبر ما وصله في منع الخز، وأنه محرم من جملة أنواع الحرير، أو أن الخز يطلق على أكثر من إطلاق، يعني: يطلق على نوع مباح، ويطلق أيضاً على نوع محرم، وإلا فلا يظن بصاحب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه يعرف المنع ويخالف، فهو يتجمل به ليرى أو ليُريا الناس أثر النعمة عليه، مستدلاً بقوله في الحديث: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) نعم من وسع الله عليه فليوسع على نفسه ويوسع على ولده، يوسع على معارفه، يوسع على جيرانه، لا يقبض يده، لا يُمسك بماله، بمال الله الذي آتاه، عليه أن يبذل، يزكي، يتصدق، يوسع على نفسه، لا يقتر على نفسه -نسأل الله العافية- بعض الناس عندهم الأموال الطائلة وتجد عيشتهم ومرآهم وحالهم وحال أولادهم ومن تحت أيديهم أشد من حال الفقراء، هذا المال عذاب على صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فالإنسان إذا وسع الله عليه يوسع على نفسه، ويري الناس أثر النعمة، ويري الله -جل وعلا- أثر نعمته عليه، وهذا فيه فوائد كثيرة ليرى هذه النعمة فيشكرها، ويراها غيره فيتعرض لسؤاله إن كان من أهل السؤال، لكن إذا كانت النعم مطمورة في البنوك، مودعة في البنوك، ويعيش صاحبها عيشة الفقراء، لا يجرؤ أحد أن يسأله، لو كان عنده شيء تصدق على نفسه، تصدق على ولده، فمن شكر الله -جل وعلا- على النعم أن يرى أثرها من غير مبالغة؛ لأن بعض الناس بين إفراط أو تفريط، إما أن يقتر على نفسه تقتيراً يمقت به مع أنه يستطيع أن يرفع عن نفسه هذا الوصف، أو يتوسع توسعاً غير مرضي، فيبذر ويسرف فدين الله -جل وعلا- وسط بين الغالي والجافي، وجاء في حديث صححه ابن حجر: ((البذاذة من الإيمان)) والأدهان والتسريح وترجيل الشعر من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم بمظهره، لكن لا على سبيل الإفراط لا يزيد فيدهن غباً، يعني ما يدهن كل يوم، ويرجل شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يكون على حساب المهمات، يعني مع الأسف يوجد في المسلمين من يتخذ صالوناً عنده في البيت، يمضي فيه وقتاً طويلاً، يمضي فيه الساعة والساعتين ينظر في شعره ينظر في معطفه، ينظر في لباسه، فلا إفراط ولا تفريط، لا يمتهن الإنسان نفسه، المسلم يذل نفسه، ويعرض نفسه للإهانات؛ لأن الناس وش يدريهم عن الخفايا، يعاملون الناس على حسب الظاهر، فيزدرى الإنسان إذا نزل عن مستواه، لكن إذا كان لا يجد فإلى الله المشتكى، لكن الإشكال في كونه يجد ولا ينتفع بما يجد، وفي مقابله من يمضي الساعات وينفق الأموال الطائلة حتى أنه يوجد من يفصل من الثياب بعدد أيام السنة كل يوم ثوب، ويمضي الساعتين والثلاث في الصالون يتفقد هذه شعرة زائدة، وهذه شعرة نازلة، وينظر في الثوب هل هو مناسب؟ هل هو..؟ سبحان الله، ولذا جاء لكسر هذا الغلو ((البذاذة من الإيمان)) يعني عدم الاهتمام الزائد، والانشغال بما لا ينفع، قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) لأن هذا شكر عملي لهذه النعمة.

"رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ" شيخ تليين، يعني الثقة معروف وضعه، يعني درجة عالية من التوثيق، فوقها درجات، تكرير لفظ التوثيق: ثقة ثقة، أو الإتيان بـ(أفعل) التفضيل أوثق الناس، لكن ثقة من درجات التوثيق العليا بحيث لا يتردد في حديثه، أما كونه يوصف بأنه شيخ فهو تليين له، وهي من أبي حاتم مقبولة لأنه متشدد، فحينئذٍ يكون الحديث وإن لم يبلغ درجة الصحيح قد يكون حسناً.

"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبين معصفرين" يعني صبغا بالعصفر اللون الأصفر القاتم، ومثله الزعفران المزعفر والمعصفر يطلق جمع أهل العلم الكراهة بالنسبة للرجال، وبعضهم يجزم بالتحريم، لا سيما الأحمر "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟))" الذي هو في الأصل من لباس النساء الألبسة المصبوغة بالعصفر أو بالزعفران أو بالحمرة هذه من خواص النساء، فهي التي ألبستك هذا وأمرتك به، فأنت تلبس لباس النساء! هذا توبيخ له "قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما))" يعني: مبالغة في التعزير.

هذا يدل على منع لبس الثوب المعصفر، ومثله المزعفر والأحمر أشد، الأحمر الخالص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء كما في الصحيح، وأجاب ابن القيم بأنها حمراء ليست خالصة؛ لأن أكثرها أحمر، وفيها خطوط من غير الأحمر، يطلق اللون على الغالب كما نقول: الشماغ أحمر، وهو ليس بخالص البياض بقدر الحمرة، لكن الحمرة أكثر تأثير في اللون من البياض، يقال: شماغ أحمر، والحلة الحمراء فيها خطوط من غير الأحمر، كما قرر ذلك ابن القيم.

قال -رحمه الله-:

"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القَسي أو القِسي" لكن هي بلدة بمصر يؤتى منها بهذه الثياب التي هي نوع من الحرير، وهي بمصر يقولون لها: القَس، المصريون يقولون لها: القَس، وغيرهم يقول: القِس، وأهل مكة أدرى بشعابها، أهل مصر أعرف بضبط بلدهم، كما في الكِرماني والكَرماني، الأكثر يقول: الكَرماني بفتح الكاف، والِكرماني نفسه يقول: قال النووي والجمهور: بفتح الكاف، وأقول: بكسرها، وأهل مكة أدرى بشعابها.

"عن لبس القَسي والمعصفر" يعني لونه أصفر خالص، هذا يمنع منه الرجال، ومثله المصبوغ بالزعفران والحمرة أشد.

"رواهما مسلم".

"وروى" يعني مسلم "من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ذات غداة مرط مرحل" مرط: كساء من صوف "مرحل من شعر أسود" المرحل قال المؤلف: "الذي نُقش فيه تصاوير الرحال" فالمرحل فيه نقوش، وفيه رسوم رحال، والرحال جمع رحل، وهو ما يوضع على الدابة، يوجد من الأنسجة الآن تُكآت ومخدات وما أشبه ذلك عليها ما يسمى بالكساء البدوي هذا الذي عليه رحال وغيره، يعني ما زالت موجودة إلى الآن، على كل حال ليس فيه ما يمنع، وليست فيه تصاوير ذوات أرواح، وليس من الممنوع الذي هو من الحرير، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: يا شيخ في بعض النسخ: مرجل عليه تصاوير رجال.

لا، لا غلط.

طالب:.......

إن فعل هذا أو رقاه مباشرة نفث عليه مباشرة...

طالب:.......

ينفث إيه.

طالب:.......

إيه.

طالب: الاستعمال يا شيخ........حديث أنس.

يستعمل حلي فقط، يعني لا يستعمل آنية، ولا يستعمل في قلم ولا نضارة ولا غيره.

طالب: حديث أنس يا شيخ.......لباسه....

هذا لباس إيه.

طالب:... هو اللباس يا شيخ......

الجلوس جلوس على الحرير هذا لباس.

طالب: لباس يسمى.

إيه يسمى لباس، كما أنه منصوصاً عليه أنه جلوس، لكن لو لم ينص عليه أنه جلوس، لو لم ينص على الجلوس قلنا: الجلوس لُبس بدليل حديث أنس.

طالب: المعصفر يا شيخ ما يدخل فيه الثوب الأصفر....

وش هو؟

طالب: الثوب الذي يجي أصفر كذا.

أصفر خالص داخل، ممنوع بالنسبة للرجال.

طالب:.... الأزرق....

الأزرق ما فيه شيء، الأسود ما فيه شيء.

طالب: السيارة بالتقسيط ثم نسى القسط، فأراد البائع أن يعطيه بعض المبلغ ثم يرد السيارة على أنها بيع ثاني، هل يدخل في العينة وإلا...

وين؟

طالب:.......

يبيعها على غيره.

طالب: ما يشتريها البائع؟

لا ما يشتريها البائع، لا.

طالب: حتى ولو لم يكن....

لا...

"