كتاب الجنايات من المحرر في الحديث - 01

نعم.

"بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-:

كتاب الجنايات

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». متفق عليهما.

 وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوَّائي."

السُّوَائي، السُّوَائي.

أحسن الله إليك.

"وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السُّوَائي قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن وما في هذه الصحيفة؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وألا يُقتَل مسلم بكافر. رواه البخاري.

 وعن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده». رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ورجاله رجال الصحيحين.

 وعن الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه». رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، وإسناده صحيح إلى الحسن، وقد اختلفوا في سماعه من سمرة.

 ولأبي داود والنسائي: «ومن خصا عبده خصيناه».

 وعن الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يقاد الوالد بالولد». رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه، وقال: وقد روي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب مرسلاً، وهذا حديث فيه اضطراب، وقد روى البيهقي نحوه من رواية ابن عجلان عن عمرو، وصحَّح إسناده.

 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارية وجد رأسه قد رض بين حجرين فسألوها.."

يكفي، حسبك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

ففي درس الأمس الأم التي قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام- مبررة تقديم حقها على حق الأب وقالت: وإن ثديي له سقاء، إن ثديي له سقاء، ومعلوم أن الطفل الرضيع يتناول الثدي بفمه، بفمه، وقد صح في البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك النهي عن اختناث الأسقية، يعني الشرب من أفواهها، النهي عن اختناث الأسقية، والمراد بذلك الشرب من أفواهها، فهل هذا النهي يتناول هذا السقاء الذي هو ثدي المرأة؟

 هذا هو الأصل في الرضاع، فلا يتناوله بحال من الأحوال، لكن عموم الحديث في الأصل يتناول، إلا أن هذا مما خص بالعادة والعرف، وجرت العادة أن الطفل يلتقم الثدي، ويشرب من فيه الذي هو حلمته كما يقال، فلا يتناوله النهي، وإلا فقد ثبت النهي عن اختناث الأسقية، يعني الشرب من فم السقاء ممنوع، والسبب في ذلك أن الأسقية في الغالب غير محكمة، فيدخل فيها من الحشرات ما قد يضر بالشارب.

 والسبب في ورود الحديث كما جاء عند البيهقي في الشعب أن رجلاً شرب من فم القربة، فانساب في بطنه جان، يعني حية صغيرة، فنهى عن اختناث الأسقية. الشرب من أفواهها؛ خشية أن يتضرر بهذا ويوجد في الأسقية أشياء؛ لأن إحكامها ما هو مثل إحكام ثدي المرأة أو إحكام الأسقية الحديثة التي صُنِعت بمصانع دقيقة، يختلف هذا.

 وعلى كل حال ينبغي للإنسان أن يفرغ من السقاء في الإناء، ثم يشرب منه بعد أن يطمئن أنه ليس فيه ما يضره، القوارير أو العلب الشفافة التي يُرى ما في جوفها، ما في جوفها من ماء، أو غيره، يُجزَم بأنه ليس فيه شيء، وإن كان فيه شيء ظهر؛ لأنه واضح، شفافة، مثل هذه تنتفي فيها العلة، فلا مانع من الشرب من فمها، يعني هذا بالمناسبة لقول المرأة: وإن ثديي له سقاء وهو يختنثه، بمعنى أنه يشربه من فيه، والنهي الوارد في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس النهي عن اختناث الأسقية، فأحببت أن أشير إلى هذا.

 والله أعلم.

 موضوعنا اليوم في كتاب الجنايات، يعني الأصل أن يكون هذا الدرس- كما جرت به العادة يوم السبت- أن يكون عامًّا، ونقرأ فيه من كتاب من هذا الكتاب، وقلنا: إن كتاب الجنايات يحتاج إلى أكثر من درس، ولم يبقَ عندنا إلى درسان، سوى هذا الدرس، فنكمل فيه كتاب الجنايات، وإن بقي وقت يتسع لحديث أو حديثين من كتاب الجامع قرأناه، والله المستعان.

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الجنايات، كتاب الجنايات" هذا الكتاب وقعت موقعها، والعلماء يترجمون على الجنايات بكتاب ما هو مثل الأبواب الفرعية التي تقدمت في الأبواب السابقة، لا، هذا كتاب، والعلماء يقسمون الفقه إلى أربعة أقسام، أربعة أقسام: ربع العبادات، وربع المعاملات، وربع الأنكحة، وربع الأقضية والجنايات، هذه أرباع أربعة.

 الجنايات جمع جناية، وهي مصدر جنى يجني، والعادة أن المصادر لا تجمع؛ لأن المصدر يطلق على الكثير والقليل، لكنه جمع؛ لتعدد أنواعه، الجناية متعددة، فهي جنايات، وليست جناية واحدة، مع أن الجناية تشمل أنواعًا، لكنهم يجمعون الجنايات، الجناية على النفس، الجناية على المال، الجناية على العرض، والمراد بالجنايات هنا خاصة بالجناية على النفس سواءً كانت بالقتل، أو الجناية على الجسم كله، أو على الطرف، على طرف من أطرافه، وأما الجناية على العرض فهذه فيها حد القذف، والجناية على المال فيها حد السرقة، ستأتي في الحدود.

 والمصدر يُجمع؛ لتعدد أطرافه، كما قالوا: إن المياه الماء يشمل فلا يجمع، إلا أنهم قالوا: مياه؛ لتعدد أنواعها، لتعدد أنواع الماء، وهنا جمعوا جنايات؛ لتعدد أنواعها.

 والجناية التعدي، والأصل فيها التعدي على النفس أو المال أو العرض، وخُص هذا الكتاب بالتعدي على النفس إما بالكل أو بالجزء، بالطرف.

 "عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم»" يعني يحرم، والمقابل للحل التحريم، فيحرم دم المرء المسلم، دم المرء المسلم حرام، «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله» هذا التفسير للمسلم وإلا لا يمكن أن يقال: هذا مسلم حتى يشهد أن لا إله إلا الله، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، فيدخل في الإسلام بالشهادتين، وهذا وصف كاشف موضِّع للواقع، وهو أن المسلم لا بد أن يشهد أن لا إله إلا الله.

 «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله» إلا ما استثني «إلا بإحدى ثلاث» يعني خصال ثلاث، إلا بإحدى خصال ثلاث.

 «الثيب الزاني» الثيب الزاني بدل بعض مما تقدم، لكن هل الثيب بدل من الخصلة، أو لا بد من تقدير قبل الثيب أن نقول: خصلة الثيب الزاني، أن يكون بعضًا من الخصال الثلاث، فيكون بدلًا بعض الثيب الزاني، وإذا قلنا: الثيبُ، قلنا: على الابتداء، ويقدَّر هي أو هو، هي بمعنى الخصال، هذه الخصال هي خصلة «الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

 الثيب الزاني يُرجم بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، والرجم قتل واستحلال لدمه، يعني قتل له واستحلال لدمه بعد أن حرم بدخوله في الإسلام، إذا زنى بعد  إحصان، الثيب، وهو من وطئ بنكاح صحيح، وطئ بنكاح صحيح لا بنكاح شبهة أو نكاح محرم، لكنه وطئ بزواج صحيح، ولو مرة واحدة ثم طلق وبقي بقية عمره بدون امرأة، هذا ثيب؛ لأنه وطئ بنكاح صحيح، وحكمه حينئذ الرجم؛ «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم»: هذه آية كانت تتلى من القرآن، فنُسخ لفظها، وبقي حكمها، كما قلنا في: كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات، فنسخن بخمس محرِّمات، خمس رضعات محرمات، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يتلى من القرآن. وهذا من القرآن المنسوخ اللفظ، المحكم المنسوخ التلاوة الباقي الحكم، المحكم في حكمه.

 وقلنا: إن قوله: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يتلى من القرآن يعني يتلوهن من لم يبلغه النسخ، يتلوهن من لم يبلغه النسخ.

 وعلى كل حال الثيب الزاني من وطئ في نكاح صحيح حكمه الرجم، والقضايا الخمس التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- لماعز والغامدية والجهنية وأيضًا اليهوديين على ما سيأتي في هذا الباب الذين رجمهم النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسة رُجِموا في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ويتذرع بعض الناس، ويبرِّر لكثرة الفواحش في عصرنا هذا يقول: كان الزنى موجودًا في عصره -عليه الصلاة والسلام-. يعني خمس قضايا في عهده -عليه الصلاة والسلام- تنسب إلى القضايا التي نسمعها أو نسمع عنها في وسائل الاتصال يوميًّا، وفي اليوم أكثر من هذا مما لا يُطلع عليه، والخفي الله أعلم به.

يبرر يقول: الزنى موجود في عصره -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «نعم إذا كثر الخبث»، ما هو يقول: إذا وجد. إذا كثر، ووجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- في خمس قضايا لا تزيد في كم سنة؟ ثلاث وعشرين سنة، الآن كم من قضية في اليوم الواحد التي تُعلن ويُسمع عنها من الفواحش والموبقات والمنكرات، ويتشدق من يتشدق ويقول: عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سلم. نقول: نعم، فيه، موجود، لكن أين نسبة خمس في ثلاث وعشرين سنة من النسب الموجود الآن وما يحصل مما لا يطلع عليه إلا الله، الله أعلم به؛ لأن بعض الناس يهوِّن من شأن المنكر، فلا يتحمس الناس وتزداد غيرتهم للتصدي لهم، يقول: مادام موجودًا، ما الذي يجعلنا نغار على أكثر مما وجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-. ما هو بصحيح، هذا ليس بصحيح، نسأل الله العافية.

هو محرم بالكتاب، محرم بالكتاب، والرجم ثابت بالكتاب، كما قلنا في آية: الشيخ والشيخة، وفي السنة من حديث عبادة بن الصامت قال -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم»، في الصحيحين: «والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة»، فالثيب الذي نكح ووطئ في نكاح صحيح، هذا حده الرجم بأن يُرجم بالحجارة إلى أن يموت، كما حصل في قصة العسيف؛ «واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»، ما قال: اذهبي يا فلانة إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجيمها، فالتحقيق وتنفيذ الحدود إنما هو للرجال، وليس للنساء إليه سبيل، ما قال: يا فلانة، اذهبي إلى امرأة هذا، قال: «واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها».

 ورجم النبي -عليه الصلاة والسلام- ماعزًا والغامدية، والقضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- كلها نفذت، وأجمع العلماء على أن الزاني المحصَن حده الرجل، وأنه يرجم بالحجارة حتى يموت.

 وأما ما يقال ويُنشر من أعداء الإسلام سواء كانوا من أعدائه الحقيقيين الأصليين الكفار من مستشرقين ومستغربين وأذنابهم ممن ينتسب إلى الإسلام، أن هذه وحشية، يرجم بالحجارة حتى يموت؟! هذه وحشية، والقضايا التي حصلت في عصره -عليه الصلاة والسلام- قضايا أعيان، لا عموم لها، هذا بعد أن أجمع العلماء عليه، وثبت حكمهم بالكتاب والسنة، هذا من يقولها ممن يدعي الإسلام هذه ردة عن الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية.

 «الثيب الزاني والنفس بالنفس» النفس بالنفس يعني النفس تقتل بالنفس، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، فالقصاص هذا حكمه النفس بالنفس، فمن قَتَل قُتل، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [سورة البقرة:179] يعني هذا القتل بدلاً من أن يكون المقتول واحدًا يكون المقتول اثنين، يكون المقتول اثنين بدل ما هو واحد، فنقتصر على هذا، واحد الذي راح وانتهى ونبقي الثاني حيًّا، وبذلك يقل عدد القتل.

 نقول: لا، الله -جل وعلا- يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [سورة البقرة:179] يعني لو لم يقتل هذا القاتل فما النتيجة؟

يقتل ثانيًا، يقتل ثالثًا؛ لأنه أمن العقوبة، وغيره سوف يجرؤ على القتل، لكن إذا قتل انحسمت المادة، لو طبقت الحدود بحزم في أقطار المسلمين ما وجدت هذه الجرائم والمنكرات، نسأل الله العافية، لكن انتشار الفواحش وانتشار هذه الجرائم كله بسبب التهاون في تطبيق شرع الله، «والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والتارك لدينه المفارق للجماعة» فالقاتل يُقتل، والثيب يُرجم، والمرتد يُقتل «من بدَّل دينه فاقتلوه، من بدَّل دينه فاقتلوه»، وحدُّ الردة معروف عند أهل العلم، وعمدته هذا الحديث، وحديث «من بدَّل دينه فاقتلوه، من بدَّل دينه فاقتلوه»، هذا عام (مَن) مِن صيغ العموم، من بدل دينه يعني أنه من ارتد عن الإسلام بأن اعتنق دينًا آخر غير الإسلام فهذا يُقتل، أو جاء بما ينافي مقتضى لا إله إلا الله، ويناقض الإسلام، فإنه حينئذ يكون مرتدًا، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

 الزاني يُرجم ولو قال: لا إله إلا الله، والنفس القاتل يُقتل ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، هذه مخصِّصات إلا بإحدى ثلاث خصال: «والتارك لدينه المفارق للجماعة»، وهذا أعم من أن يكون مرتدًّا بدخوله في ملة أخرى.

 والردة تحصل لأمور كثيرة ذكرها العلماء في باب حد الردة، «من بدله دينه فاقتلوه»، جاء عنه- عليه الصلاة والسلام- النهي عن قتل النساء والذرية، فهل تُقتل المرأة إذا ارتدت أو لا تُقتل؟

من العلماء من استدل بحديث النهي عن قتل النساء أن المرأة إذا ارتدت لا تُقتل، وعندنا «من بدَّل دينه فاقتلوه»، نهى عن قتل النساء والذرية، وهذا في الجهاد بالنسبة للكافرات الأصليات، فالنهي عن قتل النساء عام في الكافرات والمرتدات، ولكن «من بدَّل دينه فاقتلوه» عمومه في المرتدين سواء كانوا من الرجال أو من النساء، وحينئذ يكون بين النصين عموم وخصوص وجهي، لكل منهما عموم وخصوص، فمن بدل دينه فاقتلوه عام في الرجال والنساء، خاص بالمرتدين، والنهي عن قتل النساء عام في الكافرات الأصليات والمرتدات، لكنه خاص بالنساء، لا يشمل الرجال.

 فيه عموم وخصوص، وحينئذ نحتاج إلى مرجِّح خارجي، نحتاج إلى مرجِّح خارجي، الآن المرأة إذا زنت وهي محصنة تُقتل أم ما تُقتل؟

تُقتل، والمرأة إذا قتلت تُقتل أم ما تُقتل؟ والمرأة إذا سحرت تُقتل أم ما تُقتل؟ هذه مخصِّصات لعموم حديث النهي عن قتل النساء والذري، كل ما دخل العام من الخصوص فإنه يضعفه، ولذا صار عموم حديث النهي عن قتل النساء أضعف من عموم «من بدَّل دينه فاقتلوه»؛ لأنه محفوظ، وحينئذ المرجح قول الجمهور في أن المرأة إذا ارتدت تُقتل كالرجل.

 «والتارك لدينه المفارق للجماعة» الغالب أن من يترك دينه يفارق الجماعة، ويلتحق بمن وافقهم في الديانة، أو يهرب عن الجماعة؛ لئلا يُطبَّق عليه الحد، لكن مع الأسف أنه التهاون في تطبيق شرع الله حتى في حد المرتد، ولذلك تجدون المرتدين يعيشون بين المسلمين، نعم في بلادنا- ولله الحمد- مازال الأمر فيه شيء من القيام بشرع الله، لكن الإشكال أن المسألة زادت وتتطور، ونخشى أن ينفلت الزمام، وتضيع الحدود، ونصير مثل غيرنا، لكن ثقتنا بالولاة مطالبتهم من هذا الموقع ومن غيره أن يهتموا بما يثبِّت الأمن، ولا يثبت الأمن إلا بتطبيق شرع الله، أما أن نسمع يوميًّا فلانًا قال كذا، وقال كذا، مما فيه شيء مخالفة صريحة للإسلام، وأحيانًا يصل الأمر إلى سب الله، وسب رسوله، وسب الدين، وهذا كله ردة عن الإسلام، نسأل الله العافية.

 "وعنه -رضي الله عنه-" يعني ابن مسعود صحابي الحديث السابق "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء»، متفق عليهما.

 «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء»"، وجاء في الحديث الصحيح: أن أول ما يحاسَب عليه العبد الصلاة، أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فهذا بالنسبة لحقوق الله -جل وعلا- تكون المحاسبة أولاً في الصلاة، وأما بالنسبة لحقوق العباد فأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء، هذا بالنسبة لحقوق الله، وذاك بالنسبة لحقوق العباد، أو يقال: هذا بالنسبة للحساب، وهذا للقضاء، للقضاء بين العباد.

 وعلى كل حال ما بينهما تعارض، الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فهي أهم ما يُبدأ به في المحاسبة، وإذا اجتاز في صلاته بأن جاء بها على الوجه الأكمل فما سواها أيسر، يعني في الحساب، وأما بالنسبة للدماء فهي أول حقوق العباد التي يُقضى فيها بينهم، «ولا يزال المرء في فسحة من دينه حتى يصيب دما حراما»، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [سورة النساء:93]، نسأل الله العافية، خالدًا فيها، ومع هذا الوعيد الشديد والتهديد بالنسبة للقتل قتل العمد فإنه كغيره من مسائل الكبائر، وإن كن من أشدها فإنه تحت المشيئة على مذهب أهل السنة والجماعة، وأن توبته مقبولة، وهو تحت المشيئة كسائر الذنوب.

 وقوله: خالدًا فيها، يعني الخلود هنا طول المكث، طول المكث، أو يقال: من نصوص الوعيد التي تُمرّ كما جاءت؛ ليرتدع الناس.

 يذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن القاتل ليست له توبة، أنه ليس له توبة، خلاص، وعند عامة أهل العلم أن توبته مقبولة إذا توافرت شروطها كسائر الذنوب، كسائر الذنوب، وما يُذكَر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أنه في رجل يريد أن يَقْتُل، يريد أن يَقْتُل، هل لي من توبة إذا قتلت؟ قال: لا، ما لك توبة، من باب زجره عن القتل، وإلا ففي حديث الذي قتل التسعة والتسعين وسأل الراهب قال: له هل لي من توبة؟ قال: لا، ما لك توبة، فكمَّل المائة، فذهب إلى حبر من أحبارهم فقال له: ما الذي يحول بينك وبين التوبة؟ لكن من تمام قبول توبتك أن تترك هذه البلدة التي سفكت فيها الدماء، القصة معروفة في الصحيحين وغيرهما، فتوبة القاتل مقبولة، وهذا لا يهوِّن من شأن القتل، من يعرِّض نفسه لعذاب جهنم خالدًا فيه؛ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } [سورة الفرقان:68-69]، فمن يقوى على هذا الوعيد؟ نسأل الله السلامة والعافية.

 فابن عباس لما جاءه الذي يريد القتل ماذا قال له؟ ليست لك توبة، يريد أن يردعه عن ذلك، وله مستند في آية النساء.

ومثل ما كررنا مرارًا أن النصوص الشرعية علاج، علاج لأدواء الأفراد والجماعات، وقلنا: إن الشخص الداعية ينبغي أن يلاحظ الأحوال، فإذا كان في مجتمع فيه تشدد وتنطّع فإنه لا يلقي عليهم النصوص التي يستمسك بها الخوارج، ويستدلون بها، ويؤيدون بها مذهبهم، إنما يميل إلى الطرف الثاني الذي يخفف من غلواء هؤلاء، والعكس إذا كان في مجتمع متساهل ما يلقي عليه بأحاديث الوعد، ويجعلهم يزيدون في تساهلهم، إنما يكثر لهم من أحاديث الوعيد، والمجتمع المتوسط يتوسط فيه، يلقي فيه من هذا وهذا، ويوفق بين النصوص.

 على كل حال هكذا فعل ابن عباس، فلما جاءه الذي يريد القتل قال: لا توبة لك، لا توبة لك من ذلكم؛ لأنه مصر على الذنب، مصر على الذنب، ما قتل ثم ندم، والندم توبة، هذا مصر على أن يقتل، فمثل هذا يعالج بمثل قول ابن عباس، وعامة أهل العلم أن توبته مقبولة إذا توافرت شروطها.

 "وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السُّوَائي قال: قلت لعلي" ابن أبي طالب، وذلك لما وُجِد من يغلو فيه، ويزعمون أن أهل البيت اختصوا بعلم دون غيرهم، وهناك ما يسمى عندهم بالجَفر، وعندهم أشياء ثانية يزعمونها، وأن هذه مما اختص بها أهل البيت والأئمة، ويفترون على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة أيضًا، ويزعمون أن عندهم من العلوم ما لا يوجد عند العامة، يعنون أهل السنة، وخفيت عليهم، واختص بها أهل البيت، علي رأسهم. فيه أفضل من علي بالنسبة لأهل البيت؟ هو رأسهم وأبوهم كلهم.

 وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة قال لعلي -رضي الله عنه-: "هل عندكم شيء من الوحي"؛ لأنه شاع هذا بين الروافض في وقتهم، ومنهم الغلاة الذين ادعوا الإلهية في علي، ثم حرقهم علي بن أبي طالب بمحضر من الصحابة، نعم خالف ابن عباس في التحريق، ووافق على القتل، غلوا فيه، وادعوا فيه الألوهية، ادعوا فيه الألوهية، قال علي: خد الأخاديد، وألقوا فيها، وأضرمت فيهم النيران.

فلما رأيت الأمر أمرًا منكرًا

 

أججت ناري ودعوت قُنْبَرا

كيف لو يسمع علي بن أبي طالب ما يقال فيه الآن وفي ذريته؟! ماذا يصنع؟!

معمم يقول: أنا عندي عهد من الحسين ألا يسمع أحد كلامي إلا بكيته، ولو نزل الجبار لبكيته، هذا عنده عهد من الحسين، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.

 "هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن وما في هذه الصحيفة؟" والجملة ليست موجودة في أكثر النسخ، ليست موجودة ما في هذه الصحيفة؛ لأنه لا يحتاج إليها.

 "هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة" الحبة إذا زرعت تنفلق، ويخرج منها الزرع، لا، والذي تأكيد بالقسم. "لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة" خلق النسمة ذوات الأرواح النسمة.

 "إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في الصحيفة" ورقة أودعها في قراب سيفه، هذا صحيح عنده، لكن هل أخفاها علي عن الناس؟ احتفظ بها له ولذريته؟ أبدًا "إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن"، مما يدل على أهمية الفهم، وأن مجرد الحفظ، أو أن مجرد التلاوة لا يكفي، المؤثر هو الفهم الذي يدل ويقود إلى العمل، ويصحح العمل.

 "إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في الصحيفة"، طيب الصحيفة أودعها في قرابه، ولم يحتفظ بها له ولذريته، وإنما أبداها للناس وأظهرها.

 "قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قلت: وما في هذه الصحيفة؟ العقل" الذي هو الدية، "العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر".

 العقل الدية، فالدية في القتل بالنسبة للعمد إذا عدل أهل القتيل عن القصاص إلى الدية فإن القاتل يدفع هذه الدية، وسُميت عقلًا؛ لأن الأصل فيها الإبل وهي تعقل في فناء القتيل، تُعقل تُربط بالحبال؛ لئلا تشرد إذا جمعت في فناء القتيل في الأصل تُعقل. وعلى كل حال هذا هو السبب، أو أنها كالعقل تمنع من تكرار القتل، إذا ألزم بمائة من الإبل فلا شك أنه يمتنع من تكرار القتل، كالعقل، العقل يمنع، فهذه تمنع، أو أن هذه الكمية من الإبل في الدية تعقل تربط في فناء القتيل، ومقدارها مائة من الإبل، أو ما يعادلها من الذهب والفضة على ما هو مقرر في كتب الفروع.

 "وفكاك الأسير". الأسير الذي يأسره الكفار يجب فكاكه من قبل المسلمين، وهو مصرف من مصارف الزكاة، وهو مصرف من مصارف الزكاة، ويقول ابن العربي، وقبل ذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «فكوا العاني»، وهو الأسير، يقول ابن العربي: وفكاك الأسير فرض في بيت مال المسلمين، ولو لم يبق فيه درهم. فرض في بيت مال المسلمين، ولو لم يبق فيه درهم. على كل حال فكاك الأسير معروف، وله مصرفه من الزكاة، وهو واجب على المسلمين أن يفكوا أخاهم العاني بين يدي الكفار؛ خشية أن يُقتل أو يُفتن في دينه، فلا بد من إطلاقه.

 "وألا يقتل مسلم بكافر" في هذه الصحيفة ثلاثة أشياء: "العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر"؛ لعدم التكافؤ؛ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [سورة القلم:35]، ما فيه تكافؤ، ما فيه تكافؤ بين المسلم والكافر، فإذا قتل المسلم كافرًا فإنه لا يقتل به، ولو كان ممن يحرم قتله كالذمي والمعاهَد، ولا يعني هذا أن أن هذا يهوِّن من شأن قتل الذمي أو المعاهَد، «من قتل ذميًّا لم يرَح رائحة الجنة»، وقتل المعاهد كما جاء شأنه عظيم، لكن الكافر لا يكافئ المسلم، فلا يقتل المسلم به، والعكس كما في قصة اليهودي الذي رض رأس الجارية بحجرين قُتل؛ لأن الأدنى يقتل بالأعلى، ولا عكس، الأدنى يقتل بالأعلى، ولا عكس ومنهم من يقول: إن المسلم يقتل بالذمي كما هو معروف عند الحنفية، وأيضًا يذكر في مذهب مالك أن المسلم يقتل بالكافر إذا قتله غيلة، غيلة خديعة، ولكن الحديث في البخاري وهو صريح: «وألا يقتل مسلم» عموم نكرة بعد نفي، «مسلم بكافر» وهذا عام في جميع الصور وفي جميع الأحوال، ولا يعني هذا التهوين في شأن دم من عصم دمه بعهد أو ذمة أو ميثاق بين المسلمين وغيرهم أن هذا لا يجوز بحال. «ومن قتل ذميًّا لم يرَح رائحة الجنة»، نسأل الله السلامة والعافية.

 "رواه البخاري.

 وعن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، المؤمنون تتكافأ دماؤهم»" يستوي في ذلك الصغير مع الكبير، وهذا كله في حيز التكليف وإلا فغير المكلف عمده خطأ، عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ من المكلف، لكن المكلفون تتكافأ دماؤهم لو أن حجامًا قتل قاضيًا أو قتل حاكًما أو قتل وزيرًا فالحكم واحد أو العكس يقتل بالحجام أو بغيره من أصحاب المهن الدنيئة أو من الأنساب الأقل، كل هذا المسلمون تتكافأ دماؤهم، المؤمنون تتكافأ دماؤهم، الحكم يعني في زكاة الفطر هل الأدنى له مقدار والشريف له مقدار؟ كلهم صاع، وكذلك في هذا الباب دماؤهم واحدة تتكافأ، فالشريف مع الوضيع، ومهما كان، والأكفاء إنما يكون في الدين، يعني المكافأة تكون والكفاءة تكون بالدين كما قال البخاري -رحمه الله- في كتاب النكاح: بابٌ الأكفاء في الدين، وذكر حديث ضباعة بنت الزبير بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- بنت عمه -عليه الصلاة والسلام- الشقيق الزبير بن عبد المطلب كانت تحت المقداد، والمقداد مولى، «فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، الشاعر يقول:

ولكنه العلم يسمو من يسود به

 

على الجهول ولو من أصله مضر

لكنه العلم يسمو من يسود به

 

على الجهول ولو من أصله مضر

«من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، إذا نظرت إلى بلال ومنزلته في الإسلام، ونظرت إلى أبي لهب أو حتى أبي طالب، لو نظرت إلى أبي طالب الذي رعى النبي -عليه الصلاة والسلام- واعتنى به وبدعوته، وذب عنه، حتى إن بعض أهل العلم أوجدوا مفاضلة بين بلال والعباس أيهم أفضل؟

لا شك أن العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعم الرجل صنو أبيه، هذا لا أحد يماري فيه، لكن بلال أسبق إلى الإسلام، وبلال قاتل مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت كان العباس يقاتل مع قريش ضد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمفاضلة في مثل هذا قد يكون فيها شيء من، نقول: إن فيها شيئًا من عدم التأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ومع عمه، وكلاهما أفضى إلى ما قدم، وهم بين يدي حكم عدل، وعم الرجل لا شك أن له حقًّا عليه، وله شأن في الإسلام ممن أُوصينا بتقديره واحترامه كسائر آله.

المؤمنون تتكافأ..

كم بقي؟

طالب: ...........

«المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم»، يد واحدة على غيرهم غير المؤمنين، الكفار غير المؤمنين، الكفار من سائر الطوائف غير المسلمة هم يد واحدة، وإذا كانوا يدًا واحدة فهل يمكن أن تتفرق اليد إلى أجزاء بحيث يكون بعضها مع قوم، وبعضها مع قوم آخرين؟ يد واحدة، يد واحدة، والمؤمنون يد، «وهم يد على من سواهم» يعني من طوائف الكفر، ولا يتصوَّر يعني الحصر هنا، «وهم يد على من سواهم»، يعني ما يتصور في المسلم أن يعين كافرًا فضلًا عن أن يعينه على أخيه المسلم، فضلاً أن يعينه على أخيه المسلم، ولما استحكمت الغربة واشتدت غربة الإسلام سمعنا من هو يد مع غيرهم عليهم، والله المستعان.

 «ويسعى بذمتهم أدناهم، ويسعى بذمتهم أدناهم» يعني أقلهم شأنًا من المسلمين ولو امرأة تعطي العهد والميثاق لشخص دلت أو رجحت المصلحة في إعطائه هذا العهد إلى أن يَسمع أو يُسمَع منه ويؤمنه الرجل أو المرأة سواء كان شريفًا أو وضيعًا كما أمنت أم هانئ، أمنت أم هانئ بعض الناس، فأراد علي أن يقتله ويخفر ذمتها، فذهبت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت له: إن ابن أمي يريد أن يقتل من أجرتُه، فقال: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ، قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ»، وهنا يقول: «ويسعى بذمتهم أدناهم»، فإذا أعطى العهد والميثاق أدنى المسلمين فإنه يُعمَل ويُحتَرم هذا العهد والميثاق إلى أن يتبين الأمر.

 و ا«ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ألا لا يقتل مؤمن بكافر»، وهذا دل عليه الحديث السابق كما هنا «ولا ذو عهد في عهده»، المعاهَد لا يقتل مادام عهده ساريًا، مادام عهده ساريًا لا يجوز قتله، «ومن قتل معاهدًا أو ذميًّا لم يرح رائحة الجنة» نسأل الله العافية، وبعض الناس يبرر لنفسه انتهاك هذه النصوص الصحيحة الصريحة، ويقابلها ويعارضها بفهمه السقيم وبجهله، فيعتدي على من أُعطي العهد والميثاق، إما بالجملة مع دولته أو بمفرده، الذي يدخل إلى البلد هل دخل بدون عهد؟

في الأصل يكون بعهد، في الأصل أن يكون ما دخل إلا بعهد وميثاق، والتي يسمونها الفيزة هذه ما يمكن أن يدخل إلا بعد أن تستكمل جميع إجراءات العهد، فلا يجوز قتله بحال إلا إذا نقض العهد، إذا نقض العهد فهذا شيء آخر، ويتحايل بعضهم، بعض هؤلاء الذين حملتهم الغيرة مع الجهل هذه مشكلة إذا زادت الغيرة وصحبها الجهل خلاص طاشت العقول، ما يمكن أن يحكِّم العقل كما هو الشأن إذا زاد الحرص على التدين مع الجهل هذا يولِّد الوسواس، فهذا شيء، وذاك شيء، وكلاهما منبوذان ممنوعان في الشرع.

 "رواه أحمد وأبو داود والنسائي ورجاله رجال الصحيحين" على كل حال الحديث صحيح، وإن لم يكن لذاته، إنما بمجموع طرقه.

ثم قال -رحمه الله-..

كم؟ كم؟

طالب: ...........

لا وقت.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

والرجم نعم..

طالب: ...........

ماذا؟ مائة جلدة، والرجم..

طالب: ...........

يجلد ثم يرجم، وجلد علي -رضي الله عنه- كما في البخاري شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وهذا عند الحنابلة معروف، وهو مذهبهم، والأكثر قالوا: إنه ما نقل الجلد في القضايا التي حصلت في عصره -عليه الصلاة والسلام-، «اذهب إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ما قال: فاجلدها ثم ارجمها، حديث عبادة صريح في الجلد «جلد مائة والرجم»، والقضايا التي حصل فيها الرجم ما فيها أنه جلد ثم رجم إلا ما جاء عن علي -رضي الله عنه- أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وإلا فمذهب الجمهور ما فيه، الجمهور ما فيه جلد، رجم فقط، مذهب الحنابلة فيه جلد ثم الرجم، ولا يطلب أن يذكر ويفصل في كل شيء في كل مناسبة خلاص حصل البيان في حديث عبادة، والبقية تتبع، لا يطلب البيان في كل مناسبة، الحديث المبيِّن لآية النساء {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [سورة النساء:15] هذا مبين لآية النساء «خذوا عني، خذوا عني، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة»، هذا بيان، وحصل البيان في موضع، ولا يطلب، بل لا يجب تكراره في كل مناسبة، خلاص إذا حصل البيان مرة واحدة يكفي.