كتاب الجامع من سبل السلام (16)

نعم.

أحسن الله إليك.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه ومتبعيهم بإحسان.

اللهم اغفر لشيخنا وللمستمعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في باب الزهد والورع من كتاب الجامع:

وعن سهل بن سعد أنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس». رواه ابن ماجه وغيره وسنده حسن.

 فيه خالد بن عمر القرشي مجمع على تركه، وقد نسب إلى الوضع، وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث مجاهد عن أنس برجال ثقات إلا أنه لم يثبت سماع مجاهد من أنس، وقد روي مرسلاً، وقد حسَّن النووي الحديث كأنه بشواهده.

 الحديث دليل على شرف الزهد في الدنيا وفضله، وأنه يكون سببًا لمحبة الله تعالى لعبده، ولمحبة الناس له؛ لأن من زهد فيما هو عند العباد أحبوه؛ لأنها جبلت الطباع على استثقال من أنزل بالمخلوقين حاجاته، وطمع فيما في أيديهم، وفيه أنه لا بأس بطلب محبة العباد والسعي فيما يكسب ذلك، بل هو مندوب إليه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا تؤمنوا».."

أو واجب مندوب إليه، أو واجب.

أحسن الله إليك.

"بل هو مندوب إليه، أو واجب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابُّوا»، وأرشد -صلى الله عليه وسلم- العباد إلى إفشاء السلام، فإنه من جوانب المحبة، وإلى التهادي، ونحو ذلك."

التي تجلب المحبة، تهادوا تحابوا، وهذا الحديث ذكره العلماء في الأحاديث الجوامع.

عمدة الدين عندنا كلمات

 

 

 

 

أربع من قول خير البرية

 

 

اتق الله وازهد ودع ما

 

 

 

ليس يعنيك واعملن بنية

 

 

هذا منها، فإذا زهدت فيما في أيدي الناس، وتركت لهم دنياهم أحبوك، وأما إذا نازعتهم سواء كان فيما في أيديهم أو فيما سيؤول إلى أيديهم عملت مثل أعمالهم، وشاركتهم في تجاراتهم، يقول: عدو المرء من يعمل عمله، الشافعي يقول:

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها

 

 

 

 

وإن تجتذبها نازعتك كلابها

 

 

طالب: الحديث حسن...؟

على كلام النووي وابن حجر حسن.

"وعن سعد بن أبي وقاص.."

عندكم تخريجه؟

نعم خرَّجه..

والله كلام شديد، يقول: قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ خالد بن عمرو عندي بالحاشية ابن عمرو، وبالشرح ابن عمر، يقول: قال أحمد وابن معين: أحاديثه موضوعة، وقال البخاري وأبو زرعة: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان ينفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يحل الاحتجاج بخبره، وضعفه أبو داود والنسائي، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه أو كلها موضوعة. قلت- المحشي-: وأورد له العقيلي هذا الحديث بهذا الإسناد وقال: ليس له أصل من حديث الثوري. انتهى. وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية، من طريق خالد بن عمرو، وضعف الحديث، وقال النووي عقب هذا الحديث: رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة، وقال المنذري في كتاب الزهد من الترغيب: وقد حسَّن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بُعْد؛ لأنه من رواية خالد بن عمرو وقد تُرِك واتهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع..

والواقع الواقع يشهد له، الواقع يشهد له، أنت إذا زهدت فيما أيدي الناس وزهدت في دنياهم أحبوك، وإن نازعتهم كرهوك وأبغضوك، أما بالنسبة لمفردات الأحاديث يعني مفردات أسانيده لا شك في ضعفها، وهذا الموضوع عند جمهور أهل العلم يتسامح فيه؛ لأنه ليس من الأحكام، إنما هو من الترغيب.

أحسن الله إليك.

"وعن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الله يحب العبد التقي النقي الغني الخفي». أخرجه مسلم."

عندك نقي بعد التقي؟ الغني الخفي عندك موجودة؟

والله جعله من الحديث..

طالب: ............

عندك غني؟

عندك نقي؟

طالب: ............

ما هي موجودة عندي.

في الشرح موجودة، لكن فوق في الحديث ليست موجودة؛ لأنه أفرد الحديث عن الشرح.

لا نحن عندنا بالشرح ما فيه شيء، ليست موجودة.

أحسن الله إليك.

طيب.

"وعن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي»، أخرجه مسلم. فسَّر العلماء محبة الله تعالى.."

بعض الروايات مضبوطة بالحاء المهملة الحفي.

أحسن الله إليك.

"فسَّر العلماء محبة الله تعالى لعبده بأنها إرادته الخير له، وهدايته ورحمته ولطفه، ونقيض ذلك بغض الله تعالى.."

هذا من تأويل من يفر من إثبات الصفة على طريقة الأشعرية، والمؤلف هو على الجادة في كثير من أحواله، ويثبت الصفات والأسماء، لكن قد يعرض له مثل هذا، وينقل من الشروح من غير تأمل ولا روية، وإلا فواضح هذا إرادة الخير، تأويل المحبة بإرادة الخير هذه طريقة الأشعرية.

طالب: وهو وافقهم في هذه المسألة أحسن الله إليك؟

لا، له في مواضع أنه يثبت المحبة مثل: والذي نفسي بيده يقول: روحي في تصرفه.

"والتقي وهو الآتي بما يجب عليه، المجتنب لما يحرم عليه، ومراتب التقوى متفاوتة. والغنى هو غنى النفس، فإنه الغنى المحبوب إليه تعالى، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ليس الغنى بكثرة العرَض، ولكن الغنى غنى النفس»، وأشار عياض إلى أن المراد به غنى المال، وهو محتمل، والخفي بالخاء المعجمة والفاء أي الخامل المنقطع إلى عبادة الله، والاشتغال بأمور نفسه. وضبطه بعضهم رواة مسلم بالحاء المهملة، ذكره القاضي عياض، والمراد به الوصول للرحم، اللطيف بهم.

 وفيه دليل على تفضيل الاعتزال، وترك الاختلاط بالناس."

لأن هذا الاعتزال هو الذي يسبِّب الخفاء، نعم، هو الذي يسبب الخفاء، أما مخالطتهم فتسبب الشهرة.

أحسن الله إليك.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

 أي ما لا يهمه، من عناه يعنيه ويعنوه إذا أهمه. رواه الترمذي وحسنه. هذا حديث من جوامع الكلم النبوي يعم الأقوال والأفعال، كما روي أن في صحف إبراهيم -عليه السلام-: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. ويعم الأفعال، فيندرج تحته ترك التوسع في الدنيا، وطلب المناصب والرياسة، وحب المحمدة والثناء، وغير ذلك مما لا يحتاج إليه المرء في إصلاح دينه وكفاية دنياه، وأما اشتغال العماء.."

لكن هذا الكلام لا يعجب كثيرًا من الناس اليوم، التوسع في الدنيا والزهد والإعراض عنها إذا أصبحت لا تنتظر المساء، وإذا أمسيت.. هذا كله لا يعجب الكتبة اليوم ومن يبرزون للناس ويتصدون ويتصدرون وسائل الإعلام يقول: هذا تعطيل للدنيا، والله أمرنا بعمارتها، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود:61]، وما صرنا في مؤخرة القوم حتى زهدنا في الدنيا، وغيرنا يتنافس على هذه الدنيا، وسيطروا علينا؛ بسبب هذا، حتى إن المحشي وهو شيخ قديم من شيوخ الأزهر يقول:

لما أن توسع الأجانب في الدنيا وشؤون العمران، وامتلكوا البحار وبطونها، والأرض وهواءه، وامتلكونا فيما امتلكوه، وأصبحنا لا أمر لنا ولا نهي في بلادنا، وأصبحنا ممنوعين من الجهر بالحق، والصدع بالدعوة الدينية، وكان الواجب أن نسبقهم في علوم الحياة، فإن الله يقول: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [سورة البقرة:29] {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} [سورة الجاثية:13].

 على كل حال هذا لا ينافي هذا، وعمارة الأرض مطلوبة، {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77].

لكن ما هو معنى هذا أننا نضيع ما خُلِقنا من أجله من أجل الدنيا، وليس معنى هذا أن تكون الدنيا في قلوبنا، والدين على مجرد الجوارح، العكس ينبغي أن يكون الدين هو الذي في القلب، وهو الذي يسير الإنسان، والدنيا إذا كانت خارج القلب لا تضر، بل تنفع.

أحسن الله إليك.

"وأما اشتغال العلماء بالمسائل الفرضية فقيل: إنه ليس من الاشتغال بما لا يعني، بل هو مما يؤجرون فيه؛ لأنهم لما عرفوا من الأحاديث النبوية أنه في آخر الزمان يقل العلم، ويفشو الجهل، اجتهدوا في ذلك بما يأتي من الزمان، ومن يأتي من العباد المحتاجين إلى معرفة الأحكام مع عجزهم عن البحث، فإنهم أتعبوا القرائح، وخرجوا التخاريج، وقدروا التقادير، والأعمال بالنيات.

 قلت: لا يخفى أن تخريج التخريج، وتقدير التقادير.

التخاريج.

نعم.

أن تخريج التخاريج.

أحسن الله إليك.

"قلت: لا يخفى أن تخريج التخاريج، وتقدير التقادير ليس من العلم المحمود؛ لأن غالبها أقوال خرجت من أقوال المجتهدين، وليست أقوالاً لهم، ولا أقوالاً لمن يخرجها، ولا يحتاج إليها، والعمل بها مشكل؛ إذ القائل بها ليس بمجتهد ضرورة، فلا يقلَّد؛ لأنه إنما يقلَّد مجتهد عدل، والفرض أن المخرِّجين ليسوا مجتهدين، وأما تقدير التقادير."

أما التخريج الذي ليس له أصل يرجع إليه، ولا يعوَّل عليه، فهذا مثل ما يقول المؤلف، لكن التخاريج على النصوص والتفاريع من النصوص، والقياس على ما جاء في النصوص، والتفاريع عليها فهذا هو العلم، رب مبلَّغ أوعى من سامع، ينقدح في ذهنه ما يدل عليه الحديث من معنى دقيق أو مسألة، ولو كانت بعيدة، لكن هي تؤول وترجع وتأرز إلى الحديث.

أحسن الله إليك.

"والفرض، وأما تقدير التقادير فإنه قسم من التخاريج؛ إذ غالب ما يقدر أنه يجاب عنه بأقوال المخرجين، وفي كلام علي -عليه السلام- العلم نقطة كثرها الجهال، بل هذه الموضوعات في التخاريج كانت مضرة للنظر في الكتاب والسنة."

نعم، إذا شغلت عن الوحيين لا شك أنها ضارة؛ لأنها تشغل عما هو أهم منها، وإذا خدمت نصوص الوحيين، وأعانت على فهم الكتاب والسنة صارت مطلوبة، كما يطلب النظر في الكتاب والسنة؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات.

"بل هذه الموضوعات في التخاريج كانت مضرة للنظر في الكتاب والسنة."

للناظر للناظر.

أحسن الله إليك.

"كانت مضرة للناظر في الكتاب والسنة؛ إذ شغلت الناظرين عن النظر فيهما، ونيل بركتهما، فقطعوا الأعمار في تقرير تلك التخاريج، وقد أشبع الكلام على ذلك وعلى ذم الاشتغال به، وقد أشبع الكلام على ذلك وعلى ذم الاشتغال به طوائف من أئمة التحقيق، وإن كان الاشتغال بها قد عم كل فريق."

على كل حال، كل ما يشغل عن الكتاب والسنة مذموم، كل ما يلهي عما يقرب إلى الله -جل وعلا- فهو مذموم، لكن إذا اشتغل بما يعين على فهم الكتاب والسنة فإنه يكون ممدوحًا، ومن ذلكم الشعر، الشعر قد يكون ممدوحًا؛ لأنه يعين على فهم الكتاب والسنة في قواعد وضوابط يحتاج إليها من يطالع الكتاب والسنة، هذا لا شك أنه ممدوح، لكن كما جاء في الحديث الصحيح: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا»؛ لأنه إذا ما امتلأ فما بقي للكتاب والسنة شيء، انشغل بالشعر، وما بقي للكتاب والسنة شيء، هذا حينئذ يكون مذمومًا. والله أعلم.

طالب: المسائل الفرضية على نص.. يعني لو مثلاً يشرح نصًّا أو مر به نعم وافترض مسائل ثم...

هذه من أجل شحذ قرائح الطلبة.

طالب: وقد تأتي..

وقد تأتي نعم فيه مسائل استبعدوها في أول الأمر، ثم وقعت أو وقع ما يقرب منها.

طالب: ............

 

لا لا لا... مستحيلة، والتي يقصد منها التعجيز.