التعليق على تفسير القرطبي - سورة ق (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"سورة ق مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا، وَهِيَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً.

مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

فأما بعد،

 فهذه السورة سورة ق هي أول المفصل في قول عامة أهل العلم، وسبق في تفسير سورة الحجرات أن من أهل العلم من قال: إن أول المفصل الحجرات، السبب في اختلافهم أن تقسيم القرآن وتحزيب القرآن إلى سبعة أحزاب، في أول يوم ثلاث سور كما قالوا، في الثانية خمس، في الثالثة سبع إلى آخره، فمن اعتبر الفاتحة من الثلاث قال: أوله الحجرات، ومن لم يعتبر الفاتحة، قال: أوله ق، وهذا قول الأكثر.

 وهذه السورة مكية كلها في قول جمع من أهل العلم، استثنى ابن عباس وقتادة قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، والاستثناء يعني ظاهر باعتبار أن هذه مقالة اليهود، واليهود كانوا بالمدينة، وهذه رد عليهم، قالوا: الله -جل علا- تعب واستراح في يوم السبت، فرد عليهم الله -جل وعلا- بهذه الآية.

"وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: «لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاحِدًا سَنَتَيْنِ - أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ -، وَمَا أَخَذْتُ "ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ" إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ»".

وهذه سنة مهجورة عند أكثر الخطباء، يندر أن تسمع من يقرأ هذه السورة على المنبر في خطبة الجمعة، هذه السورة سورة عظيمة يُذَكَّر بها الناس، ولذا جاء في آخرها {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [ق:45]، والله المستعان.

 ابن القيم -رحمه الله تعالى- في أول كتاب الفوائد جعل هذه السورة أنموذجًا ونبراسًا لتدبر القرآن، في أول فائدة من كتاب الفوائد له، فيه كلام نفيس جدًّا يحتاج إليه كل طالب علم يريد أن يتدبر القرآن، يريد أن يفهم القرآن، فجعلها أنموذجًا للتدبر والفهم للقرآن.

طالب: خطبة الجمعة تُلقى لوحدها.

لا، هي ليست خطبة كاملة، إنما تقال في الخطبة، لكن لو قيلت وفُسِّرت وتتضمنت تفسيرها أركان الخطبة كفت.

طالب: لو قُرئت في صلاة الجمعة.

لا، ما ورد قراءتها، ق، واقتربت هذه قُرئت في صلاة العيد.

طالب: لو قرأها..

ما تكفي، ما تسمى خطبة باتفاق.

"وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: «مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِ " ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ " وَ"اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ». وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا»".

نعم، هذا ضرب من أنواع ما قرأ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان يأمر بالتخفيف، «من أمّ الناس منكم فليخفف»، ومع ذلك كان يقرأ بـ ق، ويقرأ بالطور، ويقرأ بالمرسلات، ويقرأ بـ الم السجدة، والإنسان، كل هذا من التخفيف، إلا أنه لا يُتخذ عادة وديدنًا، لكنه تخفيف، كان يُعد تخفيفًا، وقد قرأ بالأعراف -عليه الصلاة والسلام-، وقرأ بالمعوذتين في صلاة الفجر في السفر، فيلاحظ حال المأمومين من حيث النشاط وضده، فإذا كان في وقت ينشطون للتطويل طوّل، وإذا كان علامات عدم النشاط والكسل ظاهرة فإنه يخفف، هكذا ينبغي أن يكون الإمام ملاحظًا لحال المأمومين.

" قوله تعالى:

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5-1].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]  قَرَأَ الْعَامَّةُ " قَافْ " بِالْجَزْمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ " قَافِ " بِكَسْرِ الْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ أَخُو الْجَزْمِ".

الكسر يُلجأ إليه عند التقاء الساكنين، يُلجأ إلى الكسر عند التقاء الساكنين فهو أخوه.

"فَلَمَّا سُكِّنَ آخِرُهُ حَرَّكُوهُ بِحَرَكَةِ الْخَفْضِ. وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ، حَرَّكَهُ إِلَى أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ. وَقَرَأَ هَارُونُ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ " قَافُ " بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ حَرَكَةُ الْبِنَاءِ نَحْوُ: مُنْذُ وَقَطُّ وَقَبْلُ وَبَعْدُ.

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " ق " مَا هُوَ. فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ اخْضَرَّتِ السَّمَاءُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ طَرَفَا السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ عَلَيْهِ مَقْبِيَّةٌ، وَمَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ زُمُرُّدٍ كَانَ مِمَّا تَسَاقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ".

هذا مما تُلُقِّي عن بني إسرائيل، هذا من كلام بني إسرائيل ولا يثبت.

"وَرَوَاهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَظْهَرَ الْإِعْرَابُ فِي " ق"؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَلَيْسَ بِهِجَاءٍ".

يعني ليس بحرف تهجي فيُبنى، لكنه اسم.

"قَالَ: وَلَعَلَّ الْقَافَ وَحْدَهَا ذُكِرَتْ مِنِ اسْمِهِ؛ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ، أَيْ: أَنَا وَاقِفَةٌ".

يعني من الاكتفاء ببعض الكلمة عنها، من الاكتفاء ببعض الكلمة.

"وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ".

عند الكلام عند الحروف المقطعة، ولكن المرجَّح عند أهل التحقيق أن هذه الحروف حروف تحدَّى الله بها العرب، وقال: إن القرآن مؤلف من هذه الحروف، فأتوا بمثله أو بعشر سور منه أو سورة، هذا التحدي، ولذا لا يُذكر هذا الحرف في مطالع السور إلا ويُذكر بعده القرآن، وأما ما ذكره أهل العلم من التماس لحروف أو لكلمات أُشير بها بهذه الحروف إليها، فلا أصل له، ولا دليل يدل عليها.

طالب: ما السر في الحروف المقطعة؟  

الله أعلم بمراده.

"وَقَالَ وَهْبٌ: أَشْرَفَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَلَى جَبَلِ قَافٍ فَرَأَى تَحْتَهُ جِبَالًا صِغَارًا، فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا قَافٌ، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْجِبَالُ حَوْلَكَ؟ قَالَ: هِيَ عُرُوقِي وَمَا مِنْ مَدِينَةٍ إِلَّا وَفِيهَا عِرْقٌ مِنْ عُرُوقِي، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ مَدِينَةً أَمَرَنِي فَحَرَّكْتُ عِرْقِي ذَلِكَ فَزُلْزِلَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ؛ فَقَالَ لَهُ: يَا قَافٌ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ شَأْنَ رَبِّنَا لَعَظِيمٌ، وَإِنَّ وَرَائِي أَرْضًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فِي خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ جِبَالِ ثَلْجٍ يَحَطُمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، لَوْلَا هِيَ لَاحْتَرَقْتُ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَهَنَّمَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهَا، وَأَيْنَ هِيَ مِنَ الْأَرْضِ. قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ رِعْدَةٍ مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ، فَأُولَئِكَ الْمَلَائِكَةُ وُقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى مُنَكِّسُو رُءُوسِهِمْ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:38]  يَعْنِي قَوْلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".

وهذا أيضًا كسابقه مما تُلقِّي عن بني إسرائيل مما لا أصل له في شرعنا.

"وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ " ق " أَيْ: قُضِيَ الْأَمْرُ، كَمَا قِيلَ فِي " حم " أَيْ: حُمَّ الْأَمْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "ق" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: افْتِتَاحُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيرٌ وَقَاهِرٌ وَقَرِيبٌ وَقَاضٍ وَقَابِضٌ".

يعني كما قيل في نظائره من الحروف المقطعة، وأنها إشارات إلى أسماء من الأسماء الحسنى، لكن لا يوجد ما يدل على ذلك.

"وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: فَاتِحَةُ السُّورَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: مَعْنَاهُ قِفْ عِنْدَ أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، وَلَا تَعْدُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ: هُوَ قُرْبُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، بَيَانُهُ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِقُوَّةِ قَلْبِ حَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ حَمَلَ الْخِطَابَ وَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِعُلُوِّ حَالِهِ".

لا شك أن قلبه -عليه الصلاة والسلام- الرحيم الرؤوف بالمؤمنين، في غاية القوة بالنسبة لقلوب البشر، حيث تحمَّل هذا الكلام الثقيل العظيم من غير أن يحصل له أدنى خلل مثل ما يحصل لغيره، ممن جاء بعده ممن استشعر عظمة هذا الكلام، فتجد الخلل يحصل عندهم، يستشعرون عظمة القرآن مع أن القلوب ضعفت، فيحصل ما يحصل، قد حصل لبعض التابعين نوع من الغشي والإغماء، وما أشبه ذلك؛ لضعف قلوبهم، أما النبي -عليه الصلاة والسلام- فلقوة قلبه تلقى هذا القرآن بقلب قوي مع استشعاره لعظمته، وبعد ذلك خلف من بعدهم خلوف لا يستشعرون عظمة مع ضعف قلوبهم، فلا يحصل لهم شيء، لأنهم لا يستشعرون عظمة هذا الكتاب، والله المستعان.

طالب: أحسن الله إليكم، إذا قرأ القارئ ق، كم حسنة تحصل له.

لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، قاف ثلاث حروف، القاف والألف والقاف الثانية، على الخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف في الحديث: «من قرأ حرفًا من القرآن كان له حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم...» إلى آخره، هل المراد به حرف المبنى فتكون قاف ثلاث حروف، أو المراد بحرف المعنى فتكون حرفًا واحدًا، وهل هناك فرق بين الم وألم، الم ثلاث حروف، وألم ثلاثة أو اثنان؟

طالب:.....

لام حرف واحد أم اثنان؟

طالب: اثنين.

على الخلاف هل حرف مبنى أو حرف معنى، إذا قلنا: حرف مبنى صار حرفين، وإذا قلنا حرف معنى صارت حرفًا واحدًا ألم. والفرق كبير جدًّا بين تعداد الحسنات في هذه الحروف، إذا قلنا: حروف المباني فالقرآن ثلاثمائة حرف، فتكون الختمة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، وإذا قلنا: حروف المعاني فالقرآن سبعون ألف كلمة، فيكون سبعمائة ألف، أقل من الربع، والله المستعان.

طالب: كذلك الم...

كيف؟

طالب: .......

فرق بين ق، وقاف.

طالب:....

لكن ما الفرق بينها وبين قَ بدون شيء حرف مبنى؟

طالب:......

نعم، هذا الذي يرجح به كلام شيخ الإسلام وغيره، الذي يقول: المراد حروف المعاني.

طالب: لو نقول الم، الم حرف.

ألف حرف.

طالب: وهي من ثلاث حروف.

ثلاث حروف مباني، حرف معنى لكن ثلاثة حروف مبانٍ.

طالب: قال: ولام حرف، قاف مثل ذلك.

قاف تكون حرف معنى، لا تكون حرف مبنى، وقَ القاف الأولى من حرف المعنى حرف مبنى، فتكون قاف حرف معنى مثل الم، مثل ألف حرف معنى، و أَ حرف مبنى، وقَ حرف مبنى.  فقاف من ثلاثة حروف مبانٍ، وهي حرف واحد معنى، ألف حرف واحد معنى وثلاثة حروف مبانٍ.

طالب: الحديث....

نعم شيخ الإسلام تمسك بهذا الحديث، لكن ما دام الإطلاق في اللغة يشمل هذا وهذا، فالأمل بفضل الله وكرمه وجوده، لا شك أنه يؤيد حمله على حرف المبنى.

طالب: ولكن ألف حرف، يتكلم عن حرف مبنى؟

ألف حرف مبنى، أَ حرف مبنى.

طالب:....

شيخ الإسلام يستدل بهذا الحديث، وأن المراد به حروف المعاني لا حروف المباني.

"{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1]  أَيِ: الرَّفِيعُ الْقَدْرِ. وَقِيلَ: الْكَرِيمُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقِيلَ: الْكَثِيرُ، مَأْخُوذٌ مِنْ كَثْرَةِ الْقَدْرِ وَالْمَنْزِلَةِ لَا مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: كَثِيرٌ فُلَانٍ فِي النُّفُوسِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ فِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: " فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ ". أَيِ: اسْتَكْثَرَ هَذَانِ النَّوْعَانِ مِنَ النَّارِ فَزَادَا عَلَى سَائِرِ الشَّجَرِ؛ قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَجَوَابُ الْقَسَمِ قِيلَ هُوَ: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ عَلَى إِرَادَةِ اللَّامِ؛ أَيْ: لَقَدْ عَلِمْنَا. وَقِيلَ: هُوَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى وَهُوَ اخْتِيَارُ التِّرْمِذِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ".

الحكيم، المعروف بالحكيم، صاحب نوادر الأصول.

"قَالَ: " ق " قَسَمٌ بِاسْمٍ هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْعِبَادِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ، وَأَقْسَمَ أَيْضًا بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، ثُمَّ اقْتَصَّ مَا خَرَجَ مِنَ الْقُدْرَةِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِ وَأَرْزَاقِ الْعِبَادِ، وَخَلْقِ الْآدَمِيِّينَ، وَصِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ، فَوَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: ق أَيْ: بِالْقُدْرَةِ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ أَقْسَمْتُ أَنَّ فِيمَا اقْتَصَصْتُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

 وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: جَوَابُهُ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ. وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: جَوَابُ هَذَا الْقَسَمِ بَلْ عَجِبُوا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لَتُبْعَثُنَّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا".

الله -جل وعلا- أقسم على البعث في مواطن، وأمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- أن يقسم عليه في ثلاثة مواطن من كتابه، في يونس، وفي سبأ، وفي التغابن.

"قوله تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:2] أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: لِأَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، يَعْنِي مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ. وَقِيلَ: لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ جَمِيعًا. ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَالَ الْكَافِرُونَ وَلَمْ يَقُلْ فَقَالُوا، بَلْ قَبَّحَ حَالَهُمْ وَفِعْلَهُمْ وَوَصَفَهُمْ بِالْكُفْرِ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي فُلَانٌ فَأَسْمَعَنِي الْمَكْرُوهَ، وَقَالَ لِيَ الْفَاسِقُ: أَنْتَ كَذَا وَكَذَا".

وهو، هو فلان المذكور.

"{هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:2]  الْعَجِيبُ الْأَمْرُ الَّذِي يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْعُجَابُ بِالضَّمِّ، وَالْعُجَّابُ بِالتَّشْدِيدِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأُعْجُوبَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَجَبُهُمْ أَنْ دُعُوا إِلَى إِلَهٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: مِنْ إِنْذَارِهِمْ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ. وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [ق:3]  نُبْعَثُ؛ فَفِيهِ إِضْمَارٌ.

ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ الرَّجْعُ الرَّدُّ أَيْ: هُوَ رَدٌّ بَعِيدٌ أَيْ: مُحَالٌ. يُقَالُ: رَجَعْتُهُ أَرْجِعُهُ رَجْعًا، وَرَجَعَ هُوَ يَرْجِعُ رُجُوعًا، وَفِيهِ إِضْمَارٌ آخَرُ أَيْ: وَقَالُوا أَنُبْعَثُ إِذَا مِتْنَا. وَذِكْرُ الْبَعْثِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ هَاهنا فَقَدْ جَرَى فِي مَوَاضِعَ، وَالْقُرْآنُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَيْضًا ذِكْرُ الْبَعْثِ مُنْطَوٍ تَحْتَ قَوْلِهِ: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:2]؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُنْذِرُ بِالْعِقَابِ وَالْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ".

{أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:2]، عجبوا هم أن يكون من بينهم شخص واحد، فرد منهم يأتي بشيء لا يتصورونه، لو جاءهم غريب لا يعرفونه لاحتمل أن يكون هذا الشخص عنده من المقومات ما يتحمل به هذه الأعباء؛ لأنهم لا يعرفونه، أما شخص يعرفونه ويعرفون أباه وأمه ومدخله ومخرجه، يأتيهم بهذا الأمر العظيم يتعجبون منه، والناس في الغالب قناعتهم بالغريب أكثر من قناعتهم بالقريب في الجملة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4]  أَيْ: مَا تَأْكُلُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ فَلَا يَضِلُّ عَنَّا شَيْءٌ حَتَّى تَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا الْإِعَادَةُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52-51] . وَفِي الصَّحِيحِ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ»  وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَالشُّهَدَاءَ لَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ " وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ".

ثبت أن الأنبياء هذا لا شك فيه، كذلك الشهداء أحياء، فلا تأكلهم الأرض، يبقى الأولياء هو محل نظر، فيه دليل عليه؟ يقول: ثبت، عندك مخرج؟ ما ذكر شيئًا؟

طالب:....

الشهداء نعم أحياء.

طالب: هل يلزم...

نعم يلزم، أحياء، والأنبياء أكمل منهم حياة في قبورهم، أيضًا الواقع يشهد بذلك.

طالب: .......

يعني عجب الذنب مما كُتب له البقاء، من الثمانية التي ذكرها العلماء، وأن الخلق كلهم يفنون ما عدا هذه الثمانية

ثـمـانيـة حـكـم الـبـقـاء يـعمهـا

من الخلق والباقون في حيز العدم

هـي العرش والكرسي نـار وجنـة

وعـجب وأرواح كـذا اللـوح والقلـم

هذه الثمانية لا تفنى.

"وَقَالَ السُّدِّيُّ: النَّقْصُ هُنَا الْمَوْتُ يَقُولُ قَدْ عَلِمْنَا مِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ وَمَنْ يَبْقَى؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ دُفِنَ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ تَنْقُصُ مِنَ النَّاسِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

{وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4]  أَيْ: بِعِدَّتِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَقِيلَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَيْ: مَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَوْ مَحْفُوظٌ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ. وَقِيلَ: الْكِتَابُ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ وَالْإِحْصَاءِ؛ كَمَا تَقُولُ: كَتَبْتُ عَلَيْكَ هَذَا أَيْ: حَفِظْتُهُ، وَهَذَا تَرْكُ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقِيلَ: أَيْ: وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ لِأَعْمَالِ بَنِي آدَمَ لِنُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [ق:5]  أَيِ: الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: بِالْحَقِّ: الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ. وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

هي أمور متلازمة، من كذب بالقرآن فقد كذب بالإسلام فقد كذب بمحمد -عليه الصلاة والسلام- كما أن من كذب بمحمد -عليه الصلاة والسلام- كذب بما جاء به من كتاب ودين.

"{فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق:5]  أَيْ: مُخْتَلِطٍ. يَقُولُونَ مَرَّةً سَاحِرٌ وَمَرَّةً شَاعِرٌ وَمَرَّةً كَاهِنٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مُخْتَلِفٌ. الْحَسَنُ: مُلْتَبِسٌ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاسِدٌ، وَمِنْهُ مَرِجَتْ أَمَانَاتُ النَّاسِ أَيْ: فَسَدَتْ، وَمَرِجَ الدِّينُ وَالْأَمْرُ اخْتَلَطَ؛ قَالَ أَبُو دُؤَادٍ:

مَـرِجَ الـدِّيـنُ فَـأَعْـدَدْتُ لَـهُ

مُشْرِفَ الْحَارِكِ مَحْبُوكَ الْكَتَدْ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَرِيجُ الْأَمْرُ الْمُنْكَرُ. وَقَالَ عَنْهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ: مَرِيجٌ مُخْتَلِطٌ. وَأَنْشَدَ:

فَجَالَتْ فَالْتَمَسْتُ بِهِ حَشَاهَا

فَـخَـرَّ كَـأَنَّـهُ خُـوطٌ مَـرِيـجٌ

الْخُوطُ الْغُصْنُ. وَقَالَ عَنْهُ الْعَوْفِيُّ: فِي أَمْرِ ضَلَالَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: سَاحِرٌ شَاعِرٌ مَجْنُونٌ كَاهِنٌ. وَقِيلَ: مُتَغَيِّرٌ. وَأَصْلُ الْمَرَجِ الِاضْطِرَابُ وَالْقَلَقُ، يُقَالُ: مَرِجَ أَمْرُ النَّاسِ وَمَرِجَ أَمْرُ الدِّينِ وَمَرِجَ الْخَاتَمُ فِي إِصْبَعِي إِذَا قَلِقَ مِنَ الْهُزَالِ".

يعني صغُر عنه الإصبع، فصار يتحرك ويختلط ويضطرب.

"وَفِي الْحَدِيثِ: «كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَهَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ "".

مصحح؟

طالب: أخرجه أبو داود، وابن ماجه وأحمد.

عندك شيء؟

طالب: .......

ما حكم عليه؟

طالب: قال صحيح أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد.

الظاهر صحته، نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} [ق:6]  نَظَرَ اعْتِبَارٍ وَتَفَكُّرٍ".

نعم هذه الفائدة من النظر والأمر به الاعتبار والتفكر، الذي يورث القلب من اليقين والطمأنينة وزيادة الإيمان ما يورثه، أما مجرد النظر بالبصر الذي لا ينشأ عنه هذه الأمور فلا قيمة له.

"وَأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِيجَادِهَا قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ.

{كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق:6] فَرَفَعْنَاهَا بِلَا عَمَدٍ، وَزَيَّنَّاهَا بِالنُّجُومِ.

بلا عمد مطلقًا، أو بلا عمد مرئية كما تقدم، بغير عمد ترونها، فله قيد مخرج، أو هو تصريح بما هو مجرد توضيح، أو له قيد، أو لها عمد لكنها لا تُرى، أو أن لا عمد لها أصلًا، تقدم ذكر الخلاف في ذلك.

"{وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6]  جَمْعُ فَرْجٍ وَهُوَ الشَّقُّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

تَـسُـدُّ بِهِ فَرْجَهَا مِـنْ دُبُرْ

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَيْسَ فِيهَا تَفَاوُتٌ وَلَا اخْتِلَافٌ وَلَا فُتُوقٌ.

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [ق:7] تَقَدَّمَ فِي الرَّعْدِ بَيَانُهُ. {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} [ق:7]   أَيْ: مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّبَاتِ {بَهِيجٍ} [ق:7]  أَيْ: حَسَنٍ يَسُرُّ النَّاظِرِينَ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْحَجِّ " بَيَانُهُ.

{تَبْصِرَةً} [ق:8]  أَيْ: جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَةً لِنَدُلَّ بِهِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ يَعْنِي: جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِيرًا وَتَنْبِيهًا عَلَى قُدْرَتِنَا، وَ {ذِكْرَى} [ق:8]  مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.  {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8]  رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مُفَكِّرٌ فِي قُدْرَتِهِ.

وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} [ق:9] أَيْ: مِنَ السَّحَابِ مَاءً مُبَارَكًا أَيْ: كَثِيرَ الْبَرَكَةِ".

هل المراد بالسماء أنزلنا من السماء، السماء الجرم المعروف، واحدة السماوات السبع، أو أن المراد به جهة العلو، والسحاب في جهة العلو؟ هو مبني على ما يذكره أهل الهيئة من أن السحاب إنما ينشأ من تبخر مياه البحر، يتبخر ثم يتصاعد، حتى يصل إلى عنان السماء البارد، فيتكثف فيصير سحابًا، ثم ينزل بأمر الله -جل وعلا-، أو أنه ينزل من السماء حقيقة، بكيل ومكيال، ميكائيل، كل قطرة منه معروفة، على خلاف بين أهل العلم، لكن ظاهر النصوص وما يؤيدها من آثار أنه من السماء الحقيقة، والقول بأنه يتبخر من البحار ثم يتصعد إلى السماء لا شك أنه قول متفق بين أهل الهيئة، ويؤيده كثير من العرب الأوائل وذكروه في أشعارهم، وكان الشيخ ابن القيم -رحمه الله- يميل إليه، لكن ما فيه ما يدل على ذلك،

شربنا بماء البحر ثم ترفعت

لـدى لُـجـج لـهـن نـأيـج

ثم ترفعت يعني السحاب، شربنا يعني السحاب شربنا بماء البحر، يعني بماء السحاب بسبب تبخير الماء بواسطة حرارة الشمس، لكن للإنسان يقول: كيف تؤثر الشمس مع برودتها في الشتاء أكثر تأثيرها في الصيف؛ لأن الأمطار والسحاب أكثر ما يكون في الشتاء، أكثر مما يكون في الصيف، حرارة الشمس في الصيف أكثر ما تكون في الشتاء.

 وعلى كل حال ليس فيه نص قاطع ملزم، والسماء كما تطلق على الجرم المعروف تطلق أيضًا على جهة العلو.

 على كل حال المسألة سهلة، لكن ليس هناك إلزام لا بقول أهل الهيئة ولا بغيرهم، الذي يكادون يتفقون عليه، ويسفهون من يرى غيرهم، مشكلة ما يعرضون قولهم ويسكتون. لا، لهم أذناب يتبعونهم ويقولون بقولهم، ويسخرون ممن يقول بالقول الآخر مع أنه جاءت آثار كثيرة تدل عليه، لكن ليس هناك نص ملزم بأحد القولين.

طالب:...

قصدهم السحاب.

طالب:......

هو من السحاب، لكن السحاب جاءه الماء من أين؟

طالب:....

لا، هو المقصود أنه بالاتفاق من السحاب، لكن السحاب نزل من فوق أو طلع لها من تحت؟ هذا محل الإشكال.

طالب: العرب كيف توصلوا إلى هذا، وهو علم لا يُؤخذ بالمشاهدة.

لا، هم اتبعوا أرباب الحكمة سلموا لهم، والهيئة، سلموا لهم، هذا من علم الأوائل يسمونه.

طالب:....

هذا أثر، فيه آثار تدل على ذلك، هناك أمور قد تثبت عن الصحابة، لكن ليس مردها إلى شرع، فلا يلزم القول بها، يعني ثبت عن الصحابة أن الجراد نثرة حوت، يعني حوت تحرك وعطس وشيء من هذا وخرج منه الجراد، ثبت عن بعض الصحابة هذا، وعلى هذا فيكون بحريًّا لا فداء فيه، لكن المشاهد أنه بري يتوالد، في البر، فيكون ما أُثر من الصحابة متلقى عن أهل الكتاب مثلًا، وعُرف عن الصحابة من يتلقى من أهل الكتاب، ويثبت القول عنه، فلا يكون حينئذ ملزمًا. نعم.

"{فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9]  التَّقْدِيرُ: وَحَبُّ النَّبْتِ الْحَصِيدُ وَهُوَ كُلُّ مَا يُحْصَدُ. هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وَحَقُّ الْيَقِينِ وَحَبْلُ الْوَرِيدِ وَنَحْوُهَا، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْأَصْلُ الْحَبُّ الْحَصِيدُ".

يجوز هذا عند الكوفيين أن يضاف الشيء إلى نفسه، وعند البصريين لا بد من تقدير مضاف إليه غير الشيء، مسجد المكان الجامع، وربيع الشهر الأول، وحق القول اليقين.

طالب:....

ربيع هو الأول، لو قيل: إنه من إضافة الموصوف إلى صفته لكان له وجه، وليس من إضافة الشيء إلى نفسه.

يعني مثل ما يقال، هذه مسألة استدركها بعض شيوخنا، في ترجمة رشدين بن سعد قالوا: أخذته غفلة الصالحين، قالوا في ترجمته، في التقريب وهي مأخوذة من كتب الجرح والتعديل القديمة، أخذته غفلة الصالحين وتواطؤا على ذلك، كلهم يقولون هذه، استُدرك عليهم بأن الصالحين ليس فيهم غفلة، رأسهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس بمغفل، بل هو رأس المتيقظين، وكذلك صحابته وأتباعهم إلى يوم الدين، قيل: غفلة بعض الصالحين، أنا أقول: الجملة صحيحة وسليمة ولا استدراك عليها، وهي من إضافة الموصوف إلى صفته، يعني أخذته غفلة الصالحين المغفلين، كما يقال: فلان من مجتهدي الأئمة، يعني من الأئمة المجتهدين.

"فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأُضِيفَ الْمَنْعُوتُ إِلَى النَّعْتِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: حَبُّ الْحَصِيدِ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ. وَقِيلَ: كُلُّ حَبٍّ يُحْصَدُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ".

هناك عبارات، يعني لو دُقق فيها لم تسلم من ملاحظة، مثلًا مطاحن الدقيق، كيف يُطحن الدقيق، أسارية هذه مطاحن الدقيق؟ لكن باعتبار ما كان، قبل أن يكون دقيقًا يُطحن بهذه المطاحن التي أعُدت للدقيق.

طالب: كعصير الخمر.

الخمر معصور ومنتهٍ، إنما يعصر عنبًا ليكون خمرًا.

"{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:10] نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَ"بَاسِقَاتٌ" حَالٌ.

وَالْبَاسِقَاتُ الطِّوَالُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: بُسُوقُهَا اسْتِقَامَتُهَا فِي الطُّولِ".

سبحان الله يعني السليقة، لما كانت العرب على سليقتهم، يدركون الخطأ وهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، لما قرأ شخص: والنحل باسقات، قالت عجوز لا تقرأ ولا تكتب: ليست النحل، إن كانت النحل فلاسعات ليست باسقات؛ لأن النحل ما فيها طول، والله المستعان.

     ويمر على بعض المتعلمين ما هو أظهر من هذا ولا يستدرك، كل هذا سببه التأثر بالمجاورة.

"وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسْتَوِيَاتٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا وَالْفَرَّاءُ: مَوَاقِيرُ حَوَامِلُ؛ يُقَالُ لِلشَّاةِ بَسَقَتْ إِذَا وَلَدَتْ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَمَّا تَرَكْنَا الدَّارَ ظَلَّتْ مُنِيفَةً

بِقُرَّانَ فِيهِ الْبَاسِقَاتُ الْمَوَاقِرُ

وَالْأَوَّلُ فِي اللُّغَةِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، يُقَالُ: بَسَقَ النَّخْلُ بُسُوقًا إِذَا طَالَ. قَالَ: لَنَا خَمْرٌ وَلَيْسَتْ خَمْرُ كَرْمٍ، وَلَكِنْ مِنْ نِتَاجِ الْبَاسِقَاتِ كِرَامٌ فِي السَّمَاءِ ذَهَبْنَ طُولًا وَفَاتَ ثِمَارُهَا أَيْدِي الْجُنَاةِ".

يعني ما يطولها الجناة يريد أن يجني من ثمرها ما يريد لا يستطيع؛ لأنها نخل طوال، يسمونها عيادين، الواحدة عيدانة، موجودة إلى الآن، والتسمية أيضًا.

طالب:....

يُطال، يُؤخذ منها باليد.

طالب:....

يقول: هل في هذا مدح للنخل الطوال أكثر من النخل القصار؟ القصار أفضل من الطوال في الثمر، لكن باعتبار أن الطول يمنع من إرادة الاعتداء، يعني صاحب النخل الطوال آمن من أن يُسرق من تمره شيء بخلاف النخل القصير.

طالب: هل لها عمر طويل.

نعم، ما تطول إلا إذا طال أمدها وعمرها.

طالب:.....

كرام في السماء يعني طوال.

طالب:.....

كتب صُنفت في هذا وأشعار كثيرة جدًّا في مدح القمر، في الجاهلية، وفساق المسلمين يمدحونه.

طالب:....

النخل باسقات سيأتي هذا.

"وَيُقَالُ: بَسَقَ فُلَانٌ عَلَى أَصْحَابِهِ أَيْ: عَلَاهُمْ".

وبسق وبصق يأتيان بمعنى واحد، ولا يبسق على شيء إلا إذا طال عليه، صار أطول منه.

"وَأَبْسَقَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَقَعَ فِي ضَرْعِهَا اللَّبَنُ قَبْلَ النِّتَاجِ فَهِيَ مُبْسِقٌ وَنُوقٌ مَبَاسِيقٌ. وَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ مَالِكٍ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: " بَاصِقَاتٍ " بِالصَّادِ؛ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قُلْتُ: الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ حَتَّى قَرَأَ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ قَالَ: فَجَعَلْتُ أُرَدِّدُهَا وَلَا أَدْرِي مَا قَالَ» ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ الصَّادِ مِنَ السِّينِ لِأَجْلِ الْقَافِ".

لا يجوز إبدال الصاد من السين لأجل القاف، هل تجتمع الصاد مع القاف؟

صقر مثلًا، والسين مع القاف كالسقي والسقيا، إلا أنه لا يجوز إبدال الصاد بالسين لأجل القاف، هل هذه علة في عدم الجواز أم أن الرواية لا تثبت بذلك؟ الصراط، والسراط، من حيث العربية إبدال الصاد من السين سهل.

طالب: مصيطر.

نعم معروف إبدال السين من الصاد وارد، لكن هنا في هذا الموضع يحتاج إلى نقل.

طالب:....

لا، إذا قلنا: إن السين تأتي بمعنى الصاد والعكس، ما اختلف، البزاق والبساق والبصاق واحد.

طالب:....

لكن هو استدرك، أن في صحيح مسلم هكذا، ما اختصر على رواية الثعلبي.

طالب: ما معنى فجعلت أرددها ولا أدري ما قال؟

لا يدري معنى باسقات.

طالب: .......

 إلا أن كانت القراءة بالصاد.

 فيه رقم على مسلم؟

طالب: في مسلم أربعمائة وسبعة وخمسين.

لا أدري إلا إذا كان رقم عام ورقم خاص.

طالب:.....

من أي طبعة؟

طالب:.....

ماذا؟

طالب: .......

على حسب ثبوتها، إذا كانت ثابتة بالصاد تُكتب وإلا فلا. فيه أحد قرأ بالصاد؟

"{لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10]  الطَّلْعُ هُوَ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ؛ يُقَالُ: طَلَعَ الطَّلْعُ طُلُوعًا وَأَطْلَعَتِ النَّخْلَةُ، وَطَلْعُهَا كُفُرَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ. نَضِيدٌ أَيْ: مُتَرَاكِبٌ قَدْ نُضَد بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ النَّضِيدُ الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ".

ليس بنضيد معناه أنه يتفرق إذا خرج من أكمامه، وما دام الكم فهو منضود بعضها على بعض، يعني مصفوف بعضها على بعض.

"{رِزْقًا لِلْعِبَادِ} [ق:11] أَيْ: رَزَقْنَاهُمْ رِزْقًا، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنْبَتْنَاهَا رِزْقًا؛ لِأَنَّ الْإِنْبَاتَ فِي مَعْنَى الرِّزْقِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ: أَنْبَتْنَاهَا لِرِزْقِهِمْ، وَالرِّزْقُ مَا كَانَ مُهَيَّأً لِلِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ".

وأنه يطلق يعني الرزق، يطلق على كل ما يحصل عليه الإنسان من حلال أو حرام، يسمى رزقًا، خلافًا للمعتزلة الذين لا يرون الرزق إلا الحلال، وأما الحرام فليس برزق، ليس من رزق الله، فممن يكون حينئذ؟

سبق في أوائل الكتاب، مثّل المؤلف وغيره من أهل العلم بأن اللصوص لو أخذوا طفلًا في يوم ولادته، وجدوه مرميًا أي لقيطًا، فأخذوه وأطعموه من الحرام، إلى أن شب وكبر وصار معهم يأكل الحرام، إلى أن مات، يقولون: هذا ما أخذ من رزقه شيئًا، ما استوفى من رزقه شيئًا، بناءً على أن الحرام ليس برزق، وعامة أهل العلم يقولون: استوفى رزقه، كما أنه استوفى أجله، استوفى ما كُتب له من مقام الشقاوة أو السعادة، على كل حال تقدم هذا. 

"{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11] أَيْ: مِنَ الْقُبُورِ أَيْ: كَمَا أَحْيَا اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ فَكَذَلِكَ يُخْرِجُكُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ مَوْتِكُمْ؛ فَالْكَافُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَقَالَ " مَيْتًا "؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَكَانُ وَلَوْ قَالَ مَيْتَةً لَجَازَ".

يكون المراد البقعة، ولذلك البلدان قد تُصرف باعتبار المكان، وتُمنع من الصرف باعتبار البقعة، قال: ميتًا يعني بالفعل قد مات، إن قال: ميّتًا فالمراد به سيموت، والمراد إحياء من مات بالفعل.

طالب:.....

ما خلص حاجات.

طالب:.....

باعتبار أنه كان حيًّا فمات، أو أنه باعتبار ما سيكون، ويموت للحال والاستقبال، باعتبار ما سيكون، يكون ميتًا، لأنه في التعبير العربي فيه تجوز، ينظرون إليه باعتبار ما كان، وينظرون إليه باعتبار ما سيكون.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [ق:12]  أَيْ: كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ كَذَّبَ أُولَئِكَ فَحَلَّ بِهِمُ الْعِقَابُ. ذَكَّرَهُمْ نَبَأَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ وَخَوَّفَهُمْ مَا أَخَذَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ.

{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} [ق:14]  مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ.

{فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:14]  أَيْ: فَحَقَّ عَلَيْهِمْ وَعِيدِي وَعِقَابِي".

قصة قوم نوح، قصة نوح مع قومه ذُكرت في مواضع كثيرة من القرآن، وأُفردت في سورة مستقلة كما لا يخفى.

"قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق:15]  أَيْ: أَفَعَيِينَا بِهِ فَنَعْيَا بِالْبَعْثِ. وَهَذَا تَوْبِيخٌ لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ وَجَوَابُ قَوْلِهِمْ: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. يُقَالُ: عَيِيتُ  بِالْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَجْهَهُ.

{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15]  أَيْ: فِي حَيْرَةٍ مِنَ الْبَعْثِ؛ مِنْهُمْ مُصَدِّقٌ وَمِنْهُمْ مُكَذِّبٌ؛ يُقَالُ: لَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ يَلْبِسُهُ لَبْسًا".

يعني فرق بين اللَبس واللُبس، الذين آمنوا ولم يلبسوا، يعني يخلطوا، واللُبس معروف أنه لُبس الثوب وما في معناه، وأما اللَبس فهو الخلط.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} [ق:16] يَعْنِي النَّاسَ، وَقِيلَ: آدَمُ.

{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16]  أَيْ: مَا يَخْتَلِجُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ وَضَمِيرِهِ، وَفِي هَذَا زَجْرٌ عَنِ الْمَعَاصِي الَّتِي يُسْتَخْفَى بِهَا. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ آدَمُ؛ فَالَّذِي وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسُهُ هُوَ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ هُوَ عَامٌّ لِوَلَدِهِ. وَالْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْخَفِيِّ. قَالَ الْأَعْشَى:

 تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا انْصَرَفَتْ            كَمَا اسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشْرِقٍ  زَجِلُ

 وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَافِ".

{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]  هُوَ حَبْلُ الْعَاتِقِ، وَهُوَ مُمْتَدٌّ مِنْ نَاحِيَةِ حَلْقِهِ إِلَى عَاتِقِهِ، وَهُمَا وَرِيدَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ. وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ فَأُضِيفَ إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَرِيدُ الْوَتِينُ وَهُوَ عِرْقٌ مُعَلَّقٌ بِالْقَلْبِ. وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْقُرْبِ أَيْ: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ قُرْبِ الْمَسَافَةِ. وَقِيلَ أَيْ: وَنَحْنُ أَمْلَكُ بِهِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ مَعَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: أَيْ: وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عِرْقٌ يُخَالِطُ الْقَلْبَ، فَعِلْمُ الرَّبِّ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: الْوَرِيدُ عِرْقٌ يُخَالِطُ الْقَلْبَ، وَهَذَا الْقُرْبُ قُرْبُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَبْعَاضُ الْإِنْسَانِ يَحْجُبُ الْبَعْضُ الْبَعْضَ وَلَا يَحْجُبُ عِلْمَ اللَّهِ شَيْءٌ".

على خلاف بين أهل العلم في هذه الآية، هل هي من آيات الصفات، أو أن المراد نحن بملائكتنا أقرب إليه، والله -جل وعلا- أقرب للإنسان من كل قريب، أقرب إليه من عنق راحلته وأقرب إليه من كل شيء.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17]  أَيْ: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ حِينَ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ، وَهُمَا الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِهِ، أَيْ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِهِ فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى مَلَكٍ يُخْبِرُ وَلَكِنَّهُمَا وُكِّلَا بِهِ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ، وَتَوْكِيدًا لِلْأَمْرِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْمُتَلَقِّيَانِ مَلَكَانِ يَتَلَقَّيَانِ عَمَلَكَ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ يَكْتُبُ حَسَنَاتِكَ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ يَكْتُبُ سَيِّئَاتِكَ. قَالَ الْحَسَنُ: حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَةُ عَمَلِكَ وَقِيلَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا عَدَلَ وَاللَّهِ عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَّلَ اللَّهُ بِالْإِنْسَانِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِهِ مَلَكَيْنِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَيْنِ بِالنَّهَارِ يَحْفَظَانِ عَمَلَهُ، وَيَكْتُبَانِ أَثَرَهُ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: بَلَغَنِي أَنَّ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ أَمِينٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ قَالَ: لَا تَعْجَلْ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. وَرُوِيَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَلَى يَمِينِ الرَّجُلِ وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَلَى يَسَارِهِ، وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِينٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ، فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كَتَبَهَا صَاحِبُ الْيَمِينِ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ دَعْهُ سَبْعَ  سَاعَاتٍ لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أَوْ يَسْتَغْفِرُ ».

مخرج؟

طالب:.....

لكن من غير ذكر للساعات للسبع ساعات.

طالب:......

له أصل يعني له طرق تدل على أن له أصلًا.

طالب:....

الساعة الفلكية التي اصطلح الناس عليها، مقدار من الزمان.

طالب:.....

يدل على أنها كُتبت.

طالب:.....

الله أعلم، لكن المضاعفة ثابتة بالنصوص القطعية، لكن كونها من أول وهلة تكتب مضاعفة أو تكتب أفرادًا، ثم تضاعف، هذا شيء لله -جل وعلا -.

"وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مَقْعَدَ مَلَكَيْكَ عَلَى ثَنِيَّتِكَ؛ لِسَانُكَ قَلَمُهُمَا، وَرِيقُكَ مِدَادُهُمَا، وَأَنْتَ تَجْرِي فِيمَا لَا يَعْنِيكَ فَلَا تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنْهُمَا». وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَجْلِسُهُمَا تَحْتَ الثَّغْرِ. عَلَى الْحَنَكِ. وَرَوَاهُ عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُنَظِّفَ عَنْفَقَتَهُ. وَإِنَّمَا قَالَ: قَعِيدٌ وَلَمْ يَقُلْ قَعِيدَانِ وَهُمَا اثْنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ فَحُذِفَ الْأَوَّلُ؛ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ، قَالَهُ سِيبَوَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَكَ

رَاضٍ وَالـرَّأْيُ مُـخْـتَلِـفٌ"

يعني نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ. الأحاديث السابقة مخرجة؟

طالب:.....

فلا يثبت نعم.

طالب:.....

حديث النفس معفو عنه.

طالب:.....

الهم فوق حديث النفس، النبي - عليه الصلاة والسلام- همّ بالتحريق، الهم فوق مجرد حديث النفس تردد فوق الهاجس والخاطر.

طالب:....

يعني الله -سبحانه وتعالى- أعلمهم على ذلك، وأعطاهم من القدرة ما يعلمون به، يعني في الأصل لا يعلم الغيب إلا الله.

طالب:....

يكتبون الهم، لا نقول مجرد النية.

طالب: الشيطان لا يقرب الملائكة، كيف يوسوس للإنسان.....؟

معروف أن الشيطان إذا سمع الذكر، سمع الاستعاذة سمع الأذان، سمع أي شيء، يولي ثم يعود ويوسوس للإنسان مع وجود هذين القرينين معه من الملائكة.

طالب:....

هو لن يفوتهما شيء، ولا يدخلان معه هذه الأماكن التي يكرمون عنها، لكن مع ذلك يرصدونه لا يفوتهم شيء.

"وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

إِنِّي ضَمِنْتُ لِمَنْ أَتَانِي مَا جَنَى

وَأَبَى فَكَانَ وَكُـنْتُ غَيْـرَ غَـدُورِ"

فكان غير غادر وكنت غير غدور.

"وَلَمْ يَقُلْ: رَاضِيَانِ وَلَا غَدُورَيْنِ. وَمَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ أَنَّ الَّذِي فِي التِّلَاوَةِ أَوَّلٌ أُخِّرَ اتِّسَاعًا، وَحُذِفَ الثَّانِي؛ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ".

يعني هل قعيد خبر للأول أو للثاني؟ عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، هل هو خبر للأول أو للثاني؟

الواضح أنه للثاني لملاصقته له، وحُذف خبر الأول؛ لدلالة خبر الثاني عليه، والمبرد يقول إن الذي في التلاوة أول، عن اليمين قعيد وعن الشمال فأخر، يقول: اتساعًا يعني تجوزًا وتوسعًا في الكلام، وحُذف الثاني لدلالة الأول عليه، لماذا لا يُحذف الأول لدلالة الثاني عليه؟ لأن الدليل يتقدم المدلول.

"وَمَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ: أَنَّ الَّذِي فِي التِّلَاوَةِ يُؤَدِّي عَنِ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَلَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ. وَ" قَعِيدٌ " بِمَعْنَى قَاعِدٍ كَالسَّمِيعِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالشَّهِيدِ".

نعم أُفرد الخبر، وإن كان المخبر عنه به مثنى؛ لأنه على وزن فعيل، فيلزم حالة واحدة، يلزم الإفراد، ويلزم التذكير، إن رحمت الله قريب، ما قال قريبة، ظهير.

طالب: والملائكة بعد ذلك ظهير.

ظهير وغير ذلك مما جاء على هذه الصيغة.

"وَقِيلَ: قَعِيدٌ بِمَعْنَى قاعد".

مقاعد.

" مُقَاعِدٍ مِثْلُ أَكِيلٌ وَنَدِيمٌ بِمَعْنَى مُؤَاكِلٍ وَمُنَادِمٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَعِيلٌ وَفَعُولٌ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:16] وَقَوْلُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] . وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي الْجَمْعِ، أَنْشَدَهُ الثَّعْلَبِيُّ:

أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُولِ

أَعْلَمُهُـمْ بِنَوَاحِـي الْخَبَرْ

ألكني يعني أرسلني، ومنه الملائكة أنهم رسل.

"وَالْمُرَادُ بِالْقَعِيدِ هَاهُنَا الْمُلَازِمُ الثَّابِتُ لَا ضِدَّ الْقَائِمِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]  أَيْ: مَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ؛ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الطَّعَامِ وَهُوَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْفَمِ. وَفِي الرَّقِيبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْمُتَتَبِعُ لِلْأُمُورِ".

يعني ما يلفظ مأخوذ من الأصل الذي هو اللفظ وهو إخراج الشيء من الفم، كإخراج النواة وما أشبهها، ومنه اللفظ بالكلام وهو إخراجه من الفم.

طالب:.....

ما يلزم أن تكون حالة واحدة، لكن يصح أن يُعبر بها.

"الثَّانِي: أَنَّهُ الْحَافِظُ؛ قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الشَّاهِدُ؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَفِي الْعَتِيدِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْحَاضِرُ الَّذِي لَا يَغِيبُ. الثَّانِي: أَنَّهُ الْحَافِظُ الْمُعَدُّ إِمَّا لِلْحِفْظِ وَإِمَّا لِلشَّهَادَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَتِيدُ الشَّيْءُ الْحَاضِرُ الْمُهَيَّأُ؛ وَقَدْ عَتَّدَهُ تَعْتِيدًا وَأَعْتَدَهُ إِعْتَادًا أَيْ: أَعَدَّهُ لِيَوْمٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف:31] وَفَرَسٌ عَتَدٌ وَعَتِدٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا الْمُعَدُّ لِلْجَرْيِ. قُلْتُ: وَكُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْحُضُورِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَئِنْ كُنْتَ مِنِّي فِي الْعِيَانِ مُغَيَّبًا

فَذِكْرُكَ عِنْدِي فِي الْفُؤَادِ عَتِيدُ"

أبعد النجوى من زعم أن رقيب وعتيد اسمان للملكين، يعني واحد اسمه رقيب، والثاني اسمه عتيد.

"قَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَمُجَاهِدٌ: يُكْتَبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْأَنِينُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يُكْتَبُ إِلَّا مَا يُؤْجَرُ بِهِ أَوْ يُؤْزَرُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُكْتَبُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ مُحِيَ عَنْهُ مَا كَانَ مُبَاحًا، نَحْوُ: انْطَلِقْ، اقْعُدْ، كُلْ، مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ حَافِظَيْنِ يَرْفَعَانِ إِلَى اللَّهِ مَا حَفِظَا فَيَرَى اللَّهُ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ خَيْرًا وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الصَّحِيفَةِ». وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً مَعَهُمْ صُحُفٌ بِيضٌ فَأَمْلُوا فِي أَوَّلِهَا وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا يُغْفَرُ لَكُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ). وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْحَافِظَيْنِ إِذَا نَزَلَا عَلَى الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ مَعَهُمَا كِتَابٌ مَخْتُومٌ فَيَكْتُبَانِ مَا يَلْفِظُ بِهِ الْعَبْدُ أَوِ الْأَمَةُ، فَإِذَا أَرَادَا أَنْ يَنْهَضَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: فُكَّ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ الَّذِي مَعَكَ فَيَفُكُّهُ لَهُ، فَإِذَا فِيهِ مَا كُتَبَ سَوَاءٌ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}» غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا سُهَيْلٌ.

 وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِعَبْدِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ، فَإِذَا مَاتَ قَالَا: رَبَّنَا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ سَمَاوَاتِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونَنِي، فَيَقُولَانِ رَبَّنَا نُقِيمُ فِي الْأَرْضِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونَنِي، فَيَقُولَانِ: يَا رَبِّ فَأَيْنَ نَكُونُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كُونَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَسَبِّحَانِي، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»".

الأحاديث السابقة مخرجة؟

طالب: .......

حديث أبي هريرة نعم.

طالب:........

حديث علي ما خرّجه، باعتباره أثرًا.

طالب:.......

ضعيف بلا شك، حديث أنس ذلك الذي خرجه الترمذي وقال: غريب من حديث الأعمش، خرجه أبو نعيم، حديث ابن مسعود...

طالب:.....

طيب، المقصود أن كلها ضعيفة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19]  أَيْ: غَمْرَتُهُ وَشِدَّتُهُ؛ فَالْإِنْسَانُ مَا دَامَ حَيًّا تُكْتَبُ عَلَيْهِ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ لِيُحَاسَبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَجِيئُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مَا يَرَاهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ فِيمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُ وَأَوْعَدَهُ. وَقِيلَ: الْحَقُّ هُوَ الْمَوْتُ سُمِّيَ حَقًّا إِمَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ وَإِمَّا لِانْتِقَالِهِ إِلَى دَارِ الْحَقِّ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَتَقْدِيرُهُ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-؛ لِأَنَّ السَّكْرَةَ هِيَ الْحَقُّ فَأُضِيفَتْ إِلَى نَفْسِهَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى؛ أَيْ: جَاءَتْ سَكْرَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوْتِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ هُوَ الْمَوْتُ، وَالْمَعْنَى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ.

وَقَدْ زَعَمَ مَنْ طَعَنَ عَلَى الْقُرْآنِ فَقَالَ: أُخَالِفُ الْمُصْحَفَ كَمَا خَالَفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَرَأَ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ. فَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا مُوَافِقَةٌ لِلْمُصْحَفِ فَعَلَيْهَا الْعَمَلُ، وَالْأُخْرَى مَرْفُوضَةٌ تَجْرِي مَجْرَى النِّسْيَانِ مِنْهُ إِنْ كَانَ قَالَهَا، أَوِ الْغَلَطِ مِنْ بَعْضِ مَنْ نَقَلَ الْحَدِيثَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَتْ: هَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلَّا قُلْتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَالسَّكْرَةُ وَاحِدَةُ السَّكَرَاتِ".

وهذه من آخر ما قال، وهي موافقة لما جاء في المصحف.

"وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ - فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ ». خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ لَيُعَالِجُ الْمَوْتَ وَسَكَرَاتَهُ وَإِنَّ مَفَاصِلَهُ لَيُسَلِّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ تَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ تُفَارِقُنِي وَأُفَارِقُكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: " يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، ادْعُوَا اللَّهَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ السَّكْرَةَ" يَعْنِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ. وَرُوِيَ: (إِنَّ الْمَوْتَ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبٍ بِالسُّيُوفِ وَنَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ وَقَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ)".

إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق وأفضل الخلق يعاني من سكرات الموت، وقبل ذلك عانى من شدة المرض، إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منكم، قال ابن مسعود: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل.

طالب: يا شيخ الشهيد لا يعاني سكرات الموت.

لا يعاني نعم.

طالب:.....

على كل حال موته -عليه الصلاة والسلام- في فراشه بين سحرها ونحرها، وما يحصل للشهداء لجميع الشهداء من أمته حاصل له، إن دلهم على ذلك الخير فله مثل أجورهم.

طالب: سكرات الموت كفارة.

كفارة، من ضمن المصائب التي تصيبه.

طالب: قياسًا الكافر لا تصيبه سكرات الموت.

لا، قد تصيبه.

"{ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]  أَيْ: يُقَالُ لِمَنْ جَاءَتْهُ سَكْرَةُ الْمَوْتِ: ذَلِكَ مَا كُنْتَ تَفِرُّ مِنْهُ وَتَمِيلُ عَنْهُ. يُقَالُ: حَادَ عَنِ الشَّيْءِ يَحِيدُ حُيُودًا وَحَيْدَةً وَحَيْدُودَةً مَالَ عَنْهُ وَعَدَلَ. وَأَصْلُهُ حَيَدُودَةٌ بِتَحْرِيكِ الْيَاءِ فَسُكِّنَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُولٌ غَيْرُ صَعْفُوقٍ. وَتَقُولُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ نَفْسِكَ: حِدْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَحِيدُ حَيْدًا وَمَحِيدًا إِذَا مِلْتُ عَنْهُ قَالَ طَرَفَةُ: أَبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الْوَفَاءَ فَهِبْتَهُ وَحِدْتَ كَمَا حَادَ الْبَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [ق:20] هِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ لِلْبَعْثِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ".

وهل يقع النفخ مرتين أو ثلاث؟ على خلاف بين أهل العلم في نفخة الفزع هل هي مستقلة أو داخلة فيما قبلها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] اخْتُلِفَ فِي السَّائِقِ وَالشَّهِيدِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّهِيدُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: السَّائِقُ الْمَلَكُ وَالشَّهِيدُ الْعَمَلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْمَعْنَى سَائِقٌ يَسُوقُهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. وَقَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: السَّائِقُ قَرِينُهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ سُمِّيَ سَائِقًا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا وَإِنْ لَمْ يَحُثَّهَا".

يعني كالسائق الذي يقع في الخلف، بخلاف القائد الذي يقع في الأمام أمام الشيء.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ مَلَكَانِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ سَائِقٌ: مَلَكٌ يَسُوقُهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَشَهِيدٌ: يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا.

 قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَفِي غَفْلَةٍ عَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ، إِنَّ اللَّهَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقَهُ قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَثَرَهُ وَأَجَلَهُ، وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا، ثُمَّ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْمَلَكُ وَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا آخَرَ فَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُدْرِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ»".

حتى يدرك أنه يُكلف، سن التكليف،  قبل ذلك لا يكتب عليه حسنات ولا سيئات، منهم من يثبت الحسنات دون السيئات قبل التكليف، ثم إذا كُلف أُلزم بالملكين.

"فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ ثُمَّ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَقْبِضُ رُوحَهُ، فَإِذَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ رَدَّ الرُّوحَ فِي جَسَدِهِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ مَلَكُ الْمَوْتِ، ثُمَّ إذا جَاءَ مَلَكَا الْقَبْرِ فَامْتَحَنَاهُ ثُمَّ يَرْتَفِعَانِ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ انْحَطَّ عَلَيْهِ مَلَكُ الْحَسَنَاتِ وَمَلَكُ السَّيِّئَاتِ فَأَنْشَطَا كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقِهِ ثُمَّ حَضَرَا مَعَهُ وَاحِدٌ سَائِقٌ، وَالْآخَرُ شَهِيدٌ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ قَالَ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ قُدَّامَكُمْ أَمْرًا عَظِيمًا فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ»، خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَعَنْهُ الْمُفَضَّلُ".

يعني حديث جابر تفرد به جابر الجعفي، وهو معروف بالتشيع والغلو فيه، ويؤمن بالرجعة، وهو تالف.

"ثُمَّ فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. الثَّانِي: أَنَّهَا خَاصَّةٌ فِي الْكَافِرِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ".

عامة في كل من أُصيب بالغفلة، من أُصيب بالغفلة عن الأوامر والنواهي، الكفار كلهم، وبعض المسلمين ممن تساهل في أوامر الله -جل وعلا-  وغفل عنها.

طالب: أحسن الله إليكم،  الأطفال ما يُكتب لهن الحسنات.

من أهل العلم من يقول: يكتب لهم، ومنهم من يقول: التكليف مرفوع القلم، فإذا رُفع القلم فلا كتابة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق:22]  قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ: لَقَدْ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي غَفْلَةٍ مِنَ الرِّسَالَةِ فِي قُرَيْشٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ أَيْ: كَانُوا فِي غَفْلَةٍ مِنْ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَقِيلَ: أَيْ: لَقَدْ كُنْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنُّصُوصِ الْإِلَهِيَّةِ. فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ أَيْ: عَمَاكَ؛ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ".

هل القول لقد كنت في غفلة من هذا في الدنيا أو بعد البعث؟ يعني السياق يدل على أنه بعد البعث، جاء بعد قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، ونُفخ في الصور المقصود أن كلها بعد البعث.

طالب: فبصرك اليوم حديد، ما معنى حديد؟

حاد، قوي.

طالب: شاخص.

حديد، حاد يُدرك ما لا يدركه من قبل.

طالب:...

هي أحوال، نحشره يوم القيامة أعمى، يُحشر كذا، وبصره حديد، من أجل إقامة الحجة عليه ويرى ما لا يراه من قبل.

طالب: هل بصيرة القلب؟

الأصل البصر الرائي.

"أَحَدُهَا: إِذْ كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَوُلِدَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّانِي: إِذَا كَانَ فِي الْقَبْرِ فَنُشِرَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ: وَقْتُ الْعَرْضِ فِي الْقِيَامَةِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ نُزُولُ الْوَحْيِ وَتَحَمُّلُ الرِّسَالَةِ".

إذا كان المراد به النبي -عليه الصلاة والسلام- هو قول ابن زيد.

"وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ. فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ قِيلَ: يُرَادُ بِهِ بَصَرُ الْقَلْبِ كَمَا يُقَالُ: هُوَ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ فَبَصَرُ الْقَلْبِ وَبَصِيرَتُهُ تَبْصِرَتُهُ شَوَاهِدَ الْأَفْكَارِ وَنَتَائِجَ الِاعْتِبَارِ، كَمَا تُبْصِرُ الْعَيْنُ مَا قَابَلَهَا مِنَ الْأَشْخَاصِ وَالْأَجْسَامِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ بَصَرُ الْعَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ: بَصَرُ عَيْنِكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ؛ أَيْ: قَوِيٌّ نَافِذٌ يَرَى مَا كَانَ مَحْجُوبًا عَنْكَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يَعْنِي نَظَرَكَ إِلَى لِسَانِ مِيزَانِكَ حِينَ تُوزَنُ سَيِّئَاتُكَ وَحَسَنَاتُكَ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: يُعَايِنُ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ يُحْشَرُ وَبَصَرُهُ حَدِيدٌ ثُمَّ يَزْرَقُّ وَيَعْمَى. وَقُرِئَ: " لَقَدْ كُنْتَ" " عَنْكَ " " فَبَصَرُكَ " بِالْكَسْرِ عَلَى خِطَابِ النَّفْسِ".

وبالفتح على خطاب الشخص، أو على خطاب النفس المؤنثة، وعلى كل حال البصر يكون حديدًا في مقابل الغفلة التي حصلت في الدنيا، وعمي عما أُريد به إذا بُعث ونُشر صار بصره حديدًا، حادًا يبصر عما غفل عنه.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.