كتاب الحدود من سبل السلام (2)

نعم.

"قال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب الحدود، باب حد الزاني:

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ إذَا قَامَت الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ؛ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَوْ الِاعْتِرَافُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".

عندنا في النسخة التي معي يقول: علّق، فكان فيما أُنزِل عليه آية الرجم، قال: إذا كان الرجم باقيًا مفروضًا في الشريعة فلماذا تُنسَخ آيته؟ استفهام عنده، نقول: من الحِكَم المرتبة على النسخ امتحان المُكلَّفين، امتحان المُكلَّفين، بحيث إذا فُرض عليه شيء ثم نُسِخ أو العكس، فما مدى امتثاله لما ألِفه من قِبل ثم مُنِعَ منه؟ يُمتحن المُكلَّف؛ لأنه قد يوجد من يقول: ماذا مثل ما استشكل هذا، نقول: سمعنا وأطعنا، والحديث في الصحيحين فليس لأحد كلام.

طالب:...

نعم، جزاك الله خيرًا.

"زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ الِاعْتِرَافُ: وَقَدْ قَرَأْنَاهَا «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ»".

إذا زنيا، إذا زنيا فارجموهما ألبتة.

"«الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة»، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ".

وَبُيِّنَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ مَحَلَّهَا مِنْ السُّورَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، ما عندك هذا؟

طالب: لا، ما عندي يا شيخ.

الظاهر مأخوذة من هذه التي معك.

"وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَبُيِّنَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ مَحَلَّهَا مِنْ السُّورَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: «إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، وَفِي رِوَايَةٍ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا بِيَدِي. وَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ نَسْخِ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ، وَقَدْ عَدَّهُ الْأُصُولِيُّونَ قِسْمًا مِنْ أَقْسَامِ النَّسْخِ".

لأن النسخ أقسام؛ نسخ الحكم وبقاء التلاوة، وهذا الكثير، ونسخ الحكم والتلاوة، وهذا موجود، ونسخ التلاوة دون الحكم.

"وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ الْمَرْأَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ حُبْلَى وَلَمْ تَذْكُرْ شُبْهَةٌ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَدُّ بِالْحَبَلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَر".

يعني إذا لم تدَّعِ شيئًا يرفع عنها الحد، فهل فيه وسيلة للحبل دون الوطء غير الوطء؟ لو لُقِّحت بآلة، لُقِّحت بآلة حملت، يصير أم ما يصير؟ يقام عليها الحد أم ما يقام؟

طالب:...

نعم، حُفظ ماء رجل مثلاً في وعاء يحفظه من التغير، فوُضِع في رحم هذه المرأة فحبلت، في السابق ما كان فيه وسيلة للحبل إلا ما يوجب الحد، الجماع، لكن لو وُجِد مثل هذا.

طالب:...

لو وُجِد مثل هذا يعني بواسطة آلة ليس بواسطة جماع، موجب للحد أو موجب لتعزير مثلاً؟ طالب: ........

نعم؟

طالب: ........

لأن الموجب للحد هو الإيلاج، الإيلاج، ولو لم يحصل الحبل، قالوا: إن الإيلاج الذي يترتب عليه الحد يترتب عليه اثنا عشر حُكمًا، اثنا عشر حكمًا، الذي يتبرع يجيء لنا الدرس القادم في فسحة الآن ثلاثة أيام اثنا عشر حكمًا، من يلتزم؟

طالب: ........

خير إن شاء الله، نعم.

"وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ. وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ قَالَهُ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ.

قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الْإِجْمَاعُ، لَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ".

يعني قول خليفة راشد أُمرنا بالاقتداء به ولم يخالف، لا يُعرف له مخالف فعلى قاعدة أهل العلم أنه مُلزم.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

يعني لو وصل إلى فرج المرأة من غير إيلاج فالأحكام المرتبة كلها على الإيلاج، على الإيلاج، لكن هل ثبت أنه يثبت؟ يصير الحمل أو يوجد الحمل بمجرد مثل هذا؟ لأنهم قالوا: إنه قد تحبل؛ لأنها استعملت منديلًا مثلاً استعمله رجل أو ما أشبه ذلك، يعني يذكرون في الكتب هذا، لكن هل من الناحية الطبية يثبت أم ما يثبت من حيث الواقع؟

على كل حال الحدود المرتبة، الحد مرتب، والأحكام كلها مرتبة على الإيلاج، وما عدا ذلك لا يثبت به الحد الكامل، لا يثبت به الحد الكامل، يعني لو أن هذه المرأة التي وُجِدت حبلى هل تُرجم بمجرد وجود الحبل؟ أو إذا لم تذكر شبهة أو تذكر شيئًا؟ يعني مثل ما ذكر أهل العلم أنه لا، إذا لم تذكر سببًا غير الجماع.

"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَرَاءٍ فَمُوَحَّدَةٍ التَّعْنِيفُ لَفْظًا وَمَعْنًى".

التثريب هو التعنيف، يعني بزنته ومعناه.

"«ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا»".

يعني لا يزيد على الحد، لا يجوز له الزيادة على الحد، ولا يعنف ولا يتكلم ولا يرفع صوته ولا شيء، إذا جلدها الحد المقرر شرعًا فلا تجوز الزيادة عليه، نعم لو درأ عنها الحد وعذرها بكلام أو جمع لها بين الأذى بضرب أو شبهه وكلام فله أن يزيد، لكن بالنسبة للحد المحدد لا تجوز الزيادة عليه.

"«ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ".

فليجلدها الحد، هذا يدل على أن السيد يقيم الحدود على عبده وأمته، وأما من عداه فلا يجوز له أن يقيم الحد على أحد لا على زوجته ولا على ولده، ولا على أحدٍ كائنًا من كان، فالحدود إلى السلطان ما عدا السيد مع رقيقه.

"فِيهِ مَسَائِلُ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ: «فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا» أَنَّهُ إذَا عَلِمَ السَّيِّدُ بِزِنَى أَمَتِهِ جَلَدَهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ شَهَادَةٌ، وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ إذَا تَبَيَّنَ زِنَاهَا بِمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، والإقرار الشهادة تقام".

والشهادة أو الإقرار والشهادة تقام عند الحاكم.

"وهو الشهادة أو الإقرار، والإقرار".

لا لا، وهو الشهادة أو الإقرار قف، والشهادة تُقام عند الحاكم عند الأكثر.

"وهو الشهادة أو الإقرار، وَالشَّهَادَةُ تُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: تُقَامُ عِنْدَ السَّيِّدِ. وَفِي قَوْلِهِ: «فَلْيَجْلِدْهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ جَلْدِ الْأَمَةِ إلَى سَيِّدِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَانِ إمَامٌ وَإِلَّا فَالْحُدُودُ إلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى".

الحديث صريح في مثل هذا.

"وَالْمُرَادُ بالحد الحد المعروف".

بالجلد الحد المعروف.

"والمراد بِالْجَلْدِ الْحَدُّ الْمَعْرُوفُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]".

يقاس على الأمة، يقاس عليها العبد، يقاس عليها العبد، فحكمهما واحد، ويستوي في ذلك البكر والثيب، يستوي في ذلك البكر والثيب، نصف الجلد بالنسبة للبكر والثيب؛ لأن الرجم لا يتبعَّض، ولا يتنصَّف.

"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: «وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا»، وَرَدَ فِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: وَلَا يُعَنِّفْهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى مَا هُنَا، وَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الْجَمْعِ لَهَا بَيْنَ الْعُقُوبَةِ بِالتَّعْنِيفِ وَالْجَلْدِ، وَمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْنَعُ بِالتَّعْنِيفِ دُونَ الْجَلْدِ فَقَدْ أَبْعَدَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يُعَزَّرُ بِالتَّعْنِيفِ وَاللَّوْمِ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْإِمَامِ لِلتَّحْذِيرِ وَالتَّخْوِيفِ، فَإِذَا رُفِعَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَفَاهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا نَهْيُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبِّهِ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ للْخَمْرِ وَقَالَ: «وَلَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ»، وَفِي قَوْلِهِ: «إذا زنت» إلى آخره".

ثم إذا زنت، في قوله: «ثم إذا زنت» يعني المرة الثانية والثالثة.

"في قوله: «ثُمَّ إنْ زَنَتْ» إلَى آخِرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَى بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْحَدُّ".

يعني لا تتداخل الحدود في مثل هذه الصورة، لكن لو تكرر منه الزنى قبل إقامة الحد اكتُفي بحدٍّ واحد.

"وَأَمَّا إذَا زَنَى مِرَارًا مِنْ دُونِ تَخَلُّلِ إقَامَةِ الْحَدِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: «فَلْيَبِعْهَا» أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَجْلِدُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ يَبِيعُهَا، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُتْرَكُ، وَلَا يَقُومُ الْبَيْعُ مَقَامَهُ.

 الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ الْأَمْرِ وُجُوبُ بَيْعِ السَّيِّدِ لِلْأَمَةِ، وَأَنَّ إمْسَاكَ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْها الْفَاحِشَةُ مُحَرَّمٌ، وَهَذَا قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَمَلَ الْفُقَهَاءُ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ عَلَى الْحَضِّ عَلَى مُبَاعَدَةِ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَى؛ لِئَلَّا يُظَنَّ بِالسَّيِّدِ الرِّضَا بِذَلِكَ، فَيَكُونُ دَيُّوثًا، وَقَدْ ثَبَتَ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِالدِّيَاثَةِ".

إذا تغير، إذا تغير المكان مكان هذه الأمة، قد تنتقل إلى من هو أشدّ في المراقبة، والحرص على هذه الأمة بحيث يكفها، ويمنعها من الزنى، أو يعفها بنفسه، المقصود أنه إذا تغير، إذا وُجد التكرار عُرف أن وجودها في هذا المكان غير مناسب، فتنتقل منه إلى مكان آخر يتم حفظها فيه.

طالب:...

خشية ماذا؟

طالب:...

يعني قبل وقوعه؛ لأن البلاء موكل بالمنطق، نعم، المسائل العلمية موجودة في كتب أهل العلم، ويتعلمها الناس، لكن إذا سأل عن شيءٍ ليست له مقدمات، ويسأل عن أهله، ويتحسس، ويزيد في مثل هذا، يمكن أن يبتلى، أما أن يسأل من أجل الفائدة، ويبحث في الكتب فما فيه إشكال إن شاء الله.

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِرَاقُ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ «أَمَةِ أَحَدِكُمْ» عَامٌّ لِمَنْ يَطَؤُهَا مَالِكُهَا وَمَنْ لَا يَطَؤُهَا، وَلَمْ يَجْعَل الشَّارِعُ مُجَرَّدَ الزِّنَى مُوجِبًا لِلْفِرَاقِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لَهُ لَوَجَبَ فِرَاقُهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، بَلْ لَمْ يُوجِبْهُ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ فِرَاقِهَا بِالْبَيْعِ، كَمَا قَالَهُ دَاوُد وَأَتْبَاعُهُ، وَهَذَا الْإِيجَابُ لَا لِمُجَرَّدِ الزِّنَى، بَلْ لِتَكْرره؛ لِئَلَّا يُظَنَّ بِالسَّيِّدِ الرِّضَا بِذَلِكَ، فَيَتَّصِفُ بِالصِّفَةِ الْقَبِيحَةِ".

التي هي الدياثة، قالوا مثلها الزوجة، لا يجب على الزوج مفارقة زوجته إذا زنت، اللهم إلا إذا اتُّهم بالدياثة وما أشبه ذلك، الناس يتعاظمون مثل هذا، وهو حق، يعني شيءٌ عظيم، يعني أن الإنسان يقر زوجته ويمسكها بعد الزنى لا شك أن هذا قد يدل على ضعفٍ في الغيرة، يعني قد وصل ببعض الناس الحد إلى أن يكونوا مثل البهائم، وإن انتسبوا إلى الإسلام، وبعض الناس تزيد غيرته إلى حد أن يقتل من حصل منه شيء من المخالفة، فلا هذا، ولا هذا، التوسط في شرع الله.

طالب:...

نعم. الأصل في الأمر فليبعها لام الأمر الأصل في الأمر الوجوب، لكن العلة فليبعها؛ لأنه قد يصرفون بالعلة، العلة علة الأمر بالبيع ليتم حفظها عند غيره، قد يكون غيره الذي بيعت عليه أشد تساهلاً منه، فلا تتحقق هذه العلة، نعم.

"وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي الزَّوْجَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ طَلَاقُهَا وَفِرَاقُهَا لِأَجْلِ الزِّنَى، بَلْ إنْ تَكَرَّرَت مِنْه وَجَبَ لِمَا عَرَفْت؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِبَيْعِهَا فِي الثَّالِثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَسِيلَةِ إلَى تَكْثِيرِ أَوْلَادِ الزِّنَى.

 قَالَ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا سَلَفَ لَهُ مِنْ الْأُمَّةِ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَكَيْفَ يَجِبُ بَيْعُ مَا لَهُ قِيمَةٌ خَطِيرَةٌ بِالْحَقِيرِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَأْتِ الْقَائِلُ بِالِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ.

 قَوْلُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قُلْنَا: وَثَبَتَ هُنَا مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ النَّهْيِ وَهُوَ هَذَا الْأَمْرُ وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ترجيح جَوَازِ بَيْعِ الشَّيْءِ الثَّمِينِ بِالشَّيْءِ الْحَقِيرِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ جَاهِلاً عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

 وَقَوْلُهُ: وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَسِيلَةِ إلَى تَكْثِيرِ أَوْلَادِ الزِّنَى. فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْأَمْرِ بِبَيْعِهَا قَطْعٌ لِذَلِكَ؛ إذْ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِتَرْكِهَا، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا مَا يُصَيِّرُهَا تَارِكَةً لَهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي وَجْهِ الْحكْمة فِي الْأَمْرِ بِبَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَوَانِعِ الزِّنَى إنَّهُ جَوَاز أَنْ تُسْتَغْنَى عِنْدَ الْمُشْتَرِي".

أن تستغني عند المشتري.

"أن تستغني عند المشتري، وَتَعْلَمَ بِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الزِّنَى فَتَتْرُكُهُ؛ خَشْيَةً مِنْ تَنَقُّلِهَا عِنْدَ الْمُلَّاكِ، أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ يُعِفُّهَا بِالتَّسَرِّي بهَا أَوْ بِتَزْوِيجِهَا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعَرِّفَ الْمُشْتَرِيَ بِسَبَبِ بَيْعِهَا؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»؟".

مقتضى قوله: فليبعها ولو بضفير أو بحمل من شعر أنه يُخبر بهذا العيب، يعني يؤخذ من الحط من قيمتها إلى هذا الحد أنه يُخبِر بما وقع منها، وإلا فما يمكن أن تباع أمة بضفير وبحبل من شعر إلا أنها أخبر أنها زانية، أما إذا لم يخبر فإنه لا تصل قيمتها على أي حال إلى هذا الحد، فهذا دليل على أنه يخبر، واستدل به أيضًا على أنه يجب إخبار الخاطب، إذا خطب من حصل منها شيء من الهفوات، يعني حصل منها مقارفة فاحشة وخُطِبت، يُخبَر عنها؛ لأن هذا غش، وأي غش يكون أعظم من الغش في العرض، وهذا القول متجه، ومقيس على الأمة التي ما وصلت قيمتها إلى الحبل حتى أُخبِر عنها وعن عيبها، لكن مرّ بنا في الموطأ إن كنتم تذكرون أن رجلاً خُطِبت أخته، وقد قارفت، فأراد أن يُخبِر، فقال عمر: لو أخبر لأوجعته ضربًا، فهذا من باب الستر، لكن لا يصل الستر إلى حد بحيث يُجرِّئ هؤلاء الجناة على ممارسة ما يريدون من غير رقيب ولا حسيب، وأنها لا تحسب حسابًا لمن يريد خطبتها، لا يصل الأمر إلى هذا الحد، لكن إذا حصلت منها هفوة، أو حصل منها اغتصاب أو شبهه فمثل هذا لو لم يخبَر، أما إذا كانت صاحبة اعتياد لهذا الأمر، وتمارسه من غير أدنى إشكال،ولا شيء، وتخرج مع كل أحد، وتلتقي بكل أحد فمثل هذه لا يجوز أن يُغش بها مسلم، والله المستعان.

طالب:...

أين؟

طالب:...

هو إذا خطب يقال له ليست بكرًا، طيب ما تزوجت، ما تزوجت، يعني هذا بالنسبة لمن استمرت هذه العادة وصارت عندها الفاحشة أمرًا ميسورًا، وتخرج مع كل من يدعوها، أما إذا حصل منها هفوة أو زلة، وتابت منها، أو اغتصبت أو حصل شيء من تغرير أو شبهه فهذه مسألة ثانية. نعم. ما وضع الرجل يعني إذا أُخفي عنه العيب، العيب عيب بالغ الخطورة، ثم بعد ذلك بعد أن يتورط بأولاد يُخبَر أو يصله خبر، هذه كارثة بالنسبة له، والله المستعان، نعم. نسأل الله السلامة والعافية.

 يكثر السؤال عن مثل هذا هل تخبر أو لا تخبر، والله المستعان. كثير ممن يحصل منه مثل هذا لا يعرف ولي الأمر ولا يدري عن شيء، فيصعب التعامل مع الخطاب، وإن أخبرت الوالد فمشكلة كارثة، وإن سكتت فمشكلة أعظم.

 المقصود أن مثل هذه الأمور بعض الناس يفعل الفعل، ولا يحسب حساب العواقب، ولا يحسب حساب العواقب، هناك قصص وأخبار يندى لها الجبين، والله المستعان، وسببه ما ابتلي به المسلمون من تساهل في هذا الباب، من ترك الحبل على الغارب للنساء، وغيرهن، يخرجون مثل ما أرادوا، يدخلون مثل ما أرادوا، والخدم الأجانب موجودون في البيوت، والخادمات موجودة في البيوت، يعني أمور تساهل بها الناس، وجرت عليهم المصائب.

طالب:...

يعني الإطلاق صعب، لكن هذا ما عنده غيرة.

طالب:...

من يسقط ولايته ومن يحكم بها، الله المستعان. الله المستعان. يعني إذا حُكِم على الشخص الذي يدخل أو يمكِّن الموليات من الشباب ومن ولاهم الله أمره يمكنهم من مشاهدة هذه الفواحش من خلال القنوات، هذا يحكم عليه بأنه غاش، وأفتى بهذا من أفتى من أهل العلم، من أهل الرسوخ، فكيف بمن يجعلهم يرون الفواحش على طبيعتها، والله المستعان. هذا أعظم بلا شك.

"الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعَرِّفَ الْمُشْتَرِيَ بِسَبَبِ بَيْعِهَا؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»؟ فَإِنَّ الزِّنَى عَيْبٌ، وَلِذَا أُمِرَ بِالْحَطِّ مِنْ الْقِيمَةِ، يَحْتَمِلُ أَن لَا يَجِب ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيَانِ عَيْبِهَا، ثُمَّ هَذَا الْعَيْبُ لَيْسَ مَعْلُومًا ثُبُوتُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَقَدْ يَتُوبُ الْفَاجِرُ وَيَفْجُرُ الْبَارُّ، وَكَوْنُهُ قَدْ وَقَعَ مِنْهَا وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ قَدْ صَيَّرَهُ كَغَيْرِ الْوَاقِعِ، وَلِهَذَا نَهَى عَنْ التَّعْنِيفِ لَهَا، وَبَيَانُ عَيْبِهَا قَدْ يَكُونُ مِنْ التَّعْنِيفِ، وَهَلْ يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُ سَبَبِ بَيْعِهَا فَلَعَلَّهُ يُنْدَبُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الْمُنَاصَحَةِ".

خلاص انتهى أخبر، إذا أخبر عن سبب البيع فقد أخبر بالعيب.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني وجوب الإخبار؛ لئلا يكون غاشًّا، لئلا يكون غاشًّا، وبين أن يستحب المسألة خطيرة سواء قلنا بالوجوب أو عدمه؛ لأنها على الطرفين، يعني أثرها على المرأة شديد إذا أُخبر الخاطب والأثر على الزوج إذا غُش أيضًا شديد، فأيهما أولى بمراعاة مصلحته من وقعت منه الهفوة أو من كان بريئًا منها؟

ما يقال لهذه المرأة تحمل الآثار المترتبة على فعلها؟ ويأتي رجل بعيد كل البعد عن هذه الأمور، وقد يكون من أعف الناس وأصلحهم فيغش بمثل هذه؟ المسألة تحتاج إلى مزيد عناية ودقة في النظر، يعني الواحد يتصور أنه ابتلي شخص عفيف من عباد الله الصالحين يبتلى بمثل هذه، ثم بعد ذلك يبلغه ما يبلغه، وقد يبلغه منها؛ لأن النساء لا تثبت على السر، لا بد أن فلتات اللسان وكذا لا بد أن يظهر منها شيء.

"الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي إطْلَاقِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْأَمَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أُحْصِنَتْ أَوْ لَا، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] دَلِيلٌ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْإِحْصَانِ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شُرِطَ لِلتَّنْصِيفِ فِي جَلْدِ الْمُحْصَنَةِ مِنْ الْإِمَاءِ، وَأَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَ الْجَلْدِ لَا الرَّجْمَ؛ إذْ لَا يَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الشرط في الْآيَةِ وَصَرَّحَ بِتَفْصِيلِ الْإِطْلَاقِ قَوْلُ عَلِيٍّ -عليه السلام- فِي خُطْبَتِهِ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُنَّ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ"، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ مِنْ الْعَبِيدِ إلَّا مَنْ أُحْصِنَ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْجُمْهُورِ".

يقيد.

"ولكن يؤيد كلام الجمهور إطلاق".

الحديث الآتي، إطلاق الحديث الآتي، المشكلة إن كان وضع الحديث قبل هذه الكلمة.

طالب:...

وضع الحديث قبلها؟

طالب:...

هذا من شؤم التصرف في كتب أهل العلم.

"وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا، وَقَدْ غَفَلَ الْحَاكِمُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ وَاسْتَدْرَكَهُ عَلَيْهِمَا.

قُلْت: يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ؛ لِكَوْنِ مُسْلِمٍ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ رَفْعُهُ".

يعني يستدرك على الصحيح الرفع، لا اللفظ.

"وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ إقَامَةِ الْمُلَّاكِ الْحَدَّ عَلَى الْمَمَالِيكِ إلَّا أَنَّ هَذَا يَعُمُّ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَدَلَّ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا أُحْصِنُوا أَم لَا، وَعَلَى أَنَّ إقَامَتَهُ إلَى الْمَالِكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إنَّ حَدَّهَا إلَى سَيِّدِهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: حَدُّهَا إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِمَالِكِهَا، فَأَمْرُهَا إلَى السَّيِّدِ؛ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي السَّيِّدِ شَرْطُ صَلَاحِيَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يُقِيمُهُ السَّيِّدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ إلَّا بِالصِّغَارِ، وَفِي تَسْلِيطِهِ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَمَالِيكِهِ مُنَافَاةٌ لِذَلِكَ؛ ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ إقَامَةَ حَدِّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ بِلَا دَلِيلٍ نَاهِضٍ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ يَدَ غُلَامٍ لَهُ سَرَقَ، وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُمَا إلَى الْوَالِي".

وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِسَنَدِهِ "أَنَّ عَبْدًا لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ سَرَقَ وَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ". وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِمَا إلَى الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ "أَنَّ فَاطِمَةَ -عليها الصلاة والسلام- بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّتْ جَارِيَةً لَهَا زَنَتْ"، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: "أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ تَجْلِدُ وَلِيدَتَهَا خَمْسِينَ إذَا زَنَتْ"، وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْإِمَامُ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ إمَامٌ أَقَامَهُ السَّيِّدُ. وذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا إلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ: الزَّكَاةُ وَالْحُدُودُ وَالْفَيْءُ وَالْجُمُعَةُ إلَى السلطان، قال الطَّحَاوِيِّ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: بَلْ خَالَفَهُ اثْنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سَمِعْت مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَكَفَى بِهِ رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ".

مثل ما تقدم عن عبد الله بن عمر وعائشة من إقامة الحدود.

"وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَةَ مِنْ وَلَائِدِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ إذَا زَنَتْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَأْمُرُ بِهِ، وَأَبُو بَرْزَةَ يَحُدُّ وَلِيدَتَهُ.

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْغَامِدِيَّةِ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

قالوا: إن الغامدية من بطن من جهينة، وهذا من خلال بقايا القبيلتين، يعني يقولون: لا علاقة لغامد بجهينة، وفي كتب الأنساب القديمة ما يدل على أن غامد ولو تكن غامد القبيلة المعروفة الآن لها صلة بجهينة، وعلى كل حال سواء كانت هي الجهنية؛ لتقارب القصتين، يعني القصتان متشابهتان أو غيرها فالحكم واحد لا يختلف.

"وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْغَامِدِيَّةِ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِيَّهَا فَقَالَ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ»، مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ شُدَّتْ، وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا»".

ورد في رواية يعني شُدَّت بدل شُكَّت، شُكَّت وشدَّت المعنى واحد والوزن واحد أيضًا. يعني الرواية الثانية ليست مسلطة على: عليها ثيابها، شُكَّت مبني للمجهول أي شُدَّت، في رواية يعني ورد في رواية شُدَّت بدل شُكَّت، عليها ثيابها شُكَّت عليها ثيابها وشُدَّت عليها ثيابها يعني ثيابها موجودة في كل الروايات.

"«فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْت أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تعالى؟». رَوَاهُ مُسْلِم. ظَاهِرُ قَوْلِهِ: «فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ» أَنَّهُ وَقَعَ الرَّجْمُ عَقْيبَ الْوَضْعِ".

يعني مباشرة للعطف بالفاء.

"إلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا رُجِمَتْ بَعْدَ أَنْ فَطَمَتْ وَلَدَهَا وَأَتَتْ بِهِ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ طَيٌّ وَاخْتِصَارٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: ظَاهِرُهُمَا الِاخْتِلَافُ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ رَجْمَهَا كَانَ بَعْدَ فِطَامِهِ وَأَكْلِهِ الْخُبْزَ".

هذا مما يترجح به أنهما قصتان لا قصة واحدة، الغامدية لها قصة والجهنية لها قصة، وهذه رجمت بعد الوضع مباشرة وهذه رجمت بعد أن فطمت، ورجم تلك بعد الوضع مباشرة؛ لأنها وجدت من يكفل ولدها، وهذه لم تجد، يعني هناك فروق بين الروايات قد يتجه القول بأنهما قصتان، وهناك تشابه كبير بين القصتين يتجه القول بسببه أنها قصة واحدة، يعني قولهم الجهنية هي المعروفة بالغامدية، وغامد بطن من جهينة، كتب الأنساب لا تؤيد مثل هذا بقوة، وإن وجد بطن من جهينة اسمه غامد لا يمت إلى القبيلة المعروفة الآن بصلة.

"وَالْأُولَى أَنَّهُ رَجَمَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، فَيَجِبُ تَأْوِيلُ الْأُولَى وَحَمْلُهَا عَلَى وَفْقِ الثَّانِيَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى: "قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إلَى رَضَاعِهِ" إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَأَرَادَ بِرَضَاعِهِ كَفَالَتَهُ وَتَرْبِيَتَهُ، وَسَمَّاهُ رَضَاعًا مَجَازًا؛ انْتَهَى بِاخْتِصَار".

هذا يمكن في قصة من رُجمت بعد الولادة مباشرة، قام على رضاعه فتكفل به فرُجمت، الثانية ما وجدت من يرضعه، فتُرك حتى أرضعته، أما المراد بالرضاعة الكفالة مجازًا وسماه رضاعة وبعد الفطام فهذا فيه بُعد.

"واَلْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا شَدُّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا فَلِأَجْلِ أَنْ لَا تُكْشَفَ عِنْدَ اضْطِرَابِهَا مِنْ مَسِّ الْحِجَارَةِ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ قَاعِدَةً، وَالرَّجُلُ قَائِمًا إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ: قَاعِدًا، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهِ، إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فَصَلَّى بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ الطبراني".

الطبري، الطبراني أم الطبري؟

طالب: الطبراني يا شيخ.

طالب:...

الكلام على العزو إن كان عندي الطبراني فواضح.

"إلا أنه قال الطبراني: إنَّهَا بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِ اللَّامِ، قَالَ: وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي دَاوُد".

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني المعجم ما يضبط؟

طالب:...

والطبري في تهذيب الآثار يمكن عندهما معًا ما المانع، تهذيب الآثار للطبري ما هو موجود كاملًا، فالإخوة الذين حققوا الكتاب وجدوه عند الطبراني، فعزوه له، وقد يكون موجودًا عند الطبري ما فيه ما يمنع.

طالب:...

الطبراني في الغالب ما يضبط، ما هو بكتاب ضبط، يعني هو كتاب رواية.

"وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لِمُسْلِمٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَظَاهِرُه".

وظاهر.

"وظاهر قَوْلِ عُمَرَ: "تُصَلِّي عَلَيْهَا" أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَاشَرَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ فَيُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ لِمُسْلِمٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَلَّى وتصلي أي  تأمر".

أمر بأن يُصلَّى. نعم، والقول بأن المراد من صلى أمر بأن يُصلَّى؛ لأن الفعل قد ينسب إلى من أمر به، يعني مثل ما يقال: بنى الأمير، وحضر الأمير، وفعل الأمير، قد أمر، صلى يعني أمر بالصلاة عليها، لكن اللفظ يعني حقيقته أنه باشر الصلاة بنفسه، -عليه الصلاة والسلام- . لو كان أمر ما حصل مثل هذا الكلام من عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وَأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه الآمر".

لكونه الآمرَ.

"لِكَوْنِهِ الْآمِرَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا وأمر".

أو أمر.

"أَوْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، فَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ يُصَادِمُ النَّصَّ إلَّا أَنْ تُخَصَّ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ رُجِمَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ؛ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ، فَهَذَا يتنزِلُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفُسَّاقِ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَلَا دَلِيلَ مَعَ الْمَانِعِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ، وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ.

وَالْخِلَافُ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34]".

يكفي بارك الله فيك.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.