كتاب القضاء من سبل السلام (5)

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين. أمَّا بعد،

فقال الصنعاني- رحمة الله عليه- في كتابه سُبل السلام:

"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: .."

في الكتب المشروحة المتضمنة لمتن وشرح جرت العادة أن يُقال، قال في البلوغ وشرحه مثلًا، أو قال في الزاد وشرحه، إذا كنت تريد أن تنقل، أو تقرأ من المتن والشرح. أمَّا إذا أردت أن تقرأ من الشرح فقط تقتطع من الشرح تقول قال الصنعاني، إن كنت تريد أن تقرأ المتن مع شرحه تقول: قال في البلوغ وشرحه، وهكذا.

عفا الله عنك.

قال في البلوغ وشرحه:

"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-"

عمرو أم عمر؟

القارئ: عندي عمرو يا شيخ، لا تجوز شهادة الخائن؟

نعم.

القارئ: عمرو.

عندك عن عمرو؟

طالب: .....

نعم.

"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمَرٍ»،  بِفَتْحِ (الْغَيْنِ) الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ (الْمِيمِ) وَكَسْرِهَا بَعْدَهَا (رَاءٌ)، فَسَّرَهُ أَبُو دَاوُد بِالْحِنَةِ (بِالْحَاء)ِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ الْحِقْدُ وَالشَّحْنَاءُ، «عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ» (بِالْقَافِ) وَبَعْدَ (الْأَلْفِ) (نُونٌ) ثُمَّ (عَيْنٌ) مُهْمَلَةٌ يَأْتِي بَيَانُهُ «لِأَهْلِ الْبَيْتِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.."

الذي يخدمهم؛ لأنَّ مصلحته مرتبطة بهم ويُتهم إذا شهد لهم.

"وأخرجه أبو داود مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ.."

عبد الله بن عمرو، مادام الحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، جده عبد الله بن عمرو.

عفا الله عنك.

"وأخرجه أبو داود مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ "رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ"".

قلنا مرارًا: إنَّ قول الصنعاني والشوكاني والصديق وغيرهم (وآله) مقتصرين فيها عن ذكر الأصحاب أنَّه من التأثر بالبيئة، بيئتهم يكثر فيها التشيع، يفردون الآل دون الأصحاب، وعرفنا مرارًا أنَّ الآل لهم حق عظيم على الأُمَّة، وهم وصية النبي- عليه الصلاة والسلام-، لكن أيضًا الصحب هم نقلة الدين، هم نقلة الدين إلينا فلهم علينا من الحق ما يجعلنا نصلي عليهم مع النبي- عليه الصلاة والسلام- إذا ذكرنا غيرهم، وإلا فالأصل أنَّ الامتثال يتم بالصلاة عليه- عليه الصلاة والسلام- فقط امتثال الآية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]، إذا قلت: صلى الله عليه وسلم كفى، وأمَّا ما جاء في الصلاة الإبراهيمية في الصلاة فهي فرد من أفراد العام، فرد لا يقتضي التخصيص أو تقيد جميع ما أُطلق بهذا الفرد، نعم.

"وأخرجه أبو داود مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: "رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِلَفْظِ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمَرٍ لِأَخِيهِ». وَفِيهِ ضَعْفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي الْعِلَلِ: مُنْكَرٌ، وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-."

على كل حال متى وُجدت التهمة رُدَّت الشهادة؛ ولذا لا تُقبل شهادة الوالد لولده، والولد لوالده؛ لوجود التهمة. أمَّا إذا انتفت فلا مانع، فتُقبل شهادة الوالد على ولده، والولد على والده وهكذا.

"وَقَوْلُهُ "الْخَائِنِ" قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا نَرَاهُ خَصَّ بِهِ الْخِيَانَةَ فِي أَمَانَاتِ النَّاسِ دُونَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَائْتَمَنَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ سَمَّى ذَلِكَ أَمَانَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [سورة الأنفال:27]".

يعني الخيانة أعم من أن تكون في حقوق الخلق.

"فَمَنْ ضَيَّعَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ ركب مَا نَهَى عَنْهُ فلا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ خَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ تَقْوَى تَرُدُّهُ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ الَّتِي مِنْهَا الْكَذِبُ".

وقد يكون المرء خائنًا لنفسه، خائنًا لنفسه إذا أقحمها فيما فيه ضرر نفسه، فيما فيه الضرر عليه يكون خائنًا لنفسه.

"فَلَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِخَبَرِهِ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تُهْمَةٍ أَوْ مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ. وَأَمَّا ذُو الْغَمَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِقْدِ وَالشَّحْنَاءِ.

 وَالْمُرَادُ بِأَخِيهِ: الْمُسْلِمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ مِثْلُهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ ذُو حِقْدٍ عَلَيْهِ، إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ لِسَبَبٍ غَيْرِ الدِّينِ، فَإِنَّ ذَا الْحِقْدِ مَظِنَّةُ عَدَمِ صِدْقِ خَبَرِهِ؛ لِمَحَبَّتِهِ إنْزَالَ الضَّرَرِ بِمَنْ يَحْقِدُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا حِقْدٍ عَلَى الْكَافِرِ بِسَبَبٍ غَيْرِ الدِّينِ.."

يعني ما عرف بينه وبينه عداوة في أمور دنيا فمثل هذا تُقبل شهادته عليه.

"فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فِي الدِّينِ فَإِنَّ عَدَاوَةَ الدِّينِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ زُورًا، فَإِنَّ الدِّينَ لَا يُسَوِّغُ ذَلِكَ".

{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} [سورة المائدة:8]، المسلم مُطالب بالعدل مع العدو والصديق، مع المسلم والكافر، لا يجوز له أن لا يعدل، أن يجور، أن يشهد عليه شهادة زور؛ لأنَّه كافر ويتأوَّل أنَّه بصدد أن يُقاتل، وأن يُسلب ماله، هذا جزء مما يُطلب شرعًا بالنسبة له لا يجوز له أن يتأوَّل ذلك، مادام وجوده بين المسلمين شرعيًّا ليس بحربي.

"وَإِنَّمَا خَرَجَ الْحَدِيثُ عَلَى الْأَغْلَبِ. وَالْقَانِعُ هُوَ الْخَادِمُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُنْقَطِعُ إلَيْهِمْ لِلْخِدْمَةِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَمُوَالَاتِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَفِي تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَأَجَازَهَا أَيْ شَهَادَةَ الْقَانِعِ لِغَيْرِهِمْ أَيْ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ تَابِعٌ لَهُمْ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ شَهَادَتِهِ لِمَنْ هُوَ قَانِعٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تُهْمَةٍ، فَيَجِبُ دَفْعُ الضر عَنْهُمْ.."

فيحب دفع الضرر عنهم.

غفر الله لك.

"لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تُهْمَةٍ،ح فيحب دفع الضرر عنهم، وَجَلْبُ الْخَيْرِ إلَيْهِمْ فَمُنِعَ مِنْ الشَّهَادَةِ. وَمَنْعُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشَّهَادَةِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ عَلَيْهِ دَلَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [سورة الطلاق:2]، وَقَدْ رسَمُوا الْعَدَالَةَ بِأَنَّهَا مُحَافَظَةٌ دِينِيَّةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ. وَقَدْ نَازَعْنَاهُمْ.."

قالوا في تعريفها: أنَّها مَلَكة، مَلَكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، مَلَكة يعني صفة دائمة مستمرة.

"وَقَدْ نَازَعْنَاهُمْ فِي هَذَا الرَّسْمِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَبَاحِثِ كَرِسَالَةِ المسماة الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى حُكَّامَ الْأُمَّةِ، وَحَقَقْنَا الْحَقَّ فِي الْعَدَالَةِ فِي رِسَالَةِ ثَمَرَاتِ النَّظَرِ، فِي عِلْمِ الْأَثَرِ. وَفِي مِنْحَةِ الْغَفَّارِ، حَاشِيَةِ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَاخْتَرْنَا أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ مَنْ غَلَبَ خَيْرُهُ شَرَّهُ، وَلَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ اعْتِيَادُ كَذِبٍ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ الْأَدِلَّةَ هُنَالِكَ، وَالشَّارِحُ هُنَا مَشَى مَعَ الْجَمَاهِيرِ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ مُرَادِهِمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بِدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، الْبَدَوِيُّ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ نَسَبٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ النِّسْبَةِ، وَالْقِيَاسُ بَادَوِيٌّ، وَالْقَرْيَةُ بِفَتْحِ (الْقَافِ) وَقَدْ تُكْسَرُ الْمِصْرُ الْجَامِعُ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ.."

لأنَّ الأصل فيه أنَّه بادي، {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [سورة الحج:25].

"وفيه دليل على عدم صِحَّةِ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْقَرْيَةِ لا لبَدَوِيّ مِثْلِهِ فَتَصِحُّ".

لا على، لا على.

"لا على بدوي مثله فتصح، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصحابة، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَخْشَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْقَرْيَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حَيْثُ أَشْهَدَ بَدَوِيًّا وَلَمْ يُشْهِدْ قَرَوِيًّا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ".

بينما العكس، هل تُقبل شهادة صاحب القرية على البدوي؟ إذا اجتمع اثنان من الحاضرة، لأحدهما خصم من البادية شهد له الحاضر على البادي مع الحاضر الأول، التهمة موجودة أم غير موجودة؟

إذا عُلل الرد بالجفاء، ومن بدا جفا قلنا: تقبل، وإذا قلنا: إنَّه في الغالب- وهذا موجود- أنَّ اللحن والعداوة قد توجد بين البادية والحاضرة إذا استصحبنا هذا قلنا: لا تُقبل هذا ولا هذا، طردًا وعكسًا؛ لأنَّه قال: لِما فيه من الجفاء في الدين، وهو حكم الحديث، ماذا درى عنه؟

طالب: .....

نعم.

"وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ وَالْجَهَالَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرَائِعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ لَا يَضْبِطُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ.."

يعني كونه من كان بحيز الجهالة.

"إذْ الْأَغْلَبُ أَنَّ عَدَالَتَهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ. وَاسْتَدَلَّ فِي الْبَحْرِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِقَبُولِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَة الْأَعْرَابِيِّ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ."

وهل يُكتفى بما اكتفى به النبي- عليه الصلاة والسلام- من قول الأعرابي: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فتُقبل شهادته في الأموال كما قُبِلت شهادته في العبادات؟

طالب: .....

نعم؟

طالب: .....

صحابي، والصحابة كلهم عدول، الصحابة كلهم عدول.

"وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: "إنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتَمَامُهُ: "فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ"."

يعني وإن ادَّعى ما لم يظهر الدليل على صدق دعواه.

"اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْمُعَدِّلِ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ حَقِيقَةِ سَرِيرَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ إلَّا بِالْوَحْيِ، وَقَدْ انْقَطَعَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامَ صَحَابِيٍّ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ وَأَقَرَّهُ مَنْ سَمِعَهُ، فَكَانَ قَوْلَ جَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الغرة، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ.

وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَسْت أَعْرِفُك وَلَا يَضُرُّك أَنْ لَا أَعْرِفَك، ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُك. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَنَا أَعْرِفُهُ. قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ: هُوَ جَارُك الْأَدْنَى تَعْرِفُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَمُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمعَاملك بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ اللَّذَيْنِ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى الْوَرَعِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَرَفِيقُك فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَسْت تَعْرِفُهُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُك.

 قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: رَوَاهُ الْبَغَوِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ."

التدقيق، مثل هذا التدقيق حينما يوجد شك في حاله، أمَّا إذا دلت القرائن على صدقه وعدالته في الظاهر، ولم يوجد من القرائن ما يدل على خلاف ذلك فإنَّه لا يُدقق بمثل هذه الأسئلة. ومعروف عن عمر- رضي الله عنه- صاحب احتياط.

"وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ عَدَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ، وَلَفْظُ الحديث أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، قَالُوا بَلَى. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ. وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ». وَكَانَ مُتَّكِئًا فجلس ثُمَّ قَالَ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا" لَيْتَهُ سَكَتَ.

 تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ الزُّورِ.

 قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الزُّورُ: تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَقَدْ جَعَلَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَ الزُّورِ عَدِيلًا لِلْإِشْرَاكِ، وَمُسَاوِيًا لَهُ.

 وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ".

تشترك في كونها كبائر، لكن لا تشترك في كون هذه الكبائر تقتضي الخلود في النار. أمَّا كونها كبائر فكلها كبائر، وهذا القدر يكفي في العطف المقتضي للتشريك. وأمَّا التفاوت بين هذه الكبائر فلا يؤخذ من (الواو) التي هي لمطلق الجمع.

"فلابد من تأويله، وَذَلِكَ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يُنَاظِرُهَا فِي الْمَفْسَدَةِ، وَهو التَّسَبُّبُ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، فَهِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبَائِرِ الَّتِي يُتَسَبَّبُ بِهَا إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، فَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ السرقة والربا، وَإِنَّمَا اهْتَمَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَجَلَسَ وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَكَرَّرَ الْإِخْبَارَ؛ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ، وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ".

ولأنَّ بعض الدواعي لها أكثر، الدواعي قد يشهد شهادة زور بمصلحة، أو بمقابل؛ ولذا شدد في أمرها، وأمرها سهل، يعني خفيف على اللسان.

"وَلِأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا، فَاحْتِيجَ إلَى الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ بِخِلَافِ الشرك، فَإِنَّهُ وإن كان كبيرة إلا أنَّه يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ؛ لأنَّها لَا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ بِخِلَافِ قَوْلِ الزُّورِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيهِ، وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ كَرْمُ الطَّبْعِ وَالْمُرُوءَةُ."

يكفي بارك الله فيك.

 أحسن الله إليك.