التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (01)

سورة يوسف -عليه السلام-، وهي مكية كلها، وقال ابن عباس وقتادة: إلا أربع آيات منها. وروي أن اليهود سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قصة يوسف فنزلت السورة، وسيأتي. وقال سعد ابن أبي وقاص: أنزل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلاه عليهم زمانا فقالوا: لو قصصت علينا، فنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف: 3] فتلاه عليهم زمانا فقالوا: لو حدثتنا، فأنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ} [الزمر: 23]. قال العلماء: وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة، بألفاظ متباينة على درجات من البلاغة، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها، فلم يقدِّر..".

فلم يقْدِر.

 "مخالف على معارضة ما تكرر، ولا على معارضة غير المتكرر، والإعجاز لمن تأمل".

هو معجز، سواء كان مما تكرر؛ كقصة موسى، وقصة آدم، وهو أيضًا معجز في ما لم يتكرر؛ كقصة يوسف -عليه السلام-، معجز على كل وجه، لا يقال: تكرار ممل، ولا جاء مرة واحدة تحتاج إلى تفصيل في موضع آخر، أو إيجاز، أو بسط، كله معجز، بل في ذروة البلاغة والفصاحة.

"قوله -تعالى-: {الر} [يوسف: 1] تقدم القول فيه، والتقدير هنا: تلك آيات الكتاب، على الابتداء والخبر. وقيل: {الر} [يوسف: 1] اسم السورة، أي هذه السورة المسماة {الر} [يوسف: 1]، {تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ} [يوسف: 1]، يعني بالكتاب المبين: القرآن المبين، أي: المبين حلاله وحرامه، وحدوده وأحكامه، وهداه وبركته. وقيل: أي: هذه تلك الآيات التي كنتم توعدون بها في التوراة.

قوله -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًا} [يوسف: 2]، يجوز أن يكون المعنى: إنا أنزلنا القرآن عربيًّا، نصب {قُرْآنًا} [يوسف: 2] على الحال، أي مجموعًا. و{عَرَبِيًا} [يوسف: 2] نعت لقوله: {قُرْآنًا} [يوسف: 2]، ويجوز أن يكون توطئة للحال، كما تقول: مررت بزيد رجلًا صالحًا، و{عَرَبِيًا} [يوسف: 2] على الحال، ، أي: يقرأ بلغتكم يا معشر العرب.".

فيكون {قُرْآنًا} [يوسف: 2]، ورجلًا توطئة للحال، والحال {عَرَبِيًا} [يوسف: 2]، وصالحًا، يعني حال كونه {عَرَبِيًا} [يوسف: 2]، و{قُرْآنًا} [يوسف: 2] توطئة للحال، ومررت بزيدٍ حال كونه صالحًا، ورجلًا توطئة لهذا الحال.

"أعرب: بيِّن".

أعرب: بيَّن.

"أعرب بين، ومنه الثيب تعرب عن نفسها.".

يعني: تعبر عما في نفسها وضميرها.

"{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] أي: لكي تعلموا معانيه، وتفهموا ما فيه. وبعض العرب يأتي بأن مع (لعل) تشبيهًا بعسى. واللام في (لعل) زائدة للتوكيد، كما قال الشاعر:

يا أبتا علك أو عساكا

 

......................

وقيل: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، أي: لتكونوا على رجاء من تدبره".

الأصل (لعل)، و(عل) بدون اللام، لغة في (لعل)، لغة عند بعض العرب، وإلا فالأصل (لعل)، أما كون اللام زائدة هنا، فهي من أصل الكلمة، من بنية الكلمة، الأصل فيها (لعل).

"فيعود معنى الشك إليهم لا إلى الكتاب، ولا إلى الله -عز وجل-.

وقيل: معنى {أَنْزَلْناهُ} [يوسف: 2]، أي: أنزلنا خبر يوسف، قال النحاس: وهذا أشبه بالمعنى؛ لأنه يروى أن اليهود قالوا: سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن خبر يوسف، فأنزل الله -عز وجل- هذا بمكة موافقا لما في التوراة، وفية زيادة ليست عندهم. فكان هذا للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أخبرهم ولم يكن يقرأ كتابًا قط ولا هو في موضع كتاب- بمنزلة إحياء عيسى -عليه السلام- الميت على ما يأتي فيه".

هو معجزة محضة، معجزة محضة، لا يقرأ ولا يكتب، ولا يلتقى بمن يقرأ ولا يكتب، ولا جلس يتلقى عند من يقرأ ويكتب، ويخبر بأخبار انقطعت عن الأرض على ضوء ما جاء في الكتب السماوية، غير ما جاء في التوراة، بل بأفصح وأبلغ وأوضح منها، هذا معجِز؛ لأنه غيب، ولا يطلع على الغيب إلا من أطلعه الله -سبحانه وتعالى- عليه.

"قوله -تعالى-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف: 3] ابتداء وخبره. {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] بمعنى المصدر، والتقدير: قصصنا أحسن القصص. وأصل القصص تتبع الشيء، ومنه قوله -تعالى-: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي تتبعي أثره، فالقاص يتبع الآثار فيخبر بها. والحسن يعود إلى القصص لا إلى القصة. يقال: فلان حسن الاقتصاص للحديث أي: جيد السياقة له.

وقيل: القصص ليس مصدرًا، بل هو في معنى الاسم، كما يقال: الله رجاؤنا، أي مرجونا فالمعنى على هذا: نحن نخبرك بأحسن الأخبار. {بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} [يوسف: 3] أي بوحينا، فـ{بِما} [يوسف: 3] مع الفعل بمنزلة المصدر. {هذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3] نصب القرآن على أنه نعت لهذا، أو بدل منه، أو عطف بيان. وأجاز الفراء الخفض، قال: على التكرير".

الإشارة إذا جاء بعدها معرفة صارت بدلًا أو بيانًا، بدلًا أو بيانًا، وأجاز الفراء الخفض على إيش؟ طالب: ........

خفض بما مقدرة بالباء، على نية تكرار الجار، بوحينا إليك بهذا القرآن، يعني: على تكرير الجار.

"وأجاز الفراء الخفض، قال: على التكرير، وهو عند البصريين على البدل من (ما).

وأجاز أبو إسحاق الرفع على إضمار مبتدأ".

عند البصريين على البدل من (ما)، فيكون مجرورًا، مجرورًا أم منصوبًا؟

طالب: .........

لكن المصدر مجرور بالباء، بوحينا، ويحتمل عندهم الجر بدلًا من اللفظ، والنصب بدلًا من المعنى.

"كأن سائلًا سأله عن الوحى فقيل له: هو هذا القرآن. {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ} [يوسف: 3]، أي: من الغافلين عما عرفناكه.

مسألة: واختلف العلماء لم سميت هذه السورة أحسن القصص من بين سائر الأقاصيص؟ فقيل: لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة، وبيانه قوله في آخرها: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ} [يوسف: 111].

وقيل: سماها أحسن القصص لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته، وصبره على أذاهم، وعفوه عنهم- بعد الالتقاء بهم- عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم، حتى قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92].

وقيل: لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين، والجن والإنس والأنعام والطير، وسير الملوك والممالك، والتجار والعلماء والجهال، والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه والسير وتعبير الرؤيا، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا. وقيل لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما".

ولذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: النساء يرغبن سورة يوسف، ويملن إليها أكثر من ميلهن إلى سورة النور؛ لأن هذه قصص، وأخبار المحب والمحبوب، وأخبار العشق، وتلك فيها أحكام، وجلها يتعلق بالنساء، فالأحكام ثقيلة على الأنفس إلا من سخره الله -سبحانه وتعالى- لمصلحة نفسه، والله المستعان.

طالب: أحسن الله إليكم، عوام الناس فعلًا يميلون إلى سماع سورة يوسف أكثر من غيرها.

نعم.

"وقيل: {أَحْسَنَ} [يوسف: 3] هنا بمعنى أعجب.

وقال بعض أهل المعاني: إنما كانت أحسن القصص؛ لأن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة، انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته، وامرأة العزيز، قيل: والملك أيضًا أسلم بيوسف وحسن إسلامه، ومستعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال: فما كان أمر الجميع إلا إلى خير".

فمآلهم كله حسن، يوسف عُرف مآله -عليه السلام-، وأبوه معروف المآل، وإخوته، قرر جمع من أهل العلم أنهم أنبياء كلهم، وإن كان الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: لا يوجد ما يدل على أنهم أنبياء، إنما شيخ الإسلام يذكر أنهم أنبياء، والعزيز قيل: إنه أسلم، امرأته، كل هؤلاء مآلهم إلى خير.

"قوله -تعالى-: {إِذْ قالَ يُوسُفُ} [يوسف: 4] {إِذْ} في موضع نصب على الظرف، أي اذكر لهم حين قال يوسف. وقراءة العامة بضم السين. وقرأ طلحة بن مصرف {يؤسف} بالهمز وكسر السين. وحكى أبو زيد: {يؤسف}".

يوسف، ويونس في كل منهما ست لغات، السين مثلثة بالهمز وعدمه، فتكون ست لغات، والنون مثلثة في يونس بالهمز وعدمه، ففيها ست لغات أيضًا.

"وحكى أبو زيد: {يؤسف} بالهمزة وفتح السين. ولم ينصرف؛ لأنه أعجمي، وقيل: هو عربي. وسئل أبو الحسن الأقطع- وكان حكيمًا- عن يوسف فقال: الأسف في اللغة الحزن، والأسيف العبد، وقد اجتمعا في يوسف، فلذلك سمي يوسف".

لكن هل كانت التسمية بعد أن اجتمعا أو قبل؟

طالب: .........

قبل أن يجتمع.

طالب: .........

لا، لا، أول من سن القتل ابن آدم؛ كما هو معروف، وعليه كفل من جميع ما يوجد على وجه الأرض من قتل، كما جاء في الحديث الصحيح.

طالب: .........

عفوي! القتل قتل سواء كان منظمًا أو ..

طالب: .........

نعم، لكن أيهما أشد، هل عفوي إذا صدر من ابن آدم، أم صنيع إخوة يوسف؟ ما بينهما نسبة.

طالب: .........

لا، ما بينهما نسبة.

"{لِأَبِيهِ يا أَبَتِ} [يوسف: 4] بكسر التاء قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع وحمزة والكسائي، وهي عند البصريين علامة التأنيث أدخلت على الأب في النداء خاصة بدلًا من ياء الإضافة، وقد تدخل علامة التأنيث على المذكر فيقال: رجل نكحة وهزأة، قال النحاس: إذا قلت {يا أَبَتِ} بكسر التاء".

فُعلة، همزة، ولمزة، نكحة، هزأة، يكثر النكاح، يكثر الاستهزاء بالناس، وهكذا، يكثر اللمز والهمز، هذا الوزن.

"فالتاء عند سيبويه بدلًا من ياء الإضافة، ولا يجوز على قوله الوقف إلا بالهاء، وله على قوله دلائل: منها- أن قولك: (يا أبه) يؤدي عن معنى (يا أبي)".

الهاء هذه، يسمونها؟ هاء السكت.

"وأنه لا يقال: {يا أبت} إلا في المعرفة، ولا يقال: جاءني أبت، ولا تستعمل العرب هذا إلا في النداء خاصة، ولا يقال: (يا أبتي) لأن التاء بدل من الياء فلا يجمع بينهما. وزعم الفراء أنه إذا قال: {يا أَبَتِ} فكسر دل على الياء لا غير، لأن الياء في النية. وزعم أبو إسحاق أن هذا خطأ".

نعم، كيف تكون في النية والتاء بدل عنها؟ على هذا يلزم منه الجمع بين البدل والمبدل.

"والحق ما قال، كيف تكون الياء في النية وليس يقال: (يا أبتي)؟ وقرأ أبو جعفر والأعرج وعبد الله بن عامر {يا أبتَ} بفتح التاء، قال البصريون: أرادوا (يا أبتي) بالياء، ثم أبدلت الياء ألفًا فصارت {يا أبتا} فحذفت الألف وبقيت الفتحة على التاء.

وقيل: الأصل الكسر، ثم أبدل من الكسرة فتحة، كما يبدل من الياء ألف فيقال: يا غلامًا أقبِل. وأجاز الفراء {يا أبت} بضم التاء".

يقولها: تنوين أم ألف؟ الظاهر أنها ألف، يا غلامَا أقبل، قلت: تزاد الألف في المنادى، والهاء أيضًا، تقول: يا غلاماه ، يا أبتاه، يا أماه، وهكذا.

"{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4] ليس بين النحويين اختلاف أنه يقال: جاءني أحد عشر، ورأيت ومررت بأحد عشر، وكذلك ثلاثةُ عشر".

ثلاثةَ، مبني على فتح الجزأين.

"وكذلك ثلاثة عشر وتسعة عشر وما بينهما، وجعلوا الاسمين اسمًا واحدًا وأعربوهما بأخف الحركات. قال السهيلي: أسماء هذه الكواكب جاء ذكرها مسندًا، رواه الحارث بن أبي أسامة قال: جاء بستانة -وهو رجل من أهل الكتاب- فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأحد عشر كوكبًا الذي رأى يوسف فقال: «الحرثان والطارق والذيال وقابس والمصبح والضروح وذو الكنفات وذو القرع والفليق ووثاب والعمودان، رآها يوسف -عليه السلام- تسجد له»".

لكن هذا الخبر تفرد به الحارث، وهو ضعيف، ضعيف، وهذا الغالب فيما يتفرد به الحارث بن أبي أسامة في مسنده، الغالب عليه الضعف، مثل ما يتفرد به الخطيب وابن عساكر والديلمي، مثل هؤلاء غالب ما يتفردون به يحكم عليه بالضعف، فهي مظان الضعيف.

طالب: .........

نعم، واللفظ أيضًا، أقول: هذه الألفاظ فيها نكارة، وليس من عادة الشرع أن يبين ما لا حاجة للناس به، مثل هذه الأشياء لا يبينها الشرع؛ لأنه لا حاجة للناس بها.

"قال ابن عباس وقتادة: الكواكب إخوته، والشمس أمه، والقمر أبوه.

وقال قتادة أيضًا: الشمس خالته؛ لأن أمه كانت قد ماتت، وكانت خالته تحت أبيه".

لكن يحتاج، يحتاج إلى نقل، وإلا فالأصل أنها أمه، المؤرخون يجزمون بأشياء وإن كان لا مستند لهم عليها، يتوارثونها؛ كما قالوا في والد إبراهيم -عليه السلام-، قالوا: ليس أبوه حقيقة، وإنما عمه؛ لأن أباه قد مات، جزمًا منهم بذلك، أو إرثًا منهم عن الإسرائيليات، وتلقيًا عن أهل الكتاب، والقرآن نص على أنه أبوه.

"{رَأَيْتُهُمْ} [يوسف: 4] توكيد. وقال: {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} [يوسف: 4]".

{رَأَيْتُهُمْ} [يوسف: 4] توكيد، لما تقدم {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ} [يوسف: 4].

"{رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} [يوسف: 4] فجاء مذكرًا، فالقول عند الخليل وسيبويه أنه لما أخبر عن هذه الأشياء بالطاعة السجود، وهما من أفعال من يعقل، أخبر عنهما كما يخبر عمن يعقل".

نعم، هؤلاء، هذه الكواكب لما أخبر عنها بأنها تسجد، والسجود خاص بالعقلاء، أخبر عنها بما يُخبر عنه العاقل، قال: {رَأَيْتُهُمْ} [يوسف: 4] ما قال: رأيتها، بميم الجمع، والعاقل دون غيره، فلما نزلها منزلة العقلاء لفعلها فعل العقلاء عبر عنها بما يُعبر عن العقلاء؛ كما أنه لما نزل النسوة منزلة من لا يعقل عبر عنها بما يعبر عنه ما لا يعقل، {فانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم} [النساء: 3]، الأصل أن يقال: من طاب؛ لأن النسوة عقلاء، لكن لما نزل هؤلاء النسوة منزلة من لا يعقل، وهن ناقصات في العقل، عبر عنها بـ(ما) التي هي في الأصل لغير العاقل.

"وقد تقدم هذا المعنى في قوله: {وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} [الأعراف: 198]. والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته، وإن كان خارجًا عن الأصل.

قوله -تعالى-: {قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5].

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى قوله -تعالى-: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5] أي يحتالون في هلاكك؛ لأن تأويلها ظاهر، فربما يحملهم الشيطان على قصدك بسوء حينئذ. واللام في {لَكَ} [يوسف: 5] تأكيد، كقوله: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]".

وإلا؛ فالأصل فيكيدوك؛ لأن كاد يتعدى بنفسه، لكن زيدت اللام تأكيدًا.

"الثانية: الرؤيا حالة شريفة، ومنزلة رفيعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لم يبق بعدي من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة الصادقة يراها الرجل الصالح أو ترى له». وقال: «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا». وحكم -صلى الله عليه وسلم- بأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وروي: «من سبعين جزءًا من النبوة»، وروى من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «جزءًا من أربعين جزءًا من النبوة»، ومن حديث ابن عمر: «جزء من تسعة وأربعين جزءًا»، ومن حديث العباس: «جزء من خمسين جزءًا من النبوة»، ومن حديث أنس: «من ستة وعشرين»، وعن عبادة بن الصامت: «من أربعة وأربعين من النبوة»، والصحيح منها حديث الستة والأربعين".

طالب: أحسن الله إليكم! .........

لا، لا، ما هي متساوية، فيه راجح ومرجوح، لكن لو كانت متساوية صار اضطراب.

طالب: كيف نعرف أنها غير متساوية يا شيخ؟

غير المتساوية إذا كان بعضها أصح من بعض، الستة والأربعين في الصحيحين، في الصحيحين.

طالب: يعني المضطرب يا شيخ لا بد أن تكون الروايات متساوية؟

قالوا في تعريفه: هو الذي يُروى على أوجه مختلفة متساوية، فإذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب.

طالب: .........

هم قالوا في شرح الحديث: كونه جزءًا من ستة وأربعين، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مكث ستة أشهر يرى رؤيا ولم ينزل عليه وحي، ثم بعدها ثلاثًا وعشرين سنة وحي، ينزل عليه الوحي، فصارت نسبة الستة أشهر إلى ثلاث وعشرين واحدًا من ستة وأربعين، واحدًا من ستة وأربعين جزءًا.

"والصحيح منها حديث الستة والأربعين، ويتلوه في الصحة حديث السبعين، ولم يخرج مسلم في صحيحه غير هذين الحديثين، وأما سائرها فمن أحاديث الشيوخ".

حديث الشيوخ، ما معنى حديث الشيوخ؟

طالب: .........

نعم، هم من وُصف بلفظ شيخ، ولفظ شيخ من ألفاظ الجرح أم التعديل؟

طالب: .........

إذا قيل: فلان شيخ؟

طالب: عند أبي حاتم جرح يا شيخ، لكن .........

نعم، تجريح، تجريح، هي تجريح؛ لأنهم إذا قالوا: فلان شيخ، يعني ملتفت لنفسه وصدوق وعابد ما عنده خلاف، لكن ليس من أهل الشأن، ليس من أهل الشأن، غافل عما هو بصدده من طلب العلم والحديث.

"قاله ابن بطال. قال أبو عبد الله المازري: والأكثر والأصح عند أهل الحديث «من ستة وأربعين». قال الطبري: والصواب أن يقال: إن عامة هذه الأحاديث أو أكثرها صحاح، ولكل حديث منها مخرج معقول، فأما قوله: «إنها جزء من سبعين جزءًا من النبوة»، فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة صادقة، ولكل مسلم رآها في منامه على أي أحواله كان، وأما قوله: «إنها من أربعين-أو- ستة وأربعين» فإنه يريد بذلك من كان صاحبها بالحال التي ذكرت عن الصديق -رضي الله عنه- أنه كان بها، فمن كان من أهل إسباغ الوضوء في السبرات، والصبر في الله على المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فرؤياه صالحة -إن شاء الله- جزء من أربعين جزءًا من النبوة، ومن كانت حاله في ذاته بين ذلك فرؤياه الصادقة بين جزأين، ما بين الأربعين إلى الستين، ولا تنقص عن سبعين، وتزيد على الأربعين، وإلى هذا المعنى أشار أبو عمر ابن عبد البر، فقال: اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلاف متضاد متدافع -والله أعلم-؛ لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدين المتين، وحسن اليقين، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفناه تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد، فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوة أقرب؛ كما أن الأنبياء يتفاضلون، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ} [الإسراء: 55]".

وعلى هذا يكون بعض الناس رؤياه جزءًا من مائة جزء من النبوة، وبعض الناس جزء من ألف جزء، على حسب قربه وبعده في الصدق والإخلاص واليقين.

"قلت: فهذا التأويل يجمع شتات الأحاديث، وهو أولى من تفسير بعضها دون بعض وطرحه، ذكره أبو سعيد الأسفاقسى عن بعض أهل العلم قال: معنى قوله: «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»".

يعني مثل ما يقال في الفقراء وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، رواية: بأربعين عامًا، بمائة وعشرين، الفقراء يتفاوتون، منهم من هو شديد الفقر، ومنهم من هو حاله أخف، فمن كان فقره أشده يدخل بالمقدار الأكثر، من كان مستواه أفضل وأحسن ينقص هذا، ومن كان أقرب إلى الأغنياء يكون أقرب إلى الوقت منه.

الأسفاقسي هذا نسب إلى سفاق، والأصل أن يقال: سفاقسي.

"فإن الله -تعالى- أوحى إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- في النبوة ثلاثة وعشرين عامًا- فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس -رضى الله تعالى عنهما- فإذا نسبنا ستة أشهر من ثلاثة وعشرين عامًا وجدنا ذلك جزءًا من ستة وأربعين جزءًا، وإلى هذا القول أشار المازري في كتابه المُعْلم".

المُعْلِم هذا شرح صحيح مسلم، من أوائل الشروح لصحيح مسلم، وبنى عليه كثير من أهل العلم تكميلات؛ كالقاضي عياض سمى كتابه: إكمال المعلم، الأُبّي سمى كتابه: إكمال إكمال المعلم، السنوسي سمى كتابه مكمل إكمال الإكمال، وهكذا، ومطبوع ومعروف.

"واختاره القونوى في تفسيره من سورة يونس عند قوله -تعالى-: {لهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} [يونس: 64]. وهو فاسد من وجهين".

القونوي هذا نسبة إلى قونية، تركيا، قال: هو صدر الدين، وهو محسوب على أهل وحدة الوجود، ولم يطبع من تفسيره إلا تفسير سورة الفاتحة، وهو غير صاحب الحاشية على البيضاوي، غيره تمامًا.

"أحدهما: ما رواه أبو سلمة عن ابن عباس وعائشة بأن مدة الوحى كانت عشرين سنة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث على رأس أربعين، فأقام بمكة عشر سنين، وهو قول عروة والشعبي وابن شهاب والحسن وعطاء والخراساني وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه، وهى رواية ربيعة وأبى غالب عن أنس، وإذا ثبت هذا الحديث بطل ذلك التأويل. الثاني: أن سائر الأحاديث في الأجزاء المختلفة تبقى بغير معنى".

إذا وجهنا الست والأربعين، ما وجهنا السبعين.

"الثالثة: إنما كانت الرؤيا جزءًا من النبوة".

لكن أقول: هذا التأويل ظاهر، والست والأربعين هي أصح الروايات، وإذا نسبنا الستة الأشهر إلى الثلاث والعشرين ظهرت النسبة، والمدة -مدة الرسالة- ثلاث وعشرون سنة، ثلاث عشرة منها قبل الهجرة، وعشر بعدها، فالمجموع ثلاث وعشرون، الرسول إن كان نبئ على رأس الأربعين، وُلد في ربيع الأول، وأُنزل عليه القرآن في رمضان، يعني مكث ستة أشهر لا يُنزل إليه، أنزل إليه في رمضان، مكث ستة أشهر لا يُوحى إليه بالقرآن، وإنما بالرؤيا كما ذُكر عن ابن عباس، فإبطال مثل هذا ليس له وجه.

طالب: .........

كيف؟

طالب: .........

كلامه -عليه الصلاة والسلام- كله وحي، فالنبوة أفعاله وأقواله وتقريراته، مجموعها، هذه حقيقة النبوة، وهي إما بوحي أو برؤيا، رؤيا منه أو من غيره إذا أقرها -عليه الصلاة والسلام-؛ كرؤيا الأذان مثلًا، كثيرًا ما يسأل أصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ والوحي أقسام، لكنه كله يطلق عليه وحي، وهذا مدون في كتب أهل العلم.

طالب: .........

في حكمها، في حكم المرأة الصالحة، في حكم المرأة الصالحة، لكن إطلاق التعبير، وتعبير كل رؤيا، والتعبير لكل شخص، هذا فيه ما فيه؛ لأن الذي لا تكاد تخطئ هي رؤيا المؤمن الصالح، أما غالب ما يراه كثير من الناس لا سيما من لا يتصف بالصلاح، غالبها أضغاث من تلاعب الشيطان، التي لا تكاد تخطئ هي رؤيا المؤمن، والمؤمن -كما هو معروف- غير المسلم، وصفه هنا بالصلاح، وهو قيد معتبر، بخلاف من يؤول كل ما يُذكر له من غير أن يعرف الرائي، لا بد من معرفة الرائي وما يليق به من التعبير؛ لأن بعض الرؤى تحتمل أوجهًا لكل رائٍ ما يناسبه من هذه الأوجه، بعض من يتعرض للتأويل في هذه الأيام يجزم بتأويله ولا يتردد، حتى أنه، أو حتى كأنه إنما يُلهم الرؤى، التأويل الهام بحيث يجزم جزمًا لا يحتمل الخطأ عنده، وهذا عين الخطأ.

"الثالثة: إنما كانت الرؤيا جزءًا من النبوة؛ لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران، وقلب الأعيان، والاطلاع على شيء من علم الغيب، كما قال -عليه السلام-: «إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم» الحديث. وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان»، وأن التصديق بها حق، ولها التأويل الحسن، وربما أغنى بعضها عن التأويل، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه، ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة".

لكن تبقى رؤيا، لا يرتب عليها حكم، ولا يخالف فيها شرع، مهما كان الرائي، مهما كان الرائي، ومهما كان منزلة المؤول، بعض الناس يرتبون عليها أشياء، ويعدون بأشياء، ويخبرون عن مغيبات بسببها، ويُذكر في تواريخ المتأخرين أن امرأة صالحة رأت في المنام من يقول لها: ليصبح الناس صائمون في هذا اليوم يوم الخميس مثلًا، ليلة خميس قالت: إنها رأت من يقول لها، أو من يأمر بصيام الناس كلهم في هذا اليوم، فتكررت عليها الرؤيا ثلاث مرات، فأخبرت بها، فتأهب الناس للصيام، فعلم الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم -رحمه الله-، وقال: لا يصوم أحد، الصيام إنما يثبت بالشرع، من صام؛ لأن يوم الخميس صيامه فاضل، ومما يستحب صيامه، فلا بأس، لكن يصوم من أجل هذه الرؤيا واعتمادها فلا؛ لأن الوحي انقطع بموته -عليه الصلاة والسلام-.

من المؤسف أن يوجد من ينفذ بعض الحدود أو بعض التعزيرات بسبب رؤيا، امرأة تتصل على أحدهم فتقول: إنها رأت الشغالة تنظر في وجهها إذا نامت، فطلب منها أن تحدد مكان بيتها ليأتي إليها في وقت الضحى، قالت: ما يمكن؛ لأن البيت ما فيه أحد، فألح عليها، وجاء إليها وضرب الخادمة.

تأويله صحيح لكن تنفيذ مثل هذه الأمور ليس له، يقول: من خلال الرؤيا تبين أنها رجل وليست بامرأة، وبالفعل تبين أنها رجل، لكن تنفيذ هذه الأمور ليست له ولأمثاله.

فقد يكون التأويل صحيحًا، لكن يترتب عليه آثار لا تحمد عقباها، وقد يغرر الشيطان ببعض الناس، ويأتيه، وتأتيه الرؤى من الآفاق متفقة بحيث لا يتواطؤون على الكذب، لكن الشيطان تراءى لهم في هذه الأقطار؛ كما حصل قبل أكثر من عشرين سنة، رأوا أكثر من ستين رؤيا أن فلان هو المهدي، من أقطار متباعدة، من المشرق والمغرب والشمال والجنوب، من الهند، والمغرب، من أمريكا، من أقطار متباينة، ولا يحتمل تواطأهم على الكذب، فصدقوا هذه الرؤيا وبنوا عليها ما بنوا، وصارت الكارثة المعروفة.

فيخشى أن تتكرر مثل هذه المسألة؛ لأن الرؤى كثر اعتمادها من قبل بعض الناس، وتأويلها وعدم التردد فيها، وترتيب بعض الأمور، بل بعض أشراط الساعة رُبطت بهذه الرؤى، وأمور مغيبة، ودقائق لا يطلع عليها أحد، ومع ذلك تعرضوا لها، منهم من يرى رؤيا فيسأل عنها، فيقال: أنت تأخذ امرأة اسمها فلانة، هذا غيب، اسمها فلانة، وأنت اسمك فلان، وتدخل عليها وعليها من الثياب كذا، سبحان الله! هذا هو الكهانة بعينها، ليس هذا هو التأويل أبدًا، والله المستعان.

طالب: أليس إذا تواطأ مثلما قلتم أناس لا، إذا اتفق أناس لا يتواطأ، لا يحتمل تواطؤهم على الكذب، أليس هذه قرينة قوية أن هذه الرؤيا صحيحة؟

لا، لا، لا يلزم؛ لأن شيخ الإسلام قرر في مواضع أن الشيطان يتراءى للناس في أكثر من موقع، بل تراءى لهم بصورة الشيخ نفسه -شيخ الإسلام-، وقال لهم: أنا فلان، آمركم بكذا، ورُؤي في المغرب ورُؤي في المشرق في آن واحد، وهو شيخ الإسلام.

طالب: كيف الناس يعلمون مثل هذه الأمور؟

قد يعلمون، لكن لا يرتبون عليها أحكامًا، ما يبنون عليها أشياء، ما يخطون خطوات عملية بمجرد رؤى، عندهم كتاب الله وسنة رسوله، وإيش قاصر عليهم؟ ما عليهم قاصر أبدًا، الدين كامل.

طالب: مثل هذه، لما يأتي رؤيا يقول: أنا فلان، أو هذا هو المهدي، أو؟

لا، أبدًا، نقول: ما هو بصحيح، حتى نطبق الأوصاف، وننظر في الظروف والأحوال، ما نعتمد على رؤى، طيب جاءت ستين رؤيا، وصدقوا بها، وفعلوا ما فعلوا، ماذا فعل؟ صار صحيحًا؟ ستين رؤيا، جعلوا الناس لا تتردد بأن هذا هو المهدي، ثم ماذا؟

طالب: أحسن الله إليكم! ..........

هذه وسيلة، دعاية، هذه دعاية لهم، والناس يتعلقون بأذيال مثل هذه الأمور، وأكثر زبائنها النساء والجهال وعامة الناس.

"الرابعة: إن قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءًا من النبوة، فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلًا لها؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة، كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ورؤيا بخت نصر، التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنام عاتكة عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمره وهى كافرة، وقد ترجم البخاري باب رؤيا أهل السجن؟

فالجواب: أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحى ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة، الرابعة: إن قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءًا من النبوة، فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلا لها؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحه صادقة، كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ورؤيا بخت نصر، التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنام عاتكة، عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمره وهى كافرة، وقد ترجم البخاري باب رؤيا أهل السجن- فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحى ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديثه عن غيب يكون خبره ذلك نبوة.

 وقد تقدم في الأنعام أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلة، فكذلك رؤيا هؤلاء، قال المهلب: إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءًا من النبوة".

ولو كان مسلمًا مؤمنًا من أعبد الناس، ورأى رؤيا صالحة، بل رأى ستًا وأربعين رؤيا، فنقول: صار نبيًّا؟ إذا رأى هذا المؤمن الصالح الصادق ستًّا وأربعين رؤيا، حصل له من النبوة ست وأربعين جزءًا، على ست وأربعين صار إيش؟ صار نبيًّا، على مقتضى هذا، لو قلنا بهذا المفهوم، لكن الرؤيا تشبه النبوة، الرؤيا الصادقة تشبه النبوة من حيث إنها إعلام في خفاء، إعلام صادق في خفاء، هذا وجه الشبه بينها وبين النبوة والوحي.

"وقد تقدم في الأنعام أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلة، فكذلك رؤيا هؤلاء، قال المهلب: إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءًا من النبوة.

الخامسة: الرؤيا المضافة إلى الله -تعالى- هي التي خلصت من الأضغاث والأوهام، وكان تأويلها موافقًا لما في اللوح المحفوظ، والتي هي من خبر الأضغاث هي الحلم، وهى المضافة إلى الشيطان، وإنما سميت ضِغثًا؛ لأن فيها أشياءَ متضادة، قال معناه المهلب. وقد قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا أقسامًا تغنى عن قول كل قائل، روى عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرؤيا ثلاثة: منها أهاويل الشيطان؛ ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». قال: قلت: سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال نعم! سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

خرجه؟

طالب: .........

مخرج؟ يمكن نفس الذي عند الشيخ؟

طالب: .........

ماذا يقول؟

طالب: .........

"السادسة: قوله -تعالى-: {قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5] الآية. الرؤيا مصدر رأى".

رأى، الفعل رأى، الفعل واحد، وله مصادر تختلف باختلاف المعاني، فرأى رؤية، ورأى رأيًا، ورأى رؤيا، فالرؤيا التي تكون في النوم، والرأي هو ما يراه بعقله، والرؤية ما يراه ببصره.

"الرؤيا مصدر رأى في المنام، رؤيا على وزن فعلى كالسقيا والبشرى، وألفه للتأنيث، ولذلك لم ينصرف. وقد اختلف العلماء في حقيقة الرؤيا، فقيل: هي إدراك في أجزاء لم تحلها آفة، كالنوم المستغرق وغيره، ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا في آخر الليل لقلة غلبة النوم، فيخلق الله -تعالى- للرائي علمًا ناشئًا، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصح الإدراك".

بعض الناس يقول: إن ما يراه الشخص في نوم النهار ليس بالرؤيا، ليس برؤيا ولا ينبغي تعبيرها؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: "فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"، فتكون سابقة لفلق الصبح، لكن هذا استدلال فيه بُعد.

"فيخلق الله -تعالى- للرائي علمًا ناشئًا، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصح الإدراك، قال ابن العربي: ولا يرى في المنام إلا ما يصح إدراكه في اليقظة، ولذلك لا يرى في المنام شخصًا قائمًا قاعدًا بحال".

ما يُجمع بين المتناقضات في الرؤيا، في المنام؛ كما أنه لا يجمع بينها في اليقظة.

طالب: يمكن أن يرى يا شيخ في المنام ما يقدر أن يفعله في اليقظة؟

نعم، لكنه يفعله، لكن يفعل ولا يفعل، ما يفعل المتناقضات.

"وإنما يرى الجائزات المعتادات. وقيل: إن لله ملكًا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورًا محسوسة، فتارةً تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارةً تكون لمعاني معقولة غير محسوسة، وفى الحالتين تكون مبشرة أو منذرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم وغيره: «رأيت سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة»".

مهيعة: الجحفة.

"«إلى مهيعة فأولتها الحمى»، و«رأيت سيفي قد انقطع صدره، وبقرًا تنحر، فأولتهما رجل من أهل بيتي يقتل، والبقر نفر من أصحابي يقتلون»، و«رأيت أنى أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة»، و«رأيت في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان بعدي». إلى غير ذلك مما ضربت له الأمثال، ومنها ما يظهر معناه أولًا فأولًا، ومنها ما لا يظهر إلا بعد التفكر، وقد رأى النائم في زمن يوسف -عليه السلام- بقرًا فأولها يوسف السنين، ورأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر فأولها بإخوته وأبويه.

السابعة: إن قيل: إن يوسف- عليه السلام- كان صغيرًا حين رؤياه، والصغير لا حكم لفعله، فكيف تكون له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]؟

فالجواب: أن الرؤيا إدراك حقيقة على ما قدمناه، فتكون من الصغير كما يكون منه الإدراك الحقيقي في اليقظة، وإذا أخبر عما رأى صدق، فكذلك إذا أخبر عما يرى في المنام، وقد أخبر الله -سبحانه- عن رؤياه، وأنها وُجدت كما رأى فلا اعتراض، روي أن يوسف -عليه السلام- كان ابنَ اثنتي عشرة سنة".

نعم، والصدق كما يكون في اليقظة، والكذب يكون في اليقظة، أيضًا يكون الصدق والكذب في المنام، لكنه في المنام أشد، فالذي يكذب في الرؤيا ويري عينه ما لم تره، فالوعيد عليه شديد، أشد من الكذب في اليقظة.

"الثامنة: هذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها، روى أبو رزين العقيلي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرؤيا جزء من أربعين جزءًا من النبوة»، و«الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدِّث بها صاحبها، فإذا حدث بها وقعت، فلا تحدثوا بها إلا عاقلًا أو محبًّا أو ناصحًا»، أخرجه الترمذي وقال فيه: حديث حسن صحيح، وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر. وقيل لمالك: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير وهى عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما تأولت عليه؟ فقال: لا! ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة".

إذا رأى تأويلها ليس في مصلحة الرائي، بل هي شر له، يصرفه عن طلبه، يصرفه عن طلبه، إن أصر يخبره؛ كما أخبر يوسف -عليه السلام- الذي تأكل الطير من رأسه.

"التاسعة: وفى هذه الآية دليل على أن مباحًا أن يحذّر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه، ولا يكون داخلًا في معنى الغيبة؛ لأن يعقوب- عليه السلام- قد حذر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته فيكيدوا له كيدًا، وفيها أيضًا ما يدل على جواز ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدًا وكيدًا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود»".

الحديث ضعيف؟

طالب: ذكره السيوطي في الجامع من رواية الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي، وذكره في الصغير من رواية العقيلي في الضعفاء.

يعني ضعيفًا.

طالب: وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق معاذ، وجزم الحافظ العراقي بضعفه.

يعني ضعيفًا، حديث ضعيف كما هو معروف، لكن إخفاء النعمة خشية العين أو الحسد لا بأس به، لكن مع ذاك لا يتحدث بضدها أو يتشكى، أو يقول: إنه لم يؤت خيرًا، إنما لا يتحدث بهذه النعمة في هذا الظرف، ويتحدث بها عند أمن سوء العاقبة، عند من لم يعرف بالعين؛ لأن إظهار النعم وشكرها هذا أمر مطلوب.

طالب: .........

نعم؟

طالب: .........

استعينوا على إنجاح؟ والله بعض الناس ينبغي أن يكتم عنه، وبعض الناس ينبغي أن يخبَر، أقول: الناس يتفاوتون، ولا شك أن كل ذي نعمة محسود، يوجد من يحسده.

"وفيها أيضًا دليل واضح على معرفة يعقوب -عليه السلام- بتأويل الرؤيا، فإنه علم من تأويلها أنه سيظهر عليهم، ولم يبال بذلك من نفسه، فإن الرجل يود أن يكون ولده خيرًا منه، والأخ لا يود ذلك لأخيه. ويدل أيضًا على أن يعقوب -عليه السلام- كان أحس من بنيه حسد يوسف وبغضه، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوفًا أن تغل بذلك صدورهم".

تغل: تحقد.

"فيعملوا الحيلة في هلاكه، ومن هذا ومن فعلهم بيوسف يدل على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت، ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الآباء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتآمر في قتله، ولا التفات لقول من قال: إنهم كانوا أنبياء".

أما كونهم تُدعى عصمة قبل النبوة، فلا، موسى -عليه السلام- حصل منه قتل، وآدم حصلت منه المعصية، وإبراهيم -عليه السلام- حصلت منه الكذبات الثلاث، لكن يوفقون للتوبة منها، وأما ما يقع قبل النبوة، فلا إشكال فيه، وهذا وقع قبل النبوة عند من يقول بنبوتهم، وهو ما يقرره شيخ الإسلام -رحمه الله-، وإن كان الحافظ ابن كثير في تفسيره يقول: إنه لم يقف على ما يدل على نبوتهم.

طالب: ...

هو ما فيه إلا كلام الشيخ -رحمه الله-، كلام شيخ الإسلام.

"ولا يستحيل في العقل زلة نبي، إلا أن هذه الزلة قد جمعت أنواعًا من الكبائر، وقد أجمع المسلمون على عصمتهم منها، وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم، ويأتي.

العاشرة: روى البخاري عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»، وهذا الحديث بظاهره يدل على أن الرؤيا بشرى على الإطلاق، وليس كذلك، فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل الله -تعالى- لا تسر رائيها، وإنما يريها الله -تعالى- المؤمن رفقًا به ورحمة، ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه، فإن أدرك تأولها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهلية ذلك، وقد رأى الشافعي -رضي الله عنه- وهو بمصر رؤيا لأحمد بن حنبل تدل على محنته، فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك، وقد تقدم في يونس في تفسير قوله -تعالى-: {لهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} [يونس: 64] أنها الرؤيا الصالحة. وهذا وحديث البخاري مخرجة على الأغلب، والله أعلم".

قد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عثمان أنه تصيبه بلوى بعد أن بشره بالجنة من أجل أن يستعد لها.

طالب: أحسن الله إليك، هل يؤخذ من هذا لو ائتمن الإنسان شخص على سر مثلًا أو على أمر يتعلق بشخصية ثالثة فيه بشرى له، وقال: لا تخبره، هل للثاني هذا -المؤتمن- أن يخبر صديقه على أن يبشره أن يحذر من هذا البلاء الذي سيوقع به الأول؛ ليستعد به حتى يأخذ حذره أم تعتبر خيانة؟

وما الفائدة من ائتمانه؟

طالب: الفائدة من ائتمانه أن يخبره أن هذا الشخص سيحصل له بشرى من قبلي -أنا الشخص الأول-، أو سيحصل له ابتلاء مني، فيود الثاني أن يخبره بهذا الأمر حتى يستعد لهذا البلاء؟

على كل حال؛ إذا كان الذي يبتليه ظلمًا له وعدوانًا يحذر منه مهما استأمنه على ذلك، إذا أراد أن يبتليه ظالمًا له معتديًا عليه، يحذر ليأخذ حذره، وينصح الآخر، لا على سبيل النميمة، ولا على سبيل الإفساد بينهم، ولكن ليأخذ حذره، وإن كان ما فيه بشرى، ولا يضر الآخر، فإن أخبر بطريق مناسب يعني غير صريح ليجمع بين المصلحتين، فلا بأس.

"الحادية عشر: روى البخاري عن أبي سلمة قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، وليتفل ثلاث مرات، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره»".

طالب:.........

يخبر بها الناصح اللبيب له الذي لا يترتب على إخباره حسد له.

"قال علماؤنا: فجعل الله الاستعاذة منها مما يرفع أذاها، ألا ترى قول أبي قتادة: إني كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئًا. وزاد مسلم من رواية جابر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليتعوذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه»، وفي حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل».

قال علماؤنا: وهذا كله ليس بمتعارض، وإنما هذا الأمر بالتحول، والصلاة زيادة، فعلى الرائي أن يفعل الجميع، والقيام إلى الصلاة يشمل الجميع؛ لأنه إذا صلى تضمن فعله للصلاة جميع تلك الأمور؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة تحول عن جنبه، وإذا تمضمض تفل وبصق، وإذا قام إلى الصلاة تعوذ ودعا وتضرع لله -تعالى- في أن يكفيه شرها في حال هي أقرب الأحوال إلى الإجابة، وذلك السحر من الليل".

اللهم صل على محمدٍ، يكفي -إن شاء الله-، جزاك الله خيرًا.

"