تعليق على تفسير سورة الأنعام من أضواء البيان (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "وأما الحبوب: فلا تجب الزكاة عند الشافعي إلا فيما يُقتات ويُدخر منها، ولا زكاة عنده في شيءٍ من الفواكه التي لا تُقتات ولا تُدخر، ولا في شيءٍ من الخضراوات، فمذهبه يوافق مذهب مالكٍ -كما قدمنا- إلا أن الشافعي لا يضم بعض الأنواع إلى بعض، ومالكٌ يضم القطاني بعضها إلى بعضٍ في الزكاة، وكذلك القمح، والشعير، والسلت، كما تقدم.

وأما مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- فهو وجوب الزكاة فيما تُنبته الأرض، مما ييبس، ويبقى، مما يكال. فأوصاف المزكى عنده مما تنبته الأرض ثلاثة: وهي الكيل، والبقاء، واليُبس".

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

البقاء واليُبس هذه متلازمة، وهي عبارة عن شيءٍ واحد، أو مما تُخرجه الأرض مما يبقى دون أن ييبس أو ييبس دون أن يبقى، مسألة البقاء في السابق في الغالب أنها ملازمة لما ييبس؛ لأن الرطب يتأثر، الآن قد تبقى الأشياء وهي رطبة مُددًا متطاولة في المواد التي تحفظها، أو الآلات التي تحفظها، فهل لهذا أثر في المذهب الذي يشترط البقاء، ويشترط اليُبس؟

طالب:.......

لكنها تبقى، تبقى ولا تيبس، أو تيبس...

طالب:.......

هو الأصل، الأصل ألا يكون بفعل فاعل، هذا الأصل؛ لأنه في يومٍ من الأيام هذه التي تحفظها أو تُبقيها سنين على بقائها قد لا توجد في يوم من الأيام، ومادام الأمر كذلك فلا يُرتب عليها حُكم. 

"فما كان كذلك من الحبوب والثمار وجبت فيه عنده، سواء كان قوتًا أم لا، وما لم يكن كذلك لم تجب فيه؛ فتجب عنده في الحنطة، والشعير، والسلت، والأرز، والذرة، والدُّخن، والقطاني: كالباقلاء، والعدس، والحمص، والأبازير: كالكمون، والكراويا: كبزر الكتان، والقثاء، والخيار، وحب البقول: كالرشاد، وحب الفجل، والقرطم، والسمسم، ونحو ذلك من سائر الحبوب، كما تجب عنده أيضا فيما جمع الأوصاف المذكورة من الثمار: كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق. ولا زكاة عنده في شيءٍ من الفواكه: كالخوخ، والإجاص، والكمثرى، والتفاح، والتين، والجوز، ولا في شيءٍ من الخضر: كالقثاء، والخيار، والباذنجان، واللفت، والجزر، ونحو ذلك".

لأنه قد يقول قائل: إن هذه مما يبقى وقد ييبس، هذه الآن تُجفف وتُحفظ جافة، وقد لا تُجفف وتُحفظ رطبة، فتوافر فيها الشرط السابق، لكن مثل ما قلنا: إن ما يحتاج إلى آلة لا يُجفف أو لا يبقى إلا بآلة فإن هذه الآلة لا تلزم؛ لأنه قد يقول قائل: مادامت هي شرطًا لوجوب الزكاة فتوفيرها شرط، نقول: لا، مثل ما قيل في المناظير لرؤية الهلال، الأصل {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] نعم قد تُساعد على المطلوب، لكن لا تكون شرطًا له.

مثل ما قلنا: الثلاجات لا تُعد مما يُوفر البقاء المُشترط لوجوب الزكاة.

طالب:.......

التين يُجفف، التين والخوخ يُجفف من غير آلة، وكان يُجفف ومازال يُجفف؛ ولذلك ذكره في الموطأ، انتقده بعض المالكية، قالوا: إنه مثل الزبيب يُجفف ويبقى ويُقتات أيضًا.

طالب: ذكر في القثاء والخيار أنه تجب فيه الزكاة، ثم أخيرًا قال: ولا تجب الزكاة عنه.

أين؟

طالب: فتجب عنده في الحنطة والشعير إلى أن قال: "والقثاء والخيار" وفي آخر الكلام "ولا زكاة عنده في شيءٍ من الفواكه، ولا في شيءٍ من الخضر: كالقثاء، والخيار"؟

لا، فرق بين الخضر والفواكه وبين الحَب الذي هو البذر الذي يُبذر ليُزرَع ويخرج منه الناتج، تجده يذكر الشيء فيما يجب وفيما لا يجب، ففيما يجب المراد الحبوب.

طالب: تجب الزكاة في البذر لا في...؟

لا في الخضر أو الفاكهة، نعم.    

"ويروى نحو ما ذكرنا عن أحمد في الحبوب، عن عطاءٍ، وأبي يوسف، ومحمد، وقال أبو عبد الله بن حامد: لا شيء في الأبازير، ولا البزر، ولا حب البقول.

قال صاحب (المغني): ولعله لا يوجب الزكاة إلا فيما كان قوتًا، أو أدمًا؛ لأن ما عداه لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص؛ فيبقى على النفي الأصلي، ولا زكاة في مشهور مذهب أحمد -رحمه الله- فيما ينبت من المباح الذي لا يُملك، إلا بأخذه: كالبُطم، وشعير الجبل، وبزر قطونًا، وبزر البقلة، وحب النمام، وبزر الأشنان، ونحو ذلك، وعن القاضي: أنه تجب فيه الزكاة".

هذه النباتات تكون معروفةً في وقت دون وقت، أو في مكانٍ دون آخر؛ ولذا يُشكل ما يُذكر من مثل هذه النباتات للعلاج في كُتب الطب، يذكرون أشياء الناس لا يعرفونها، وإذا رجعوا إليها في الكُتب المتقدمة قد يُفسرها صاحب الكتاب بمعنىً يفهمه هو، ولا يفهمه غيره ومن في بلده، ففي الشام من النباتات ما يُذكر في كُتبهم ما لا نعرفه، وعندنا أشياء ما لا يعرفه المصريون والشوام وغيرهم، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى معاجم، وفي (نهاية الأرب) في الثاني عشر ذكر كثيرًا من هذه الأمور وفسَّرها المُحققون في أسفل الصفحات، يعني في طبعة دار الكتب المصرية فسَّروا كثيرًا منها، ومع ذلك بقيت أشياء فسروها لقومهم وأهل بلدهم وغيرهم قد لا يفهم، حتى لا يفهم التفسير ولا المفسَّر، وتبقى هذه الأمور وهي تُذكر من باب العلاج والأدوية إلا أن تجربتها ليست مطردة، قد يُجرب الطبيب في كُتب الطب القديم على واحد أو اثنين يجده ينفع، ثم يصفه للناس كلهم، يقول هذا: أنا ما انتفعت، ويقول: هذا لا ينفع ولا تلفتوا إلى الكُتب، للتجربة والاستقراء عندهم فيه قصور.

الآن في المدارس الطبية والكليات الطبية استقراؤهم أوسع، ومعاملهم وتجاربهم أوسع، ومع ذلك قد يَرد من الأدوية التي جربوها على عددٍ كبير ينفع لهذا، وهو أنفع لهذا من غيره، وقد لا ينفع لهذا، وبعضها يضر.

المقصود أن الشافي أولاً وآخرًا هو الله -جلَّ وعلا-.

الأمر الثاني: أن هذه الأدوية وإن تُعِب عليها وطُبِّقت وجُرَّبت بمعامل دقيقة، وبتكرار التجربة إلا أنه يبقى نفعها نسبته محدودة، قد يكون نفعه بنسبة ستين بالمائة؛ لأن في هذا البدن أو عند هذا الإنسان من القابلية أكثر من هذا، وعند هذا من المضادات في بدنه أو في تركيبه ما يُخفف نفع هذه يُخفف النسبة وهكذا، لا يُجزم بأي علاجٍ من هذه العلاجات أنه يصلح لجميع الناس، المسألة أغلبية، كالقواعد الأغلبية تصلح لكثيرٍ من الناس، وقد تصلح لهذا في وقت كذا، وتصلح لهذا في عمره وهو كذا، وقد تصلح لهذا... أمور المرطب العلاج خفية وغامضة ويبقى أنها أسباب.

فكثيرٌ من الناس إذا أُصيب إما أن يسأل من حوله ما دواء هذا المرض؟ ويُعطيه إياه؛ لأنه مصروف له من الصيدلية، كم قيل من علاج لكحة أو التهاب أو شيء، ثم يستفيد منه فلان ولا يستفيد فلان؟ اتصل علي واحد من المشايخ وقال: خُذ ملعقة عسل، وملعقة زيت السمسم على كأسٍ حار يعني دافئ جدًّا، وبإذن الله ما تكح، وقد فعلت ولا نمت تلك الليلة، الأمور هذه يبقى أن الشافي هو الله –جلَّ وعلا- وهذه أسباب.

وأنا من خلال التجربة لا ألجأ إلى العلاجات إلا إذا اضُطررت؛ لأني رأيت بعضها قد يحصل منه تأزيم للمسألة التي أعاني منها –والله المستعان-، ويبقى أصل العلاج على الإباحة، إذا اعتقد أن الشافي هو الله –جلَّ وعلا-، وأن العلاج سبب، وفي الغالب أنه ينفع.

طالب:.......

أنه ينفع لفلان في الغالب، العلاجات النبوية نافعة إلا إذا وُجِد مُضاد، فشخص يقول: بلغ السبعين من عمره وهو ما ذهب إلى مستشفى، لماذا؟ قال: أنا عندي ابن القيم (الطب النبوي) لابن القيم ما أتعداه، ولا احتجت إلى مستشفيات ولا شيء، فجأةً سُئل عنه قالوا: هو في العناية المركزة، لماذا؟ أين ابن القيم؟ قال: ما تركت ابن القيم لجأت فورًا إلى ابن القيم، وركَّبت الدواء الذي يقول واستعملته، طيب كيف؟ ابن القيم قال: للدهان وهو أكله، يدهن البطن من الخارج وهو أكله.

انتبه يا أبا عبد الرحمن تغش مسلمًا وأنت من غير قصد.

طالب:......

يضمن، لا لا، الخبير ما يضمنه.

طالب:......

لا، عنده خبرة ما يضمن.

طالب:.......

لكن العمليات، ما تقوم بعمليات.

طالب:........

نعم.

طالب:.......

بدأوا يُصورون العلاجات والنباتات.

طالب:.......

مثل المعجم الوسيط يُصورون، كذلك كُتب طبية متأخرة وموسوعات طبية تذكر صورًا.

طالب:.......

من أغرب ما سمعت من البحوث بحث واحد من طلاب العلم المتميزين يقول: إن الحبة السوداء هي العجوة.

طالب:......

يقول: الحبة السوداء هي العجوة.

طالب:.......

على كل حال المدينة لا يُعرف فيها حبة سوداء، والعجوة هي حبةٌ سوداء، وجاءت فيها نصوص وموجودة في المدينة.

طالب:.......

لكن هذا مما قيل، أنا ما اقتنعت، لا تظن أني أُقر هذه المسألة، لكن هذا مما قاله.

طالب:......

نعم، لكن قد يكون التواتر مبنيًّا على إشاعةٍ لا أصل لها، يتوارثها الناس مثل ما يتوارثون بعض الأشياء.

طالب:......

لا، هو تجريب من قِبل ابن القيم، بعضه تجريبي.

طالب:......

معروف ينقل.

طالب:......

هذا المعروف نعم.

طالب:......

نعم، أُثيرت العام الماضي، وأنها ليست هذه هي العجوة، أظنه ما جاء ببديل، ما أورد بديلًا، لكن نفى أن تكون هذه هي العجوة.      

"وعن القاضي: أنه تجب فيه الزكاة إذا نبت بأرضه.

والصحيح الأول، فإن تساقط في أرضه حَبٌّ كحنطةٍ مثلاً فنبت، ففيه الزكاة؛ لأنه يملكه، ولا تجب الزكاة فيما ليس بحبٍّ، ولا ثمر، سواءً وجد فيه الكيل والادخار أو لم يوجد، فلا تجب في ورقٍ مثل ورق السدر، والخُطمي، والأشنان".

والخَطمي.

"والخَطمي، والأشنان، والصعتر، والآس، ونحوه؛ لأنه ليس بمنصوصٍ عليه، ولا في معنى المنصوص".

طالب:........

كل هذه الأمور ليس بمتفقٍ عليها.

طالب:........

تعرف الإمام أحمد أن له روايات وأقوالًا وتخريجات للأصحاب، ويذكرون في كتبهم ما لا يذكره الآخر، يذكر الواحد منهم ما لا يذكره الآخر، بناءً على أن هذا يندرج فيما أشار إليه الإمام أو لا يندرج، مثل هذه الأمور...

طالب:........

على كل حال هو إذا نُقِلت المسائل من الكُتب المعتمدة المعروفة في المذهب، وإذا اختلفت يُنظر إلى ما يتفق عليه فلان وفلان من مؤلفي المذهب سواءً كانوا من المتقدمين أو المتوسطين أو المتأخرين إذا اتفقوا على شيء فالغالب أنه هو المذهب.

لكن قد يأتي الباحث ويأخذ مسألة من أي كتاب، قد يكون صاحبها اعتمد روايةً ليست هي المعروفة في المذهب أو مشهورة أو شيءٍ من هذا، وكثير من مذهب الحنابلة وعند غيرهم، موجود في المذاهب كلها، لكن كثرة الروايات في المذهب الحنبلي أكثر منها في غيره.   

"ولا زكاة عنده في الأزهار: كالزعفران، والعصفر، والقطن؛ لأنها ليست بحبٍّ، ولا ثمر، ولا هي بمكيل، فلم تجب فيها زكاة كالخضراوات.

قال الإمام أحمد -رحمه الله-: ليس في القطن شيء، وقال: ليس في الزعفران زكاة، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي بكر، قاله ابن قدامة في (المغني).

واختلفت عن أحمد -رحمه الله- الرواية في الزيتون: فروى عنه ابنه صالح: أن فيه الزكاة، وروي عنه: أنه لا زكاة فيه، وهو اختيار أبي بكر، وظاهر كلام الخرقي يقتضيه، قاله أيضًا صاحب المغني.

 وأما أبو حنيفة -رحمه الله- فإنه قائلٌ بوجوب الزكاة في كل ما تنبته الأرض، طعامًا كان أو غيره، وقال أبو يوسف عنه: إلا الحطب، والحشيش، والقصب، والتبن، والسعف، وقصب الذريرة، وقصب السكر. انتهى. والذريرة: قصبٌ يُجاء به من الهند، كقصب النُّشاب أحمر يُتداوى به.

وممن قال مثل قول أبي حنيفة النخعي، وروي نحوه عن عمر بن عبد العزيز".

أبو حنيفة –رحمه الله- استدل بالعمومات، ولم ينظر إلى المخصصات {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» إلى آخره.

المقصود أنه اعتمد العمومات، ولم يرَ المخصصات التي اعتمدها غيره من أهل العلم، وسيأتي بيان مذهبه ومأخذه في كلام المؤلف- رحمه الله-.

طالب:.......

هو أعرف بمذاهب السلف لا شك، لكن انظر ماذا يقول ابن المنذر وغيره، عندهم الاطلاع الواسع، وابن عبد البر اطلاعهم واسع في مذاهب السلف، ما هي مسألة تعارض أقوال العلماء في حكايات الأقوال مثل نُقُولهم في المسائل الأخرى كونه ينفي وغيره يُثبت هذا معروف أن المُثبت مُقدم على النافي.

طالب:.......

قد يطَّلع المتأخر على ما لم يطَّلع عليه المتقدم.

طالب:.......

على كل حال كل شيءٍ مُسطَّر.

"وهو قول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، ونصره ابن العربي المالكي في أحكامه، قال: وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته، فأبصر الحق، هذا هو حاصل مذاهب الأئمة الأربعة- رضي الله عنهم- في تعيين ما تجب فيه الزكاة مما تُنبته الأرض، وسنُشير إن شاء الله إلى دليل كل واحدٍ منهم فيما ذهب إليه.

ما أبو حنيفة: فقد احتج على وجوب الزكاة في كل ما تُنبته الأرض من قليلٍ وكثير بعموم هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها؛ لأن الله قال فيها: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] الآية، وبعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267] الآية، وبعموم قوله –صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» الحديث، ولم يقبل تخصيصه بحديث: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»؛ لأن القاعدة المقررة في أصوله -رحمه الله-: أن العام قطعي الشمول، والتناول لجميع أفراده كما أشار له في (مراقي السعود) بقوله:

وَهُوَ عَلَى فَرْدٍ يَدُلُّ حَتْمَا

 

وَفَهْمُ الِاسْتِغْرَاقِ لَيْسَ جَزْمَا

بَلْ هُوَ عِنْدَ الْجِلِّ بِالرُّجْحَانِ

 

وَالْقَطْعُ فِيهِ مَذْهَبُ النُّعْمَانِ

فما كان أقل من خمسة أوسق يدخل عنده دخولاً مجزومًا به في عموم الآيات المذكورة والحديث، فلا يلزم عنده تخصيص العام بالخاص، بل يتعارضان، وتقديم ما دل على الوجوب أولى من تقديم ما دل على غيره للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب".

لكن الذي نطق بالنص العام الذي يجب الاحتياط له هو الذي أخرج بعض أفراد هذا العام بمفهوم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» هذا كلام الشارع؛ لكن عنده القواعد لا يُوافَقون عليها، أنهم يرون مثلاً ما جاء في القرآن نص قطعي ومُخصصه لا بُد أن يكون في مستواه؛ لأن التخصيص مثل النسخ، فلا يُنسخ الأدنى بالأعلى وهكذا، ويرون أن مثل هذا زيادة على النص، والزيادة نسخ، إلى آخر ما يقولون.

على كل حال قواعدهم معروفة، ومذهب جماهير أهل العلم في مثل هذا واضحة ومعروفة، ولا شك أن الخاص مُقدَّم على العام؛ شريطة أن يكون في دائرة القبول.

"وأما مالك والشافعي -رحمهما الله تعالى- فحجتهما في قولهما: إنه لا زكاة في غير النخل والعنب من الأشجار، ولا في شيءٍ من الحبوب إلا فيما يُقتات ويدخر، ولا زكاة في الفواكه ولا الخضراوات؛ لأن النص والإجماع دلا على وجوب الزكاة في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وكل واحدٍ منها مُقتاتٌ مُدخر، فألحقوا بها كل ما كان في معناها؛ لكونه مُقتاتًا ومُدخرًا، ولم يريا أن في الأشجار مُقتاتًا ولا مدخرًا غير التمر والزبيب؛ فلم يشاركهما في العلة غيرهما من الثمار؛ ولذا قال جماعة من أصحاب مالك بوجوبها في التين على أصول مذهب مالك".

على أصول مذهبهم؛ لأنها تُقتات وتُدخر كالتمر والزبيب، ومنصوص مالك خلاف هذا؛ لأنه نظر إليها في الحال وهم نظروا إليها في المآل.

"لأنه كالزبيب في الاقتيات والادخار.

وقال ابن عبد البر: الظاهر أن مالكًا ما كان يعلم أن التين كذلك، وأما الحبوب فيوجد فيها الاقتيات والادخار، فألحقا بالحنطة والشعير كل ما كان مُقتاتًا مُدخرًا: كالأرز، والذرة، والدُّخن، والقطاني، ونحو ذلك، فهو إلحاقٌ منهما -رحمهما الله- للمسكوت بالمنطوق؛ بجامع العلة التي هي عندهما الاقتيات والادخار؛ لأن كونه مُقتاتًا مُدخرًا مُناسبٌ لوجوب الصدقة فيه؛ لاحتياج المساكين إلى قوتٍ يأكلون منه ويدخرون.

وأما أحمد -رحمه الله- فحُجته في قوله: إن الزكاة تجب فيما يبقى وييبس ويُكال، أن ما لا ييبس ولا يبقى، كالفواكه، والخضراوات، لم تكن تؤخذ منه الزكاة في زمنه -صلى الله عليه وسلم- ولا زمن الخلفاء الراشدين.

ودليله في اشتراطه الكيل قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» قال: فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن محل الواجب في الوسق، وهو خاصٌّ بالمكيل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى".

أن محل الواجب!

طالب: في الوسق.

الطبعة التي معنا حمل.

طالب:......

هي عندنا حمل.

طالب: محل الواجب.

حمل، ونسخة الشيخ محل الواجب، نعم.

"أما دليل الجمهور منهم مالك، والشافعي، وأحمد -رحمهم الله- على أن الفواكه والخضراوات لا زكاة فيها فظاهر؛ لأن الخضراوات كانت كثيرةً بالمدينة جدًّا، والفواكه كانت كثيرةً بالطائف، ولم يُنقل عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه أنه أخذ الزكاة من شيءٍ من ذلك.

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: وقد كان بالطائف الرمان، والفرسك، والأُترج".

"الفرسك" الخوخ، تقدم صفحة ثلاثة وخمسين وأول أربعة وخمسين، يقول: "والفرسك بكسر الفاء والسين بينهما راءٌ ساكنة آخره كاف: الخوخ، وهي لغةٌ يمانية".

"فما اعترضه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا ذكره، ولا أحدٌ من خلفائه.

 قلت: وهذا وإن لم يذكره في الأحكام هو الصحيح في المسألة، وأن الخضراوات ليس فيها شيء".

"قلت: وهذا وإن لم يذكره في (الأحكام) هو الصحيح في المسألة" مَن الذي لم يذكره؟

طالب: القرطبي؟

ما كلامه السابق؟ يعني ما نص على أن الحكم أنه لا تجب الزكاة فيها حُكمًا، وإنما مرت عرضًا، الدليل مرَّ بدون الحكم، لكن هذا واضح "فما اعترضه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا ذكره، ولا أحدٌ من خلفائه" احتاج أن ينص على حُكمه؟

طالب:.......

نعم، لكن أحيانًا يقول: انتهى كلام القرطبي، لكن يقول لك هذا الكلام؟

طالب:........

أحكامه هو الجامع، لكنه أحيانًا يبدأ بالحكم، وأحيانًا يذكر المسألة بذيولها ثم يذكر الحكم، وما فيه ما يمنع أننا نُحضر القرطبي، السابع.

طالب:........

السابع، كمِّل كمِّل يا شيخ. 

"وأما الآية فقد اختُلِف فيها، هل هي محكمة أو منسوخة، أو محمولةٌ على الندب؟ ولا قاطع يُبين أحد محاملها، بل القاطع المعلوم ما ذكره ابن بُكيرٍ في أحكامه: أن الكوفة افتُتحت بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد استقرار الأحكام بالمدينة، أفيجوز أن يتوهم متوهم، أو من له أدنى بصيرة أن تكون شريعةً مثل هذه عُطِّلت فلم يُعمل بها في دار الهجرة ومُستقر الوحي، ولا خلافة أبي بكر حتى عمل بذلك الكوفيون؟ إن هذه لمصيبةٌ فيمن ظن هذا، أو قال به.

قلت: ومما يدل على هذا من معنى التنزيل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] أتراه يكتم شيئًا أُمِر بتبليغه أو بيانه؟ حاشاه من ذلك، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] ومن كمال الدين كونه لم يؤخذ من الخضراوات شيئًا".

لم يأخذ.

"كونه لم يأخذ من الخضراوات شيئًا، وقال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيما رواه الدارقطني: إن المقاثئ كانت تكون عندنا تُخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء.

وقال الزهري والحسن: تُزكى أثمان الخضر إذا أينعت وبلغ الثمن مائتي درهم، وقاله الأوزاعي في ثمن الفواكه، ولا حجة في قولهما لما ذكرنا".

طالب:........

نعم مازال لم يذكره في (الأحكام) و(أحكام القرآن). هو الأصل، ابن العربي هو الأصل والقرطبي بسطه ونشره وزاد عليه، وإلا فابن العربي هو الأصل.

 نعم.

قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-: "وقال في كتاب (القبس بما عليه الإمام مالك بن أنس)".

هو في الأصل شرح للموطأ، وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

نعم هو منشور، دار الغرب نشروه، على كل حال مطبوع في دار الغرب، وهي من المطابع المُجوَّدة.

"فقال: قال الله تعالى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام:141] واختلف الناس في وجوب الزكاة في جميع ما تضمنته أو بعضه، وقد بيَّنا ذلك، في (الأحكام) لبابه، أن الزكاة إنما تتعلق بالمُقتات كما بيَّنا دون الخضراوات، وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأُترج، فما اعترضه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا ذكره ولا أحدٌ من خلفائه.

قلت: هذا وإن لم يذكره في (الأحكام) هو الصحيح".

هذا ذكره في (القبس) ما ذكره في (الأحكام) نعم.

"هو الصحيح في المسألة، وأن الخضراوات ليس فيها شيء، وأما الآية فقد اختُلِف فيها، هل هي محكمة؟".

طالب: نفس الكلام.

نفس الكلام اتركه، الصفحة كم من القرطبي؟

طالب: مائة وواحد.

مائة وواحد.

طالب:........

السابع تقسيمه معروف الثلاثة الأول: البقرة، والرابع: آل عمران، والخامس: النساء، وشيء من السادس: أكمل فيه المائدة، والأنعام وما بعدها في السابع إلى آخره، تتصورون الكتاب؟ لأنه مرَّ علينا بسنين؛ لأنه مرَّ علينا باثنين وعشرين سنة –والله المستعان- عُمر.  

 "وقد روى الترمذي عن معاذ: أنه كتب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الخضراوات، وهي البقول، فقال: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»، وقد روي هذا المعنى عن جابرٍ، وأنس، وعلي، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وأبي موسى، وعائشة، ذكر أحاديثهم الدارقطني -رحمه الله-.

وقال الترمذي: ليس يصح في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة -رحمه الله- بحديث صالح بن موسى، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ» قال أبو عمر: وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور أحد هكذا، وإنما هو من قول إبراهيم.

قلت: وإذا سقط الاستدلال من جهة السُّنَّة؛ لضعف أسانيدها، لم يبق إلا ما ذكرناه من تخصيص عموم الآية، وعموم قوله –صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» بما ذكرنا. انتهى كلام القرطبي.

وحُجة من قال: بأنه لا زكاة في غير الأربعة الُمجمع عليها التي هي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، هي الأحاديث التي قدمنا في أول هذا المبحث، وفيها حديث معاذٍ وأبي موسى الذي تقدم عن البيهقي أنه قويٌّ متصل.

وقال أبو يوسف ومحمد: ليس في شيءٍ من الخضر زكاة إلا ما كانت له ثمرةٌ باقية، سوى الزعفران ونحوه مما يوزن ففيه الزكاة، وكان مُحمد يعتبر في العصفر، والكتان البذر، فإذا بلغ بذرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق؛ كان العصفر والكتان تبعا للبذر، وأُخِذ منه العُشر أو نصف العُشر، وأما القطن فليس عنده فيما دون خمسة أحمالٍ شيء، والحمل ثلاثمائة مَنٍ بالعراقي، والورس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمنانٍ منها شيء، فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة.

وقال أبو يوسف: وكذلك قصب السكر الذي يكون منه السكر، ويكون في أرض العُشر دون أرض الخراج فيه ما في الزعفران، وأوجب عبد الملك بن الماجشون الزكاة في أصول الثمار دون البقول، وهو مخالفٌ لما عليه أهل مذهبه مالك وأصحابه. قاله القرطبي.

قف على هذا.