تعليق على تفسير سورة البقرة (60)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184} [البقرة:183-184]

 يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الآية".

الأمة، للمؤمنين من هذه الأمة؛ لأن هذه الأمة تنقسم إلى مؤمنين وهم أمة الإجابة، وإلى غيرهم وهم أمة الدعوة، فالخطاب يتجه للذين آمنوا وهم أمة الإجابة.

"وآمرًا لهم بالصيام وهو: الإمساك عن الطعام، والشراب، والوقاع، بنيةٍ خالصةٍ لله -عزَّ وجلَّ- لِما فيه من زكاة النفوس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة، والأخلاق الرذيلة، وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيه أسوة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك، كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [المائدة:48] الآية".

التشبيه في قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] هو تشبيهٌ من كل وجه أو من وجهٍ من الوجوه دون بعضها؛ لأنه لا يلزم من التشبيه المطابقة من كل وجه، أما التشبيه في الحكم في الكتابة في الإيجاب فهذا لا إشكال فيه، {كُتِبَ} [البقرة:183] {كَمَا كُتِبَ} [البقرة:183]، لكن المطابقة من كل وجه بأن يكون صيامنا كصيامهم كيفيةً ووقتًا، فهذا محل بحث عند أهل العلم، والمفسرون تعرضوا له؛ لأن التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، وحديث الرؤية «أنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» تشبيه لا شك أنه من وجهٍ دون وجه، وليكن هذا مثله، فهل صيامهم مطابق لصيامنا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؟ وهل إمساكهم عما أُمرنا بإمساكه بالإمساك عنه كانوا يمسكون كذلك؟ هذا يحتاج إلى مراجعة شرعهم، ومراجعة ما جاء، وإن كان قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] قد يُستشف منه هذا إلا أنه لا يلزم؛ لأن التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه.

طالب: فلهم فيه أو فيهم، الله يحفظك؟

نعم.

طالب: "فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيه" أو فيهم؟

"فلهم فيه أسوةٌ حسنة" الضمير يعود على مَن؟ "فلهم فيه" يعني: في الكتابة على من قبلنا أو في الصيام المكتوب على من قبلنا لنا فيه...

طالب:........

نعم.

طالب:........

"وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيه أسوةٌ حسنة" فيه عندك هذا الشيء؟

طالب: نفسه.

نعم.

طالب: "فلهم فيه".

يعني في هذا الإيجاب أو في الصيام الموجَب عليهم، لكن الائتساء والاقتداء إنما يكون بفاعل هذا الموجَب الذي امتثل ما كُتب عليه. 

"ولهذا قال هاهنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]؛ لأن الصوم فيه تزكيةٌ للبدن، وتضييقٌ لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، ثم بيَّن مقدار الصوم، وأنه ليس في كل يوم؛ لئلا يشق على النفوس فتضعف عن حمله وأدائه، بل في أيام معدودات. وقد كان هذا في ابتداء الإسلام، يصومون من كل شهرٍ ثلاثة أيام، ثم نُسخ بصوم شهر رمضان كما سيأتي بيانه.

وقد روي أن الصيام أولاً كما كان عليه الأمم قبلنا من كل شهرٍ ثلاثة أيام عن معاذٍ، وابن مسعودٍ وابن عباس، وعطاءٍ، وقتادة، والضحاك بن مُزاحم، وزاد: لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان.

وقال عباد بن منصور عن الحسن البصري: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة:183-184] فقال: نعم والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت، كما كُتب علينا شهرً كاملاً و{ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة:184] عددًا معلومًا، وروي عن السدي نحوه.

وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي عبد الرحمن المقري، قال: حدَّثني سعيد بن أبي أيوب، قال: حدَّثني عبد الله بن الوليد، عن أبي الربيع رجلٍ من أهل المدينة، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صِيَامُ رَمَضَانَ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ» في حديثٍ طويل اختُصر منه ذلك، وقال أبو جعفرٍ الرازي، عن الربيع بن أنس عمن حدَّثه عن ابن عمر قال: أُنزلت { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة:183] كُتب عليهم إذا صلى أحدهم العتمة ونام، حرُم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها، قال ابن أبي حاتم، وروي عن ابن عباسٍ، وأبي العالية، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنسٍ، وعطاءٍ الخراساني نحو ذلك، وقال عطاءٌ الخراساني عن ابن عباس { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة:183] يعني بذلك أهل الكتاب، وروي عن الشعبي، والسدي، وعطاءٍ الخراساني مثله".

في قوله: "إذا صلى أحدهم العتمة ونام، حرُم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها" وسيأتي في قصة قيس بن صِرمة أنه جاء من شغلٍ طويل في النهار وتعب، فاتكأ ينتظر الطعام فنام، فلمَّا استيقظ قد حرُم عليه الأكل يلزمه أن يُمسك حتى يصوم الغد، وينتهي وقت الصيام، ثم يأكل، وجاء من جاء وقال: إنه وقع على امرأته بعد أن نام وقبل لزوم الصيام، فنُسخ هذا، فلا يزال يأكل ويشرب ويُجامع حتى يطلع الفجر { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ } [البقرة:187] وكان قبل نزول هذه الآية إذا نام أحدهم حرُم عليه الطعام، والشراب، والجماع، والمفطرات. 

"ثم بيَّن حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فقال: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] أي: المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر؛ لِما في ذلك من المشقة عليهما، بل يفطران ويقضيان بعد ذلك من أيامٍ أُخر، وأما الصحيح المقيم الذي يُطيق الصيام فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يومٍ مسكينًا، فإن أطعم أكثر من مسكينٍ عن كل يومٍ فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام، قاله ابن مسعودٍ، وابن عباس، ومجاهد، وطاووس، ومقاتل بن حيان وغيرهم من السلف؛ ولهذا قال تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:184]".

لكن هذا التخيير بالنسبة للصحيح المقيم نُسخ بقوله –جلَّ وعلا-: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185] بدون تخيير.

"وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو النضر، قال: حدَّثنا المسعودي، قال: حدَّثنا عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبلٍ -رضي الله عنه- قال: أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأُحيل الصيام ثلاثة أحوال، فأما أحوال الصلاة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، وهو يصلي سبعة عشر شهرًا إلى بيت المقدس، ثم إن الله -عزَّ وجلَّ- أنزل عليه: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [البقرة:144] الآية، فوجهه الله إلى مكة هذا حول".

يعني هذه حالة من الحالات الثلاث، والحول من التحول والانتقال من حالٍ إلى حال، هذا الحال الأولى. 

"قال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضًا".

مجرد إخبار من غير صيغةٍ معينة، يقول الواحد للآخر حان وقت الصلاة أو دخل وقت الصلاة من دون أذان، وأرادوا أن يجعلوا شيئًا يعلمون به وقت الأذان، فحصلت الرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد، عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه غير عبد الله بن زيد بن عاصم راوي الوضوء، فرأى وهو بين النوم واليقظة، قال: طاف بي طائفٌ وأنا نائمٌ رجلٌ وبيده ناقوس، فقلت له: يا عبد الله أتبع الناقوس؟ قال: ماذا تريد به؟ قال: نُريد أن نُعلِم به وقت الصلاة، في روايةٍ رأى آخر وبيده نار، وهكذا إلى أن قال: ألا أدلك على ما هو خيرٌ من ذلك تقول: الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر إلى آخر الحديث بتربيع التكبير من غير ترجيع، فذكر ذلك هذه القصة أو هذه الرؤيا قصَّها على النبي –عليه الصلاة والسلام- فأقرها –عليه الصلاة والسلام- وقال: «ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتًا» فالتشريع حصل بإقراره –عليه الصلاة والسلام- لا بمجر الرؤيا؛ لأن الرؤى لا يثبت بها أحكام.

"قال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضًا، حتى نقسوا أو كادوا ينقسون".

يعني: يستعملون الناقوس، ناقوس النصارى.

"ثم إن رجلاً من الأنصار يُقال له: عبد الله بن زيد أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني رأيت فيما يرى النائم، ولو قلت: إني لم أكن نائمًا لصدقت، إني أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران، فاستقبل القبلة، فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مثنى..مثنى".

هذه الرواية مُختصرة.

 "مثنى..مثنى حتى فرغ من الأذان، ثم أمهل ساعة، ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في ذلك: قد قامت الصلاة.. قد قامت الصلاة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عَلِّمْهَا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا» فكان بلال أول من أذن بها.

قال: وجاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به، غير أنه سبقني فهذان حالان.

قال: وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعضها، فكان الرجل يُشير إلى رجلٍ إذن كم صلى؟ فيقول: واحدةً أو اثنتين فيصليهما، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، قال: فجاء معاذ فقال: لا أجده على حالٍ أبدًا إلا كنت عليها، ثم قضيت ما سبقني، قال: فجاء وقد سبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعضها، قال: فثبت معه، فلمَّا قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فقضى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا» فهذه ثلاثة أحوال".

هذه الحالة فيها الكلام في الصلاة، ويسأل المسبوق كم سُبق، فيُجاب، ثُم نُسخ هذا بقول الله– جلَّ وعلا-: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [البقرة:238] فنُسخ الكلام في الصلاة.

طالب:..........

موافقات عمر، تعرف أن لعمر موافقات؟ هذه الموافقات ليست بشيء لولا إقرار وتقرير القرآن، ليست بشيء لا قيمة لها في التشريع إلا بعد أن تُقر من الله -جلَّ وعلا-.

طالب: أقصد أقول: إذا كان هذا هو حال الصلاة، فلِما لم يأمر الرسول بها قبل أن يفعل فلان أو فلان؟

لأن تشريع الأحكام على أحوال بعضها يكون له سبب، وبعضها ابتداءً يُفرض ويُشرع، وما كان له سبب، يعني السبب ليس هو المثير والباعث على الحكم ليس هو المثير الوحيد، ولولا إقراره من الله أو من رسوله –عليه الصلاة والسلام- ما صار له قيمة، فعمر بشر من البشر وله موافقات أشار على النبي –عليه الصلاة والسلام- وأقره، فاكتسب التشريع من إقرار النبي– عليه الصلاة والسلام-.

طالب:..........

نعم.

طالب:..........

ما فيه شك أن الموافقات تدل على فضل.

"وأما أحوال الصيام فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة:183] إلى قوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا، فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله -عزَّ وجلَّ- أنزل الآية الأخرى { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة:185] إلى قوله: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان".

حالان.. حالان مثل السابق.

"فهذان حالان قال: وكانوا يأكلون ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صَرِمة".

صِرمة، أو قيس بن صِرمة، صِرمة بن قيس أو قيس بن صِرمة.

"كان يعمل صائمًا حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح".

جلس ينتظر الأكل ومع التعب نام، والقصة معروفة.

"فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائمًا، فرآه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد جهد جهدًا شديدًا، فقال: «مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَهِدْتَ جَهْدًا شَدِيدًا؟» قال: يا رسول الله، إني عملت أمس فجئت حين جئت، فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائمًا، قال: وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ-: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ } [البقرة:187] إلى قوله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187]، وأخرجه أبو داود في سُننه، والحاكم في مستدركه من حديث المسعودي به.

وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة أنها قالت: كان عاشوراء يُصام، فلمَّا نزل رمضان، كان من شاء صام ومن شاء أفطر، وروى البخاري عن ابن عمر، وابن مسعودٍ مثله.

وقوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] كما قال معاذ -رضي الله عنه-: كان في ابتداء الأمر من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا، وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال: لما نزلت { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها، وروي أيضًا من حديث عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: هي منسوخة، وقال السدي عن مرة، عن عبد الله، قال: لما نزلت هذه الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] قال: يقول: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } [البقرة:184] أي يتجشمونه".

يعني { يُطِيقُونَهُ } [البقرة:184] يستطيعونه لكن بنوع مشقة، التجشم: فعل الشيء مع نوع من المشقة، من ذلك لمَّا دخل النبي –عليه الصلاة والسلام- المسجد وجد الناس والمدينة مُحِمة فيها حُمى وجد الناس يصلون من قعود، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم» فتجشم الناس الصلاة قيامًا، يعني قاموا، استطاعوا القيام، لكن مع نوع مشقة، مثل هذا لا يُعفيهم يجعلهم يُصلون من قعود؛ لأنهم يستطيعون، فقاموا وصلوا، وهنا يتجشمون الصيام مع مشقته عليهم.

"قال عبد الله: فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا { فَمَن تَطَوَّعَ } [البقرة:184] قال: يقول: أطعم مسكينًا آخر { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة:184] فكانوا كذلك حتى نسختها { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185]".

ارتفع التخيير بالنسبة للمستطيع.

"وقال البخاري أيضًا: أخبرنا إسحاق، قال: حدَّثنا روحٌ، قال: حدَّثنا زكريا بن إسحاق، قال: حدَّثنا عمرو بن دينار، عن عطاءٍ: سمع ابن عباسٍ يقرأ: {وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين}، قال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيُطعمان".

بعض النَّسخ { يُطِيقُونَهُ } [البقرة:184] على الرسم ما هي على قراءة ابن عباس، ابن عباس يُطوقونه، وتكون في الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وأما من يُطيق فيلزمه الصيام.

"قال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يومٍ مسكينًا، وهكذا روى غير واحدٍ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ نحوه.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سِوار".

سَوار..سَوار.

"عن أشعث بن سَوار، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: نزلت هذه الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] في الشيخ الكبير الذي لا يُطيق الصوم، ثم ضعف فرُخِّص له أن يطعم مكان كل يومٍ مسكينًا.

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدَّثنا محمد بن أحمد، قال: حدَّثنا الحسن بن محمد بن بهرام".

ابن الحسين، نعم.

طالب: "الشيخ الكبير الذي لا يُطيق الصوم، ثم ضعف" الأصل أن يقول: الذي يُطيق الصوم.

أصله كان يُطيق، ثُم ضعف عن الإطاقة، صار يُطوَّق.

قال: "لا يُطيق الصوم".

أين؟

طالب: "الذي لا يُطيق الصوم".

كان يُطيق في الأول، ثم صار لا يُطيق.

طالب: الجملة قال: "في الشيخ الكبير الذي لا يُطيق الصوم ثم ضعف".

لا، في الأصل ما نحتاج إلى ثم إذا كان لا يُطيق الصوم ماذا يقول؟ ماذا عندك؟ الطبعة الثانية.

طالب:.........

غير الحسين، قبل "في الشيخ الكبير الذي لا يُطيق الصوم ثم ضعف".

طالب:.........

لا، الأصل أن الشيخ هذا كان يُطيق، ثم ضعف، فانتقل من حالٍ إلى حال.

"وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدَّثنا محمد بن أحمد، قال: حدَّثنا الحسن بن محمد بن بهرام المخرمي، قال: حدَّثنا وهب بن بقية، قال: حدَّثنا خالد بن عبد الله، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاءٍ في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184]، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا، ثم نُسخت الأولى إلى الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يومٍ مسكينًا وأفطر.

طالب:.........

نعم، لكن عطاء يأكل معناه أن الحكم مازال ثابتًا صح أم لا؟ الحكم حكم التخيير ثابت، وعطاء تابعي، ولا يكون نسخًا بعد وجود عطاء الذي هو تابعي، بعد موته –عليه الصلاة والسلام- فهل هو على الأمر الأول بحيث لم يبلغه الناسخ، ثم بيَّن له ابن عباس الحكم "دخلت على عطاءٍ في رمضان وهو يأكل".

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

اسمع يقول: "دخلت على عطاءٍ في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184]، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا" يعني لا زال على التخيير، ثم نزلت هذه الآية فنسخت الأولى "إلا الكبير الفاني فإن شاء أطعم عن كل يومٍ مسكينًا وأفطر" لكن عطاء وهو يأكل في رمضان، ابن عباس بيَّن له أن هذه الآية في أول الأمر، ثُم نُسِخت. 

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

لا، على التخيير نُسخ عند ابن عباس وغيره على الإطلاق، التخيير بين الصيام عند من يُطيق، والإطعام هذا منسوخ بالاتفاق { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185] ما فيه تخيير، لكن عطاء وهو يأكل في رمضان، ثم نقل عن ابن عباس إن هذا كان موجودًا فنُسخ، هل لأنه....

طالب: أن عطاء أصبح شيخًا كبيرًا.

شيخًا كبيرًا في عهد ابن عباس، أو نقل عن ابن عباس؟

طالب:.........

يعني في آخر عمره، حصل له هذا في آخر عمره، حصل له الإفطار في آخر عمره، ثم استدل بقول ابن عباس.

"فحاصل الأمر أن النسخ ثابتٌ في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه بقوله: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185]، وأما الشيخ الفاني الهرِم الذي لا يستطيع الصيام، فله أن يفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه ليست له حالٌ يصير إليها يتمكن فيها من القضاء".

فيكون حكمه حكم الصبي، هي مرحلة من مراحل العمر لا يُطيق، كبير فانٍ حكمه حكم الصبي، على هذا الكلام، وإلا فالعامة على أنه مادام عقله ثابتًا فإنه إذا لم يستطع الصيام فإنه يُطعم.

"ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يُطعم عن كل يوم مسكينًا إذا كان ذا جِدة؟ فيه قولان للعلماء:

أحدهما: لا يجب عليه إطعام؛ لأنه ضعيفٌ عنه لسِنه، فلم يجب عليه فديةٌ كالصبي؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني: وهو الصحيح وعليه أكثر العلماء أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسَّره ابن عباسٍ وغيره من السلف على قراءة من قرأ: {وعلى الذين يطوقونه} أي: يتجشمونه، كما قاله ابن مسعودٍ وغيره، وهو اختيار البخاري، فإنه قال: وأما الشيخ الكبير إذا لم يُطق الصيام، فقد أطعم أنس بعد ما كبر عامًا أو عامين عن كل يومٍ مسكينًا، خبزًا ولحمًا وأفطر".

لأن أنسًا تجاوز المائة، مات عن مائةٍ وثلاث سنين.

وهذا الذي.

"وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، فقال: حدَّثنا عُبيد الله بن معاذ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا عمران عن أيوب بن أبي تميمة، قال: ضعف أنس عن الصوم".

السختياني، أيوب بن أبي تميمة السختياني.

"قال: ضعف أنس عن الصوم، فصنع جفنةً من ثريد، فدعا ثلاثين مسكينًا فأطعمهم، ورواه عبد بن حُميد، عن روح بن عبادة، عن عمران وهو ابن حدير، عن أيوبٍ به. ورواه عبد أيضًا من حديث ستةٍ من أصحاب أنس عن أنسٍ بمعناه".

يعني هو ثابت عن أنس -رضي الله عنه-.

طالب:........

يعني هل يجمعهم ويُكفِّر قبل لزوم الفدية في أول الشهر قبل أن تلزمه هذه الكفارة، أو ليس له ذلك حتى تلزمه الكفارة؟ مضى نظيره في الأيمان والنذور، وهو أن التقديم تقديم الكفارة على حديث «وإني لا أحلف على شيءٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفَّرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» قبل أن يقع عليه لزوم الكفارة، القاعدة كما قرر الحافظ ابن رجب أن كل عملٍ كل عبادةٍ كانت أو عقدًا لها سبب وجوب، ووقت وجوب قبل السبب لا يجوز إطلاقًا، قبل أن يُباشر ما يقتضي الكفارة.

وعلى كل حال هناك أيضًا منطلق لتقعيد هذه المسألة وهي هل الشهر عبادة واحدة أو عبادات متعددة كل يومٍ عبادة مستقلة، ويترتب على ذلك من جامع في كل يوم من أيام رمضان، هل يلزمه كفارة واحدة أو أن الكفارات تتداخل، أو يلزمه عن كل يومٍ كفارة باعتبار أن كل يوم عبادة مستقلة؟

وعلى كل حال هل أنس بن مالك جمعهم على هذه المائدة بعدد الثلاثين في أول الشهر أو في آخره؟ لمَّا باشر سبب الوجوب أو لمَّا حان وقت الوجوب؟

طالب:........

في شيء؟ أيهما؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

نعم، يجوز قبل الحنث بعد انعقاد اليمين وقبل الحنث هذا ما فيه إشكال؛ لأن النص في الصحيحين، لكن هنا لأنا إن نظرنا إلى القاعدة التي قررها ابن رجب، قلنا: يجوز مادام باشر أول يوم من الإفطار الموجِب للكفارة، ورمضان عبادة واحدة، قلنا: ما فيه ما يمنع أن يُطعم الثلاثين في أول يوم، وإن قلنا: إن كل يوم عبادة مستقلة، قلنا: إنه يُطعم كل يومٍ بيومه أو يجمعها في الأخير؛ لأنه لا يلزم أن يُكفِّر عن كل يوم بيومه.     

"ومما يلتحق بهذا المعنى الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، ففيهما خلافٌ كثيرٌ بين العلماء، فمنهم من قال: يفطران، ويفديان، ويقضيان، وقيل: يفديان فقط ولا قضاء، وقيل: يجب القضاء بلا فدية، وقيل: يفطران ولا فدية ولا قضاء، وقد بسطنا هذه المسألة مستقصاة من كتاب الصيام الذي أفردناه، ولله الحمد والمِنَّة".

نعم الحامل والمرضع يُفرق أهل العلم بأن تكون الخشية على نفسيهما أو على ولديهما، فإن كانت الخشية على نفسيهما كانتا كالمريض يقضيان ولا فدية، وإن كانت الخشية على ولديهما ولا ضرر عليهما لو صامتا، فإنه حينئذٍ يلزم القضاء والفدية، والشيخ ذكر ثلاثة أقوال: يقول: "منهم من قال: يفطران، ويفديان، ويقضيان" بإطلاق سواءً كانت الخشية على نفسيهما أو على ولديهما، "وقيل: يفديان ولا قضاء"؛ لأنه حينئذٍ لا يُجمع بين البدل والمبدل، فالفدية بدلٌ عن الصيام، "وقيل: يجب القضاء بلا فدية"؛ لأنه إذا حصل الأصل فلا داعي للبدل { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] "وقيل: يفطران ولا فدية ولا قضاء"؛ لأنهما مرخصٌ لهما كما قيل فيما إذا أفطر الصائم لعذر السفر أو المرض، ثم جاء رمضان آخر فلم يقضِ، الجمهور على أنه يلزمه مع القضاء فدية إطعام، والبخاري ورأي أبي هريرة وجمع من الصحابة أنه إذا قضى فلا فدية عليه؛ لأن الله –جلَّ وعلا- قال: { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] ولم يذكر شيئًا زائدًا على ذلك.

طالب:........

نعم.

طالب:........

نعم، ما عليه شيء لا فدية ولا قضاء.

طالب: مثل الصبي؟

نعم.

طالب: جعله مثل الصبي؟

المرأة إذا أفطرت فهي معذورة بالإفطار، ولا نص يدل على إلزامها بالفدية، لكنها أفطرت في رمضان، فيشملها { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184].

طالب:........

نعم.

طالب: القول الرابع هذا ما له وجه.

"وقيل: يفطران ولا فدية ولا قضاء" هذا ما له وجه.

طالب:........

العبادات؟

طالب:........

فيه أحد يُخالف في أن الصلاة أفضل من الزكاة؟ فيه أحد يُخالف؟ يعني قولهم: العبادات متعدية أفضل من اللازمة هذا في الجملة يعني غالبًا، وإلا فما أحد يُنازع في أن الصلاة أفضل من الزكاة، وهذه عبادة لازمة، وتلك عبادة متعدية.

طالب:........

ماذا فيه؟

طالب:........

لا حتى المأموم تخالك مأموم كونك تترك الصلاة والنفع في الصلاة قاصر، يعني هل هو أقل شأنًا من أن تترك الزكاة ونفعها متعدٍّ؟ ما قال بهذا أحد.

"قول تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] يمدح  تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن؛ لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، قال: حدَّثنا عمران أبو العوام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة يعني: ابن الأسقع: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ»

وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه: أن الزبور نزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة، والباقي كما تقدم، رواه ابن مردويه. وأما الصحف، والتوراة، والزبور، والإنجيل، فنزل كل منها على النبي الذي أُنزل عليه جملةً واحدة، وأما القرآن فإنما نزل جملةً واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1]، وقال: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3]، ثم نزل بعد ذلك مُفرَّقًا بحسب الوقائع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس، كما قال إسرائيل عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مِقسم، عن ابن عباس: أنه سأل عطية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك، قول الله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة:185]، وقوله: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3]، وقوله: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1] وقد أُنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع، فقال ابن عباس: إنه أُنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلةٍ مباركة جملةً واحدة، ثم أُنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام، رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وهذا لفظه.

وفي رواية سعيد بن جبيرٍ عن ابن عباسٍ، قال، أُنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا، فجُعل في بيت العزة، ثم أُنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عشرين سنة لجواب كلام الناس، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر، إلى هذه السماء".

جاء في بعض الآثار في تفسير قوله –جلَّ وعلا-: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3] أنها ليلة النصف من شعبان، ولكن هذا القول مردودٌ بنص القرآن، وأن القرآن أُنزل يعني بدأ تنزيله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان بالاتفاق.

طالب:........

هو أُنزل جملةً ليلة القدر على كلام ابن عباس، ليلة القدر أُنزل إلى السماء الدنيا، ومنه نزل مُنجمًا مُفرَّقًا في سائر العام، لكن بداية التنزيل في رمضان بلا شك، وبعضهم يرى أن هذا إن صح عن ابن عباس فهو اجتهادٌ منه، ولكنه مما لا مجال للرأي فيه، فبعضهم يرى أن هذا صحيح، وأن القرآن نُزل جملةً واحدة من بيت العزة أو من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مُنجمًا، وإذا تُؤمِّل هذا القول وُجِد فيه ما فيه مما يُلحظ، مما يتعلق بالنزول، وأن السور التي تأخر نزولها كانت يعني ما يتعلق بـ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3] نعم.

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3] على كلام ابن عباس أن هذه الآية نزلت في أول ما نزل إلى السماء الدنيا، ومقتضى لفظها أنها نزلت في يوم عرفة من حجة الوداع.

فما معنى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3] وقد نزلت هذه الآية للسماء الدنيا قبل ذلك بثلاثة وعشرين سنة، فالمسألة محل بحث، والحمد لله، ليست من أمور الاعتقاد، ليست من مسائل الاعتقاد.

"ثم أُنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عشرين سنة لجواب كلام الناس، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر، إلى هذه السماء الدنيا جملةً واحدة، وكان الله يُحدث لنبيه ما شاء، ولا يجيء المشركون بمثلٍ يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه، وذلك قوله: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) } [الفرقان:32-33].

وقوله: { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185]".

طالب:........

وقوله.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

فيه سَقط؟

طالب:........

كم؟

طالب:........

عندك ماذا؟

طالب:........

نقل عن الرازي هو؟

طالب: أجعله يقرأه يا شيخ؟

نعم.

"قال فخر الدين: ويُحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثله من اللوح إلى سماء الدنيا، وتوقف هل هذا أولى أو الأول؟ وهذا الذي جعله احتمالاً نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان، وحكى الإجماع على أن القرآن نزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وحكى الرازي عن سفيان بن عُيينة وغيره أن المراد بقوله: { الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة:185] أي: في فضله أو وجوب صومه، وهذا غريبٌ جدًّا".

......